((الحماية الدستورية للعتبات المقدسة في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ))
الحماية الدستورية للعتبات المقدسة في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 |
بقلم الدكتورة ايمان قاسم هاني الصافي
كلية القانون -الجامعة المستنصرية
منشور في :
مجلة الحقوق ، كلية القانون -الجامعة المستنصرية ، السنة السابعة ، المجلد الخامس ، العددان (29- 30) ،عام 2016 .
#تعد العتبات المقدسة أحدى الأماكن الدينية التي لا تقل أهمية عن أماكن العبادة الأخرى في الدين الإسلامي ، إذ كانت ومازالت تلك العتبات للائمة الأطهار (عليهم السلام) مهوى لافئدة الناس وتعبدهم لله سبحانه وتعالى وتلاقيهم وتعارفهم ؛ هذا وقد شهدت تلك العتبات مراحل تاريخية عديدة من البناء والتطوير والتوسعة والتهذيب حتى غدت تلك المراقد التي تتربع على قمتها سادت الخلق واشرفهم ومن خلقت الدنيا لأجلهم ، شواخص تاريخية يأتيها الموالون من كل حدب وصوب ، إلا أن ذلك لم يمنع أعداء الإسلام ان ينتهكوا حرمة هذه الأماكن وتدنيس معالمها وقدسيتها ، فتعرضت العتبات المقدسة منذ أقدم الأزمنة إلى أعمال التخريب والاعتداء في عهد الخلافة الأموية والعباسية وكذلك ماتعرضت له من الحكومات الظالمة والاعتداءات الإرهابية المتعددة .
#أن مصطلح العتبات المقدسة لفظ يطلق على الأماكن المقدسة التي تضم أجساد المعصومين الستة في العراق يضاف إليها ضريح الإمام العباس (عليه السلام) ، أما الأماكن التي تضم أضرحة أولاد الائمة واصحابهم والأولياء الكرام المنتسبين لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في مختلف أنحاء العراق فإنها تسمى بالمزارات الشيعية الشريفة ، وهذا ما ذهب إليه قانون إدارة العتبات المقدسة والمزارات الشيعية الشريفة رقم (19) لسنة 2005 النافذ اذ نص في المادة (2) منه على أن «العتبات المقدسة هي العمارات التي تضم مراقد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) والبنايات التابعة لها في النجف الاشرف وكربلاء والكاظمية وسامراء ويلحق بها مرقد العباس (عليه السلام)في كربلاء . والمزارات الشيعية الشريفة هي :العمارات التي تضم مراقد مسلم بن عقيل وميثم التمار وكميل بن زياد والسيد محمد ابن علي الهادي (عليه السلام) والحمزة الشرقي والحمزة الغربي والقاسم والحر واولاد مسلم وغيرها من أولاد الائمة واصحابهم والأولياء الكرام من المنتسبين إلى مدرسة أهل البيت عليهم السلام في مختلف أنحاء العراق » ؛ ان التعريف والتحديد للعتبات المقدسة في العراق والذي أورده قانون إدارة العتبات المقدسة والمزارات الشيعية الشريفة(النافذ)الانف الذكر يعد أكثر دقة من التعريف الذي أورده نظام العتبات المقدسة رقم (21) لسنة 1969 (الملغى)، فالاخير عد الروضة الحيدرية والروضتين الحسينية والعباسية والروضة الكاظمية والروضة العسكرية ومراقد الائمة التابعة لتلك الرياض من قبيل العتبات المقدسة أما المراقد الأخرى فهي ملحقة بالعتبات المقدسة على خلاف قانون إدارة العتبات المقدسة والمزارات الشيعية الشريفة النافذ الذي عدالمراقد الأخرى مزارات شيعية وليست ملحقات كما وصفها النظام الملغى بمعنى ان التعريف والتحديد الوارد في النظام الملغى تميز بسعته دون وجود دقة في تحديد العتبات المقدسة ، فتسمية العتبات المقدسة لايمكن إطلاقها على أي مكان مقدس ، نظرا لمايتمتع به مرقد الإمام علي (عليه السلام) في النجف الاشرف ومرقد الإمام الحسين والإمام العباس (عليهم السلام) في كربلاء المقدسة ومرقد الإمامين الجوادين (عليهم السلام) في الكاظمية المقدسة ومرقد الإمامين العسكريين (عليهم السلام) في سامراء من خصوصية ، تمتاز بها هذه المراقد عن سائر المراقد الدينية الأخرى في العراق .
#تبنى الدين الإسلامي شأنه شأن جميع الأديان فكرة التقديس المكاني ، وقد ورد هذا التقديس أما بناء على نص قرآني كمكة المكرمة والمسجد الأقصى والمساجد عامة ؛ أو بناء على السنة النبوية و أقوال الائمة الأطهار كالحجر الأسود ؛ أو لارتباطها بواقعة معينة كالمسجد النبوي ؛أو لارتباطها بشخصية معينة اي نالت هذا التقديس لشرف المدفون فيها وهذا ينطبق على العتبات المقدسة ، إذ نال مرقد الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) ومراقد الائمة الأطهار (عليهم السلام ) هذا التقديس .
