الجزء الأول:
" رهن المنقولات دون نقل الحيازة":
محاولة في قراءة اطروحة الباحث الحبيب خليفة جبودة المتعلقة ب "رهن المنقولات دن نقل الحيازة محاولة في التأصيل"
إعداد: العربي محمدي
طالب باحث بكلية الحقوق اكدال- الرباط-
وحدة القانون المدني المعمق-
يستأثر موضوع رهن المنقولات دون نقل الحيازة بأهمية بالغة تجد أساسها في كون هذا النوع الجديد من الرهن يلاقي عناية كبيرة في التشريع المغربي.
فالمشرع المغربي عالج صور هذا الرهن لأول مرة بموجب ظهير 31/12/1914 المتعلق ببيع المحلات التجارية و رهنها, لتتوالى من بعده تشريعات أخرى خصصت كل واحدة منها لتنظيم رهن منقول معين مرتبط بنشاط اقتصادي كظهير 27/8/1918 المتعلق برهن المحصولات الفلاحية و الذي نص على إمكانية رهن المحصولات الفلاحية دون أن يتخلى الراهن على حيازتها, إلى غير ذلك من الرهون التي وجدت تطبيقات لها في إطار التشريع المغربي و نخص بالذكر الظهائر المتعلقة برهن النبيذ و رهن الزيتون و رهن المعادن, ناهيك على امتداد فكرة الرهن الرسمي لرهن السفن و الطائرات.
على أن التطور الملحوظ في هذا الإطار يتعلق أساسا بما حملته مدونة التجارة الجديدة لسنة 1996 التي أقرت هذا النوع الجديد من الرهون في إطار المادة 336 التي نصت على الآتي "الرهن نوعان رهن يفترض معه تخل المدين على الحيازة و رهن لا يفترض فيه دلك".
و مما لا شك فيه أن ورود الرهن دون نقل الحيازة كنوع مستقل من الرهون في القانون التجاري إنما يعكس الصورة الجديدة من الرهن و يواصل تأكيد قناعة المشرع المغربي بها كأداة قانونية و اقتصادية فعالة و يدفع بالموضوع إلى واجهة الاهتمام.
و سنحاول تحليل الموضوع انطلاقا من أطروحة الباحث الحبيب خليفة جبودة المتعلقة ب "رهن المنقولات دن نقل الحيازة محاولة في التأصيل". وهي أطروحة لنيل الدكتوراة في القانون الخاص نوقشت في جامعة محمد الخامس اكدال في السنة الجامعية 1996-1997 أي إبان صدور القانون التجاري الجديد.
و سنحاول في هذا التقرير إبراز كيفية معالجة الباحث للموضوع وما هي الفرضية التي اعتمدها من خلال الإشكالية المعتمدة و ذلك في مبحث أول على أن نخصص المبحث الثاني لتقييم الاستنتاجات التي توصل إليها و الأطروحة عموما.
المبحث الأول: الإشكاليات المطروحة و كيفية معالجتها:
وجود الرهن دون نقل الحيازة في المنقول في إطار القانون المغربي يشكل ظاهرة ملفتة للانتباه فقد أخذت تطبيقات هذه الفكرة حيزا تشريعيا هاما ضم تحت لوائه العديد من المنقولات المتنوعة في أهميتها و المختلفة في قيمتها التي يمكن رهنها دون نقل حيازتها
و قد بدأ أول صورة لهذا الرهن بموجب ظهير 31/12/1914 المتعلق برهن الأصل التجاري ليتعزز من بعده بعديد من الظهائر التي جاءت لتأكيد اهتمام المشرع المغربي بهذه الآلية الجديدة من الرهون من خلال التشريعات التالية:
-ظهير 27/8/1918 المتعلق برهن المحصولات الفلاحية.
-ظهير 27/04/1933 المتعلق بضبط رهن المحصولات الفلاحية التي على ملك الشركة الاتحادية للمستودعات و المطامير التعاونية المغربية
-قرار 12 نوفمبر1937 يتعلق برهن النبيذ
-ظهير 2 فبراير1940 المتعلق برهن الزيت
-ظهير 2/8/1940 المتعلق برهن المعادن
-ظهير 20/3/1950 المتعلق برهن المحصولات و المواد
-ظهير 22/11/1956 المتعلق برهن أدوات و معدات التجهيز
هذا إضافة للظهائر المتعلقة برهن السفن و الطائرات التي أكدت على إمكانية امتداد الرهن الرسمي على هذه المنقولات
ونخص بالذكر هنا ظهير 19/3/1919 بشان القانون البحري و كذا الرسوم المنظم للطيران المدني الصادر في 10/7/1962 .على أن التحول المهم في هذا الإطار هو ما ورد في مدونة التجارة لسنة 1996 التي أكدت وجود هذا النوع الجديد من الرهون في إطار المادة336 من مدونة التجارة.
وعلى العموم فالهدف من إدراج هذه الظهائر هو إبراز اهتمام المشرع المغربي بهذا النوع الجديد من الرهون مما يشكل تطورا كبيرا على مفهوم الرهن التقليدي طالما أن ظهوره لأول مرة جاء مخالفا للقواعد العامة التي كانت سائدة آنذاك خصوصا تلك القائمة على ضرورة نقل الحيازة للدائن في اطارالرهن الحيازي.
