مقدمة:
يعد التحكيم طريقا خاصا لحل المنازعات المختلفة بين الأشخاص وقد عرفته المجتمعات القديمة واتخذت منه أداة لحسم المنازعات بين أفرادها على أساس الأعراف والتقاليد السائدة فيها.
والتحكيم هو عبارة عن اتفاق على عرض نزاع نشأ أو قد ينشأ على محكمين للفصل فيه دون المحاكم المختصة، لذا ومن أجل تقنين قواعده تم عقد العديد من المؤتمرات الدولية وتوقيع المعاهدات والاتفاقيات وإصدار تشريعات التحكيم من قبل الدول المختلفة والمنظمات الدولية الخاصة ومراكز التحكيم.
فالتحكيم له مميزات جوهرية تجعل منه نظاما ضروريا للسياسة الاقتصادية في أي بلد يتجه نحو الانفتاح الاقتصادي وجلب رؤوس الأموال والاستثمارات التي تساعد على التنمية، فهو وسيلة لتشجيع الاستثمار الأجنبي ولاسيما الدولة التي يستثمر فيها بخصوص النزاعات التي قد تنشأ بخصوص استثماراته والتي عادة ما تأخذ إجراءات التقاضي في المحاكم العادية وقتا ليس بقصير في أحسن الأحوال، أما التحكيم فيواجه الاتجاهات الدولية الحديثة.
واتفاق الاشخاص على التحكيم لا يبعده عن حماية القانون، ولا عن حقه في الالتجاء إلى القضاء، فاللجوء إلى القضاء هو من الحقوق التي تتعلق بالنظام العام في كل الدول، ولكن بالاتفاق على التحكيم يمنح المحكم سلطة الحكم في النزاع بدلا من المحكمة المختصة بنظر النزاع بحيث إذا لم ينفد اتفاق التحكيم لأي سبب عادت سلطة الحكم إلى المحكمة، وعلى ذلك يقوم المحكم بإجبار الخصم على الرضوخ لمحاكمته والحكم في النزاع.
هذا ويعتبر قانون المسطرة المدنية المغربي الإطار العام الذي ينظم التحكيم في بلدنا، في حضور مدونة خاصة وهي مدونة التحكيم بحيث وافق مجلس المستشارين على مشروع قانون رقم 08.05 والذي يقضي بفسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية في 22 ماي 2007 والذي نشر بالجريدة الرسمية في 6 دجنبر 2006.
والتحكيم له صورتان إما أن يرد شرطا في العقد الأصلي مصدر الرابطة القانونية سواء كان عقدا مدنيا أم عقدا تجاريا، فيتفق طرفا العقد على أن ما ينشأ من نزاع يحدث في المستقبل فلا ينصب على نزاع معين ويسمى هذا الاتفاق كما درج عليه فقه التحكيم "شرط التحكيم".
أما الصورة الثانية فهي مشارطة التحكيم بحيث يتفق الطرفان على التحكيم في عقد منفصل على العقد الأصلي يتفقان فيه على عرض النزاعات التي نشأت بينهم على محكم أو أكثر ويسمى هذا الاتفاق "اتفاق التحكيم".
وهذه الصورة الثانية هي التي قمنا في هذا البحث بحيث على جميع جوانبه ومن خلال ما سبق يمكن طرح التساؤلات التالية:
- ما هي شروط اتفاق التحكيم؟
- ما هي آثار اتفاق التحكيم؟
- كيف يمكن الدفع بوجود اتفاق التحكيم؟
وسنجيب على هذه التساؤلات من خلال التصميم التالي:
المبحث الأول:الاحكام العامة لاتفاق التحكيم .
المبحث الثاني:اثار التحكيم و الدفع بوجود هذا الاتفاق .
المبحث الأول: الأحكام العامة لاتفاق التحكيم
إن التحكيم وباعتباره وسيلة خاصة لحسم المنازعات التي تنشأ بين أطراف العلاقة التعاقدية يحتاج إلى شروط من أجل قيام الهيئة التحكيمية بعملية التحكيم، هذا ما سوف نتناوله في (المطلب الثاني) على أن نتناول تعريف اتفاق التحكيم في (المطلب الأول).
المطلب الأول: تعريف اتفاق التحكيم وتمييزه عن باقي النظم المشابهة
وفي هذا المطلب سوف نتناول تعريف اتفاق التحكيم في (الفقرة الأولى) على أن نتناول تمييز اتفاق التحكيم عن باقي النظم المشابهة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تعريف اتفاق التحكيم
بالرجوع إلى تعريف المشرع المغربي لاتفاق التحكيم، نجده ينص في الفصل 314 من قانون المسطرة المدنية على ما يلي: " عقد التحكيم هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع نشا بينهم بعرض هذا النزاع على هيئة تحكيمية". هذا وبالرجوع إلى تعريفات الفقه لاتفاق التحكيم نجد البعض من الفقه يعرفه بأنه " اتفاق الخصوم على عرض نزاع قائم أو نشأ بينهم على محكم أو هيئة تحكيمية، بدل عرضه على مؤسسة قضائية رسمية أي تابعة".
وكما عرفه البعض الآخر بأنه: " وثيقة يتفق الأطراف بموجبها على عرض النزاع التي قد ينشأ بصدد تنفيذ هذا العقد أو تفسيره على المحكمين، وعندئذ يرد التحكيم على أي نزاع يحدث في المستقبل" وكما عرفه كذلك البعض من الفقه بأنه: " الاتفاق الذي يتم بين الطرفين بعد قيام النزاع بينهما لعرض هذا النزاع على التحكيم"[1].
عموما فهي كثيرة هي التعريفات الخاصة بالتحكيم وجميعها لا يخرج عن اعتباره اتفاقا بين الأطراف على حل النزاع القائم أو الذي سيقوم من قبل شخص أو أشخاص يتم اختياره أو اختيارهم لهذا الغرض[2].
