أسير النص!
البحث عن القاضي العادل، أبدى من إصلاح القانون الرديء |
بقلم المحامي عارف الشعال
تابعت ردود الفعل حول القرار الذي أصدره الأستاذ "سمير الشيخ" حيث أبطل إجراءات مزاد علني بسبب الثمن البخس المدفوع بالمبيع الذي قدر الخبراء ثمنه بأكثر من 50 مليون ليرة واشتراه مزاود وحيد بغيبة المدين بمبلغ 150 ألف ليرة فقط!
وقد اتكأ الأستاذ "الشيخ" على الفقه القانوني الذي يعتبر دائرة التنفيذ تنوب عن المدين بالبيع وأن المزاد هو وعد بالبيع وعرض المزاود بمثابة الإيجاب الذي يحتاج قبول من القاضي وفق الإجراءات المرسومة بالقانون، وهذا ما يقول به العلامة "السنهوري" و"نصرة ملا حيدر" أيضاً.
في الواقع رَحَبَ غالبية المشتغلين بالقانون بهذا القرار ورأوا فيه العدالة الحقة التي يجب أن تجري على لسان القاضي، وهذا شيء طبيعي فالحق أبلج.
ولكن قلة قليلة من القانونيين رأت أن الأستاذ الشيخ خالف ظاهر النص وكان يفترض به تنفيذ القانون وإرساء المزاد على الشاري مهما كان الثمن ضئيلاً.
بصراحة أقول لهؤلاء الأساتذة المحترمين:
إنكم مخطئون برأيكم هذا، فالقاضي ليس موظفاً أسيراً للنصوص والتعليمات، وإنما حاكماً بين الناس ضامناً لحقوقهم وفق إملاءات شرفه وضميره كما تقول المادة 134 من الدستور.
القاضي ليس ملزماً بتطبيق النص القانوني، إذا تعارض تطبيقه مع مبادئ القانون والدستور وحقوق الإنسان، وهذا ما قررته الهيئة العامة لمحكمة النقض قائلة:
((إن القاضي غير ملزم بتطبيق نص يتعارض مع المبادئ القانونية العامة، والحقوق الطبيعية للإنسان، والمبادئ الدستورية المستقرة في ضمير الجماعة البشرية))
{هـ.ع – ق 16 – تا 8 أيار 1978 – "المحامون" 1978 – عدد 9-11– ص333}
وبناء على هذا المبدأ الواضح للهيئة العامة، وعلى شرف وضمير أي إنسان صاحب وجدان، فإن تطبيق القانون في حالة هذا المزاد، وبهذا الثمن البخس الذي يقرب للسرقة، سينال من "حق الملكية" المصان بالدستور والمعتبر من أهم حقوق الإنسان،
وبالتالي فإن الأستاذ "الشيخ" في إلغائه للمزاد يقف على أرضاً صخرية تستمد صلابتها من الدستور واجتهاد الهيئة العامة، ناهيك عن الفقه القانوني المستقر.
مهما كان القانون متقن الصنعة، متسعاً، محيطاً، متيناً، محكماً، لا يمكنه الإحاطة بكافة الوقائع وتشعباتها، لذلك لا غنى لنا عن عدالة القاضي المستمدة من شرفه وضميره، وهذا ما دفع علماء القانون وعلى رأسهم الفقيه "سليمان مرقس" للقول:
((الأفضل للمشرع أن يترك إلى حكمة القضاة أو المحاكم بحكم وظيفتها وصلتها المادية المباشرة بالخلاف، أن تقدر النصوص وتطبق أحكام القانون بطريقة علمية، آخذة بعين الاعتبار الظروف المحيطة بالوقائع ومتمشية مع مقتضيات الحال وضرورات العدل، فيكون تفسيرها أقرب للصواب وأدعى للمصلحة))
{المدخل للعلوم القانونية – ط1952 – ص177}
لذلك نقول دائماً: البحث عن القاضي العادل، أبدى من إصلاح القانون الرديء، فالقانون منظّم للحقوق، أما ضمانتها فمنوط بشرف القاضي وضميره.
شاركنا بتعليقك...