-->
علوم قانونية وادارية علوم قانونية وادارية

اخر المواضيع

جاري التحميل ...

مادة السلطة والنفوذ في الاسلام د.احمد العلمي: الحرية الشعبية

الحرية الشعبية

الخاصية الثالثة للنظام الإسلامي أنه: نظام حر شعبي، والحرية هي قدرة الإنسان على أن يفعل ما يعتقد أنه الصواب، فهي تتطلب معايير موضوعية لتحديد الصواب والخطإ، وتكون في نفس الوقت مسئولية وتكليفا، فالحرية ترتبط بالتكليف، ولذلك فإن بحوث الحرية في النظم الليبرالية يقابلها بحث التكليف في النظام الإسلامي في أصول الفقه وغيره.
وتدور فلسفة التكليف على أن كل مسلم مطلوب منه عدد من الواجبات الفردية [العينية] والجماعية [الكفائية]، تتحقق بأدائها عبوديته لله، كما تحقق معها حريته، إذ يلتزم بها بإرادته طوعا، ولا يسمح لأحد بإلغائها أو التصرف فيها، فالتكليف بهذا المفهوم جامع بين الحرية والواجب.
فالحقوق السياسية في الشريعة مثلا، ليست امتيازات تتحقق معها ذات الفرد الاجتماعية وحسب، بل هي "تكاليف"، يثاب عليها أو يعاقب حسب التزامه بالنزاهة والعدل، فهي جامعة بين مبدأي الحرية والواجب، فتتحول الحريات والحقوق إلى وظائف اجتماعية، تستهدف إقامة النظام.
ونظرا لهذا المنحى الوظيفي للحقوق والحريات فإن الحرية في النظام المذهبي تعتبر موصوفة بالمذهبية محدودة بإطارها، أما في النظام الليبرالي فالحرية مطلقة ما لم يقيدها القانون، وتكون ذاتية يفسرها الشخص برأيه، ويختلف مفهومها من شخص لأخر.
فالمسلم ليس حرا في أن يعتقد ما يشاء، بل حريته موصوفة بما تنص عليه العقيدة الإسلامية ولا يسعه أن يرتد عنها، وكذلك لا يجوز في النظام الاشتراكي للإنسان أن يعتقد غير المذهبية الاشتراكية أو يرتد عنها. وهذا التشابه بين النظامين هو شكلي فقط، أما الأحكام الموضوعية فتختلف بينهما.
فالحريات في النظام الإسلامي وسائر النظم المذهبية هي حريات موصوفة، أي مضافة إلى مذهبيتها، ومقيدة محجورة عن ما يضادها وعندما يراد بها هدم المذهبية أو معاداتها.
والحرية خصيصة أصيلة في النظام الإسلامي لأسباب كثيرة، وذلك أن السلطة في الإسلام مقيدة بطبيعتها، لأنها وليدة النظام، فتظل خاضعة له محدودة بحدوده. بخلاف النظم الحديثة ، حيث تقوم الدولة أولا ، ثم تمارس حقها في التحديد الذاتي فتضع النظم والقوانين.
ففي الإسلام نزلت الشريعة أولا، ثم بعد ذلك جاء الحكم والنظام السياسي، وطوال التاريخ ظلت الدولة مقيدة بهذه الأصول، لا يمكنها الانفكاك عنها.
لنلاحظ نص بيعة العقبة، لما هاجر النبي ص من مكة إلى المدينة قال ص للأنصار (بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف). الملاحظ هنا أن هذه البيعة نصت أول ما نصت عليه هو المذهبية الإسلامية العليا، وهي التوحيد، ثم نصت على العصمات الأساسية، وهي عصمة الدم والمال والعرض، ثم على الأمن الاجتماعي من الغش ونحوه، ثم العنصر النظامي وهو التزام الطاعة.
كذاك تعد الأحكام الشرعية حقوقا وواجبات لكل من الحاكم والمحكوم على وجه التساوي، فالحاكم لا يوجب من عند نفسه، وإنما ينفذ الأحكام المقررة سلفا.
فالسلطان والزوج والأب وسائر من له ولاية عامة أو خاصة لا يوجب شيئا من عنده، لأن الطاعة على الحقيقة لا تكون إلا لله.
ولا توجد في الشريعة أعمال السيادة التي تعتبرها التشريعات الحديثة غير خاضعة للرقابة القضائية، وقد اشتهر أن بعض أهل البلاد التي فتحها المسلمون، كانوا يشتكون الجيوش الإسلامية لدى مخالفتها لشروط الصلح، فيحكم القاضي بتلك الشروط، بصرف النظر عن المصلحة الحربية التي تعتبر في النظم الحديثة من أعمال السيادة التي لا تخضع للرقابة القضائية.
ومن مظاهر الحرية التي قررتها الشريعة حق إبداء النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أن الفضيلة تؤدي إلى الحرية، لأن الواقع في الرذائل يمكن ابتزازه بها ويفقد حريته لهذا السبب.
والحرية في النظام الإسلامي شعبية، لأنها قانون الشعب، ولأنها عمل جماعي، ولأنه لا يحق للسلطة منعها، بعكس الاستبداد فهو فردي لا شعبي.
-الفرق بين الشعبية في النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي.

