-->
علوم قانونية وادارية علوم قانونية وادارية

اخر المواضيع

جاري التحميل ...

مادة السلطة والنفوذ في الاسلام د.احمد العلمي: خصائص النظام الإسلامي نظم إرادية ونظم حتمية

 خصائص النظام الإسلامي: نظم إرادية ونظم حتمية

أهمية التصنيف وبيان الخصائص هي التمكن من مقارنة النظام الإسلامي مع النظم الأوربية الحديثة من جهة، ومن جهة أخرى تخريج الخطوط العريضة الضرورية لإقامة النظام الإسلامي وامتداده في هذا العصر، والتصنيف هنا يعتمد عقيدة النظام وشعبيته لا على شكل الحكومة.
يتميز النظام الإسلامي في الحكم بثلاث خصائص كبرى هي: أ- الحتمية ب- المذهبية ج- الحرية الشعبية.
الفصل الأول: الحتمية
تنقسم النظم عموما إلى قسمين كبيرين: نظم إرادية ونظم حتميةأ- النظم الإرادية
النظم الإرادية: هي التي يسند أصحابها أساس النظم الإنسانية إلى "إرادة الإنسان"، فترى أن الإنسان هو صانع النظم، وصانع الدولة ، وصانع القوانين وسائر الأوضاع، وذلك باستقلال عن أية مرجعية دينية أو أخلاقية.
وقد قويت الأفكار الإرادية ونادى بها أنصار "الحقوق الطبيعية" و"العقد الاجتماعي"، مثل روسو وهوبز ومنتسكيو.
ملخص نظرية هؤلاء أن الإنسان في حالته الفطرية الطبيعية الأولى كان كامل الحرية مالكا لكل شيء، فلما احتاج إلى الاجتماع اتفق الأفراد على "عقد اجتماعي" أبرموه فيما بينهم، تنازلوا بمقتضاه عن بعض حرياتهم، على أن تبقى حقوقهم مطلقة في سائرها، فلا يجوز بعدها تقييد الحريات إلا بالإرادة العامة، ولما كان متعذرا جمع الناس جميعا لتعديل العقد الاجتماعي الأول عند الرغبة في إضافة قيود جديدة للحريات، فإنهم أناطوا الاختصاص بذلك لنواب يتنخبهم الشعب وتتشكل منهم سلطة تشريعية.
وقد انتصرت تعاليم هذه المدرسة بنجاح الثورة الفرنسية، وهي مصدر الفكر الديمقراطي الليبرالي الحر، وتسمى هذه المدرسة بالمدرسة الفردية لأنها تعتبر الفرد أساس المجتمع.
ففي هذه المدرسة وهذا النظام تكون "المصلحة الشخصية" هي الهدف، الذي يعمل له كل فرد ، وتكون حقوقه "مصلحة يحميها القانون"، ويكون كل فرد مطلق الحرية في أن يتصرف في نطاق حقوقه الخاصة ما دام لا يضر بالغير ولا يخالف القانون، ولذلك تسمى هذه المدرسة بـ"المدرسة الذاتية".
ويقتصر دور الدولة في هذا النظام في الأصل على تأمين الحريات للأفراد والعمل على عدم تضاربها.
-ما يترتب على النظم الإرادية
تترتب على النظام الإرادي النتائج التالية:
أولا: أن سلطة المشرع الوضعي في سن التشريعات تكون مطلقة، إذ إن له حقا ذاتيا في التشريع كيف يشاء، وكل الظروف العامة التي يتأثر بها المشرع هي مناسبة تقدر عند التشريع، ولكنها لا تجبره على أمر معين.
ويرتبط بهذا الأساس القول بـ"التحديد الذاتي" للدولة، إذ تصير هي مرجعية ذاتها لا تعلوها أية مرجعية متجاوزة لها، مما يجعل للدولة سلطة مطلقة في تحديد النظام حسبما ترى، وإصدار القوانين كيف تشاء، إلا أنها متى أصدرت شيئا من ذلك التزمت به .
غير أن من عيوب الحرية التي يتمتع بها المشرع الوضعي في هذا النظام أن القانون أصبح أداة طيعة في يد النظام الذي يسود الحكم ، وأصبح من السهل أن تستولي المصالح الوقتية على الأداة التشريعية وأن توجهها كيف تشاء.
ثانيا: أن المشروعية في هذا النظام هي مشروعية شكلية تعتمد على جهة الإصدار أعلاها الدستور ثم القانون ثم القرارات والتصرفات الفردية.