و بالتالي أصبح هذا النوع الجديد يطرح مشكلة معقدة تتعلق بوظيفة الضمان التي خلقت الرهون و الحقوق العينية التبعية بشكل عام من اجلها, فكيف يمكن القبول بضمان يبقى لدى المدين و إلى أي حد يمكن الوصول مع ذلك لتحقيق الحماية الكافية للدائن
يمكن القول إذن أن الهاجس الأساسي وراء إقرار هذه الرهون ترتكز أساسا على توفير سائل التمويل الضررية للمدين
و يبدو أن هذا الحرص هو الذي اقتضى أن يظهر الرهن الجديد بهذا الشكل الجديد و أن يتضمن هذه الخصوصية التي جعلته يتناقض مع الشكل المعروف لرهن المنقول الأمر الذي يظهر أساسا بكون هذا الرهن يرتبط بمجال اقتصادي معين و مقصورا على أنواع معينة من المنقولات التي روعي فيها نوع الأنشطة الاقتصادية القائمة عليها لكي يضمن لأرباب هذه الأنشطة التمويل الاقتصادي اللازم.
لذا فأمام الرهن دون نقل الحيازة مهمة صعبة هي التوفيق بين تمويل النشاط الاقتصادي بضمان أدواته و استمراره و كفالة حق الدائن و الغير في استيفاء حقوقهم
فالباحث حاول وضع إشكاليتين الأولى: ارتكزت على اعتبار الرهن الجديد ينصب على المنقول و من تم كان لابد من عرضه على النظرية العامة لرهن المنقول حتى يمكن التعرف على مدى استجابة الأحكام المميزة لرهن المنقول دون نقل الحيازة للأحكام العامة الواردة في ق ل ع؟
أما الإشكالية الثانية:فتخص آلية هذا الرهن و الفكرة الأساسية التي يقوم عليها في استخدام المنقول للضمان و الإنتاج و بالتالي الوقوف على مدى كفاية هذه الآليات لتحقيق غاية هذا الرهن القائمة على التمويل و الحفاظ كذلك على حقوق الدائنين ؟
تتركز الفرضية التي اعتمدها الباحث في إثبات أن الرهن دون نقل الحيازة شكل جديد في التعامل و صورة مستقلة و متميزة للرهن لا تجد لها استجابة في النظام القانوني التقليدي لرهن المنقول الأمر الذي يدعو بعد ذلك إلى البحث عن النظام القانوني الملائم الذي يمكنه أن يحكم هذا الرهن و يجعل منه أداة فعالة في تمويل النشاط الاقتصادي مع كفالة حقوق ممولي النشاط.
هكذا حاول الباحث إبراز كون الرهن الجديد يمثل نوع مستقل من الضمانات حاول البحث عن الإطار القانوني المناسب لهل طالما أن نظام الرهن الحيازي على المنقول لا يمكن أن يشمل هذا النوع الجديد
فإبراز النظام القانوني الملائم من شانه أن يبرز أهمية هذا الرهن في التعامل كأداة قانونية يمكنها أن تقوم بوظيفتها على صعيد تنمية الاقتصاد الوطني و تشجيع النشاط الإنتاجي.
و في سبيل تبرير الفرضية قام الباحث بتقسيم أطروحته إلى قسمين:
تعرض الباحث في القسم الأول من الأطروحة للرهن دون نقل الحيازة في إطار النظرية العامة للرهن .
حاول من خلال هذا القسم إبراز عدم ملائمة النصوص المنظمة لرهن المنقول في ق ل ع لحكم هذا النوع الجديد من الرهن القائم على عدم نقل الحيازةو هكذا ابرز في هذا القسم كيفية ظهور هذا الرهن الذي كانت أول بوادره في العصور القديمة خاصة العصر الروماني حيث كان يطبق على المنقول و العقار على أن ظهور بعض الأفكار القائمة القائمة على عدم إمكانية التتبع في المنقول و اعتبار الحيازة في المنقول سند الملكية أدى إلى أفول نجم رهن المنقولات دون نقل الحيازة و أصبحت الصورة الممكنة هي القائمة على رهن العقار فقط دون نقل الحيازة.على أن التطور العلمي و التقني و ما صاحبه من ظهور منقولات ذات قيمة اقتصادية أدى إلى التفكير جديا في إقرار الرهن الجديد حتى يتسنى للمنقولات القيام بدورها الاقتصادي و عدم تعطيل دورها الإنتاجي.
في المغرب لقت الظاهرة اهتماما بالغا قل نظيره في التشريعات العربية الأخرى و ذلك عبر إصدار العديد من الظهائر التي نظمت صور رهن المنقولات دون نقل الحيازة انطلاقا من رهن الأصل التجاري و المعدات و المحصولات و المعادن إلى غير ذلك من المنقولات المتنوعة في قيمتها كرهن السفن و الطائرات, حيث أمكن حسب جل هذه النصوص قيام المدين باستغلال الشيء المرهون دون أن يتخلى عن حيازته. وهذا يعتبر تطورا ملحوظ في ميدان رهن المنقول عموما طالما أن التشريع المغربي لم يكن يعرف قبل ذلك سوى الرهن في صورته التقليدية أي الحيازي.
