مقدمة :
ينص قانون الوظيفة العمومية على مجموعة من الحقوق الخاصة بالموظف بالمقابل نجده يتضمن أحكاما و قواعد تأديبية في حالة الإخلال بالالتزامات و الواجبات أثناء ممارسته لوظيفته باعتبار أن الهدف من التأديب هو ردع المخالفين لضمان السير العادي للمرفق الاداري .
في المغرب تناول المشرع تأديب الموظف ضمن غيره من موضوعات الوظيفة العمومية بمقتضى ظهير 24 فبراير 1958 حيث بين في الباب المتعلق بالتأديب إجراءات و مسطرة التأديب و كذا السلطة ذات الاختصاص في مجال التأديب, و بهذا الخصوص يطرح السؤال حول الضمانات المخولة للموظف لكي يكون القرار التأديبي صادر وفق الضوابط وفي احترام تام للقانون و هو ما يسمى في القضاء بضمانات المحاكمة العادلة, و بالنسبة للقرار التأديبي فإن السلطة التأديبية تخضع في ممارستها لهذه الصلاحية لمجموعة من الضوابط التي تشكل ضمانات تأديبية للموظف.
ويعرف الموظف حسب الفصل الثاني من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية أنه " يعد موظفا كل شخص يعين في وظيفة قارة و يرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة " , وبالتالي هذا التعريف يفترض مجموعة من المعايير التي تضفي صبغة الموظف العمومي ويشمل معيار التعيين و معيار الترسيم وأن يكون الموظف تابع لجهاز إداري داخل الدولة وهذا من شأنه تدخل القضاء الإداري في حالة النزاع بين الموظف و الإدارة .
أما بالنسبة لمفهوم الموظف العمومي حسب الفصل 224 من القانون الجنائي : " يعد موظفا عموميا , في تطبيق أحكام التشريع الجنائي , كل شخص كيفما كانت صفته , يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام , وتراعى صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد انتهاء خدمته ,إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها " .
فمن خلال هذا التعريف الاخير يستطيع القاضي الزجري أن يلبس صفة موظف عمومي لأغلبية أو كل من يمارسون عملا تابعا في المؤسسات الخاصة التي من الممكن تكييف نشاطها بأنه ذو نفع عام , على الرغم من خضوعها سواء من حيث النشاط الذي تقوم به أو من حيث علاقتها بمستخدميها لأحكام القانون الخاص لا القانون العام , بالإضافة إلى عامة الموظفين او المستخدمين في مختلف أجهزة الدولة , و في المؤسسات العمومية , و في الشركات التي تملك الدولة رأسمالها كليا أو جزئيا , وكذلك في الجماعات المحلية سواء بلدية كانت أو قروية , ويتضح من هذا أن المشرع لا يعتد بنوعية العمل أوالوظيفة و إنما يشترط أن يكون الشخص موظفا لدى الادارة الوطنية المغربية , أما إذا كان تابعا لإدارة أجنبية و لو كان يعمل في المغرب كرجال السلك الدبلوماسي و السياسي الاجنبي العاملين بالمغرب , فإنه لا يعتبر موظفا عموميا حسب الفصل 224 من القانون الجنائي المغربي[1].
