-->
علوم قانونية وادارية علوم قانونية وادارية

اخر المواضيع

جاري التحميل ...

المحـررات الرسميــة و العرفيــة



 المحـررات الرسميــة و  العرفيــة




 المحـررات الرسميــة و  العرفيــة
 المحـررات الرسميــة و  العرفيــة

يعرف الدليل الكتابي بأنه طريقة يبين بها المتقاضي حقيقة اتفاق ما أو واقعة قانونية تكون هي مصدر حقه الذي يدعي به أمام القضاء  ,لذلك جعل المشرع من الكتابة وسيلة إثبات أساسية معترفا لها بالقوة المطلقة ,هذا ويلاحظ أنه رغم هذه الأهمية للكتابة إلا أنها ليست حجة مطلقة في الإثبات, ذلك أنها على اختلاف أنواعها إنما يجوز إثبات عكسها و إن تم ذلك بطرق مختلفة بحسب نوع الورقة أو المحرر,إذ أن المفهوم التقليدي يشتمل على الكتابة الرسمية و العرفية غير أن المفهوم الحديث أدرج ضمن النوعين السابقين نوع حديث من الكتابة و هي الكتابة الإلكترونية وهو ما سنتطرق إليه مخصصين بذلك مطلب لكل نوع نبرز من خلاله شروط و حجية كل نوع وسلطة القاضي في تقديره.




المطلب الاول: المحـررات الرسميــة.
        تناول المشرع الجزائري تعريف العقد الرسمي و يقصد به المحرر الرسمي في المادة 324 قانون مدني جاء فيها: " العقد الرسمي عقد يثبت فيه موظف أو ضابط عمومي أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم لديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن و ذلك طبقا للأشكال القانونية و في حدود سلطته و اختصاصه "و يتضح من خلال النص انه قد حدد شروط إضفاء الصفة الرسمية على المحرر، لذلك سنعرض لهذه الشروط و جزاء تخلفها في فرع أول ثم نتطرق إلى قوة و حجية المحرر الرسمي في فرع ثاني ثم سلطة القاضي في تقديره في فرع ثالث.

الفرع الأول: شـروط المحـرر الرسمي و جـزاء تخلفها.
بالرجوع إلى المادة 324 قانون مدني نجد المشرع تناول شروط صحة المحرر الرسمي والتي تتلخص في:
- أولا: أن يصدر المحرر من موظف أو من في حكمه.
- ثانيا: أن يقوم الموظف بتحرير المحرر في حدود سلطته و اختصاصه.
- ثالثا:أن يتم التحرير وفقا للأشكال التي حددها القانون.
فاختلال أي شرط يجعل الورقة الرسمية باطلة، و بمفهوم المخالفة بمجرد توافر الشروط الثلاثة يكتسب المحرر الصفة الرسمية و تصبح للورقة القوة الذاتية في الإثبات لذا كل من قدم ورقة رسمية للقضاء تتوافر على الشروط السابقة لا يطلب منه إثبات صحتها بل أن كل من أنكر حجيتها عليه أن يطعن فيها([1]) , ولعل الجزاء الذي يلحق بالمحرر عند تخلف أحد الشروط يختلف بحسب الشرط الذي تخلف، فإذا تعلق بالشرط الأول أو الثاني فإنه يؤدي إلى بطلان المحرر أما إذا تعلق بالشرط الثالث فنميز بين ما إذا كان المتخلف أحد البيانات الجوهرية فيعتبر المحرر باطلا و بين ما إذا كان أحد البيانات غير جوهري فلا تأثير على المحرر,غير المشرع قد أخذ بقاعدة تحول المحرر الرسمي إلى محرر عرفي طبقا للمادة326 مكرر2 إذا كان موقعا من الأطراف.
الفرع الثاني: حجيـة المحـرر الرسمــي.
        إن تحرير المحرر الرسمي طبقا للشروط المنصوص عليها قانونا ،من شأنه جعل المحرر ينطوي على قرنيتين  قرنية بسلامته المادية و قرنية أخرى بصدوره من الأشخاص الذين وقعوا عليه وهم الموظف أو الضابط العمومي أو المكلف بخدمة عامة وأصحاب الشأن ([2]) , وقد حدد المشرع حجية المحرر الرسمي في المواد 324 مكرر 5 إلى 324 مكرر 7 قانون مدني.
أولا : حجية المحرر الرسمي بالنسبة للأشخـاص
        حسب المادتين 324 مكرر 5 و 324 مكرر6 فإن المحرر الرسمي حجة على الناس كافة سواء فيما بين المتعاقدين أو في مواجهة الغير بما دون فيه من أمور قام بها محرره في حدود مهمته أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره إلا إذا تبين تزويره بالطرق المقررة قانونا, غير أن تصريحات ذوي الشأن فإن حجيتها لا تقرر إلا بالنسبة لهم و خلفائهم سواء كانوا خلفا عاما أو خاصا، و على من يدعى منهم عدم صحة التصريحات أن