من هذا المنطلق ارتأى الباحث أن يركز على مدى ملاءمة المبادئ العامة لحكم رهن المنقول دون نقل الحيازة. في هذا الصدد يؤكد الباحث أ ن غياب عنصر الحيازة في رهن المنقول يجعل من الأحكام العامة الواردة في ق ل ع غير قابلة للتطبيق طالما أن الخاصية التي تميز هذا الرهن الجديد ترتكز أساسا على غياب الحيازة الأمر الذي يجعل من هذا الرهن مفهوم جديد قائم بذاته يتميز عن باقي المؤسسات الأخرى كالرهن الرسمي و الامتياز. كما يؤكد الباحث كذلك على اعتبار الرهن الجديد حقا عينيا طالما أن المشرع اتجه إلى إضفاء صفة الضمانات عليه و كذلك من خلال توفر هذه الرهون على خصائص الأولية و التتبع .
ثم يعود الباحث إلى فكرة عدم استجابة الرهن دون نقل الحيازة للتنظيم القانوني لرهن المنقول في ق ل ع، خصوصا على مستوى التزامات و حقوق الأطراف طالما أن عدم نقل الحيازة يؤثر على الأحكام الواردة في ق ل ع التي تنص على التزام الدائن بالحفاظ و الصيانة و كذلك الالتزام برد المنقول عند أداء الدين . فما يمكن ملاحظته أن مجمل هذه الالتزامات التي تقع على عاتق الدائن عموما تنتقل على عاتق المدين و هذا دليل على أن الأحكام العامة تظل قاصرة عن حكم أنواع الرهن القائمة على عدم نقل الحيازة.
الإشكال الآخر الذي ركز عليه الباحث يتعلق بكون غياب عنصر الحيازة يجعل الدائن في وضعية قد لا تساعده عند عجز المدين عن الأداء في استيفاء حقه, فالحبس الذي يميز الرهن الحيازي لا يمكن تصوره في رهن المنقولات دون نقل الحيازة, فهذه الأنواع من الرهون كما هو معلوم تنصب على المنقولات التي تتميز بالسرعة في التداول الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة تتبعها في بعض الحالات قصد استيفاء ثمن الدين منها.
هكذا اذن، فالنظام القانوني لرهن المنقول حيازة لا يملك وسائل حمائية بديلة لأنه يتكل في حماية الدائن على نقل الحيازة و عنصر الحبس و بالنظر إلى أن الرهون الجديدة يختفي فيها عنصر الحيازة فان نظام الحماية المقررة في الرهن الحيازي لم يعد بالا مكان الركون إليه و بالتالي أصبح من الضروري البحث عن آلية أخرى لحماية الدائن المرتهن في الرهن دون نقل الحيازة. و هذا ما يجب الحرص عليه عند التفكير في النظام القانوني لهذه الرهون الذي يجب أن ينطلق أساسا من ضرورات حماية الدائن حتى يتمكن هذا الرهن من تحقيق مقصده في تمويل النشاط الإنتاجي الاقتصادي. و هو ما تعرض إليه الباحث في القسم الثاني الذي عنونه "نحو نظام قانوني لرهن المنقولات دون نقل الحيازة"،حيث قام الباحث بإبراز ملامح هذا النظام انطلاقا من عنصرين أساسيين هما حماية الدائن المرتهن و قصر وظيفة الرهن في مجال تمويل النشاطات الاقتصادية الإنتاجية. هذا النظام الذي يرتكز على خصوصيات حماية الدائن في هذه الرهون التي تفتقر لعنصر الحيازة و من تم فنظام الرهن دون نقل الحيازة يعتمد على العديد من الآليات التي تساعد على حماية ممولي الأنشطة الاقتصادية وذلك سواء على مستوى الحق العيني نفسه أو خارج إطاره، ويتضح ذلك من خلال حصر هذا الرهن على فئة معينة على مستوى تكوينه إضافة إلى توجيهه لغرض معين هو التمويل الإنتاجي.كما يتضح كذلك من خلال شكل إبرامه فالكتابة مطلوبة إضافة إلى شهر الرهن كإجراء جديد ينصب على المنقولات الأمر الذي لم يكن معمولا به في إطار الرهن الحيازي على المنقول.
ووعيا بصعوبة إعمال حق التتبع في بعض الحالات فالمشرع عنى في هذه الرهون بإدراج العديد من المقتضيات خارج إطار الحق العيني كحق الدائن في المراقبة و التفتيش و إحداث ضمانات الدولة و صناديق الضمان لسداد مبلغ الدين و كذلك اللجوء للجزاءات الجنائية كظاهرة ملفتة في نصوص الرهون الجديدة عند إخلال المدين بالتزامات الأمانة.