من خلال ما سبق سنناقش موضوعنا من خلال الاشكاليات التالية :
إلى أي حد استطاع المشرع المغربي أن يوفق بين مصلحة الادارة من جهة وحماية الموظف العمومي من جهة أخرى من خلال النظام التأديبي ؟
و ما هي وضعية الموظفين المعينين بالظهائر الشريفة في مجال النظام التأديبي ؟
سنعمل على مناقشة هذه الإشكاليات من خلال المنهجية التالية :
المبحث الاول : النظام التأديبي في قانون الوظيفة العمومية
المطلب الاول : العناصر القانونية في القرار التأديبي
المطلب الثاني : تسبيب و تعليل القرار التأديبي
المبحث الثاني : رقابة القضاء الإداري على شرعية القرار التأديبي
المطلب الاول : الرقابة على السلطة المقيدة في القرار التأديبي
المطلب الثاني : الرقابة على السلطة المقيدة و التقديرية في القرار التأديبي
المبحث الثالث : وضعية الموظفين المعينين بظهائر شريفة في مجال التأديب
المطلب الاول : الوضعية الفردية للموظفين المعينين بظهير
المطلب الثاني :رقابة القضاء الإداري على الوضعية الفردية للمعينين بظهير في مجال التأديب
المبحث الأول : النظام التأديبي في قانون الوظيفة العمومية
يعد النظام التأديبي جزءا من قانون الوظيفة العمومية باعتباره " مجموعة من الإجراءات و القواعد القانونية التي تبين كيفية متابعة الموظف تأديبيا في حالة ارتكابه لجريمة أو مخالفة تأديبية , و يحدد الجزاءات التي توقع عليه السلطة التأديبية المختصة و وفق إجراءات معينة " [2].
ولكي تمارس الإدارة سلطة التأديب , تصدر قرارا تأديبيا يشمل مجموعة من العناصر القانونية لكي يكون قرارا قانونيا - مشروعا - , وإذا كان مخالفا لتلك العناصر فإنه يصبح معيب بعيب المشروعية وقابلا للطعن في إ طار دعوى الإلغاء أمام المحاكم الإدارية .
المطلب الأول : العناصر القانونية في القرار التأديبي
حسب وجهة نظرنا يمكن أن نعتبر القرار التأديبي ببساطة على أنه " تلك العقوبة التأديبية التي تصدرها السلطة التأديبية بسبب ارتكاب الموظف لجريمة أو مخالفة مع مراعاة مجموعة من الضمانات التأديبية وذلك من أجل تحقيق المصلحة العامة " .
فمن خلال هذا التعريف البسيط للقرار التأديبي , يمكن أن نستخلص عناصره القانونية:
1 - السلطة التأديبية (عنصر الاختصاص) :
هي السلطة المختصة قانونا بتوقيع الجزاء أو العقوبة وفق العقوبات المحددة من طرف المشرع المغربي على سبيل الحصر .
2 - الضمانات التأديبية (عنصر الشكل) :
هي مجموعة من الإجراءات الشكلية التي يستعين بها الموظف قبل صدور القرار التأديبي وتتمثل هذه الضمانات[3]في ما يلي :
= تمكين الموظف من الاطلاع على ملفه .
= ضرورة إستشارة المجلس التأديبي قبل صدور القرار التأديبي.
= ضرورة توجيه إنذار إلى الموظف الذي يترك عمله .
= ضرورة التعجيل بالنظر في قضية الموظف لمصلحة التحقيق .
3 - المصلحة العامة (عنصر الغاية) :
هي تلك الغاية التي حددها المشرع من تأديب الموظف العمومي باعتبار التأديب ليس
غاية في حد ذاته و إنما وسيلة من أجل غاية مرتبطة بتقويم سلوك الموظف حتى لا يتكرر نفس الفعل مرة أخرى , وحتى يكون عبرة لباقي الموظفين .
4 - المخالفات التأديبية (عنصر السبب) :
هي الحالة القانونية او الواقعية (المخالفة أو الجريمة التأديبيتين) التي تستوجب تدخل السلطة التأديبية لاصدار عقوبة ملائمة حسب درجة خطورة الفعل لأن المشرع المغربي لم يحدد المخالفات على سبيل الحصر و إنما حدد العقوبات على سبيل الحصر وخول للإدارة السلطة التقديرية في الربط بينهما .
5 – العقوبة التأديبية[4](عنصر المحل) :
يقصد بها موضوع القرار باعتبار أن المشرع وضع لائحة العقوبات تتدرج من البسيطة الى الجسيمة وذلك كالتالي :
= الانذار: يعتبر من أدنى درجات العقوبة التأديبية , ويشكل نوعا من التحذير الوقائي الذي تمارسه الادارة في مواجهة الموظف منعا و وقاية من ارتكاب أخطاء جديدة تعرضهم لعقوبة أشد قساوة , وقد يكون الانذار شفويا أو كتابيا , كما لا يترتب عن هذه العقوبة أي أثر تبعي سواء ما يتصل بالتعويضات أو الترقيات .
