مقدمة
يعتبر مبدأ المساواة من المبادئ العامة للقانون ويرتكز على أساس من الفلسفة السياسية
للديمقراطية, باعتبار أن الحرية لاتوجد مالم تكن متاحة للجميع ، فلا ديمقراطية بدون مؤتمرات شعبية ولهذا يعتبر مبدأ المساواة أحد دعائم الدولة على أساس أن سيادة القانون لاتعلو مالم يطبق على قدم المساواة
أما عن مفهوم مبدأ المساواة أمام كل من القانون والقضاء فيقصد به عند تطبيقه بصورته المثالية المجردة ، عدم التفرقة أو التمييز فيما بين الناس على أساس من الإنتماء أو الجنس أو التمييز اللغوي الدينى أو العقائدي أو الاختلاف الاجتماعي
وتخضع الحقوق والحريات العامة جميعا لمبدأ المساواة ، الذي يعتبر بحق حجر الزاوية في كل الحقوق والحريات البشرية ، ولا يتحقق المبدأ الديمقراطي إلا بتوافر الحرية والمساواة معاً بين الأفراد.
ولذا تعتبر المساواة بالنسبة للمبدأ الديمقراطي بمثابة الروح من الجسد وبدونها ينتفي معنى الديمقراطية وينهار بالمقابل كل معنى للحرية وفي حقيقة الأمر إن مبدأ المساواة بين الناس من المبادئ ذات الأهمية البالغة أي الأساسية التي نادت بها الأديان السماوية قبل الشرائع الوضعية التي من صنع الإنسان.
أما عن مفهوم مبدأ المساواة أمام كل من القانون والقضاء فيقصد به عند تطبيقه بصورته المثالية المجردة ، عدم التفرقة أو التمييز فيما بين الناس على أساس من الإنتماء أو الجنس أو التمييز اللغوي الدينى أو العقائدي أو الاختلاف الاجتماعي
وتخضع الحقوق والحريات العامة جميعا لمبدأ المساواة ، الذي يعتبر بحق حجر الزاوية في كل الحقوق والحريات البشرية ، ولا يتحقق المبدأ الديمقراطي إلا بتوافر الحرية والمساواة معاً بين الأفراد.
ولذا تعتبر المساواة بالنسبة للمبدأ الديمقراطي بمثابة الروح من الجسد وبدونها ينتفي معنى الديمقراطية وينهار بالمقابل كل معنى للحرية وفي حقيقة الأمر إن مبدأ المساواة بين الناس من المبادئ ذات الأهمية البالغة أي الأساسية التي نادت بها الأديان السماوية قبل الشرائع الوضعية التي من صنع الإنسان.
وتشكل المساواة في الفرص والمعاملة هي حجر الأساس لكل مجتمع ديمقراطي يؤمن بحقوق الإنسان ويتوق إلى العدل الاجتماعي ,ذلك عمل المشرع المغربي على منع كل تمييز بين الأجراء بغض النظر عن جنس الشخص أو حالته العائلية أو الاجتماعية ابتداء من إبرام عقد شغل وأثناء سريانه إلى حين انتهائه.
وانطلاقا من هذا كله يمكن طرح الإشكالية التالية : إلى أي حد استطاع المشرع المغربي تكريس مبدأ المساواة بين الأجراء في مدونة الشغل المغربية ؟
وللإجابة على هذه الإشكالية يمكن تقسيم الموضوع إلى مبحثين معتمدين على منهج تحليلي وذلك وفق التصميم التالي:
المبحث الأول: تجليات مبدأ المساواة قبل وأثناء تنفيذ عقد الشغل
المبحث الثاني: مظاهر المساواة في تشغيل بعض الفئات من الأجراء
المبحث الأول: تجليات مبدأ المساواة قبل وأثناء تنفيذ عقد الشغل
لقد تدخل المشرع المغربي لتنظيم عقد الشغل في جميع مقتضياته, ويعد ذلك ضمانا لحمايته، وفي هذا الإطار نظم المشرع المغربي جملة من المقتضيات القانونية التي تتعلق بعقد الشغل سواء قبل إبرام هذا العقد أم أثناء تنفيذه.
لذلك سوف نتطرق في هذا المبحث إلى أوجه المساواة بين الأجراء وذلك قبل إبرام عقد الشغل في (المطلب الأول) على أن نتطرق إلى المساواة عند تنفيذ عقد الشغل في (المطلب الثاني).
المطلب الأول: المساواة قبل إبرام عقد الشغل
وفي هذا المطلب سوف نتناول في (الفقرة الأولى) المساواة في التكوين والمهن وفي (الفقرة الثانية) نتطرق إلى المساواة من خلال الوساطة في الاستخدام والمهنة.
الفقرة الأولى: المساواة في التكوين والمهن
يحظى قطاع التكوين المهني في مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب بعناية واضحة, تأتي كتعبير على حرص جميع الفعاليات السياسية والاقتصادية على التكوين الملائم للشباب, ويعد تأهيل الشباب مدخلا أساسيا لإعدادهم وفق المبادئ العملية والتقنية المتقدمة لمواجهة تحديات التطور التكنولوجي وذلك من خلال سعي مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل إلى تكريس الوسائل الكفيلة بتدعيم هياكل وبنيات قطاع التكوين المهني وتطوير مناهجه وابتكار أساليب جديدة تتلاءم مع الحاجيات المتجددة لوحدات الإنتاج والفاعلين الاقتصاديين[1].
والتكوين المهني يتم بطريقتين، إما من طرف الدولة من خلال مراكز التكوين المهني التابعة أساسا لوزارة التشغيل, وإما من طرف المؤسسة في العمل عن طريق عقد التدريب المهني[2].
ولقد عملت مدونة الشغل المغربية على ضمان المساواة في فرص اللجوء إلى التكوين المهني وذلك انسجاما مع ما صادق عليه المغرب من اتفاقيات بهذا الخصوص، فقد نصت مدونة الشغل في المادة 9 على أنه: "يمنع كل تمييز بين الأجراء من حيث السلالة و العرق أو الجنس أو الإعاقة أو الحالة الزوجية أو العقيدة أو الرأي السياسي..."[3]وذلك تحت طائلة عقوبة تتمثل في غرامة من 15.000 إلى 30.000 درهم وفي حالة العود تضاعف الغرامة[4].
