دعوى الصورية شروطها وأنواع الصورية النسبية والمطلقة

الصورية هي تعبير عن تصرف غير مقصود كليًا أو جزئيًا، لتحقيق غرض شخصي قد يكون مشروعًا أو غير مشروع .
والصورية غير ممنوعة شرعًا أو قانونًا، ما لم تتخذ وسيلة لأكل أموال الناس بالباطل، أو لمخالفة أحكام القانون .
وفي كل الأحوال فإنه إن كانت الصورية مطلقة لم يوجد عقد أصلا لانعدام الإرادة الجدية، وجوهر التصرف القانوني هو اتجاه إرادة جدية إلى إحداث أثر قانوني، وإن كانت الصورية نسبية فالعبرة من الناحية الموضوعية بالعقد الحقيقي .
هذا بالنسبة لأطراف المعاملة الصورية وخلفهم العام كالورثة، أما غير هؤلاء فإن لهم الحق قانونًا أن يستفيدوا من المعاملة الصورية دون أن تكون نافذة في حقهم، مادام يتوافر لديهم حسن النية لجهلهم بوجودها .

ويخضع إثبات دعوى الصورية للقواعد العامة في الإثبات بالبينة، كما أنها تسقط (دعوى الصورية )-بحسب الرأي الذي نرجحه – بمرور الزمن . دون أن يسقط الدفع بالصورية .
الصورية ودعوى الطعن بها
تعدّ الصورية إحدى حالات الإختلاف بين إرادتي التعاقد، الإرادة الظاهرة والإرادة الباطنة . فمن يصدر عنه التعبير الذي ينشأ به العقد يعلم تمامًا أن من شأن هذا اللفظ أن ينشئ العقد، ولكنه لا يريد هذا الأثر وإنما يريد تحقيق غرض شخصي .

ودعوى الطعن بالصورية، هي إحدى وسائل حماية الضمان العام للدائنين، والمحافظة على هذا الضمان العام، والذي يتمثل في مجموع أموال المدين . والذي يتأثر كما هو واضح بتصرفات المدين في أمواله، أو بزيادة ديونه، أو بعدم قيامه بما يلزم للمحافظة على حقوقه قبل الآخرين و المطالبة بها .

و تعد مسألتا إثبات الصورية و تقادم دعواها، من أهم المسائل التي تثيرها دعوى الطعن بالصورية في الحياة العملية، و ما يزال الخلاف قائمًا فيما يتعلق بتقادم دعوى الصورية لذا فإننا سنتعرض
لهاتين المسألتين تفصيلا بعد أن نبين المقصود بالصورية، و أنواعها، والغرض منها، وأثرها في
التصرف و أحكامها ….
ماهية الصورية وأحكامها:-
إن الوقوف على ماهية الصورية يستلزم بيان معناها وأنواعها وشرائطها والغرض منها،
أولا : معنى الصورية :
الصورية هي اصطناع مظهر مخالف للحقيقة عن طريق تعبير ظاهر عن تصرف قانوني غير مقصود كليًا أو جزئيًا، يخالفه في الوقت نفسه تعبير مخالف عن الحقيقة المقصودة، سواء أكانت هذه الحقيقة هي عدم وجود تصرف ،أم وجود تصرف بشروط أو طبيعة مختلفة عن الشروط أو الطبيعة المعلنة
فالصورية بهذا المعنى نوعان، صورية مطلقة، وصورية نسبية .

1- الصورية المطلقة:- هي التي تنصب على وجود التصرف، لأن المتعاقدين لم يقصدا بالتصرف الظاهر أن تترتب عليه آثار قانونية، بحيث يوجد مظهر لتصرف قانوني لا وجود له في الحقيقة .كأن يبيع المدين جزءًا من ماله لزوجته لكي يمنع تطبيق إجراءات التنفيذ على هذا المال، دون أن يقصد بيعهفعلا .

و لكي يتحقق له ذلك فإنه يحتفظ بورقة يبين فيها علاقته الحقيقية مع المتصرف إليها زوجته وهي أن الملكية ما زالت للبائع الزوج .