1- في النظام الليبرالي: الشعب هو مصدر السلطات الوحيد والأعلى أي "مرجعية ذاته"، وبذلك فإن كلمته هي العليا فيما يصدر في الدولة من القوانين، وهو الذي يحدد في الأصل شكل الدولة ونظامها ومذهبها، ثم يعهد بالسلطة التشريعية إلى مجلس منتخب ينوب عنه.
أما في الإسلام، فإن مصدر السلطات والأحكام هو الله تعالى، وكلمته هي العليا في نظام الدولة، ولا يكون لغيره سلطة التشريع وإنما يقوم ولي الأمر في الوقت بإجراء الأعمال التنفيذية لتطبيق الأحكام الشرعية، ويقتصر حق التشريع للناس في الاجتهاد الفقهي أو الاجتهاد التطبيقي قصد التوفيق بين مصالح الأمة وحاجاتها وبين النصوص الشرعية الثابتة..
2- في الديمقراطية الحديثة يعهد بالحكم إلى عامة الشعب، أما الإسلام فيعهد بها إلى أهل الخبرة والرأي والعلم [أهل الحل والعقد] ، ولكنه مع ذلك يخالف الطبقية والأرستقراطية، أولا: لأن باب التعليم وبلوغ مراتب العلماء وأهل الرأي والخبرة مفتوح لعامة الشعب، وثانيا: لأن عامة الشعب يشاركون في توجيه الحكم بناء على مبدإ النصيحة الذي جاء في الحديث الشريف: (الدين النصيحة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)
تلخيص وتحصيل
مما تقدم يتبين أن النظام الإسلامي هو نظام حتمي مذهبي وأنه يتميز بالحرية والشعبية، وكونه نظاما حتميا مذهبيا أورثه خصيصة نظامية واضحة، بسيادة وحدة الفكر والتضامن الشعبي فيه، وهذا مما يقربه شكلا من النظم الاشتراكية، مما لبَّس على كثيرين القول بأن الاشتراكية من الإسلام، وخاصة بالنظر إلى خاصية التضامن وتوجه الحقوق والحريات إلى الصالح العام باعتبارها وظيفة اجتماعية، تستهدف تحقيق المصالح المعتبر .
ولكن يفترق النظامان باختلاف موضوع المذهبية في كل منهما، فالمذهبية الإسلامية تقوم على التوحيد أي تنفيذ ما أمر الله به، ومنع ما نهى الله عنه، وباعتمادها على الكيان الفردي بسبب به من الحرية.
وكونه نظاما حرا شعبيا جعله يقترب من النظام الليبرالي لاعتماده على الكيان الفردي لا على أداة جماعية كالدولة والمؤسسات العامة ونحو ذلك.
ولكن اختلف النظامان الإسلامي والليبرالي بسبب النظامية التي يتصف بها النظام الإسلامي نتيجة لصفته الحتمية المذهبية.
فالنظام الليبرالي ليس حتميا ولا مذهبيا، ولا تتقيد فيه الحريات والحقوق بأن تكون وظائف عامة موصوفة بصفة نظام معين، بل هي مفتوحة خاضعة لتطورات الوقت ومتطلباته.
ولذلك يصدق على النظام الإسلامي –فيما نرى- بأن يوصف بأنه حر بلا فردية، أي بلا أنانية النظام الليبرالي وإطلاقه، ونظامي بلا جماعية، لأنه لا يعتمد على الأدوات الجماعية كالدولة، بل يعتمد على الأفراد ويوليهم ولايات عامة، تشبه ما تتمتع به السلطة العامة، حتى يصح القول بأن السلطة القادرة بمالها واتباعها تشبه الفرد القوي إذا كان له مثل ذلك.

شاركنا بتعليقك...

التعليقات



، اشترك معنا ليصلك جديد الموقع اول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

احصائيات الموقع

جميع الحقوق محفوظة

علوم قانونية وادارية

2010-2019