-->
علوم قانونية وادارية علوم قانونية وادارية

اخر المواضيع

جاري التحميل ...

دور مجلس الأمة والمجلس الدستوري في صياغة القوانين

دور مجلس الأمة والمجلس الدستوري في صياغة القوانين

دون شك أن مجلس الأمة له دور مهم فيصياغة القوانين مثل دور الغرفة السفلى تمامابتمام، كما أن المجلس الدستوري له أيضا دورمماثل في الصياغة من خلال رقابته السابقة أواللاحقة، وهو ما نتناوله تباعا فيما يلي:
      I.            دور مجلس الأمة:
غالبا ما كان الحديث عن مجلس الأمة ذا أهميةأكبر من الحديث عن المجلس الشعبي الوطني، لأنالبرلمانات ذات الغرفة واحدة هي الأصل، أما نظامالغرفتين فهو يوجد لدواعي سياسية معينةولتحقيق أهداف قانونية محددة، وعلى سبيلالمثال فقد جاء مجلس الأمة الجزائري إلى الوجودفي ظل ظروف استثنائية، فبعد صدور دستور 89الذي لم يوضع في التطبيق إلا لمدة وجيزة جاءالتعديل الدستوري لسنة 96 والذي تضمن من بينما تضمنه إيجاد غرفة ثانية للبرلمان تسمى مجلسالأمة (مبدأ البيكاميرالية).
إن أي نص تشريعي يناقش مرتين لا شك وأنهسيكون أكثر دقة وأحسن صياغة، لذا يعتبر مجلسالأمة مصفاة للتدقيق في فن الصياغة التشريعيةالهادفة والمتكيفة مع عناصر المحيط السياسي مايضمن مسارا تشريعيا أفضل يضمن الاستجابةلمتطلبات الحياة العامة في المجتمع، وبذلك تعتبرهذه الغرفة بمثابة المصفاة لكل القوانين، كما تعتبرغرفة تأمل، هذا هو ما يعتبر مبررا قانونيا من بينمبررات كثيرة لإنشاء مجلس الأمة.
ما يلاحظ على دور مجلس الأمة أنه مبتسر، أي منقوص، بالخصوص في مرحلة المبادرة بالقوانين، فإذا كانت المادة 98 تنص على أنه يمارس السلطة التشريعية برلمان دون تخصيص غرفة دون غرفة، كما أن نصوص الدستور جاءت لتنص على أن البرلمان يشرع في ميادين محددة، حتى أن الدستور لم يغفل أن مجلس الأمة سيتعطل إنشاؤه فقرر في المادة 180/3 على أن المجلس الشعبي يمارس السلطة التشريعية كاملة حتى تنصيب مجلس الأمة، لكن المادة 119 من الدستور جاءت لتنص على أن لكل من الوزير الأول والنواب حق المبادرة بالقوانين، وطبقا للثابت من النصوص الدستورية والقانونية المختلفة فإن لفظ النواب يقتصر على أعضاء الغرفة السفلى لأن المؤسس الدستوري استعمل في عديد المواد تعبير النواب أو أعضاء مجلس الأمة (انظر المواد: 103،104،105،106،109،110،111،112،113)، وبعبارة أخرى أن ما جاء بصيغ عامة في المادة 98 ومواد أخرى جاءت المادة 119 لتقوم بتخصيصه حيث حصرت حق المبادرة بالنواب دون أعضاء مجلس الأمة، بينما يرى البعض أن هناك تناقضا.
ووفق مبدأ أو نظام الذهاب في الاتجاه الوحيد والذي يعني أن القوانين تمر من المجلس الشعبي الوطني إلى مجلس الأمة دائما وليس العكس فإن منع مجلس الأمة من المبادرة والاقتراح يعني منعه أيضا من حق التعديل، أي حق تعديل القوانين التي تأتيه من قبل المجلس الشعبي الوطني، فهل يوجد في النصوص ما يمنع هذا؟
