تطرقنا في المحاضرة السابقة عن سلطات النيابة العامة في تحريك
الدعوى العمومية والطعن في الأحكام وتنفيذها (يمكنك الرجوع للمحاضرة من هنا)
النيابة ودورها في التحقيق.
الجدير بالذكر أن التحقيق
الابتدائي عملية إجرائية الغرض منها هو أن يقف المحقق موقف الفصل في التنازع
المعروض عليه من اجل الكشف عن الحقيقة وتطبيق القانون تطبيقا سليما مع مراعاة
الحياد التام والنزاهة ولهذا استندت معظم التشريعات الحديثة مهمة التحقيق إلى جهات
التحقيق لما يتوفر فيها من حياد واستقلال وتأمين، والغرض الأساسي من الفصل بين
سلطتي الاتهام والتحقيق هو أن يسند التحقيق إلى أيادي أمينة ومحايدة بعيدة عن
الأهواء، وأن تتولاه سلطة مستقلة، والمشرع الجزائري قد أعطى النيابة العامة
بالإضافة إلى كونها سلطة اتهام، حق إجراء تحقيق ابتدائي طبقا لقانون الإجراءات
الجزائية (المواد 57، 58، 59 من ق.إ.ج)، وهذه المواد هي اختصاصات استثنائية،
والاستثناء يحفظ لا يقاس عليه، وهي اختصاصات ضيقة جدا فلا يمكن التوسع فيها كثيرا،
وأن هذا الاستثناء يكون فقط في حالات التي تتطلب السرعة القصوى حفاظا على حقوق
المتقاضين وحرياتهم، وعند استقرائنا للمواد والنصوص الخاصة بالتحقيق في قانون
الإجراءات الجزائية نجد أن للنيابة العامة دور هام وخطير في نفس الوقت ولها سلطة
استجواب المتهم في الجنايات المتلبس بها، كما لها حبسه احتياطيا وفقا للمادة 59/2 وسلطة إصدار
طلب لقاضي التحقيق بإجراء تحقيق افتتاحي أواتخاذ إجراءات معينة أو تكميلية في
التحقيق، ولها حق تنحية قاضي التحقيق أو استبداله بقاضي آخر، كما لها سلطة إصدار
الأمر بالإحضار أو بالقبض.
ولبيان ذلك نشرح بإيجاز سلطات
النيابة العامة في هذا المجال كي ينجلي الغموض وتتوضح هذه الاختصاصات المخولة لها
والتي تنقسم إلى السلطات التالية:
-
سلطة إدارة التحقيق.
-
سلطة مراقبة التحقيق.
-
سلطة إصدار الأمر بالإحضار أو القبض.
-
استجواب المتهم وحبسه احتياطيا في الجنايات أو الجنح المتلبس بها.
حق النيابة العامة في تعيين أوتنحية قاضي التحقيق.
سلطة النيابة العامة في تعيين قاضي التحقيق.
تنص المادة 67/1 من ق.إ.ج، على
أنه :" لايجوز لقاضي التحقيق أن يجري تحقيقا إلا بموجب طلب من وكيل الجمهورية
لإجراء التحقيق حتى لو كان ذلك بصدد جناية أو جنحة متلبس فيها..."، ويجوز أن
يوجه الطلب الافتتاحي بإجراء التحقيق ضد أحد الأشخاص المعينين أو قد يكون ضد شخص
مجهول وقد خول قانون الإجراءات الجزائية سلطات واسعة لقاضي التحقيق في إجراء
التحقيق والمتابعة، وسلطة إتهام محل شخص يشتبه فيه أو ساهم فاعلا أو متواطئا أو
شريكا في الجرائم المحال لتحقيقها إليه، فإذا وصلت لعلم قاضي التحقيق وقائع لم يشر
إليها الطلب الافتتاحي بإجراء تحقيق وجب عليه أن يحيل هذه المعلومات أو الشكاوي أو
المحاضر المثبتة لتلك الوقائع إلى وكيل الجمهورية، وتنص المادة 70 من قانون ق.إ.ج
على أنه: " إذا وجد بإحدى المحاكم عدة قضاة تحقيق فإن وكيل الجمهورية يعين
لكل تحقيق قاضي الذي يكلف بإجرائه".
سلطة النيابة العامة في تنحية قاضي التحقيق.
تنص المادة 71 من ق.إ.ج،
ولضمان حسن سير العدالة، وبطلب من المتهم أو المدعي المدني يمكن لوكيل الجمهورية
تنحية قاضي التحقيق عن الدعوى لقاضي آخر من قضاة التحقيق وعلى وكيل الجمهورية أن
يثبت في هذا الطلب خلال ثمانية 8 أيام ويكون قراره غير قابل لأي طعن.