وتترتب على عقد التكوين المهني التزامات على كل من الطرفين, حيث يكون رب العمل ملزما بأن يوفر للمتمرن الوسائل اللازمة من تعليم نظري وتطبيقات عملية داخل المقاولة. وكما يكون المشغل مسؤولا عن الأضرار التي يحدثها المتمرن للغير أثناء وجوده تحت رقابته وهو ما تنص عليه المادة 85 من ظهير الالتزامات والعقود المغربي.
أما فيما يخص وضعية المتمرن بالنسبة للمشغل فهي شبيهة بوضعية الأجير, أي أنه مرتبط برابطة التبعية, وهو ملزم بحضور الدروس النظرية التي تعطى في المؤسسة وكذلك بالمشاركة في الأشغال التطبيقية التي تجرى في المعمل[5].
وتجب الإشارة إلى أنه بعد انتهاء مدة التكوين يتعين على المتمرن أن يبقى في خدمة المشغل الذي أعطاه ذلك التكوين خلال المدة التي التزم بها ولا يمكن أن تزيد هذه المدة عن 4 مرات مدة التكوين ولا عن 2 سنين اعتبارا من مدة التكوين ، وفي هذا الإطار نورد قرار المجلس الأعلى[6] - محكمة النقض حاليا- الذي جاء فيه " ان الفصل 4 من ظهير 1940/04/16 المتعلق بالتكوين المهني حدد مدة التزم الأجير لمدة فترة التدريب في سنتين كحد أقصى والثابت أن الطاعن اشتغل لدى المطلوبة في النقض لمدة تناهز 11 سنة مما لا يخول لهذه الأخيرة، وفي إطار الفصل المذكور مطالبته بمبالغ التمرين، وأن المحكمة لما ذهبت خلاف ذلك تكون قد خالفت المقتضيات الآمرة لظهير 1940/04/16 وعرضت قرارها للنقض".
ويتعين على المشغل أن يؤدي للأجير المتمرن أجرا لا يقل عن الأجر الذي يؤديه بكيفية عادية في المؤسسة عن العمل في الحركة التي جعله التكوين أهلا لممارستها وإن لم يوجد في المؤسسة من هم في مستواه ففي الناحية التي توجد فيها المؤسسة[7].
الفقرة الثانية: المساواة من خلال الوساطة في الاستخدام والمهن
لقد ظهرت الوساطة المؤسسية خلال الثورة الصناعية، حيث كانت تقتصر أساسا على عملية المطابقة بين العرض والطلب بسوق الشغل في إطار حيادي، أي جعل الطلب والعرض يلتقيان عن طريق توفير المعلومات حول طالبي الشغل وعارضيه، وهذا الإطار الحيادي مترتب عن مفهوم الوساطة التقليدية الذي ارتبط بمرحلة استئثار بعض الأجهزة التابعة للدولة بعملية الوساطة[8].
وبالرجوع إلى المشرع المغربي نجده ينظم آليات سوق التشغيل, وذلك ضمانا لمبدأ تكافئ الفرص من منطلق مسؤولية الدولة عن ضمان الشغل, ومن ثم أحدثت أجهزة عمومية تقرب بين العرض والطلب كما أفسح المجال للوكالات الخصوصية للقيام بهذه المهمة كما أحدثت أجهزة للرقابة على هذه المؤسسات.
وكتعريف لقنوات التشغيل يمكن القول بأنها تلك المؤسسات أو الجهات التي تقوم بمهمة الوساطة بين عارضي الشغل وطالبيه داخل سوق الشغل وسواء كانت هذه المؤسسات عمومية أو خصوصية.
وقد حددت المادة 475 من م ش المقصود بالوساطة في الاستخدام, إذ جاء فيها ما يلي: " يقصد بالوساطة في أحكام هذا الباب جميع العمليات الهادفة إلى تسهيل التقاء العرض والطلب في مجال التشغيل وكذا جميع الخدمات المقدمة لطالبي الشغل والمشغلين من أجل إنعاش التشغيل وتنشيط الإدماج المهني".
وتتفرع وكالات التشغيل إلى قنوات عمومية كما هو الشأن[9]بالنسبة للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات ANAPEC[10] والسلطة المحلية, وكذا قنوات خصوصية تتمثل في وكالات التشغيل الخصوصية والتي عرفتها المادة 477 من مدونة الشغل بأنها كل شخص اعتبار يقوم بالأعمال التالية أو إحداها:
- التقريب بين طلبات وعروض الشغل دون أن يكون القائم بالوساطة طرفا في علاقة الشغل التي قد تنشأ عن ذلك.
- تقديم أي خدمة أخرى تتعلق بالبحث عن شغل أو ترمي إلى الإدماج المهني لطالبي الشغل.
- تشغيل أجراء بهدف وضعهم مؤقتا، رهن إشارة شخص ثالث يسمى "المستعمل" يحدد مهامهم ويراقب تنفيذها"[11].
وتجب الإشارة إلى أن المشرع المغربي قد قيد وكالات التشغيل الخصوصية بمجموعة من الشروط التي يجب أن تتوفر في هذه الوكالات.
ومن بين الوكالات الخصوصية في التشغيل نجد الوكالات الفنية والتي يعرفها قانون الفنان رقم 71.99 بأنها كل شخص معنوي يقوم بالتقريب بين طلبات وعروض الشغل الفني دون أن يكون القائم بالوساطة طرفا في علاقة الشغل الفنية التي قد تنشأ عن ذلك". كما نجد الصحافة[12]والوسيط الإلكتروني[13]في التشغيل وغيرها من الوكالات الأخرى.
وبالرجوع إلى التزامات هذه الوكالات نجد أنه يجب على الوكالة الالتزام بمجموعة من المقتضيات المنصوص عليها في القانون وتتمثل في منع الوكالة من أن تتقاضى من طالبي الشغل بصورة مباشرة جزئيا أو كليا أية أتعاب أو مصاريف وذلك حسب ما جاء في مقتضيات المادة 480 من مدونة الشغل، وهو ما قضت به الاتفاقية الدولية رقم 181 بشأن وكالات الاستخدام الخاصة في مادتها السابعة حيث نصت على أنه: "لا يجوز لوكالات الاستخدام الخاصة أن تتقاضى بصورة مباشرة أو غير مباشرة جزئيا أو كليا أي رسوم أو تكاليف من العمال".
ويمنع على الوكالة التمييز بين الأجراء طالبي الشغل على أساس العرق، أو اللون، أو الدين، أو الرأي السياسي، أو الانتماء الوطني، أو الأصل الاجتماعي، والذي من شأنه المس بمبدأ تكافؤ الفرض والمعاملة بالمثل في ميدان التشغيل، كما يمنع عليها كذلك التمييز من منطلق الانتقاء الرامي إلى الحرمان من الحرية النقابية أي منعه من ممارسة حقه في العمل النقابي أو المفاوضة الجماعية[14].
