مقــــــدمة :
ان الصلح كآلية لإنهاء الخصومة ليس غريبا عن مقومات حضارتنا العربية والإسلامية والدليل على ذلك تكريس الشرع للفدية في القديم .
وقد اضطرت التشريعات أمام التطورات الحاصلة في شتي مجالات الحياة فالمجتمعات الحديثة ان تواكب تلك التطورات وتتدخل بالتجريم للعديد من الأوضاع التي تراها مضرة بأنظمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وذلك بما يعرف بالقوانين الجنائية الخاصة .
وحفاظا على بنية النظام الاقتصادي وحماية للبضائع والمنتجات المحلية وضمانا لاستخلاص وضمانا لاستخلاص الرسوم عن البضائع المستوردة وحماية من كل منافسة قد تضر الاقتصاد المحلي ومنعا للبضائع المحظور التعامل فيها أصدر المشرع مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة المصادق عليها بمقتضي الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1-77-399 بتاريخ 25 شوال 1397 الموافق 1997/10/9.
تشكل الحقوق والرسوم الجمركية، المورد الأول لخزينة الدولة ، وتساهم في الرفع من ميزانيتها مما يبرز الدور الفعال لإدارة الجمارك باعتبار أن أي تملص من أداء الحقوق والرسوم يشكل نزيفا لموارد الدولة المالية مما يحتم عليها التصدي لذلك ومحاربتها، ولن يتأتى ذلك إلا برقابة جمركية صارمة في ظل نصوص قانونية واضحة. وتساهم كذلك بدور فعال في الحياة الاقتصادية وخاصة في حماية المنتجات الوطنية وجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتشجيع الاستثمار، وغيرها من الأدوار الفعالة في تنمية اقتصاديات البلاد.
وكشف الجرائم الجمركية تتولد عنه نزاعات بين إدارة الجمارك والمخالفين للأنظمة والقوانين الجمركية، إلا انه أحيانا يتم تسويتها بطريقة ودية، وأحيانا أخرى تكون معقدة مما يستدعي اللجوء إلى القضاء للبت فيها.
ويمكن إعطاء تعريف للمنازعات الجمركية رغم اختلاف التعاريف التي أعطيت بأنها ‘’المخاصمة الناشئة عن مخالفة القوانين والأنظمة الجمركية شكل تنازلا عن بعض حقوقها المقررة قانونا وامتيازا لها لتجنب الدعاوي وإنهائها قبل الحكم أو بعده.
وكشف الجرائم الجمركية تتولد عنه نزاعات بين إدارة الجمارك والمخالفين للأنظمة والقوانين الجمركية، إلا انه أحيانا يتم تسويتها بطريقة ودية، وأحيانا أخرى تكون معقدة مما يستدعي اللجوء إلى القضاء للبت فيها.
ويمكن إعطاء تعريف للمنازعات الجمركية رغم اختلاف التعاريف التي أعطيت بأنها ‘’المخاصمة الناشئة عن مخالفة القوانين والأنظمة الجمركية شكل تنازلا عن بعض حقوقها المقررة قانونا وامتيازا لها لتجنب الدعاوي وإنهائها قبل الحكم أو بعده.
وتشكل المصالحة في الميدان الجمركي خروجا عن المبدأ العام المقرر في الفصل 13 من (ق.م.ج) الذي ينص على أنه لا أثر للمصالحة التي تجري بين المتهم والمتضرر من الجريمة على الدعوى العمومية لأنها ملك للمجتمع، إلا أن المشرع أعطى هذا الحق لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة منذ 1918 بمقتضى الفصل 25 من ظهير 16/12/1918، وقننته المدونة الجمارك في الفصل 273/1 التي جاء فيها "للإدارة قبل حكم نهائي أو بعده أن تصالح الأشخاص المتابعين من أجل أفعال مخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية".
وانطلاقا من ما تقدم نثير الاشكال التالي: هل وفق المشرع المغربي في وضع قواعد قانونية تحكم عملية الصلح فالمادة الضريبية وماهي أثارها على المتصالحين ؟
وللإحاطة بهذا الموضوع بشكل مفصل سوف نقسمه الي :
المبحث الأول: أحكام الصلح في المادة الضريبية ،
المبحث الثاني آثار المصالحة.