جاء في المادة 120 من الدستور" يجب أن يكون كل مشروع أو اقتراح قانون موضوع مناقشة من طرف المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة على التوالي حتى تتم الصادقة عليه، تنصب مناقشة مشاريع أو اقتراحات القوانين من طرف المجلس الشعبي الوطني على النص المعروض عليه، يناقش مجلس الأمة النص الذي صوت عليه المجلس الشعبي الوطني"، يتضح من خلال هذا النص أن المؤسس الدستوري قد منح مجلس الأمة على غرار المجلس الشعبي الوطني حق مناقشة المبادرات القانونية، شريطة أن تبدأ عملية المناقشة من المجلس الشعبي الوطني الذي يحيل النص بعدها إل مجلس الأمة لمناقشته، وإذا كنا نعرف أن هذه العملية أي عملية الناقشة  تترتب عليها عمليا معارضة بعض أو كل أحكام النص موضوع النقاش فإن الوصول بالنص إلى مرحلة المصادقة يقتضي تعديل الحكم أول الأحكام محل العارضة، سواء على مستوى المجلس الشعبي الوطني أو على مستوى مجلس الأمة، بحكم أنهما يتمتعان كليهما بسلطة المناقشة.
إذن فالمؤسس الدستوري لو أراد أن يقصر حق التعديل على المجلس الشعبي الوطني لقصر مصطلح "المناقشة" على هذا المجلس في المادة المذكورة، ولاستعمل مصطلحا آخر غير دال على حق التعديل بالنسبة لمجلس الأمة، أو أن يبدأ مباشرة بعبارة يصادق دون عبارة يناقش فيما يخص مجلس الأمة.
لكن وبالمقابل إذا سرنا في اتجاه أن المؤسس الدستوري قد منح حق التعديل لمجلس الأمة فإنه يعني إعادة هذا الأخير-مجلس الأمة- النص المعدل إلى المجلس الشعبي الوطني ليوافق على هذا التعديل، أو يقدم المجلس الشعبي الوطني تعديلا جديدا على تعديل مجلس الأمة، الأمر الذي يتناقض مع نظام الاتجاه الواحد في المناقشة والتصويت والمصادقة على النصوص القانونية الذي أخذ به المؤسس الدستوري، وهنا لا بد من البحث عن نصوص أخرى أكثر وضوحا لأن التفسير السابق لا يستقيم كما نرى.
فالمناقشة المقصودة لا تصل إلى حد التعديل وإنما فقط رفض الأحكام التي سبق وأن صادق عليها المجلس الشعبي الوطني مع استخدام آلية تتمثل في اللجنة المتساوية الأعضاء لمناقشة واقتراح نص يتعلق بالأحكام محل الخلاف، وحسب رأي الفقهاء فإن الدستور لم يمنح مجلس الأمة حق تعديل النصوص القانونية المحالة إليه من المجلس الشعبي الوطني بل منح المجلس الشعبي الوطني حق التعديل ومنح مجلس الأمة حق إبداء الرأي في اللجنة المتساوية الأعضاء.
وعلى كل حال فهذه المادة قد تكون سيئة الصياغة لأنها ذكرت التعديل مشتركا بين المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وهو ما أحدث إشكالا كما رأينا.
وبالرجوع إلى القانون العضوي المحدد لتنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة (ق.ع رقم 99-02، ج.ر عدد 15 بتاريخ: 09/03/1999) وكذا النظام الداخلي لكل من المجلسين أي الغرفتين نجد بعض النصوص التي سمحت لمجلس الأمة بالتعديل لكن هذا التعديل تطرحه أمام اللجنة المتساوية الأعضاء وليس تعديلا مباشرا، ولكن هناك نصا في النظام الداخلي لمجلس الأمة سمح لنواب مجلس الأمة بالقيام بتعديلات (المواد 63 إلى 68 والمادتان 75 و 76) غير أن هذا النظام الداخلي كان محل مراقبة من قبل المجلس الدستوري (وهي رقابة إلزامية) ورفض هذه النصوص، ولعل ما جعل النظام الداخلي يناقض الدستور هو أن هذا النظام الداخلي تم إقراره قبل صدر القانون العضوي المذكور رقم 99-02، وتم نقل المواد الخاصة بحق التعديل من النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني حرفيا دون مراعاة نصوص الدستور.
إن المادة 120/4 من الدستور تقرر احتمال حدوث خلاف بين الغرفتين، وتسند حل الخلاف إن وجد إلى لجنة متساوية الأعضاء مما يستنتج منه أن المجلس الدستوري لم يمنح مجلس الأمة صلاحية إدخال التعديلات على النصوص القانونية المحالة إليه خارج إطار اللجنة متساوية الأعضاء وإنما يفعل ذلك برفع اقتراحاته بالتعديل إلى اللجنة المذكورة.
