-->
علوم قانونية وادارية علوم قانونية وادارية

اخر المواضيع

جاري التحميل ...

مظاهر تـعدي الإدارة علي الملكية العقارية الخاصة

تتجلي الانتهاكات الإدارة الموجهة للملكيـة العقارية الخاصة مـن خـلال عـدة مظاهر، قـد تكـون بعمل إداري يتـنافي مع مبادئ المشروعية و قد يكون مـاديا ، و الأول يباشر عن طريـق قـرارات تصدرها الإدارة في حق الأفراد و هو ما يسمي بالتعدي الإداري ، أما الثاني فعـن طريق أعمال مادية من تابعي الإدارة و هو التعدي المادي، و كل هاته الحالات تعتـبر غـير مشروعة لمـا شـابها مـن عيوب تصل الي حـد الانعدام .


اولا : العـمل الإداري الغـير مشروع
مبدأ المشروعية هو المبدأ الذي يحكم جميع الأعمـال القانونية للإدارة و الـــذي يشـكل ضـمان حقـيقي لاحترام الحقوق و الحريات الأساسية للمخاطبين بهذه القرارات، و هذا لـمنع تعسفها في ممارستها لأعمال السلطة العامة، و عليه فإن أي قرار إداري يخرج عن هذا المبدأ يشـكل حالـة من حالات التعـدي.
إن البحث في مشروعية القرار الإداري يدفعنا للبحث عن العيوب التي تشوب هذا القرار لكي يصبح غير مشروع، فهذه اللامشروعية قد يكون مصدرها صـدور القرار من جهة غير مختصة و قـد يكون القرار صادر من المختص بذلك لكن الأشكال و الإجراءات الصحيـحة لإصداره لم تحـترم، أو أنها أصـدرته مخالفة للقانون كأن يصدر مجاملة لبعض الأفـراد أو علي سبيل الانـتقام أو التأديب، أو صدر بناء لنص قانوني أسيء فهمه أو أن السلطة مصدرته انحرفت عن صلاحياتها أو أسـاءت استعـمالها.
و دون التطرق للجدل الفقهي حول هذه العيوب ما يهـمنا هو أهم حالات اللامشروعية التي قد تصـيب القرار الإداري و هي كما يلي /
* عدم الاختصاص/ و أكثر العيوب شيوعا التي يمكن أن تعيب القرار الإداري، و نظـرا لتعلقه بالنـظام العام فلا يمكن للإدارة أن تصححه بإجراء لاحق ، و عرفه الفقه بأنه عـدم القدرة علي ممارسـة عـمل قانوني لأنه من صلاحـية هـيئة أخري و يمكن أن يأخذ عـدة أوجـه أخطرها اغتصـاب السـلطة
لأن الأصل هو توزيع الاختصاصات في الإدارة علي أساس الصـلاحيات و الزمان و المكان، فإذا خالف رجل الإدارة مصدر القرار قواعد الاختصاص كان قراره الإداري معيـبا بعيـب عـم الاختصاص، فإذا أصدرت جهة إدارية قرار إداري يتعلق بالملكية العقارية الخاصة بالأفراد دون أن تكون مختصة تكون قد اعتدت عليها، فقد اقر المجلس الاعلي هذا في قراره الصادر في 20 جانفي 1967[2] حينما اتخـذ الوزير تدبيرا بالوضع تحت حماية الدولة بينما تعود هذه السلطة للوالي
و لكن وجدت بعض الظروف الاستثنائية تبرر عدم احترام هذه القاعدة فيكون قرار إداري مشروع، هذا ما أقره المجلس الأعلي في قراره " ... إن تدبير الإستيلاء اتخذ من طرف جيـش التحرير الوطـني في جويلية 1962 بينما تعود هذه السلطة اعتياديا لعامل العمالة ، و بمـا أن جيش التحرير الوطني كان آنذاك السلطة الوحيدة الموجودة للتقرير فإن هذا التدبير يعتبر صحيحا "
