-->
علوم قانونية وادارية علوم قانونية وادارية

اخر المواضيع

جاري التحميل ...

القانون الدولي المعاصر وتطبيق الوسائل السلمية

القانون الدولي المعاصر وتطبيق الوسائل السلمية
(إسرائيل والقانون الدولي)نموذجا
أ:سمرأبوركبة

مقدمه

عرفت الإنسانية عبر تاريخها الطويل وسائل عديدة لتسوية المنازعات بالطرق السلمية، إذ لم تكن الحرب الوسيله الوحيدة لفض المنازعات بين الدول والشعوب على الرغم أن التاريخ يعطينا صوره قاتمه عن الصراعات والحروب التى خاضها الانسان ضد اخيه الانسان، الا ان البشرية وحضارات الشرق القديمه مصر والعراق، وجددت العديد من الوسائل التى سعت من خلالها الى تفادي الحرب وتسوية الخلافات عن طريق المفاوضات وعقد الاتفاقيات.

وفي معالجتنا لتطور الوسائل السلمية لفض المنازعات في القانون الدولى قسمنا الدراسة إلى خمسة فصول تناولنا في الفصل الاول تاريخ تطور الوسائل السلمية منذ العصور القديمة وحتى الان، اما في الفصل الثاني فخصصناه للوسائل السلمية لفض المنازعات في القانون الدولي المعاصر من دبلوماسية وسياسية وقضائية وزجرية وتحدثنا بالتفصيل عن المفاوضه والوساطه والمساعى الحمية والتوفيق والتحقيق والتحكيم. أما الفصل الرابع فخصصناه للحديث عن دور المنظمات الدولية فى حل النزاعات بالطرق السلمية وتحدثنا بالتفصيل عن هيئة الامم المتحدة وبالذات مجلس الامن والجمعية العامة ودورهما في حل النزاعات بالطرق السلمية. اما الفصل الخامس والاخير فتكلمنا عن دور المنظمات الاقليمية في حل النزاعات واخترنا جامعة الدول العربية كمثال على ذلك.وفي النهاية ومن خلال عرضنا للوسئل السلمية وتطورها عير التاريخ وحتى عصرنا الحاضر يمكن القول ان هذه الوسائل شهدت تطورا كبيرا، ولكن في نفس الوقت شهدت فيه الحروب وادواتها تطور اكبر، بل انه اصبح لاول مره بامكان دوله معينه من الدول النووية ان تضع حدا للحياة البشرية على كوكب الارض نتيجه لحدوث صراع معين او بسبب وجود زعيم ديكتاتوري مجنون او بسبب خلل بشرى يمكن ان يقع في ايه لحظه. من هذا الواقع المخيف فانه مطلوب من المجتمع الدولى وعقلاء هذا العالم ان يبدلوا جهود كبيره لتلافي مثل هذا اليوم الذي يمكن ان يقع في ايه لحظه، وبالتالى فانه لم يعد المهم تطبيق هذه الوسائل بل لا بد من ابتكار وسائل جديده تتماشى مع حجم التحديات التى تواجهها الانسانية.

الفصل الأول
تطور الوسائل السلمية عبر التاريخ

لم تكن الحرب في الماضي والحاضر الطريقة الوحيدة لمعالجة النزاعات بين الدول، إذ عرفت الإنسانية وسائل يمكن ان نعدها سلمية منذ أن سطر التاريخ صفحاته الأولى إلى يومنا هذا، وقد أعطت ثمارا لا سيما عندما كانت النوايا حسنة. وقد تمسك واضعو ميثاق الامم المتحدة بهذه الوسائل السلمية.

العصور القديمة : ان الاتصال بين الشعوب القديمة لم يكن قاصرا على ميدان القتال والغزو، بل كانت هناك بين الكثير منها علاقات سلمية ويقدم التاريخ أكثر من دليل على قيام علاقات دولية في العصور القديمة وعلى وجود بعض قواعد كانت تخضع لها هذه العلاقات. وقد سجل المؤرخون بعض أمثلة لمعاهدات تحالف وصداقات عقدت وقتئذ، كما أبرموا الكثير من معاهدات الصلح التى أنهت الحروب العديدة التى كانت تلك العصور مسرحاً لها. فهناك معاهدة تحالف أبرمت في القرن الثالث عشر قبل الميلاد بين رمسيس الثاني فرعون مصر وخاتيسار امير الحيتيين، ومعاهدة صداقة وعدم اعتداء بين بعض بلدان الشرق القديمة .

عصر الاغريق : تميزت العلاقات في زمن الاغريق (اليونان) بصورتين هما: العلاقات القائمة بين المدن اليونانية نفسها، والعلاقات بين اليونان والشعوب الاخرى، فقد كانت بلاد اليونان تتشكل من مدن - دول، وكل منها تتمتع باستقلالها، وهذا ما ادى الى قيام بعض القواعد التي تنظم علاقات هذه المدن زمني الحرب والسلم، كاعلان الحرب قبل بدئها وتبادل الأسرى وحرمة اللجوء الى اماكن العبادة. اما علاقة اليونانيين بالشعوب الاخرى فكانت تقوم على العداء وحب السيطرة انطلاقاً من نظرة الاستعلاء، والاعتقاد بتفوق حضارتهم على بقية الشعوب.

الامبراطورية الرومانية

كانت روما في نشأتها_ كما اليونان- دولة مدينة ولكنها كانت مهددة تهديداً مستمراً بغزو الدول المجاورة، فلم تجد بداً من انتهاج سياسة القوة ودأبت على الغزو والفتح . وهنا لا يختلف الرومان عن الاغريق في نظرتهم الى ماعداهم من الشعوب، وكانت صلاتهم بها في الغالب صلات عدائية قائمة على الحروب اوحت بها سياسة روما العليا للسيطرة على العالم. وبالرغم من ذلك كانت لروما بعض عادات مرعية خاصة بالحرب غير انها لا تعدو مجرد اجراءات شكلية تهدف اسباغ طابعا شرعيا على الحرب. كذلك ابرم الرومان كثير من معاهدات الصلح مع الشعوب المغلوبه، ولكنها كانت ارادة الغالب يمليها على المغلوب ، حيث كان من دأب السياسية الرومانية العمل على سحق كل شعور قومي مشترك في منبته، اخذاً بمبدأ "فرق تسد".

الاسلام

سادت العرب الفوضى قبل مجىء الإسلام، وتجرى بين قبائلهم حروب شعواء متصلة الحلقات، فتضطرم الحروب ويعم الخراب والدمار شبه الجزيرة. ولم يكن هذا هو الحال في شبه الجزيرة القريبة وحدها بل كان هو الشأن في الدول المحيطة بها في بلاد الفرس والروم وغيرها. فجاء الاسلام ليؤكد مبادئ الاخاء والمساواة على نحو فريد لم يشهده العالم من قبل، وقرر الاخوة التى لا تأبه لفروق الجنس او اللون او اللغة او الثروة، وكان تقرير المساواة من حيث المبدأ ومن حيث التطبيق هو الذي أذن للاسلام بالانتشار على مستوى عالمي بسرعة مذهلة، وجعل الناس في مختلف الشعوب تقدم طواعية، ونجح الاسلام في تأليف اجناس بشرية مختلفة في جبهة اسلامية واحدة اساسها المساواة .

ومن هنا اختلف الفتح العربي الاسلامي تماماً عن الفتوحات الرومانية والمغلولية التى لم تهتم بانشاء حضارات راقية ثابته دائمة. بل ان المغول خربوا ودمروا كل الحضارات القائمة. بينما كان الفتح العربي الاسلامي يحمل رسالة حضارية، تدعو الى الرخاء والسلام في الاسرة البشرية .

العصور الوسطى

تمتد هذه الحقبة من سقوط الامبراطورية الرومانية عام 476م وحتى معاهدة وستفاليا عام 1648م، وفيها استمرت حياة الامم الاوربية تدور في حلقة مفرغة من الحروب، طحنت ملايين الجماجم من الرجال وظلت فكرة الحق للأقوى تسيطر على علاقات الدول ببعضها. ولكن كان لانتشار المسيحية ودعوتها الى التآخي والمساواة بين الشعوب والأفراد ونبذ الحروب دور في بروز فكرة الحرب العادلة التي كانت ترمي الى تقييد اللجوء الى الحرب، وتلطيف عملياتها، فلم تعد مباحة الا عند الضرورة ولسبب عادل، وبعد استنفار الوسائل السلمية لرفع الظلم. كذلك تمّ وضع نظامين مهمين هما "السلام الالهي" ويقضي بحياد الأماكن المقدسة، ورجال الدين، والاطفال، والعجزة، و"الهدنة الالهية" التي تمنع الحرب في أيام محددة من الاسبوع كالسبت والاثنين وأيام الأعياد. وبهذا كان لانتشار المسيحية تأثير في التوفيق بين دول اوروبا وقيام أسرة دولية مسيحية تخضع لسلطة البابا، وقد ساعد على توطيد هذه الفكرة ظهور الاسلام وتهديده بانتزاع السيادة على العالم من المسيحية.

فقد أدى انتشار الاسلام ووصوله الى جنوبي فرنسا الى تكاتف الامم الاوروبية تحت لواء البابا الروحي لدفع هذا الخطر الداهم، حيث اصطدمت الكتلتان في حروب متعددة أدت إلى انقسام العالم الى قسمين، ولكن ذلك لم يمنع الطرفين من اكتشاف كل منهما للآخر، واكتشاف المبادئ الانسانية التي تقوم عليها كل من الديانتين، كما دلت الحروب بينهما على المبادئ التي تحكم هذه الحروب وروح التسامح والعدالة الاسلامية، ومعاملة الاسرى، والأطفال، والنساء، والعجزة،، واللجوء الى السلم، وعدم شنّ الحرب إلا دفاعاً عن النفس، وعن ديار المسلمين .

العصر الحديث: ادى انهيار الامبراطورية الرومانية الغربية الى انهيار جهازها السياسي، واستحالة قيام الوحدة في اوروبا مره اخرى، حيث ساد النظام الاقطاعي. ولما قامت حرب المائة عام بين فرنسا وانجلترا (1337-1453) ازدادت اواصر القومية بين رعايا هاتين الدولتين وازداد شعور كل شعب بكيانه القومي . ثم تلا ذلك عصر النهضة الذى كان من نتائجه سعي الدول الى تدعيم سيادتها عن طريق خلق سلطة مركزية قوية باى ثمن، كما جاء في كتاب الامير لميكافيلي الذى قرر فيه ان السياسة يجب ان لا تقيد نشاطها بأية اعتبارات خلقية حتى لا يؤدي هذا التقيد الى عرقلة اهداف الدولة . وجاءت حركة الاصلاح الديني في مستهل القرن السادس عشر لتعزز الملكية المطلقة، ولتقضي على ما تبقى من سلطة الكنيسة الكاثوليكية في روما، مما ادى الى زيادة التجزئة وبروز الدول القومية نتيجة للحروب الدينية التى قسمت اوروبا الى دول مذهبية (كاثوليكية وبروتستانتية وارثوذكسية)، وهذا ادى الى مزيد من الحروب، و تصادم الفرقاء في حرب ضروس عمت كل اوروبا، استمرت ثلاثين عاماً، وعرفت بحرب "الثلاثين سنة" وانتهت بمعاهدة "وستفاليا" عام 1648.

معاهدة وستفاليا 1648: ظهرت فكرة الحرب العادلة لدى الشعوب المسيحية في ترسيخ مبادئ جديده في العلاقات الدولية وقوانين الحرب والسلام، وفض المنازعات بالطرق السلمية، حيث انتقلت هذه المبادئ الى أوروبا وسعى المفكرون الأوربيون إلى وضع أسس جديدة لتفادى الحروب المستمره التى شهدتها اوروبا في العصور الوسطى بسبب الصراعات المستمره، والتى شهدت زياده ملحوظه مع عصر النهضه وحركة الاصلاح الديني التي أفرزت حروب دينية طاحنه بين الشعوب الاوربية استمرت 30 عاما، حيث انتهت بتوقيع اتفاقية واستفاليا عام 1648 حيث شكلت هذه المعاهدة اتجاهاً جديداً في العلاقات الدولية، وتأطيراً لنظرية الأمن الجماعي الاوروبي، والتي استقت مبادئها من وحي الأديان وكتابات المفكرين، والفلاسفة الذين تأثروا بفلسفة اليونان المثالية خصوصاً افلاطون في كتاب "الجمهورية"، وتوماس مور في كتابه "اليوتوبيا" وغيرهما . والتى أسست لظهور ما يسمى التنظيم الدولي، وتعتبر هذه المعاهدة فاتحة عهد جديد للعلاقات الدولية ، حيث وضعت هذه المعاهدة القواعد والأسس لقيام الامن الجماعي واتخذت العلاقات الدولية بعدها اتجاه التعاون والمشاركة بدلاً من السيطرة والاخضاع، وأهم ما اوجدته المعاهدة ما يأتي:

• اجتماع الدول لأول مرة للتشاور وحلّ مشاكلها على اساس المصلحة المشتركة.
• اقرار المساواة بين الدول المسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية، والغاء سلطة البابا الدنيوية.
• ارساء العلاقات بين الدول على أساس ثابت بإقامة سفارات دائمة لديها.
• اعتمدت فكرة التوازن الدولي كأساس للحفاظ على السلم وردع المعتدي.
• التأسيس لفكرة تدوين القواعد القانونية والزاميتها .