المبحث الأول: أحكام الصلح في المادة الضريبية
يعتبر الصلح في الميدان الضريبي وسيلة إدارية لتسوية المنازعات تنضاف إلى الحل القضائي.
سوف نعمل خلال هذا المبحث على تحليل أحكام الصلح الضريبي وهذا يقتضي منا التطرق لمفهومه وطبيعته (المطلب الأول) وكذا شكلياته ومضمونه (الفقرة الثانية).
المطلب الأول: مفهوم الصلح وطبيعته القانونية
يقتضي منا هذا المبحث التطرق لتعريف الصلح في المادة الضريبية (الفقرة الأولى)على أن نتطرق في (الفقرة الثانية )لطبيعته القانونية.
الفقرة الأولى : تعريف الصلح وخصائصه
عرف المشرع المغربي الصلح في تنظيمات الجمارك والضرائب غير المباشرة بأنها "اتفاق مبرم بين الإدارة والتابع أو وكيله من أجل وضع حد للنزاع القائم بينهما".
إلا أن هذا التعريف ناقص لأنه يركز فقط على الهدف من المصالحة الذي هو وضع حد للنزاع دون توضيح كيفية الوصول إلى هذا الهدف، وذلك بتقديم تنازلات متبادلة من كلا الطرفين.
ونفس الاتجاه ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ 16/12/1963 حيث عرفته "بأنه نزول من الهيئة الاجتماعية عن حقوقها مقابل الفعل الذي قام عليه الصلح ويحدث أثره بقوة القانون"[1].
كما اتجه كل من الأستاذ عبد السلام إبراهيم ومحمد عبد الرحمان في تعريفهما للمصالحة إلى أنها تعتبر نزولا من الهيئة الاجتماعية عن حقها في الدعوى الجنائية مقابل المبلغ المالي الذي تم عليه الصلح[2].
لكن إذا كانت هذه التعريفات كلها تركز على الهدف من الصلح وكيفيته متجاهلة وقته وميعاده، والذي يمكن أن يكون قبل وبعد الحكم، وعليه يمكن تعريف الصلح بأنه عقد مبرم بين المهتم في المخالفات الجمركية وبين إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة التي خولها القانون سلطة التصالح دون ما تدخل من أية جهة قضائية أخرى، لوضع حد للنزاع القائم بينهما قبل الحكم أو بعده مقابل تنازل الإدارة عن المتابعة أو عن تنفيذ العقوبات المحكوم بها مع التزام الطرف الآخر بأداء مبلغ معين"[3].
ونشير إلى أن المصالحة تمتاز بمجموعة من الخصائص والمميزات، منها أنها عقد ملزم لجانبين لأنه مقابل تنازل الإدارة عن المتابعة كليا أو جزئيا يلتزم الطرف الآخر بأداء بدل الصلح.
كما تمتاز بكونها جائزة قبل صدور حكم نهائي أو بعد صدوره، وبكونها تؤدي إلى وضع حد للنزاع وإلى السقوط الدعوى العمومية ضد الملزم وتصبح بعد المصادقة نهائية لا رجعة فيها[4].
وتجب الإشارة المصالحة تقتضي توافق إرادتين وحسب الفصل 273 من (م.ج) نجد أن هذين الطرفين هما الإدارة من جهة والأشخاص المتابعين من جهة ثانية.
ومع أن مدونة الجمارك لا تسعف في تحديد الأشخاص المؤهلين لإبرام هذه المصالحة إلا أن النماذج المتعلقة بعقد المصالحة تبين بأن العقد يبرم بين المتابع من جهة والأمر بالصرف للجمارك من جهة أخرى.
وبخصوص المصادقة على المصالحة فهي مخولة للوزير المكلف بالمالية أو من طرف مدير الإدارة[5].
ويطرح تساءل هنا هو طالما أنه يجوز للمدير العام أن ينيب غيره في إقامة الدعوى وتقديم الشكاية حسب مقتضيات ف 249 فهل يمكن له الإنابة في المصالحة أيضا؟
الرأي الغالب هو أنه يجوز ذلك طبقا لقاعدة من يملك الأكثر يملك الأقل فمادامت الإنابة جائزة في تقديم الدعوى والتنازل عنها فهي جائزة أيضا في المصالحة لأن المصالحة هي بمثابة تنازل ضمني عن الطلب.
