المنازعات القضائية المترتبة عن البيوع الواقعة على الأملاك
العقارية الخاصة التابعة للدولة
ماهية المنازعة الإدارية
تعريف المنازعة الإدارية
كلمة منازعة لغة تعني نزاع
أو دعوى أو خصومة و تهدف إلى كل شيء متنازع فيه (1) و يقابل كلمة منازعة باللغة الفرنسية "
Contentieux ".
و إذا ارتبطت هذه المنازعة
بالإدارة نكون حينئذ أمام المنازعات الإدارية التي تتألف من مجموعة الدعاوى
الناجمة عن النشاط الإداري و أعوان الإدارة أثناء قيامهم بوظائفهم ، و المنازعات الإدارية تفقد مبرر وجودها حينما
تخضع للقاضي العادي (2).
ذلك أنه من المفروض و نظرا
لطبيعة عمل الإدارة و خصوصياته فإن أعمالها تخضع لقاض يراعي ذلك يطلق عليه اسم
القاضي الإداري.
|
تحديد طبيعة منازعات أملاك الدولة الخاصة
كـنـا قـد تـعـرفـنـا
فـيـمـا سـبـق بـأن الـنـظـام الـقـانـوني لـلأمـلاك الـخـاصـة الـتـابـعــة
لـلـدولـة هـو نـظـام مـخـتـلـط يـخـضـع أصـلا لـقـواعـد الـقـانـون الـخـاص
لـكـنـه كـذلــك يـخـضـع لـقـواعـد قـانـونـيـة تـسـتـمـد روحـهـا مـن قـواعـد
الـقـانـون الـعـام ، و هـذه الـصـبـغـة أكـيـد أنها ستؤثر عـلـى الـنـظـام
الـقـضـائـي الـخـاضـعـة إلـيـه هـذه الأملاك أيـضـا ، فـحـسـب الـنـظـريـة
الـكـلاسـيـكـيـة فـإن الأمـلاك الـخـاصـة تـكـون مـن نـصـيـب الـقـاضـي الـمـدنـي خـاصـة و أنـهـا تـؤدي وظـيفـة مـالـيـة و
إمـتـلاكـيـة ، أما الأملاك العامة و بالنظر إلى وظـيـفـتـها فـي تـحـقـيـق
الـمـنـفـعـة الـعامـة تـخـضـع دائما لاختصاص الـقـاضـي الإداري.
و مـا يـلاحـظ فـي
الـجـزائـر أن الـجـدل فـي هـذا الـمـوضـوع غـيـر ذي أهـمـيـة عـلـى الأقـل فـي
تـحـديـد الاختصاص الـقـضـائي ، بـحـيـث أن الأمـلاك الـوطـنـيـة الـخـاصـة فـضـلا
عـن الـعـامـة تـدخـل تـطـبـيـقـا لـنـص الـمـادة 07 من قانون الإجراءات المدنية
في نطاق اختصاص القاضي الإداري (1).
أي الغرف الإدارية على
مستوى المجالس القضائية الفاصلة في المواد الإدارية لكن مع مراعاة الاستثناءات
الواردة في نص المادة 07 مكرر (مخالفات الطرق ، المنازعات المتعلقة بالإيجارات
الفلاحية و الأماكن المعدة للسكن ... إلخ ) التي تكون من اختصاص القاضي المدني.
|
و في الجزائر ينطوي تعريف
النزاع الإداري على المعيار الشكلي (1) ، بحيث يكفي أن يكون أحد أطراف
النزاع شخصا معنويا عاما ( الدولة ، الولاية ، البلدية ، إحدى المؤسسات ذات الطابع
الإداري) لاعتبار النزاع إداري ، و قد كان هذا الأخير يحدد قبل الإصلاح القضائي
على أساس معايير موضوعية ( نشاط المرفق العام ، امتياز السلطة العامة ) مثل ما هو
عليه حال في فرنسا مهد القانون الإداري.
تمثيل الدولة أمام القضاء
لقد أشارت المواد 09 ، 125 و 126 من
قانون الأملاك الوطنية رقم 90/30 الصادر بتاريخ 01 ديسمبر 1990 ، و كذا المواد 183
إلى 188 من المرسوم التنفيذي رقم 91/454 المؤرخ في 23 نوفمبر 1991 إلى السلطة
المؤهلة لتولي تمثيل الدولة في الدعاوى التي تكون فيها مدعية أو مدعى عليها كما
حددت مجال هذا التمثيل.