يثبت ذلك، أما الغير الأجنبي و هو كل شخص من غير ذوي الشأن و خلفائهم  لا تكون تلك التصريحات حجة عليهم إذا أنكروا صحتها دون حاجة إلى أن يثبتوا عدم صحتها ([3]) .
ثانيـًا: حجية البيانات الواردة في المحرر الرسمي
        أما فيما يتعلق بالبيانات فقد صدرت عدة قرارات توضح المسألة منها قرار المحكمة العليا الذي جاء فيه " حيث إذا كانت حجية الورقة الرسمية في الإثبات هي حجة على الناس كافة أي فيما بين المتعاقدين و بالنسبة للغير فإنه يجب التفرقة بين الوقائع التي أثبتها الموثق مما جرى تحت سمعه وبصره و التي فيها مساس بأمانة الموثق و هذه حجيتها مطلقة و لا يجوز إنكارها إلا عن طريق الطعن فيها بالتزوير أما الوقائع التي ينقلها ذوي الشأن فيجوز الطعن فيها عن طريق إثبات عكسها دون حاجة إلى الطعن في الورقة ذاتها بطريق التزوير" ([4]) .
و عليه فإن البيانات الواردة في المحرر الرسمي إذا ما أثبتها الموثق فإنه لا يجوز إثبات عكسها إلا بالطعن بالتزوير أما إذا صدرت هذه البيانات من ذوي الشأن فإنه يتم الطعن فيها بالبطلان وهو ما يؤكده في السياق ذاته قرار المحكمة العليا فيما يتعلق بحجية عقد الشهرة الصادر في 27/09/2000 ([5]) .
ثالثـًا: حجيـة صـور المحرر الرسمـي.
        يتم تحرير المحرر الرسمي من أصل وصورة ويظل الأصل محفوظا بمكتب التوثيق و يعطى لذوي الشأن صورا عنه و قد بين المشرع حجية صور المحرر الرسمي في نص المادتين 325 و 326 من القانون المدني و اعتبر حجية الصورة أقل من حجية الأصل إنما أقام قرنية على مطابقتها للأصل و لهذا فحجيتها تتوقف على عدم منازعة أحد الطرفين في المطابقة لهذا تختلف هذه القوة بحسب :
أ/ وجود أصـل المحرر الرسمي.
        إذا كان الأصل موجود فإن للصورة ذات الحجية المقدرة للأصل بغض النظر إذا كانت الصورة خطية أو شمسية , كما يستوي أن تكون صورا نقلت عن الأصل مباشرة أو صور أخذت عن صور الأصل ما دام أنها
كلها رسمية أي تم نقلها عن الأصل و عن صور الأصل بواسطة موظف مختص ([6]) ,و الصورة الرسمية لا تكون لها الحجية المقررة للأصل إلا إذا كانت مطابقة له و عليه فإنه بإمكان الخصم الذي يحتج عليه بصورة رسمية أن