#أن التقديس الذي نالته العتبات المقدسة جاء من أسس شرعية عديدة تتمثل مرة من جانب القرآن الكريم الذي اكدت نصوصه الشريفة وفي أكثر من موضع على قدسية تلك العتبات وحقوق أهل البيت وسماتهم ،كحق الطاعة والولاية وحق مودتهم ، وحق الصلاة عليهم ، وحق رفعة بيوتهم ، ومرة ما ورد في السنة النبوية الشريفة واقوال المعصوم وتعظيمها لتلك المراقد وبيان حقوقها ابتداءا من قبر الرسول الأكرم إلى قبور آل بيته الأطهار .
#ان موضوع الحماية الدستورية للعتبات المقدسة يحتل أهمية كبيرة ، نظرا لما تملكه تلك العتبات من دور وتأثير إيجابي في المجتمعات المحيطة بها ، وذلك لارتباطها الوثيق بمعتقدات تلك الشعوب ، مما يخلق تلاحما وثيقا واندماجا روحيا يؤدي إلى مد الجسور بين ابناء الشعوب في مختلف مجالات الحياة ، فهي ليست محلا للعبادة فحسب ، بل وسيلة مهمة للتثقيف الفكري والحضاري ورمزا لوحدة الرأي والفكر ، كما تتجلى أهمية الموضوع من خلال إبراز أهمية الحماية التي يوفرها الدستور لتلك العتبات لكون الدستور هو القانون الأسمى في البلاد ، وأن تضمينه لنصوص عامة وخاصة لتلك الأماكن الدينية وإقامة الشعائر فيها من شأنه أن يجعلها بمنأى عن الإعتداء بشتى صوره ، إذ أن هذه النصوص ستجسد بنصوص قانونية عديدة تبرز تلك الحماية .
#وبالفعل قد أضفى دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النافذ تلك الحماية على العتبات المقدسة والتي اتخذت صورتين :
#حماية عامة تتجلى من خلال حماية الدستور لأماكن العبادة وحرمتها وحرية العقيدة :
~فنص في المادة (2/ثانيا) على ان «يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية الغالبية الشعب العراقي ، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية ، كالمسيحيين ، والايزيديين ، والصابئة المندائيين » .
~ونص في المادة(15) على أن «لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية » .
~ونص في المادة (37/ثانيا) على أن «تكفل الدولة حماية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي والديني » .
~ونص في المادة (41) على أن « العراقيون احرار في الالتزام باحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون » .
~ونص في المادة(42) على أن «لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة» .
#وحماية خاصة تتمثل بايراد نصوص خاصة تؤكد على حماية العتبات المقدسة وحرمتها وحرية إقامة الشعائر الدينية فيها ، ولم يكتفي الدستور بذلك بل نص على حرية ممارسة الشعائر الحسينية ، لكون تلك الأماكن كانت عرضة لتعسف السلطات بتعاقب الحكومات الجائرة التي حكمت العراق وآخرها السياسة القمعية التي اتبعها النظام البائد اتجاه العتبات ومن يمارس الشعائرالدينية فيها ، على أنه يجب أن تكون ممارسة الشعائر الدينية قرب العتبات بحدود النظام العام والآداب العامة وحقوق وحريات الأفراد الآخرين ، وهذه النصوص هي :
~نص في المادة (43/ أولا) على ان «اتباع كل دين أو مذهب أحرار في : أ. ممارسة الشعائر الدينية ، بمافيها الشعائر الحسينية . ب. إدارة الأوقاف وشوؤنها ومؤسساتها الدينية، وينظم ذلك بقانون» .
~نص في المادة (43/ثانيا) على أن «تكفل الدولة حرية العبادة وحماية اماكنها » .
#وقد أحاط الدستور تلك الحماية بضمانات عديدة تمثلت بنوعين :
~ضمانات دستورية تتمثل بمبدأ سيادة القانون ومبدأ الفصل بين السلطات .
~وضمانات قضائية من خلال وجود المحكمة الاتحادية العليا ودورها في حماية الحقوق والحريات ، اذ أن المحكمة من خلال ممارستها للرقابة على دستورية القوانين ستنهض بوجه اي قانون ينتقص من تلك الحقوق والحريات فتقف بوجه السلطة التشريعية وترد غوائلها على اعقابها ، وكذلك الأمر بالنسبة للسلطة التنفيذية اذ ان محاكم القضاء الإداري ستتولى حماية تلك الحقوق والحريات من خلال النظر في صحة القرارات الإدارية الصادرة عن دوائر الدولة والقطاع العام وفق دعوى الإلغاء ودعوى التعويض ، ولا يخفى دور القضاء العادي في حماية الحقوق والحريات بمافيها الحرية الدينية وإقامة الشعائر من خلال فض النزاعات الناشئة بين الأفراد بهذا الصدد .
#وبذلك يمكن القول ، أن دستور جمهورية العراق لسنة 2005 تميز عن غيره من الدساتير العراقية السابقة (الملغاة) ، خاصة الصادرة منها قبل عام 2003 باقامته مثل هذه الحماية لتلك العتبات .
شاركنا بتعليقك...