= التوبيخ: يعتبر أكثر جسامة نظرا لالتصاقه بشخص موظف معين , وغالبا ما يكون كتابيا , و يتم تسجيله في ملف الموظف كدليل ملموس لعدم كفائته وإهماله للتزاماته الوظيفية .
= الحذف من لائحة الترقي: يترتب عن هذه العقوبة حرمان الموظف من فرصة الترقية بالنسبة للعام الذي أعدت له قائمة الترقيات, والتي شطب اسمه منها, وتؤدي لحرمانه منها لمد مؤقتة هي سنة يتم خلالها تنفيذ لائحة الترقي التي تعدها الجهات الإدارية المختلفة سنويا ويشترط لتوقيع هذه العقوبة أن يكون المعني بالأمر قد قيد إسمه في قائمة المرشحين للترقية و الجدير بالذكر أن الحرمان من الترقية ينصب على الترقية بالاختيار دون غيرها من الترقيات بالاقدمية أو المباراة .
وهذه العقوبة لا تقتصر فقط على حرمان الموظف من ميزة مادية , بل أيضا تعرضه لأضرار أدبية تتمثل في تقديم جميع زملائه عليه في الترقية بعد أن كان وشيك الحصول عليها إثر قيد إسمه في لائحة المرشحين لها .
= الانحذار من الطبقة : وهي عقوبة تقتضي نقل الموظف من نطاق الطبقة أو الفئة التي يشغلها إلى الفئة الوظيفية الأدنى منها مباشرة , مما يعرضه إلى فقدان ترقية نالها و بالتالي يتم تخفيض مرتبه في نطاق رتبة معينة , مع احتفاظه بأقدميته في الدرجة التي فقدها عند ترقيته إلى الدرجة العليا .
و يتضح من تطبيق هذه العقوبة أن الضرر المالي الذي يلحق بالموظف على إثر توقيعها عليه يتبلور في تأخير التحاقه بالفئة الأعلى لدرجته الوظيفية , مما يترتب تأخير حصوله على مرتبه و نقص المستحقات المالية المقابلة له .
= القهقرة من الرتبة : تؤدي هذه العقوبة إلى تنزيل الموظف من درجته المالية إلى أعلى فئة بالدرجة الأدنى مباشرة لدرجته السابقة و بنفس أقدميته فيها , بشرط ألا يؤدي الأمر إلى إخراجه من إطاره الوظيفي إلى إطار آخر , اللهم إلا إذا وجد نص قانوني يقضي بغير ذلك, ويبدأ تطبيق هذه العقوبة وترتيب آثارها من اليوم التالي لليوم الذي تم فيه إخطار الموظف المعني بالجزاء الموقع عليه إذا لم يكن الموظف موقوفا عن العمل,أما في حالة الوقف عن العمل أو تأجيل تنفيذ القرار الصادر بإعادته عن العمل , فإن الجزاء ينتج عنه آثار ه اعتبارا من اليوم التالي ليوم صدور الجزاء .
وعلى إثر توقيع هذه العقوبة يفقد المعني بالأمر مزايا مالية كان يتمتع بها في الدرجة الأعلى , يعني فارق المرتب المقرر للدرجتين وهي بلا شك تضحية مالية جسيمة .
= العزل من غير توقيف حق التقاعد : هذا الجزاء مرتبط بالجزاء المادي و الأدبي في آن واحد تصدره السلطة التأديبية المختصة ضد الموظف المرتكب لجريمة تأديبية , وذلك وفقا لنص قانوني يبيح تطبيق هذا النوع من الجزاءات , فتزيل عنه ولاية الوظيفة بصفة نهائية , وتحرمه من الإستمرار في شغلها أو العودة إليها مدى الحياة – اللهم إلا في حالة محو العقوبة – و يظل الحق الوحيد الذي يتمتع به هو حقه في التقاعد أو المعاش .