أما الطرف الثاني في المصالحة فهو المتابع سواء كان فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا بمعنى أن المصالحة يمكن أن تتم مع كل شخص تثبت مسؤولية عن ارتكاب جريمة جمركية[6].
لكن ما يلاحظ بهذا الخصوص هو أن المشرع المغربي أورد عبارة المتابعين في المادة 273 من ق.ج عامة دون تحديد شروط معينة في المتابع، ونرى أنه من الأفضل أن يتدخل المشرع لتحديد شروط الاستفادة من الصلح حتى لا يستفيد منه الأشخاص المحترفون في حالة العود لأنه إذا كان المتهم مصر على الإضرار بالاقتصاد الوطني بالعودة لارتكابه نفس الجرائم الجمركية فيجب ألا يستفيد من نظام الصلح.
الفقرة الثانية : الطبيعة القانونية للصلح
هذا وقد اختلف الفقه حول الطبيعة القانونية لهذا الصلح بين من يقول بأنها عمل إجرائي تترتب عليه آثاره بقوة القانون لا يتحقق إلا بعد وقوع الجريمة ويؤدي إلى انقضاء الخصومة سواء قبل رفع الدعوى أو بعدها.
وبين من يعتبره تصرفا قانونيا ملزم لجانبين لأنه مقابل التزام المتهم بأداء مبلغ معين تلتزم الإدارة بالتنازل عن العقوبات المالية المحكوم بها عليه[7].
واتجه رأي ثالث إلى اعتبارها عقد إداري بحكم أن أحد أطرافها شخص عام وهو إدارة الجمارك، وان المصلحة تتعلق بنشاط مرفق عام وتتضمن شروط غير مألوفة في القانون الخاص[8].
ودون الخوض في النقاشات يمكن القول بأن الممارسة العملية لمسطرة المصالحة تضفي عليها طابعا إداريا، فتظهر" كـممارسة إدارية تقوم على الحوار لإنهاء النزاع" فهي لا تختلف عن باقي الوسائل الأخرى التي خولها المشرع لبعض الإدارات لفض النزاع"[9].
إلا أنه ورغم هذا الطابع الإداري للمصالحة فإنها مع ذلك تبقى محافظة على الطابع الزجري والذي يتجلى أساسا في انصبابها على المجال الجنائي وتأثيرها على حق الدولة في العقاب، إلا أن هذا التأثير يختلف بحسب وقت إبرام المصالحة.
انطلاقا مما سبق يمكن القول بأن المصالحة هي "إجراء إداري زجري تبرمه الإدارة المختصة مع الملزم الذي يلتزم كمبدأ بأداء مبلغ مالي مقابل السقوط الكلي أو الجزئي لحق الدولة في العقاب"[10].
المطلب الثاني : شكل ومضمون الصلح
سنتطرق في هذا المطلب عن الشكل الذي تتم به المصالحة(الفقرة الأولى)على أن نتحدث عن مضمون الصلح (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : شكل الصلح
تتم المصالحة في شكل عقد[11]يكون ملزما لطرفيه (المخالف للقوانين والتنظيمات الجمركية ومن يفوض له القانون من أعوان إدارة الجمارك الحق في إبرامه هذه المصالحة) ولابد أن تكون في شكل كتابي مدموغ ومن عدة نسخ توافق عدد الأطراف في النزاع وذلك طبقا لمقتضيات المادة 276 من م.ج التي تنص على أنه : "يجب أن تثبت المصالحة كتابة على ورق مدموغ في عدد من النسخ الأصلية يعادل عدد الأطراف الذين لهم مصلحة مستقلة فيه".س
وعليه يتعين تقديم طلب كتابي من المتهم يطلب فيه التصالح ويكون هذا الطلب مستوفيا لشروطه، فلا يكون معلقا على شرط[12].