* وقد يعاب علي القرار عدم احترامه الأشكال و الإجراءات لأنه و لإصدار قرار إداري يجـب مراعاة بعض الأشكال و الإجراءات و التي قـد تكون كثـيرة و ثقيـلة، و لكنها تشكل ضمانات للمـخاطـب بالقرار الإداري ويجب احترامها ، ففي قـراره الصـادر بتاريخ 27/12/1967 اعتـبر المـجلـس أن تخصيصات المساكن الصادرة من الوالي حدثت في شـروط غير نظامية خطيرة تشكل معـها تعديـات و ترتب مسؤولية الدولة لأن هذه المساكن جري تخصيصها لمستأجرين باعتبارها أملاك شاغرة في الوقت الذي لم يصدر بشأنها أي قرار مسبق يعلن حالـة الشـغور.
و عليه فقد حدد المشرع الإجراءات الواجب إتباعها و احترامها من طـرف الإدارة أثناء مباشرتها لكل العمليات الماسة بالملكية العقارية للأفراد كنزع الملكية للمنفعة العمومية لأن حـق الملـكية بصفة عامة خصصت له القوانين حماية خاصة
و في قراره الصادر في 8/ 10/ 2001 قضي مجلس الدولة في قضية بين مزيمي فطومة ضد بلدية أولاد موسي بإبطال إجـراءات نزع الملكية بسبب عدم إجراء التحقيق المسـبق مـع الأمـر بإرجاع الأرض المنزوعة لصاحبها ، لأنه لا يوجد لا تحقيق و لا تبلـيغ، و أن عدم احترام هذه القواعد يعد مشوبا بعيب مخالفة القانون فيبقي إذن التصريح بأن نزع الملكية وقع خرقا للـقانون و بالتالي يعتبر كأن لم يكن و كذا الإجراءات التابعـة لــه.
و كذلك القرار الصادر بـتاريخ 15 يوليو 1989 عن المجلس الأعلـي القاضي بإبطـال مقرر والـي البويرة الصادر بتاريخ 11 يونيو 1985 لعدم احترامه لإجراء مسبق عـند قيامه بضـم قطـع أرضـية الي الاحتـياطات العقارية و المتمثل في إجراء تحديد الاحتياجات العائلية.
* مخالفة القانون / قد يكون سبب لا مشروعية القرار الإداري راجع إلي مخالفته للقانون، وهو عندما يخالف القرار القواعد الدستورية أو التشريعية و التنظيمية، و يتمثل موضوع القرار في الآثـار القانونية التي ينشئها و هي مجموعة من الحقوق و الواجبات المتولدة عن هذا القرار[3] و صور مخالفة القانون هي/
عدم تطبيق القانون يتمثل في المخالفة الصريحة لأحكام و مبادئ قانونية فقد تتـعمد الإدارة و تمتنع عن عمل يحـتمه القانون، و مثاله القرار الصـادر عن المـجلس الأعلى _الغرفة الإدارية_ في قضية السيدة ريفارشون ضد قرار والي ولاية الجزائر و الذي تتلخـص وقائعه في أن الوالي بتاريخ 08/ 02 /1972 أصدر قرارا أعلن فيه عن حالة شغور مسكن السيدة ريفارشون مستندا في ذلك علي المـادة الأولي من المرسوم رقم 63 /88 المؤرخ في 18/ 03 /1963، و المتضمن تنظـيم الأملاك الشاغرة ومما جاء في حيثيات القرار السالف الذكر " حيث أن الإعـلان بالشغور لا يقترن بحضـور أو غياب صاحب الملكية من الجزائر ، بل تنفيذ أو عدم تنفـيذ المالك لالتزامه ، و حيث أن والي ولايـة الجزائر بإعلانه لشغور ملكية المدعية التـي لم تترك الجزائر لمدة شهرين متتاليين و هذا منذ 01 /06 /1962 و لم تتخـل عن التزاماتها كمـالكة ، قـد تخرق القانون بصـفة واضحة و تجـاوز سلطته و قضـي بإلـغاء القـرار المخـاصم لمخـالفة الـقانون "