= العزل مع توقيف حق التقاعد: تقع عقوبة العزل في قمة السلم التدريجي العقابي باعتبارها أقسى درجات الجزاءات التأديبية التي يمكن توقيعها على الموظف المخطئ , نظرا للآثار الإدارية و المالية الخطيرة التي تترتب على تطبيقها , و ذلك لأنها لا تمس الموظف المعني فقط , بل تمس أفراد عائلته أيضا من جراء الأضرار المادية و الأدبية التي تلحقهم نتيجة تطبيقها .
ولقد عمل المشرع على إدماج هذه العقوبة في سلم العقوبات التأديبي حرصا على توفير عنصر الصلاحية للوظيفة بين الموظفين كمعيار أساسي لشغل الوظائف العمومية في الدولة فيكون من حق السلطة التأديبية تطبيقها إيمانا منها بأن الموظف لم يعد صالحا للاستمرار في عمله , بمبرر إرتكابه الخطأ التأديبي الأكثر جسامة و الذي أدى إلى زعزعة الثقة الواجب توافرها فيه , كما أدى إلى زعزعة الثقة بكرامة المؤسسة أو الهيئة التي ينتمي إليها.
بالإضافة إلى عقوبات أخرى, عقوبة مقنعة ( مخالفة للقانون) ,عقوبة تبعية ,عقوبة تكميلية .
المطلب الثاني : تسبيب و تعليل القرار التأديبي
يقصد بتسبيب و تعليل القرار التأديبي أنه يجب أن تكون العقوبة معللة بمعنى الإعلان عن الدافع وراء اتخاذ إجراءات تأديبية، اذ يعتبر تعليل القرار الإداري من أهم ضمانات التأديب فهو العنصر القانوني أو الواقعي الذي يدفع بالإدارة لإصدار القرار التأديبي ويكون التعليل قبل اتخاذ القرار , فهو حالة واقعية , وقانونية تحمل الإدارة على التدخل قصد إحداث أثر قانوني معين محل القرار ابتغاء تحقيق الصالح العام , فسبب القرار التأديبي هو ثبوت مخالفة الموظف أو العامل بمرافق الدولة للواجبات الأخلاقية والوظيفية المفروضة عليه ويكون تدخل الإدارة للمحافظة على كرامة الوظيفة أو القطاع الذي ينتمي إليه المتابع تأديبيا ويبين للموظف ما إذا كانت الأخطاء التي وقع العقاب على أساسها قد تمت مواجهته بها،ومدى أخد السلطة التأديبية بما أبداه من دفاع ومدى التزام هاته السلطة بالاعتبارات القانونية في توقيع العقاب.
ولكي يحقق التعليل غايته فلا بد أن يتضمن بصورة واضحة العناصر التي يقوم عليها العقاب , و كذا الظروف و الملابسات التي أحاطت بارتكاب المخالفة و التي كان لها وزن في تقدير العقاب[5] ,كما يجب أن يتضمن هذا القرار التأديبي الواقعة أو الوقائع القانونية وتاريخها ومكان ارتكابها, وعموما يعتبر تعليل وتسبيب القرار الإداري وخاصة التأديبي من أهم الضمانات التي يتمتع بها الموظف في هذا الإطار.
ويتجلى تدخل القضاء الاداري في الرقابة على مدى شرعية القرار التأديبي في مجال السلطة المقيدة و السلطة التقديرية للإدارة .
المبحث الثاني : رقابة القضاء الإداري على شرعية القرار التأديبي
سنتطرق ضمن هذا المبحث إلى الرقابة على السلطة المقيدة في القرار التأديبي (المطلب الأول) , والرقابة على السلطة المقيدة و التقديرية في القرار التأديبي ( المطلب الثاني ) .