ولا يشترط في المصالحة أن تكون في وقت معين، إذ يمكن أن تقترح خلال مراحل إقامة المحضر أو قبل أو يعد الحكم[13]، إلا أن شكل المصالحة يختلف تبعا لوجود محضر إثبات الجريمة من عدمه، فإذا تمت المصالحة قبل تحرير المحضر فإنها تعتبر بمثابة محضر وبذلك تضع حدا نهائيا للنزاع ويصطلح على تسميتها بـ 3T.
أما المصالحة التي تتم قبل الحكم أو بعده فتكون في الحالة التي يكون فيها المحضر قد حرر ويصطلح عليها بـ: 4T.
الفقرة الثانية : مضمون الصلح
ومن خلال الاطلاع على النماذج المهيئة من طرف إدارة الجمارك يتضح أنه لابد أن يتضمن عقد المصالحة مجموعة من البيانات منها الإشارة إلى الوقائع المتصالح بشأنها والعروض التي يقدمها مرتكب الجنحة أو المخالفة في إطار التصالح[14]. وهنا نتساءل حول نطاق المصالحة وهل يمكن أن تشمل كافة أنواع المخالفات؟
المشرع المغربي نص على المصالحة دون قيد أو شرط ودون أن يحدد نطاقها في بعض المخالفات دون غيرها وإنما خول للإدارة الجمركية كامل الحق في المصالحة مع المخالفين أو عدم المصالحة معهم كيفما كان نوع المخالفة.
لكن هناك بعض القوانين استبعدت بعض المخالفات من نطاق التصالح كالقانون المصري الذي نص على حظر التصالح في جرائم التهريب الجمركية متى كان بغير قصد الاتجار فيه ومجموعة من الحالات متى كان بقصد الاتجار في حالات أخرى[15].
يجب أن يتضمن عقد الصلح هوية الأمر بالصرف وهوية الملزم وهوية الموظفين مثبتي محضر الجريمة بالإضافة إلى رقم وتاريخ القرار الذي وافق على هذه المصالحة.
وتجب الإشارة أيضا إلى أن الآمر بالصرف الموقع يقبل مؤقتا العروض المقدمة إلى السلطة العليا للمصادقة عليها ويعترف بأنه توصل بالمبلغ المشار إليه مقابل وصل. والإشارة أيضا إلى أن الطرف الآخر يشهد على نفسه بأن يترك المبلغ الذي دفعه تحت الإيداع إلى أن يفصل في النزاع ويعترف بما تسلمه من بضائع[16].
ويضاف إلى النموذج 3Tالمتعلق بالمصالحة المعتبرة كمحضر، بأنه يشهد على نفسه بأنه متنازل عن حقه أمام المحاكم في الاحتجاج بعدم تحرير محضر اعتيادي لتقرير المخالفة أو الجنحة المرتكبة، ويتم توقيع عقد المصالحة من قبل طرفيه، وهما الإدارة والمتابع.
لكن إذا كانت المصالحة تتضمن من جهة الوقائع المتصالح بشأنها، ومن جهة أخرى العروض المقدمة من طرف المتابع بالجنحة أو المخالفة الجمركية، فإنه بالنسبة للفترة الممتدة بين تاريخ تقديم عروض المخالف ووقت المصادقة على هذا الصلح يبقى العقد معلقا على الشرط الفاسخ فإذا لم توافق سلطة المصادقة على المصالحة تصبح غير مقبولة وليس لها أي أثر قانوني[17].
ويطرح تساءل هنا عن مدى رقابة السلطة القضائية على حق إدارة الجمارك في إبرام المصالحة الجمركية؟
نشير في البداية إلى أن إدارة الجمارك تتمتع بسلطة تقديرية في هذا الإطار حسب أهمية الجريمة ودرجة خطورة المتابع، ويمكنها إما الموافقة على إجراء المصالحة أو متابعة المخالف أمام الجهة القضائية المختصة. وفي جميع الحالات لا تكون مجبرة على تعليل قرارها.
والإدارة عندما تتصالح إنما تمارس نشاطها كسلطة إدارية، ولهذا لا تجوز مراقبتها في استعمالها لسلطتها في الملائمة والتقدير، لأن القول بهذه الرقابة يفتقر إلى السند القانوني ولا فائدة ترجى منه طالما أن من حق الإرادة التنازل عن الدعوى دون مقابل وبدون إجراءات شكلية.