ومن أجل تفادي المس بالحياة الشخصية لطالبي الشغل ألزم المشرع المغربي المسؤول عن الوكالة بأن يعالج البيانات الشخصية للأجير بكيفية تراعي احترام الحياة الخاصة للمعنيين بالأمر مع اقتصارها على المسائل التي ترتبط بمؤهلاتهم وخبراتهم المهنية فقط[15].
المطلب الثاني: المساواة عند تنفيذ عقد الشغل
قبل الحديث عن وجود مساواة في الشغل لابد أن تتوفر هذه الأخيرة حتى بعد تنفيذ عقد الشغل، وبالتالي سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين اثنين، نتناول في (الفقرة الأولى) المساواة في استحقاق الأجر وفي (الفقرة الثانية) المساواة في مدة العمل.
الفقرة الأولى: المساواة في استحقاق الأجر
بالرجوع إلى المادة 364 من مدونة الشغل نجدها تنص على :"انه يمنع التمييز في الأجر بين الجنسين إذ تساوت قيمة الشغل الذي يؤديانه"[16].
وجاءت الفقرة الأخيرة من المادة 361 تنص على أنه " تعاقب عن عدم التقيد بأحكام المادة 364 بغرامة من 2500 إلى 30.000 درهم".
وباستقراء المادتين 364 و361 نجد استجابة إلى نداءات الأجراء التي تدعوا إلى المساواة في الأجور واحترام الحد الأدنى للأجور المفرزة في المدونة.
هذه التجليات التي تم تكريسها من خلال العمل القضائي الفرنسي، وعلى نهجه سار عليه القضاء المغربي معتبرا الأجر هو مقابل للعمل[17]كما اعتبر توقف عقد الشغل لا يحرم الأجير من أجره إلا إذا كان التوقف بسببه[18].
بالرجوع إلى الاتفاقيات الأساسية لمنظمة العمل الدولية نجدها تصون حقوقا تتعلق بضمان مبدأ المساواة في الأجر بين جميع الأجراء، نساء ورجال في العمل المماثلون دون تمييز على أساس الجنس أو اللون أو الوضعية الاجتماعية وغيرها... هذا ما أكدته المادة 427 ولأول مرة معاهدة فرساي، وكذا المادة الأولى من الاتفاقية رقم 100 المتعلقة بالمساواة الأجرية بين العمال[19].
وبالنسبة لموقف المشرع المغربي من مبدأ المساواة, فقد جاء على محطات تاريخية توجت بصدور مدونة الشغل الصادرة سنة 2003.
ولقد تميزت المرحلة الأولى وهي ما قبل 1975 ببقاء الأجور تابعة لظهير الالتزامات والعقود، وقانون العرض والطلب ولمبدأ سلطان إرادة الطرفين، وغياب أي تحديد للحد الأدنى للأجر إلى غاية ظهير 18 يونيو 1936[20]ثم تلتها المرحلة الثانية بتاريخ 30 غشت 1975 أصدر المشرع فيما ظهير ألغى به بصفة نهائية الميز في الأجور، في حين تميزت المرحلة الثالثة بصدور قانون رقم 65.99 بمثابة مدونة الشغل التي أقرت مبدأ المساواة في الأجر، وأكدت على منع التميز في الأجر من الأجراء.
الفقرة الثانية: المساواة في مدة العمل
تعتبر مدة العمل ذلك الوقت الفعلي الذي يوجد فيه الأجير رهن إشارة المشغل[21].
كما يعرفها الفقه بأن تلك الفترة الزمنية اليومية والأسبوعية التي يلزم فيها الأجير بوضع نفسه ووقته تحت تصرف وخدمة المسجل، ويلزم الأجير بقضائها في مكان العمل[22].
حيث أخد المشرع المغربي فيما يتعلق بتنظيم ساعات العمل القانونية بالمستقر عليه في أغلب التشريعات المقارنة، إذ نص بموجب الفصل الأول من ظهير 18 يونيو 1936 الخاص بالتنظيم القانوني لساعات العمل أنه في المؤسسات الصناعية والتجارية أو توابعها، وأيا كان نوعها، سواء كانت عمومية أم خصوصية، وكذلك في المهن الحرة وفي الشركات المدنية والنقابات والجمعيات على اختلاف أنواعها[23].
ولا يمكن ن تتجاوز مدة العمل الحقيقية للأجراء سواء كانوا رجال أو نساء أيا كان سنهم ثماني ساعات في كل يوم وإما ثمان وأربعين ساعة في كل أسبوع.
من خلال هذا يمكن أن نستخلص أن مدة العمل متساوية بالنسبة للجنسين بغض النظر في الجنس أو اللون أو الجنس، أو الحالة الزوجية أو العقيدة أو الرأي السياسي، وبغض النظر عن سن الأجراء.
على اعتبار أن الأجر يساوي مدة العمل فلا يتصور ان يكون الأجر متساوي ومدة العمل غير متساوية.
لكن حسب المادة 191 من مدونة الشغل نجدها حصرت الاستثناءات المتعلقة بتجاوز مدة الشغل العادية في الأجراء الذين يفوق سنهم ثماني عشر سنة، غير أنه يمكن أن تقرر استثناءات أخرى تطبق على الأحداث البالغين ست عشرة سنة، بالنسبة للمشتغلين بالمصلحة الضمنية وقاعة الرضاعة، وغيرها من المصالح المحدثة لفائدة أجراء المؤسسة وعائلاتهم، والمنتعلين بالمخازن، ومراقبي الحضور، وسعات المكاتب ومنظمي أماكن الشغل، ومن إليهم من الأعوان[24].
المبحث الثاني: مظاهر المساواة من خلال تشغيل بعض الفئات من الأجراء
شهد القرن العشرين تطورا كبيرا لمفهوم حقوق الإنسان، وتزايد الاهتمام الدولي بوضع القواعد والاتفاقيات التي تكفل حقوق الإنسان وتحفظ كرامته، وفي خضم هذه المسيرة، انتبه المجتمع الدولي إلى الواقع السيئ الذي تعيشه الفئات الخاصة كالنساء والأقليات والأطفال، واتجه نحو وضع اتفاقيات خاصة بكل منها على حدة، تهدف إلى تحقيق العدالة والرفاهية والمساواة لكافة البشر دون تمييز على أساس العرق أو الدين أو الجنس أو السن.