ثالثا: أن الحريات والحقوق تكون "مطلقة" لأصحابها، لا حدود لها ولا ضابط إلا 1- أن يقيدها القانون بنص صريح، 2- أو لاعتبارات النظام العام، 3- أو ما لم تضر بالغير.
ب- النظم الحتمية.
هي النظم التي تستند إلى قوة حتمية تعلو إرادة أفراد المجتمع ، ويجب على المشرع الوقتي أن يحاول اكتشافها وأن يتابعها فيما تقتضيه.
هذا النوع ينطلق من "المبادئ والمثل" التي تهيمن على المجتمع لا من المجتمع نفسه، أي من الأرضية التي يتقاسمها الأفراد كحقوق ذاتية بهم.
والنظريات الحتمية تسمى أيضا بنظريات المدرسة الموضوعية، وذلك بسبب أنها لا تنظر إلى الحقوق الخاصة أو الذاتية للأفراد كالنظرية الإرادية ، ولكنها تنظر إلى موضوع معين هو الهدف أو الغرض الاجتماعي الذي يسيطر على الجماعة.
وأصل النظم الحتمية هو "حكم الكنيسة"، الذي ساد أوربا خلال القرون الوسطى، حيث كانت ترى أن القانون الإلهي هو الذي يحكم العالم، وأن على الإنسان أن يتبعه. لكن أوربا تمردت على هذا النظام بسبب استغلال الكنيسة وعسفها وظلمها وتحالفها مع الإقطاع.
ثم ظهرت نظرية أخرى، ولكنها تسند السيادة إلى "القانون الطبيعي" ، وقد ازدهرت هذه النظرية في ق 16 على يد جروسيوس وأتباعه، ثم انتكصت لما قيل عنها إنها "خيالية" وأنه لا وجود للقانون الطبيعي المزعوم، وحلت محلها النظرية الإرادية الفردية في ق 18.
وفي منتصف ق 19 عادت النظرية الحتمية إلى الازدهار بظهور نظرية ماركس وهي نظرية تحكمها جملة من الحتميات الاشتراكية.
وقد قوبلت هذه النظرية في المعسكر اللبرالي بابتداع نظريات حتمية مقابلة، أهمها "النظرية النظامية" التي قال بها العميد هوريو وأتباعه، وكذا نظريات ماكس فيبر وغيره.
مما ترتب عنه اصطباغ الفكر السياسي والقانون الاجتماعي عموما بهذه النظريات، وهي في أصلها نظريات دينية عمدت إلى إحياء فكرة القانون الطبيعي باعتباره مجموعة من المبادئ الرشيدة التي أودعها صانع الطبيعة في عقول البشر.
ومما يوضح هذا الاتجاه الديني ما بينه رينار في كتابه "نظرية المنظمة" من أن جميع الأمور تسير على نظام دقيق، وأنه لم يشذ عن ذلك سوى الإنسان وأن هذا التنظيم الشامل يدل على وجود المنشئ المنظم، ولذلك فجميع النظم الإنسانية إنما تتقيد بأن تكون في إطار هذا التنظيم الإلهي الأعلى الذي يعتبر قانون الإنسانية.
لقد اتخذ كثير من الفلاسفة وفقهاء القانون من فكرة "القانون الطبيعي" أساسا مثاليا دينيا للنظم الإنسانية، وذلك باستلهام النظام الطبيعي باعتباره دليل دقة التنظيم الإلهي، فينبغي اكتشافه وبناء النظام الاجتماعي على أساسه، لكنه تتوجه هنا ملاحظتان: الأولى: أن النظام الطبيعي لا يصلح دليلا على الإرادة الإلهية، لأن قوانين الطبيعية مستقلة عن الإنسان وعن القيم الدينية والأخلاقية، فلا يسوغ جعل النظام الطبيعي أساسا للظاهرة الإنسانية، والثانية: أن المسيحية لا تتضمن نظاما اجتماعيا، لذلك قام هؤلاء الفلاسفة بجعل الدين أساسا مثاليا للنظام، ثم النيابة عن الدين في تحديد عناصره ومقوماته وخصائصه، أي أنها في الحقيقة علمانية بشعار ديني..
يقول أنصار هذه النظرية: إن المجتمع يسيطر عليه هدف اجتماعي أو غاية اجتماعية، وأنه بسبب وحدة الهدف يتضامن الناس في أعمالهم ويكونون قاعدة شعبية واحدة ويكون على المشرع الوقتي والسلطة والأفراد اتخاذ الوسائل التي تؤدي إلى تحقيق الهدف الاجتماعي وإقامته.
*ما يترتب عن النظام الحتمي