واتفاق التحكيم بهذا المنظور يأتي بعد حدوث النزاع وليس قبله ويكون جوهره عرض نزاع معين نشأ بين طرفيه على المحكم أو المحكمين.
وقد ألزم المشرع المغربي المحكمة في حالة قيام هذا العقد إلى إحالة الأطراف على هيئة التحكيم واعتبر قرارها بهذا الصدد بمثابة اتفاق تحكيم مكتوب وهنا تبرز خاصية عقد التحكيم وهي نشوئه بعد قيام النزاع[3].
ونشأة النزاع تعني من ناحية، ووع نزاع فعلي بين الطرفين، وأن يكون هذا النزاع لازال قائما، ولا يكفي لنشأة النزاع مجرد الاعتراض أو عدم الاتفاق وإنما يتطلب اختلاف مظهر في ادعاءات محددة يناط بالمحكم حسمها[4].
الفقرة الثانية: تمييز اتفاق التحكيم عن باقي النظم المشابهة له
ونذكر بالأخص شرط التحكيم الذي يتشابه في مجموعة من المقتضيات القانونية مع اتفاق التحكيم (أولا) ثم الوساطة الاتفاقية في نقطة ثانية (ثانيا).
أولا: تمييز اتفاق التحكيم عن شرط التحكيم
إن شرط التحكيم هو ذلك البند الذي يشترط في العقد حيث يتفق الأطراف فيه على الالتجاء إلى التحكيم كوسيلة لحل المنازعات والخلافات التي قد تنشأ بينهما.
أما اتفاق التحكيم كما سبق وان أوردنا فهو ذلك الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف النزاع بان يعرضوا هذا الأخير على هيئة تحكيمية ويتضح مما سبق بان شرط التحكيم يتعلق بنزاع لم يولد بعد. وبالتالي فهو شرط احتياطي قد يتم إعمال مقتضياته وقد لا يحصل ذلك، أما عقد التحكيم فيتعلق بنزاع قد تحقق على ارض الواقع، وهذه التفرقة بين عقد التحكيم وشرط التحكيم لها آثار قانونية بالغة الأهمية، إذ أن في عقد التحكيم لابد من تضمين موضوع النزاع وتحديده والإخلال بهذا المقتضى يرتب جزاء البطلان في حين لا تصادف مثل هذا المقتضى في شرط التحكيم وهذا أمر طبيعي لأنه يتعذر تعيين موضوع النزاع بدقة فيما يتعلق بشرط التحكيم لان النزاع لازال في حكم المجهول[5].
وكما أن شرط التحكيم هو شرط مستقل عن باقي الشروط الأخرى حيث أنه لا يترتب عن بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شروط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحا وهذا ما يؤكده الفصل 318 ق.م.م[6].
ثانيا: تمييز اتفاق التحكيم عن الوساطة الاتفاقية
إذا كانت كل من التحكيم والوساطة يتفق في أنهما من الوسائل البديلة لحل النزاعات وأن مسطرتهما تمتاز بالسرية وأن كلاهما يدخل في طابع الرضائية فيما يخص تعيين الوسيط والمحكم.
كذلك يذيل كل من اتفاق التصالح في الوساطة والحكم التحكيمي في اتفاق التحكيم بالصيغة التنفيذية وغيرها من أوجه التشابه بينهما. فإن هناك اختلافات جوهرية بينهما وتتمثل في أن الوساطة الاتفاقية تشاركية أي لا يمكن تصور وساطة إلا بتوفر طرفين أما التحكيم فالمسطرة تواجدية.
وتجب الإشارة كذلك إلا أن التحكيم هو مكلف أما الوساطة فهي مجانية كذلك من بين أوجه الاختلاف نجد أن التحكيم ينتهي بحكم تحكيمي أما الوساطة فتنتهي باتفاق صلح بين الطرفين.
وإذا انسحب أحد الأطراف في الوساطة فإنه لا تستمر إجراءات الوساطة في حين إذا انسحب احد الأطراف في ظل مسطرة التحكيم فإن إجراءات التحكيم تستمر.
المطلب الثاني: شروط اتفاق التحكيم
في هذا المطلب سوف نتطرق إلى شروط اتفاق التحكيم وهذه الأخيرة تتمثل في الشروط الموضوعية (الفقرة الأولى) والشروط الشكلية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الشروط الموضوعية
ويتعلق الأمر في إطار الشروط الموضوعية لصحة اتفاق التحكيم في شروط عامة (أولا) وشروط خاصة (ثانيا).
أولا: الشروط الموضوعية العامة
وبالرجوع إلى قانون 05 – 08 بمثابة قانون المسطرة المدنية نجد أن المشرع المغربي قد ترك مسألة الشروط العامة لصحة اتفاق التحكيم إلى القواعد العامة المنصوص عليها في ظهير الالتزامات والعقود المغربي.
وهكذا فالشروط الموضوعية العامة تتمثل في الرضى والأهلية والمحل والسبب. فأما الرضى فيعرف بأنه " توافق إرادتي المتعاقدين على إحداث الأثر القانوني المتوخى من العقد" ويتحقق هذا التوافق بتبادل التعبير عن إرادتين متطابقتين، ويكون ذلك بصدور إيجاب يتضمن عرضا يوجهه شخص آخر وصدور قبول مطابق للإيجاب من الشخص الذي وجه إليه العرض، فيقترن القبول بالإيجاب ويحصل التراضي وبالتالي قيام العقد[7]. وإذا كان اتفاق التحكيم من العقود الرضائية فيجب ألا يشوب إرادة الطرفين أي عيب من عيوب الرضى.