مؤتمر فيينا 1815

كان همّ اعضاء هذا المؤتمر إعادة التوازن الدولي في أوروبا على أساس إرجاع الملوك بعدما قضى بونابرت على سلطانهم، حيث عكس مؤتمر فيينا إرادة الدول المنتصرة في الحرب ضد نابليون (وهي إنكلترا والنمسا وبروسيا وروسيا) شكل مؤتمر فيينا أساساً لتشكيل الجماعة الدولية الحديثة، فبدأ يتسع مع اتساع الحركة الدولية والثورة الصناعية وحركات الاستعمار، واستقلال الدول، وظهور القوميات، وبدأ يشمل دولاً غير مسيحية، نظراً لاتساع دائرة المشاكل وضرورة حلها، فكان يعقد مؤتمر في كل مناسبة ترى الدول الكبرى، او احداها ضرورة لذلك، او مصلحة لها في عقده، وهكذا سيطرت هذه الدول على السياسة الدولية وفرضت وجهة نظرها في النصف الشرقي من الكرة الأرضية، وبذلك سمي هذا النظام الدولي الذي كان يشرف على العالم بنظام "المؤتمر الأوروبي"، والذي تميّز بسياسة عقد المؤتمرات لحلّ المشاكل التي واجهت العالم خلال القرن التاسع عشر، واستمر حتى الحرب العالمية الاولى، وقد استطاع ان يؤسس للكثير من المعاهدات والقوانين التي ما زالت في الكثير منها قائمة حتى اليوم، كاتفاقيات جنيف 1864 الخاصة بمعاملة جرحى الحرب واتفاقيات لاهاي 1899 و1907 الخاصة بقواعد الحرب والحياد، وتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية، وكذلك محكمة التحكيم الدولي الدائمة في لاهاي.

مؤتمر لاهاى وفض المنازعات بالطرق السلمية

لاشك ان مؤتمري لاهاي يمثلان اهمية خاصة بالنسبة للتنظيم الدولي واللذان عقدا 1899-1907 وأسفرا عن اتفاقيات دولية تحمل اسم هذا المؤتمر الذي كان لها اعظم النتائج والاثار في تطور القانون الدولي، حيث سعت الدول المنتصرة على فرض النظام في اوروبا من خلال التحالفات والمعاهدت والمؤتمرات، حيث رسخ هذا المؤتمر وضع الاساس القانوني لوسائل فض المنازعات بالطرق السلمية، هذه القواعد التى ارساها هذا المؤتمر كانت أساساً للقواعد التى نادت بها عصبة الأمم ثم الأمم المتحدة ومعظم المنظمات الدولية والاقليمية.

حيث اقرت لاول مرة في العلاقات الدولية نظاما لفض المنازعات الدولية بالطرق السلمية أنشأت لاول مرة هيئة قضائية دولية هي محكمة التحكيم الدولي الدائمة في لاهاي كمـا دونت قواعد الحرب والسلم الدولي. وبالاضافة الى ذلك عرفت العلاقات الدولية تنظيمات من نوع اخر تلك هي التنظيمات الادارية والاقتصادية الدولية مثل اتحادات البريد والتلغراف والسكك الحديدية .

عصبة الأمم المتحدة: لم يستطع المؤتمر الاوروبي بالرغم من كل هذه المؤتمرات في المضي قدما في تحقيق ماكانت تعقد عليه الانسانية من امال في اقرار الامن والاستقرار والتقدم وسيادة حكم القانون في المحيط الدولي. فقد ادى التنافس الاقتصادي، ونمو الشعور القومي، والرغبة في السيطرة لدى الدول الأوروبية الكبرى الى الحرب العالمية الأولى 1914، والتي استمرت اربع سنوات عاشت فيها البشرية الويلات، والكوارث، وقد دفعها ذلك مع نهاية الحرب مطلع عام 1919، وخلال عقد مؤتمر فرساي في باريس الى خلق تنظيم دولي جديد عرف باسم "عصبة الأمم" لمنع الحرب وفض المنازعات الدولية بالوسائل السلمية، وهذه الفكرة كانت تخالج نفوس الكثير من السياسيين والمفكرين منذ زمن بعيد، وهي ايجاد هيئة دولية عليا ودائمة تتولى النظر في علاقات الدول وتعمل على توطيدها، وتكون اداة لحفظ السلام العام وحلّ المنازعات بالطرق السلمية وعبر المفاوضات، والعمل على تخفيض التسلح.

منظمة الأمم المتحدة: ايضاً لم تثمر الجهود التي بذلتها العصبة لصيانة السلم الدولي، ولم تستطع المواثيق والمعاهدات التي ابرمت تحت جناحها، منع وقوع الصدام بين الدول وقيام الكثير من الحروب المحلية، كما عجزت عن منع، او ايقاف الكارثة الكبرى التي تمثلت في اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939، والتى كانت شاملة، أصابت بنتائجها دول العالم المحاربة، وغير المحاربة، وقد استمرت ست سنوات، وكادت تقضي على النظام العالمي كله، ولما انتهت الحرب، تداعى زعماء الدول المنتصرة الى مؤتمر عقد في سان فرنسيسكو في الولايات المتحدة عام 1945 ووضعوا ميثاقاً جديداً للعلاقات بين الدول وتحريم اللجوء الى الحرب الا دفاعاً عن النفس، وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، وفرض الجزاء والعقوبات على المخالفين، واوكلت هذه المهمة الى هيئة دولية دعيت "منظمة الأمم المتحدة" تستند على ميثاق مكتوب يتضمن كافة الأمور الاجرائية والادارية الضرورية للقيام بدورها على اكمل وجه .
في صيانة الامن والسلم الدوليين وليس من اجل تحقيق مصالح الدول الكبرى فقط والذي يمكن ان يؤدي الى كارثه جديده تحل بالعالم اذا استمر الوضع كما هو عليه الآن.

الفصل الثاني
الوسائل السلمية لفض المنازعات في القانون الدولي المعاصر

مر القانون الدولي بمراحل متعددة، حيث أنبثق من الاديان المختلفة، كما وجد في فكر الفلاسفة والاصلاحيين الى أن بدأ يتقنن من خلال المعاهدات، والاتفاقات الدولية. ومن المعروف أن تسمية (القانون الدولي العام) ترجع إلى الفيلسوف الإنجليزي (بنتام)، الذي أطلق على مجموعة القواعد التي تحكم علاقات الدول اسم. القانون الدولي، وبذلك يمكن تعريف القانون الدولي بانه "مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول وتحدد حقوق كل منها وواجباتها".

ويذهب (شتروب) إلى وصف القانون الدولي العام بأنه: "مجموعة القواعد القانونية، التي تتضمن حقوق الدول وواجباتها وحقوق وواجبات غيرها من أشخاص القانون الدولي". في حين يذهب (شارل روسو) إلى أن: "القانون الدولي العام هو ذلك الفرع من القانون الذي يحكم الدول في علاقاتها المتبادلة" .

ويعتبر منظرو السياسة الدولية ان اعلى منافع البشرية وخيرها يوجد في سيادة القانون: القانون الدولي، والقانون الخاص، وضرورة تطبيق القوانين التي اتفق عليها ، هذا بالرغم مما تثيره قواعد القانون الدولي من تساؤلات حول طبيعتها القانونية، بسبب عدم وجود مشرع وسلطة قضائية تنفيذية، وعدم وجود جزاء يترتب على مخالفتها . وهنا يرى كثير من فقهاء القانون الدولي أن عدم وجود مشرع، وقضاء دولي، وجزاء لا ينفي الصفة القانونية عن القواعد الدولية، ولكن مع ذلك فإن القوانين الدولية تختلف عن القوانين الداخلية في كونها تنشأ عن طريق التراضي بين الدول، خصوصاً وأن العالم بدأ يشعر بحاجته للقواعد الدولية، وحاجته للمنظمات الدولية، (بسبب تزايد إيمان الدول بأهمية التضامن بينها لأجل أمن وتعاون دولي في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية) .

فقد ظلت فكرة حماية العالم من ويلات الحروب عالقة لدى جميع الشعوب منذ العصورالقديمة، إلا أن إضفاء طابع السلمية على النزاعات الدولية، شهد تطورًا هائلاً في القرن العشرين، وكان الحدث الحاسم في ذلك هو مؤتمري السلام عامي 1899 و1907 في لاهاي. فمع انتشار ظاهرة التنظيم الدولي خلال الفترة الموالية للمؤتمرين سالفي الذكر اكتسبت قضايا المحافظة على السلام والأمن والتسوية السلمية للمنازعات أهمية خاصة، إذ أصبحت من بين المقاصد الأولى لأية منظمة دولية، كما توفرت القناعة لدى المهتمين بأمور التنظيم الدولي بأن وجود أي نظام قوي وفعال يختص بوظيفة التسوية السلمية للمنازعات يعتبر أحد المقومات الموضوعية المهمة التي تستند إليها المنظمات الدولية عموما في مجال الاضطلاع بالمهام المنوطة بها . ولهذا فقد بدأ منذ أكثر من خمسين عاماً عقل جمعي دولي لإقرار قواعد (القانون الدولي العام)، التي تحث الدول على نبذ الحرب، والالتجاء إلى الطرق السلمية لفض المنازعات، والحفاظ على السلم والأمن الدوليين ، مع إقرار حق الدول في الدفاع الشرعي لرد العدوان، واستعمال العنف كوسيلة لدفع الخطر إذا لم تنجح الوسائل السلمية لحل النزاعات بين الدول .

تسوية المنازعات الدولية

إن الوسائل الدولية لإدارة الأزمات متعددة ومتباينة وتتنوع إلى وسائل ديبلوماسية (المفاوضات، المساعي الحميدة والوساطة، التحقيق، التوفيق، عرض المنازعات على المنظمات الدولية والإقليمية…) وقانونية (التحكيم الدولي والقضاء الدولي) وزجرية (الضغوطات الاقتصادية من حظر وحصار ومقاطعة وتجميد للأموال أو حجزها في الخارج، أو سياسية وديبلوماسية أو اللجوء إلى القوة العسكرية كخيار أخير…)، ولقد عددت المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة في فقرتها الثانية مختلف هذه الوسائل ، كما نص الميثاق في مواضع أخرى منه على وجوب عرض النزاع إذا استعصى حله بإحدى هذه الوسائل المذكورة سابقا، على الهيئة الدولية لتوصي بما تراه مناسبا بشأنه، كما بينت الاتفاقيات الدولية الكبرى التي أبرمت منذ مؤتمر لاهاي لإقرار السلام الكثير من هذه الوسائل وما يتصل بها من إجراءات وأحكام، فتكلمت اتفاقية لاهاي الأولى سنة 1907 عن الوساطة والمساعي الحميدة والتحقيق والتحكيم ، وسرد النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية كل ما يتصل بالسبل القضائية, وعالجت معاهدة التحكيم العامة المبرمة في جنيف سنة 1928 موضوع التوفيق، كما تعرضت أيضا للقضاء والتحكيم.

التسوية السلمية للمنازعات الدولية

يصل عدد الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة حوالي (190) دولة وهناك دول أخرى وإن كانت قليلة ليست أعضاءً في المنظمة الدولية، وبسبب كثرة عدد الدول في العالم وتضارب مصالحها وأهدافها فإن النزاع بين دولة وأخرى أوبين عدد من الدول أمر وارد في كل وقت وذلك أن العلاقات بين الدول ليست دائماً مستقرة وهادئة وكثيراً ما يؤدي تعارض المصالح والتوجهات إلى قيام النزاع، والحكمة المتوخاة حسب الشرائع السماوية والمواثيق الدولية عند قيام النزاع بين دولتين أو أكثر هو اللجوء إلى لغة العقل بأن تسعى هذه الدول المتنازعة إلى حل النزاع بالطرق الودية أو السلمية وألا يتم اللجوء إلى أسلوب العنف أو الحرب في حل النزاع إلا في حالات الضرورة القصوى.