و لكن بالرغم من وجود
النصوص القانونية و التنظيمية التي تشكل زخما قانونيا لا يستهان به ، إلا أنه من الناحية
العملية قد يحصل بل حصل و إن تداخلت الاختصاصات في التمثيل القضائي بين من أوكلت
إليهم هذه المهمة ، أو قد يحصل تنازع سلبي بين هؤلاء و هو الأخطر فلا تقدم حينئذ
أية سلطة إدارية عمومية بضمان حماية مصالح الدولة الجديرة في الحقيقة بالحماية و
المحافظة عليه من طرف الجميع ، خاصة و أن المنازعات التي تتدخل فيها الإدارة ما
فتأت أن تتوسع رقعتها و تتشعب مشاكلها بشكل يدعو للقلق.
|
و على هذه الأساس سنسلط
الضوء على مهام و مجال تدخل مختلف السلطات الإدارية المؤهلة لتمثيل الدولة في
الدعاوى التي تكون فيها طرفا سواء على المستوى الولائي أو المركزي لاسيما دور مصالح
أملاك الدولة و الحفظ العقاري خاصة بعد التنظيم الجديد الذي رسم معالمه المرسوم
رقم 91/65 المؤرخ في 02/03/1991 و المتضمن تنظيم المصالح الخارجية لأملاك الدولة و
الحفظ العقاري.
طبيعة التمثيل القضائي
إن الوزير المكلف بالمالية
على المستوى المركزي ، مدراء أملاك الدولة و مدراء الحفظ العقاري على مستوى
الولاية ، الوزراء المختصين ، الولاة و رؤساء المجالس الشعبية هم وحدهم المؤهلون
قانونا لتلقي أي تبليغ قضائي لاسيما العرائض،التكاليف بالحضور ، الأحكام ، الأوامر
أو أي قرار قضائي و يسعون في هذا الصدد إلى التوقيع على جميع العرائض و مذكرات
الرد ( الجوابية ) سواء كانوا مدعين أو مدعى عليهم أمام السلطات القضائية.
امتداد التمثيل القضائي
أولا : مجال تمثيل الوزير المكلف بالمالية
يختص بالمنازعات المتعلقة
بالمسائل الآتية :
1 – مجموعة الأملاك الخاصة
التابعة للدولة كما هي مبينة في المادة 18 من قانون الأملاك الوطنية المسيرة
مباشرة من طرف إدارة الأملاك الوطنية أو المخصصة للمصالح التابعة للوزارة المكلفة
بالمالية.
2 – تسيير الأملاك التابعة
للخواص ( المسيرة من طرف إدارة الأملاك الوطنية ) التي تسند إليها إدارتها طبقا
للقانون أو بمقتضى حكم قضائي و هي تشمل على ما يلي :
- الأملاك الشاغرة و
الأملاك التي لا صاحب لها أو التي تم التخلي عنها.
- الأملاك المصادرة بموجب
قرارات قضائية لحساب الدولة.
- الأملاك المحجوزة التي
تمارس عليها الدولة حقا محتملا للملكية.
- الأملاك الموضوعة تحت
الحراسة القضائية.
- الكنوز و الحطام.
3 – تحديد طابع الملكية
الوطنية العامة و الخاصة ، بحيث في المنازعات التي تقوم على المطالبة بملكية
عقارات أو منقولات تابعة للأملاك الوطنية فإنه يتعين على إدارة أملاك الدولة
التدخل للدفاع عنها.
4 – صحة جميع الاتفاقيات
التي تخص اقتناء الأملاك الوطنية أو تسييرها أو التصرف فيها و تنفيذ الشروط
المالية الخاصة بها ، لاسيما الاتفاقيات المتعلقة بما سيلي سرده :
- منح حق الامتياز على
المرافق العمومية.
- البيوع التي تتم في إطار
التنازل عن أملاك الدولة.
- عقود الشراء في مجال
تنفيذ إجراءات نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية.