وبمزيد من التحليل للمادة 120/4 من الدستور نجد أن هذه المادة فتحت المجال أمام مجلس الأمة للقيام بمخالفة المجلس الشعبي الوطني دون تقييده بطبيعة الخلاف، أي سواء كان جوهريا كان أم شكليا، على حكم واحد أو عدة أحكام، على فقرة من مادة في النص، أو مادة، أو مجموعة من المواد أو النص كله، وهذا ما أكدته المادة 94/3 من القانون العضوي رقم 99-02 التي جاء فيها:"في حالة رفض مجلس الأمة النص كاملا لا يعطل ذلك تطبيق أحكام الفقرة الرابعة من المادة 120 من الدستور".
ومن الأمثلة التي كان فيها اختلاف مجلس الأمة مع المجلس الشعبي الوطني شكليا اختلافهما حول الصياغة القانونية للمادة  41 من قانون التحكم في الطاقة، والتي لم يصادق عليها مجلس الأمة بتاريخ: 12 جوان 1999 نتيجة الاختلاف حول مصطلح "رسم خاص"، ومن الأمثلة التي كان فيها اختلاف مجلس الأمة مع المجلس الشعبي الوطني حول النص كله رفض مجلس الأمة المصادقة على قانون الإشهار الذي رفضه بمواده كاملة، إذ أشارت لجنة العلم والشبيبة والسياحة بمجلس الأمة إلى أنه كان ينبغي أن يكون هذا القانون مسبوقا بالقانون العضوي المتعلق بالإعلام، وعليه فإن هذا القانون اعتمد على مرجع قانوني لم يصدر بعد، وهو الأمر الذي كان من المكن تفاديه لو اعتمد منطق التدرج في وضع القوانين، ولقد عبر رئيس المجلس عن ذلك بقوله "نضع المحراث قبل الجابدة".
الآن، وبما أننا تطرقنا إلى الحالة التي تحدث فيها معارضة من قبل مجلس الأمة، فما هو مسار الحل؟ فهناك أنظمة عديدة لحل هذه المسألة؛ فهناك أنظمة تسمح للغرفة العليا أن تقدم بدائل للنصوص المرفوضة، وهناك أنظمة تسمح بآلية الذهاب والإياب المطلق أو المقيد، أي تعديل الأحكام وإعادتها إلى الغرفة السفلى للمصادقة عليها من جديد ثم العودة إلى مجلس الأمة وهكذا، وهناك أنظمة تعطي الكلمة الأخيرة للمجلس المنتخب، وهناك أنظمة تجمع المجلسين معا، وهناك أخيرا أنظمة تضع الأمر بين يدي لجنة متساوية الأعضاء، وهذا هو الحل الذي تبناه المؤسس الدستوري الجزائري (م120).
ودون الخوض في التفاصيل فما يلاحظ على هذه الآلية أن النص الذي تعده اللجنة ليحل محل الأحكام التي جرى الاختلاف حولها يأخذ نفس المسار أي المجلس الشعبي الوطني أولا ثم مجلس الأمة ثانيا، وهذه الآلية في النهاية محل انتقاد كبير، ولعل الأفضل هو آلية الذهاب والإياب لعدد محدد من المرات، وعلى سبيل المثال أن يكون الذهاب والإياب لمرة واحدة فقط إذا كان الاختلاف متعلقا بالصياغة فقط وليس جوهر النص.
II.            دور المجلس الدستوري:
من حيث التشكيلة وكتذكير نعلم أن تشكيلة المجلس الدستوري الجزائري تجمع بين التعيين والانتخاب، وهي تعيينات سياسية بالدرجة الأولى، أما من حيث الاختصاصات فهي بالأساس مراقبة دستورية القوانين، وهي رقابة سابقة ولاحقة، وسيقتصر حديثنا عن الرقابة السابقة على اعتبار أن الرقابة اللاحقة تحتاج إلى إجراءات معينة ما جعل اللجوء إليها قليلا.