تترتب على اعتماد هذا النظام الحتمي نتائج منها:
أ‌- تكون سلطة المشرع الوقتي مقيدة بالهدف أو الغاية التي تهيمن على المجتمع بحيث يبطل أي وضع يعارض هذه الغاية.
ب‌- تكون المشروعية في هذا النظام مشروعية موضوعية تعتمد على مدى الموافقة للغاية الاجتماعية بصرف النظر عن جهة الإصدار.
ج- تكون الحقوق والحريات في هذه النظم موصوفة بالغاية الاجتماعية المهيمنة على النظام ولا تكون مطلقة كما في النظام الليبرالي.
*هل الأنظمة الحتمية واحدة.
1- تقوم الحتمية الاشتراكية على افتراض أن الإنسان مخلوق اقتصادي بطبيعته، وأنه كان في لحظة تاريخه الأول مالكا لكل شيء ملكية مشاعية، لكن ظهور الملكية والأسرة والدين أدى إلى نشوء الطبقات الاجتماعية.
وقد ترتب على ذلك أنه –بالتحليل المادي للتاريخ- تبين أن هناك صراعا بين الطبقات، بسبب استغلال أصحاب رأس المال للكادحين، وأن هذا الصراع تجلى أولا بين السادة والعبيد، ثم بين الأمراء الإقطاعيين والفلاحين، ثم بين النبلاء والشعب، ثم بين الطبقة البرجوازية وطبقة العمال الكادحين.
وتتطلب التناقضات الناشئة عن هذه الحالة هدم النظام القديم المنبني على الرأسمالية، وإقامة نظام جديد يعتمد على إلغاء الملكية الخاصة والأسرة والدين، وإقامة عدالة اجتماعية على أسس مادية.
ويرى الماركسيون أن هذا النظام الجديد حتمي للقضاء على الاستغلال والصراع الطبقي.
نقد النظرية الحتمية الماركسية
تنتقض النظرية الماركسية بثلاث نواقض رئيسة: أولا: أن المرجع في تحديد دوافع السلوك هو لعلماء النفس، وهم لم يقولوا إن الاقتصاد هو الغريزة العليا لهذا السلوك، إذ إن الغرض الاقتصادي في حياة الناس هو "غرض وسيط"، وليس "غرضا غائيا نهائيا"، فالإنسان لا يقتصر على السعي وراء المنفعة الاقتصادية، بل يفعل ذلك ليبددها في مقاصده الحسية والمعنوية وأهوائه، وهي التي تشكل له حوافز السعي المادي.
ثانيا: أن الترتيب الذي اختاره ماركس لإثبات التحليل المادي للتاريخ لم يطابق واقع التاريخ البشري، وربما حدثت بعض أطواره في بعض بلاد أوربا الغربية، ولكنه لم يحصل في بريطانيا والولايات المتحدة والعالم الإسلامي والصين والشرق الأقصى وأمريكا الجنوبية وإفريقيا، أي معظم العالم.
ثالثا: أن التطبيق الفعلي للماركسية لم ينه التناقضات والاستغلال، بل استمرت التناقضات والصراعات في ظل الماركسية نفسها.
ج- هل النظام الإسلامي حتمي أم إرادي؟
من الناحية المبدئية لا يمكن تطبيق خصائص أي من النظامين على النظام الإسلامي كما قلنا، لما تقدم من أنه نظام مستقل بذاته ومتميز بخصائصه. نعم قد يشبه النظام الإسلامي النظام الإرادي الديمقراطي كما سبق، في قيمة الحرية والحق والمساواة وحرمة الشخصية الإنسانية في كليهما، حتى إن حماية حق الحياة والأمن الشخصي والاجتماعي للناس كان وراء تنازل الفقه الإسلامي واعترافه بالنظام القهري الاستبدادي في الماضي والحاضر.
وفي المقابل نجد عدة عناصر حتمية في النظام الإسلامي، بحيث إن الإسلام موجود قبل النظام، ووظيفة هذا النظام هي تنفيذ مقتضياته وأحكامه، وليست الإرادة الشخصية الحرة هي التي تنشئه، كما أن الحقوق والحريات صادرة عن الشارع وهو الله تعالى، فالفرد لا يحدد مفهوم الحرية والحق ولا حق له في التشريع، بل كل ذلك مستقل عن الفرد والحكومات والأشخاص.
لذلك كان النظام الإسلامي أقرب ما يكون إلى النظام الحتمي منه إلى النظام الإرادي، لكن لا تسمح الحتمية الإسلامية –إن صح هذا التعبير- بظهور الدولة الشمولية والتيوقراطية ونظام الحزب الواحد الذي يملك أفراده الحق في تفسير الحتمية للناس وفرضها عليهم، وذلك بسبب استقلال الوحي الإلهي عن الناس، وعدم وجود سلطة لأحد في أن ينوب عن الله أو يحدد عناصر الحتمية أو أ ن يحكم بالحديد والنار لأنه يمتلك سر الحتمية وسلطة تأويلها

شاركنا بتعليقك...

التعليقات



، اشترك معنا ليصلك جديد الموقع اول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

احصائيات الموقع

جميع الحقوق محفوظة

علوم قانونية وادارية

2010-2019