- عقود الشراء في مجال
ممارسة حق الشفعة المنصوص عليها قانونا.
-
عقود الإيجار .
- البيوع
الواردة في الأحكام الخاصة بقانون المالية لسنة 1983.
- البيوع التي تتم عن طريق
المزاد العلني.
يبقى أن ننوه بأن هذه
التصرفات القانونية السالف ذكرها ليست على سبيل الحصر بل على سبيل المثال فقط.
على كل نوهت المادة 186 من
المرسوم رقم 91/454 بصريح العبارة أن إدارة أملاك الدولة و من المؤسسات العمومية
ذات الطابع الإداري ، كما تقدم لهم جميع الآراء و الاستشارات دفاعا عن أملاك الدولة التي
تستعملها و تسيرها و تحافظ عليها هذه المصالح أو المؤسسات العمومية ، بل حتى
يمكنها تقديم يد المساعدة نفسها للجماعات المحلية.
5 – المنازعات المتعلقة
بتحصيل حقوق الدولة خاصة تلك المنصبة على إجبارية و قيمة المبالغ المستحقة و ليس
على نظامية الإجراءات المتبعة.
و عائدات أملاك الدولة لا
تتضمن فقط الأتاوى الخاصة بشغل الأملاك العمومية ، نتائج إيجار الأملاك الوطنية و أتاوى حق
الامتياز السكني و إنما أيضا محاصيل بيع الأملاك الوطنية ، الأملاك الشاغرة ،
التركات الشاغرة أو التي لا صاحب لها.
دور مديرية أملاك الدولة و مديرية الحفظ العقاري في التمثيل القضائي
يؤهـل مـديـري أمـلاك
الـدولـة بـالـولايـات و مـديـري الحفظ العقاري بالولايات أيضا كل فيما يخصه
بتمثيل الوزير المكلف بالمالية في الدعاوى المرفوعة أمام الجهات القضائية الآتية :
- المحاكم .
- المجالس القضائية.
- المحاكم الإدارية .
و بالمقابل يعمد المدير
العام للأملاك الوطنية بتمثيل الوزير المكلف بالمالية في الدعاوى المتعلقة بأملاك
الدولة و الحفظ العقاري أمام الجهات القضائية التالية :
- المحكمة العليا.
- مجلس الدولة.
- محكمة التنازع.
بالنسبة لمديري الحفظ
العقاري على مستوى الولايات مجال تدخلهم في المنازعات مرتبط تمام الارتباط بمسألة
مسك السجل العقاري و الإجراءات المتعلقة بالإشهار العقاري لاسيما القرارات المتخذة
من طرف المحافظين العقاريين أثناء أداءهم لوظائفهم العادية على مستوى المحافظات
العقارية ، و يتعلق الأمر على وجه الخصوص بــ :
- النزاعات المترتبة على إعداد مسح الأراضي
العام و المحافظة عليه المادة 5 أمر 75-74 (تغيير حدود الملكية ، الدفتر العقاري ،
ترقيم العقارات الممسوحة إلخ ...).
- المنازعات المترتبة على مسك البطاقات العقارية
(تسجيل الحقوق العينية الأصلية ، وقيد الحقوق العينية التبعية ، فحص العقود).
- القرارات المتخذة من قبل المحافظ العقاري (
رفض إيداع الوثائق موضوع الشهر العقاري ، رفض الإجراء ... إلخ ).
كما ننوه بأن تمثيل الدولة
أمام العدالة من قبل المحافظين العقاريين يكون متعلقا في كل الفرضيات بحالة العقار
، و في هذا الصدد تكون الدولة مسئولة على
الأخطاء المضرة بالغير التي يرتكبها المحافظ العقاري في حالة ثبوت الخطأ الجسيم
لهذا الأخير ، و هذا له ما يبرره لأن المشرع الجزائري تبنى قاعدة أساسية مناطها
بأن كل التصرفات العقارية التي ترمي إلى إنشاء أو نقل أو تصريح أو تعديل أو انقضاء
حق عيني عقاري لا يكون لها أثر اتجاه الغير و لا حتى بين المتعاقدين إلا إذا روعيت
فيها الإجراءات الخاصة بالشهر في مجموعة البطاقات العقارية ، و على هذا الأساس
ينبغي على المحافظ العقاري تشديد حرصه لاستقرار المعاملات العقارية و هذا الأمر
يكون في كل التصرفات بشكل عام ، أما إذا تعلق الحال بالتصرف في أملاك الدولة فإن
المحافظ العقاري مطالب بأن يكون حارسا لأملاك الدولة يذود عنها بكل ما أوتي من سلطة
يمنحها إياه القانون.