أما النقطة الثانية التي ابرز فيها الباحث خصوصية النظام القانوني لهذه الرهون فانطلقت أساسا من فكرة كون هذا الرهن مرتبط بمجال معين و غاية اقتصادية معينة ألا و هي تشجيع النشاطات الاقتصادية و التمويل عموما و بالتالي لا يمكن تصور هذا الرهن إلا في المجال الإنتاجي و هذا ما يميز هذا الرهن عن باقي الضمانات.و يبرر استقلالية هذه الرهون حسب الباحث.هذه أهم الأفكار التي تضمنتها ا
الجزء الثاني
" رهن المنقولات دون نقل الحيازة":
محاولة في قراءة اطروحة الباحث الحبيب خليفة جبودة المتعلقة ب "رهن المنقولات دن نقل الحيازة محاولة في التأصيل"
إعداد: العربي محمدي
طالب باحث بكلية الحقوق اكدال- الرباط-
وحدة القانون المدني المعمق-
المبحث الثاني: تقييم الاستنتاجات التي توصل إليها الباحث:
انطلاقا مما رأيناه في المبحث السابق نجد أن فرضية العمل التي ارتكز عليها الباحث تنقسم إلى قسمان،الأول يتلخص في تأكيد عدم كفاية و ملاءمة نظام الرهن الحيازي لحكم رهن المنقولات دون نقل الحيازة.اما القسم الثاني فيرتكز على ضرورة إيجاد نظام قانوني خاص بهذا الرهن ينطلق أساسا مما تحتويه تشريعات رهن المنقول دون نقل الحيازة ذاتها, بمعنى الارتكاز على آليات الحماية الموجودة التي تغطي عنصر عدم الحيازة بالنسبة للدائن وكذلك إبراز خصوصية هذا الرهن القائم على تمويل النشاطات الإنتاجية.
لذا فالتقييم سينطلق من هاتين الفكرتين من خلال مناقشة ما انتهى إليه الباحث.
الفقرة الأولى: رهن المنقولات دون نقل الحيازة في إطار
النظرية العامة لرهن المنقول:
انطلق الباحث في نقطته الأولى على التأكيد على كون الأحكام العامة المتعلقة برهن المنقول حيا زيا غير قابلة للتطبيق على هذا النوع الجديد من الرهون طالما أن غياب عنصر الحيازة يجعل العديد من الالتزامات و النصوص الواردة في ق ل ع غير قابلة للتطبيق على حكم الرهن الجديد.
صحيح أن الباحث كان عليه أن ينطلق في تحليله على إبراز كون هذا النوع الجديد القائم على عدم نقل الحيازة لا يتلاءم مع الأحكام العامة الواردة في ق ل ع بشان الرهن الحيازي, طالما أن هذا النظام يعتبر في حد ذاته تطور على الشكل التقليدي من الرهن. لكن هل هذا يعني أن يركز الباحث في قسم بأكمله على مقارنة الرهن الجديد مع الأحكام العامة والواقع ان الأمر جد واضح فالمشرع عندما اقر صور هذه الرهون الجديدة كان مسلكه يتجه أساسا نحو خلق ضمانات عينية خارج إطار ق ل ع نفسه. فالتقدم العلمي و التكنولوجي افرز منقولات ذات قيمة اقتصادية عالية و بالتالي خضوعها لنظام الرهن الحيازي يعني بكل بساطة تعطيل دورها الاقتصادي, فالتفكير كان منصبا منذ أوائل القرن الماضي على خلق ضمانات جديدة تحرر الشيء المرهون من عنصر الحيازة و تجعله يقوم بدوره الاقتصادي.
حقيقة أن المشرع وهو بصدد استحداثه لهذه الضمانات اعتمد في أول الأمر على الإحالة على ق ل ع عند تنظيم بعض صور هذا الرهن كالرهن المتعلق بالمحصولات و المواد, فقد تم تنظيم هذه الضمانة لأول مرة بموجب ظهير 20 مارس 1951 الذي كان ينص في الفصل 15 "أن الرهون الواقعة تطبيقا لظهيرنا الشريف هذا تكون خاضعة لجميع مقتضيات الظهير الشريف المؤرخ في 9 رمضان 1331 الموافق لـ 12 أغسطس 1913 المؤلفة منه مجلة العقود والالتزامات تلك المقتضيات التي لا يخالفها نص ظهيرنا الشريف.
وهكذا كان التوجه السائد هو الإحالة على نصوص ق ل ع ومؤدى ذلك اعتبار هذا النوع من الرهون من قبيل الرهون المدنية ويخضع من حيث المبدأ للمبادئ العامة للرهن الواردة في ق ل ع والتي لا تعرف إلا شكل الرهن الحيازي، وباعتبار أن هذه الضمانة ترتبط أساسا بالعديد من الضمانات وتأتي لخدمة أرباب الصناعة والمصانع، فكان الأولى الإحالة في هذا الظهير للرهن التجاري بدل الإحالة على ق ل ع نظرا للفوارق العديدة بين الرهن المقرر في ق ل ع الحيازي ونظام الرهن في هذه المواد وهذا ما تأتي فعلا بعض صدور مدونة التجارة حيث تم إعادة تنظيم هذا الرهن في إطار نصوص هذه الأخيرة في المواد (378 – 392) وتم حذف النص المتعلق بالإحالة على ق ل ع.