فنكون هنا بصدد عقدين، الأول العقد الظاهر أي الصوري، والثاني هو العقد الذي يبين فيه أنه لم يقصد بالعقد الأول نقل الملكية فعًلا، هذا العقد الثاني هو ما جرى العمل على تسميته بورقة الضد

ومن ذلك في الفقه الإسلامي بيع التلجئة، و صورته أن يعقد شخصان عقد بيع في الظاهر فقط بقصد إبعاد المال المبيع في الظاهر عن ملك صبحه خوفًا من ظالم مثلا و لعقد في الواقع .
أما الصورية النسبية، ففيها يكون العقد الظاهر ساترًا لتصرف حقيقي يختلف عنه من حيث الطبيعة، أو من حيث الشرائط والأركان، أو من حيث شخصية أطرافه
فالصورية النسبية من حيث الطبيعة، وتسمى عند شراح القانون بالصورية بطريق التستر كما لو اتخذ المتعاقدان عقد البيع ستارًا لاختفاء هبة تجنبًا لصياغة العقد في الشكل الرسمي، إذ إنّ الرسمية ركن في الهبة .
والصورية النسبية من حيث الشروط والأركان، وتسمى بالصورية بطريق المضاد .كما لو ذكر في بيع العقار ثمن أقل من الثمن الحقيقي تهربًا من دفع رسو م التسجيل كاملة،
– وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن “ الصورية النسبية التي تقوم على إخفاء الرهن وراء البيع تحايلا على القانون يترتب عليه بطلان البيع طبقًا للمادة ٤٦٥ من القانون المدني.وهذه الصورية النسبية لا تنتفي بانتفاء الصورية المطلقة، أو بتخلف شروط الدعوى البوليصية كلها أو بعضها لاختلافهما عنها أساسًا وحكمًا.
فمتى كان الحكم المطعون فيه قد قصر بحثه على ما تمسك به الخصم من أوجه دفاع تتعلق بصورية عقد البيع صورية مطلقة بالتواطؤ بين طرفي هذا العقد للإضرار بحقوقه، وأغفل بحث دفاع الخصم بشأن إخفاء الرهن وراء البيع مع أنه دفاع جوهري ولو صح لتغير وجه الرأي في الدعوى، فإن الحكم يكون قاصرًا في التسبيب مما يبطله ويستوجب نقضه
. ١٩٦٦ مجموعة المكتب الفني، سنة ١٧ ، ص ١٧٧٠ /١٢/ ، نقض مدني، جلسة ٦

ومن ذلك أيضًا إخفاء سبب العقد تحت ستار سبب آخر، كما لو وهب شخص لسيدة مالا معنياً وذكر في سند الهبة أن سببها مجازاة الموهوب لها عن خدمة مشروعة أدتها إليه، ويكون السبب الحقيقي هو الرغبة في إقامة علاقة غير شرعية. وقد تقتصر الصورية على مجرد تغيير تاريخ العقد، . كما لو كان أحد العاقدين مريضًا مرض الموت فيقدم التاريخ ليجعله سابقًا على بدء المرض
وأخيرًا الصورية النسبية من حيث شخصية أحد المتعاقدين و تسمى بالصورية بطريق التستر من منع عمال القضاء والمحامين من شراء الحقوق المتنازع عليها والتي يكون نظرها من اختصاص المحاكم التي يباشرون أعمالهم في دائرتها .
فيعمد المتعاقدان تحايلا على هذا، إلى إخفاء شخصية المشتري تحت ستار شخصية آخر .
فالإخفاء هنا ينصب على شخص الملتزم أو المستفيد من التصرف القانوني، فيبرم التصرف شخص. يعير اسمه للمتعامل الحقيقي، و لذا تعرف هذه الصورية بحالة الاسم االمستعار أو النيابة الخفية .
أولا : شروط دعوى الصورية :
تتحقق الصورية باتجماع الشروط الآتية :

١ – أن يوجد عقدان اتحد فيهما الطرفان و الموضوع .
٢-أن يختلف العقدان من حيث الماهية أو الأركان أو الشروط .
٣- أن يكونا متعاصرين يصدران معًا في وقت واحد على أن العبرة بالمعاصرة الذهنية لا المادية، فهي تعدّ متحققة إذا اتفق على الصورية وقت إبرام العقد الظاهر، حتى ولو حررت ورقة الضد في تاريخ. لاحق
أما إذا اتفق الطرفان على عقد جدي ثم طرأ بعد ذلك ما جعلهما يعدلان عنه أو يعد ّ لان فيه، كان هذا اتفاقًا جديدًا لا ينفي عن الاتفاق الأول جديته، ومن َثم لا تتحقق الصورية في هذه الحالة
٤- أن يكون أحدها ظاهرًا علنيًا والعقد الصوري ، و يكون الآخر سريًا مستورًا و هو العقد الحقيقي .
ولما كانت دعوى الصورية تهدف إلى الكشف عن حقيقة العلاقة بين المتعاقدين، فإّنه يكفي أن يكون للدائن حق غير متنازع فيه . فلا يشترط أن يكون سابقًا على التصرف الصوري، و لا أن يكون مستحق الأداء، كما لا يشترط أن يكون التصرف الصوري قد أدى إلى إعسار المدين أو زاد في إعساره .