أو كأن تصدر الإدارة قرار مؤسسة إياه علي مادة قانونية أسيء فهمها و تنتج هذه الوضعية عن الخطأ في تفسير القاعدة القانونية التي استندت إليها في إصدار قرارها، و هذا بإعطائها معنا مغايرا للمعني الذي قصده المشرع ، ففي قرار المجلس الأعلي الصادر بتاريخ 18 أفريل 1969 الـذي ألغي قـرار لعامل العمالة محددا فيه تعويض شغل سكن شاغر، لأن النسبة تتجاوز تلك المحددة في النصوص السابقة على الشغور في حالة عدم وجود أي نص تشريعي أو لائحي مخالف ، فليس علي المعني أن يدفع للدولة التي حلت محل حقوق المالك الأول إيجارا أعلي من ذلك الذي يدفعـه لهـذا الأخـير "
* كما قد يكون القرار غير مشروع لعـيب السبب و هو كما عرفه الفقه انعدام الوقائع المادية و القانونية أو وقوع خطأ في تقديرها و تكييفها خلال صدور قرار معين [4] و يتمثل في /
* عدم صحة الوقائع المادية التي استندت عليها الإدارة في إصدارها للقرار المخاصم
* عدم ملائمة القاعدة القانـونية للـوقائع المادية و هو التكييـف الـقانوني للوقائـع
فيكون الخطأ في تقدير الواقعة في حالة الخطأ في صحة الواقعة أو تكييفها القانوني، و هذا بالتأكد مما إذا كانت تلك الوقائع الماديـة تبرر تطبيق النـص القانوني المستند إليه ، و المـجلس الأعـلي باستعـماله لهذه الرقابـة علي الملائمة القاعدة القانونية للوقائع و هي عملية التكييف القانوني توصل إلي إلغاء بعض القرارات، ففي قضية تومارون تم بقرار من والي الجزائر تأميم أملاك المعني ، تطبيقا للمرسوم الصادر في أول أكتوبر 1963 الذي يجيز تأميم الإستغلالات الزراعية العائـدة للأجانب، إلا أن الأملاك هنا هي ملكية للاستعمال السكني ، فيوجد خطأ في التكييف القانوني الذي يصححه القاضي بإلغاء قـرار المحافظة
* الانحراف في استعـمال السـلطة و يقصد به هو استخدام الإدارة لسلطتها من أجل تحقيق غاية غير مشروعة، و أن هذه الهيئة التي ترتكب الإنحراف في السلطة تتخذ قرارا يدخل في اختصاصها ، مراعية الأشكال المحددة ، و لكنها تستعمل سلطتها لأسباب أخري مخالفة لما هو محدد في النصوص المستند إليها و ما يميز هذه الحالة عن الحالات الأخرى هو أنه و لاكتشاف الانحراف بالسلـطة فإنه من الضـروري البحث عن نية مصدر القرار، و التي تتطلب التمييز بين البواعـث و الدوافع له فـقد يكـون الهـدف منه هو تحقيق غرض أجنبي عن المصلحة العامة كالأغراض الشخصية
كما يمكن أن يكون الإنحراف بالإجراءات و تتمثل هذه صورة في لجوء الإدارة من أجل تحـقيق أهدافها إلي استعمال إجراء قانوني بـدل الإجراء القانوني الملائم و المحدد قانونا من أجل بلـوغ نفس الأهداف[5] و أكثر الحالات تطبـيقا لهذه الصـورة هو لجوء الإدارة المختصة إلي استعمال إجراء الإستيلاء من أجل بناء مرافق عامة بدل إتباع الإجراء القانوني السليم و هو نزع الملكية للمنفعة العامة، و هذا مـا كرسـه المجلـس الأعلي ـ الغرفة الإدارية ـ في قراره الـصادر في 02/07/1965 في قضية شـركة عيـن فخارين ضد الدولة