أما عن أهلية أطراف اتفاق التحكيم فالقاعدة التي جرى فقه التحكيم عليها أن الحق في الالتجاء إلى التحكيم ملك لكل شخص كامل الأهلية يملك حرية التصرف في الحق محل النزاع، وتتفق هذه القاعدة مع ما نص عليه المشرع المغربي في ق.م.م في الفصل 308 الذي يشترط لصحة اتفاق التحكيم أن تتوفر شروط وجود الحق في التحكيم ومنها الأهلية بوجه خاص، والأهلية التي اشترطها المشرع في هذا الإطار هي أهلية الشخص في التصرف في حقوقه، بمعنى انه لا يكفي أن يكون الشخص أهلا للتعاقد فحسب وإنما يجب ألا يكون أهلا للتصرف في الحق المتنازع عليه للإبرام اتفاق التحكيم[8].
والأهلية من المسائل الشخصية والذي يرجع تحديدها لقانون الأسرة والذي حددها في سن 18 سنة شمسية كاملة وذلك حسب مقتضيات المادة 209 من مدونة الأسرة المغربية.
وأما بخصوص القاصر المؤذون له بممارسة التجارة فيمكنه كذلك إبرام اتفاق التحكيم. وفي الحالة التي يبرم فيها اتفاق التحكيم من طرف الوصي في الحدود التي يتطلبها القانون ثم زالت صفته بسبب ما أو توفي، فان ذلك لا يؤثر على اتفاق التحكيم الذي يظل صحيحا إذ أن الأصل في ذلك هو استقلالية شرط التحكيم[9]كما تلزم الأهلية في الموكل لإبرام اتفاق التحكيم وهو ما نصت عليه مقتضيات المادة 880 ظ.ل.ع[10].
ومن الأكيد الى أن أي التزام يجب أن ينصب على محل، ويعد محل اتفاق التحكيم هو موضوع النزاع يراد حسمه عن طريق التحكيم ,لذلك يجب أن يتوفر شرط المحل على الشروط العامة لصحته وهي:
- يجب أن يكون المحل موجودا أو ممكنا.
- معينا أو قابل للتعيين.
- يجب أن يكون المحل مشروعا أي ألا يكون مخالفا للنظام العام والآداب العامة.
وتجب الإشارة إلى أنه لا يجوز أن يكون محل تحكيم النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيآت المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية، غير أن النزاعات المالية الناتجة عنها يمكن أن تكون محل عقد تحكيم ما عدا المتعلقة بتطبيق قانون جبائي، وذلك حسب مقتضيات الفصل 310 من ق.م.م.
وأخيرا بقي ركن السبب وهو الدافع إلى التعاقد لإبرام اتفاق التحكيم ويجب أن يكون السبب مشروعا كذلك.
ثانيا: الشروط الموضوعية الخاصة
وقد أضاف المشرع المغربي إلى الشروط الموضوعية العامة اللازم توفرها لصحة اتفاق التحكيم، شروطا خاصة ثم ذكرها في الفصل 315 من ق.م.م حيث يجب أن يتضمن عقد التحكيم تحت طائلة البطلان تحديد موضوع النزاع، وتعيين الهيئة التحكيمية أو التنصيص على طريقة تعيينها، إلا أن البطلان الواردة في الفصل لا يمتد أثره إلى جميع عناصر بطلان اتفاق التحكيم نتيجة لعدم تعيين الهيئة أو عدم التنصيص عليها، والحالة هنا لا يمكن تطبيق هذا الجزاء، إذ أن المشرع المغربي في الفصل 5 – 327 من ق.م.م منح سلطة تعيين الهيئة التحكيمية لرئيس المحكمة بطلب من أحد الأطراف في حالة عدم تعيينها أو عدم التنصيص على طريقة تعيينها[11].
الفقرة الثانية: الشروط الشكلية
وبالنسبة للشروط الشكلية فإنها تتمثل في شرط الكتابة وفقا لما ينص عليه الفصل 307 من قانون المسطرة المدنية، وفي هذا الإطار يرى رحال البوعناني أن المشرع المغربي باشتراطه شرط الكتابة في عقد التحكيم في العقود التجارية لم يكن موفقا، لان التجارة تقوم على السرعة وإبرام الصفقات في أقرب وقت توخيا لتحقيق الربح.
إلا أن هذا الرأي أعلاه لا يتفق ورأي السباعي حيث يقول في هذا الباب " ونفضل منحى القانون المغربي الذي جعل التحكيم عقدا شكليا ونظرا لخطورته ولأهميته ولاستثنائيته، وأن جعل عقد التحكيم عقدا رضائيا كتابيا أو شفويا يخلف معضلة إثباته، وحتى إذا ثبت نلاقي صعوبة في إثبات بياناته، ومن يعتمد على الإقرار واليمين الحاسمة، فإنه يعتمد على السراب، لان الناس اتخذت الإنكار والاستخفاف باليمين من مبادئها الأساسية في عصر طغت عليه المادة والجشع وضعف الإيمان"[12].
والمشرع المغربي سار في هذا الاتجاه الأخير واشترط صراحة إفراغ اتفاق التحكيم في شكل محرر مكتوب وذلك في ق.م.م وإلا كان الاتفاق باطلا.
وبذلك أصبحت الكتابة شرط انعقاد وليست شرط إثبات على اعتبار أن الفصل 313 من ق.م.م جاء بصيغة الأمر " يجب إبرام اتفاق التحكيم كتابة..." وذلك بخطورة الأثر الذي يترتب على هذا النوع من الاتفاقات ألا وهو سلب قضاء الدولة اختصاصا أصيلا لصالح قضاء خاص يرتضيه الأطراف لحل نزاعاتهم.
ولهذه الأسباب أتى المشرع المغربي بهذه القاعدة الشكلية لضبط مفهوم اتفاق التحكيم واشتراطها – الكتابة – لصحة اتفاق التحكيم، ويقصد بالكتابة هنا كل ما من شانه أن يكشف عن أن إرادة الطرفين قد اتجهت إلى التحكيم، سواء في مراسلات أو برقيات أو خطابات، سواء بالبريد العادي أو بوسائل الاتصال الحديثة كالانترنيت أو الفاكس، ويمكن أن يبرم اتفاق التحكيم كتابة إما بعقد رسمي أو عرف، وإما بمحضر يحرر أمام الهيئة التحكيمية[13].