على العموم التوجه الذي سار عليه المشرع المغربي لم يقتصر على رهن المحصولات والمواد بل امتد إلى رهن أدوات ومعدات التجهيز حيث تم تنظيمه كذلك في إطار نصوص مدونة التجارة (المواد 355 إلى 377) بعدما كان له نص خاص في إطار ظهير 22/11/1956 المتعلق برهن أدوات معدات التجهيز.
إذن التوجه لم يعد كالسابق و بدا التوجه حاليا نحو دمج هذه الرهون في إطار الرهون التجارية و بالتالي الإشكالية بحسب اعتقادنا لم تعد تتعلق بمدى انطباق الأحكام العامة الواردة في ق ل ع لحكم هذه الرهون بل ترتبط اكثر بغاية المشرع من إعادة التنظيم في صلب القانون التجاري, فهل هذا التنظيم الجديد يعني توجه المشرع المغربي في جعل نظام الرهن التجاري نظاما عاما ينطبق على رهن المنقولات دون نقل الحيازة ؟
بل اكثر من ذلك, إن استمداد المشرع فكرة الرهن الرسمي لتنظيم بعض صور الرهن كرهن السفن و الطائرات قد يطرح اكثر من سؤال، حيث لم يخف المشرع المغربي استعانته بتقنية الرهن الرسمي حيث ورد في نص الفصل 82 من الظهير المذكور: "أن السفن التي تبلغ حمولتها الإجمالية طنين فأكثر يمكن أن تنشأ عليها رهون رسمية". وقد مد المشرع المغربي بعد ذلك أحكام الرهن البحري إلى منقول آخر له قيمته المادية والاقتصادية أيضا وهو الطائرة وذلك بموجب المرسوم المنظم للطيران المدني الصادر في 10/7/1962، حيث نص الفصل 22 منه على إمكانية خضوع الطائرة للرهن الرسمي وتطبق على رهن الطائرة النصوص المتعلقة بالرهن الرسمي على السفينة وفق ظهير 31/3/1919.
فالإشكالية بحسب اعتقادنا أعمق من مقارنة نظام رهن المنقولات دون نقل الحيازة للأحكام العامة الواردة في ق ل ع بل كان على الباحث أن يعمق النظر فيما يخص إمكانية انطباق النظام القانوني لكل من الرهن الرسمي و الرهن التجاري لحكم الرهون الجديدة.
هل يمكن القول إن نظام الرهن الرسمي المطبق على العقارات قد يشكل النظام الأنسب لحكم الرهون الجديدة؟
هل يمكن القول أن اتجاه المشرع لضم العديد من أنواع رهن المنقولات دون نقل الحيازة توجه نحو جعل نظام الرهن التجاري هو الأساس العام لحكم الرهون الجديدة؟
فكما هو معلوم يتشابه نظام الرهن الرسمي مع رهن المنقولات دون نقل الحيازة ومن أهم أوجه التشابه بينهما أن كلا الرهنين يتم دون تخلي الراهن عن حيازة المال المرهون وأن كلاهما يخضع لنظام القيد في سجل خاص وأن ترتيب الدائنين بينهما يخضع لتاريخ هذا القيد.
وقد دفع هذا التشابه بعض الفقهاء إلى القول بأنه لا فرق في الطبيعة بين الرهن الرسمي وبين الرهن دون التخلي عن الحيازة في المنقول.
وقد يدعونا اصطلاح المشرع المغربي لمصطلح الرهن الرسمي على بعض الرهون دون نقل الحيازة في المنقولات إلى القول بأن إرادة المشرع ربما تذهب إلى ضم هذه الرهون إلى نطاق النظام القانوني للرهن الرسمي.
غير أنه رغم أوجه التشابه التي ذكرناها بين النوعين من الرهن ورغم استعمال المشرع لمصطلح الرهن الرسمي فبعض الرهون الجديدة توجد عدة فوارق بين نوعي الرهن تجعل من الصعب القول بانطباق النظام القانوني للرهن الرسمي على الرهون دون نقل الحيازة في المنقول. ولعل أول اختلاف يمكن الوقوف عنده هو ذلك المتعلق بنوع المحل في الرهنين، فبينما ترتكز الرهون الجديدة على المنقول نجد أن الرهن الرسمي لا يقع إلا على عقار وبشروط معينة أي أن يكون محفظا ومما يجعل الاختلاف بينا بين نوعي الرهن هو أن اختلاف المحل إنما يستتبع اختلاف النظام القانوني المطبق عليه، فالعقار يتبع نظاما قانونيا خاصا في التداول يختلف عن النظام القانوني الذي تتبعه المنقولات، وكل نظام قانوني من هذين النظامين يستقل بمتطلباته وأدواته والتي يكون لها أثر بالغ على كافة التصرفات التي تجرى على الشيء وأهمها الرهن. قد لا تظهر هذه الآثار عند تكوين الرهن أو البناء القانوني له، حيث يكون الرهنان متماثلين ولكنها تظهر في فترة تالية لذلك فيما يتعلق بالآثار. ففضلا عن أن إجراءات وأحكام التنفيذ على العقار "تختلف عن أحكام وإجراءات التنفيذ على المنقول، كما لابد أن نلاحظ قبل ذلك أن خضوع المنقولات لقاعدة الحيازة في منقول سند الملكية يلقى بظلاله على طبيعة الحق العيني الناشئ عن الرهن وعلى الأخص فيما يتعلق بفعالية هذا الحق.