وقد حرص المجتمع الدولي على ضرورة الأخذ بالخيار الأول وهو السعي لحل الخلافات والنزاعات بالطرق السلمية حيث تم تأكيد ذلك في مؤتمر (لاهاي) الذي عُقد سنة 1899م، الذي حضره محبو السلام من ساسة العالم حيث أسفر هذا المؤتمر عن مجموعة من المبادئ لتسوية المنازعات الدولية إضافة إلى ما ورد فيما بعد في عهد عصبة الأمم التي أنشئت سنة 1919م وما ورد في ميثاق هيئة الأمم المتحدة التي أُنشئت سنة 1945م. ويستخلص مما ورد في هذه المواثيق الدولية أن حل الخلافات والمنازعات الدولية بالطرق السلمية يتم حسب الخطوات الآتية :

• استخدام طرق التسوية الودية ذات الصبغة الدبلوماسية (المفاوضة والمساعي الحميدة والوساطة والتحقيق)
• اللجوء إلى الطرق القضائية (بواسطة هيئات التحكيم أو محكمة العدل الدولية).
• فرض ميثاق الأمم المتحدة على الدول الأعضاء عرض كل نزاع أخفقت الدول في حله على مجلس الأمن، ونصت المادة الثانية (فقرة 3) من ميثاق الأمم المتحدة على أنه يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية، على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر .

ويبدو من ذلك أن هناك العديد من الوسائل التي يمكن اللجوء إليها لتسوية المنازعات، فهناك:

اولاً: وسائل التسوية السياسية والدبلوماسية .
ثانياً: وسائل ذات الصبغة القانونية أو القضائية.

كما انه هذه الوسائل يمكن تقسيمهما الى عدة انواع بحسب الاطراف التى تشارك فيها وهي :

• الوسائل التي تقتصر على أطراف النزاع: التفاوض
• الوسائل التي تتضمن تدخل الغير الذي لا يملك حسم النزاع: المساعي الحميدة - الوساطة-التحقيق-المصالحة أو التوفيق.
• الوسائل التي تنطوي على تدخل الغير الذي يملك حسم النزاع (مثال محكمة العدل الدولية)
• اللجوء إلى المنظمات الدولية (مثال مجلس الأمن)
اولاً: وسائل التسوية السياسية والدبلوماسية

1- المفاوضة

إن التفاوض عملية قديمة قدم التاريخ، ولقد عرفت الحضارات البشرية التفاوض بقصد تحقيق الأهداف السياسية، والمنافع الاقتصادية، وأحياناً، الغايات العقائدية. فاستخدمت الأقوام التفاوض في تنظيم العلاقات فيما بينها، ومع غيرها. كما أن المفاوضات العسكرية كانت أسلوباً شائعاً، نتيجة كثرة الصدامات المسلحة التي كانت تنشب، فيما بين القبائل، أو المدن، أو الدول أو الشعوب، أو الأمم. وهكذا شاع أسلوب المفاوضة في السلم، وفي الحرب. وهي تقوم على تلاقي مسؤولين من الجهتين المتنازعتين لبحث اسباب النزاع وعناصره، بقصد التوصل ‏الى حله. وقد تجري المفاوضة عن طريق مؤتمر دولي يجمع الجبهتين المتنازعين مع غيرهما.

المفاوضة، وهي تبادل الرأي بين دولتين متنازعتين بقصد الوصول إلى تسوية للنزاع القائم بينهما. ويقوم بالمفاوضة عادة المبعوثون الدبلوماسيون للدول الاطراف في النزاع عن طريق اتصال كل منهم بوزير خارجية الدولة الاخرى . أو عن طريق مندوبين مخصصين لهذا الغرض إذا كان النزاع ذا أهمية خاصة ويكون تبادل الآراء بين المفاوضات شفهياً أو كتابياً، وقد يتطلب الأمر إضافة فنيين لكلا الفريقين المتفاوضين إذا كان النزاع مثلاً يتعلق بالخلاف حول الحدود ومن أمثلة القضايا التي حُلت عن طريق المفاوضات انسحاب إسرائيل من صحراء سيناء الذي تم بعد مفاوضات طويلة بين مصر وإسرائيل.

ويقصد بالمفاوضة (قانوناً) تبادل وجهات النظر فيما بين ممثلي شخصين من أشخاص القانون الدولي العام، أو المنظمة الدولية وما في حكمها. فالعلاقات ما بين أشخاص القانون الدولي العام إنما تتم من خلال، وعبر أشخاص طبيعيين مخولين حق تمثيل تلك الوحدات القانونية ويقتصر حق مباشرة هذه المهمة - وبشكل واضح - على الأجهزة التنفيذية، وممثليهم المفوضين قانوناً وهو أمر من شأنه أن يبوأ المتفاوضين مكانة سامية في مسارات عملية التفاوض .

طبيعة التفاوض :

أكد القضاء الدولي على أن المفاوضات هى إحدى سمات وسائل فض المنازعات بالطرق السلمية، بل إنه قد بوأها مكانة تتقدم على الحلول القضائية وذكرت المحكمة الدائمة للعدل الدوليه بأنه لا يجب أن يعرض عليها إلا القضايا التي لا يمكن حلها عن طريق المفاوضات. لذلك، فإن القانون الدولي العام يقر آلية التفاوض، ويدعو إليها وينظمها، سواء كان هذا التفاوض ما بين طرفين، أو ما بين عدة أطراف، أو في إطار منظمة دولية إقليمية أو عالمية. وقد تجري هذه المفاوضات الإشراف المباشر لإحدى المنظمات الدولية (العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966، العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966، اتفاقية قيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961، اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية 1963، اتفاقية قانون البحار لعام 1982، اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية 1998 .. إلخ )، أو قد تجري خارج هذه المنظمات الدولية استجابة لمعطيات سياسية أو قانونية ( اتفاق دايتون بولاية أو هايو الأمريكية، نوفمبر 1995) والذي جرى ما بين ممثلين عن الصرب، والبوسنة والهرسك، أو قمة واشنطون في 1995، والتي ضمت الأردن، وفلسطين، وإسرائيل، تحت إشراف الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وقد تجري المفاوضات داخل أجهزة المنظمة ذاتها .

2- الوساطة :

هي الخطوة الثانية لحل النزاع الناشب بين الدول في حال فشل المفاوضات المباشرة بين الدولتين المتنازعتين، وفي هذه الخطوات تقوم إحدى الدول وخاصة إذا كانت ترتبط بعلاقة صداقة بين الدولتين المتنازعتين بالتوسط بينهما إما من أجل العودة للمفاوضات بينهما ويطلق على هذا الأسلوب (الخدمات الودية) أو أن تشترك الدولة الوسيطة في المفاوضات بصورة فعلية ومباشرة ويعرف هذا الأسلوب (بالوساطة) حيث تقوم الدولة الوسيطة حسب هذا الأسلوب بالتوفيق بين المطالب المتعارضة للدول المتنازعة والتخفيف من حدة الجفاء بينهما وبدون صفة ملزمة، وتنتهي مهمة الدولة الوسيطة في هذه الحالة إذا تبين لها أن وساطتها غير مقبولة من كلا الطرفين المتنازعين أو أحدهما، أو إذا قرر أحد الطرفين المتنازعين عدم قبول هذه الوساطة، ومن أمثلة القضايا التي حلت بالوساطة رفع الحظر الاقتصادي عن ليبيا الذي استمر لمدة سبع سنوات بسبب وساطة الملك عبدالله بن عبدالعزيز ورئيس جنوب أفريقيا السابق نيسلون مانديلا.

دبلوماسية المكوك

وهي نوع من الوساطة حيث يقوم الوسيط بإجراء المفاوضات بين طرفين متحاربين يتعذر لقاؤهما المباشر؛ فيناقش المقترحات ويجري الحوار حول الردود عليها، مع كل من الطرفين المتنازعين بالتوالي، بهدف التوصل إلى تسويات مؤقتة وجزئية، تقود في النهاية إلى توفير شروط التوصل إلى مراحل متقدمة في التسويات السياسية بين الأطراف المعنية. ويعتمد هذا الأسلوب على سرعة الحركة، وشرح المواقف للطرف الآخر وظروفه، وكذلك إلى امتلاك وسائل الترغيب أو التهديد، الخفية والمعلنة، المساعدة على الدفع في اتجاه تذليل العقبات، والتوصل إلى نتائج عملية محددة. وقد اقترن هذا الأسلوب بهنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي، في التوسط في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، من طريق دبلوماسية الخطوة خطوة، على إثر اندلاع حرب أكتوبر 1973 .

3-المساعي الحميدة: وتقوم على التقريب بين مواقف الجهتين المتنازعتين لاستئناف المفاوضات او البدء بها. وقد وضعت اتفاقية لاهاي لسنة 1907 المتعلقة بتسوية النزاعات الدولية بالوسائل السلمية، القواعد الخاصة بالمساعي‏الحميدة والوساطة في الفصل الثاني (المادة 2 - 8). وقد اصبح هذا الاسلوب شائع في عصرنا الحاضر حيث تلجأ اليه كثير من المنظمات الدولية وبالذات منظمات الامم المتحدة من خلال استخدام شخصيات عالمية مرموقه ولها شعبية واحترام دولي للقيام ببعض المهام السلمية او في بؤر الصراعات.

4-التحقيق

ويتم بواسطة لجان دولية يعرض عليها النزاع، حيث يلجأ إليها طرفا النزاع إذا كان الخلاف بينهما على وقائع معينة حيث تقوم هذه اللجان بإيضاح حقيقة الوقائع المختلف عليها حتى تكون المناقشة فيما بعد لحل النزاع مستندة إلى وقائع صحيحة، وتقوم لجان التحقيق بأعمالها في جلسات سرية وتتخذ قراراتها بأغلبية الآراء وتعلن تقاريرها في جلسات علنية إلا أن الرجوع للجان التحقيق لحل المنازعات بين الدول ليس ملزماً بل يتم باتفاق الأطراف المتنازعة. وقد نظمت اتفاقية لاهاي طرق التحقيق في‏الباب الثالث (الماد 9 - 36)، ثم طورت معاهدات بريان (1913 - 1915) هذه الطرق بشكل واسع. ويهدف التحقيق عادة ‏الى جلاء بعض النقاط في الخلاف بشكل موضوعي.

معايير دولية للجان تقصي الحقائق اصبحت لجان التحقيق ظاهرة عالمية، حيث شهدت الفترة من عام 1974 إلى عام 2007 إنشاء ما لا يقل عن 32 لجنة تحقيق في 28 بلداً. وقد شُكل أكثر من نصف هذه اللجان خلال السنوات العشر الماضية. ويجري حالياً النظر في إنشاء لجان أخرى للتحقيق .ولهذا بدلت الامم المتحدة وغيرها من المنظات الاقليمية جهود كبيره لوضع قواعد دولية لتقصي الحقائق، وكانت أول عملية دولية لجمع وتصنيف لإجراءات تقصي الحقائق هي اتفاقية لاهاي لتسوية المنازعات بالوسائل السلمية لعام 1907. وفي عام 1970 أصدر الأمين العام مشروع قواعد نموذجية لإجراءات تقصي الحقائق الخاصة بهيئات الأمم المتحدة، تغطي الانطباق ودستور الهيئة المخصصة وجدول أعمال الاجتماعات والموظفين والأمانة واللغات والتصويت وسير العمل والتعاون مع الدول الأعضاء والشهادات الشفوية والتحريرية ومصادر المعلومات الأخرى والسجلات والتقارير. وتتيح القواعد لأي لجنة وضع توصيات وإصدار تقرير. كما تتيح للدولة المعنية تقديم أدلة وتعيين ممثل وطرح أسئلة على الشهود، ولكنها لا تسمح للدولة بوضع توصيات لجدول الأعمال أو إعاقة حضور الشهود. وموافقة الدولة المعنية مطلوبة لدخول الهيئة المخصصة إلى الدولة. وتقبل جميع الأدلة بالرغم من أن استعمالها يخضع لرأي اللجنة. ويحلف الشهود ويقسم أعضاء اللجنة على أداء واجباتهم "بشرف وبصدق وبحيادية وبإخلاص." ويجوز قيام عضو أو أكثر بعقد جلسة استماع.