وتنحية قاضي التحقيق هنا مشروطة
لحسن سير العدالة ولضمان حياد قاضي التحقيق ولهذا يجب على وكيل الجمهورية أن يفحص
طلب التنحية فحصا جيدا بحيث تكون أسباب طلب التنحية منطقية وقانونية وليس الغرض
منها التعسف في استعمال هذا الحق كما أن حق النيابة في تنحية قاضي التحقيق جوازي
في حالة ما إذا رأت طلب التنحية سواء من المتهم أو من المدعي المدني غير مؤسس.
وبالرغم من أن لوكيل
الجمهورية الحق في تعيين لكل القاضي الذي يكلف بإجرائه ويجوز له سواء في طلبه الإفتتاحي
لإجراء التحقيق أوطلب إضافي في أية مرحلة من مراحل التحقيق أن يطلب من القاضي
المحقق كل إجراء يراه لازما لإظهار الحقيقة، كما يجوز له تنحيته بطلب من المتهم أو
المدعي المدني، ولكن ليس للنيابة الحق في توجيه التحقيق وجهة معينة أثناء التحقيق
أو تملي عليه فكرة ما مهما كانت الظروف أو الدواعي، وإذا رأى قاضي التحقيق أنه لا
موجب اتخاذ الإجراءات المطلوبة منه فبتعين عليه أن يصدر قرارا مسببا خلال الأيام
الخمسة التالية بطلب وكيل الجمهورية ( المادة 69/3 من ق.إ.ج) وليس لوكيل الجمهورية سلطة اللوم أو الاعتراض
عن ذلك بل له أن يطعن تلك القرارات بالاستئناف أمام غرفة الاتهام بالمجلس التابعة
له المحكمة التي يباشر فيها وظيفته.
سلطة النيابة في إصدار طلبات إضافية لفائدة التحقيق.
إن المادة 69 من ق.إ.ج تنص
على أنه: " يجوز لكل وكيل جمهورية سواء في طلبه الافتتاحي لإجراء التحقيق أو
بطلب إضافي في أية مرحلة من مراحل التحقيق أن يطلب من القاضي المحقق كل اجراء يراه لازما بإظهار الحقيقة" .
ويجوز له في سبيل هذا الغرض
للإطلاع على أوراق التحقيق على أن يعيدها في ظرف ثمانية وأربعون ساعة، وإذا رأى
قاضي التحقيق على أنه لا موجب لاتخاذ الإجراءات المطلوبة منه فيتعين عليه أن يصدر
قرارا مسببا خلال الأيام الخمسة التالية لطلب وكيل الجمهورية.
إن طلب وكيل الجمهورية الإضافي
للقاضي المحقق يجب أن يكون الغرض منه إظهار الحقيقة ولفائدة العدالة، سواءا أكان
لمصلحة المتهم أو الضحية أو المدعي المدني، المهم أن يكون هذا الإجراء لازما
لإظهار الحقيقة، وأنه جوازي، فقد يكون عند الاقتضاء إجحافا للحق وانصافا لأطراف
الخصومة.
وليس لقاضي التحقيق أن يقوم بهذا
الإجراء الإضافي في جميع الحالات، بل إذا رأى أنه لا موجب لاتخاذ الاجراءات
المطلوبة منه فيتعين أن يصدر قرارا مسببا خلال الأيام الخمسة التالية لطلب وكيل
الجمهورية وفقا للمادة 69/3 من ق.إ.ج.
سلطة النيابة في الإشراف على التحقيق.
بالإضافة إلى سلطة النيابة في
إدارة التحقيق، فإن المشرع قد خول لها سلطة الإشراف المستمر على التحقيق ودلك وفقا
للمواد : 79، 106، 175 من ق.إ.ج.
الإطلاع على ملف التحقيق.
ولحسن سير العدالة يجوز لوكيل
الجمهورية الإطلاع على أوراق التحقيق في أية مرحلة من مراحل التحقيق على أن يعيدها
للقاضي المحقق في ظرف أربع وعشرون 24 ساعة، وذلك كي يتسنى له أن يصدر طلبات إضافية أو كل
إجراء يراه لازما لإظهار الحقيقة.
الانتقال إلى مكان الجريمة مع قاضي التحقيق.
وقد نصت المادة 79
من ق.إ.ج على أنه: " يجوز لقاضي التحقيق الانتقال إلى مكان الجرائم لإجراء
جميع المعاينات اللازمة أو القيام بتفتيشها ويحضر بذلك وكيل الجمهورية الذي له
الحق في مراقبته، ويستعين قاضي التحقيق دائما بكاتب التحقيق ويحرر محضرا يقوم به
من إجراءات.