يطلب إحضار الأصل، و يلزم القاضي بالأمر بإحضارها دون أن يمتنع من تمسك بها القيام بذلك , فإذا كانت الصورة مطابقة للأصل كانت لها قوتها في الإثبات أما إذا تبين عدم مطابقتها للأصل يتم استبعدها([7]) .
ب/ عدم وجود أصل المحرر الرسمي
و نميز بين ثلاث حالات قررتها م 326 قانون مدني :
* حالة الصورة الرسمية : هذه الصورة تؤخذ من الأصل مباشرة، سواء كانت هذه الصورة تنفيذية أو غير تنفيذية مثل النسخ أو الصورة الأصلية البسيطة فكلها تعتبر الصورة الأصلية لأنها مأخوذة من الأصل مباشرة و لها حجية الأصل طالما أن مظهرها الخارجي لا يسمح بالشك في مطابقتها ،وهذه الحجية مستندة إلى الصورة ذاتها لعدم وجود الأصل والذي يجعل الصورة تأخذ هذا الحكم هو ختم الموثق عليها رغم عدم حملها لتوقيعه و لا توقيع الأطراف.
  * حالة الصورة الرسمية المأخوذة من الصورة الأصلية : الصورة في هذه الحالة ليست مأخوذة من الأصل مباشرة ،و لكن لها نفس الحجية التي للصور المأخوذة عنها بشرط أن تكون الأصلية موجودة حتى يمكن المراجعة عليها إذا ما طلب أحد الطرفين ذلك، حجية الصورة في هذه الحالة ليست مستمدة من ذاتها بل هي مستمدة من الصورة الأصلية فإذا لم تكن مطابقة للصورة الأصلية استبعدت و بقيت الصورة الأصلية هي صاحبة الحجية .
و لذلك إذا فقدت الصورة الأصلية فمعنى ذلك أن الصورة المأخوذة عنها لا يكون لها الحجية عند المنازعة فيها و لا يعتد بها إلا بمجرد الاستئناس ([8]) .
* حالة الصورة الرسمية للصورة المأخوذة من الصورة الأصلية : تعد في هذه الحالة الصورة الثالثة بالنسبة للصورة الرسمية الأصلية، لا حجية لها في ذاتها و لا يعتد بها إلا لمجرد الاستئناس تبعاً للظروف ،كأن تكون مجرد قرائن بسيطة أما اعتبارها مبدأ ثبوت الكتابة ففيه خلاف ([9]) .
الفرع الثالث : سلطة القاضي في تقديـر المحرر الرسمـي.
        رأينا أن المحرر الرسمي يعتبر حجة على الناس كافة ،و الخصم الذي يتمسك به لا يلزم بإثبات صحته غير أن هذه القرنية التي يتمتع بها المحرر الرسمي لا تحدث أثرها إلا أذا  اتسم المحرر الرسمي بحالة ظاهرة من الصحة و المشروعية، فإذا ظهر على أن شكله مشوب بعيب ظاهر للعيان لوجود حشو أو تشطيب أو كشط و غيره من العيوب المادية, فإنه وتماشياً مع الدور الإيجابي للقاضي في الإثبات فقد منح المشرع للقاضي سلطة إسقاط الصفة الرسمية على المحرر([10]) , دون أن ينتظر القاضي تحرك الخصم ليطعن في هذا المحرر بالتزوير, هذا الحكم أورده المشرع المصري في المادة 28 من قانون الإثبات في حين أن المشرع الجزائري أغفل النص عليه صراحة فقط ما أورده في نص المادة 43 قانون الإجراءات المدنية بإمكانية قيام القاضي بالتحقيق في الكتابة إضافة إلى نص المادة 27 من القانون رقم 06/02 المتضمن تنظيم مهنة التوثيق و التي أوردت حكماً يقضي بأن الكلمات المحورة أو المكتوبة بين السطور أو المضافة باطلة إذا تضمنها العقد ليبقى التساؤل بشأن هذا البطلان المقرر بنص صريح إذا ما كان القاضي أن يثيره من تلقاء نفسه أو على أحد الخصوم أن يدفع به، في حين أن القانون المصري ترك للقاضي إذا شك في المحرر المقدم إليه أن يأمر من تلقاء نفسه باتخاذ ما يراه من إجراءات الإثبات فله أن يدعو الموظف الذي صدر عنه المحرر ليبدي أمامه ما يوضح به حقيقة الأمر فيه، فإذا تأكد القاضي أن المحرر مزور كان له أن يحكم برد المحرر و بطلانه حتى لو لم يطعن أمامه بالتزوير و لا شك أن سلطة القاضي في ذلك تنبع من سلطته في تقدير الأدلة المقدمة إليه و الأخذ بما يرتاح إليه، فقط عليه أن يذكر في حكمه الأسباب التي استند إليها متى كان المحرر جوهرياً و جدياً في النزاع([11]) .
وللإشارة فقط فإن الخصم إذا أراد إسقاط حجية المحرر الرسمي فإن عليه إتباع طريق حاليا هو الوحيد وهو طريق الإدعاء الفرعي بالتزوير لأنه هو الوسيلة الوحيدة المقررة قانوناً لهدم قوة المحرر الرسمي في الإثبات ،غير أن المشرع الجزائري أوجد طريقا آخر لهدم قوة المحرر الرسمي من خلال دعوى التزوير الأصلية المنصوص عليها في المواد 186 و 187 و 188 قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و الذي سيبدأ سريانه من تاريخ 21 أفريل 2009



