تكلمنا سابقا عن خصائص النيابة العامة التي تميزها عن
غيرها من أجهزة الدولة أي أن إعضاء النيابة العامة يتسمون بصفات خاصة ، بحيث تعتبر
تلك الخصائص من صفات نظام السلطة الاتهام
على أساس أنها الجهاز المنوط به مباشرة تحريك الدعوى العمومية الناشئة عن ارتكاب الجريمة وتكلمنا هذه الخصائص عدة نقاط (راجع المحاضرة حول خصائص النيابة العامة)
سلطات النيابة العامة في تحريك
الدعوى العمومية والطعن في الأحكام وتنفيذها.
متى وقعت الجريمة كان للنيابة
العامة حق تحريك الدعوى وتوجيه الاتهام للوصول إلى محاكمة المتهم والمقترف
للجريمة.
والقاعدة العامة أن النيابة
العامة هي صاحبة حق رفع الدعوى العمومية لأنها تمثل سلطة الاتهام وتنوب عن المجتمع
في استعمال حق المتابعة والمطالبة بتطبيق القانون وتطبيق العقوبة المنصوص عليها
فيه، غير أن هذه القاعدة يشملها استثناءان هما:
1- حق الضحية أو الطرف المضرور في رفع الدعوى للمطالبة بالتعويض.
2- الحصول على إذن وتقديم شكوى أو طلب في الدعاوي الخاصة التي يشترط فيها
القانون هذا النوع من الاجراءات حتى تستطيع النيابة العامة تحريك الدعوى العمومية
ومباشرتها أمام قضاء الحكم، ويضل حق الاتهام في حالة سكون حتى تستعمله النيابة
العامة بتحريك الدعوى العمومية، وهو العمل الإفتتاحي للخصومة الجنائية.
- ويتم تحريك الدعوى أمام قضاء التحقيق تمهيدا لرفعها أمام المحكمة المختصة بعد إجراء التحقيق، أو يتم
مباشرة أمام قضاء الحكم.
تحريك الدعوى
العمومية أمام قضاء التحقيق.
تنص المادة 36/1 من قانون
الاجراءات الجزائية على مايلي:" ويبلغ الجهات القضائية المختصة بالتحقيق أو
المحاكمة لكي تنظر فيها أو تأمر بحفظها بقرار قابل دائما للإلغاء، أي أن النيابة
العامة يمكنها أن تقوم بتحريك الدعوى العمومية وذلك بتبليغ الجهات القضائية
المختصة بالتحقيق حول الجناية أو الجريمة المرتكبة، وتسند إلى قاضي التحقيق مهمة إجراء البحث و
التحري للوصول إلى المجرم الحقيقي".
وتنص المادة 66 من قانون
الاجراءات الجزائية على أن: " التحقيق الابتدائي وجوبي في مواد الجنايات أما
في مواد الجنح فيكون اختياريا ما لم يكن ثمة نصوص خاصة".
كما يجوز إجراؤه في مواد
المخالفات إذا طلبه وكيل الجمهورية، وعلى هذا الأساس فإن النيابة العامة يمكنها
تحريك الدعوى العمومية عن طريق قضاء التحقيق خصوصا في القضايا الجنائية لأن
التحقيق الابتدائي وجوبي بنص القانون (المادة 66 من قانون الإجراءات الجزائية) في مواد الجنايات و جوازي،
أو اختياري في مادتي الجنح والمخالفات وذلك وفقا لما تراه النيابة العامة.
وتحريك النيابة العامة للدعوى
العمومية عن طريق قضاء التحقيق قد يكون طلب إجراء التحقيق موجها ضد شخص معين بالذات، وقد يكون ضد فاعل مجهول أصلا،
ولهذا تنص المادة 67/2 من قانون الإجراءات الجزائية على :" ويجوز أن يوجه
الطلب ضد شخص مسمى أو غير مسمى".
ولا يجوز لقاضي التحقيق أن يجري
تحقيقا إلا بموجب طلب من وكيل الجمهورية.
تحريك
الدعوى العمومية أمام قضاء الحكم مباشرة.