ثانيا : العمل المادي الغير مشروع
يري الفقيه الفرنسي دلـو باديـر أنه " يكون اعتداء مادي عندما ترتـكب الإدارة بنشاط مـادي ذي طبيعة تنفيذية، عدم المشروعية واضح و جسيم من شأنه أن يتضمن اعتداء علي حـق الملكية أو مساسا بحرية من الحريات الأساسية "
و لهذا لا يجوز للأمر الإداري أن يعتدي علي حق الملكية و حق الحرية الشخصية، و لو حاز شكــله القانوني لأنه حرمان الشخص من حيازة ما يملكه من عقار، يعتبر الأمر الإداري في هذه الحالة قد فقـد الصفة الإدارية و أصبح عملا من أعمال التعدي المادي أو الغصب.
و يتجسد التعـدي المـادي في حالات عـدة أهمها /
ـ انعدام الأساس القانوني
ـ عدم احترام الإجراءات
ـ عدم إتمام الإجراءات
أ / ـ الاعتداء المادي لانعدام الأساس القانوني : يتحقق الاعتداء المادي عندما تقوم الإدارة بعـمل لا يرتبط بتطبيق نص تشريعي أو تنظيمي من شأنه أن يمس بحق من الحقوق الأساسية و هو حق الملكية [6] و هنا تصرفات الإدارة تكون مشـوبة بخطأ جسيم
وبفعل التعدي المادي تفقد الإدارة الامتيازات التي تتمتع بها كسـلطة عامة و تعـامل معـاملة الأفـراد و هـذا لفداحة الخـطأ المنسـوب للإدارة، و في اجتهادات المحكمة العليا من خلال قـرارات عـدة حـددت مـوقفها مـن التعدي المادي للإدارة
فـجد القـرار الصـادر فـي قضـية رئيـس البلـدية و (د ب) و(ع ع) بـتاريـخ 23/ 11/ 1985[7]
جاء فيه " .... يتحقق عندما تقوم الإدارة بتنفيذ عمل بالقوة غير مرتبط بتنفيذ نص تشريعي أو تنظيمي من شأنه أن يمس بحرة أساسية أو بحق الملكية "
و يتحقق هذا الاعتداء المادي بـعد تنفيذ مشروع لقرار مشوب بمخالفة جسيمة تمس بحق الملكية ، لـذا نجد حالات الاعتداء المـادي لانعدام الأساس القانوني نادرة جدا علي القضاء لأن القاضي عندما يطرح عليه النزاع يصعب عليه التفرقة بـين الخطأ البسيط و الخطأ الجسيم مما يدفعه إلي إلغاء العمل الإداري علي أسـاس دعوى تجاوز السـلطة و ليس علي أساس الاعتداء المادي.
ب /ـ الاعتداء المادي لانعدام الإجراءات : تتحقق هذه الحالة عندما تقوم الإدارة بتنفيذ عمل إداري حتى و إن كان مشروع ، خارج حالات التنفيذ الجبري المسموح به للإدارة، كتهـديم مباشر من طرف الإدارة لعمارة مهددة بالانهيار دون قـرار إداري مسبق يحدد ضرورة تهديمـها لأن فيه مسـاس بحق الملكية العقارية ، و هي تشكل أكثر حالات الاعتداء المادي، فعندما يتعـلق الخطـأ الجسـيم بالحريات الفردية و حق الملكية فإن القضاء الإداري يعلن حالة الاعتداء المادي.
ج /ـ الاعتداء المادي لعدم إتمام الإجراءات : تتبع الإدارة الإجراءات القانونية التـي أوجبـها النـص التشريعي و لكن دون صرف التعويض المستحق عن هذا العـمل مخـالفة بذلـك الدسـتور و أحـكام القانون ، فالمحكمة العليا استقرت علي اعتبار أن مخالفة عـدم ايداع مبلـغ التعـويض عن نزع الملكية للمنفعة العامة لدي الخزينة العمومية تشكل اعتداء مادي يرتب مسؤولية الإدارة ، و قد حاولت الحـد من تصرفات الإدارة إذا كانت تتعسف في نقل الملكية بدون تقديم التعويض القانوني ، أو ايداع مبلغ التعويض لدي الخزينة العامة.
ما يمكن أن نخلص إليه أنه في أي من هذه الحالات الثلاثة تفقد أعمال الإدارة مشروعيتها، حتى و لو كان في صورة قرار إداري، و يصبح مجرد عمل مادي غير مشروع.
* و لتقوم حالة التعدي المادي لابد من قيام عدة عناصر أهمها مايلي/
v أن تكون عدم مشروعية العمل جسيمة و ظاهرة ، بحيث يفقد هذا العمل الصـفة الإداريـة يخـرج عـن حدود المشروعية و يجعله منعدم الصلة بوظائف السلطة العامة، و يتحـقق هذا الشرط إذا لجأت الإدارة الي التنفيذ المباشر في غير الحالات الاستثنائية المحددة بموجب نصوص قانونية و بالتالي يدخـل في عـداد الأعمال التعسفية.
v أن ينتج عن العمل المادي مساسا كبيرا بحق الملكية و بالحقوق العينية الأخرى و بالحريات الأساسية.
v أن يرتبط بإجراء مادي تنفيذي ، إذ لا يكفي اتخاذ قرار من جانـب الإدارة و إنما يجب أن تبادر الإدارة في تنفيذه ماديا ، أو شرعت في التهيئة للتنفيذ فالقرار الإداري مهما بلغت عدم مشروعيته لا يمكن أن يكون عملا من أعمال التعـدي إلا إذا انتقـلت الإدارة مـن مرحلة إصـدار القرار إلي مرحلة التنفيذ الفعلي له.


