-->
علوم قانونية وادارية علوم قانونية وادارية

اخر المواضيع

جاري التحميل ...

مادة السلطة والنفوذ في الاسلام د.احمد العلمي : هل للإسلام نظام اجتماعي؟ وما طبيعته؟

  هل للإسلام نظام اجتماعي؟ وما طبيعته؟


يتعين في هذه النقطة الجواب على سؤالين: 1- هل للإسلام نظام اجتماعي وسياسي؟ 2-وما هي طبيعة هذا النظام؟
1- هل للإسلام نظام اجتماعي وسياسي؟
لم يسبق أن تساءل أي مفكر أو عالم أو فقيه أو رجل قانون مسلم خلال ثلاثة عشر قرنا عن وجود نظام اجتماعي سياسي إسلامي، ولا شكك أحد أو طعن فيه. والسبب أن هذا النظام جزء عضوي من الإسلام نفسه ومن رسالته ومن مقصود نزوله إلى البشرية، فلا معنى للإسلام ولا وجود له خارج الحياة، ولا تكليف له لإنسان دون مجتمع، بل تتعلق أحكامه بكل أفعال المكلفين في جميع المجالات.
لكن مع سقوط الخلافة العثمانية في أوائل القرن العشرين، طرح عدد من أتباع المدرسة العلمانية في العالم الإسلامي شبهة عدم وجود نظرية إسلامية للحكم، وأن الإسلام علاقة فردية بين الإنسان وربه، كالمسيحية ولا فرق، وكان غرضهم من هذا الطعن في النظام الإسلامي اتباع النظريات الغربية وجعلها المصدر الوحيد للدستور والقانون والتنظيم الاجتماعي عموما.
والحقيقة أن أخطر المشككين في النظام الإسلامي كان هو علي عبد الرازق، بكتابه "الإسلام وأصول الحكم" الذي ألفه في أبريل سنة 1925، ومصدر خطورته هو معرفة هذا الكاتب بالثقافة الإسلامية وكونه من أبناء الأزهر، وأول مسلم ينادي بمبدإ العلمانية ، مما جعله المرجع الأول لكل الطاعنين في نظام الحكم في الإسلام طيلة القرن العشرين.
ومجمل نظرية علي عبد الرازق في هذا الكتاب أن الإسلام لا يحتوي على نظرية مستقلة في الحكم، ولا طلب إقامة حكومة، وقام –لدعم مقولته- بتأويل كل النصوص والأفعال الشرعية المتعلقة بأحكام النظام الإسلامي، بأنها خاصة بالرسول ص، أو بأنه لا تنص نصا صريحا على "الدولة" و"السلطة"، أو أن مضامينها مجرد أعراف غير ملزمة لسائر الناس.
وقد رد عدد واسع من العلماء والمفكرين المعاصرين لعلي عبد الرازق على شبهته هذه التي تفرد بها، وفندوها بالحجج الدامغة والأدلة الوافية.
لكن الوقائع والأحداث السياسية والعسكرية في العالم الإسلامي خلال القرن العشرين، وتواتر البحوث والدراسات القانونية والفقهية والفكرية في هذا المجال، كل ذلك تجاوز هذه الشبهة وجعل منها جزءا من تاريخ الأفكار المعاصرة، ولم يعد يستطيع ذو عقل سليم ومعرفة صحيحة القول إن النظام الإسلامي غير موجود من الأساس. وأصبح السؤال الرائج هو التوفيق بين مقتضيات هذا النظام وبين الأنظمة السائدة في العالم الإسلامي، أو ما هي الصيغ التطبيقية التي "يمكن" بها وضع النظام الإسلامي حيز التنفيذ رغم إكراهات المناخ الدولي الذي يتخوف منه بسبب ظروف تاريخية ونفسية وثقافية معروفة.
لذلك لن نعرج على محتوى هذه الشبهة بالرد والمناقشة، إذ في ما سبق ويأتي من محتوى هذا المقرر الحجج الكافية مجملة ومفصلة على هذا النظام، وأكتفي أن أسرد جملة من نصوص بعض المستشرقين والدارسين الغربيين الذين اعترفوا للإسلام بالخاصية الاجتماعية والسياسية، وقيمة هذه النصوص أنها اعتراف من دارسين أجانب بأمور من الإسلام، ما كان ينبغي أن يكون فيها متشكك من أهل النخبة المثقفة في العالم الإسلامي..
-يقول د فتزجرالد في كتابه القانون المحمدي ص:1"ليس الإسلام دينا فحسب(a religion) ولكنه نظام سياسي أيضا، وعلى الرغم من أنه ظهر في العهد الأخير بعض أفراد من المسلمين ممن يصفون أنفسهم بأنهم "عصريون" يحاولوا أن يفصلوا بين الناحيتين، فإن صرح التفكير الإسلامي كله قد بني على أساس أن الجانبين متلازمان، لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر".