المطلب الاول : الرقابة على االسلطة المقيدة في القرارالتأديبي
إذا كان التأديب هو تلك الضمانة الفعالة التي تمتلكها الادارة لمواجهة الموظف أثناء إخلاله بالتزاماته الوظيفية , فالقضاء يعتبر الضمانة التي يستعين بها الموظف لمواجهة الإدارة و للدفاع عن حقوقه في حالة التعسف أو الشطط في استعمال السلطة لذايتدخل القضاء الاداري عندما يتسم القرار بعيب عدم المشروعية .
ونظرا للضرر الذي قد تحدثه بعض العقوبات الصادرة عن السلطة التأديبية وخاصة عند استنفاذ الموظف لكل الوسائل المتاحة له قانونا: كحق الدفاع مثلا أمام المجلس التأديبي ورفع التظلمات إلى الجهات المختصة , فإنه غالبا ما يلجئ في النهاية إلى جهة القضاء من أجل إنصافه , حيث أن القاضي يبسط رقابته على كافة العناصر المكونة للقرار التأديبي , والتأكد من مدى احترام الضمانات المقررة للموظف قبل صدور القرار التأديبي [6]
وكما هو معلوم أنه بالمغرب تعتبر الجهة القضائية المختصة بالنظر في شرعية القرار الإداري - التأديبي – الموجه إليها في إطار دعوى الإلغاء , هي المحاكم الإدارية التي تم إحداثها بمقتضى قانون 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية [7]وذلك ما تنص عليه المادة 8 من ق 90.41 : "تختص المحاكم الإدارية أيضا بفحص شرعية القرارات الإدارية وفق شروط منصوص عليها في المادة 44 من هذا القانون" .
وتعتبر رقابة القضاء الإداري على القرار الإداري رقابة مشروعية , أي مراقبة مدى توفره على جميع أركان المشروعية , باعتبار أن هناك عناصر مرتبطة بالسلطة المقيدة للإدارة (عناصر الإختصاص , الشكل , الغاية) , وعناصر مرتبطة بالسلطة المقيدة و التقديرية ( عنصري السبب و المحل ) .
وعندما نتحدث عن عيوب القرار فهي عيوب مرتبطة بمخالفته للعناصر القانونية وعلى هذا الأساس يعتبر عيب الإختصاص في المجال التأديبي " مخالفة القواعد القانونية التي تحدد الجهة المختصة بالتأديب " بحيث اذا صدر القرار من طرف سلطة غير مختصة بذلك فان القرار يكون قابلا للالغاء لعدم مشروعيته, وعيب الاختصاص يعتبر الوجه الوحيد من اوجه الالغاء الذي يتعلق بالنظام العام , بمعنى يجوز للقاضي اذا تبين ان القرار المطعون فيه صادر عن جهة غير مختصة ان يتصدى له من تلقاء نفسه حتى لو لم يثره رافع الدعوى كسبب للالغاء , كما انه ليس للادارة ان تتفق على تعديل قواعد الاختصاص لان تلك القواعد غير مقررة لصالح الادارة فتتنازل عنها متى شاءت , وانما هي مقررة للمصلحة العامة , كان يصدر القرار التاديبي من سلطة غير مختصة فتبادر السلطة المختصة لتعديله بإجراء لاحق , فهذا الاجراء لا يعد قانونيا تطبيقا للقاعدة العامة التي تقتضي "ما بني على باطل فهو باطل " ,لذا ينبغي أن يصدر القرار التأديبي منذ إنشاءه من طرف السلطة المختصة[8].