5- التوفيق

وهو وسيلة تقع بين الوساطة وبين الطرق القضائية، ويقوم على التحقيق في المسائل التي يقوم حولها النزاع،واقتراح الحلول التي يمكن ان يرضى بها الطرفان، وتقوم بالتوفيق لجان يطلق عليها تسمية (لجان التوفيق) وهي تشبه لجان التحقيق في السعي لحل النزاع بين الدول إلا أن لجان التوفيق يكون من مهامها أيضاً اقتراح حل للنزاع يمكن أن يقبله الطرفان المتنازعان.

و"التوفيق" طريقة حديثة لتسوية المنازعات الدولية، دخلت التعامل الدولي بعد عام 1919 بواسطة عدة معاهدات ثنائية وجماعية. وتتألف لجان التوفيق بموجب اتفاق يعقد بين الطرفين المتنازعين، أو بقرار صادر من الأمم المتحدة، أو إحدى المنظمات الدولية أو الإقليمية. وتتولى هذه اللجان دراسة النزاع القائم وتقديم تقرير وافٍ عنه إلى الطرفين، أو إلى المنظمة، يتضمن عدة اقتراحات، أو حلول، لتسوية النِّزاع. ومن امثلة ذلك قرار الامم المتحدة 194 الخاص بالتقسيم، حيث تضمن البند الثالث من القرار فقرة خاصة أنشئت بموجبها لجنة التوفيق الدولية وأنيطت بها مهمة تسهيل إعادة اللاجئين إلى ديارهم، الأمر الذي رفضته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وما زالت تصر على مواقفها هذه.

ثانياً: وسائل ذات صبغة قانونية أو قضائية

التحكيم

يعتبر التحكيم وسيلة فعالة وسريعة لحل المنازعات التي تثار بين الخصوم وتقترن احكام المحكمين وقراراتهم بالعدالة وحرية الرأي. والتحكيم قديم في نشؤه حيث عرفه القدماء في جميع الحقب الحضارية المتعاقبة حتى قال عنه (ارسطو) ان الاطراف المتنازعة يستطيعون تفضيل التحكيم على القضاء ذلك لأن المحكم يرى العدالة بينما لا يعتد القاضي الا بالتشريع) وازدهر التحكيم قبل الاسلام عند العرب وبرز عديد من المحكمين حيث ان كل قبيلة لها محكميها وكانت ابرز قضية قبل الاسلام حكم فيها رسولنا العظيم عليه الصلاة والسلام في رفع الصخرة المشرفة الى مكانها عندما اختلفت قبائل قريش عليها في حينه وجاء الاسلام ليضع التحكيم في اهم موقع في الحياة وهو العلاقة الزوجية (فان خفتم شقاقا بينهما فابعثوا بحكم من اهله وحكما من اهلها ان يريدا اصلاحاً يوفق الله بينهما). وكذلك في العلاقات الاخرى حتى وصلنا الى معركة صفين التي حكم فيها عمر بن العاص وابو موسى الاشعري بين سيدنا علي ومعاوية بن ابى سفيان.

والتحكيم هو البت في النزاع من طريق شخص او هيئة يكلفها المتنازعون بذلك، ويخضعون لقرارها، لان له ‏صفة الالزام. وقد نظمت التحكيم مؤتمرات لاهاي (1899 - 1907) وافردت له الاتفاقية الخاصة بتسوية المنازعات‏السلمية الفصل الرابع (المادة 27 - 90). ويعرف التحكيم بالتسوية القضائية للمنازعات الدولية وهو يتصف بالإلزام لأطراف النزاع حول ما يصل إليه من قرارات إلا أنه لا يلجأ إليه إلا باتفاق الأطراف المتنازعة

الفصل الرابع
دور المنظمات الدولية فى حل النزاعات بالطرق السلمية التسوية

يعد مبدأ التسوية السلمية للمنازعات أحد المبادئ الأساسية التي انبنى عليها التنظيم الدولي الحديث، وعلى وجه التحديد منذ انعقاد مؤتمري السلام عامي 1899 و1907، فمع انتشار ظاهرة التنظيم الدولي خلال الفترة الموالية للمؤتمرين سالفي الذكر اكتسبت قضايا المحافظة على السلام والأمن والتسوية السلمية للمنازعات أهمية خاصة، إذ أصبحت من بين المقاصد الأولى لأية منظمة دولية، كما توفرت القناعة لدى المهتمين بأمور التنظيم الدولي بأن وجود أي نظام قوي وفعال يختص بوظيفة التسوية السلمية للمنازعات يعتبر أحد المقومات الموضوعية المهمة التي تستند إليها المنظمات الدولية عموما في مجال الاضطلاع بالمهام المنوطة بها .

ويقصد بالتنظيم الدولي مجموعة القواعد التى تحكم نشأة وعمل المنظمات الدولية، وتتمثل اهدافه في امرين:

اولا : تحقيق الامن والسلم الدوليين
ثانياً : تحقيق الرفاهية والرخاء لصالح الشعوب .

والتنظيم الدولي يعمل على تحقيق الامن والسلم الدوليين من خلال الامور التالية :

1- منع استخدام القوة في العلاقات الدولية
2- تسوية المنازعات بالطرق السلمية
3- الدفاع عن امن وسلام الدول من خلال انشاء الاحلاف التى تسعى الى ايجاد توازن بين الدول

وفي دراستنا لدور المنظمات الدولية في تسوية المنازعات بالطرق السلمية سنتناول الدور الذي تقوم به كلا من الامم المتحدة كمنظمة دولية، وجامعة الدول العربية كمنظمة اقليمية .

الامم المتحدة

مر العالم بأزمات وحروب خلفت وراءها ضحايا وخسائر جسيمة، وهكذا كان السلام- ومنذ القدم- يشكل هدفا للإنسانية، وقد كان لمأساة الحرب العالمية الثانية أثر كبير نحو إصرار المجتمع الدولي - وخصوصا صانعي القرار الدولي- لإقامة الأمم المتحدة والتأكيد على هدفها الرئيسي المتمحور حول تحقيق السلم والأمن الدوليين، خصوصا مع بروز أسلحة أكثر تدميرا للحياة الإنسانية. غير أن هذا المفهوم لايرتبط فقط بعناصر عسكرية، ولكن هناك عناصر أخرى غير عسكرية يمكن أن تسهم في تحقيقه في حالة توافرها أو المس به في حالة غيابها .

دور هيئات الامم المتحدة في تسوية المنازعات الدولية:

منذ تأسيس هيئة الأمم المتحدة على أنقاض عصبة الأمم عام 1945 جعلت هذه المنظمة من حفظ السلم والأمن الدوليين وتحقيقه هدفا رئيسا لها وهذا ما تبلور بوضوح في الفقرة الأولى من المادة الأولى لميثاقها، خصوصا وقد عانت الإنسانية من ويلات حروب مدمرة أتت على الإنسان والعتاد والطبيعة والمعمار. ولما كانت التسوية السلمية للمنازعات وعدم استخدام القوة والتهديد بها، أو استخدامها أصبحت من الأمور المستقرة في فقه القانون الدولي العام، ومن المبادئ الأساسية الراسخة التي تحكم العلاقات الدولية، فإن اضطلاع المنظمات الدولية بتسوية المنازعات التي قد تحدث بين الدول المنخرطة في عضويتها أمر منطقي وضروري، بل يعد ذلك وظيفة جوهرية لعمل هذه المنظمات.

عرض النزاع على مجلس الأمن الدولي،

تتمحور فلسفة ميثاق الأمم المتحدة حول المحافظة على السلم والأمن الدوليين، حيث شكل هذا المبتغى هدفا رئيسيا لواضعي الميثاق وهو ما تبلور بالفعل في ديباجة الميثاق حيث تعاهدت شعوب الأمم المتحدة بأن تعمل على اتقاء الأجيال المقبلة من ويلات الحروب. ولقد احتل مجلس الأمن مكانة الريادة في نظام المحافظة على السلم والأمن الدوليين وذلك طبقا للمادة 24 من الميثاق وحتى يتمكن من تحقيق هذا الهدف خوله الميثاق مجموعة من الوسائل والسلطات سواء فيما يخص تكييف الحالات المهددة أو المخلة بالسلم والأمن الدولي أو اتخاذ ما يلزم من إجراءات مختلفة لردع الدول المعتدية، في حالة فشل الوسائل السلمية في حسم المشكل واحتواء الأزمة وتتنوع هذه الوسائل بدورها بين الضغوطات والعقوبات الاقتصادية والإعلامية والديبلوماسية والعسكرية. وضمن هذه الوسائل يحتل مجلس الأمن مكانة بارزة في هذا الصدد خولها له الميثاق الأممي بالنظر إلى القيمة القانونية لقراراته والحاسمة وكذا الدور الذي يحظى به في إقرار الحالات المهددة أو المخلة بالسلم والأمن الدوليين أو وقوع حالة العدوان, واحتكاره لوسائل استعمال القوة والإجراءات الزجرية الأخرى في مواجهة الدول المعتدية.

يعتبر قيام مجلس الأمن الدولي بنظر النزاع الذي يحصل بين دولتين أو أكثر هو الخطوة الأخيرة لحل النزاع، إذ يحق لمجلس الأمن الدولي في البداية دعوة الأطراف المتنازعة إلى حل الخلاف بينهما بالطرق السلمية (سالفة الذكر) فإذا أخفقت في ذلك وجب عليها عرض الأمر على المجلس الذي له أن يوصي بما يراه مناسباً لحل النزاع، ويتخذ مجلس الأمن الدولي قراراته بأكثرية تسعة من أعضائه الخمسة عشر بشرط أن يكون الخمسة الأعضاء الدائمون (أصحاب حق النقض) من بينهم، وقرارات مجلس الأمن الدولي لحل المنازعات هي مجرد توصيات لأطراف النزاع، يمكنهم أن يأخذوا بها أو يتحولوا عنها لطرق التسوية السلمية إلا أنه في حالة استمرار النزاع وأصبح مهدداً للسلم والأمن الدوليين، فإن من حق مجلس الأمن الدولي أن يقرر ما يراه لازماً لحفظ السلم والأمن الدوليين ويكون قراره في هذه الحالة ملزماً لأطراف النزاع وغيرهم من الدول الأعضاء في الهيئة الدولية.

وقد ترك الميثاق لمجلس الأمن أن يقرر استخدام القوة في حل المنازعات الدولية، طبقاً للظروف والملابسات المحيطة بكل حالة على حدة، كما أعطت المادة (41) لمجلس الأمن الحق في "أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء "الأمم المتحدة" تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العلاقات الدبلوماسية". وفي حالة التأكد من أن التدابير التي نصت عليها المادة (41) لم تف بالغرض، فإن المادة (42) قد أجازت لمجلس الأمن أن يتخذ إجراءات عسكرية عن طريق القوات الجوية والبحرية والبرية، كما يجوز لمجلس الأمن كذلك اتخاذ إجراءات أخرى تتضمن المظاهرات والحصار.

وعلى الرغم من أن مبدأ منع استخدام القوة قد جاء ذكره في الديباجة، أباح ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة في حالات معينة منها:

أولاً: في حالة قيام المجلس بإجراءات القمع والقهر لحفظ الأمن والسلم الدولييْن
ثانياً: عند رفض إحدى الدول قبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها
ثالثاً: في حالة استخدام الدول الأعضاء القوة ضد دولة كانت أثناء الحرب العالمية الثانية من الدول المعادية لإحدى الدول الموقعة على الميثاق .
رابعاً: في حالة الدفاع الشرعي.