ثانيا : مجال تمثيل الوالي
أما فيما يخـص الولاة فيـجـدر التأكيد
بأنهم يتمتعون بازدواجية في التمثيل القضائي ، فتارة يمثلون و يدافعون على مصالح
الدولة عملا بنص المادة 184 من المرسوم التنفيذي رقم 91/454 و بنص المادة 92 من
قانون الولاية رقم 90/09 ، و تارة
أخرى يتبعون دون غيرهم الدعاوى باسم و لحساب الولاية التي لها شخصية معنوية مستقلة
تمام الاستقلال عن الدولة ، و هذا ما ورد في نص المادة 87 من قانون الولاية رقم
90/09 المؤرخ في 07 أفريل 1990 (1).
كما تنص المادة 184 فقرة 02
على أنه يمكن للوالي المختص إقليميا ، حيث تقع الأملاك الوطنية موضوع النزاع أن
يمارس دعوى المطالبة بمصالح الدولة في مجال أملاكها ، و هذا عملا كذلك بقانون الولاية فالوالي يتصرف
و كأنه ممثل عن كل وزير في ولايته.
1) ج.ر. العدد 15 المؤرخة في 11/04/1990 ،
ص434.
|
ثالثا : رؤساء المجالس الشعبية البلدية
عملا بنص المادة 10 و 125 من قانون الأملاك
الوطنية فإن رؤساء المجالس الشعبية يمكنهم أيضا المثول أمام القضاء مدعين أو مدعى
عليهم فيما يخص الأملاك التابعة للأملاك الوطنية الخاصة.
و قد يمتد هذا الاختصاص إلى الأملاك الوطنية
العمومية عندما تؤدي المنازعة مباشرة أو غير مباشرة إلى التشكيك في ملكية الدولة
للأملاك المعنية أو التشكيك في حماية الحقوق و الالتزامات التي يتعين عليهم الدفاع
عنها أو المطالبة بتنفيذها أمام العدالة.
كما أن المادة 67 من قانون البلدية رقم 90/08 قد
نصت على أن رئيس المجلس الشعبي البلدي يضطلع إلى تمثيل الدولة على مستوى البلدية (1).
و الجدير بالذكر في هذا الصدد ، أن المادة 186
من المرسوم التنفيذي رقم 91/454 نوهت بأن إدارة أملاك الدولة يمكن أن تقدم يد
المساعدة متى طُلب منها ذلك للجماعات المحلية (الولاية ، البلدية) للدفاع عن
الأملاك الوطنية الولائية أو البلدية.
و عليه ، يتضح جليا بأن إدارة أملاك الدولة يمكن
أن تكون طرفا رئيسيا في المنازعة كما يمكن أن تكون فقط مساعدة ، كما يمكن أيضا أن
تقدم ذات المساعدة للمصالح و المؤسسات ذات الطابع الإداري.
رابعا : مجال تمثيل السلطات الأخرى
بمقتضى
القوانين و التنظيمات المعمول بها يمكن للوزراء المختصين أن يمثلوا الدولة أمام
السلطات القضائية ، و طبعا تدخل هذه السلطات الوصية يكون على وجه الخصوص متعلق
بالأملاك العمومية التي تضمن تسييرها و استغلالها
و استصلاحها ، و على سبيل المثال نذكر النزاعات القائمة على ما يلي :
1) صدر قانون البلدية بموجب القانون 90/08
المؤرخ في07/04/1990 ج.ر. العدد 15 المؤرخة في 11/04/1990 ، ص 420.
|
- الأملاك العامة الغابية.
- الأملاك العامة المائية.
- الأملاك العامة المنجمية.
- الأملاك العامة الاصطناعية في مجال الطرق.
- الأملاك العامة الاصطناعية التابعة للسكك
الحديدية.