ورغم أن الحق العيني في الرهن بطبيعته وفي كلا النوعين يتضمن الحق في الأفضلية وفي التتبع إلا أن فعالية حق التتبع في رهن المنقول تصطدم بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية وبالمقابل فإن التتبع في رهن العقار رسميا يأتي على إطلاقه ويمكن إعماله بسهولة، نظرا لخلو النظام القانوني المطبق على العقارات من أية عقبة كتلك التي تقضيها قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية.
ومن ثم لا يمكن القول بانطباق الرهن الرسمي عليها حتى وأن وصفه المشرع بذلك لأنه رغم هذا الوصف كان المشرع حريصا على تنظيم هذه الرهون بقواعد خاصة غير تلك المعمول بها في نطاق الرهن الرسمي وهي تشتمل على أسس وأحكام ومقتضيات تنتمي للنظام القانوني الذي يجمع بقية الرهون دون نقل الحيازة على المنقولات الأخرى.
وهكذا إن إبراز الاختلاف الأساسي بين نظام الرهن الرسمي ونظام رهن المنقولات دون نقل الحيازة يتجلى أكثر في معطيين أساسيين، هما ضرورة حماية الدائن المرتهن في إطار هذه الرهون في ظل غياب عنصر الحيازة وكذلك في الغايات المرجوة من وراء هذه الرهون، فالمشرع في إطار الرهون الجديدة ووعيا منه ببعض المشاكل المرتبطة بحق التتبع في المنقولات كان لابد له من إبراز وإقرار إجراءات حمائية أكثر فعالية خارجة عن إطار الحق العيني، كما أن أساس هذه الرهون ترتبط بعناية معينة تختلف عن باقي أنواع الرهن التقليدية الحيازية منها والرسمية وهي تمويل النشاطات الاقتصادية الإنتاجية. طالما أن الرهن الرسمي يظل أداة ضمان لأي قرض بغض النظر عن غايته وعن نشاط صاحبه.
من هنا كان لابد من إبراز هذه العناصر التي تجعل من نظام رهن المنقولات دون نقل الحيازة نظاما قانونيا قائما في حد ذاته وله غايات اقتصادية معينة تبرز استقلاليته عن باقي أنواع الرهن، وهذا ما سنناقشه في النقطة الثانية.
و قبل ذلك يجب أن نؤكد أن استقلالية الرهون الجديدة لا تقتصر على اختلاف آلياته عن الرهن الرسمي بل كذلك يبقى نظام الرهن التجاري غير كاف لحكم الرهن دون نقل الحيازة. ذلك أن تحليل النصوص القانونية الواردة في مدونة التجارة والمتعلقة بهذا بالرهن دون نقل الحيازة لا تنم على أن المشرع قد وضع لها تنظيما يمكن أن يمثل القول الفصل في النظام القانوني الذي يمكن أن يحكم هذه الرهون فقد اكتفى المشرع بذكر الرهن دون تخلي عن الحيازة كعنوان وتناول تحت هذا العنوان صورتين فقط هما رهن أدوات ومعدات التجهيز ورهن بعض المنتوجات والمواد وقد نظم رهن الأصل التجاري في موضع آخر، كما جاء تنظيم صورتي الرهن المذكور بشكل منفصل حيث خصص كل منهما فصلا مستقلا يتناول كل رهن على حدة من حيث تكوينه وآثاره والتنفيذ عليه ولم يورد حكما واحدا عاما يتعلق بالرهن دون نقل الحيازة.
إن ما يمكن استنتاجه من كل هذا أن إرادة المشرع لم تذهب إلى تقنين الرهن دون نقل الحيازة في مجموعه وهو ما يعني أن رغبته لا تسير نحو ضم هذه الرهون تحت نظام القانون التجاري، فالنظام القانوني للرهن التجاري ليس هو النظام المنشود لأن هذه الأخيرة تتمتع بخصوصيات لا تجعلها تتلاءم مع الأسس والمبادئ التي تحكم الرهن دون نقل الحيازة.
هذه الخصوصيات هي التي تبرر فعلا ضرورة البحث عن نظام قانوني ينطلق أساسا من آليات الرهن الجديد و قصر إعماله في المجالات الاقتصادية الإنتاجية و هذا ما سنحاول مناقشته في الفقرة الثانية.
الجزء الثالث:
" رهن المنقولات دون نقل الحيازة":
محاولة في قراءة اطروحة الباحث الحبيب خليفة جبودة المتعلقة ب "رهن المنقولات دن نقل الحيازة محاولة في التأصيل"
إعداد: العربي محمدي
طالب باحث بكلية الحقوق اكدال- الرباط-
وحدة القانون المدني المعمق-
الفقرة الثانية: نحو نظام قانوني لرهن المنقول دون نقل الحيازة:
على العموم توصل الباحث إلى كون مؤسسة الرهن دون نقل الحيازة مؤسسة مستقلة و متميزة نظرا للعديد من الخصوصيات التي تميز هذا الرهن. و بالتالي فالبحث عن النظام القانوني الذي يمكن أن يلاءم هذا النوع الجديد من الرهن يجب أن ينطلق من الأدوات المتوفرة في النصوص و القوانين التي أقرت الرهن دون نقل الحيازة.