المبحث الثاني: آثار التحكيم والدفع بوجود هذا الاتفاق
في هذا المبحث سنقف على آثار التحكيم بشقيها الموضوعية والإجرائية في الفقرة الأولى أما في الفقرة الثانية سنحاول تحديد طبيعة اتفاق التحكيم وكذا الإطار الإجرائي للدفع باتفاق التحكيم.
المطلب الأول: آثار الاتفاق على التحكيم
يتمتع اتفاق التحكيم بقوة الالتزام متى توافرت شروطه الموضوعية والشكلية، وهذه القوة تقوم في مواجهة أطرافه ولا تقوم في مواجهة الغير، إلا في أحوال خاصة يقررها القانون خروجا عن الأصل وهذا ما يعرف بنسبية آثار العقد.
وإذا تحققت شروط التحكيم الموضوعية والشكلية فانها تضفي على الاتفاق قوته الملزمة والتي تتمثل في الامتناع عن الالتجاء إلى القضاء في شان النزاع المحكم فيه وبناء عليه سنقوم بتحليل آثار اتفاق التحكيم من خلال فقرتين الأولى سندرج فيها الآثار الموضوعية والثانية سندرج فيها الآثار الشكلية لاتفاق التحكيم.
الفقرة الأولى: الآثار الموضوعية لاتفاق التحكيم
يترتب على اتفاق التحكيم ثلاثة آثار موضوعية سنقف على كل واحد بالتوالي.
أولا: تقييد أطراف التحكيم بالاتفاق وعدم جواز الاحتجاج به على الغير
فتطبيقا لأحكام قانون الالتزامات والعقود لا ينصرف أثر العقد "التحكيم" إلا على المتعاقدين فقط.
وبالتالي يكون على الأطراف التقييد بعقد التحكيم وعدم اللجوء إلى القضاء، وهكذا لا يستفيد من التحكيم إلا أطرافه ولا يضار منه غير هؤلاء، وهذا ما يسمى النطاق الشخصي لاتفاق التحكيم ولا يحق التمسك ببطلان اتفاق التحكيم غير أطرافه ما لم يتصل الأمر بالنظام العام، فيكون لكل خصم في الدعوى حق التمسك بالبطلان ولنيابة العامة كذلك إذا كانت طرفا منضما فيها، كما يمكن للمحكمة أن تحكم بالبطلان من تلقاء نفسها[14].
ثانيا: اثر مرور الزمن على اتفاق التحكيم
1 – أثر اتفاق التحكيم على سريان التقادم
الأصل أن ينقطع التقادم بالمطالبة القضائية أو بأي إجراء آخر يقوم به الدائن للتمسك بحقه أمام القضاء وهذا ما يثير التساؤل عما إذا كان الاتفاق على التحكيم يؤدي إلى قطع التقادم؟
وسنميز في هذا الإطار بين حالة الاتفاق على التحكيم بعد رفع الدعوى أمام القضاء وحالة الاتفاق عليه قبل رفعها إلى القضاء.
في الحالة الأولى: فإن الاتفاق على التحكيم أثناء سريان الدعوى أمام المحكمة في ذاته قاطع لمدة التقادم، فالاتفاق يعد مانعا قانونيا يحول دون متابعة إجراءات الدعوى وفق ما نص عليه الفصل 314 من ق.م.م إذ تحيل المحكمة الأطراف على التحكيم فتقف بذلك مدة سقوط الدعوى القائمة أمام المحكمة طول الوقت الذي تستغرقه إجراءات التحكيم سواء ذلك المتفق عليه أو القانوني المنصوص عليه في الفصل 20/327 من ق.م.م أمام الهيئة التحكيمية. ولا تستأنف سيرها بانقضاء الموعد المحدد الذي يتعين على المحكمين أن يفصلوا في النزاع خلاله.
أما في الحالة الثانية: أي في حالة الاتفاق على التحكيم قبل رفع الدعوى أمام القضاء لا يمكن في هذه الحالة الحديث عن التقادم قبل قيام النزاع بالفعل، وإذا ما قام النزاع وبدأت مدة التقادم في السريان فلا يتصور انقطاعها إلا بالإجراء الذي يتخذه الدائن لتحريك مسطرة التحكيم وذلك قيامه اختيار محكمه وإخطار الطرف الآخر بهذا الاختيار مع مطالبته بتعيين محكمه هو الآخر.
2 – آثار القوة القاهرة على اتفاق التحكيم
لا يترتب على القوة القاهرة سوى وقف سريان الميعاد المحدد لعرض النزاع على التحكيم، كما يمكن أن تؤثر القوة القاهرة على تعديل مضمون اتفاق التحكيم هذه السلطة قد يمكن ممارستها من طرف المحكم كما لو اتفق على إجراء التحكيم في مكان معين ثم وجدت ظروف عامة غير متوقعة كحرب جعلت إجراءات التحكيم مستحيلة أو مرهقة لأحد الأطراف.
وهذا ما يتماشى مع نص الفقرة الثانية من الفصل 10/327 الذي يجيز للهيئة التحكيمية أن تجتمع في أي مكان تراه مناسبا للقيام بإجراءات التحكيم[15].
ثالثا: جواز التنازل عن اتفاق التحكيم
1 – قبل بدا مسطرة التحكيم
يمكن لأطراف التحكيم التنازل عنه، لأنه في الأصل قد تم الاتفاق عليه برضائهم، وهكذا فهم يملكون سلطة التخلي صراحة عنه أو ضمنا.
فيكون الاتفاق على التنازل صراحة في وثيقة مكتوبة وموقعة من الطرفين، ويكون ضمنيا عندما يلجأ احد الأطراف إلى القضاء ولا يدفع الطرف الآخر بوجود اتفاق التحكيم، أو يدفع به ثم يتنازل صراحة عن التمسك بهذا الدفع.