أما بخصوص الرقابة السابقة فهي تخص أساسا القوانين العضوية (م 123) وذلك قبل صدورها، وقد عبر عنها المؤسس الدستوري الجزائري بعبارة المطابقة، أي مطابقة النص مع الدستور بما فيها ديباجة الدستور طبعا كما ثبت من خلال بعض آراء المجلس الدستوري، ولكنه وهو بصدد الرقابة اللاحقة جاء في قرارات عديدة للمجلس الدستوري بمناسبة نصوص غير مطابقة عبارة "غير دستورية" بدلا من "غير مطابقة"، فغير المطابقة تكون بخصوص القوانين العضوية أثناء الرقابة السابقة، ومن ذلك مثلا رقابته للأمر المتضمن القانون الأساسي لمحافظة الجزائر الكبرى بإخطار من رئيس الجمهورية بتاريخ 23 فبراير 2000 والذي صرح بشأنه المجلس الدستوري أنه غير دستوري بإنشائه لجماعتين إقليميتين: " محافظة الجزائر الكبرى" و" الدائرة الحضرية " والذي حدد لهما قواعد خاصة لتنظيمهما وسيرهما وعملهما، وذلك بالنظر للمواد 15/1، 18/2، 78 بند 9، 79/1، 101/2.
إن فكرة المطابقة الدستورية هي عملية في غاية الأهمية بالنسبة للصياغة القانونية، خاصة وأنها تقتضي قبل الحكم على النص بأنه مطابق أو غير مطابق للدستور البحث عن هذه المطابقة من حيث الشكل والموضوع، وذلك بواسطة المطابقة النصية (الحرفية) المعتمدة على صياغة المواد، وكذا المطابقة لروح الدستور باتباع تفسير النصوص.
إن إعلانات المطابقة الكلية للنصوص المعروضة على المجلس الدستوري هي قليلة، فمنذ سنة 1997 إلى غاية سنة 2007 فصل المجلس الدستوري الجزائري في ثلاث حالات فقط بمطابقة النصوص للدستور كلية. ولكنه قام في إحداها بتقديم ملاحظاته فيما يتعلق برأيه رقم 01 لسنة 2007 ، إلا أنه بالنسبة للحالتين الأخرتين فيتعلق الأمر فقط بإضافة مادتين فيما يتعلق بالنظام الداخلي لمجس الأمة، وتعديل مادة فيما يتعلق بالنظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني:
حيث قضى المجلس بمطابقة القانون العضوي المتضمن تأجيل الانتخابات لتجديد المجالس الشعبية البلدية و الولائية للدستور بعد إخطاره من رئيس الجمهورية بتاريخ 18 يوليو 1 2007 حيث صرح من حيث الشكل بأن إجراءات الإعداد والمصادقة لهذا القانون وكذا إخطار رئيس الجمهورية جاءت مطابقة لأحكام الدستور؛ أما حيث الموضوع فتطرق إلى ما يخص تأشيرات هذا القانون العضوي، حيث صرح بوجوب حذف الإشارة إلى المادة 122 من الدستور (باعتبارها تتعلق بمجالات القوانين العادية فهي لا تشكل مرجعا للاستناد إليها)، وبإضافة المادة 10 من الدستور حيث اعتبر ذلك وقع سهوا مع وجوب تدارك ذلك، وتنص المادة على أن الشعب حر في اختيار ممثليه، وأنه لا حدود لتمثيل الشعب، إلا ما نص عليه الدستور وقانون الانتخابات؛  كما اعتبر أن المشرع اعتمد الترتيب الزمني لصدور النصوص التشريعية خلافا لقاعدة تدرج القوانين، وهو ما يتطلب إعادة ترتيبها (حيث عدد الجزء الواجب إعادة ترتيبه وترك الباقي بدون تغيير)، ثم صرح بأن أحكام القانون هي مطابقة للدستور وبأنه لم يلاحظ تعارض أحكامه مع حكم أو مبدأ دستوري.
وأحيانا فالمجلس الدستوري يقدم تحفظات على النص بعد تقرير مطابقته للدستور أو ما يسمى بالتفسير التحفظي، ويكتفي المجلس بموجب هذه التقنية بالتصريح بالمطابقة مع مراعاة التحفظات التي يقدمها بناء على التفسير الذي يراه مناسبا، رغم أنه قد يكون مختلفا مع المشرع في ذلك، وهو في هذه الحالة لا يطلب تعديلات على صياغة النص ذاته فهي تبقى على ما هي عليه؛ ومن أمثلة النصوص القانونية المعروضة على المجلس الدستوري الجزائري والتي ضمن في آراءه هذه التقنية، كانت بمناسبة مراقبته للمطابقة الدستورية للقانون العضوي المعدل والمتمم للأمر رقم 97-07 المؤرخ في 6/3/1997 والمتضمن القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات، فبعد أن لاحظ صحته من الناحية الشكلية