والمغرب باعتباره أحد مكونات المجتمع الدولي انخرط في الإنتاج الأساسي لمنظمة العمل الدولية (الاتفاقيات والتوصيات) وحاول ترجمة ذلك على مستوى تشريعه الوطني وذلك بإصداره لقانون الشغل وارتبطت قواعده بالنظام العام الاجتماعي ومن جملة الاهتمامات التي تطرق إليها حرصه على سن قواعد قانونية تهدف إلى حماية فئات خاصة ويتعلق الأمر بالنساء والأحداث.
إن المشرع المغربي قد عمل على أنسنة ظروف الشغل من خلال التنصيص على مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم مدة الشغل ولزيادة في الإنتاجية والمردودية وذلك بعد أن كانت مأساوية كارثية حتى ولو كان ضحاياها الأطفال والنساء لأجله فإن المشرع حاول من خلال ما تقدم بيانه أن يبلور معايير العمل الدولية وذلك من أجل تحقيق المساواة الاجتماعية لبعض الفئات الخاصة من الطبقة الشغيلة (فئة النساء والأطفال الأجراء والمعاقون بالاضافةالى فئة الأجانب.
وقد وضع عدة قواعد قانونية تروم حماية الوضعية الاجتماعية والاقتصادية لهذه الفئات باعتبارها فئات قد تعرضت مصالحها فيما مضى لعدة انتهاكات وخروقات أثرت بشكل سلبي على لنظام الاقتصادي والاجتماعي داخل المجتمع المغربي.
من أجل رفع اللبس والغموض، سنتطرق لهذا الموضوع من خلال مطلبين الأول نتناول فيه مظاهر المساواة في تشغيل الأحداث والنساء على ضوء مدونة الشغل والمطلب الثاني سنعرض من خلاله للمساواة من خلال تشغيل المعاقين والأجانب.
المطلب الأول: مظاهر المساواة في تشغيل الأحدث والنساء على ضوء مدونة الشغل
عمل المشرع المغربي على سن مجموعة من القواعد القانونية من خلال قانون الشغل تهدف إلى تحقيق نوع من المساواة الاجتماعية لبعض فئات الطبقة الشغيلة ويتعلق الأمر بالنساء والأطفال، بحيث نظم مجموعة من المقتضيات التي تهدف إلى تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي لهذه الفئات، إيمانا منه في ترسيخ دعائم اقتصاد اجتماعي قوي، ومن اجل بسط تجليات هذه المساواة الاجتماعية والاقتصادية التي حظيت بها فئة الأطفال والنساء على مستوى قانون الشغل سنحاول التطرق إلى ذلك من خلال فقرتين الأولى نبين من خلالها مظاهر المساواة في تشغيل الأحداث على ضوء قانون الشغل والثانية نتناول على ضوئها تجليات مبدأ المساواة في تشغيل النساء على ضوء قانون الشغل.
الفقرة الأولى: مظاهر المساواة في تشغيل الأحداث على ضوء قانون الشغل
حيثما يسود الفقر واللامساواة في مجتمع ما تتزايد احتمالات انخراط الأطفال في العمل، كما تتزايد مخاطر استغلالهم، وكما هو معلوم فإن عمل الأطفال يصبح استغلاليا إذا اشتمل على أيام عمل كملة للطفل في سن مبكرة جدا، وإذا كان الأجر غير كاف وغير مساو للجهد المبذول والمسؤوليات الملقاة على عاتقه تزيد عن الحد الطبيعي، الأمر الذي يؤثر على نمو الطفل الجسدي والمعرفي، مما يتسبب له في مجموعة من الاضطرابات والعقد النفسية التي تحول دون مساهمته مساهمة إيجابية داخل المجتمع، ولأن الأمر بهذه الخطورة، قام المشرع المغربي بسن مجموعة من القواعد القانونية التي تهدف إلى خلق نواعم من المساواة والتوازن بين تشغيل الأطفال وبين حماية حقوقهم ومصالحهم من الغمط والضياع.
وهكذا فلا يعتبر أهلا لإبرام عقد الشغل إلا من بلغ 15 سنة تطبيقا للمادة 143 من مدونة الشغل وذلك انسجاما مع الاتفاقية الدولية رقم 138 لمنظمة العمل الدولية وضمانا لحق الحدث في التمدرس إلى غاية التعليم الإعدادي.
وتجدر الإشارة إلى أن مدونة الشغل قد قررت أقصى جزاء[25]في حق المخالفين لأحكامها بخصوص التشغيل دون السن القانوني وهو ما يعني أن أي عقد أبرم مع قاصر دون هذه السن يعتبر باطلا[26].
كما انه باستقراء المدة 144 من مدونة الشغل نجد أن المشرع المغربي قد منح للعون المكلف بتفتيش الشغل إمكانية طلب عرض جميع الأجراء الأحداث الذين تقل سنهم عن 18 سنة، وجميع الأجراء المعاقين على طبيب تابع للوزارة المكلفة بالصحة العمومية، قصد التحقق من أن الشغل الذي يعد به إليهم، لا يفوق طاقتهم أو لا يتناسب مع إعاقتهم، وإذا أبدى الطبيب رأيا مطابقا لرأيه وتم إجراء فحص مضاد بطلب من ذويهم يحق للعون المكلف بتفتيش الشغل أن يأمر بإعفاء الأحداث والأجراء المعاقين دون إخطار، بالإضافة إلى ذلك فالمادة 147 من مدونة الشغل منعت استخدام الأحداث في الألعاب البهلوانية والتي تشكل خطرا على حياتهم أو صحتهم أو أخلاقهم قبل بلوغ سن السادسة عشرة، كما أن المادة 147 من نفس القانون رفعت سن تشغيل الأحداث إلى الثامنة عشرة في الأشغال التي تشكل مخاطر بالغة عليهم أو تفوق طاقتهم و قد يترتب عنها ما يخل بالآداب العامة[27].