- الأملاك المتعلقة بالأماكن و المعالم
التاريخية و الأثرية.
- الأملاك العامة المنائية و المطارية.
- الأملاك الممنوحة في إطار تزويد المؤسسات
العمومية أو لضرورة الخدمة.
- الأملاك التي تم شراءها أو إنجازها من قبل
المؤسسات المعنية.
و في هذه المنازعات الأخيرة تمثيل الدولة من لدن
الوزارة الوصية و الجهاز المؤهل في المؤسسة العمومية يكون بشكل مشترك و متزامن
بالرغم من أن الدولة و المؤسسة كلاهما يتمتعان بشخصية معنوية مستقلة عن بعضها
البعض.
أوجه المنازعات المترتبة عن البيوع
الواقعة على الأملاك
العقارية الخاصة التابعة
للدولة
تندرج المنازعات القضائية المترتبة عن البيوع
الواقعة على الأملاك العقارية الخاصة التابعة للدولة ضمن مجال المنازعات العقارية
بشكل عام ، و التي تعرف على أنها مجمل الدعاوى القضائية المتعلقة بالملكية
العقارية بغض النظر على المالك أو صاحب الحق العيني سواء أكان من أشخاص القانون
العام أو من أشخاص القانون الخاص ، ترمي إلى فض نزاع قائم أو من المحتمل أن يقوم.
و لقـد تـوسـعـت رقـعـة الـمـنـازعـات
الـعـقـاريـة بـشـكـل مـذهـل يـدعـو لـلـقـلـق خـاصـة إذا عـلـمـنـا أن الـكـثـيـر
مـنـهـا تكون الـدولـة أو الـجـمـاعـات المـحـلـيـة طـرفـا فـيـهـا مـدعـيـة أو
مـدعـى عـلـيـها ، وقـد وجـدنـا الـمـنـازعـات الـنـاجـمـة عـن البـيـوع الـخـاصـة
بـأمـلاك الدولة تشكل نسبة لا يستهان بها من مجموعة هذه المنازعات بحيث بلغت حجما
لا يمكن تجاهله ، لذا فكرت أن أسلط الضوء على النماذج البارزة المطروحة بكثافة
أمام مرفق القضاء ، و لعل المنازعات المترتبة على تطبيق القانون 81/01 و القانون
87/19 أخذت نصيب الأسد بحكم كثرة و شيوع حالاتها في الواقع و بالتالي إمكانية أكبر
لنشوب منازعات أو خصومات فيها.
أمـا بـالـنـسـبـة لـلـبـيـوع الأخـرى و خـاصـة
البـيـع بـالمـزاد الـعـلـني الـذي يـعـتـبـر الأصـل فـي بـيـع أمـلاك الـدولـة
الـعـقـاريـة فـإنـنـا لا نـجـد مـنـازعـات كـثـيـرة تـطـرأ عـلـى مـثـل هـذه
البـيـوع نـظـرا لـقـلـتـها فـي الـواقـع ، فـضـلا عـلى أنـهـا مـحـاطـة
بـمـجـمـوعـة مـن الـنـصـوص الـقـانـونـيـة و التـنـظـيـمـيـة تـحـول فـي
الـكـثـيـر مـن الـحـالات دون نـشـوب نـزاع قـضـائـي ، و حـتـى و إن ورد احـتـمـال
الـمـنـازعـة فـإنـه عـادة مـا يـحـل الـنـزاع بـالـطـريـقـة الـوديـة و قـد
يـكـون الـحـل بـمـبـادرة مـن الإدارة ذاتـها.
و لـكـن قـبـل الـتـطـرق إلـى أوجـه
الـمـنـازعـات الـقـضـائـيـة الـمـتـرتـبـة عـن الـبـيـوع الإداريـة لأمـلاك
الـدولـة العـقـاريـة، وددت أن أوضـح أمـرا هـامـا يـكـمـن فـي أنـه يتـعـيـن فـي
الـمـنـازعـات الـعـقـاريـة عـامة السعي لشهر الدعاوى على مستوى المـحافظات
العقارية
و إلا فإنها ستكون عرضة للرفض و عدم القبول ، و
ذلك عملا بنص المادة 85 من المرسوم 76/63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري.