لا يتسنى تحريك الدعوى العمومية
مباشرة أمام المحكمة إلا في الجنح والمخالفات ويعرف بالاستدعاء المباشر للمثول
أمام المحكمة الجزائية ويتم بواسطة الاستدعاء المباشر أي التكليف بالحضور للمحاكمة
وتعيين النيابة العامة تاريخ الجلسة لجميع الأطراف ويرسل ملف الدعوى إلى المحكمة
المختصة للبث فيه طبقا للمادة 333 من قانون الإجراءات الجزائية، أو بحضور أطراف الدعوى
بإرادتهم بالأوضاع المنصوص عليها في المادة 334 من ق.إ.ج وأما تطبيق إجراء التلبس بالجنحة المنصوص عليه
في المادة 338 من قانون
الاجراءات الجزائية وما بعدها، ولهذا تنص المادة 338 من قانون الإجراءات الجزائية على أن ترفع إلى المحكمة
الجرائم المختصة بنظرها إما بطريق الإحالة إليها من الجهة القضائية المنوط بها
إجراء التحقيق وإما بحضور أطراف الدعوى بإرادتهم بالأوضاع المنصوص عليها في المادة
334، وإما بتكليف
بالحضور يسلم إلى المتهم وإلى الأشخاص المسؤولين مدنيا عن الجريمة، وإما بتطبيق
إجراء التلبس بالجنحة المنصوص عليه في المادة 338 وما بعدها من قانون الإجراءات الجزائية.
مباشرة الدعوى العمومية.
لا يتضمن حق النيابة العامة في
حفظ الدعوى العمومية للأسباب السالف ذكرها، أو تحريك الدعوى العمومية أمام القضاء،
بل للنيابة العامة بالإضافة إلى ذلك حق مباشرة الدعوى العمومية واستعمال حق
المجتمع الذي تمثله و تباشر الدعوى أمام القضاء، وذلك عن طريق إبداء طلباتها أمام
الهيئة القضائية التي تفصل الدعوى، تأسيسا على أن النيابة العامة هي التي تسهر على
تطبيق القانون بصفة صارمة وموضوعية، وحق النيابة العامة هذا في مطالبتها بتطبيق القانون
يكون لها حتى في القضايا التي يحركها المدعى المدني أو في القضايا التي يحركها
رؤساء الجلسات في جرائم الجلسات، في القضايا التي يتوقف تحريكها على تقديم شكوى أو
طلب أو الحصول على إذن، بحيث أن النيابة العامة تبدي طلباتها أمام الجهة القضائية
وأثناء الجلسة وفقا للمادة 36/4 من قانون الإجراءات الجزائية.
وحق مباشرة الدعوى العمومية
ملك للنيابة العامة وحدها، وعند مباشرتها لا تملك النيابة العامة أن تتنازل أو
تتراجع عن هذا الحق وباختصار لا تملك النيابة التنازل عن الدعوى العمومية أو ترك
الدعوى، لأن النيابة العامة تمثل المجتمع وتنوب عنه في المطالبة بتطبيق القانون
بكل صرامة وإنزال العقوبات منازلها وقطع دابر
المعتدين، وليس للنيابة حق التنازل عن
الدعوى.
تقييد حق النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية .
الأصل في تحريك الدعوى العمومية ورفعها ومباشرتها أنه من اختصاص النيابة
العامة فتنص المادة 29/1 من ق.إ.ج :" تباشر النيابة العامة الدعوى العمومية باسم المجتمع وتطالب بتطبيق
القانون"، إلا أن القانون لم يطلق يد النيابة بصفة مطلقة خالية من كل قيد،
فيقيدها أحيانا من حيث سلطتها في تحريك الدعوى العمومية، فيغل يدها لحين رفع القيد
عنها بتقديم الشكوى أو الطلب أو الإذن، وهي قيود لا تتعلق إلا بحق النيابة العامة
في المبادرة باتخاذ الإجراء الأول وهو تحريك الدعوى العمومية فتطلق يدها في متابعة
بقية الإجراءات التي تتطلبها الدعوى العمومية التي أقامتها بمجرد رفع القيد هذا من
جهة ومن جهة أخرى أنها قيود يترك أمر تقييدها للمجني عليه أو الجهة التي خولها
القانون الحق في رفع القيد بتقديم شكوى أو طلب أو إذن، وتنحصر هذه الصلاحية فقط في
عدم إعطاء الضوء الأخضر للنيابة لإطلاق يدها في الإجراءات ولا يتعداه بعد ذلك عند رفع القيد بتقديم الشكوى أو الطلب أو
الإذن في المشاركة في إجراءات مباشرة
الدعوى.
الشكوى.