المطلب الثاني: المحــررات العرفيــة.
        لم يضع المشرع تعريفًا خاصاً  للمحرر العرفي إلا أنه يمكن أن يعرف بأنه سند معد للإثبات يتولى تحريره و توقيعه أشخاص عاديون دون تدخل من الموظف العام ([12]) ,و هذه المحررات إما تكون معدة  سلفاً للإثبات و في هذه الحالة تكون موقعة ممن هي حجة عليه, و إما غير معدة للإثبات لذلك يغلب ألا تكون موقعة و إما يعطيها القانون حجية في الإثبات([13]).
الفرع الأول : المحررات العرفيـة المعـدة للإثبـات.
        وضعت المادة 326 مكرر الإطار التي من خلاله يعتبر المحرر العرفي دليل كامل لهذا نتطرق أولاً إلى شروطها ثم نتناول حجيتها :
أولاً: شروط المحررات العرفية المعدة للإثبات: لا بد من توافر شرطين هما:

1-الكتابـة : لا يقصد بالكتابة في هذا الباب أن تكون الورقة العرفية مكتوبة فهذا أمر بديهي ,و لكن يقصد بها أن تنصب على الواقعة المراد إثباتها بالمحرر، و يستوي أن تكون هذه الكتابة باللغة العربية أو بلغة أجنبية بخط اليد أو بآلة  يتولاها الأطراف أو أي شخص آخر.
2- التوقيـع : يعرف على أنه علامة أو إشارة أو بيان ظاهر مخطوط إعتاد الشخص على إستعماله للتعبير عن موافقته على عمل أو تصرف قانوني بعينه([14]) ,لذلك هو شرط أساسي لنسب المحرر إلى صاحب التوقيع, لذلك إذ لم يوجد التوقيع على المحرر لا يمكن اعتباره دليل كامل و التوقيع المطلوب هو توقيع من يعتبر المحرر دليلاً ضده.
التوقيع إما أن يكون بالإمضاء أو بصمة الأصبع و هو ما أورده تعديل2005 في المادة 329 أو ببصمة الختم، ويوضع التوقيع في آخر الكتابة للدلالة على إطلاع الموقع على مضمونه وإن وجد في مكان آخر فللمحكمة أن تقرر قيمة المحرر.

ثانياً : حجيـة المحررات العـرفية المعدة للإثبـات
تناول المشرع هذه الحجية في نص المادة 327 قانون مدني و لمعرفة هذه الحجية نتطرق بداية إلى الحجية من حيث المضمون ثم من حيث التاريخ.
أ – حجية المحرر العرفي من حيث مضمونه :
1- حجية المحرر العرفي فيما بين أطرافـه :
أشارت الفقرة الأولى من المادة 327 قانون مدني إلى أن العقد العرفي و المقصود المحرر يعتبر صادراً ممن كتبه أو وضع عليه بصمة أصبعه ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه.
و معنى ذلك أن المحرر العرفي يحوز الحجية إذا اعترف صاحب التوقيع على المحرر العرفي بصدوره منه أو سكت و لم ينكر صدوره عنه صراحة كله أو بعضه ، عندئذ ينفذ التصرف الثابت في المحرر في حقه  هو و خلفه العام و الخاص ([15]) و هو ما أكدته المحكمة العليا في عدة قرارات لها ([16]) .
2- حجية المحرر العرفي بالنسبة للغيـر.
وحسب الشطر الثاني للمادة 327 قانون مدني التي تنص:" أما ورثته أو خلفه فلا يطلب منهم الإنكار و يكفي أن يحلفوا يميناً بأنهم لا يعلمون أن الخط أو الإمضاء أو البصمة هو لمن تلقوا منه هذا الحق ". فإن المحرر العرفي حجة على من صدر منه وعلى خلفه العام و الخاص و إذا ما توفي صاحب التوقيع فهنا لورثته أو الخلف أن يتمسكوا لعدم صدور المحرر ممن وقعه لا عن طريق إنكار التوقيع بل يكفي أن يحلفوا يميناً بأنهم لا يعلمون أن الخط أو البصمة أو الختم هو لمن تلقون عنه الحق وهو طريق الطعن بالجهالة الذي لا يمتد أثره إلى التصرف ذاته الصادر عن المورث ([17]) , أما إذا أقرا الخلف أو الورثة بأن الختم أو التوقيع أو البصمة الموجودة على المحرر لمن تلقوا عنه الحق فإنه لا يقبل منهم بعد ذلك الطعن بالجهالة بل عليهم سلوك الطعن بالتزوير في المحرر العرفي.
ب/ حجية المحرر من حيث تاريخــه:
إذا كان للمحرر العرفي حجية بما ورد به من بيانات و منها تاريخه في مواجهة طرفيه حتى يثبت العكس و له ذات الحجية في مواجهة الغير فما عدا التاريخ فلا يكون حجة إلا إذا كان ثابتاً .