و الغرض من ذلك ليس تجميد التصرف على العقار
المتنازع فيه و إنما فقط شهر العريضة الافتتاحية للدعوى لدى المحافظة العقارية ، و
ذلك كفيل بأن يعلم الغير بأن العقار هو موضوع تنازع قضائي.
و فيما يلي أهم أوجه المنازعات القضائية الناجمة
عن البيوع القائمة على الأملاك العقارية التابعة للدولة.
منازعات بيوع أملاك الدولة في
إطار القانون 81/01
إن تطبيق القانون 81/01 المؤرخ في 07 فبراير
1981 المتعلق بالتنازل على أملاك الدولة ترتب عليه وجهان رئيسيان من المنازعات
عموما :
أولا : المنازعات المترتبة على مدى شرعية التنازل ،
بحيث في كثير من الحالات تكون هناك طلبات شراء على أملاك تابعة للدولة غير قابلة
بطبيعتها لأن تكون محلا للتنازل (السكنات الوظيفية المخصصة لضرورة الخدمة مثلا).
ثـانـيـا : الـمـنـازعـات الـمـتـرتـبـة عـلـى مـدى حـق
الاسـتـفـادة مـن الـتـنـازل عـن الأمـلاك الـقـابـلـة للـبـيـع ، حـيـث يـلاحـظ
مـرارا أن هـنـالـك طـلـبـات اسـتـفـادة عـلـى مـلـك عـقـاري واحـد مـن قـبـل
أكـثـر مـن مـتـرشـح و تـخـص مـا يـلـي :
- توفر صفة الشاغل الحقيقي الشرعي المستوفي
لالتزاماته.
- شراء محل واحد على مستوى كل التراب الوطني.
- الشخص الطبيعي صاحب الجنسية الجزائرية.
- ضرورة رفع الطعن (التظلم الإداري المسبق لقبول
الدعوى أمام القضاء).
و بـالـنـسـبـة لـلـمـنـازعـات هـذه يـجـدر
الـتـنـويـه بـأنـه قـبـل إقـرار الـتـنـازل فـإن ديـوان الـتـرقـيـة و
التـسـيـيـر الـعـقـاري فـي كـل ولايـة بـحـكـم أنـه الـمـسـيـر هو من يضمن متابعة
القضايا على مستوى القضاء ، أما بعد إقرار البيع فإن مديرية أملاك الدولة تـضـمـن
مـتـابعة
القضايا لكن مع الأخذ بعين الاعتبار أنها تحرر
العقود فقط على أساس مقررات اللجان ما
بين البلديات أو لجان الطعن الولائية.
منازعات الأراضي الفلاحية
يتعلق الأمر بالمنازعات التي تنشب من جراء تطبيق
القانون 87/19 سواء قبل أو بعد تحرير العقد الإداري و تكون عادة بين الإدارة و
المستفيدين أو بين المستفيدين أنفسهم و حتى تجاه الشاغلين غير الشرعيين للأراضي
الفلاحية ، و نلمح أن الدولة تمثل في شخص الوالي لمتابعة القضايا مع مساعدة تقنية
لتقديم التفسيرات الضرورية للقاضي.
و في هذا الصدد ، لا بد من إعطاء إمكانية
التقاضي للمصالح الفلاحية على المستوى الولائي التي تنعدم لها الصفة حاليا فلا
يكتف بحصر التمثيل القضائي على الوالي محليا أو وزير الفلاحة على المستوى المركزي ،
و أعتقد أن منح الصفة و الأهلية لمديرية المصالح الفلاحية على المستوى الولائي
سيعطي لا محالة دفعا أفضل في متابعة القضايا.
و أهم أوجه هذه المنازعات :
- عدم دفع الأتاوى من قبل المستفيدين أو التهاون
في دفعها.
- عدم الالتزام ببنود العقد الإداري.
- الإقدام على تصرفات محظورة قانونا (إيجار
الأرض مثلا).
و في مجال الحديث عن المنازعات المترتبة عن
الأراضي الفلاحية يثار أمر يدعو للدهشة يتمثل في عدم اعتراف بعض الهيئات القضائية
بقرارات المنح الولائية بحجة صدورها عن هيئات إدارية ولائية و مطالبتها بالعقد
الإداري الذي حسب ظنها لا يقوم مقامه شيء بالرغم من أن العقد الإداري يحرر على
أساس القرار الولائي لفائدة المستثمرات الفلاحية.