2 – أثناء الدعوى التحكيمية وقبل الفصل في النزاع
يمكن أن تنتهي الدعوى التحكيمية قبل الفصل في النزاع، وفي هذه الحالة تصدر الهيئة التحكيمية حكما بإنهاء الإجراءات وذك في الأحوال التالية:
- إذا لم يقدم المدعي دون عذر مقبول مذكرة فتح للدعوى خلال الموعد المتفق عليه بين الطرفين وفقا لفصل 327/14 ق.م.م، تقرر هيئة التحكيم إنهاء إجراءات التحكيم من لم يتفق الطرفان على غير ذلك وإذا اتفق الأطراف على تسوية النزاع وديا، وفي هذه الحالة تنهي هيئة التحكيم مسطرة التحكيم بناء على طلب من أحد الأطراف.
يمكن للهيئة التحكيمية أن تأمر إذا رأت لأي سبب من الأسباب عدم جدوى استمرار إجراءات التحكيم أو استحالة متابعتها[16].
الفقرة الثانية: الآثار الإجرائية لاتفاق التحكيم
يترتب على اتفاق التحكيم اثران احدهما سلبي والآخر إيجابي وسنقف على كل واحد على حدة.
أولا: الأثر الإيجابي لاتفاق التحكيم
والمقصود بالأثر الإيجابي لاتفاق التحكيم هو التزام أطرافه في الالتجاء إليه أو الاستمرار فيه، لان الاتفاق على التحكيم لا يتضمن سحب النزاع من ولاية القضاء، إلا إذا اتفق الطرفان صراحة النزول عن اتفاق التحكيم، أو في حالة لجوء أحد الأطراف إلى القضاء مع سكوت الطرف الآخر عن الدفع بوجود اتفاق التحكيم[17].
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار هو ما هي سلطة هيئة التحكيم في ضوء اتفاق التحكيم؟ في بعض الأحيان تكون عبارات الاتفاق غير مطابقة للإرادة المشتركة للمتعاقدين، أو أن هذين الأخيرين قصدا به معنى غير معناها الظاهر وفي هاتين الحالتين يحتاج الأمر إلى تفسير هذا ما يقوم به المحكم.
والتفسير يخضع لمجموعة من الضوابط المنطقية كتحديد الألفاظ ومداها، والضوابط القانونية التي تتعلق بالبحث عن الإرادة المشتركة للمتعاقدين فيما وراء عبارات الاتفاق.
وعند تفسير اتفاق التحكيم يجب أن يكون تفسيرا ضيقا مع كامل الحيطة الدقة، مع التزام ألفاظه وعدم تأويلها إلا بما تتطابق معها من المعان، كما تستوجب فعالية اتفاق التحكيم أن يكون للمحكمين سلطة الفصل في اختصاصهم شخصيا وذلك في المسائل التي تتعلق بسلطتهم القضائية لحل النزاع، كحصة شرط التحكيم أو سقوطه أو بطلانه.
وهكذا يجب على المحكمين أن يحترموا بنود اتفاق التحكيم فيما يتعلق بموضوع النزاع وما يقضي به كمسألة صياغة وتفسير هذا الاتفاق وعدم الفصل في نزاع محله غير قابل للتحكيم فيه كالمسائل التي تتعلق بالنظام العام.
ولذلك فصياغة اتفاق التحكيم له أهمية كبيرة، وبالتالي يكون لأطرافه الحرية في صياغته فكان من المستحسن أن تحاول أطرافه الإحاطة بكل ما هو ضروري لتجنب الرجوع للقضاء، مما ينجم عنه التعقيد وإطالة أمد النزاع[18].
ثانيا: الأثر السلبي لاتفاق التحكيم
والمقصود بالأثر السلبي لاتفاق التحكيم أو الأثر المانع لاتفاق التحكيم هو التزام أطرافه بعدم الالتجاء إلى القضاء، وهذا الالتزام هو التزام إرادي يقيمه الطرفان بإرادتهما المشتركة فإذا ما أخل أحد الأطراف بالتزامه ورفع دعواه إلى القضاء كان للطرف الآخر أن يدفع هذه الدعوى بسبق الاتفاق على التحكيم[19]وبعبارة أخرى هو منع قضاء الدولة من نظر المنازعة محل التحكيم، وهذا المبدأ كرسته المعاهدات الدولية المتصلة بالتحكيم وأيضا التشريع الوطني.
1 – المعاهدات الدولية
هذا المبدأ نصت عليه معاهدة نيويورك لسنة 1958 والتي تنص في الفقرة 3 من المادة 3 على ما يلي: " على محكمة الدولة المتعاقدة التي يطرح أمامها نزاع حول موضوع كان محل اتفاق من الأطراف بالمعنى الوارد في هذه المادة التي تحيل الخصوم بناءا على طلب أحدهم إلى التحكيم وذلك ما لم يتبين للمحكمة أن هذا الاتفاق باطل ولا أثر له أو غير قابل للتطبيق[20].
كما نصت الفقرة الأولى من المادة 8 من قانون التحكيم التجاري الدولي اليونسترال الصادر عن الأمم المتحدة 1985 على ما يلي: " على المحكمة التي يرفع أمامها دعوى في مسألة إبرام شانها اتفاق التحكيم أن تحيل الطرفين للتحكيم..."[21].
2 – التشريع الوطني
في الفصل 327 ق.م.م نجد المشرع ألزم المحكمة في حالة ما إذا تم طرح نزاع محل اتفاق تحكيم أمامها أن تصرح بعدم القبول، ولا يجوز للمحكمة أن تصرح به تلقائيا وإنما بطلب من المدعى عليه.
وهكذا فمن الفصل 327 ق.م.م يبدو أن حق المدعى عليه في الدفع بعدم قبول الدعوى لوجود اتفاق التحكيم بشأن المنازعة المعروضة على القضاء يسقط في حالة إيذائه أي طلب أو دفاع في الدعوى إذ يعد ذلك بمثابة تنازل عن اتفاق التحكيم وقبول الخضوع للاختصاص القضائي الوطني بشأن النزاع المتفق بشأنه على التحكيم.