وبعدما أبدى ملاحظاته فيما يخص تأشيرات هذا القانون العضوي بالنسبة للاستناد مع إعادة ترتيبها، صرح المجلس بأن مصطلح: "الولايات" الوارد في الفقرة 01 من المادة 82 والفقرة 02 من المادة 109 مطابقا للدستور ولكن مع وجوب مراعاة التحفظ الذي أبداه حول نص هاتين الفقرتين، حيث نص المشرع على أن  تزكى قائمة المترشحين للانتخابات بعدد من منتخبي المجالس الشعبية البلدية والولائية والوطنية موزعين عبر 50% + 1 من عدد الولايات على الأقل، فرأى المجلس أنه قد يفهم من خلال إقصاء النواب الممثلين للجالية الوطنية المقيمة في الخارج في المجلس الشعبي الوطني من تزكية مثل هذه القوائم، لأن خلاف ذلك هو مساس بمبدأ المساواة المنصوص عليها في المادة 29 من الدستور.
أما حالات عدم المطابقة فهي الغالب الأعم، وقد أخذ المجلس الدستوري الجزائري بالتفسير الضيق من خلال المطابقة الحرفية لصياغة المواد للدستور في العديد من آرائه، ومنها الرأي رقم 06 لسنة 1998 المتعلق بمراقبة القانون العضوي المتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله للدستور، وذلك برفضه لكلمة "صلاحيات" و كلمتا "سير" و"تسيير" واستبدالهما ب" اختصاصات" و"عمل" على التوالي.
وكذلك أبدى المجلس الدستوري رأيه حينما تم إخطاره من طرف رئيس الجمهورية في 23 جويلية 1997 للنظر في مطابقة النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني للدستور بعدم دستورية المادة 68 منه، واقترح ما وجب تعديله فيها واتبع في ذلك تفسيرا ضيقا، حيث اعتبر لفظ "الحكومة" غير مطابق للدستور بموجب المادة 119/3 منه لأن النص جاء على ذكر إيداع مشاريع القوانين لدى مكتب المجلس من طرف الحكومة وليس من رئيس الحكومة كما يقتضي الحال، وهذا تفسير ضيق لأنه لا فرق بين ذكر عبارة الحكومة أو رئيس الحكومة من حيث أنهما يؤديان نفس المعنى، غير أن المجلس الدستوري حينما أخذ بالتفسير الضيق هنا ربما محاولة منه لفرض صرامة أكبر فيما يتعلق بالإجراءات وحتى لا يفتح المجال لأي تأويل آخر، وأيضا تفاديا لنوع من التناقض بين المصطلحات القانونية في حد ذاتها، على اعتبار أن الحكومة تضم رئيس الحكومة (الوزير الأول حاليا) والوزراء لا رئيس الحكومة منفردا.
كما أخذ المجلس الدستوري الجزائري من جهة أخرى بالتفسير الواسع، أي بما قصده المشرع الدستوري متجاوزا بذلك صريح الألفاظ، من خلال مراقبته مثلا للمادة 13 من قانون الأحزاب السياسية فيما يتعلق بالأعضاء المؤسسين للحزب التي نصت على ضرورة إقامتهم في أرض الوطن، فحكم المجلس الدستوري بعدم دستوريتها لإخلالها بالمادة 44 من الدستور؛ ويظهر توسعه من خلال استعماله لمصطلح: "روح الدستور" سواء فيما تعلق بقانون عادي أو عضوي، حيث ذكر المجلس ضمن اعتبارات رأيه رقم 02 لسنة 1997 المتعلق بمراقبة مطابقة الأمر المتضمن القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات للدستور: "واعتبارا أن كل قانون، لاسيما العضوي منه، يجب ألا تتخطى أحكامه الحدود الدستورية حتى لا تتعارض مع روح الدستور ذاته".