بناءا على ما تقدم، يمكن القول بأن المشرع المغربي حاول جاهدا مواكبة الإنتاج الأساسي لمنظمة العمل الدولية، بغية تعزيز الحماية الاجتماعية لفئة الأجراء الأحداث نظرا لوضعيتهم الخاصة، وخلق نوع من المساواة والتوازن بينهم وبين فئة الأجراء الرشداء، غير أن ذلك يبقى قاصرا من حيث تعزيز مستوى الحماية، وذلك راجع لعدم تنظيم الوضعية القانونية لخدم البيوت، كما أن هناك أعدادا كبيرة من الفتيات اللاتي يعملن ابتداء من السابعة من عمرهن أو أقل من ذلك نتيجة للفقر الذي يدفع ببعض الآباء بتشغيل أطفالهم قبل بلوغهم سن التشغيل من أجل المساعدة في النفقات العائلية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يؤخذ على الأحكام الواردة في مدونة الشغل والمتعلقة بقواعد حفظ الصحة للأجراء الأحداث، أنه لم توفر الحماية الكافية لهم، بحيث لم تفرض الكشف الطبي للأحداث قبل تشغيلهم وبعده واقتصرت على القيام بذلك أثناء العمل فقط، كما جعلت إجراءه متوقفا على إرادة العون المكلف بتفتيش الشغل[28].
الفقرة الثانية: تجليات مبدأ المساواة في تشغيل النساء على ضوء قانون الشغل
إن التحاق المرأة وانخراطها في عالم الشغل وخاصة في الدول النامية لم يقبل بسهولة كظاهرة مرافقة لتطور طبيعي للتشكيلة الاجتماعية لهذه الدول وفي الغالب الأعم كان هذا الالتحاق بصورة قسرية وغير متناغم مع التطور الثقافي لهذه المجتمعات، إلا أنه ما يعمق الإشكالية ويعطيها بعدا خاصا هو ازدواجية المهام الملقاة على عاتق المرأة، بالإضافة لكونها عاملة فهي الزوجة والأم وربة البيت، مسؤولة أمام المجتمع على تربية النشئ، الأمر الذي يلقي على المشرع المغربي مسؤولية جسيمة في العمل على خلق وضعية تشريعية تكفل نوع من التوازن والمساواة وجعل ذلك حاصلا باستمرار في القيام بوظائفها البيولوجية والتربوية والاجتماعية وحماية حقها في الشغل[29].
في هذا السياق، ورغبة من المشرع في تعزيز الحماية القانونية للنساء الأجيرات، ونظرا لاختلاف البنية النفسية للمرأة في الرجل فقد عمل على إيجاد قواعد ومقتضيات قانونية تهدف إلى خلق نوع من التوازن والمساواة بين فئات الأجراء (المرأة والرجل)، وهكذا فقد ترتب عن قاعدة عدم التمييز بين الجنسين أن تمتعت المرأة بحقوق اكتسبتها إياها مدونة الشغل الحالية تحت طائلة الجزر، بحيث أصبح له الحق في إبرام عقد الشغل من جهة، ومن جهة أخرى أصبح لها الحق في الانضمام إلى نقابة مهنية، والمشاركة في إدارتها وتسييرها.
إنه لا يخفى على أحد ما لهذا الانتهاء النوعي من أهمية على مستوى استقرار الوضع الاجتماعي للمرأة المغربية العاملة من حيث تكسيرها للصمت الذي كان يغلف التحرش الجنسي داخل مقر العمل لذلك فإن المادة 9 من مدونة الشغل عملت على تحرير المرأة نظرا لما كانت تتعرض له من ابتزازات داخل العمل بحيث كان التحرش الجنسي من بين الوسائل التي استغلها رجال الأعمال لتسريح العاملات ودفعهن لفسخ عقود الشغل من جانبهن أن التحرش الجنسي غيب مبدأ حرية العمل عند المرأة وأفقدها كرامتها الشخصية، وبالتالي إرجاعها للبيت تحت ضغط الزوج أو الأهل، وانسياقا للمعايير الأخلاقية والقيمية للمجتمع المغربي، لذلك فإن المشرع المغربي أحسن صنعا عندما اعتبر أن التحرش الجنسي، من بين الأخطاء الجسيمة ضد الأجير (خاصة المرأة الأجير)، من طرف المشغل أو رئيس المقاولة أو المؤسسة، وبالتالي فإنه وفي حالة ثبوت ذلك فإن الأمر لا يكاد يخرج عن دائرة الطرد التعسفي.
هذا، وقد عمل المشرع المغربي على إضفاء الحماية القانونية على المرأة الأجير بغية تكريس مبدأ استقرار الشغل، بحيث قرر المشرع عدة مقتضيات إيجابية حماية للمرأة الأجيرة. فبالنسبة إلى هذه الأخيرة إن كانت حاملا فإنها تستفيد من إجازة الولادة مدتها 7 أسابيع قبل الوضع وسبعة أخرى بعده، أما إذا ترتب عن الحمل أو النفاس مرض الأجيرة فتمتد الإجازة إلى 22 أسبوعا تحد أقصى (8 قبل الوضع و14 بعده)[30].
وإذا كان عقد الشغل يتوقف خلال فترة الإجازة فقد كان بديهيا أن يمنع المشرع فصل المرأة الأجيرة خلال حملها وذلك تحت طائلة غرامة وإن كنت مزيلة تطبيقا لما جاء في المادة (159 من مدونة الشغل).
كما مددت الحماية للأجيرة النفساء خلال14 أسبوعا بعد الوضع، وتم السماح لها بإمكانية تمديد فترة توقيف عقد الشغل 90 يوما أخرى على الأكثر وذلك من أجل التفرغ لتربية مولودها طبقا للمادة 156/1 من مدونة الشغل على أن تشعر المشغل بذلك 15 يوم من انتهاء إجازة الوضع، بل وسيسمح للأجيرة ومن أجل الغرض السابق الذكر بالحصول على عطلة سنة كاملة (المادة 156/2) من مدونة الشغل.
وإذا كانت هذه الاستفادة من هذه الإجازات المضافة تظل دون أجر فإنها بالمقابل لا تسمح للمشغل بتسريح الأجيرة خلال فترة تلك الإجازات[31]. كما أن المادة 162 من مدونة الشغل أوجبت على المشغل تجهيز غرفة خاصة للرضاعة داخل كل مقاولة، أو على مقربة منها مباشرة إذا كان يشتغل فيها ما لا يقل عن 50 أجيرة. وبالتالي فإنه وباستقراء هذه المادة يتبين أن المشرع أولى عناية مهمة بالمرأة الأجيرة، عاملا بذلك على تحقيق نوع من المساواة بين النساء الأجيرات وبين الرجال على مستوى ظروف الشغل.
