انقضاء الالتزام دون الوفاء بھا في القانون الوضعي و الفقه الإسلامي في جزیرة العرب مطلع القرن السابع للمیلاد
من خلال الدراسة المقارنة بين القانون الوضعي والفقه الإسلامي التي قمت
بها في هذا البحث الخاص بالإبراء، واستحالة التنفيذ، والتقادم المسقط اتضحت لي
بعض الاستنتاجات أذكرها في النقاط الآتية:
1-الإبراء تصرف قانوني يتم بإرادة منفردة للدائن، وهو وصف مأخوذ من
الفقه الإسلامي إذ أنه لا يتوف على قبول المدين إلا أنه يرتد برده.
2-الإبراء تصرف تبرعي محض من طرف الدائن، ولذلك تطبق عليه
أحكام التبرع الموضوعية، أما من حيث الإثبات فيخضع للقواعد العامة في
الإثبات.
3-لا يشترط في الإبراء شكل خاص حتى ولو وقع على التزام يشترط
لقيامه توافر شكل فرضه القانون أو اتفق عليه المتعاقدان،
4-يترتب على الإبراء انقضاء الالتزام، وبالتالي تنقضي التأمينات التي
كانت له، سواء كانت تأمينات عينية أو شخصية، أما إذا اقتصر الإبراء على
التزام الكفيل فلا تبرأ ذمة المدين، لأن الأصل لا يأخذ حكم الفرع.
5-الاستحالة المؤدية للانفساخ هي التي تقع بعد انعقاد العقد صحيحا، لا
قبله ولا أثناءه، وهذه الاستحالة قد تكون موضوعية أو شخصية، مطلقة أو نسبية،
دائمة أو مؤقتة، قانونية (شرعية) أو مادية.
6-الاستحالة المؤدية للانفساخ هي التي تكون راجعة لسبب أجنبي، لا يد
للعاقد فيها، بحيث لا يمكن توقعها ولا دفعها، وتتمثل صور السبب الأجنبي في
القوة القاهرة (الآفة السماوية) والحادث الفجائي، وخطأ الدائن، وخطأ الغير.
230
7-الانفساخ المترتب على استحالة التنفيذ ينتج عنه زوال العقد أو انقضاؤه
بأثر رجعي مما يؤدي إلى براءة ذمة العاقد المدين، ومن ثم إلى انتفاء المسؤولية
عنه.
8-من أهم آثار الانفساخ المؤدي إلى استحالة التنفيذ مسألة تحمل تبعة
الهلاك، ففي النظام القانوني يتحمل المدين تبعة الهلاك إذا كان العقد من العقود
الملزمة للجانبين، بينما يتحمل الدائن تبعة الهلاك إذا كان العقد ملزما لجانب واحد.
أما في الفقه الإسلامي، فالأمر يختلف، فإذا كانت يد العاقد على المعقود
عليه وقت هلاكه يد ضمان وذلك عند حيازته للمعقود عليه لمصلحة نفسه، فإنه
هو الذي يتحمل تبعة الاستحالة، أما إذا كانت يد العاقد على المعقود عليه وقت
حدوث هلاكه فتعتبر يد أمانة، وذلك عندما يكون حائزا للمعقود عليه لمصلحة
غيره.
9(إن القانون المدني الجزائري حذا حذو القوانين اللاتينية كالقانون المدني
الفرنسي التي أخذت بنظام التقادم المسقط الذي كان معمولا به في القانون
الروماني، على عكس الشريعة الإسلامية التي عرفت نظاما آخر وهو عدم سماع
الدعوى لمضي الزمن.
10(إن أساس التقادم المسقط حسب ما يبدو أنه لا يقوم على قرينة الوفاء
أكثر مما يقوم على وجوب احترام الأوضاع المستقرة التي مضى عليها من الزمن
ما يكفي للاطمئنان لها، عكس الشريعة الإسلامية التي تحرص عل سد باب الغش
والتزوير ومحاولة وضع حد للأطماع الفاسدة.
11(القاعدة العامة هي أن جميع الدعاوى تسقط بالتقادم الطويل المنصوص
عليه في المادة 308 مدني جزائري التي جاءت على سبيل المثال وليس على
سبيل الحصر إلاّ في حالة وجود نص خاص أو الاستثناءات الواردة عن نص
المادة السالفة الذكر، وإذا كانت هناك حقوق تتقادم بمدة خاصة بموجب نصوص
231
تشريعية، وجب تفسيرها تفسيرا ضيقا، أما في الفقه الإسلامي فالأمر يختلف إذ قد
تصل المدة إلى ثلاث وثلاثين سنة في بعض الدعاوى كدعوى الإرث.
12(وأخيرا، ألاحظ أنه في جميع الأحوال يترتب عل انقضاء الالتزام
بالتقادم نشوء التزام طبيعي في ذمة المدين، محله هو نفس محل الالتزام
المنقضي، فإذا قام المدين بالوفاء بهذا المحل، فإنه لا يكون متبرعا، بل موفيا
بالتزام عليه، ولا يجوز له أن يسترد ما وفاه ما دام عالما وقت الوفاء بأنه غير
مجبر عليه، وعلى المشرعين والفقهاء أن ينهجوا نهج رأي فقهاء الشريعة
الإسلامية الرامي إلى فرض سماع الدعوى وإلزام المدين بالوفاء في حالة إقراره
بالرغم من سقوط الحق بالتقادم، وهذا ما كان على المشرع الجزائري الأخذ به
لأن هذا الرأي أقرب إلى الحق والعدل، وأكثر إنصافا.
شاركنا بتعليقك...