-يقول ذ نلليو –حسبما نقل عنه أرلوند في كتابه "الخلافة" ص: 198-: "لقد أسس محمد في وقت واحد دينا ودولة، وكانت حدودهما متطابقة طوال حياته".
-يقول د شاخت في موسوعية العلوم الاجتماعية 8/333: "على أن الإسلام يعني أكثر من دين إنه يمثل أيضا نظريات قانونية وسياسية، وجملة القول إنه نظام كامل من الثقافة يشمل الدين والدولة معا".
-يقول ذ ستروثمان في دائرة المعارف الإسلامية 4/350: "الإسلام ظاهرة دينية سياسية، إذ إن مؤسسه كان نبيا وكان سياسيا حكيما أو رجل دولة".
-يقول ماكدونالد في كتابه التطور التيولوجي والقانوني والدستوري في الإسلام ص: 67: "هنا [أي في المدينة] تكونت الدولة الإسلامية الأولى ووضعت المبادئ الأساسية للقانون الإسلامي".
- يقول السير أرلوند في كتابه الخلافة ص: 30: "كان النبي في نفس الوقت رئيسا للدين ورئيسا للدولة".
-يقول الأستاذ جب في كتابه المحمدية ص: 3: "عندئذ صار واضحا أن الإسلام لم يكن مجرد عقائد دينية فردية، وإنما استوجب إقامة مجتمع مستقل، له أسلوبه المعين في الحكم وله قوانينه وأنظمته الخاصة به" .
2-ما طبيعة النظام السياسي الإسلامي؟
هل توجد صفة من الصفات التي توصف بها الأنظمة السياسية يمكن أن ينعت بها النظام الإسلامي؟ فهل هو نظام "ديمقراطي" أو هو "تيوقراطي" أو "أوتوقراطي" أو مزيج منها أو هو شيء آخر مستقل عنها جميعا؟
لقد اختلفت إجابة الدارسين المعاصرين عن هذا السؤال بحسب نظر كل منهم، فبالنسبة للعلماء والمفكرين والفلاسفة ورجال القانون والفقه الإسلاميين فالنظام الإسلامي يأخذ في بعض جوانبه بطرف من كل هذه النظم، ولكنه في جوهره مستقل بذاته، لا يطابق أيا منها، وأما بالنسبة للدارسين الأوربيين وأنصار المدرسة العلمانية فإنهم اختلفوا حسب ما رأوا أنه السمة البارزة في هذا النظام، وهذا عرض ملخص لبعض هذه الآراء:
-قال ذ سنتيلانه "santillana" في كتابه the legacy of islam ص: 286: "الإسلام هو حكومة الله المباشرة، يحكمها الله الذي يرعى شعبه دائما، فالدولة في الإسلام يمثلها الله، حتى الموظفون العموميون هم موظفون عند الله". فالإسلام في نظره حكومة ثيوقراطية..
- ويقول الأستاذ موير في كتابه الخلافة ص: 600: "المثال والنموذج للحكم الإسلامي هو الحاكم المستبد المطلق" أي أن الإسلام عنده ذو حكومة "أوتوقراطية" استبدادية..
-وقريب منه قوله ماكدونالد في كتابه السابق الذكر ص: 58: "مع بعض القيود يلزم أن يحكم الإمام كحاكم مطلق".
-زاد ذ مرجيليوث في كتابه "المحمدية" ص: 93: "إنه يمكن أن يقال إن مبدأ الحكومة "الأوتوقراطية" أي الاستبدادية قد ظل مسلما به، لا يجادل أحد فيه في الأقطار الإسلامية، حتى القرن التاسع عشر، وذلك حين وصلت الموجة التي صدرت عن الثورة الفرنسية عن طريق تركيا إلى المناطق الحارة" ثم يقول: إن ملاءمة "المنطقة الحارة للمبادئ الدستورية موضع شك"، واستدل على ذلك بأن كلمات "أكثرية – أغلبية – صوت – انتخاب.." لم تعترف في الشرق إلا حديثا .
-يقول أرلوند في دائرة المعارف الإسلامية 2/884 عن الحكومة الإسلامية: "إنها أوتوقراطية أدعى لها، لأنها مبنية على الوحي الإلهي"، ثم قال: "وقد جعل واجبا دينيا مؤكدا على الفرد المسلم أن يطيع الحكومة الاستبدادية التي يقوم عليها الخليفة".