منازعات بيع الأملاك التابعة للدولة
لفائدة المؤسسات العمومية
الاقتصادية
لـقـد تـطـرقـنـا فـيـمـا سـبـق إلـى أن
الـمـؤسـسـات الـعـمـومـيـة الاقـتـصـاديـة الـسـلـيـمـة الـتـي أثـبـتـت
نـجـاعـتـها الاقـتـصـاديـة عـلـى أرض الـواقـع ، يـمـكـنـها الاسـتـفـادة مـن
الـتـنـازل عـلـى الـمـمـتـلـكـات الـعـقـاريـة الـتـابـعـة لـلـدولـة الـمـحـازة
مـن طـرفـهـا.
لـكـن عـمـلـيـة تـطـهيـر الـمـمـتـلـكـات أو
الـتـسـويـة لـحـسـاب هـذه الـمـؤسـسـات الـعـمـومـيـة الاقـتـصـاديـة ابـتـداء
بالـتـحـقـيـق إلـى غاية إعـداد الـعـقـد الإداري الـنـاقـل لـلـمـلـكـيـة مـرورا
بـتحديـد الـمـلـكـيـة مـسـاحـيـا و تـقـيـيـمـهـا ، تـعـتـرض سبـيـلـهـا
الـكـثـيـر مـن الـمـشـاكـل و الـعـراقـيـل الـتـي إن تـطــور حــجــمــهـا
تــكــون هـي ذاتـهـا أوجــه الـمـنـازعـات الــقــضــائــيـة و الـتــي تــكــون
عـــادة فـــي شــكــل الــصــور الآتــيـــــــة :
§
ادعــاء مـلـكـيــة
الـعـقــار مــن قـبـل الـمـؤســســـة اسـتـنــادا عـلـى عــقــود مــلــكــيــة
مـحــررة قـبـل الاســتــقــلال لـفـائــدة الــمـؤسـســات الـفـرنسـيـة الـتـي
ســبــقــت هـذه الـمـؤسـسـات الاقـتـصـاديـة.
* مـحـاولـة تـسـويـة لـعـقـارات لـيـس
لـهـا عـلاقـة بـالـنـشـاط الاقـتـصـادي (سـكـنـات ، خـدمـات إلـــخ...).
* الــمـطـالـبـة بـتـسـويـة عـقـارات غـيـر
مشغولة أصلا من طرف المؤسسات المعنية.
*
هـنـاك مـؤسـسـات اقـتـصـاديـة عـمـومـيـة لـم تـفـهـم إلـى حـد الآن
مـوقـعـهـا مـن الـنـظـام الاقـتـصـادي بـحـيـث لا زالـت ذهــنــيــة الـتـبـعـيـة
لـلـدولـة ، فـتـرفـض الـتـحـصـل عــلـى عـقـد إداري يـنـقـل الـمـلـكـيـة
الـعــقاريـة لـفـائـدتـها.
* عـدم إعـطـاء أي أهـمـيـة للـقـوائـم
الـحـسـابـيـة الـمـبـلـغـة لـلـمـؤسـسـات الاقـتـصـاديـة الـمـتضـمـنـة إشـعـار
بـدفـع الـقـيـمـة الـتـجـاريـة لـلـعـقـارات مـوضـوع الـتـسـويـة ، مـمــا يـؤدي
بـمـحـاسـبـي أمــلاك الـدولـة لاسـتـنـفـاذ إجــراءات الـتـحـصـيـل الإجـبـاري
الـتـي أقـرها الـقـانـون.
* ادعاء مـلـكـيـة الـعـقـارات الـمـبـنـيـة
دون الـوعـاء الـعـقـاري الـتـي بـنـيـت فــوقــه بـحـجـة أن هــذه الـعـقـارات
الـمـبـنـيـة تـم تـشـيـيـدهــا مـن مـيـزانـيـة الــمــؤســســة و لـكـن
فـي الـواقـع الـكـثـيـر مـن هــذه الـمـؤسـسـات قـامـت بـعـمـلـيـات الـبـنـاء
قـبـل اســتـقــلالـيــتـهــا أصـلا ، و ذلـك دليـل عـلـى أنـهـا هـي و
عـقـاراتـهـا تـابـعــة لـلــدولــة.