إعلان مانيلا بشأن تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية:-

إذ تعيد تأكيد المبدأ الوارد في ميثاق الأمم المتحدة والقائل بأن على جميع الدول أن تسوى منازعاتها الدولية بالوسائل السلمية، على نحو لا يعرض للخطر السلم والأمن الدوليين والعدالة، وإذ تدرك أن ميثاق الأمم المتحدة يتضمن الوسائل اللازمة للتسوية السلمية للمنازعات الدولية التي يحتمل أن يؤدي استمرارها إلى تعريض صون السلم والأمن الدوليين للخطر، ويوفر إطاراً جوهرياً لهذه التسوية، وتسليماً منها بأهمية دور الأمم المتحدة وبضرورة زيادة فعاليتها في تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية وفي صيانة السلم والأمن الدوليين، وفقاً لمبادئ العدالة والقانون الدولي، طبقاً لميثاق الأمم المتحدة، وإذ تؤكد من جديد المبدأ الوارد في ميثاق الأمم المتحدة والقاضي بأن تمتنع جميع الدول في علاقاتها الدولية عن التهديد بالقوة أو استعمالها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة أو بأي طريقة أخرى لا تتفق مع مقاصد الأمم المتحدة، وإذ تكرر التأكيد على أنه ليس من حق أية دولة أو مجموعة من الدول أن تتدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولأي سبب كان، في الشئون الداخلية أو الخارجية لأية دولة أخرى، وإذ تؤكد من جديد إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة وإذ تضع نصب عينيها أهمية صيانة وتدعيم السلم والأمن الدوليين وتنمية العلاقات الودية بين الدول بغض النظر عن نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية أو مستويات تنميتها الاقتصادية، وإذ تؤكد من جديد إعلان مبدأ تساوي الشعوب في الحقوق وحقها في تقرير المصير على النحو الوارد في ميثاق الأمم المتحدة والمشار إليه في إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة وفي غيره من قرارات الجمعية العامة المتصلة بالموضوع، وإذ تشدد على ضرورة امتناع جميع الدول عن أي عمل من أعمال القوة يحرم الشعوب، ولا سيما الشعوب الواقعة تحت نظم الحكم الاستعمارية والعنصرية أو غير ذلك من أشكال السيطرة الأجنبية، من حقها غير القابل للتصرف في تقرير المصير، وفي الحرية والاستقلال، على نحو ما أشير إليه في إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، وإذ تضع في اعتبارها الصكوك الدولية الراهنة، وكذلك ما في كل منها من مبادئ أو قواعد بشأن تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية، بما في ذلك استنفاد سبل الانتصاف المحلية حيثما أمكن ذلك، وتصميماً منها على تعزيز التعاون الدولي في الميدان السياسي وعلى تشجيع التطوير التدريجي للقانون الدولي وتدوينه، وخاصة فيما يتصل بتسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية،

تعلن رسمياً ما يلي: أولا

1. تتصرف جميع الدول بحسن نية وطبقاً للمقاصد والمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، بهدف تفادي قيام منازعات فيما بينها يحتمل أن تضر بالعلاقات الودية بين الدول مسهمة بذلك في صيانة السلم والأمن الدوليين. وتعيش معاً في سلم، وفي حسن جوار، وتسعى إلى اعتماد تدابير بناءة لتعزيز السلم والأمن الدوليين.

2. تسوي كل دولة منازعاتها الدولية بالوسائل السلمية وحدها، على نحو لا يعرض للخطر السلم والأمن الدوليين والعدالة.

3. تسوى المنازعات الدولية على أساس تساوي الدول في السيادة ووفقاً لمبدأ حرية الاختيار بين الوسائل وفقاً للالتزامات المضطلع بها بموجب ميثاق الأمم المتحدة وفقاً لمبادئ العدالة والقانون الدولي. وكل لجوء أو قبول لأسلوب للتسوية تتفق عليه دول ما اتفاقاً حراً بصدد المنازعات الراهنة أو المقبلة التي تكون أطرافاً فيها، لا يعتبر متنافياً مع تساوي الدول في السيادة.

4. تواصل الدول الأطراف في نزاع ما التقيد في علاقاتها المتبادلة بالتزاماتها التي تضطلع بها بموجب المبادئ الأساسية للقانون الدولي المتعلقة بسيادة الدول واستقلالها وسلامتها الإقليمية، وكذلك غيرها من مبادئ وقواعد القانون الدولي المعاصر المعترف بها على وجه العموم.

5. تلتمس الدول بحسن نية وبروح تعاونية تسوية مبكرة ومنصفة لمنازعاتها الدولية، بأي من الوسائل التالية: التفاوض، أو التحقيق، أو الوساطة، أو التوفيق، أو التحكيم، أو التسوية القضائية، أو اللجوء إلى الترتيبات أو المنظمات الإقليمية، أو أية وسيلة سلمية أخرى تختارها هي ذاتها، بما في ذلك المساعي الحميدة، وعلى الأطراف، في التماس التسوية المذكورة، أن تتفق على الوسيلة السلمية التي تتلاءم مع ظروف نزاعها وطبيعته.

6. تبذل الدول الأطراف في ترتيبات أو منظمات إقليمية قصارى جهدها لتسوية منازعاتها المحلية بالوسائل السلمية عن طريق الترتيبات أو المنظمات الإقليمية المذكورة قبل إحالتها إلى مجلس الأمن. وهذا لا يمنع الدول من توجيه نظر مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

7. في حالة إخفاق الأطراف في نزاع ما في التوصل إلى حل مبكر بأي من وسائل التسوية المذكورة أعلاه، عليها مواصلة التماس حل سلمي والتشاور فوراً بشأن وسائل تتفق عليها اتفاقاً متبادلاً لتسوية النزاع سلمياً. وفي حالة إخفاق الأطراف في أن تسوي، بأي من الوسائل المذكورة أعلاه، نزاعاً يحتمل أن يعرض استمراره السلم والأمن الدوليين للخطر، فعليها إحالته إلى مجلس الأمن وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ودون المساس بوظائف وسلطات مجلس الأمن المنصوص عليها في الأحكام المتصلة بذلك من الفصل السادس من الميثاق.

8. تمتنع الدول الأطراف في نزاع دولي ما، وغيرها من الدول كذلك، عن أي تصرف كان، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الحالة بحيث يهدد صون السلم والأمن الدوليين ويزيد من عسر تسوية النزاع بالوسائل السلمية أو يحول دون ذلك، وتتصرف في هذا الصدد وفقاً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة.

9. ينبغي للدول أن تنظر في عقد اتفاقات من أجل تسوية المنازعات القائمة فيما بينها بالوسائل السلمية. وينبغي لها أيضاً أن تدرج في ما تعقده من اتفاقات ثنائية أو اتفاقيات متعدد الأطراف، حسب الاقتضاء، أحكاماً فعالة من أجل التسوية السلمية للمنازعات التي تنشأ عن تفسير تلك الاتفاقات أو الاتفاقيات أو عن تطبيقها.
10. ينبغي للدول، دون المساس بحق حرية الاختيار بين الوسائل، أن تضع في حسبانها أن المفاوضات المباشرة هي وسيلة مرنة وفعالة لتسوية منازعاتها بالوسائل السلمية. فإذا هي اختارت المفاوضات المباشرة فينبغي لها أن تتفاوض على نحو بناء، بغية التوصل إلى تسوية مبكرة تقبل بها الأطراف. وينبغي كذلك أن تكون الدول على استعداد لالتماس تسوية لمنازعاتها بغير ذلك من الوسائل المذكورة في هذا الإعلان.

11. تنفذ الدول بحسن نية، ووفقاً للقانون الدولي، جميع أحكام الاتفاقات التي عقدتها من أجل تسوية منازعاتها.

12. بغية تيسير ممارسة الشعوب المعنية لحق تقرير المصير على النحو المشار إليه في إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة يمكن أن تكون للأطراف في نزاع ما إذا اتفقت على ذلك وحسب الاقتضاء، إمكانية اللجوء إلى ما يتلاءم مع نزاعها من الإجراءات المذكورة في هذا الإعلان من أجل تسوية النزاع بالوسائل السلمية.

13. ليس في وجود نزاع ما، ولا في إخفاق إجراء ما من إجراءات تسوية المنازعات بالوسائل السلمية، ما يسمح باستعمال القوة أو التهديد بالقوة من قبل أي من الدول الأطراف في النزاع.

ثانيا

1. تفيد الدول الأعضاء إفادة تامة من أحكام ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك الإجراءات والوسائل المنصوص عليها فيه، وخاصة في الفصل السادس، بشأن تسوية المنازعات بالوسائل السلمية.

2. تفي الدول الأعضاء بحسن نية بالالتزامات التي تضطلع بها بموجب ميثاق الأمم المتحدة. وينبغي لها، وفقاً للميثاق وحسب الاقتضاء، أن تضع في الاعتبار على النحو الواجب توصيات مجلس الأمن المتصلة بتسوية المنازعات بالوسائل السلمية. وينبغي لها أيضاً، وفقاً للميثاق وحسب الاقتضاء، أن تضع في حسبانها على النحو الواجب التوصيات المعتمدة من جانب الجمعية العامة، رهناً بأحكام المادتين 11 و 12 من الميثاق في ميدان تسوية المنازعات بالوسائل السلمية.

3. تجدد الدول الأعضاء تأكيد الدور الهام الذي يسنده ميثاق الأمم المتحدة إلى الجمعية العامة في ميدان تسوية المنازعات بالوسائل السلمية وتشدد على ضرورة تمكينها من النهوض بمسئولياتها على نحو فعال. وعليه ينبغي لها:

(أ) أن تضع في الاعتبار أن للجمعية العامة أن تناقش أية حالة، أياً كان منشؤها، ترى من المحتمل أن تخل بالرفاه العام أو بالعلاقات الودية فيما بين الدول، وأن توصي، رهناً بالمادة 12 من الميثاق، بتدابير لتسويتها بالوسائل السلمية؛

(ب) أن تنظر في اللجوء، عندما ترى ذلك مناسباً، إلى إمكانية توجيه انتباه الجمعية العامة إلى أي نزاع أو أي حالة قد يفضيان إلى احتكاك دولي أو يؤديان إلى نشوب نزاع؛

(ج) أن تنظر في الاستعانة، من أجل تسوية منازعاتها بالوسائل السلمية، بالأجهزة الفرعية المنشأة من قبل الجمعية العامة في معرض أداء وظائفها بموجب الميثاق؛

(د) أن تنظر، عندما تكون أطرافاً في نزاع سبق توجيه انتباه الجمعية العامة إليه، في اللجوء إلى مشاورات في إطار الجمعية العامة، بهدف تيسير نزاعها في وقت مبكر.

4. ينبغي للدول الأعضاء أن تعزز الدور الرئيسي لمجلس الأمن كيما يستطيع الاضطلاع على نحو كامل وفعال بمسئولياته، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، في مجال تسوية المنازعات أو أية حالة يحتمل أن يعرض استمرارها صون السلم والأمن الدوليين للخطر. وتحقيقاً لهذه الغاية، ينبغي لها:

(أ) أن تكون على بينة كاملة من التزامها بأن تحيل إلى مجلس الأمن أي نزاع تكون أطرافاً فيه إذا أخفقت في تسويته بالوسائل المشار إليها في المادة 33 من الميثاق؛

(ب) أن تزيد من الاستعانة بإمكانية توجيه انتباه مجلس الأمن إلى أي نزاع أو إلى أية حالة يمكن أن يفضيا إلى احتكاك دولي دون أن يؤديا إلى نشوب نزاع؛

(ج) أن تشجع مجلس الأمن على التوسع في استغلال الفرص التي ينص عليها الميثاق بغية استعراض المنازعات أو الحالات التي يحتمل أن يؤدي استمرارها إلى تعريض صون السلم والأمن الدوليين للخطر؛

(د) أن تنظر في زيادة الاستعانة بما لمجلس الأمن من أهلية لتقصي الحقائق وفقاً للميثاق؛

(هـ) أن تشجع مجلس الأمن على التوسع في الاستعانة بالأجهزة الفرعية المنشأة من قبله في معرض أدائه لمهامه بمقتضى الميثاق وذلك كوسيلة لتعزيز تسوية المنازعات بالوسائل السلمية؛

(و) أن تضع في اعتبارها أن لمجلس الأمن، في أية مرحلة من إحدى المنازعات الموصوفة في المادة 33 من الميثاق أو من حالة ذات طبيعة مماثلة، أن يوصي بإجراءات أو أساليب مناسبة للتسوية؛

(ز) أن تشجع مجلس الأمن على التصرف دون إبطاء، وفقاً لمهامه وسلطاته، خصوصاً في الحالات التي تتطور فيها المنازعات الدولية إلى صراعات مسلحة.

5. ينبغي أن تكون الدول على بينة تامة من دور محكمة العدل الدولية، التي هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة. ويوجه انتباه الدول إلى التسهيلات التي تقدمها محكمة العدل الدولية لتسوية المنازعات القانونية، خصوصاً منذ تعديل نظام عمل المحكمة. وللدول أن تعهد إلى محاكم أخرى بحل خلافاتها بالاستناد إلى الاتفاقات القائمة من قبل أو التي قد تعقد في المستقبل.