عموما، يتبين أن المشرع المغربي حاول إضفاء نوع من التوازن وخلق نوع من المساواة على مستوى تشغيل المرأة داخل المقاولات المغربية، وذلك بوضع مجموعة من القواعد القانونية الحمائية التي تهدف إلى إيجاد جو مناسب يليق بمكانتها ولما تستحقه نظرا للدور الحيوي الذي تلعبه داخل النسيج الاقتصادي بالمغرب.
المطلب الثاني:تجليات مبدأ المساواة من خلال تشغيل المعاقين والأجانب
سنعرض في هذا المطلب لتجليات المساواة من خلال تشغيل الأجراء المعاقين (الفقرة الأولى) ثم من خلال تشغيل الأجراء الأجانب (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: المساواة من خلال تشغيل المعاقين
يعد التنصيص على تشغيل المعاقين، من أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الشغل الجديدة، ذلك أنه تم التنصيص لأول مرة في تاريخ قانون الشغل المغربي على أحكام خاصة بتشغيل الأجراء، الأمر الذي تترجم معه إرادة المشرع المغربي في الاهتمام بهذه الفئة من الأجراء، وهكذا نجد مدونة الشغل تناولت مقتضيات جديدة تتعلق بأحكام خاصة بتشغيل ذوي الاحتياجات الخاصة وحمايتهم، معتمدة في ذلك على مجموعة مبادئ من الواجب احترامها كلما تعلق الأمر بتشغيل معاق.
فمن المعلوم أنه لا يمكن أن تكون الحظوظ متساوية، بصفة مجردة، إذا كانت المساواة واحدة بين كل من المعاق وغيره من الأشخاص، لهذا نجد المادة 170 من مدونة الشغل كانت واضحة في هذا الصدد بحيث أكدت أنه لا تعتبر التدابير الإيجابية التي تستهدف تحقيق المساواة الفعلية في الفرص والمعاملة بين الأجراء المعاقين وغيرهم من الأجراء بمثابة تدابير تمييزية ضد غيرهم في الأجراء[32].
كما نجد المادة 9 من مدونة الشغل تنص على منع كل تمييز بين الأجراء بسبب الإعاقة يكون من شأنه خرق و تحريف مبدأ تكافؤ الفرص أو عدم المعاملة بالمثل في مجال التشغيل أو تعاطي مهنة، لاسيما فيما يتعلق بالاستخدام وإدارة الشغل وتوزيعه والأجر، والترقية، وبصفة عامة لا يمكن أن تكون الإعاقة سببا في التمييز بين الأجراء في الاستفادة من امتيازات اجتماعية أو تدابير تأديبية أو الفصل من الشغل ، وكمحاولة من المشرع المغربي لفرض إلزام المشغلين بهذه المقتضيات نجده قد نص في المادة 12 من م.ش أن كل من خالف هذه الأحكام يتعرض لعقوبة الغرامة من 15.000 إلى 30.000 درهم وفي حالة العود تضاعف الغرامة.
وفي إطار تعزيز حماية وضعية الأجير المعاق نجد المادة 166 تنص على أنه إذا ما أصبح الأجير معاقا لسبب من الأسباب فإنه يحتفظ بمنصب شغله، أو يسند إليه شغل يلاءم نوع إعاقته وذلك بعد إعادة تأهيله، اللهم إذا تعذر ذلك لسبب يعود لحدة الإعاقة، أو لطبيعة الشغل، وهذا كله بعد أخذ رأي طبيب الشغل، أو لجنة السلامة وحفظ الصحة[33].
والملاحظ أن المادة 166 أشارت إلى تعرض الأجير للإعاقة لسبب من الأسباب، الأمر الذي يؤكد انه حتى وإن كان بسبب الإعاقة لا يعود لسبب القيام بالشغل أو بمناسبته، أما إذا كانت الإعاقة تعود لما ذكرناه، فإنه زيادة على ما ذكر في المادة 166 فإن الأجير يستفيد من التعويضات المنصوص عليها في إطار ظهير 6 فبراير 1963 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض لمهنية.
وقد ألزم المشرع المغربي المشغل الذي يعتزم تشغيل شخص معاق بضرورة تقديم تصريح بذلك إلى العون المكلف بالتفتيش، وذلك حتى يكون عون التفتيش الذي توجد المؤسسة أو الورش الذي يشتغل به الأجير المعاق على علم بالأمر، ويتسنى له بالتالي القيام بواجبه من مراقبة شروط وظروف تشغيله[34].
كما ألزمه – المشغل – بضرورة عرض الأجير المعاق على الفحص الطبي بشكل دوري[35]، بل ويحق لعون التفتيش في أي وقت، عرض جميع الأجراء المعاقين على طبيب بمستشفى تابع للوزارة المكلفة بالصحة العمومية للتحقق من كون الشغل المعهود إليهم القيام به لا يفوق طاقتهم، أو لا يتناسب مع إعاقتهم.
وعموما ينبغي على كل مشغل يشغل أجراء معاقين أن يوفر كل شروط الوقاية الصحية والسلامة المهنية، وان يسهل عملية القيام بعملهم خصوصا من حيث تجهيز أماكن الشغل بالولوجيات اللازمة لتسهيل قيامهم بشغلهم وكل من خالف هذه الأحكام يعاقب بغرامة تتراوح بين 2000 و 5000 درهم[36].
وتعزيزا لحماية وضعية الأجير المعاق، نجد المشرع المغربي قد منع تشغيله في أشغال قد تعرضه للأضرار أو تزيد من حدة إعاقته، كما منع تشغيله في المقالع وفي الأشغال الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم وفي كل الأعمال التي قد تساهم في تفاقم إعاقتهم سواء كانت هذه الأعمال تنجز على سطح الأرض أو في جوفها[37].
وفي نفس السياق نجد المشرع المغربي قد نص في الفقرة الأخيرة من المادة 36 من م.ش على أن الإعاقة لا تعد من المبررات المقبولة لفصل الأجير المعاق عن شغله، إلا إذا كانت تحول دون أداء هذا الأخير لشغل يناسبه داخل المقاولة المشغلة، مما يستنتج معه إعمالا لمفهوم لمخالفة انه إذا تم فصل الأجير بناءا على إعاقة لا تحول دون القيام بعمله فإن هذا الفصل يعد فصلا تعسفيا يستوجب الحكم بالتعويض المقرر قانونا.
وعموما فان كل هذه المقتضيات التي ذكرناها، لا يرمي المشرع من خلالها إلى خلق نوع من التمييز بين وضع الأجير المعاق وباقي الأجراء، وإنما هو فقط محاولة خلق نوع من الحماية لوضع المعاق حتى ينعم بالحقوق التي ينعم بها باقي الأجراء سعيا منه لخلق وضع قانوني يراعي خصوصيات هذه الفئة من الأجراء.
