من خلال المحاضرة السابقة التي تحدثنا عن مفهوم النيابة(راجع المحاضرة من هنا) نتابع محاضرتنا اليوم من خلال التكلم عن اختصاصات النيابة العامة.
اختصاصات النيابة العامة.
تطبيقا لأحكام المواد 36-29-1 من قانون الإجراءات
الجزائية ، فان الاختصاص الأساسي للنيابة العامة باعتبارها طرفا أصيلا في تشكيل
الهيئات القضائية الجزائية حيث تمثل في كل هيئة جنائية - هي وظيفة الاهتمام بوجه عام ابتداءا بقيامها بتحريك الدعوى العمومية و
مباشرتها فتنص المادة الأولى في فقرتها
الأولى : " الدعوى
العمومية لتطبيق العقوبات يحركها و
يباشرها رجال القضاء و الموظفون المعهود
إليهم بمقتضى القانون ، " و تنص المادة 29 من قانون الإجراءات الجزائية " تباشر النيابة العامة الدعوى العمومية باسم المجتمع و تطالب
بتطبيق القانون ، و هي تمثل أمام كل جهة قضائية " ، و تنص
المادة 36 منه على أنه
:" يقوم وكيل
الجمهورية :
-
بتلقى المحاضر و الشكاوي و البلاغات و يقرر بشأنها،
-
يباشر بنفسه أو يأمر باتخاذ جميع إجراءات اللازمة للبحث و التحري عن الجرائم المتعلقة بقانون
العقوبات،
-
يدير نشاط ضباط الشرطة القضائية في دائرة اختصاص المحكمة و يراقب تدابير
الوقف للنظر،
-
و يبلغ الجهات القضائية المختصة بالتحقيق أو المحاكمة لكي تنظر فيها أو
تأمر بحفظها بقرار قابل دائما للإلغاء ،
-
و يبدي أمام تلك الجهات القضائية ما يراه
لازما من الطلبات
-
و يطعن عند الاقتضاء في القرارات التي تصدرها بكافة طرق الطعن القانونية ،
-
و يعمل على تنفيذ قرارات التحقيق و جهات الحكم ."
و
يتحدد نطاق اختصاص عضو النيابة و مجاله بدرجة عضوها في سلم هيكلة النيابة العامة
أو هرمها ، فتتفاوت إختصاصات كل عضو فيها بحسب تفاوت درجاته فالنائب العام مثلا
يمثل النيابة العامة على مستوى المجلس القضائي و مجموع المحاكم التابعة له حيث
يشرف على مجموع أعضاء النيابة العامة على مستوى ذلك المجلس ، فيباشر الإجراءات بنفسه أو يعهد بها إلى أحد
مساعديه ، فيباشر كل منهم – النائب المساعد الأول ، النواب العامين المساعدين .
وكلاء الجمهورية ، وكلاء الجمهورية المساعدون – وظيفة المتابعة و الاتهام في حدود
اختصاصه الإقليمي و النوعي تحت إشراف النائب العام، و يحتل وكيل الجمهورية
باعتباره أحد مساعدي النائب العام على مستوى المحكمة مركزا هاما في جهاز النيابة العامة ، بحيث يعتبر
نقطة انطلاق لوظيفة الاتهام بوجه عام ،
فيمارسها وفقا لأحكام المادتين 29-1 من قانون إجراءات الجزائية ، بالإضافة إلى هذه
الوظيفة - المتابعة و الإتهام – فإن
النيابة العامة تلعب دورا مهما في ممارستها لعملها بأن خولها القانون مجموعة
إختصاصات عبر المراحل الإجرائية المختلفة
.
1-
إدارة مرحلة البحث و التحري :
تتولى
النيابة العامة إدارة و الإشراف على جهاز الضبطية القضائية ، فتنص المادة 2-12 من قانون الإجراءات الجزائية: " و يتولى وكيل الجمهورية إدارة الضبط القضائي و
يشرف النائب العام على الضبط القضائي
بدائرة إختصاص كل مجلس قضائي و ذلك تحت رقابة غرفة الاتهام بذلك المجلس" ، و تنص المادة 36 من قانون
الإجراءات الجزائية : " يدير نشاط
ضباط الشرطة القضائية في دائرة إختصاص المحكمة و يراقب تدابير التوقف للنظر." و عليه يمارس وكيل الجمهورية إدارة الضبط القضائي على مستوى
المحكمة تحت إشراف النائب العام على مستوى المجلس القضائي ، و تبدو مظاهر هذه
الإدارة الإشراف ، أن رجال الضبط القضائي.