وينبغي للدول أن تضع في الاعتبار:

(أ) أنه ينبغي، كقاعدة عامة، أن تحيل الأطراف منازعاتها القانونية إلى محكمة العدل الدولية، وفقاً لأحكام النظام الأساسي للمحكمة؛

أن من المرغوب فيه أن تقوم بما يلي:

"1" أن تنظر في إمكانية تضمين المعاهدات، حسب الاقتضاء، أحكاماً تقضي بأن تعرض على محكمة العدل الدولية المنازعات التي قد تنشأ عن تفسير المعاهدات المذكورة أو تطبيقها؛

"2" أن تدرس إمكانية اختيارها، في نطاق حرية ممارسة سيادتها، الاعتراف بكون ولاية محكمة العدل الدولية ولاية جبرية، وفقاً للمادة 36 من نظامها الأساسي؛

"3" أن تستعرض إمكانية تحديد الحالات التي يمكن اللجوء فيها إلى محكمة العدل الدولية.

وينبغي لأجهزة الأمم المتحدة وللوكالات المتخصصة أن تدرس مدى استصواب الاستفادة من إمكانية التماس الفتاوى من محكمة العدل الدولية بخصوص المسائل القانونية التي تدور في نطاق أنشطتها، شريطة أن يكون مرخصاً لها بذلك وفق الأصول. وينبغي ألا يعتبر اللجوء إلى القضاء من أجل تسوية المنازعات القانونية، ولا سيما إحالة هذه المنازعات إلى محكمة العدل الدولية، عملاً غير ودي بين الدول.

6. ينبغي للأمين العام أن يضع موضع الاستخدام التام أحكام ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بالمسئوليات المسندة إليه. وللأمين العام أن يوجه انتباه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد صيانة السلم والأمن الدوليين. وعليه أن يؤدي أية مهام أخرى يعهد بها إليه مجلس الأمن أو الجمعية العامة. وعليه تقديم تقارير في هذا الصدد إلى مجلس الأمن أو الجمعية العامة كلما طلب منه ذلك. تحث جميع الدول على أن تلتزم وتعزز بحسن نية أحكام هذا الإعلان في تسوية منازعاتها الدولية بالوسائل السلمية؛ تعلن أنه ليس في هذا الإعلان ما يجوز تأويله على أنه يخل على أي نحو بأحكام الميثاق المتصلة بالموضوع أو بحقوق وواجبات الدول أو بنطاق وظائف وسلطات أجهزة الأمم المتحدة بمقتضى الميثاق، ولا سيما تلك المتصلة بالتسوية السلمية للمنازعات؛ تعلن أنه ليس في هذا الإعلان ما يمكن أن يمس على أي نحو بما هو مستمد من الميثاق من حق في تقرير المصير والحرية والاستقلال للشعوب المحرومة من هذا الحق بالقوة والمشار إليها في إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، ولا سيما الشعوب الخاضعة لنظم استعمارية أو عنصرية أو لأشكال أخرى من السيطرة الأجنبية، ولا بحق هذه الشعوب في الكفاح من أجل ذلك الهدف وفي التماس الدعم وتلقيه وفقاً لمبادئ الميثاق وطبقاً للإعلان السابق الذكر، تشدد على أن من الضروري، وفقاً للميثاق، مواصلة الجهود من أجل تدعيم عملية تسوية المنازعات بالوسائل السلمية عن طريق التطوير التدريجي للقانون الدولي وتدوينه، حسب الاقتضاء وعن طريق تعزيز فعالية الأمم المتحدة في هذا الميدان.

(إسرائيل والقانون الدولي)نموذجا

تدّعي «إسرائيل» باستمرار ومنذ قيام كيانها العنصري الذي تجاوز ستين عاماً، إنها ضحية للهجمات الفلسطينية والعربية. لكن إذا كانت «إسرائيل» تلقي بالتهمة على المقاومة وتبرر «ردود أفعالها» بالدفاع عن النفس، ولاسيما التشبث بحق الدفاع المشروع عن النفس حسب القانون الدولي والذي يقره ميثاق الأمم المتحدة في المادة 51 رغم عدم انطباقه على حالة إسرائيل، فلماذا لم تتقدم طيلة العقود الستة الماضية إلى القضاء الدولي؟! علماً أنها الوحيدة في العالم التي أنشئت بموجب قرار من الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947، وتعهدت التزامها بميثاقها، الأمر الذي تصرفت بالضد منه منذ اللحظة الأولى.‏

ولعل سبب عدم لجوء إسرائيل إلى القضاء الدولي يعود أولاً إلى أنها تعرف حقيقة عدوانها المتعارض مع القانون الدولي، والذي يرتب مسؤوليات دولية على مسؤوليها الذين يقومون بخرق قواعده، وثانياً أنها تقوم بنفسها بالانتقام من الأشخاص أو الجهات التي تتجرأ على مقاومتها، سواء من الفلسطينيين أم من البلدان العربية أو تقوم بملاحقة البعض خارجها، بمن فيها أوروبا وعلى أراضي دول صديقة لها، وثالثاً يعود إلى إيمانها بقانون القوة التي ظلت تستخدمه طيلة وجودها وليس بقوة القانون الدولي الإنساني، ورابعاً أنها غير معنية بالقانون الدولي المعاصر والقانون الدولي الإنساني خصوصا، لا إزاء المدنيين أو الأسرى أو الجرحى أو المنكوبين، زمن السلم أو زمن الحرب، بما فيها اتفاقيات جنيف العام 1949 وخصوصاً الملحقين الصادرين عام 1977 الأول الخاص بحماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة والثاني الخاص بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية، ولاسيما وقواعدها تعتبر الاستيطان جريمة دولية، وهو ما ذهبت إليه المحكمة الجنائية الدولية عام 1988 الذي وقعت عليه قبل اغلاق باب التوقيع بسويعات عام 20٠0 ثم انسحبت منه عندما دخل حيز التنفيذ عام 2002.‏

وخامسا أنها تدرك أن القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، بما تضمناه من مبادئ وقواعد قانونية رادعة للعدوان من جهة، وحامية من جهة أخرى لحق الشعوب والأفراد في حقوق الإنسان، ومنظمة للعلاقات الدولية وفقاً لقواعد السلم وعدم استخدام القوة وحق الشعوب في تقرير مصريها في إطار التكافؤ والمساواة من جهة ثالثة، إلا أنهما يحتاجان إلى إرادة دولية وتوازن قوى مازالا مختلين لمصلحتها، وبالضد من المصالح العربية، فالقانون يحتاج إلى قوى نافذة لفرضه ووضعه موضع التطبيق وهو ما تدركه إسرائيل، الأمر الذي يجعلها تستخف به وبسلطاته غير ممكنة التطبيق، إلا بوسائل غير قانونية في الوقت الحاضر، سياسية وعسكرية واقتصادية، وهذه تعمل لمصلحتها طالما هي حليفة للولايات المتحدة.‏

إن القانون الدولي المعاصر يحرم استخدام القوة ويعمد إلى الوسائل السلمية لحل المنازعات ولايعترف بنتائج الغزو والضم (القدس والجولان مثلاً) ويقر حق تقرير المصير، لكن نقص هذا القانون هو في إمكانات فرضه ولاسيما إذا كانت القوى المتنفذة تقف إلى جانب القوى وتخذل الضعيف ومهضوم الحقوق.‏

إن الذي يدعم القانون الدولي ويسهم في فرضه ولاسيما من جانب الشعوب المهزومة والتواقة إلى الحرية والانعتاق، هو استمرار تأكيد وممارسة الحق في المقاومة، وذلك لحين التغيير في موازين القوى وهو ما يلقي باللوم على منظمة العفو الدولية، ذات المهنية العالية والصدقية الكبيرة حين لم تأخذ هذا الحق وتضعه في اعتبارها عندما تتحدث عن القانون الدولي الإنساني، ولاسيما في حالة العدوان على غزة، وإذا افترضنا أن حماس وهي ليست دولة، بل جزء من حركة التحرر الوطني، وهي تمارس حقها قي المقاومة عن بعد وفي اختلال موازين القوى فإنها لاينبغي أن تكون في كفة ميزان واحدة مع إسرائيل التي تقوم بارتكابات ضد القانونين الدولي والإنساني منذ قيامها إلى حد هذا اليوم.‏

ولعل من المفارقة أن إسرائيل المعتدية منذ تأسيسها والمدموغة عقيدتها منذ عام 1975 من الأمم المتحدة بالعنصرية، بكون الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري ارتكبت جرائم زادت بشاعتها بعد قيام مؤسسات قضائية دولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الخاصة ولاسيما بعد انفراد واشنطن وهمينتها في العلاقات الدولية منذ انتهاء عهد الحرب الباردة وتحول الصراع الإيديولوجي من مواجهة الشيوعية الدولية إلى مواجهة الإسلام، وهو ما جرى التعبير عنه بشكل صارخ خلال عدوانها على لبنان عام 2006 وعدوانها على غزة 2008- 2009 بعد حصار دام أكثر من سنتين وستة أشهر.‏

إن إسرائيل لاتريد اللجوء إلى القانون الدولي، لأن هذا الأخير يسائل عن هذه الجرائم أولاً، ولأنه يعطي الحق للمقاومة في استخدام الوسائل السلمية والعنيفة من أجل حقها في تقرير المصير وهو الأمر الذي ترفضه إسرائيل.‏

فالصراع حول فلسطين هو صراع سياسي يجري ضمن إطار قانوني، فمنذ بداية الصراع، ومع خطة التقسيم المشئومة التي شملها القرار 181 لعب القانون الدولي دوراً مهماً في الصراع، واليوم، فإن هذا الصراع يتم من خلال الجدل القانوني أكثر من أي وقت مضى. وبالتالي، فمن المناسب أن ننظر إلى هذا الصراع من وجهة نظر قانونية كما سنفعل في هذا المؤتمر.

منذ إعلان « دولة إسرائيل » قبل ستين عاماً، و« إسرائيل » تنتهك القانون الدولي بشكل مستمر. فعلى مرّ السنين، قامت « إسرائيل »، وما تزال، بانتهاك بعض أكثر المعايير أساسية في القانون الدولي. فقد اتُهمت « إسرائيل » بانتهاك القانون الدولي من قبل كل من : مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان، والأجسام والهيئات المراقبة لتطبيق اتفاقية حقوق الإنسان، والمحكمة الجنائية الدولية. وفي هذا الجانب، تشبه « إسرائيل » نظام الفصل العنصري الذي حكم جنوب أفريقيا وقام بانتهاك القانون الدولي لأكثر من أربعين عاماً، من خلال ممارسة التمييز العنصري، والقمع السياسي، وتصنيع الأسلحة النووية، والقيام باعتداءات عسكرية على جيرانه. إلا أن التشابه بين الاثنين يقف عند هذا الحد. فقد فرض مجلس الأمن الدولي على دولة جنوب أفريقيا حظر استيراد السلاح، وتعرضت لشتى أنواع العقوبات من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة والدول الكبرى، وعزلت عن المجتمع الدولي من النواحي التجارية والرياضية والتعليمية والثقافية. وفي النهاية، رضخت دولة جنوب أفريقيا للضغط الدولي وتخلت عن نظام الفصل العنصري. أما « إسرائيل »، فقد ظلت صديقة للغرب، ولم تتعرض إلا للقليل من الضغوطات لحثها على الالتزام بالمعايير الدولية... لماذا؟ وما هي عواقب هذا الأمر؟ هذه بعض الأمور التي أود أن أتحدث عنها اليوم.

في مقاربة هذا الموضوع أود الحديث عن ثلاث قضايا، أولاً : المعايير القانونية الأساسية التي انتهكتها « إسرائيل ». وثانياً : ردة فعل المجتمع الدولي، ولماذا « إسرائيل » محمية. وثالثاً : ما هي عواقب الوضع الحالي وانعكاساته على السلام العالمي بشكل عام، وحقوق الإنسان بشكل خاص.

1ـ المعايير القانونية التي انتهكتها « إسرائيل » : إن التطهير العرقي هو أحد أكبر الجرائم الدولية شناعة، وهو بالتأكيد جريمة ضد الإنسانية، وقد يشكل إبادة جماعية. لقد صورت « إسرائيل »، عند إعلان قيامها سنة 1948، عملية التطهير العرقي التي شنتها ضد الفلسطينيين على أنها هجرة أو رحيل اختياري قام به مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الدول المجاورة. ومؤخرا، تم تدقيق السجلات التاريخية بتأن أكثر من ذي قبل، من قِبل إيلان بابي وغيره. ولم يعد هناك شك بأن « إسرائيل » قامت بطرد ما يقارب الـ 750 ألف فلسطيني من أرضهم وديارهم، بطريقة وحشية محسوبة، وباستخدام العنف والإرهاب.