وبمناسبة إخطار المجلس الدستوري الجزائري من طرف رئيس الجمهورية بتاريخ 26 أكتوبر 2002 من أجل مراقبة المطابقة الدستورية للقانون العضوي المتضمن القانون الأساسي للقضاء، حيث رأى أنه وإن جاء الإخطار مطابقا للدستور وفق أحكام المادة 165 فقرة 02 من الدستور، إلا أن القانون ليس مطابقا كلية من الناحية الشكلية، ذلك أنه بالرغم من اعتبارات المجلس الدستوري القيام بإيداع مشروع القانون لدى مكتب المجلس الشعبي الوطني وكذا المصادقة عليه من الغرفتين عدا خمس مواد كانت محل خلاف وهي موضوع تقرير اللجنة المتساوية الأعضاء من الغرفتين، هذه الأحكام محل الخلاف والتي تم المصادقة عليها طبقا لأحكام المادة 123 فقرة 02 من الدستور وفق المادة 120 فقرة 4 و 5 من الدستور، فإن المجلس الدستوري اعتبارا للمادة 180 مطة أولى من الدستور والمادة 119 فقرة أخيرة، صرح بأن السلطات المخولة بإعداد مشاريع القوانين والمصادقة عليها تكون قد خالفت الإجراءات المنصوص عليها، بمبادرتها باستبدال القانون رقم 89-21 المؤرخ في 12 ديسمبر سنة 1989 والمتضمن القانون الأساسي للقضاء بقانون عضوي قبل تنصيب المؤسسات المنصوص عليها في دستور 1996 (الأخذ برأي مجلس الدولة قبل إيداع رئيس الحكومة لمشاريع القوانين لدى مكتب المجلس الشعبي الوطني).
ومن جهة أخرى، فإن هذا القانون العضوي المعروض أمام المجلس ضم مواضيع يعود مجالها لقانونين عضويين منفصلين لم يراع فيه المشرع التوزيع الذي أقره المؤسس الدستوري بموجب المادتين 123 المطة الخامسة والمادة 157 فيما يتعلق بقانون عضوي تكون مواضيعه متعلقة بالقانون الأساسي للقضاء، والثاني للمواضيع الخاصة بالمجلس الأعلى للقضاء، وبالتالي فان المجلس الدستوري قضى بعدم مطابقته للدستور.
زيادة على كل ما سبق فإن المجلس الدستوري له دور في إعادة صياغة النص المعروض لمراقبة المطابقة، حيث عمد المجلس الدستوري الجزائري في العديد من آرائه إلى استخدام تقنية إعادة صياغة النص من خلال تقديمه لصياغة جديدة لنصوص بعض المواد تفاديا لإعلانه عدم مطابقتها للدستور ، وهو ما جعل المجلس يكون عرضة للكثير من الانتقاد، حيث قد يصب ذلك بل ويؤكد نفس الاتجاه الذي يرى أن المجلس الدستوري من خلال دوره التفسيري يأخذ دور غرفة تشريعية ثالثة لا تخضع لأي رقابة، بل قد يصبح المجلس بمثابة مشرع دستوري، ويرى البروفيسور: ميشال تروبير صاحب كتاب فلسفة القانون أن العضو المكلف بالتفسير يصبح مشرعا للقانون ومشرعا أيضا للدستور، وأنه يضع مبادئ أعلى من الدستور فيكون بذلك المجلس الدستوري الجزائري من خلال تقديمه لصياغة جديدة وفي أقل تقدير قد تجاوز دوره التوجيهي للمشرع، لأن إعادة صياغة أو بناء النصوص القانونية يرجع للسلطة التشريعية، بل ويمكن القول أنه قد احتل بذلك مكان هذه الأخيرة في هذه الحالة، ولا يخفى أن هذا الدور اضطلع به كذلك المجلس الدستوري الفرنسي على جلالة قدره بين المجالس الدستورية عبر العالم.
خاتمة: إن عملية الصياغة لهي من الأهمية  بمكان لدرجة أنها تبقى حتى اللحظة الأخيرة خاضعة للمراقبة من مختلف الهيئات التي يمر بها القانون مع التحفظ بالنسبة للتعديلات التي يدرجها أحيانا المجلس الدستوري والتي لا تلقى الاستحسان من طرف البعض نظرا لتداخل الصلاحيات، ولكن لا يخفى أيضا ما لسوء الصياغة من تأثير عند دخول النص حيز التنفيذ.
المصدر:https://sites.google.com/site/bouseidafaissal/archives/2013/pagecommentaires/drws-alsyaghte-alqanwnyte/dawr

شاركنا بتعليقك...

التعليقات



، اشترك معنا ليصلك جديد الموقع اول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

احصائيات الموقع

جميع الحقوق محفوظة

علوم قانونية وادارية

2010-2019