كما لا تتحقق الصورية إذا كان العقد جديًا، و لو لم يتفق على إبرامه إلا لغرض معين كالإضرار بدائنيه . إذ تكون وسيلة الدائنين للمحافظة على الضمان العام في هذه الحالة هي الدعوى البوليصية . ولكن في جميع الأحوال يشترط لهم أثر الإرادة الظاهرة أن يكون قد سبقها أو صحبها إرادة أخرى تم التعبير عنها تبقى طي الخفاء غالبًا وتبين حقيقية الأولى. والصورية تختلف عن التدليس في أنها عمل يتفق عليه المتعاقدان متواطئين معًا و ليس يغش أحدهما الآخر، وإنما يريدان . معًا غش الغير أو إخفاء أمر معين، ومن ثم لا يشترط لتحقق الصورية إثبات سوء نية الطرفين غير أنه يشترط أن يطعن أحد الخصوم بصورية التصرف القانوني، بمعنى أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي بصورية عقد من تلقاء ذاتها .

غير أنه يشترط أن يكون للدائن مصلحة في رفع دعوى الطعن بالصورية ، و لن تتحقق هذه المصلحة في الغالب من الأحوال إلا إذا كان المدين معسرًا، وإن لم يكن التصرف الصوري هو سبب الإعسار .فإذا كان للمدين أموال أخرى يستطيع الدائن أن يستوفي منها حقه كام ً لا، فليست له مصلحة . في أن يطعن بصورية تصرف مدينه .
و إذا أثبت الدائن صورية تصرف المدين حسب ما نبينه فيما يأتي، فإن لبقية الدائنين دون تفرقة بحسب تواريخ ديونهم، الاستفادة من الحكم الصادر بصورية التصرف، فيكون لهم جميعًا التنفيذ على العين محل التصرف، إذ هي في الحقيقة لم تخرج من ملك المدين أي ما زالت في ضمانهم العام .
وأساس هذا الحكم القياس على حكم الدعوى البوليصية .
ثانيًا : الغرض من الالتجاء إلى الصورية :

تبين مما سبق ذكره أن الغرض من الصورية ينتزع من متعاقد إلى آخر، فقد يقصد بها الإضرار بدائن المتعاقد كالبائع لحرمان ههذا الدائن من التنفيذ على العين المبيعة . وقد يكون الغرض إظهار المشتري بمظهر الثراء تمكينًا له من مصاهرة أسرة كبيرة .
وفي كل الأحوال تهدف هي إلى الاحتيال على أحكام القانون، ولكن قد تحدو هذا الاحتيال بواعث مشروعه، كشخص يريد أن يكتم إحسانه، وقد تحدوه بواعث غير مشروعة . كالتهرب من الرسوم المالية المفروضة على العقود أو لحجب من لهم الحق في ميراثة بعد الوفاة ..
والحيل في الفقه الإسلامي ما هي إلا عقود صورية ، وهي تعدّ قائمة ما دامت لم تصحب بعقود تظهر حقيقة الإرادة والتي تظل في الغالب طي الخفاء . ومما يدخل في هذا النوع بيع العينة، وهو بيع يقصد فيه التعامل بالربا، و له صور اختلف العلماء في حكمها، منها أن يرغب شخص في الاقتراض من آخر وهو لا يقبل أن يقرضه دون فائدة فيوسطان في ذلك بيعًا، بأن يبيعه المقرض عينًا تساوي مئة مثلا بمئة وعشرة مؤجلة إلى أجل معين فيبعه المشتري إليه مرة أخرى بمئة حالة ويأخذها، وقد يوسط شخصًا ثالثًا، فيبعها له بمئة حالة ويقبضها . ثم يبيعها ذلك المشتري لبائعها الأول بمئة، و بذلك تتم الحيلة .

وتنتهي إلى أن المقترض أخذ مئة حالة بمئة وعشر مؤجلة، وهو عين الربا على أن التصرفات الصورية التي يقصد بها هضم حقوق الدائنين ليست إلا من نوع الحيل الشرعية المحرمة عند جمهور الفقهاء، لأن هذه التصرفات حيلة على أكل أموال الناس وعلى إبطال حقوقهم وإذا كان أكل مال الآخرين محرمًا بالآية الكريمة : ” يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ” النساء،