ثالثا : القـرارات الإدارية المعدومة
القرار الإداري المعدوم أو غير الموجود هو القرار المشوب بعيب يصل إلي درجة من الجسـامة بحيث يجرد من صفته كـقرار إداري و يجعل منـه عمل مادي ، و يعتـبر قـرار منـعدم الوجـود بأثــر رجـعي بحيث يعتبر كأن لم يكـن [8]
و ذلك لأن هذا الانـعدام يجرد العـمل الإداري من صفـته الإدارية و يجعـله عمل مادي، و قد فرق القضاء الإداري بين القرارات المعيبة بعيب من عيـب عدم المشروعية، و القـرارات الإدارية المعدومة التي تكون مشوبة بعيب جسيم يحولها إلي أعمال مادية بحتة
إن الفقهاء حاولوا تحديد المعيار الذي يفرق بين درجة انعدام القرار و درجة بطـلانه ، فنجـد الفقـيه الفرنسي "لافيـير" و الذي وضع حجر الأساس لنظرية القرارات المنعدمة ، بحيث أتي بمعيار اغتصاب السلطة الذي حدد حالتين لاعتبار القرار منعدما/
* الأولي صدور القرار من فرد عادي أجنبي عـن الإدارة لكن هذه الحالة يصعب تصورها في الواقع الحـالي
* الثانية هي حالة قيام السلطة الإدارية بإصدار قرار يدخل في اختصاص إحدى السلطتين التشريعية أو القضائية [9]
كما يعتبر القرار معدوما في حالة عدم الوجود المادي له، و يتحقق ذلك في صورتين /
* صورة توهم الإدارة وجود قرار لم يوجد بعد كأن ينسـب القرار خطا للسلطة الإدارية، أو كأن يكـون القرار في مراحل التكوين و لم يتعد الخطوات التمهيدية
* أما الصورة الثانية فتحدث في حالة صدور قرار إداري ثم يصدر قرار يسحبه أو يلـغيه من الجـهة الإدارية فإن القرار يصبح معدوما
أما ما يهمنا في هذه الدراسـة هي حالة اغتصاب السلـطة الإدارية علي صـلاحيات باقي السـلـطات
يفرق الفقه و القضاء في مجال الاختصاص بإصدار القرار بين درجتين لعيب عدم الاختصاص، الأولـي تتمثل في عدم الاختصاص البسيط أو العادي الذي يعيب القرار الإداري، و يجعله قابلا للإلغاء عند الطعن
فيه أمام القضاء الإداري بدعوى الإلغاء، أما النوع الثاني فيتجسد في عيب عـدم الاختصاص الجـسيم و الذي أطلق عليه باغتـصاب السلطة الذي يتـرتب عليه اعتبـار الـقرار الإداري منعدما و عديـم الأثر
و تتمـثل في الحالات التـي يتخذ فيها قـرار إداري سواء من شخص أجنبي تـماما عن السلم الأعوان الإداريين ، أو من سلطة إدارية التي تعتدي علي اختصاصات السلطة القضائية أو التشريعية مخالفة بذلك المبادئ القانونية الأولية، هذا الشكل من عدم الاختصاص هو الأكثر جسامة ولا يؤدي بالقاضي فقط الي التصريح بان القرار باطل بل هو معدوم، و بالتصريح بالانعدام فان القرار يعتبر حكم الفعل المادي ليس له و لا يمكنه مطلقا ترتيـب أية اثار قانـونية.
عندما يكون العيب جسيما يصل إلي حد الغصب و يعتبر القرار بالتالي منعـدما و يترتـب علـي ذلـك أن القرار يفقد صفته الإدارية و يقول القضاء أن الغصـب ينـزل بالقرار إلي مرتبـة الفعـل المـادي و الدعوى هنا لا ترمي إلي إلغاء القرار و إنما إلي تقرير انعدامه [10]
إن القضاء الجزائري لا يأخذ بنظرية الانعدام إلا نادرا و لا يصرح بها في منطوق القرار القضائي، بل يكتفي بعبارة الإبطال مـع الإشارة بأن القضـاء ين المصري و الفرنسي هما الوحيـدان اللذان يشيران بصراحة إلي العيب الذي يشوب القرار الإداري [11]
مع الإشارة أن القاضي الإداري هو المختص للفصل في القضية إذا كنا بصدد قرار منعدم حسب المعيار العضوي المكرس في المادة السابعة من قانون الإجراءات المدنية [12]