يقومون بتبليغ وكيل الجمهورية بكل ما يصل إليهم
من معلومات عن الجريمة بواسطة الشكاوي و
البلاغات ، بالإضافة إلى ذلك فإن حضور وكيل الجمهورية مكان الحادث يرتب رفع الضابط
يده عن البحث و التحري عن الجريمة المتلبس بها ، التي انتقل لمعاينتها و يعود
اختصاص لوكيل الجمهورية الذي له سلطة مباشرة الإجراءات بنفسه أو تكليف الضباط
بمتابعة الإجراءات فتنص المادة 56 من قانون
الإجراءات الجزائية على رفع يد ضابط الشرطة القضائية عن التحقيق بوصول وكيل
الجمهورية إلى مكان الحادث ، و يقوم هذا الأخير بإتمام جميع أعمال الضبط القضائي المنصوص عليها في
القانون ، و يسوغ له أن يكلف ضابط الشرطة القضائية بمتابعتها .
و تبدو مظاهر
الإدارة والإشراف أكثر أن السلطة التصرف
في نتائج البحث و التحري بوجه عام ،
من اختصاص السلطة التي تباشر صلاحية الإدارة و الإشراف الممثلة في النيابة العامة
، إذ أن ضابط الشرطة عند انتهائه من عمله و تحريره محاضر الاستدلال بما قام به ،
يقوم بإرسالها لوكيل الجمهورية الذي يعود
له وحده الاختصاص في اختيار الإجراء المناسب – عملا بسلطة الملائمة – بين تحريك
الدعوى العمومية بصفة عامة و بين الأمر
بحفظها ، بل إن القانون نفسه يقرر أن قاضي التحقيق رغم ما يقرره له القانون من
سلطة في مجال البحث و التحري في الجرائم المتلبس بها و حقه في اتخاذ جميع
الإجراءات المقررة قانونا بنفسه أو بتكليف الضابط بذلك ، تقرر له هذه السلطة عن
عدم حضور وكيل الجمهورية فإذا كان هذا الأخير حاضرا فإن قاضي التحقيق يرفع يده عن
القضية لغاية أن يطلب منه وكيل الجمهورية فتح تحقيق في الموضوع ، فتنص المادة 60 من قانون
الإجراءات الجزائية " و إذا وصل
وكيل الجمهورية و قاضي التحقيق إلى مكان الحادث في آن واحد جاز لوكيل الجمهورية أن
يطلب من قاضي التحقيق الحاضر إفتتاح تحقيق قانوني. " .
-
في مرحلة التحقيق :
تلعب النيابة العامة
دورا مهما في مرحلة التحقيق : فهي الجهة التي تختار القاضي المحقق في الموضوع الذي
تعرضه على قضاء التحقيق ، فتنص المادة 70 من قانون الإجراءات الجزائية " إذا وجد
بإحدى المحاكم عدة قضاة تحقيق فإن وكيل الجمهورية يعين لكل تحقيق القاضي الذي يكلفه بإجرائه " و إذا كان وكيل الجمهورية
يملك حق اختيار قاضي التحقيق الإجراء التحقيق ، فإنه لم يعد يملك سلطة تنحيه قاضي التحقيق عن القضية بتعديل حكم
المادة 71 من قانون
الإجراءات الجزائية بالقانون 08-01 التي نقلت
الاختصاص لرئيس غرفة الاتهام ، و خولت لوكيل الجمهورية فقط تقديم طلب التنحية متى
رأى داع لذلك ، فتنص " يجوز لوكيل الجمهورية أو المتهم أو الطرف المدني ، لحسن سير
العدالة ، طلب تنحية الملف من قاضي التحقيق
لقاضي آخر من قضاة التحقيق "، " يرفع طلب التنحية بعريضة
مسببة إلى رئيس غرفة الاتهام و تبلغ إلى
القاضي المعني الذي يجوز له تقديم ملاحظاته الكتابية " ، " يصدر رئيس غرفة الاتهام قراره في ظرف 30 يوما من
تاريخ الطلب بعد إستطلاع رأي النائب العام
، و يكون هذا القرار غير قابل لأي طعن ".