فالتحكيم يستند بطبيعته إلى أرادة الأطراف التي تختار هذه الطريق كل النزاعات الناشئة بينهم وهذا هو السبب في كون القاضي المطروح أمامه النزاع المتفق بشأنه على التحكيم لا يمكن أن يثير الدفع بعدم القبول من تلقاء نفسه استنادا إلى وجود هذا الاتفاق.
لكن ما هو نطاق الأثر السلبي لاتفاق التحكيم وحدود هذه القاعدة؟ وهل تنطبق على القضاء المستعجل؟
إن صلاحية هيئة التحكيم حسب الفصل 15 – 327 ق.م.م تقتصر على موضوع النزاع ولا يمتد إلى المنازعات المستعجلة ما لم يكن هناك نص صريح على ذلك في اتفاق التحكيم. فاتفاق التحكيم لا يمنع أطرافه من اللجوء إلى قاضي المستعجلات لحماية حقوقهم[22]
المطلب الثاني: الدفع بوجود اتفاق التحكيم
يقصد بالدفع تمسك الخصم بأوجه من أوجه الدفاع الذي قد يؤدي إلى تفادي الحكم عليه بطلبات خصمه كلها أو بعضها بصفة نهائية أو مؤقتة[23].
وكما تمت الإشارة اليه سابقا أن إتفاق التحكيم ينشئ التزاما سلبيا على عاتق كل من طرفيه بالامتناع عن اللجوء إلى القضاء للفصل في النزاع المحكم فيه، وبالتالي إذا ما أخل أحد الأطراف بالتزامه ورفع دعواه إلى القضاء متنكرا لاتفاق التحكيم، كان للطرف الآخر أن يدفع هذه الدعوى بإثارة سبق الاتفاق على التحكيم أي التمسك باتفاق التحكيم في صورة دفع والسؤال المطروح في هذا الصدد ما هي الطبيعة القانونية لهذا الدفع؟ والإطار الإجرائي له؟
الفقرة الأولى: الطبيعة القانونية للدفع بإنفاق التحكيم
تضاربت الآراء الفقهية ومواقف التشريعات والقوانين بخصوص الطبيعة القانونية للدفع بإتفاق التحكيم بحيث هناك ما ذهب إلى أنه دفع بعدم الاختصاص والآخر يرى أنه دفع بعدم القبول.
* وفي التشريع المغربي:
بالرجوع إلى قانون المسطرة المدنية قبل تعديله بقانون رقم 05 – 08 في جزءه المتعلق بالتحكيم نجد أن المشرع المغربي سكت حول الطبيعة القانونية لهذا الدفع إلا أنه قد تدارك الأمر بصدوره القانون رقم 05 – 08 المشار إليه أعلاه ونص في الفصل 327 من ق.م.م على ما يلي: " عندما يعرض نزاع مطروح أمام هيئة تحكيمية عملا باتفاق تحكيم، على نظر إحدى المحاكم، وجب على هذه الأخيرة إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل الدخول في جوهر النزاع أن تصرح بعدم القبول إلى حين استنفاد مسطرة التحكيم أو إبطال اتفاق التحكيم إذا كان النزاع لم يعرض بعد على الهيئة التحكيمية، وجب كذلك على المحكمة بطلب من المدعى عليه أن تصرح بعدم القبول ما لم يكن بطلان اتفاق التحكيم واضحا.
يتعين على المدعى عليه أن يدفع بذلك قبل الدخول في جوهر النزاع، ولا يجوز للمحكمة في كلتا الحالتين أن تصرح تلقائيا بعدم القبول..."
وهكذا من خلال الفصل أعلاه يتضح أن المشرع إنجاز إلى نظرية الدفع بعدم القبول حيث نص صراحة على أنه يتوجب على المحكمة بعدم القبول.
* أما في التشريع الفرنسي:
فمن خلال المادة 1458[24]من قانون الإجراءات المدنية الفرنسية نجد أن المشرع الفرنسي منع القضاء من النظر في المنازعات المعروضة على الهيئة التحكيمية بسبب عدم اختصاصه، لكون ذلك متعلق بالمسائل الخاصة للأطراف ومن ثم وجب أن لا تقضي المحكمة به من تلقاء نفسها.
وهكذا فالمشرع الفرنسي ميز بين حالتين:
الحالة الأولى: عندما يعرض النزاع بالفعل على المحكمين فإذا أثير بعد ذلك أمام القضاء وجب عليه الحكم بعد الاختصاص بناء على الدفع الذي يقدم إليه قبل إبداء أي دفاع آخر في الدعوى.
الحالة الثانية: إذا لم يكن النزاع قد عرض على المحكمين وتم عرضه على القضاء فيجب على هذا الأخير الحكم بعدم الاختصاص، ما لم يكن اتفاق التحكيم ظاهر البطلان، ومنه فإن المشرع الفرنسي أخرج الدفع بالتحكيم من نطاق فكرة عدم القبول[25].
الفقرة الثانية: الإطار الإجرائي للدفع باتفاق التحكيم
إن الاتفاق على التحكيم ينشا دفعا بعدم القبول، إذا ما تم مخالفة الاتفاق على التحكيم وذلك بعرض النزاع على القضاء، وتسري عليه القواعد العامة والخاصة بهذا الدفع.
أولا: التمسك بالدفع باتفاق التحكيم ووقته
يتمسك بالدفع باتفاق التحكيم المدعى عليه الموقع على اتفاق التحكيم سواء أكان موقعا عليه لفائدته لأنه يثبت له الحق كأصل عام باعتباره طرفا في هذا الاتفاق، أو كان الموقع على اتفاق التحكيم لفائدة الغير، كالوكيل والمتعهد عن الغير.
إلا أنه قد يمتد حق التمسك باتفاق التحكيم إلى الغير[26]غير موقع على اتفاق التحكيم الذي قد تربطه صلة بأحد أطراف العقد يظهر سببها التعارض بين مصالحه وبين مصالح الأطراف.