إن التمعن جيدا في مجمل النصوص المنظمة للرهون دون نقل الحيازة تبرز لنا العديد من الخصائص التي بامكانها أن تكون ملامح النظام الجديد.
لقد حاول المشرع المغربي بإقرار نظام الرهن دون نقل الحيازة في المنقول أن يحل معضلة هامة تتعلق بالقرض في مجال الإنتاج وهي تلك المتعلقة في تمويل النشاط الاقتصادي الإنتاجي بوسائل الإنتاج ذاتها ودون عرقلة سير العملية الاقتصادية. وقد نتج عن ذلك رهن له طبيعة خاصة تميزه عن غيره من الرهون المعروفة، وهذه الطبيعة الخاصة تتطلب بعض المقتضيات والأحكام التي لا تجد لها في النظم القانونية القائمة للرهن.
فقد تطلب الأمر من المشرع أن يقرر في هذا الرهن إبقاء المنقول المرهون بيد الراهن وذلك حفاظا على سير العملية الإنتاجية، إلا أن ذلك قد طرح مشكلة رئيسية تتعلق بالخطر الذي يواجهه الدائن المرتهن في ضياع حقه بالنظر إلى أن الشيء المرهون هو من المنقولات التي يمكن انتقالها بسهولة. و بالتالي فالنظام القانوني يجب أن ينطلق أ ساسا من إيجاد الوسائل الحمائية التي بامكانها أن تعزز من حقوق الدائنين .
إن مبرر الحماية الهام في هذا النوع من الرهن هو أن الحق العيني الناتج عن الرهن دون نقل الحيازة في بعض صور هذا الرهن يكون ضعيفا ونقول في بعض الصور لأن الرهن دون نقل الحيازة في المنقول يتعدد في أشكاله بحسب أنواع المنقولات التي يشملها فمنها ما هو معين بذاته ويخضع لنظام في التداول يوفر له الحماية الكافية ويجعل الحق العيني الناشئ عنه قويا وفعالا مثل رهن الأصل التجاري ورهن السفينة ورهن الطائرة ومنها ما هو مثلى يتم الرهن عليه دون فرز ويصعب تمييزه عن غيره وبالتالي ينشأ عنه حق عيني ضعيف حتى وإن اشتمل من الناحية النظرية على كافة مميزات الحق العيني، ولهذا كان على النظام القانوني للرهون دون تخلي عن الحيازة أن يقر المزيد من الحماية للدائن واتخاذ تدابير تساند الحق العيني.
وهكذا تتضمن التشريعات الخاصة بهذا النوع من الرهون العديد من القواعد والتدابير التي تهدف إلى إقرار مزيد من الحماية والتي تعتبر أحد الأسس التي يقوم عليها النظام القانوني للرهون دون تخلي عن الحيازة.
لقد حظي عقد الرهن دون نقل الحيازة باهتمام المشرع وحرص على تنظيمه وقد برزت في هذا العقد ظاهرة تدخل الدولة بوضوح وجاءت لتفصح عن الأهمية الخاصة التي يوليها المشرع لهذا العقد، باعتباره أداة قانونية مرصودة لخدمة أهداف تتعلق بالمصلحة العامة للدولة.لكن هذا التدخل تطلب كذلك إجراءات خارج إطار الحق العيني لإقرار المزيد من الحماية.
من ابرز مظاهر الحماية التي تبرر خصوصية النظام القانوني لرهن المنقولات دون نقل الحيازة في العقود المتعلقة برهن المنقولات دون نقل الحيازة زيادة عدد القواعد الآمرة التي جاءت على حساب مبدأ سلطان الإرادة المعروف والسائد في تنظيم العلاقات بين الأفراد وتبرز مظاهر تدخل المشرع في هذا العقد أكثر ما تبرز في تحديد مضمونه وكأن ذلك يكشف عن أن الرضائية لم تعد كافية لتنظيم مثل هذا العقد ذلك أن الأمر يتعلق بضمان أهداف وغايات مرتبطة بمصالح المجتمع ويحرص المشرع أكثر من غيره على بلوغها.
وتمتد مظاهر هذا التدخل إلى تحديد صفة المستفيد من التمويل بموجب هذا الرهن وكذلك حصر المنقولات التي يمكن رهنها وهو ما كشف لنا عن مبدأ هام ينتظم جميع الرهون دون نقل الحيازة وهو مبدأ تحديد وحصر الراهن وكذلك بتحديد وحصر المرهون، أما عن شخصية المرتهن أو الممول فإنها تخضع لمبدإ آخر وهو البحث الحر عن القرض لفسح المجال أمام الحصول على التمويل. كما أن المشرع في العديد من هذه التنظيمات يقر مبدأ تخصيص الرهن في هذا النوع من الرهون وهو مبدأ معروف في الرهن الرسمي غير أنه هنا يأخذ مدى أوسع ليتدخل في تخصيص المرهون ليس للضمان فقط ولكن لضمان من أجل تمويل النشاط الإنتاجي بمعناه الواسع بمعنى أننا بصدد مبدأ تخصيص وتوجيه الرهن.