المبحث الثاني: آثـــــــــــار الصلح .
يترتب عن الصلح المبرم والمصادق عليه بصفة قانونية آثار مهمة في مواجهة المتابع من جهة وإدارة الجمارك من جهة أخرى، كما أنه يطرح إشكالات بالنسبة لآثاره في مواجهة الغير.
سوف نحاول الإحاطة بهذا الموضوع بشكل مفصل وذلك بتقسيمه الى مطلبين وذلك من خلال الحديث عن آثار الصلح تجاه الأطراف والسلطة القضائية (المطلب الأول) وآثاره تجاه الغير (المطلب الثاني).
سنحاول من خلال هذا المطلب الحديث عن أثار الصلح تجاه الأطراف في(الفقرة الأولى)على أن نتطرق في (الفقرة الثانية)لأثار الصلح تجاه السلطة القضائية.
الفقرة الأولى : أثار الصلح تجاه الأطراف
يكتسي الصلح المصادق عليه من طرف الجهات المختصة تجاه الأطراف قوة الشيء المقضي به سواء كان هذا الصلح قبل الحكم أو بعده، وتلزم طرفيه وتكون غير قابلة للمراجعة (المواد 1106 و 1112 من قانون الالتزامات والعقود)[18].
فقبل صدور حكم نهائي تترتب عليه انقضاء دعوى النيابة العامة ودعوى الإدارة وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 273 من م.ج الذي جاء فيه "إذا وقع الصلح وصار نهائيا قبل الحكم النهائي ترتب عليه بالنسبة للأطراف المتعاقدة انقضاء دعوى النيابة العامة ودعوى الإدارة...".
فبمجرد إبرام الصلح على وجه صحيح يترتب عليه سقوط الدعوى العمومية بقوة القانون، وبذلك تغل يد المحكمة عن مواصلة الدعوى إذا دفع إليها المتهم بسبق الصلح[19]وقد أكدت ذلك إحدى قرارات محكمة النقض المصرية حيث ذهبت إلى أن الصلح يعد في حدود تطبيق هذا القانون بمثابة نزول الهيئة الاجتماعية عن حقها في الدعوى الجنائية الصلح ويحدث أثره بقوة القانون مما يقتضي من المحكمة إذا ما تم التصالح أثناء النظر في الدعوى أن تحكم بانقضاء الدعوى الجنائية[20].
ونفس الشيء أكدته محكمة النقض الفرنسية سنة 1979 حيث ذهبت إلى أنه " في حالة الصلح المبرم من طرف إدارة الجمارك فإن طلب النقض يكون غير مقبول".
كما جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بتطوان بأنه "وحيث تنتهي الدعوى العمومية بإبرام مصالحه بين الجاني والمتضرر وان قانون الجمارك ينص على ذلك صراحة في ق 273 منه...فإنه تبعا لما ذكر يتعين إلغاء الحكم المستأنف جزئيا فيما قضى به من إدانة المتهمين الأول والثاني من أجل التهمة الموجهة إليهما وتصديا للحكم بسقوط الدعوى بشأنها"[21].
أما إذا وقعت المصالحة بعد صدور حكم نهائي فإنها لا تسقط عقوبة الحبس والتدبير الوقائي (الفقرة 3 من الفصل 273 م.ج) بمعنى أن المصالحة بعد الحكم النهائي تؤدي إلى سقوط جميع العقوبات باستثناء عقوبة الحبس وجميع التدابير الوقائية باستثناء تدبير منع الإقامة بالدائرة الجمركية، وتجدر الإشارة هنا إلى أن المتابع الذي يخضع للإكراه البدني يسترجع حريته بمجرد إبرام المصالحة لأن الإكراه البدني ليس عقوبة سالبة للحرية وإنما وسيلة لتنفيذ العقوبات المالية فيسقط بسقوطها.
وفي هذا الإطار صدرت مجموعة من القرارات لمحكمة النقض الفرنسية، منها قرار 12 ماي 1989 الذي جاء فيه أن حق التصالح المقرر لإدارة الجمارك يؤدي إلى إعفاء كلي أو جزئي من العقوبات المالية قبل أو بعد النطق بالحكم النهائي أما بالنسبة للعقوبات السالبة للحرية فيوقعها طالما لم يصدر حكم نهائي بها.