الشكوى إجراء يباشره المجني عليه أو وكيل خاص عنه، يطلب فيه من القضاء
تحريك الدعوى العمومية في جرائم معينة يحددها القانون على سبيل الحصر لإثبات مدى
قيام المسؤولية الجنائية في حق المشكو في حقه، ويرجع أساس تقرير هذا القيد على
حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية للمصلحة المحمية قانونا والمراد
تحقيقها من عدم السير في الإجراءات، حيث يعلق المشرع هذه الحرية في السير في
الإجراءات بوجوب حصول النيابة العامة على شكوى من المجني عليه، فإذا رأى هذا
الأخير التقاضي من المتابعة بشأن الجريمة التي وقعت عليه أو ضد حق من حقوقه بعدم
تقديمه الشكوى، فلا يجوز لها تحريكها لأن مسألة مراعاة المصلحة العامة وتقديرها في
هذا النوع من الجرائم ترك أمره للمجني عن طريق موازنته بين تقديم الشكوى وتحريك
الدعوى، وبين عدم تقديمها وبالتالي عدم تحريكها، فرأى المشرع أن تحقيق مصلحة
المجني عليه في عدم تحريك الدعوى أولى بالرعاية والحماية ويحقق المصلحة العامة
لأنها أقل إضرارا بها مما لو أثير أمرها امام القضاء، وعليه فإن العلة من القيد هو
الحرص على سمعة الأسرة واستبقاء للصلات الودية القائمة بين أفرادها والتستر على
أسرارها حفاظا لسمعتها وكرامتها لأن تحقيق المصلحة الإجتماعية مرهون بتحقيق مصالح
الأسرة لأن روابطها ومصالحها وحمايتها يعد حماية للمجتمع بأسره، لأن الأسرة تعتبر
النواة الأولى في المجتمع.
وإذا كانت الشكوى إذن هي ذلك
العمل الذي يطلب بواسطته المجني عليه من الجريمة التي تقيد النيابة العامة بشأنها
– وهي جرائم محددة على سبيل الحصر – أو من وكيله الخاص، يطلب فيه تحريك الدعوى
العمومية للإثبات المسؤولية الجنائية وتوقيع العقاب على المشكو منه، فإن القانون
لم ينص على وجوب إفراغها في شكل معين، وعليه تطبيقا للقواعد العامة يجب أن يبدي
الشاكي رغبته في متابعة الفاعل من الجريمة التي ألحقت به ضررا ، أي يمكن أن تتم
الشكوى في أي صورة تعبر عن الرغبة في المتابعة من الجريمة المشمولة بالقيد،
وبالتالي يستوي أن تكون الشكوى كتابة أو شفاهة يدلي بها المجني عليه أو وكيله
الخاص أمام أي جهة مختصة كضباط الشرطة القضائية ووكيل الجمهورية أو أي من رجال
السلطة العامة المتواجد بمكان ارتكاب الجريمة، فتدل على إرادته ورغبته في تحريك
الدعوى العمومية ضد المتهم المشكو ضده.
الطلب.
الطلب بلاغ مكتوب يقدمه موظف يمثل هيئة معينة،
مثلا كوزير الدفاع ممثلا لهيئة الدفاع الوطني للنيابة العامة، لكي تحرك الدعوى
العمومية ضد شخص ارتكب جريمة أو جرائم يشترط القانون لتحريك الدعوى العمومية
بشانها تقديم طلب منه، ويهدف الطلب إلى محاكمة الجاني وعقابه، ويجب أن يكون هذا المعني واضحا أو مستفادا من
عبارات الطلب لأن استهداف الطلب غاية أخرى محاكمة الجاني وعقابه لا يوصف بالطلب بل
يمكن اعتباره بلاغا، ولا يعتبر قيدا على النيابة العامة في تحريك الدعوى، ولا يعيد
لها حريتها في تحريك الدعوى العمومية، حتى قيدت بوجوب الحصول على طلب من جهة
معينة.
وفي الجرائم المعنية بقيد الطلب
ينص قانون العقوبات على الجنايات والجنح التي يرتكبها متعهدو التوريد للجيش الوطني
الشعبي لا يجوز تحريك الدعوى العمومية بشأنها إلا بناءا على طلب يقدمه وزير الدفاع
إلى النيابة العامة لرفع القيد من حريتها في تحريك الدعوى العمومية فتنص المادة 164 من ق.ع.ج على
أته :" وفي جميع الأحوال المنصوص عليها في هذا القسم لا يجوز تحريك الدعوى
العمومية إلا بناءا على شكوى من وزير الدفاع الوطني".
الإذن.