إلا أن الملاحظ في هذا الصدد ن المشرع وإن كان قد حاول أن يضع مقتضيات تعزز وضع هذه الفئة من الأجراء، فإن ذلك يبقى غير فعال بالنظر الى العقوبات التي فرضها في حالة مخالفة هذه الأحكام، التي لا تتجاوز في أقصى الحالات غرامة مالية لا تتعدى 30.000 درهم بل وحتى الشخص المعاق الذي رفض المشغل تشغيله بناء على هذا الاعتبار لا يتصور عمليا ن يبادر إلى رفع دعوى بناءا على هذا الأساس، إلا إذا كان ذو ثقافة قانونية واسعة.
الفقرة الثانية:تجليات مبدأ المساواة من خلال تشغيل الأجانب
إذا كان الأجير ومن منطلق الحرية في الشغل حر في الأشتغال أو عدم الاشتغال، فإن ذات المبدأ مقرر بالنسبة للمشغل، إذ يمكنه قبول أو عدم قبول من يتقدمون للاشتغال لديه سواء كانوا مواطنين أو أجانب، طالما أن دوافع القبول أو الرفض مبنية على اعتبارات مهنية، وليس على أحد الاعتبارات التمييزية المحظورة قانونا.
غير أنه ولحماية اليد العاملة الوطنية من مزاحمة اليد العاملة الأجنبية وذلك حتى لا يتعرض الأجراء من أبناء الدولة للبطالة من جهة، وحتى لا ينقص مستوى أجورهم بسبب مزاحمة الأجراء الأجانب، كون هؤلاء قد يقبلون بأجور تقل عن الأجور المعمول بها، عملت جل التشريعات على وضع قواعد تكفل المساواة بين الأجراء الوطنيين والأجانب خصوصا إذا كانت الدولة في حاجة إلى أجراء أجانب[38].
وهكذا نجد المادة 516 من مدونة الشغل تنص على أنه يجب على كل مشغل يرغب في تشغيل أجير أجنبي أن يحصل على رخصة من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل تسلم على شكل تأشيرة توضع على عقد الشغل و يعتبر تاريخها هو بداية عقد الشغل، على أن كل تغيير يحدث في العقد يخضع بدوره للتأشير.
وتبقى الصلاحية لوزارة الشغل في سحب الرخصة في كل وقت،أذا كانت هناك أسباب ومبررات لهذا السحب.
وضمانا لبعض حقوق الأجير الأجنبي فإن المادة 518 أوجبت النص في العقد أنه في حالة رفض رخصة عمله، يلتزم المشغل بتحمل مصاريف عودته إلى بلده أو البلد الذي كان يقيم به[39].
والملاحظ أن المشرع المغربي لم يورد تنظيما شاملا ما يتعلق بعمل الأجراء الأجانب، فهؤلاء يتمتعون بدات الحقوق وتقع عليهم نفس الالتزامات التي على الأجراء المغاربة، فكل ما يوجبه المشرع المغربي في هذا المنوال، هو ضرورة الحصول على الرخصة المشار إليها أعلاه.
وقد رتب المشرع المغربي جزاءا يتمثل في غرامة مالية من 2000 إلى 5000 درهم في حق كل مشغل شغل أجيرا أجنبيا دون الحصول على رخصة من السلطة الحكومية المكلفة بالشغل و شغل بمقتضى عقد لا يطابق النموذج الموضوع من طرفها أو لم يضمن العقد الالتزام بتحمل مصاريف عودة الأجير الأجنبي في حالة رفض منح الرخصة له بالاشتغال[40].
ومن هنا يتضح أن المشرع المغربي حاول أن يؤسس لنوع من التوازن بين اليد العاملة الأجنبية و الإجراء الوطنيين من خلال فرض التأشيرة المشار إليها أعلاه التي يمكن من خلالها مراقبة تأثير تشغيل الأجانب بالمغرب ليتسنى لها تصحيح الوضع من خلال أعادة التوازن كلما تطلب الأمر ذلك .
خاتمة
وختاما يلاحظ أن مدونة الشغل قامت بتكريس مبدأ المساواة و أحاطت ذلك بمقتضيات زجرية لردع من يخالف المقتضيات المتعلقة بذلك،إلا أنه و على الرغم من ذلك فالواقع العملي يفرض في أحيان عديدة ممارسة نوع من التمييز رغم خلو النص من ذلك ، حيث نجد أن بعض الأشغال لا يتم إسنادها إلا للنساء مثلا و هذا النوع من التمييز تفرضه طبيعة العمل كونه يسند للنساء عادة ذلك ما يدفع إلى القول انه لا مانع من التنصيص على بعض الاستثناءات التي تكون عادة من عمل الرجال و إما من اختصاص النساء و يبقى الأمر هنا متروكا للسلطة التقديرية بالموازاة مع غياب النص لتقدير ما إذا كان الأمر بإجراء تمييزي من عدمه .
و عموما يمكن القول إن مدونة الشغل حاولت أن تضمن مبدأ المساواة بما يتوافق و الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان إلا انه يؤخذ عليها أنها لم تضع عقوبات زجرية فعالة لتحقيق الردع المناسب ، لأجل ذلك لابد وان يتدخل المشرع لوضع مقتضيات قانونية أكثر صرامة و أكثر فعالية في هذا الشأن وذلك لضمان تطبيق المبدأ على المستوى الواقعي كما ينبغي على هيئات المجتمع المدني أن تعمل على ترسيخ المبدأ بين مختلف الفاعلين , من مشغلين و إجراء بشكل خاص و بين عموم المواطنين بشكل عام.