* مـحـاولات بـيــع الأمــلاك الــعــقــاريــة
مــن هذه الــمــؤســســات حـتـى قــبــل تــسـديـد قـيـمـتـهـا الـكـلـيـة
لـفـائـدة خـزيــنــة الــدولــة.
منازعات مختلفة أخرى
أولا : المنازعات المترتبة عن البيوع في إطار الاستثمار : و تـرجـع هـذه المنازعات إلى ما يلي :
§
عــدم احــتــرام بـنــود
دفـتـر الـشـروط الـمـلـحـق بـالـعـقـد الإداري مـن قـبـل الـمـسـتـثـمـريــن.
§
تـقـاعــس بـعـض
الـمـسـتـثـمـريـن عـلـى دفــع الأتـاوى الـسـنـويـة.
§
مـحـاولات بـيـع الأراضـي
حـتـى قـبــل الانــتـهــاء مــن إنـجــاز الـمـشـروع.
§
الـنـيـة الـسـيـئـة لبـعـض
الـمـسـتـثـمـريـن الـذيـن يـسـتـنـفـذون جـمـيـع الإجـراءات الإدارية الـخـاصـة
بـالـتـحـصـل عـلـى الـعـقـار ، و لـكـن ليـس لإنـجـاز مـشـروع عـلـيـه بـل
للـتـحـصـل عـلـى قـروض مــن الـبـنـوك تــدعــم مــشــاريـعـهـم الأصـلـيـة.
ثانيا : المنازعات المترتبة عن البيوع في إطار تسوية أملاك الدولة المدمجة في
الاحتياطات العقارية للبلديات ( نص المادة
86 من قانون التوجيه العقاري )
§
عـدم الـتـزام الـبـلـديـات
بـتـسـديـد قـيـمـة الـعـقـارات لفائدة الـدولـة.
§
تـداخـل الـصـلاحـيـات
بـيـن الـبـلـديـات و الـوكـالات الـعـقـاريـة.
§
عـدم تـوفـر وثـائـق
الـتـسـويـة ( رخـصـة الـبـنـاء ، رخـصـة الـتـجـزئـة ، مـداولـة مـصـادق عـلـيـها
قـبـل 18 نـوفـمـبـر 1990 التـاريـخ الـمـوافـق لـصـدور قـانـون الـتـوجـيــه
الـعـقـاري ).
ثـالـثـا : الـمـنـازعات الـمـتـرتـبـة عـن الـبـيـوع في
إطـار الـتـرقـيـة الـعـقـاريـة :
و تتجلى
مظاهرها في :
§
عدم احترام الإجراءات التي
ينص عليها القانون ، و كذا شروط المنح من قبل المرقين العقاريين و حتى من المؤسسات
التابعة للدولة.
§
إقرار منح قطع أراضي من أجل
الترقية العقارية في حين هي أراضي فلاحية أو ذات طابع فلاحي ، و دونما احترام
أدوات التهيئة و التعمير.
§
تباين بين مساحة الأراضي في
المخططات و المساحة على أرض الواقع إما بالزيادة و هو الأخطر و إما بالنقصان.
§
تسديد سعر التنازل عن
الأراضي ( تعاونيات ، تجزآت ).
§
إعادة بيع القطع الفردية
مباشرة بعد التحصل على العقد الإداري من مديرية أملاك الدولة.
تصرف الجماعات المحلية في
ملك الدولة دون وجه حق ، و خاصة البلديات.
رابـعـا : المنازعات المترتبة عن البيوع المقررة لفائدة العمال الأجراء و حتى
بالمزاد العلني في مواجهة
المصفي في إطار تصفية المؤسسات العمومية
الاقتصادية : ( خاصة من حيث تكوين الحصص ، المساحة المقرر
بيعهــــا،
الوعود بالبيع ، مدة تعاقد المصفي ، قيمة الأصول المتنازل عنها سواء أكانت
منقولة أم عقارية ( القاعدة تجارية و
العقار ) إلخ ...).
شاركنا بتعليقك...