وإمعانا في الأمر، تجاهلت « إسرائيل »، وما تزال، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، الذي صدر في 11/12/1948، والقاضي بوجوب السماح بعودة اللاجئين إلى ديارهم، ودفع التعويضات لهم في حال لم يرغبوا بالعودة. وعلى الرغم من أن « إسرائيل » ارتكبت منذ السنة الأولى لإنشائها جرائم ضد الإنسانية بطريقة ممنهجة، ورفضت الرضوخ لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحل قضية اللاجئين، فقد سمح لها بدخول الأمم المتحدة سنة 1949، كدولة محبة للسلام، قادرة على، بل ومستعدة، لتطبيق ما يترتب عليها من التزامات تفرضها شرعة الأمم المتحدة. وبالتالي، فإن المجتمع الدولي غض الطرف منذ البداية عن جرائم « إسرائيل »، مما عنى أنها سوف تكون محمية ومقدمة مهما ساءت تصرفاتها. فعلى سبيل المثال لقي العدوان الإسرائيلي على سيناء سنة 1956 ترحيباً داخل « إسرائيل » (وفرنسا وبريطانيا) على اعتباره عملاً دفاعياً وحرباً عادلة ومبررة. ولكن، مرة أخرى، فإن الدراسات التاريخية التي أجريت مؤخراً، واستطاعت أن تضع يدها بشكل كامل على المادة التاريخية المتعلقة بالموضوع، توصلت إلى خلاصة مختلفة عما قيل في زمن الحرب. فالمؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم يرى أن كلا من « إسرائيل » وبريطانيا وفرنسا، كانوا متورطين في « العدوان الثلاثي » الذي كان له عواقب كارثية. والمفاجئ في هذا الخصوص أنه على الرغم من تحفظات بريطانيا على إنشاء « دولة إسرائيل » في سنتي 1948/1949، إلا أنها لم تتورع عن جعل « إسرائيل » حليفة لها في حرب عدوانية.

والمجتمع الدولي موحد في اعتقاده بأن اتفاقية جنيف الرابعة ملزمة لـ « إسرائيل » فيما يتعلق بتعاملها مع الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة. وهذا الاعتقاد مبني على مبادئ قانونية سليمة، وعلى تفسيرات الاتفاقية. ولكن « إسرائيل » أثارت مجددا حججا واهية لتبرير رفضها لتطبيق الاتفاقية في الأراضي المحتلة، مدعية بأنها لم تقم باحتلال أراضي دولة ذات سيادة، مما يجعل اتفاقية جنيف الرابعة غير قابلة للتطبيق على تلك المناطق. وعلى الرغم من الإجماع الدولي حول هذا الموضوع، فإن « إسرائيل » ترفض الانصياع. فحتى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لسنة 2004، لم يقنع « إسرائيل » بقبول أحكام القانون الدولي. وبالتالي فإنه من غير المستغرب أن تقوم « إسرائيل » بتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية (وفي غزة سابقاً)، بناء على حجة عدم إلزام اتفاقية جنيف الرابعة. ويشكل رفض « إسرائيل » لوقف بناء المستوطنات انتهاكا واضحا للمادة 49 (6) من اتفاقية جنيف الرابعة، والمجتمع الدولي متفق على ذلك، وليس هناك من يدعم حجج « إسرائيل » الواهية، فحتى المحكمة العليا الإسرائيلية التي عادة ما تكون مستعدة لتقديم الدعم للحكومة لم تصادق على هذا الموقف. ولكن، رغم ذلك، لم يستطع المجتمع الدولي ان يقوم بخطوة ذات مغزى، على الرغم من الاستمرار في بناء المستوطنات، مما يجعل الحل القائم على إنشاء دولتين حلا غير قابل للتطبيق أكثر فأكثر.

وتنتهك « إسرائيل » أيضا العديد من البنود الأخرى لاتفاقية جنيف الرابعة، وذلك من خلال فرض العقوبات الجماعية (المادة 33)، وتدمير الأملاك والمنازل من دون أن يكون هناك ضرورة عسكرية لذلك (المادة 53). وعادة ما يُنسى ان هذه الاتفاقية، وكذلك أعراف القانون الدولي، تفرض على « إسرائيل » ان توفر المتطلبات الصحية والتعليمية للناس الخاضعين للاحتلال، وأن توفر لهم الطعام والدواء المناسب (المادة 50، 55، و56). إلا أن « إسرائيل » لا تفي بهذه الالتزامات، وتعتمد بشكل تام على المجتمع الدولي المانح، وعلى مهربي البضائع في الأنفاق للقيام بهذه المهمة. وبالطبع، فإن المجتمع الدولي المانح في موقف لا يحسد عليه، فهو من جهة يعلم أنه يدعم « إسرائيل »، ولكنه من جهة أخرى يعلم أيضا أنه إذا لم يقم بما يقوم به فإن الشعب الفلسطيني سوف يعيش المعاناة. وفي وقت ما في السبعينيات، بدأت كل من « إسرائيل » ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بتصنيع السلاح النووي، وفي سنة 1990، دمرت جنوب أفريقيا ترسانتها النووية، إلا أن « إسرائيل » احتفظت بسلاحها النووي. وعلى العكس من إيران، فإن « إسرائيل » ليست طرفا في اتفاقية الحد من انتشار السلاح النووي، وبالتالي، فإنه وبعكس إيران أيضا لا يمكن اتهامها بانتهاك التزاماتها تجاه تلك الاتفاقية. ان القانون الذي يحكم امتلاك السلاح النووي يحرم التصنيع السري لهذا السلاح، الموقف الغربي تجاه « إسرائيل » وإيران في هذا الخصوص، يعكس مدى استخدام المعايير المزدوجة. فالعقوبات تفرض على إيران، ربما بسبب قيامها باتخاذ خطوات لتطوير أسلحة نووية، وعدم إيفائها بالتزاماتها تجاه اتفاقية الحد من انتشار السلاح النووي، ولكن شيئا من هذا لا يحدث لـ« إسرائيل » التي تمتلك الأسلحة النووية، لكنها لا تقدم تقارير عن امتلاكها لمثل هذه الأسلحة (على عكس الهند وباكستان).

أما انتهاك « إسرائيل » لاتفاقيات حقوق الإنسان فيستحق أن نفرد له كلاما خاصا، فـ « إسرائيل » وقّعت على الاتفاقيتين الدوليتين، اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز، واتفاقية حقوق الطفل والاتفاقية الخاصة بمناهضة التعذيب.

وتدعي أن بنود هذه الاتفاقيات لا تنطبق ولا تحكم أداءها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو أمر رفضته الهيئات المراقبة لتطبيق هذه الاتفاقيات، ومحكمة العدل الدولية. وقد تم توثيق الانتهاكات الاسرائيلية لهذه الاتفاقيات من قبل هذه الهيئات المراقبة، كما وثّق أيضا من قبل محكمة العدل الدولية. ومن المهم الحديث بشكل خاص عن انتهاك بنود اتفاقيتي منع التمييز والتعذيب وانتهاك حق الحياة. فالتمييز مدان في كل الاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، و« إسرائيل » تمارس التمييز ضد الفلسطينيين بشكل كبير في عدة مجالات، وخصوصا فيما يتعلق بحرية الحركة. إذ يمكن ان مقارنة نقاط التفتيش التي تقيمها « إسرائيل » بنظام العبور الذي كان متبعاً من قبل نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، كما أن تخصيص طرق منفصلة للفلسطينيين وأخرى للمستوطنين له سابقة أيضا في نظام الفصل العنصري نفسه. وهذا ما يفسر لماذا يعلن سكان جنوب افريقيا من السود والبيض عندما يزرون فلسطين أن الوضع السائد فيها، أسوأ مما كان سائدا في زمن نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا.

وحاليا، يعد حظر التعذيب مبدأ أساسيا في القوانين الدولية، وهو مبدأ يتمتع بوضعية « القانون الملزم » ، ويشكل جريمة ضد الإنسانية. والدول التي تمارس التعذيب تتعرض لانتقادات وإدانة واسعة. ولكن هذا الأمر لا ينطبق على « إسرائيل »، وذلك على الرغم من وجود أدلة حسية على أن القوى الأمنية الإسرائيلية تمارس التعذيب ضد الأسرى والمحتجزين الفلسطينيين بشكل روتيني وممنهج. كما أن « اسرائيل » أيضا تقوم باغتيال مناوئيها السياسيين، او ما يطلق عليه مجازا بالاستهداف بالاغتيال. ولو أن أي دولة أخرى لجأت لمثل هذه الممارسات ضد مناوئيها السياسيين، لأثارت بذلك السخط الدولي. ولكن في حالة « إسرائيل »، فإن هذه الممارسات مقبولة، وتستمر الدول بتزويد « إسرائيل » بالأسلحة المتطورة من أجل أن تواصل القيام بما تقوم به.

أما فيما يتعلق بالجدار، فقد رأيت أجزاء عديدة منه، وكمبعوث خاص لحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد تقصدت القيام بزيارة للجدار والحديث الى المزارعين والمجتمعات المتضررة من قيامه. وليس لدي شك بأن الهدف الأساسي من بناء الجدار، هو الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بحكم الأمر الواقع، وذلك من أجل ادخال 8% من المستوطنين ضمن « اسرائيل »، وذلك من أجل المضي قدما بـ « تهويد » القدس.

ولكن مؤخرا، حتى « إسرائيل » تخلت عن هذه الحجة، وهي تعترف اليوم دون خجل بأن الهدف الأساسي من هذا الجدار هو إعادة ترسيم حدود « إسرائيل » من أجل ضم معظم المستوطنات. وقد حكمت محكمة العدل الدولية بعدم شرعية الجدار، وبأنه ينتهك اتفاقية جنيف الرابعة، تماما كما ينتهك معاهدة حقوق الإنسان، ودعت « إسرائيل » الى تفكيكه ودفع التعويضات للفلسطينيين الذين صودرت أراضيهم (انظر الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول : العواقب القانونية لبناء الجدار في الأرضي الفلسطينية المحتلة، تقرير محكمة العدل الدولية الرقم 131 لسنة

2004). ولكن الاستجابة الدولية لهذا الموضوع كانت ضعيفة ومترددة. وبكلمات أخرى، لم تحدث أي محاولات لتعزيز رأي محكمة العدل الدولية. وسوف أتحدث أكثر عن هذا الموضوع باختصار. فـ« اسرائيل » مصممة على تغيير هوية القدس وتحويلها من مركز للحياة الفلسطينية إلى مدينة يهودية، فيتم تهديم البيوت بطريقة غير قانونية، ويجري بناء الجدار في جوار القدس مقسما العائلات الفلسطينية من خلال عملية البناء، والدخول إلى الأماكن الدينية مقيد كثيراً. حتى المدينة المقدسة لم تسلم من عملية الاستيلاء الإسرائيلية غير الشرعية على الأراضي.

وأخيرا وفي إطار هذا التكرار السطحي والمطول لجرائم « إسرائيل »، هناك توغلاتها العسكرية المتكررة في غزة والضفة منذ سنة 2000، وفي لبنان سنة 2006، وفوق هذا كله الاعتداء الذي نفذته على قطاع غزة تحت مسمى عملية الرصاص المنصهر. فبصفتي رئيسا للجنة جامعة الدول العربية المستقلة لتقصي الحقائق، والتي زارت القطاع في شباط/فبراير 2009، كانت لي فرصة رؤية الدمار الذي أحدثه جيش الدفاع الإسرائيلي والحديث إلى الضحايا. ولم تتردد اللجنة في إعلان أن « اسرائيل » قد ارتكبت جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في عملية الرصاص المنصهر.

كيف نصنف « إسرائيل »؟؟؟؟

أولا : ان تنكرها لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، واستغلالها مواردهم الطبيعية (وبالأخص المياه)، وقمعها الشعب الفلسطيني، وما تقوم به من أنشطة استيطانية، وما تنفذه من سياسات، تجعلها في مصاف الدول المستعمرة في عالم جعل الاستعمار أمرا خارجا عن القانون.

ثانيا : وكما تثبت دراسة أجراها مجلس جنوب افريقيا لأبحاث العلوم الانسانية، فإن أفعال « اسرائيل » التمييزية والقمعية تقع ضمن المحرمات التي تتضمنها اتفاقية حظر وقمع الجرائم التي يقوم بها نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا والتي وقعت سنة 1973، وهي تشبه الى حد كبير هذا النظام، بل تتخطاه.