و علي ذلك قضت الغرفة الإدارية للمحكمة العـليا بتاريخ 06 يوليو 1997 في قضـية والي باتنة ضد (ن ع ) قضي بتأييد القرار القضائي و القاضي بإلغاء قرار والي ولاية باتـنة المـؤرخ في 9 أفريل و المتضمن إلغاء استفادة المستأنف من استغلال الأرض الفلاحية
فمرسوم 90 / 51 جعل إلغاء الاستفادة من اختصاص القضاء دون سـواه و ليـس للـوالي القيام بذلك وفضلت المحكمة العليا عبارة " عيب تجاوز السلطة " بدلا من اغتصاب السلـطة[13]
إن أغلب حالات عيب عدم الاختصاص الجسيم و المتمثلة في اغتصاب السـلطة في الجـزائر تتعـلق باعتداء السلطة الإدارية علي اختصاصات السلطة القضائية، فالإدارة غالبا ما تقوم بعـمل مـن صمـيم اختصاص القاضي العادي، و علي ذلك قضي المجلس الأعلي ( الغرفة الإدارية) بإبطال القـرار الإداري الصادر بتاريخ 13 / 12 / 1981 عن لجنة النزاعات التابعة للبلدية الذي فصل في أصل الملكية بين أحد الملاك الخواص و مستأجر لأملاك الدولة، و قد توصل المجلس في قراره إلي أن " ... حيث أنه ليـس من سلطات الرئيس أو المجلس الشعبي البلدي الحلول محل الجهة القضائية ، و البت في قضايا الملكية أو شغل مكان ما يخص المواطنين ، إذ أن دورها يـجب أن لا يتعدي تحقيق المصالحة بين الطرفين ، حيث أن القرار المتخذ بالتالي علي النحو السابق عرضه مشوب بعيب تجاوز السـلطة الواضح ...." و بالتالي فإن قرارها يعتبر منعدما[14] ، و رغم أن المجلس الأعلي لم يصرح بذلك فالقرار الصادر عن البلدية يعتبر و كأنه عملا ماديا و ليس له صفة القرار الإداري و علي ذلك فالمجلس الأعلي لا يجد أمامه قرار إداري ليبطـله، بل يجـد أمامه قرارا منعدما و لا يصدر قرارا قضائيا منشئا و إنما قرارا مقررا و مصـرحا بحالة الانعــدام
و في قرار ممـاثل لمجلس الدولة صادر في 31 جانفي 2000 قضية والي ولاية قسنطينة ضـد جبالي حسين، قضي مجلس الدولة بتأييد قرار مجلس قضاء قسنطينة المـؤرخ في14 /12/1996 و القاضـي بإبطال قرار الوالي ".... و حيث أنه في إطار تطبيق المادة 28 من القانون 87/19 و بموجـب المرسوم التنفيذي رقم 90/51 المـؤرخ في 6/02/1990 قـامت المـصالح الفلاحية بالتـعاون مـع مصـالح الأمن ، بالانتقال إلي مكان ممارسة المستأنف عليه لحق الانتفاع ، و استخلصت بأن المزرعة حولت من طبيعتها الأصلية إلي ميدان يمس بالنظام العام ، مما أدي اتخاذ العارض قـراره المؤرخ في 12 فيفـري 1996 و المتضمن توقيف المستأنف عليه من الانتفاع الممنوح له في إطار القانون، و حيث أن العارض لم يقدم أي دليل يفيد تغيير الوجهة الفلاحية للأرض موضوع النزاع .... و حيث أن العـارض بعـد أن اجري مقارنة بين نصي المادتين 28 من القانون رقم87/19 و الـمادة 04 من الـمرسوم التنفـيذي رقم 90/51 حاول ابتداع اجتهاد خارج إطار هذين المرجعين القانونين للحالات التي يتوقعها المشرع، والتي تعد مخالفات من شانها أن تؤدي الي سقوط حق المستأنف عليه في ممارسة حق الانتـفاع بدعوى وجود واقعة تمس بالنظام العام ... و حيث أن القول بجـواز الاجتهاد خارج الإطار القانوني فيه مساس صريح بأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 18 من الدستور..... حيث متى كان ما تقـدم فان الاستئناف غير جدير بالقبــول "[15]
فعندما تتخذ السلطة الإدارية قرار هي مختصة باتخاذه ، واتبعـت بشـأنه إجراء صحيـح باحـترامها للمواعيد ، لكنها أسسته علي أساس قانوني يشوبه الغـلط بالرغم من وجود الأساس القانوني المـبرر له فان القاضي عوضا عن إبطال القرار فانه يسـتبدل الأسـاس القانوني الذي أخذت به الإدارة بالأسـاس القانوني الذي يمكن له أن يصلح كأساس للقرار المرفوعة ضـده الدعـوى.