الغير حسب م 328 قانون مدني , لا يقصد به ذلك الشخص الأجنبي الذي يكون بعيدا عن التصرف موضوع المحرر و إنما يراد به كل من يضار من الاعتداد بالتاريخ الثابت في المحرر العرفي ([18]) .
لذلك لا يعتبر من الغير المتعاقد نفسه ولو قام نائبه بالتعاقد نيابة عنه، أيضا الخلف العام الذي مثله سلفه في المحرر، و الدائن الذي مثله مدينه فكل هؤلاء ليسوا من الغير لأنهم أطراف في المحرر العرفي أو كانوا ممثلين فيه بواسطة شخص آخر أما الغير فهما :
- الخلف الخـاص: فهو من تلقى حق عيني من صاحب التوقيع على المحرر العرفي على شيء معين بالذات كالمشتري بالنسبة للبائع و الموهوب له بالنسبة للواهب و الدائن المرتهن للمدين الراهن وجميع هؤلاء تسري في حقهم تصرفات السلف فقط إذا كانت سابقة على تاريخ اكتسابهم لحقوقهم.
- الدائـن الحاجـز: ([19]) الدائن العادي لا يعتبر من الغير حسب الأصل لأن حقه لا يتعلق بعين معينة من أموال مدينه بل تتعلق بذمة هذا المدين ،ولكن القانون يجيز للدائن أن يتخذ بعض الإجراءات يترتب عليها أن يتعلق حقه بمال معين من أموال مدينه وحتى لا يضار هذا الدائن من تصرفات مدينه الوارد على هذا المال فإنه يعتبر من الغير إذ لا تسرى في حقه تلك التصرفات إلا إذا كانت ثابتة التاريخ و سابقة على اتخاذ الإجراء الذي علق حق الدائن بالعين، أهمها الحجز فإذا حجز الدائن على منقول مملوك لمدينه و تقدم شخص مدعياً إنه اشتراه لا يسري في حق الدائن الحاجز هذا الشراء إلا إذا كان ثابت التاريخ بشكل قطعي و كان تاريخه الثابت سابقاً على تاريخ الحجز، أما إذا كان تاريخ الشراء غير ثابت أوكان لاحقا على الحجز فإنه لا يحتج به على الدائن الحاجز و بالتالي مواصلة إجراءات التنفيذ على الشيء المحجوز لبيعه و استيفاء حقه.
- ثبوت التاريخ في المحرر العرفي : دائما بالرجوع إلى المادة 328 قانون مدني نجد أن المشرع حدد حالات ثبوت التاريخ و تتمثل في :
- ثبوته من تسجيله في مصلحة الطابع والتسجيل: بصدور القانون رقم 91/25 المؤرخ في 16/12/1991 المتضمن قانون المالية لسنة 1992 في مادته 63 منع تسجيل المحررات العرفية و أوجب أن تفرغ جميع العقود الخاضعة للتسجيل في محرر رسمي فأصبحت هذه الحالة غير متصورة.
- ثبوته من يوم ثبوت مضمونه في محرر رسمي: ويشترط في هذه الحالة أن يذكر مضمون المحرر العرفي بصورة واضحة لا تؤدي إلى أي لبس و هنا يكون التاريخ الثابت للمحررين واحد ،ومن ذلك الإشارة إلى مضمون