وهكذا ومما لاشك فيه أن الدفع باتفاق التحكيم لكي ينتج أثره لابد للمدعى عليه أن يتمسك به قبل أي دفع أو دفاع كما هو منصوص عليه في الفصل 327[27]من ق.م.م.
وبالرجوع إلى الفصل 327 نجد أن المشرع يعتبر الدفع باتفاق التحكيم من الدفوع الإجرائية غير المتصلة بالنظام العام، بدليل أن المشرع المغربي منع المحكمة من إثارة هذا الدفع من تلقاء نفسها.
ويتم التمسك بالدفع باتفاق التحكيم من خلال إما بطلب مستقل كطريقة للحصول على الحماية القانونية كما ورد في الفقرة الثالثة من الملف 327 بطلب من المدعى عليه وإما من خلال الطلب المضاد أو الجوابي أو التمسك بالدفع باتفاق التحكيم شفاهية في الحالة التي تكون فيها المسطرة شفوية (الفصل 45 من ق.م.م) إلا أنه لا يمكن للمدعي عليه التمسك باتفاق التحكيم شفاهية أمام المحاكم التجارية لكون المسطرة كتابية (الم 13) من قانون إحداث المحاكم التجارية[28].
ثانيا: الحكم الصادر في شان الدفع باتفاق التحكيم والطعن فيه
إن القاضي عندما يثار أمامه الدفع باتفاق التحكيم، من المحتم عليه إعلان إرادته ورأيه بصدد هذا الدفع.
وهكذا فالحكم الصادر في الدفع باتفاق التحكيم أيا كانت الصورة التي يصدر فيها لا يفصل في موضوع الدعوى، وإنما يقرر توافر أو عدم توافر سلطة الخصم في الالتجاء إلى القضاء، وتكمن أهميته في أن الفصل فيه قد يغني المحكمة عن الفصل في الموضوع، وبناءا على ذلك فإنه من المنطقي أن تفصل المحكمة في الدفع باتفاق التحكيم قبل نظر الموضوع إما برفضه أو قبوله، وهذا ما يتطابق مع نص الفصل 327 من ق.م.م[29].
وقد يقضي الحكم الصادر إما برفض الدفع باتفاق التحكيم أو بقبوله، ففي حالة الرفض يعني ذلك أن الدعوى مقبولة وأن الموضوع صالح للنظر فيه من طرف المحكمة وبالتالي لا يجوز الطعن فيه مباشرة بالاستئناف لأنه حكم لا تنشئ به الخصومة حسبما ينص عليه الفصل 140 من ق.م.م[30]ومع ذلك فهو يقبل الطعن فيه بعد صدور الحكم المنفي للخصومة شريطة ذكره في المقال الاستئنافي صراحة مع الحكم الفاصل في الموضوع، كما يقبل الطعن بالنقض أمام محكمة النقض.
أما الحكم الصادر بقبول الدفع باتفاق التحكيم ومفاده عدم قبول الدعوى يترتب عليه زوال سائر الآثار القانونية المترتبة على قيامها، ويكون هذا الحكم قابل للطعن فيه بالاستئناف مباشرة بعد صدوره أو من تاريخ التبليغ حسب الفصل 134 من ق.م.م كما يقبل الطعن بالنقض[31]بما انه حكم منهي للخصومة شريطة ارتكازه على أحد الأسباب المبنية في الفصل 359[32]من ق.م.م.
خاتمة:
وخلاصة القول يمكن اعتبار التحكيم كعدالة مكملة أو بديلة لا تنقص شيئا من سلطة الدولة بل ويمكن أن تخفف العبء والضغط التي تعرفه المحاكم، لهذا وجب على المشرع إعادة النظر في النصوص القانونية الواردة في قانون 08 – 05 والمتعلقة بالتحكيم كما هو الحال بالنسبة للفصل 314 من ق.م.م. الذي يطرح مشكل الإحالة بحيث يجب حذف الفقرة الثانية والثالثة المتعلقة بالإحالة والاكتفاء بالفقرة الأولى المتعلقة بتعريف عقد التحكيم كما فعل بالنسبة للفصل 316 من ق.م.م.
وكذلك الفصل 327 من ق.م.م حيث يلاحظ غياب أي جزاء في حالة عدم تمسك المدعى عليه بالدفع باتفاق التحكيم، ذلك أن المشرع اعتبر الدفع باتفاق التحكيم دفعا بعدم القبول فإنه لم يرتب على عدم التمسك به سقوط الحق فيه.
المنهجية المتبعة
مقدمة:
المبحث الأول: الأحكام العامة لاتفاق التحكيم
المطلب الأول: تعريف اتفاق التحكيم وتمييزه عن باقي النظم المشابهة
الفقرة الأولى: تعريف اتفاق التحكيم
الفقرة الثانية: تمييز اتفاق التحكيم عن باقي النظم المشابهة له
المطلب الثاني: شروط اتفاق التحكيم
الفقرة الأولى: الشروط الموضوعية
الفقرة الثانية: الشروط الشكلية
المبحث الثاني: آثار التحكيم والدفع بوجود هذا الاتفاق
المطلب الأول: آثار الاتفاق على التحكيم
الفقرة الأولى: الآثار الموضوعية لاتفاق التحكيم
الفقرة الثانية: الآثار الإجرائية لاتفاق التحكيم
المطلب الثاني: الدفع بوجود اتفاق التحكيم
الفقرة الأولى: الطبيعة القانونية للدفع بإنفاق التحكيم
الفقرة الثانية: الإطار الإجرائي للدفع باتفاق التحكيم
خاتمة:
لائحة المراجع المعتمدة
الرسائل و الاطروحات:
- ابراهيم اوريك, الدفع باتفاق التحكيم , (دراسة على ضوء التشريع المغربي ), رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون الاعمال , وحدة ماستر قانون الاعمال التكوين المستمر , جامعة القاضي عياض , كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية مراكش, السنة الجامعية 2009/2010
- فدوى ابن العابدين، القوة الملزمة لاتفاق التحكيم، بحيث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة محمد الخامس، السويسي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، 2008،
- محمد مجدي صبحي القصراوي، التحكيم في المعاملات المصرفية الدولية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، شعبة القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث قانون الأعمال، جامعة الحسن الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سطات سنة 2009 – 2010
- نوال الكرتي، شرط التحكيم في المادة التجارية دراسة مقارنة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، ماستر قانون المقاولة التجارية، جامعة الحسن الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سطات سنة 2011 – 2012،
المقالات :
- عبد الرحيم بحار، المساطر البديلة لتسوية المنازعات التجارية التحكيم التجاري نموذجا، مجلة العصر العدد 14 ماي 2006
_عبد السلام زوير، التحكيم التجاري في القانون المغربي، مقال منشور بعمل تحت عنوان جمع مقالات التحكيم التجاري.