وهكذا يتبين بأن أثار الصلح يختلف بحسب وقت إبرامه فهو قبل الحكم النهائي يمنع تحريك الدعوى العمومية وبعد تحريكها يوقفه سواء بالمرحلة الابتدائية أو الاستئنافية ما لم يصدر حكم نهائي في النازلة، وبذلك تكون المحكمة قد منحت فرصة للأطراف المتنازعة للوصول إلى اتفاق بينهما قبل الحكم النهائي فقط، أما بعد صدوره فإنه لا يمكن للمتهم التمسك بالصلح المبرم بينه وبين الإدارة لإسقاط العقوبات المقررة متى كانت حبسا أو تدبيرا وقائيا شخصيا.
ونتساءل هنا ما جدوى الصلح بعد الحكم النهائي في الموضوع؟
بما أن أساس الصلح هو مبالغ مالية يؤديها المتهم للإدارة وهي مبالغ يمكن أن تقل أو تساوي مبلغ الغرامات والتعويضات التي قد تحكم بها المحكمة، فإن توصل المتهم لاتفاق مع الإدارة حول هذا المبلغ وكيفية أداءه يسقط حكم المحكمة الذي يقضي به ويكون ذلك أدعى لمصلحة المتهم[22].
وفي نفس الإطار دائما يطرح إشكال عدم أداء مقابل الصلح والمتهم على قيد الحياة بمعنى إذا انعقد الصلح وامتنع المتهم عن تنفيذ التزامه بسداد مقابل الصلح فما هو الحل؟
اختلف الفقه في الإجابة عن هذا التساؤل إلى فريقين، فريق اتجه إلى أنه في هذه الحالة يكون بإمكان الإدارة المطالبة بتنفيذ المصالحة جبرا وذلك بإكراه المتهم على سداد مقابل التصالح أو فسخ التصالح مع التعويض[23].
واتجه الفريق الآخر إلى القول باستعادة النيابة العامة حريتها في تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها لأنه بانتفاء أداء مقابل التصالح ينتفي قيام التصالح[24].
وبرأينا فإن الفريق الأول هو الأولى بالإتباع لأنه ينسجم مع القواعد المقررة في القانون المدني بشأن عقد الصلح، ولأنه في جميع الأحوال فإن الدعوى العمومية سيعاد تحريكها ومتابعتها.
كان هذا بخصوص أثار الصلح تجاه الأطراف فماذا عن آثاره تجاه السلطة القضائية؟
الفقرة الثانية : أثار الصلح تجاه السلطة القضائية.
الصلح الذي يتم مع المخالف للقوانين والتنظيمات الجمركية وإدارة الجمارك، يكون منهي للدعوى متى تم قبل الحكم النهائي ويؤدي إلى سقوطها فيما يخص العقوبات المالية والغرامات، أما إذا تم بعد الحكم النهائي فإن أثره لا يمتد إلى الدعوى العمومية التي تبقى قائمة. ولا تسقط عقوبة الحبس والتدبير الوقائي الشخصي ، وهو ما يعتبره البعض مسا بقوة القضية المحكوم فيها، وأمر يخالف مبدأ فصل السلطان[25].
ليس للصلح أي آثر في مواجهة الغير من مشاركين ومساهمين. ذلك أن وجود الصلح مع أحد المشاركين لا يمنع المحكمة من الحكم على باقي المشاركين بالعقوبة المستحقة لهم، وذلك طبقا لمقتضيات الفقرة الاولى من الفصل 276 من (م.ج) التي نصت على أنه "تلزم المصالحة التي أصبحت نهائية طبقا لأحكام ف 273 أعلاه، الأطراف بكيفية لا رجوع فيها ولا يمكن أن يقدم بشأنها أي طعن ولا يسري آثرها على الأطراف غير المتعاقدة مع مراعاة أحكام ف 2 من ف 217 أعلاه".