-----------------
[2] / قرار أخر للمجلس الأعلي مؤرخ في 28 نوفمبر 1970 " إن كون الوالي قد أقدم بذاته علي هذا الإخلاء ، لا صلة له ، بأية صورة كانت ، اتجاه المستأجر بممارسة سلطة تدخل ضمن صلاحيات الإدارة ... فإن الإخلاء علي هذا المنوال يشكل دون شك مجرد تعد ".
[3] / لنقار بركاهم سمية ، منازعات العقار الفلاحي التابع للدولة ـ في مجال الملكية و التسيير ـ الطبعة الأولي ، الديوان الوطني للأشغال التربوية ، سنة 2004 ص 79.
/ عمـار عوابـدي، القانون الإداري الجزء الثاني النـشاط الإداري ، ديوان المطبوعات الجامعية ، طبعة 2002، ص 173 .[4]
[5] / عمـور سلامي ، الوجيز في قانون المنازعات الإدارية ، جامعة الجزائر ، كلية الحقوق ، السنة الجامعية 2004 / 2005 ص
/ حسين عبد العال محمد ، الرقابة الإدارية بين علم الإدارة و القانون الإداري ،2004 ، ص 68 .[6]
/ قضية رقم 42050 بتاريخ 23 / 11 / 1985 ، المجلة القضائية للمحكمة العليا لسنة 1989 ، العدد 2 ، ص 204. [7]
/ محي الدين القسي، مبادئ القانون الإداري العام ، طبعة 1999 ، منشورات الحلبي الحقوقية ، لبنان ، طبعة 1985، ص 85 . [8]
[9] / عبد الغني بسيوني عبد الله ، وقف تنفيذ القرار الإداري في أحكام القضاء الإداري، منشورات الحلبي الحقوقية ، لبنان، سنـة 2007، ص 78 .
[10] / طاهري حسين، القانون الإداري و المؤسسات الإدارية ، دار الخلدونية ، 2007 ، ص 164 ..
/ لحسن بن شيخ أث ملويا ، دعوى تجاوز السلطة ، دار الريحانة للكتاب ، الجزء الأول ، سنة 2004 ، ص 88[11]
[12] / خلافا للقانون المصري الذي يجعل الاختصاص للقاضـي العادي علي أساس أن الانعـدام يجرد عـمل الإدارة من صفتـه الإداريـة و يجعله عمل مادي.
/ المجلة القضائية، العدد 2، لسنة 1997، ص 48. [13]
/ لحسين بن شيخ آث ملويا ، المرجع السابق ، ص 89 .[14]
نفس المرجع السابق ، صفحة 98 [15]

شاركنا بتعليقك...

التعليقات



، اشترك معنا ليصلك جديد الموقع اول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

احصائيات الموقع

جميع الحقوق محفوظة

علوم قانونية وادارية

2010-2019