- عبد اللطيف الناصري، التحكيم وعلاقته بالقضاء، مقال منشور بعمل تحت عنوان جمع مقالات التحكيم التجاري، من إنجاز طالب محمد قديري، جامعة الحسن الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سطات 2012.
[1] - نوال الكرتي، شرط التحكيم في المادة التجارية دراسة مقارنة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، ماستر قانون المقاولة التجارية، جامعة الحسن الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سطات سنة 2011 – 2012، ص 4.
[2] - محمد مجدي صبحي القصراوي، التحكيم في المعاملات المصرفية الدولية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، شعبة القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث قانون الأعمال، جامعة الحسن الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سطات سنة 2009 – 2010 ص 3.
[6] - المادة 318، م.م: " يعتبر شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى ولا يترتب عن بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحا في حد ذاته".
[8] - ابراهيم اوريك, الدفع باتفاق التحكيم , (دراسة على ضوء التشريع المغربي ), رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون الاعمال , وحدة ماستر قانون الاعمال التكوين المستمر , جامعة القاضي عياض , كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية مراكش, السنة الجامعية 2009/2010 ص 25 , 26 .
[10] - المادة 880 من ظ.ل.ع: يلزم لصحة الوكالة بان يكون الموكل أهلا لان يجري بنفسه التصرفات التي يكون محلا لها..."
[12] - عبد الرحيم بحار، المساطر البديلة لتسوية المنازعات التجارية التحكيم التجاري نموذجا، مجلة العصر العدد 14 ماي 2006 ص 58.
[14] - فدوى ابن العابدين، القوة الملزمة لاتفاق التحكيم، بحيث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة محمد الخامس، السويسي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، 2008، ص 33.
[17] - عبد السلام زوير، التحكيم التجاري في القانون المغربي، مقال منشور بعمل تحت عنوان جمع مقالات التحكيم التجاري.
[21] - قرار اتخذته الجمعية العامة بناء على تقرير اللجنة السادسة (A/65/465) في الجلسة العامة 112 بتاريخ 11/12/1985.
[22] - عبد اللطيف الناصري، التحكيم وعلاقته بالقضاء، مقال منشور بعمل تحت عنوان جمع مقالات التحكيم التجاري، من إنجاز طالب محمد قديري، جامعة الحسن الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سطات 2012.
[24] - article 1458 : « inséré par décret n° 81 – 500 du 12 mai 1951 journal officiel du 15 mai 1981 rectificatif jorf 21 mai 1981 l’orsqu’un litige dont un tribunal arbitral est saisi en vertu d’une convention d’arbitrage est porté devant une juridiction de l’ETAT, celle-ci doit se déclarerions compétente. Si le tribunal arbitral n’est pas encore saisi, la juridiction doit également se déclarer incompétente à moins que la convention d’arbitrage ne soit manifestement nulle. Quand les deux cas, la juridiction ne peut relever d’office son incompétence.
[26] - كالاشتراط لمصلحة الغير (ف 34 و 35 من ظلع) الخلف العام والخاص في حالة وفاة احد المتعاقدين أطراف العقد الجماعي، أطراف العقود المشتركة.
[27] - الفصل 327 من ق.م.م: " عندما يعرض نزاع مطروح أمام هيئة تحكيمية عملا باتفاق تحكيم على نظر إحدى المحاكم، وجب على هذه الأخيرة إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل الدخول في جوهر النزاع أن يصرح بعدم القبول...
يتعين على المدعى عليه أن يدفع بذلك قبل الدخول في جوهر النزاع، ولا يجوز للمحكمة في كلتا الحالتين أن تصرح تلقائيا بعدم القبول.
[29] - الفقرة الأولى من الفصل 327 من ق.م.م: " عندما يعرض نزاع مطروح أمام هيئة تحكيمية عملا باتفاق تحكيم، على نظر إحدى المحكم، وجب على هذه الأخيرة إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل الدخول في جوهر النزاع أن تصرح بعدم القبول إلى حين استنفاد مسطرة التحكيم أو إبطال اتفاق التحكيم".
[30] - لا يمكن استئناف الأحكام التمهيدية إلا في وقت واحد مع الأحكام الفاصلة في الموضوع وضمن نفس الآجال.
[31] - الفصل 353 من ق.م.م.: " يبث المجلس الأعلى ما لم يصدر نص صريح بخلاف ذلك في الطعن بالنقض ضد الأحكام الانتهائية الصادرة عن جميع محاكم المملكة.
[32] - ينص الفصل 359 من ق.م.م يجب أن تكون طلبات نقض الأحكام المعروضة على المجلس الأعلى مبنية على أحد الأسباب الآتية:
- خرق القانون الداخلي.
- خرق قاعدة مسطرية أضر بأحد الأطراف.
- عدم الاختصاص.
- الشطط في استعمال السلطة.
- عدم ارتكاز الحكم على أساس قانوني أو انعدام التعليل.
شاركنا بتعليقك...