وثالثا : ان « اسرائيل » دولة ذات سجل إجرامي. ولقد امتنعت لجنة القانون الدولي في مسوداتها حول مسؤولية الدول عن الأعمال الخاطئة دوليا لسنة 2001، عن معالجة موضوع الجرائم الدولية، بحيث توصلت الى نتيجة مفادها أن تعبير مسؤولية الدول الجنائية هو تعبير غير مؤكد. ولكن كيف يمكن أي إنسان أن يصف دولة تمارس الاستعمار والفصل العنصري، وهي مسؤولة عن العديد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية؟ بالتأكيد يجب النظر إليها على أنها دولة مجرمة.

2ـ ردة فعل المجتمع الدولي مع تركيز خاص على الغرب

ان العالم الثالث كله موحد ضد العدوان الاسرائيلي، وهذا ما انعكس في التصويت ضد « إسرائيل » في مجلس حقوق الإنسان. ولكن ما تقوم به « إسرائيل » ليس ذا أهمية قصوى في معظم دول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، فكل هذه الدول غير راغبة في تعرض مصالحها وعلاقاتها الجيدة مع الغرب من خلال تبني القضية الفلسطينية بقوة. ولا أجد نفسي أفهم فهماً كافياً سياسات العالم العربي لأتكلم عن الاستجابة العربية. ولكن يكفي القول إن الشارع العربي يشعر ويعيش الكثير من القلق بسبب الاعتداءات الإسرائيلية، إلا أن ذلك لا ينعكس على سياسات الحكومات وأدائها. ومن الواضح أن الدول العربية يمكنها أن تقوم بأكثر مما تقوم به لمساعدة الفلسطينيين، سواء من الناحية السياسية أو المادية. ويساورنا الشك بأن العديد من قادة الدول الغربية غير مستعدين لتعريض علاقتهم بواشنطن للخطر من أجل الفلسطينيين. ومما يزيد الطين بلة أن الفلسطينيين ليس لديهم قيادة، فحالة الانقسام بين فتح وحماس، وفشل السلطة الفلسطينية في أن تمسك بزمام الأمور بتماسك، كما ظهر في أداء عباس الأخير بشأن تقرير غولدستون، يجعل من الصعوبة بمكان على الدول العربية أن تحدد ماذا يريد الفلسطينيون. وفي مثل هذه الظروف، سوف أركز على استجابة الغرب لممارسات « إسرائيل ».

إن الغرب، وبالتحديد أوروبا الغربية، على دراية في حقيقة الأمر بمعاناة الفلسطينيين والظلم الذي يتعرضون له. فتقرير البعثة الأوروبية في رام الله نقل بدقة للحكومات الأوروبية حقيقة الوضع، تماما كما تفعل المنظمات الأهلية الأوروبية. وتظهر حكومات الدول الغربية تعاطفها مع الأوضاع القائمة من خلال تمويل المشاريع الإنسانية في فلسطين على نطاق واسع، كما أن الرأي العام الأوروبي يتعاطف تعاطفاً واسعاً مع القضية الفلسطينية، ويدعم المنظمات الأهلية التي تنفذ برامج إنسانية في المنطقة، ومن دون هذه المساعدات لا تستطيع فلسطين الصمود. ولكن على المستوى السياسي في الأمم المتحدة، وخصوصا في اللجنة الرباعية، ومجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، فإنه يجب الحكم على أداء هذه الحكومات. فمما لا شك فيه أن سياسات الغرب تجاه « إسرائيل » تحددها واشنطن، وسياسات واشنطن في هذا الخصوص يحددها اللوبي الإسرائيلي، الذي يضم المنظمات اليهودية الأميركية والمسيحيين الإنجيليين.

إن الاتحاد الأوروبي ومعظم الدول الأوروبية تتبع واشنطن بطريقة عمياء، ولعل الشعور بالذنب تجاه الهولوكوست، يلعب دورا كبيرا في عملية صناعة السياسة الأوروبية، ولكن أساساً فإن الاتحاد الأوروبي يتبع خطى واشنطن.

والغرب مصمم على تجنب تطبيق سياسته تجاه جنوب أفريقيا على « إسرائيل ». ففي مجلس الأمن تستخدم الولايات المتحدة حق الفيتو لحماية « إسرائيل »، مع أو دون مساعدة فرنسا وبريطانيا. وفي الرباعية، وهي اللجنة التي أسسها على نحو غير رسمي مجلس الأمن الدولي لتعزيز العملية السلمية في الشرق الأوسط والتي تضم الامم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، فإن واشنطن تقود زمام الأمور لتضمن عدم اتخاذ أي موقف قوي ضد « إسرائيل ». وهذا ما يفسر موقف الرباعية تجاه رأي محكمة العدل الدولية حول الجدار، والسبب وراء ذلك واضح، فالولايات المتحدة عارضت دائماً رأي المحكمة، وهي مصممة على أن تجعله غير فاعل. والأمم المتحدة بقيادة أمينها العام غير قادرة على الوقوف في وجه واشنطن، كما أن الاتحاد الأوروبي وروسيا غير مستعدين لتحدي واشنطن، على الرغم من التزاماتهما تجاه حكم القانون وحقوق الإنسان.

3ـ عواقب فشل الغرب في التصرف ضد « إسرائيل »

لن تكون هناك أية عواقب خارج فلسطين من امتناع الغرب عن اتخاذ أية إجراءات ضد « إسرائيل ». سيستمر الوضع على ما هو عليه داخل فلسطين، أي ان اللجنة الرباعية سوف تستمر بالترويج لخطة خريطة الطريق غير الفعالة، داعية « إسرائيل » الى وقف الاستيطان والتصرف بسلوك حسن، وداعية الفلسطينيين الى التصرف بقسوة اكبر مع الإرهابيين، دون أن تكون هناك أية خشية من أية عقوبات. أما مجلس الأمن، فسوف يستمر في جدله حول هذا الموضوع دون فرض أية عقوبات، وهذا ما سيسمح لـ« إسرائيل » بزيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية، وإحكام قبضتها على وادي الأردن، واستكمال عملية تهويد القدس، وإنهاء بناء الجدار العازل، وضم 13% من الأراضي الفلسطينية، والاستمرار في حصار غزة، مع ما يمكن أن يستلزمه ذلك من توغلات عسكرية.

أما العواقب على المدى البعيد فسوف تكون أكثر خطورة. فإذا ما سمح لـ« إسرائيل » بالاستمرار بما تقوم به حاليا، فإن الحل القائم على إنشاء دولتين سوف يصبح مستحيلا، وسيترتب على الغرب ان يصبح في مواجهة بديل واحد ممكن، وهو دولة واحدة ذات أغلبية فلسطينية. وحينها سوف يكون لزاماً على الغرب أن يقرر ما اذا كان يريد دعم حل قيام دولة فصل عنصري يكون لليهود الاقلية سلطة على الاكثرية الفلسطينية، أو الإصرار على حكم الاكثرية في دولة ديموقراطية. وفيما هذه العملية قد أخذت طريقها للتحقق فعلا، فإن الرأي العام في الدول العربية سوف يقوى ويتجذر أكثر، وحكومات الدول « المعتدلة » سوف تزول لتحل محلها أنظمة أكثر راديكالية.

ان العالم الثالث، يرفض لجم من ينتهكون حقوق الإنسان في مقابل إصرار الغرب على حماية « إسرائيل » من النقد لانتهاكها حقوق الإنسان. وهذا ما يحدث أساسا في مجلس حقوق الإنسان، حيث تستعمل دول العالم الثالث مجلس حقوق الإنسان أداة لإدانة « إسرائيل »، فيما تحمي منتهكي حقوق الإنسان فيها من المساءلة بسبب حماية الغرب لـ« إسرائيل ».

ولكن يبدو أن هذه العواقب لن تردع الغرب، فبالنسبة لهم فإن حماية الدولة اليهودية هي الأساس مهما كانت التكلفة. أما الحل القائم على إنشاء دولتين، وتحسين العلاقات مع العالم الإسلامي، وعالمية حقوق الإنسان، فهي ليست سوى خراف يمكن التضحية بها على مذبح إرضاء « إسرائيل ».

المراجع

1. أحمد الرشيدي ، جامعة الدول العربية وتسوية المنازعات ، جامعة الدول العربية ـ الخبرة التاريخية ومشروعات التطوير ، القاهرة ، 1993
2. أحمد عبد الونيس شتا - الأصول العامة للعلاقات الدولية في الإسلام وقت السلم - المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996
3. الامير نيقولو مكيافللي، تعريب خيري حماد، مكتبة التحرير، بغداد الطبعة التاسعة 1988
4. أمين هويدي: التحولات الاستراتيجية, البريسترويكا وحرب الخليج الأولى, دار الشروق , مصر, الطبعة الأولى 1997
5. د. وائل احمد علام – المنظمات الدولية (النظرية العامة) – جامعة الزقازيق
6. محمد عبدالله العربي - دراسات في النظم الدستورية المعاصرة - معهد الدراسات الاسلامية – 1966
7. شقيق ناظم الغبرا: النزاعات وحلها، إطلالة على الأدبيات والمفاهيم- المستقبل العربي- مركز دراسات الوحدة العربية- لبنان، ع 171 ماي 1993
8. عباس رشدي العماري: إدارة الأزمات في عالم متغير، مركز الأهرام للترجمة والنشر (القاهرة) الطبعة الأولى 1993.
9. عبد الفتاح عودة ، جامعة الدول العربية وتسوية المنازعات ، الرباط أكدال ، جامعة محمد الخامس ، الطبعة الأولى ، الدار البيضاء 1997 .
10. عثمان عثمان: مواجهة الأزمات - مصر للنشر والتوزيع - الطبعة الأولى 1995
11. على حسني الخربوطي - اضواء جديدة على تاريخ العالم الاسلامي (دراسة نقدية وتحليلية لابرز احداث العالم الاسلامي في العصور الوسطى والحديثة) – معهد الدراسات الاسلامية – 1976
12. علي صادق أبو هيف: القانون الدولي العام، الطبعة الثامنة 1966 منشأة المعارف بالإسكندرية، مصر
13. عمر شريف - نظام الحكم والادارة في الدولة الاسلامية (دراسة مقارنة) - معهد الدراسات الاسلامية 1982
14. محمد الشافعي: إدارة الأزمات, مركز المحروسة للبحوث والتعريب والنشر - الطبعة الأولي - يناير 1999
15. معجم الدبلوماسية والشؤون الدولية، مستوحى فوق العادة، مكتبة لبنان بيروت، طبعة جديدة 1986.
16. مفيد محمود شهاب ، جامعة الدول العربية ، ميثاقها وإنجازاتها ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، معهد البحوث والدراسات العربية ، 1978
الدويات والمجلات
1. أحمد الرشيدي ، وظيفة جامعة الدول العربية في مجال التسوية السلمية للمنازعات ،المستقبل العربي ، العدد 171 ، ماي 1993
2. أحمد عباس عبد البديع: إدارة الأزمات الدولية ودبلوماسية القوة مجلة السياسة الدولية (الأهرام، مصر) عدد 111 يناير 1993.
3. احمد علّو - استراتيجيا الأمن الجماعي - مجلة الجيش- العدد 249- 1-3-2006
4. الامم المتحدة الماضي - الحاضر – المستقبل- عدنان عبد العزيز مهدي - منشور في مجلة جامعة تكريت للعلوم الادارية والاقتصادية و الانسانية- - العدد الرابع 2005 - مركز القوانين العربية - http://www.arblaws.com/board/archive...hp/t-2793.html
5. تطور أداء مجلس الأمن في مجال المحافظة على السلم والأمن الدوليين-د. ادريس لكريني- مدونات مكتوب - http://drisslagrini.maktoobblog.com/
6. ظاهرة الصراع في العلاقات الدولية : الإطار النظري العام - إسماعيل صبري مقلد - مجلة العلوم الاجتماعية – جامعة الكويت- المجلد : 4 العدد : 41976
7. عبدالله بن راشد السنيدي- المنازعات الدولية والخطوات اللازمة لتسويتها–جريدة الجزيرة السعودية- الثلاثاء 3/1/2007- العدد 12515- http://www.al-jazirah.com.sa/2007jaz/jan/3/ar3.htmمحمد صـدام جبـر: المعلومات وأهميتها في إدارة الأزمات - المجلة العربية للمعلومات (تونس ) - المجلد التاسع عشر -العدد الأول 1999
9. منظمة العفو الدوليةhttp://www.amnesty.org/ar/internatio...th-commissions
10. موقع مقاتل من الصحراء- http://www.moqatel.com/openshare/Beh...
المصدر 

شاركنا بتعليقك...

التعليقات



، اشترك معنا ليصلك جديد الموقع اول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

احصائيات الموقع

جميع الحقوق محفوظة

علوم قانونية وادارية

2010-2019