فهؤلاء جميعا يرون الحكم الإسلامي جامعا بين كونه حكما دينيا "ثيوقراطيا" واستبداديا "أوتوقراطيا".. والذي دعاهم إلى هذا الرأي –بالإضافة إلى كونهم مستشرقين يجمعون بين التعصب وقلة الدراية- هو أنهم أصدروا أحكامهم هذه استنادا إلى الخلافة الواقعية التي سادت في التاريخ الإسلامي في كثير من فتراته، فهم لا يميزون بين المبادئ الإسلامية في الحكم كفكر وقانون ونظريات، وبين ما حدث في العالم الإسلامي من ممارسات الحكام التي اعتبرت بإجماع خارجة عن المبادئ الشرعية في الحكم..
- وقال علي عبد الرازق في كتابه "الإسلام وأصول الحكم" ص: 35: "إن يكن الفقهاء أرادوا بالإمامة والخلافة ذلك الذي يريده علماء السياسة بالحكومة كان صحيحا ما يقولون من أن إقامة الشعائر الدينية وصلاح الرعية يتوقفان على الخلافة بمعنى الحكومة في أي صورة كانت الحكومة ومن أي نوع: مطلقة أو مقيدة، فردية أو جمهورية، استبدادية أو دستورية أو شورية ديمقراطية أو اشتراكية أو بلشفية .."، والعجب هنا كيف جعل الكاتب كل هذا الخليط من الأنظمة مع ما بينها من اختلاف وتناقض هو الممثل للنظام الإسلامي؟
-ويقول ذ مجيد خدوري في كتابه الحرب والسلم في القانون الإسلامي ص: 7: "إن نظام الحكم في الإسلام –وإن كان أقرب شيء إليه التيوقراطية- أولى أن يسمى "النوموقراطية" وهذه تعني "حكومة القانون" أي التي يكون فيها القانون صاحب السيادة".
-وقال طه حسين في كتابه الفتنة الكبرى ص: 31: "لم يكن نظام الحكم الإسلامي في ذلك العهد إذن نظام حكم مطلق ولا نظاما ديمقراطيا على نحو ما عرف عند اليونان، ولا نظاما ملكيا أو جمهوريا أو قيصريا مقيدا على نحو ما عرف عند الرومان، وإنما كان عربيا خالصا.. فهو لم يكن ملكا، ولم يؤذ النبي وصاحبيه شيء كما كان يؤذيهم أن يظن بهم الملك، وهو لم يكن جمهوريا، فلم نعرف في نظم الجمهورية نظاما يتيح للرئيس المنتخب أن يرقى إلى الحكم فلا ينزله عنه إلا الموت، ولم يكن قيصريا بالمعنى الذي عرفه الرومان، فلم يكن الجيش هو الذي يختار الخليفة، فهو إذن نظام عربي إسلامي خالص لم يسبق العرب إليه ثم لم يقلدوا بعد ذلك فيه". وكلام طه حسين هنا يقرر جانبا من الحكم الصحيح على النظام الإسلامي، إلا في وصفه له بأنه عربي خالص خطأ من وجهين، أولهما: أن الدين الإسلامي دين إنساني وليس عربيا، وإلا فإنه وصفه بالعربي يستلزم نوعا من العنصرية يتنزه عنها النظام الإسلامي. والثاني: أن العرب لم تعرف في تاريخها الطويل سوى النظام الملكي أو القبلي أو الفوضوية، ولم تعرف نمط "الخلافة" الإسلامية، بل إنها إنما قاومت الإسلام وحاربت النبي ص دفاعا عن قيمها وأنظمتها القبلية التي لا تتفق مع الإسلام.
والقول بأن الإسلام نظام ثيوقراطي خطأ، قال ضياء الدين الريس: "إن الثيوقراطية إنما يقصد بها حكومة الإله أو الآلهة، أو زعماء روحيين مقدسين، ومن أمثلتها حكومة البابوات في العصور الوسطى، فيكون لهؤلاء الرؤساء سلطات روحية، ولهم حق الغفران والحرمان، وتجب لهم الطاعة المطلقة، وأقوالهم قانون، لأنهم يدعون أنهم يمثلون الإرادة الإلهية، والإسلام ليس كذلك، فهو خال من الكهانة، وليس لهيئة خاصة حق احتكار الشريعة أو أنها تتمتع بخصائص روحية، وما الإمام أو رئيس الدولة في إلا منفذ للشريعة، خاضع لأحكامها، وهو معين من قبل الأمة التي تنتخبه ولها الحق أن تعزله، وحق الاجتهاد مقرر للفرد، كما أن إرادة الأمة التي تصدر في صورة إجماع معترف بها أنها جزء أساسي من الشريعة، فمن كل هذه الوجوه يخالف الإسلام إذن الثيوقراطية" .
-وهناك آراء كثيرة تنص على أن للإسلام نظاما ديمقراطيا، نظرا لما تتمتع به الأمة من قيمة فيه, ولما يشتمل عليه الإسلام من مبادئ ديمقراطية، كالمساواة أمام القانون وحرية الرأي، وكفالة الحقوق، لكن بين الإسلام والديمقراطية فروق كثيرة أهمها:
1- أن المراد بكلمة الأمة أو الشعب في الديمقراطية الغربية أنه مجموعة من الناس المحصورين في حدود جغرافية وتعيش في إقليم واحد، وتجمع بين أفراده روابط من الدم والجنس واللغة والعادات المشتركة، أي أن الديقراطية مقترنة بفكرة "القومية" ودولتها دولة قومية. أما الإسلام فمختلف، فليست الأمة عنده هي التي ترتبط برابطة المكان واللغة والجنس والدم، بل رابطة الأمة الأساسية هي رابطة وحدة العقيدة الإسلامية، فكل من اعتنق الإسلام فهو عضو في الأمة الإسلامية، فنظرة الإسلام إنسانية وأفقه عالمي، قال تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس) (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) على أنه لا يطلب إلغاء راوبط الدم واللغة والعادات، بل يؤكدها، قال تعالى (ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم)، وقال: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) ..
2- أن أهداف الديمقراطية الغربية هي أغراض دنيوية مادية ترمي إلى تحقيق سعادة أمة أو شعب بعينه، من حيث تحقيق مطالبه في هذه الحياة الدنيا فقط، كإنماء الثروة أو الرفع من الأجور أو كسب حربي ما، لكن أغراض النظام الإسلامي تشمل الأهداف الدنيوية والأخروية معا، قال ابن خلدون في غرض الإمامة: إنها "لتحقيق مصالح الناس الأخروية والدنيوية".
3- أن سلطة الأمة في الديمقراطية الغربية مطلقة، فالأمة حقا وعلى الإطلاق هي صاحبة السيادة، هي –أو المجلس الذي تنتخبه- التي تضع القانون أو تلغيه، والقرارات التي تصدر عن هذا المجلس تصبح قانونا واجبا النفاذ وتجب له الطاعة، حتى وإن جاءت مخالفة للقانون الأخلاقي أو متعارضة مع المصالح الإنسانية العامة، فالديمقراطية مثلا تعلن الحرب من أجل سيادة شعب على شعب، أو الاستيلاء على سوق أو احتلال مكان، أو احتكار منابع النفط.. لكن في الإسلام ليست سلطة الأمة مطلقة هكذا ، وإنما هي مقيدة بالشريعة نفسها، ولا تستطيع أن تتصرف إلا في حدود القانون الإسلامي.
قال ذ الريس: "فما دمنا قد أثبتنا أن الإسلام لا يتطابق مع أي من النظم السابقة التي عددناها، فليس الحاكم إذن هو صاحب السيادة، لأن الإسلام ليس "أوتوقراطية"، ولا رجال الدين أو الآلهة لأنه ليس ثيوقراطية، ولا القانون وحده لأنه ليس نومقراطية، ولا الأمة وحدها لأنه ليس ديمقراطية بهذا المعنى الضيق، وإنما الجواب الصحيح أن السيادة فيه مزدوجة، فالسيد أمران مجتمعان، ينبغي أن يظلا متلازمين، ولا يتصور قيام الدولة وبقاؤها إلا بوجود هذا التلازم، هذان الأمران هما: 1 الأمة، 2-القانون أو شريعة الإسلام، فالأمة والشريعة معا هما صاحب السيادة في الدولة الإسلامية.
فالدولة الإسلامية إذن على هذه الصورة نظام فريد خاص بالإسلام، لا يصح القول بأنه يتطابق مع أي من النظم المعروفة، ولذا فإنه ينبغي أن يوضع لها اصطلاح خاص، وتسمى باسم يمثل حقيقتها، وما دام هذا الاسم لم يوضع، ولم يهتد إليه بعد، فنكتفي بأن يشار إليها بصفة مجملة على أنه "النظام الإسلامي"، فإذا كان لا بد من استعمال لفظ ديمقراطية ، مع مراعاة الفروق الأساسية التي بيناها سابقا، فيمكن أن يوصف هذا النظام على وجه تقريبي بأنه ديمقراطية، إنسانية عالمية دينية أخلاقية روحية ومادية معا، أو يجوز –وهذه المعاني ماثلة في الذهن- أن تجمع كل هذه الصفات في تعبير موجز فيقال: إنها الديمقراطية الإسلامية"

شاركنا بتعليقك...

التعليقات



، اشترك معنا ليصلك جديد الموقع اول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

احصائيات الموقع

جميع الحقوق محفوظة

علوم قانونية وادارية

2010-2019