الإذن رخصة مكتوبة صادرة من
هيئة محددة قانونا تتضمن الموافقة أو الأمر باتخاذ إجراءات المتابعة في مواجهة شخص
ينتمي إليها ويتمتع بحصانة قانونية بوجه عام، وهو يختلف عن الطلب رغم أنهما يصدران عن هيئة أو
سلطة عامة بصورة مكتوبة في أنه لا يتضمن المطالة بمحاكمة المتهم وتوقيع العقاب
عليه وإنما هو مجرد ترخيص منها للسير في الإجراءات في مواجهة المأذون ضده وهو
يختلف عن الشكوى التي يشترط فيها شكلا معينا تفرغ فيه، بالإضافة إلى أن الإذن
بخلافهما -أي الشكوى والطلب- لا يجوز التنازل عنه ابتدءا، فتنص المادة 147 من الدستور
" لا يخضع القاضي إلا للقانون" وفصلت المواد 573-581 من ق.إ.ج أحكام هذه الحصانة فحددت أحكامها، وتنص المادة
109/1 من دستور 1996"الحصانة
النيابية معترف بها للنواب وأعضاء مجلس الأمة مدة نيابتهم ومهمتهم
البرلمانية".
والملاحظ أن مجال الإذن يقتصر على بعض الجرائم
التي تقع من أشخاص يشغلون مناصب ومراكز خاصة أو يتمتعون بصفة نيابية أو برلمانية
مما يطفي عليه حصانة دستورية وقانونية، وهي حصانة إجرائية يقصد بها إحاطة هؤلاء
الأشخاص بسياج من الضمانات تضمن لهم أداء مهمتهم بغير خشية من اتهام ظالم، مما قد
يعرض اتخاذ بعض الإجراءات المقيدة لحريتهم كالحبس المؤقت والقبض والتفتيش، ويستفيد
من هذه الحصانة الإجرائية المقررة، البرلمانيون في البرلمان في المجلسين- الشعبي
الوطني والأمة-، وكذلك رجال القضاء.
الطعن في القرارات والأحكام القضائية.
تنص المادة 36/5 من قانون
الإجراءات الجزائية على ما يلي: "ويطعن رأي عضو النيابة عند الاقتضاء في القرارات التي تصدرها الجهات
القضائية بكافة طرق الطعن القانونية".
ولهذا فإن النيابة العامة
بصفتها سلطة اتهام لها الحق في أن تطعن في القرارات القضائية، سواء منها التي
يصدرها قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام إذا قضت هذه الجهة القضائية بأن لا وجه
للمتابعة أو قضت بالإفراج المؤقت عن المتهم المحبوس احتياطيا.
وينظر الطعن باستئناف أوامر
قاضي التحقيق أمام غرفة الاتهام بالمجلس القضائي كما ينظر الطعن ببطلان إجراءات
وقرارات غرفة الاتهام أمام المجلس الأعلى.
أما الطعن في الأحكام القضائية
فيكون عن طريق الاستئناف أمام المجلس القضائي في الأحكام الابتدائية الجزائية
بواسطة وكيل الجمهورية وإما عن طريق الطعن فيها بالنقض أمام المجلس الأعلى بواسطة
النائب العام لدى المجلس الذي أصدر القرار المطعون فيه بالنقض.
تنفيذ القرارات والأحكام القضائية.
تطبيقا لنص المادة 36/6 من قانون الإجراءات
الجزائية فإن النيابة العامة تعمل على تنفيذ قرارات التحقيق وجهات الحكم. فالأوامر
التي يصدرها قاضي التحقيق فيما يخص إحضار المتهم أو القبض عليه أو الأمر بإيداعه
السجن فإن القانون ينص على أن يكلف وكيل الجمهورية بتنفيذها، كما أنه يكلف بما
تصدره غرفة الاتهام من قرارات بخصوص الإفراج عن المتهم السجين أو القبض على المتهم
الطليق.
كما يعمل وكيل الجمهورية على
تنفيذ الأحكام النهائية على الوجه المبين في القانون ويستعين على تنفيذ الأحكام
القضائية النهائية بالقوة العمومية وبمأموري الضبط القضائي.
وبناءا على ما تقدم يتضح عمل
النيابة العامة واختصاصها كسلطة اتهام، وبعد ذلك يجوز أن نشير إلى التعريف
باختصاصات النيابة العامة (وكيل الجمهورية) كسلطة تحقيق، ثم حق النيابة في إصدار الطلبات
لقاضي التحقيق بإجراء تحقيق افتتاحي،
وحقها في تنحية قاضي التحقيق، واختصاصاتها الأخرى حسب قانون الإجراءات الجزائية.
شاركنا بتعليقك...