أما الإجراء الشكلي الذي اشترطه المشرع في عقد الرهن الجديد والذي يعتبر جوهريا فهو نظام الشهر والقيد، وهو شرط لصحة هذه الرهون وبغيره لا يعتبر الرهن قائما. ونظام الشهر في رهن المنقول ينفرد به النظام القانوني للرهون دون نقل الحيازة في المنقول إذ لم يكن معروفا في الرهن الحيازي.
كذلك تتعزز حماية الدائن المرتهن في إطار هذه الرهون بمجموعة من الإجراءات والقواعد الخارجة عن إطار الحق العيني ونورد هنا أبرزها:
أ)-اعتبار المدين حارسا وأمينا على المال المرهون
ب)-الاستعانة بقواعد القانون الجنائي :يمثل اللجوء للقانون الجنائي في الرهون الجديدة ظاهرة ملفتة للنظر، فإذا استثنينا النصوص القانونية المنظمة لرهن الأصل التجاري فكل التشريعات الأخرى المؤسسة للرهون الجديدة تضمنت النص على عقوبات جنائية وهذا دليل على عدم كافية الجزاءات المدنية في حماية الدائن المرتهن ذلك أن العقوبات المنصوص عليها تتوجه بخطابها إلى المدين في حالة إخلاله بالتزاماته التعاقدية وممارسة ما يعد معاقبا بل هناك إمكانية إقرار جريمة خيانة الأمانة في ظل هذه الرهون تجاه المدين رغم أن الشيء المرهون هو في ملكيته، وهذا أمر ينم عن ضرورات حماية الدائن المرتهن في إطار قواعد حمائية خارج إطار الحق العيني.
ج-المراقبة والتفتيش
د-ضمانات الدولة وصناديق الضمان لسداد مبلغ الدين
على أنه إذا كانت هذه الصور التي اعتمدها المشرع في ضمان حق الدائنين المرتهنين تبرز خصوصيات ومظاهر استقلالية النظام القانوني للرهون دون نقل الحيازة فإن ما يؤكد هذه الخصوصية هو الغايات المرتبطة بهذه الرهون وهي تشجيع النشاط الاقتصادي الإنتاجي، وهو الأساس الثاني الذي ينبني عليه النظام القانوني للرهن دون التخلي عن الحيازة والذي يعبر عن الهدف من إقرار هذا الرهن والغاية المنشودة من وراءه، التي تتمثل في تخصيص القروض المضمونة بهذا الرهن لتمويل النشاط الاقتصادي الإنتاجي داخل الدولة.هذه الغاية هي نقطة الارتكاز في الرهون الجديدة، إذ أنها تنطلق أساسا لتمويل النشاط الاقتصادي الذي يقوم على المنقول المرهون وذلك بالاعتماد على تقديم ذات المنقول لضمان التمويل دون أن يتعطل النشاط الاقتصادي القائم عليه لذا كان لابد من إقرار هذه الرهون بكيفية خاصة تستند على ضرورة إبقاء الرهن لدى المدين، فالرهن دون نقل الحيازة ظهر كتركيبية خاصة تدور كلها حول محل الرهن، فمحل الرهن هو أداة الضمان وغاية التمويل ووسيلة النشاط الاقتصادي أيضا وهذا ما يفسر لنا مدى الوضوح الذي يأخذه مبدأ تخصيص الرهن في الرهون الجديدة. ومما يؤكد هذه الخصوصية أن فكرة السبب في هذه الرهون تأخذ منحى خاصا يتمثل في الربط بين الرهن والدين الأصلي ربطا غائبا يتجلى في تخصيص الدين للنشاط الاقتصادي الذي يقوم على المنقول المرهون. فسبب التزام الراهن في الرهون الجديدة لكي يكون صحيحا ومشروعا لابد أن تكون غايته الاقتراض بهدف تمويل النشاط الاقتصادي الذي يمارسه الراهن ويقوم على الشيء المرهون.
فالباحث في هذا القسم الثاني استطاع حقيقة الوقوف على مظاهر استقلالية النظام القانوني لرهن المنقول دون نقل الحيازة انطلاقا من آليات الحماية العديدة الواردة في هذا النظام و التي لا تجد مثيلها في أنظمة الرهن القائمة و في الواقع فقد كان هذا التوجه صحيح و منطقيا ولكن كان عليه للوصول إلى هذه النتيجة أن ينطلق من تميز هذه الصور من الرهن عن فكرة الرهن الرسمي و الرهن التجاري لا أن يعتمد على مقارنته مع الشكل التقليدي لرهن المنقول في ق ل ع.
و على العموم استطاع الباحث أن يبرر الفرضية الثانية طالما أن نظام رهن المنقولات دون نقل الحيازة له من الآليات التي قد تساعد على تكوين ملامح الأسس التي يقوم عليها و التي تجعل منه فعلا رهنا قائما بذاته و متميزا عن غيره من أنظمة الرهن
شاركنا بتعليقك...