المحرر العرفي في محاضر الضبطية أو أي محرر يكون مصدره موظف أو ضابط عمومي أو شخص مكلف بخدمة عمومية.
- ثبوته من يوم وفاة أحد ممن لهم على المحرر أثر معترف به : سواء بخط أو إمضاء أو بصمة ،و هنا يكون من المفروض أن المحرر صدر قبل الوفاة و يصبح تاريخ الوفاة تاريخ ثابت للمحرر العرفي و يقاس نفس الأمر بالنسبة لليوم الذي يصبح مستحيلاً على أحدهم أن يكتب أو يبصم لعلة كبتر اليدين.
- ثبوته من يوم التأشير على المحرر العرفي من موظف عام :و هذا عند المصادقة على إمضاء الأطراف أمام ضابط الحالة المدنية ،أو عند تأشير القاضي على المحرر العرفي المقدم في الدعوى لتسليمه للخصم الآخر للإطلاع عليه.
و للإشارة فقد منح المشرع سلطة تقديرية  للقاضي حسب ظروف كل قضية أن يستبعد تطبيق المادة 328 فيما يتعلق بالمخالصات، و ذلك للصعوبة التي يتلقاها الأفراد  لو طبق النص عليها لكثرة التعامل بها.

الفرع الثاني : المحررات العرفية غير المعـدة للإثبات.
        توجد محررات عرفية لم تعد مقدماًً للإثبات و هي في الغالب غير موقعة و رغم ذلك فإن القانون يضفي عليها قوة في الإثبات و هو ما تعرض له المشرع في المواد من 329 إلى 332 قانون مدني و يتعلق الأمر بأربعة أنواع.
أولاً- الرســائل و البرقيـــات :حسب المادة 329 قانون مدني  نميز بين :
1- الرسائـل: و تعرف الرسالة على أنها كل كتابة مخصصة لربط علاقة بين شخصين و أكثر لغرض من الأغراض([20]) و حسب الشطر الأول من المادة 329 التي تنص على أنه" تكون للرسائل الموقع عليها قيمة الأوراق العرفية من حيث الإثبات"  فالمشرع قد ساوى بين الرسالة و المحرر العرفي أي أنها تكون دليل كتابي كامل بشرط أن تكون موقعة وتتضمن من البيانات ما يعين الواقعة المراد إثباتها ، من جهة أخرى فإنها تخضع لنفس الحكم الذي يخضع  له المحرر العرفي من حيث عدم الإحتجاج بتاريخها على الغير إلا إذا كان تاريخها  ثابتاً ، و الحق في استخدام  الرسالة للإثبات يكون لمالكها و تعتبر الرسالة ملكاً للمرسل إليه لذا هو صاحب الحق في تقديمها للإثبات.


2- البرقيـات : دائماً و حسب المادة 329 قانون مدني في شطرها الثاني فإن المشرع افترض مطابقة البرقية لأصلها المودع في مكتب التصدير ، لأن موظف التلغراف لا مصلحة له في تغيير مضمون الأصل و من الحجية التي يعطيها المشرع للبرقية مشروط بقاء أصلها الموقع عليه من المرسل ،فإذا انعدم أصل البرقية فلا يعتد بها إلا لمجرد الإستئناس([21]) .

ثانياً- الدفاتـر التجاريـة :
        أوجب القانون التجاري في المادة 14 منه على التاجر مسك دفترين هما دفتر اليومية و دفتر الجرد  يقيد فيهما العمليات التجارية و كل ما يرتبط بتجارته و تنظيمها ،حتى يكون له حجة في الإثبات طبقاً للمادة 330 قانون مدني و التي إما تكون حجة للتاجر أو حجة عليه.
1- دفـاتر التاجر حجة عليه : بغض النظر عن الشخص الذي تعامل معه التاجر فقد يكون تاجراً أو لا و ما إذا كان الأمر يتعلق بنزاع مدني أو تجاري ،  فالبيانات المدونة في الدفتر هي بمثابة إقرار مكتوب ([22]) ,صادر عن التاجر و هذا خروج عن القواعد العامة في الإثبات، من ناحية أن دفتر التاجر محرر عرفي غير موقع من التاجر هذا من جهة و من جهة أخرى أن  التاجر ملزم بتقديم دليل ضد نفسه.
2- دفـاتر التاجر حجـة له : خروجاً عن قاعدة أنه لا يجوز للشخص أن يصطنع دليلاً لنفسه بنفسه يمكن أن تكون لدفاتر التاجر حجة له في حالتين .
الأولى: في الدعاوى التجارية إذا كان الخصم تاجر إستناداً إلى المادة 13 قانون تجاري و هنا يجوز للقاضي مقابلة الدفاتر و التأكد من صحة البيانات  الواردة بها.
الثانية : في الدعاوى المدنية إذا كان الخصم  ليس تاجراً أجاز كذلك القانون أن يكون الدفتر حجة للتاجر  إذا تعلق بما يورده لعملائه غير التجار ، و ألا تزيد قيمة البضائع على ما يجوز إثباته بالبينة أي 100.000 دج ،و الحجية في هذه الحالة ناقصة يتعين إذا ما قبلها القاضي أن يكملها باليمين المتممة أي يوجهها إلى أي من الخصمين([23]) .