ولا ينتقل قاضي التحقيق إلى
دوائر اختصاص المحاكم المجاورة للدائرة التي يباشر فيها وظيفته للقيام بإجراءات
التحقيق الضرورية و اللازمة إلا بعد إخطار
وكيل الجمهورية بمحكمته وفقا للمادة 80 من ق.إ.ج.
حضور استجواب المتهم.
يجوز لوكيل الجمهورية حضورا استجواب المتهمين ومواجهتهم وسماع أقوال المدعي
المدني ويجوز له أن يوجه مباشرة ما يراه لازما من الأسئلة، ويتعين على كاتب الضبط
التحقيق في كل مرة يبدي فيها وكيل الجمهورية لقاضي التحقيق رغبته في حضور
الاستجواب أن يخطره بمذكرة بسيطة قبل الاستجواب بيومين على الأقل (المادة 106 من ق.إ.ج).
سلطة النيابة في طلب إعادة التحقيق لظهور أدلة جديدة.
لقد خول المشرع الجزائري
للنيابة العامة وحدها حق طلب إعادة التحقيق لظهور أدلة جديدة، وذلك وفقا للشروط
القانونية الواردة في المادة 175 من ق.إ.ج والتي تنص على أنه: "... المتهم الذي صدر
بالنسبة إليه أمر من قاضي التحقيق بألاّ وجه للمتابعة، لا
يجوز متابعته من أجل الواقعة نفسها ما لم تطرأ أدلة جديدة...."
وتعد أدلة جديدة أقوال الشهود
والأوراق والمحاضر التي لم يكن عرضها على قاضي التحقيق تمحيصها ومن شأنها تعزيز
الأدلة التي سبق أن وجدها ضعيفة، وأن من شأنها أن تعطي الوقائع تطورات نافعة
لإظهار الحقيقة والنيابة العامة وحدها تقرير ما إذا كان ثمة محل لطلب و إعادة
التحقيق بناءا على الأدلة الجديدة أم ليس هناك محل لطلب إعادة التحقيق بناءا على
الأدلة الجديدة.
وبناء على ما تقدم فإن للنيابة
العامة وحدها تقرير ما إذا كان هناك ما يبرر طلب إعادة التحقيق من جديد وبناءا على
ظهور أدلة جديدة لم تكن قد عرضت على قاضي التحقيق وتم فحصها فحصا جيدا ودقيقا
لإظهار الحقيقة.
حق النيابة في استئناف أوامر قاضي التحقيق أمام غرفة الاتهام.
من السلطات التي أعطاها المشرع للنيابة
العامة في خصوص مراقبة سير التحقيق هو حق استئناف أوامر قاضي التحقيق أمام غرفة
الاتهام، إذ تنص المادة 170 من ق.إ.ج على أن:
" يكون لوكيل الجمهورية الحق أن يستأنف أمام غرفة الاتهام جميع أوامر قاضي
التحقيق..."
ويكون هذا
الاستئناف بتقرير لدى قلم كتاب المحكمة ويجب أن يرفع في خلال 3 أيام من تاريخ
صدور الأمر، ومتى رفع الاستئناف من النيابة العامة بقي المتهم محبوس احتياطيا في
حبسه حتى يفصل الاستئناف ويبقى كذلك في جميع الأحوال إلى حين انقضاء ميعاد استئناف
وكيل الجمهورية إلا إذا وافق وكيل الجمهورية على الإفراج عن المتهم في الحال.
وتنص المادة 171 من ق.إ.ج على
أنه: " يحق الاستئناف أيضا في جميع الأحوال ويجب أن يبلغ استئنافه للخصوم
خلال العشرين يوما التالية لصدور أمر قاضي التحقيق، ولا يوقف هذا الميعاد و لا رفع
الاستئناف بتنفيذ الأمر بالإفراج المؤقت، والجديد بالملاحظة في هذا الصدد فإنه
بالرغم من السلطات المخولة للنيابة في شأن إدارة التحقيق ومراقبته فإنها لا تملك
أن توجه تعليمات معينة لقاضي التحقيق في شأن السير بالتحقيق وجهة معينة بل فإن
قاضي التحقيق لا يخضع في هذا المجال إلا للضمير والقانون، فهو يستطيع وبكل حرية أن
يسير بالتحقيق في الاتجاه الذي يراه صالحا لإظهار الحقيقة وله أن يصدر الأوامر
التي يراها ملائمة في القضية وعلى النيابة أن تستأنف أمام غرفة الاتهام أو أوامر
قاضي التحقيق وهو الحق الذي أعطاه إياها المشرع الجزائري وفقا للمادة 170، 171 من ق.إ.ج،
ولكن ليس لها الحق أن توجهه وأن تفرض عليه أسلوبا معينا في سير التحقيق.
شاركنا بتعليقك...