المنهجية المعتمدة
المقدمة:
المبحث الأول: تجليات مبدأ المساواة قبل وأثناء تنفيذ عقد الشغل
المطلب الأول: المساواة قبل إبرام عقد الشغل
الفقرة الأولى: المساواة في التكوين والمهن
الفقرة الثانية: المساواة من خلال الوساطة في الاستخدام والمهن
المطلب الثاني: المساواة عند تنفيذ عقد الشغل
الفقرة الأولى: المساواة في استحقاق الأجر
الفقرة الثانية: المساواة في مدة العمل
المبحث الثاني: مظاهر المساواة في تشغيل بعض الفئات من الأجراء
المطلب الأول: مظاهر المساواة في تشغيل الأحدث والنساء على ضوء مدونة الشغل
الفقرة الأولى: مظاهر المساواة في تشغيل الأحداث على ضوء قانون الشغل
الفقرة الثانية: تجليات مبدأ المساواة في تشغيل النساء على ضوء قانون الشغل
المطلب الثاني: المساواة من خلال تشغيل المعاقين والأجانب
الفقرة الأولى: : تجليات مبدا المساواة من خلال تشغيل المعاقين
الفقرة الثانية: المساواة من خلال تشغيل الأجانب
خاتمة
لائحة المراجع
الكتب:
- عبد اللطيف الخالفي: الاجتهاد القضائي في المادة الاجتماعية رصد لمبادئ وقرارات المجلس الأعلى ومحاكم الاستئناف 1968-1998 مطبعة الوطنية مراكش طبعة 1
- عبد الطيف الخالفي، الوسيط في علاقات الشغل الفردية المطبعة والوراقة الوطنية الطبعة الأولى 2001
- عبد اللطيف خالفي، الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول، المكتبة والوراقة الوطنية، طبعة الأولى 2004
- محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، علاقات الشغل الفردية، الجزء الثاني من المجلد الأول، مكتبة دار السلام
- محمد الشرقاني، علاقات الشغل بين تشريع الشغل ومشروع مدونة الشغل، مطبعة سجلماسة مكناس، الطبعة الثالثة 2009
- محمد القري اليوسفي، محمد الشرقاني، عبد العزيز العتيقي، دراسة تحليلية نقدية المدونة الشغل المرتقبة (مشروع 1998)، مطبعة دار الجسور، وجدة الطبعة الأولى
- محمد بلهاشمي، التسولي، مدونة الشغل بين النظرية والتطبيق في العقود الفردية، الجزء الأول، الطبعة الأولى سنة
- موسى عبود، دروس في القانون الاجتماعي المركز الثقافي العربي، الطبعة الثالثة 2004.
الرسائل:
- عبد الله بوزاكا، النظام القانوني للوساطة في التشغيل، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، وحدة المقاولة والقانون، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية 2014،2013
- لمياء السوسي، عمل المرأة وأبعاده الاقتصادية والاجتماعية رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث قانون الأسرة المغربي والمقارن، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة عبد الملك السعدي، طنجة، السنة الجامعية 2010، 2011
المقالات:
- دنيا مباركة: الحماية القانونية لتشغيل الأحداث في التشريع المغربي مقال منشور بالمجلة المغربية للاقتصاد و القانون العدد 1
- فاطمة حداد، محاضرات في تدبير لموارد البشرية
[2] - عبد الطيف الخالفي، الوسيط في علاقات الشغل الفردية المطبعة والوراقة الوطنية الطبعة الأولى 2001 ص 436.
[8] - عبد الله بوزاكا، النظام القانوني للوساطة في التشغيل، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، وحدة المقاولة والقانون، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية 2014،2013 ص 4 و 5.
[10] - أحدتت هذه الوكالة بمقتضى ظهير 5 يونيو 2000 والتي تعد بديلا لمراكز الإرشاد والتوجيه من اجل التشغيل CIOPE وهي مؤسسة عمومية ذات استقلال مالي وإداري، ولها فروع جهوية ومحلية و يتم تسييرها من طرف مجلس إداري يتكون من ممثلين عن إدارات مختلفة.
[12] - يمكن للصحافة أن تكون وسيطا في التشغيل وذلك عن طريق إدراج إعلانات الشغل عرضا أو طلبا في الجريدة أو المجلة أوالنشرة ويجب إدراج جميع البيانات اللازمة حول أسماء وعناوين أصحاب العروض وطلبات التشغيل في الإعلان.
[13] - الوسيط الإلكتروني في التشغيل هو الموقع الالكتروني الذي يعتمد على مجموعة من التقنيات التي تمكن من نشر ومعالجة المعلومات بهدف التقاء العرض والطلب في سوق الشغل.
[17] - قرار الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض رقم 71 بتاريخ فاتح فبراير 1993 في ملف اجتماعي عدد 8693-21 أورده عبد اللطيف الخالفي: الاجتهاد القضائي في المادة الاجتماعية رصد لمبادئ وقرارات المجلس الأعلى ومحاكم الاستئناف 1968-1998 مطبعة الوطنية مراكش طبعة 1، ص 145.
[19] - Melita Budiner, le droit de la femme a l’égalité de salaire et la convention n° 100 l’organisation international du travail littéraire de droit et de juris prudence, paris 1975 ; p :39.
[20] - بالتالي تم تحديد الحد الأدنى للأجور في الميادين التجارية والصناعية والمهن الحرة دون الميدان الفلاحي.
[21] - عبد اللطيف خالفي، الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول، المكتبة والوراقة الوطنية، طبعة الأولى 2004، ص 573.
[25] - تتراوح الغرامة المقررة على مخالفة المدة 143 ما بين 25.000 ألف درهم و 30.000 درهم علما بان هذا المبلغ يعتبر أعلى غرامة قررت في مدونة الشغل، وفي حالة العود فإن العقوبة تصل إلى الحبس.
[26] - محمد الشرقاني، علاقات الشغل بين تشريع الشغل ومشروع مدونة الشغل، مطبعة سجلماسة مكناس، الطبعة الثالثة 2009 ص 24.
[27] - دنيا مباركة: الحماية القانونية لتشغيل الأحداث في التشريع المغربي: المجلة المغربية للاقتصاد و القانون مطبعة الخطاب العدد1 ص 6.
[29] - محمد القري اليوسفي، محمد الشرقاني، عبد العزيز العتيقي، دراسة تحليلية نقدية المدونة الشغل المرتقبة (مشروع 1998)، مطبعة دار الجسور، وجدة الطبعة الأولى 1999 ص 109.
[32] - محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، علاقات الشغل الفردية، الجزء الثاني من المجلد الأول، مكتبة دار السلام ص 88 و 89.
[38] - لمياء السوسي، عمل المرأة وأبعاده الاقتصادية والاجتماعية رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث ،قانون الأسرة المغربي والمقارن، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة عبد الملك السعدي، طنجة، السنة الجامعية 2010، 2011 ص 89.
[39] - محمد بلهاشمي، التسولي، مدونة الشغل بين النظرية والتطبيق في العقود الفردية، الجزء الأول، الطبعة الأولى سنة 2010 ص 528.
شاركنا بتعليقك...