ثالثاً-الدفـاتر والأوراق المنزلية :
 يقصد بها المذكرات التي يضعها الأشخاص و يدونون فيها الوقائع الخاصة بشؤونهم و تصرفاتهم اليومية المنزلية و المالية أما على دفاتر و أوراق متفرقة .
و قد بين المشرع حجية هذه الأوراق و الدفاتر المنزلية في نص المادة 331 قانون مدني و ما يمكن إستخلاصه أن هذه الدفاتر و الأوراق المنزلية لا تكون حجة لصاحبها في أية صورة لأنه لا يستطيع أن يصطنع دليلاً لنفسه غير أنه يمكن أن تكون لها حجية  على صاحبها في حالتين:
الأولى : أن يذكر فيها من صدرت منه أنه أستوفى ديناً و يكون ذلك بشكل صريح و يقصد به إقرار الدائن بوفاء الدين سواء كان كلياً أو جزئياً.
الثانية : إذا ذكر صراحة أنه قصد بما دونه أن تقدم هذه الأوراق مقام السند لصاحب الحق فيها.
و يراعى أن حجية الدفاتر و الأوراق المنزلية هنا هي حجية قابلة لإثبات العكس ،فيستطيع صاحبها أن يثبت أن البيانات التي دونها تم تدوينها عن طريق الخطأ و إنتظاراً الوفاء لم يتم، و يمكن ذلك حتى بالبينة و القرائن. و لا يقال هنا أن الدفاتر و الأوراق المنزلية لا تعد محررات عرفية موقعة تنطبق عليها هذه القاعدة([24]).
و الأصل أن هذه الأوراق لا يجوز الإجبار على تقديمها إلى القضاء إلا إذا كانت مشتركة بين الخصمين أو مثبتة لإلتزاماتها و حقوقها المتبادلة.
رابعاً- التأشير على السند بما يستفاد منه براءة ذمة المدين:
إذا قام المدين بالوفاء بالدين فإن الدائن يعطيه عادة مخالصة بالسداد أو يؤشر على سند الدين بالوفاء مع التوقيع و يعد بذلك دليل كتابي كامل ،و قد يكتفي الدائن بالتأشير بخطه دون توقيع على السند المثبت للدين ببراءة ذمة المدين ، خاصة إذا كان الوفاء جزئياً فاعتبر المشرع طبقاً للمادة 332 قانون مدني أن مثل هذا التأشير حجة على الدائن بحصول الوفاء حتى يثبت عكس ذلك، و يلزم لإعمال هذا الحكم توفر عدة شروط تختلف حسب ما إذا كان السند في حيازة الدائن أم في حيازة المدين.
1- التأشير على سند الدين و هو في يد الدائن:
إذا أشر الدائن على سند الدين الموجود في حيازته بما يفيد الوفاء الكلي أو الجزئي فإن هذا التأشير رغم أنه غير موقع عليه من الدائن يعتبر دليلاً على براءة ذمة المدين، و لكن حجية هذا التأشير مقرونة بشرطين.
- أن يتضمن التأشير بما يفيد براءة ذمة المدين من كل أو بعض الدين، و أن يقع التأشير على سند الدين ذاته لا على صورة له أو ورقة مستقلة عنه و التأشير على السند يكون بأي شكل سواء في ظهره أو بهامشه و وجود شطب أو محو لا يؤثر على وجود الوفاء ما دام مقروءاً ما لم يثبت الدائن العكس.
- يجب أن لا يكون السند قد خرج من حيازة الدائن، فإذا خرج من حيازته فيقع عليه عبء إثبات خروج السند لدحض هذه الحجية.
2- التأشير على سند الدين و هو في يد المدين : إذا أشر الدائن بما يفيد براءة ذمة المدين على السند الموجود لدى المدين فإن ذلك يكون حجة في الإثبات بشرطين هما([25]) :
- أن يكون التأشير مكتوب بخط الدائن على نسخة من السند الأصلي أو على مخالصة ببراءة ذمة المدين و لا يلزم أن يكون التأشير موقعاً عليه من الدائن، و لكن يجب ألا يكون هنالك محو أو شطب و إلا زالت الحجية للتأشير لأنه لا يفهم من المحو إلا أن الوفاء لم يتم و إذا أدعى أن الشطب تم عن غلط أو دون علمه عليه الإثبات.
- يجب أن تقع نسخة السند أو المخالصة في حيازة المدين ، و متى توفر الشرطان اعتبر التأشير حجة على الدائن في براءة ذمة المدين إلا أنه لا يصل إلى قوة الورقة العرفية الموقعة و من ثمة يمكن للدائن أن يثبت عكس هذا الدليل بكافة الطرق.