و لوكيل الجمهورية الحق في أن
يطلب من قاضي التحقيق أي إجراء يراه لازما
لإظهار الحقيقة ، فتنص المادة 1/69 من ق. إ. ج : " يجوز لوكيل
الجمهورية سواء في طلبه الإفتتاحي لإجراء التحقيق أو بطلب إضافي في أية مرحلة من
مراحل التحقيق أن يطلب من القاضي المحقق كل إجراء يراه لازما لإظهار الحقيقة ... " ، فإذا لم يجبه قاضي
التحقيق لطلباته أو تراءى لوكيل الجمهورية
نقصا في الإجراءات ، فله حق الطعن لدى غرفة الاتهام أو الانتظار لحين انتهاء
التحقيق ،فتنص المادة 170 من قانون الإجراءات الجزائية لوكيل الجمهورية الحق في أن يستأنف أمام غرفة
الإتهام جميع أوامر قاضي التحقيق . "
النيابة العامة كجهة للتحقيق :
إذا كان
القانون الجزائري قد خول النيابة العامة سلطة المتابعة و الاتهام فإنه خولها أيضا سلطة التحقيق في حدود معينة استثناء
من الأصل العام و هذا يعني امتناع
مباشرتها لأي إجراء من إجراءات التحقيق ما لم ينص القانون صراحة على ذلك و هي سلطة
– أي التحقيق استثناء – أوكلت للنيابة للعامة بسبب أن قاضي التحقيق لم يخطر بعد
بالقضية أو بعبارة أخرى أن يضع يده عليها كالحالات المقررة في التلبس أو لعدم طلب
وكيل الجمهورية منه فتح تحقيق و إما لعدم وجود قاضي التحقيق ، فاستدعت ظروف الحال
تدخل وكيل الجمهورية عملا على عدم ضياع الحقيقة بتخويله سلطة مباشرة بعض إجراءات
التحقيق.
- أولا : إصدار الأمر بالإحضار : يجوز لوكيل الجمهورية في الجنايات و الجنح المتلبس
بها المعاقب عليها بالحبس إذا لم يكن قاض التحقيق قد أبلغ عنها أن يصدر أمرا
بإحضار كل من يشتبه في مساهمته في جريمة و يقوم باستجوابه بحضور محاميه من حضر معه
و هو ما تقرره المادة 110 من قانون
الإجراءات الجزائية في فقرتها الثالثة و المادة
58 ق.إ.ج.
- ثانيا : الأمر بالإيداع في الحبس :
يجوز لوكيل الجمهورية الأمر بحبس
المتهم بجنحة متلبس بها المعاقب عليها
بالحبس : طبقا لحكمي المادتين 338-59 ق.إ.ج إذ لم يستطع المتهم تقديم الضمات الكافية على
حضور ، و نلاحظ أن هذا الحبس الذي يأمر به وكيل الجمهورية لا يمكن أن نطلق عليه
مصطلح الحبس المؤقت لأن هناك فرقا جوهريا بينهما ، فهذا الأخير أحاطه القانون
بمجموعة من الضمانات القانونية قررت للمتهم ، من أهمها ضمانة جهة التحقيق و هو أن
يأمر به قاضي التحقيق أو غرفة الإتهام ،
في حين أن الحبس المخول لوكيل الجمهورية يخلو من أي ضمانة كانت ، لأن المأمور
بحبسه يعتبر مشتبها فيه فقط و يأمر وكيل الجمهورية بحبسه لمحاكمته في الآجال
القانونية ، و يشترط في الأمر به الشروط التالية :
1- أن لا يكون قاضي التحقيق المختص قد أخطر بالحادث ، لأنه
في هذه الحالة يصبح الأمر بالإحضار من اختصاصه هو وحده.
2- أن لا تكون
الجنحة المعاقب عليها بعقوبة الحبس ، و المأمور للحبس بسبها من جنح الصحافة
أو الجنح ذات الطبيعة السياسية ، أو تلك الجنح التي يشترط القانون
في المتابعة بشأنها إجراءات تحقيق خاصة .
3- أن لا يكون
المتهم المأمور بحبسه من الأحداث الذين لم يبلغوا سن الرشد الجنائي المحدد
ب 18 سنة كاملة .
4- أن لا يكون المتهم من الأشخاص المعرضين لحكم الاعتقال .
5- أن لا تتجاوز مدة الحبس الذي يأمر به ثمانية أيام ، إذ
على وكيل الجمهورية تحديد جلسة للنظر في القضية خلالها .
ثالثا :
الانتقال إلى مكان الحادث.
يجوز لوكيل الجمهورية أيضا
لانتقال إلى مكان الحادث في حالة العثور
على جثة شخص يجهل سبب وفاته ، أو الإشتباه في وفاته لإجراء المعاينات اللازمة ، و
له في صدد ذلك أن يصطحب معه من الأشخاص
المؤهلين كالأطباء الشرعيين القادرين على تقدير ظروف الوفاة و تحليفهم اليمين
القانونية على أن يبدو رأيهم بما يمليه عليهم ضميرهم و شرف المهنة ، كما له سلطة
ندب ضابط الشرطة القضائية المختص لمثل هذا الغرض ، طبقا للفقرتين الثانية و
الثالثة من المادة 62 من ق.إ.ج .
رابعا : إبداء الرأي في المسائل المحددة.