فهذا المقتضى ناتج عن الطبيعة العقدية للصلح وما يستتبع ذلك من خضوعه لمبدأ نسبية العقود المطبق في القانون المدني بحيث لا ينتج الصلح آثاره سوى في مواجهة المتعاقدين ولا يمتد إلى الغير الأجنبي عنها[26].
لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن آثار الصلح في مواجهة الغير تختلف بحسب ما إذا تم الصلح قبل أو بعد صدور حكم نهائي.
فالصلح الذي تم قبل صدور حكم نهائي يبقى الغير الأجنبي عنها بعيدا غير خاضع لأثاره طبقا لمقتضيات الفصل 276 من م.ج السالف ذكره مع مراعاة الفصل 217 الذي ينص على أنه يجب الحكم بمجموع مبلغ العقوبات المالية المستحقة دون أن يخصم منه مبلغ الصلح المبرم مع الشركاء في المخالفة والمتواطئين معهم.
أما إذا أبرم الصلح بعد صدور الحكم النهائي فإن الأمر يختلف، ذلك انه حسب مقتضيات المادة 213 من م .ج جميع الأشخاص المحكوم عليهم من أجل ارتكابهم نفس الغش أو من أجل جنح او مخالفات جمركية مرتبطة يلزمون على وجه التضامن بالمصادرات أو المبالغ التي تقوم مقامها وكذا الغرامات والمصاريف.
وطالما أن كل المتابعين ملزمون بالعقوبات المالية على وجه التضامن فإنهم ملزمون أيضا بمبالغ الصلح خاصة إذا علمنا أنها تكون عادة أقل منها[27].
ونشير هنا إلى أن الإدارة يبقى من حقها مراجعة باقي المتهمين أما بتخفيض الدين أو الغرامة إذا كان المبلغ الذي وقع التصالح بشأنه أقل من الحصة المكتتب بشأنها، أو إعفاء أحد المشاركين من التضامن إذا كان المبلغ الذي أداه يفوق حصته[28].
لكن إذا وقع الصلح مع أحد الشركاء، وأحيل الباقي على القضاء فإنه ليس لهؤلاء المخالفين أو المتابعين أن يتمسكوا بالصلح، الذي أبرم مع شريكهم والذي أدى بمقتضاه المبلغ، ولا يمكن إعفاؤهم بسبب الصلح المذكور.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن حق الصلح ليس قاصرا على صاحب البضاعة فقط أو من وجدت في حوزته، بل تمتد للغير (الناقل، المصرح، المعشر) ويمكن لهؤلاء إبرام الصلح مع الإدارة، والرجوع على المالك باسترجاع المبلغ المتصالح بشأنه والصائر إذا لم يتعمدوا القيام بالمخالفة، وكان المالك قد أخفى الحقيقة أما إذا ثبت تعمدهم القيام بالمخالفة فلا حق لهم في ذلك.
وإذا اشترط عقد الصلح مصادرة البضائع التي حجزت لفائدة إدارة الجمارك فإن آثار نقل الملكية تسري في حق المالكين الأصليين ولا يمكن لهم الحصول عليها نهائيا لأنها قد قام بشأنها صلح بين الإدارة والناقل أو الإدارة والمعسر[29].
ويطرح تساءل بخصوص الكفيل، هو هل يلتزم الكفيل قبل إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بأداء مقابل الصلح؟ وهل يكون ذلك في حالة الموافقة على الصلح أو حتى إذا لم يكن لديه علم بها؟
القانون الجمركي لا يقدم إجابة واضحة على هذا الأشكال لكن بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 230 من م.ج، التي تلزم الكفلاء بقدر ما تلزم الملتزمين الرئيسيين بأداء الرسوم والمكوس والعقوبات المالية[30]، يمكن القول بالقياس على هذا أن الكفيل يعد مسؤولا حتى على المصالحة دون أن يشترط فيه موافقته عليها أو علمه بها.
وهذا ما يحدث من الناحية العملية ذلك أن الإدارة تحرص دائما على التعامل مع مليئي الذمة ولهذا فإنه في كل مرة يثبت فيها عجز المدين الرئيسي تتجه للكفلاء.