[1]- د/ محمد زهدور ,الوجيز في طرق الإثبات المدنية في التشريع الجزائري ,طبعة 1991 ,ص :27 .
[2] - د /عبد الرزاق السنهوري ,الوسيط في شرح القانون المدني ,الجزء الثاني,دار إحياء التراث العربي ,بيروت لبنان ,ص :143 .
[3] - د/ عبد الرحمن  ملزي, محاضرات بعنوان : طرق الإثبات في المواد المدنية , ألقيت على الطلبة القضاة الدفعة 17,سنة 2007/2008 .ق,ص :14 .
[4] - قرار المحكمة العليا رقم :190514 المؤرخ في : 29/03/2000 ,المجلة القضائية لسنة 2000 ,العدد 01 ,ص : 154
[5] - قرار رقم :60264 المؤرخ في :27/09/2000 ,الإجتهاد القضائي في الغرفة العقارية ,الجزء 02 , لسنة 2004 , ص : 139
[6]- د/ ملزي عبد الرحمن، المرجع السابق ، ص 15
[7] - د / يحي بكوش , المرجع السابق ,ص :122 .
[8] - د / ملزي عبد الرحمن ,نفس المرجع السابق , ص : 16 .
[9] - يرى الأستاذ ملزي عبد الرحمن أنه قد تعتبر في دعوى أخرى بداية ثبوت بالكتابة فيكملها القاضي بالشهادة ,نفس المرجع , ص: 16 ,عكس ما ذهب إليه بعض الفقهاء المصريين كالأستاذ عبد الرزاق السنهوري نفس المرجع ص 170 و 171 والأستاذ رمضان أبو السعود نفس المرجع ص127 في عدم جواز إعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة .
[10] - د /يحي بكوش ,المرجع السابق , ص 114 ,في المعنى د/ عبد الرحمن ملزي ،المرجع السابق ص 13 .
[11] - د/ رمضان أبو السعود ,أصول الإثبات في المواد المدنية و التجارية ،الدار الجامعية ،بيروت لبنان ،1994 ,ص 130 و 131 .
[12] - د / يحي بكوش , المرجع السابق , ص 126 .
[13] - د / عبد الرحمن ملزي, المرجع السابق,ص 17  .
[14] - د / محمد حسن قاسم , المرجع السابق ص 159 .
[15] - د / احمد أبو الوفاء ,الإثبات في المواد المدنية والتجارية , الدار الجامعية للطباعة والنشر ,سنة 1983 , ص 93 .
[16] - القرار رقم 45658 المؤرخ في 07/12/1987 ,المجلة القضائية 1990 ,العدد 04 ,ص 61 و القرار رقم 53931 المؤرخ في 28/05/1990 ,المجلة القضائية لسنة 1992 , العدد 01 , ص 99 .
[17] -د/ محمد حسين منصور ,قانون الإثبات وطرقه , ص 89
[18] - د/ أحمد أبو الوفاء ,مرجع سابق ,ص 94 .
[19] - د/ عبد الرحمن ملزي ، مرجع سابق , ص 23
[20] - د / يحي بكوش ,مرجع سابق , ص 153
[21] - د/ عبد الرحمن ملزي, مرجع سابق, ص27.
[22] - د /عبد الرزاق السنهوري , مرجع سابق , ص 277
[23] - د / محمد حسن قاسم , المرجع السابق ص 287 .
[24] - د / محمد حسن قاسم , المرجع السابق ص 202 .
[25] - د / محمد حسين منصور , المرجع السابق ص 118 .

شاركنا بتعليقك...

التعليقات



، اشترك معنا ليصلك جديد الموقع اول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

احصائيات الموقع

جميع الحقوق محفوظة

علوم قانونية وادارية

2010-2019