بموجب القانون قاضي التحقيق
قبل المبادرة باتخاذ بعض لإجراءات ، أن يستطلع رأي النيابة العامة ممثلة في وكيل
الجمهورية ، كاستطلاع قاضي التحقيق رأي وكيل الجمهورية قبل الأمر بالقبض على
المتهم الفار من العدالة : أو غير المقيم في الجزائر ، المتهم بجناية أو جنحة
معاقبة عليها بالحبس طبقا للمادة 119 / 2من ق.إ.ج ، و استطلاع رأي وكيل الجمهورية في
تمديد مدة الحبس المؤقت طبقا للفقرة الثانية من المادة 125 و المادة
1/125 من ق.إ.ج ، و استطلاع رأيه في بطلان إجراء من
إجراءات التحقيق منى رأى أنه مشوب بعيب
البطلان قبل رفع الأمر لغرفة الإتهام للقضاء ببطلانه
المادة 158 من ق.إ.ج .
بإضافة لذلك فإن قانون الإجراءات
الجزائية في تفتيش مسكن المتهم بجناية خارج الميقات القانوني المنصوص عليه في
المادة 47 من ق.إ.ج ،
يوجب حضور وكيل الجمهورية مع قاضي التحقيق عملية التفتيش كشرط لصحة التفتيش و
مشروعيته.
– في مرحلة المحاكمة :
تتمتع النيابة العامة بسلطات
هامة أثناء النظر الدعوى العمومية أمام القضاء الجنائي ، فهي الجهة التي ترسل ملف
الدعوى و أدلة الاتهام إلى قلم كتاب المحكمة المادة 269 من ق .إ.ج ، و لها صلاحية توجيه الأسئلة مباشرة
للمتهمين و الشهود المادة 288 من ق.إ.ج ، و لها تقديم ما تراه لازما من طلبات
أمام جهات الحكم ، و على هذه الأخيرة أن تمكنها من إبداء طلباتها و التداول بشأنها
طبقا للمادة 289 من ق.إ.ج ، و للنيابة حق النعي بالطعن بالإستئناف و النقض في الأوامر و الأحكام و القرارات
الجزائية ، بحسب ما يقرره القانون في المواد 497-495-420-417 ... من ق.إ.ج .
اختصاصات أخرى.
إذا كانت النيابة العامة تمارس وظيفة المتابعة و الاتهام كقاعدة عامة
باعتبارها صاحبة الاختصاص ، إلا أن هذا لم
يمنع المشرع الجنائي من إعطائها صلاحية مباشرة بعض الاختصاصات الأخرى ،ينص عليها قانون الإجراءات الجزائية .
أولا : المساهمة في تشكيل جهات الحكم.
إن المبادئ الأساسية في تنظيم القضاء الجنائي أن تمثل
النيابة العامة في جميع جهات الحكم ، بحسب الاختصاص النوعي و بالتالي فإن
جهات الحكم تفقد تشكيلها الصحيح إذا تخلف
منه عضو النيابة العامة ، بل إن تخلف ممثل النيابة عن إحدى جلساتها يفقد تشكيل
المحكمة صحته و يترتب البطلان على ذلك ، فتنص المادة 29 من ق.إ.ج " تباشر النيابة العامة الدعوى العمومية باسم المجتمع و تطالب
بتطبيق القانون ، و هي تمثل أمام كل جهة قضائية ، و يحضر ممثلها المرافعات أمام
الجهات القضائية المختصة بالحكم و يتعين
أن ينطق بالأحكام في حضوره" .
ثانيا : تنفيذ الأحكام الجزائية :
تنص المادة 29 ق.إ.ج على أنه " ... كما
تتولى العمل على تنفيذ أحكام القضاء و لها في سبيل مباشرة وضيفتها أن تلجأ للقوة
العمومية كما تستعين بضباط و أعوان الشرطة القضائية " ، و تنص المادة 36 ق.إ.ج أيضا
على اختصاص النيابة العامة بملاحقة تنفيذ قرارات التحقيق و جهات الحكم ، فتنص " ... و يعمل – أي وكيل الجمهورية – على تنفيذ قرارات التحقيق و
جهات الحكم ..." ، فتنص المادة 2/8 من قانون
تنظيم السجون و إعادة تربية المساجين على أنه " تختص النيابة العامة دون سواها بملاحقة تنفيذ
الأحكام الجزائية و إن الملاحقات الرامية لتحصيل الغرامات أو مصادرة الأموال يقوم
به على وجه الترتيب قابض الضرائب أو سلطة أملاك الدولة بطلب من النيابة العامة " ، و في مباشرة النيابة العامة لوظيفة تنفيذ الأحكام يحق لها
الاستعانة بالقوة العمومية ، فتنص الفقرة الثالثة من المادة8 من القانون السابق على أنه " يحق للنائب العام و وكيل الجمهورية أن يطلبا مباشرة القوة
العمومية لتنفيذ الأحكام الجزائية " .
شاركنا بتعليقك...