تساءل آخر يطرح نفسه هنا وهو ما العمل إذا توفي مرتكب المخالفة الذي أبرم المصالحة مع إدارة الجمارك دون أن يؤدي ما يجب عليه أداؤه لفائدتها بمقتضى هذه المصالحة؟
طبقا لمقتضيات ف 265 يكون من حق إدارة الجمارك في هذه الحالة استخلاص دينها بمقتضى عقد المصالحة في مواجهة الخلف العام للهالك.
خاتمة:
وانطلاقا من ماتقدم نختم في الأخير بالقول بأن المصالحة كإجراء إداري من اختصاص إدارة الجمارك وضعه المشرع في متناول مرتكب الجريمة الجمركية ليتمكن من مطالبتها بتسوية الجريمة دون اللجوء إلى القضاء، وهو أفضل حل للطرفين سواء الإدارة أو مرتكب المخالفة لما لها من فوائد تعود عليهما معا.
ولاكن قد تبطل المصالحة الجمركية لتخلف شرط من شروط مشروعيتها وهذه الشروط اما :
- عدم الاختصاص: ولذلك لابد أن يجريها المدير العام للإدارة أو وزير المالية كما لا تقبل المصالحة التي يكون الطرف الاخر ناقص الاهلية
- عيوب الرضي: تبطل المصالحة اذا شابها عيب من عيوب الرضي (الإكراه – الغلط – التدليس .)
لائحة المراجع
الكتــــــــــــــــــــــــب:


الأطروحـــــــات والــــــرسائل:



الفـــــــــــــــــــــهرس
مقدمـــــــة........................................................................3
الفقرة الأولى: شكل الصلح....................................................8
الفقرة الثانية: مضمون الصلح................................................9
المبحث الثاني: أثار الصلح..........................................................11
المطلب الأول: أثار الصلح اتجاه تجاه الأطراف والسلطة القضائية.........11
المطلب الثاني: أثار الصلح تجاه الغير............................................15
[1] - نقض جنائي الطعن رقم 919/33 في 16/12/1963 س 14 ص 927 أشارت إليه ريمان عزيزة في المنازعات الجمركية، تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة،قانون الأعمال جامعة الحسن الثاني،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-عين الشق-الدار البيضاء ص 36.
[2] -.ريمان عزيزة في المنازعات الجمركية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة،قانون الأعمال جامعة الحسن الثاني،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-عين الشق-الدار البيضاء السنة الجامعية 1999-2000 ص 37.
[3] - عبد الوهاب عافلاني،"القانون الجنائي الجمركي"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، قانون الأعمال جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء عين الشق 2000-2001 ص 211.
[5] - ينص الفصل 274 من م.ج على " لا تصبح المصالحة نهائية إلا بعد المصادقة عليها من طرف الوزير المكلف بالمالية أو من طرف مدير الإدارة وتلزم حينئذ الأطراف بكيفية لا رجوع فيها ولا يمكن أن يقدم بشأنها أي طعن .
[7] - امحمد برادة غزيول،مدونة وتنظيمات الجمارك والضرائب غير المباشرة ،مطبعة المعارف الجديدة،الرباط،الطبعة الثانية 2000 ص 258.
[9] - محمد الشلي،"المصالحة في التشريع الجنائي المغربي"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ،جامعة السويس الرباط سنة 1997-1998 ص 36.
[11] -تنص المادة 322 من مدونة الجمارك على أن "انجاز عقد المصالحة ينبغي أن يكون مكتوب على ورق مدموغ في عدد من النسخ الأصلية يعادل عدد الأطراف الذين لهم مصلحة مستقلة فيها"
[12] - محمد عبد الله عمر- التشريع الجمركي والمنازعات القضائية، مؤسسة شباب الجامعة،الاسكندرية بدون طبعة ص 198.
[25] - محمد مرزاق+ عبد الرحمان أيليلا، النظام القانوني للمنازعات الجبائية بالمغرب،طبعة الاولى مطبعة الامنية،الرباط ص 152.
[30] - تنص المادة 230 من م.ج. "يلزم الكفلاء بقدر ما يلزم الملتزمون الرئيسيون بأداء الرسوم والمكوس والعقوبات المالية وغيرها من المبالغ الواجبة على الملزمين الذين كفلوهم".
شاركنا بتعليقك...