ويقصد بعيب الشكل " خرق القواعد الشكلية او عدم احترام الاجراءات الواجب اتباعها قانونا لاصدار القرار التأديبي" سواء تم ذلك عن طريق المخالفة الجزئية لها او بإهمال كلي دون اعتبار ذلك و تتمثل القواعد الشكلية اساسا في ضمانات التاديب بحيث ينبغي تمكين الموظف من الاستعانة بها قبل اصدار القرار التأديبي وأن الاخلال بتلك الضمانات يترتب عنه الغاء القرار , وهذا ما جاء في حيثيات قرار المجلس الاعلى رقم 24 الصادر 31 ماي 1968 : " وحيث أن مقتضيات الفصلين 66 و 67 من ظهير 24 فبراير 1958 المعد بمثابة النظام الاساسي العام للوظيفة العمومية – تحتم احترام الضمانات التأديبية قبل اتخاذ أية عقوبة ضد الموظفين – وحيث لايوجد بالملف ما يثبت مراعاة الادارة للضمانات التأديبية المنصوص عليها قانونا قبل صدور قرار العزل في حق الطالب مما جعل المقرر المطعون فيه مشوبا بالشطط في استعمال السلطة " ولاجل ذلك قضى المجلس الاعلى بإلغاء المقرر المطعون فيه الصادر بتاريخ 29 يونيو 1966 عن وزير الشبيبة و الرياض.
أما فيما يتعلق بعيب الغاية[9]في القرار التأديبي فهذا العيب يتحقق عندما تصدر الادارة قرارا تأديبيا يهدف لغاية او غرض غير تلك التي يقتضيها القانون ,فهو عيب موضوعي كذلك يتعلق بالبواعث و الاهداف غير المشروعة يصبح على عاتق القضاء مهمة اكتشافها وهي مهمة صعبة و دقيقة .
و القاعدة هنا ان الادارة ليست حرة في اختيار الغاية من تصرفاتها بل عليها ان تلتزم بالغرض الذي حدده المشرع لكل اختصاص يضعه بين يدي الادارة , فاذا خالفت الغاية المحددة حتى ولوكانت حسنة النية اصبح قرارها مشوب بعدم المشروعية , لاتسامه بعيب الانحراف في استعمال السلطة .
ويتخذ هذا العيب صور متعددة من أهمها في المجال التأديبي :
1 – الانحراف عن المصلحة العامة :
تحدث هذه الصورة عندما تصدر الادارة قرارا تاديبيا يهدف الى تحقيق غاية معينة بعيدة عن المصلحة العامة كان يكون الهدف من اصدار قرار العزل ليس المصلحة العامة وانما لافراغ المنصب من اجل تعيين احد اقربائه .
2 – الانحراف في الاجراءات و المسطرة :
عندما تصدر الادارة قرارا تأديبيا لتحقيق غاية معينة غير الغاية المعلن عنها باعتبار الغاية الحقيقية تتطلب إجراءات مسطرية معقدة و بالتالي تضطر الادارة إلى الاعلان عن غاية اخرى مرتبطة باجراءات بسيطة , كأن يصدر قرارا تاديبيا يقضي بمعاقبة المعني بالامر على جريمة الزيادة في الاسعار في حين انه ارتكب جريمة الغش في السلع الغذائية ولعل السبب في ذلك هو تجنب الاجراءات المعقدة شيئا ما و المقررة في جرائم الغش[10]. أما بالنسبة لعنصري السبب و المحل يظهر فيهما جانب من السلطة التقديرية وجانب آخر من السلطة المقيدة للادارة مع العلم ان السلطة المقيدة تخضع لرقابة القضاء متى اتسم قرارها بعدم المشروعية في حين ان السلطة التقديرية لا تخضع لرقابة القضاء إلا في الحالة التي يستطيع المعني بالأمر إثبات التعسف أو الانحراف في استعمال السلطة وهذا الأمر يصعب تحقيقه .
المطلب الثاني : الرقابة على السلطة المقيدة و التقديرية في القرار التأديبي
يعتبر عنصري السبب و المحل فيهما جانب من السلطة المقيدة و جانب من السلطة التقديرية وهذه الأخيرة تطرح إشكالية واسعة في مجال التأديب مما قد يدفع الإدارة إلى التعسف في حق الموظف خاصة لأن السلطة التقديرية لا تخضع لرقابة القضاء الإداري إلا إذا كانت شرطا من شروط المشروعية .
أما عيب السبب[11]يقصد به "عدم توفر الحالة القانونية أو الواقعية التي تستوجب من السلطة التأديبية إمكانية التدخل لإصدار قرار تأديبي " و بالتالي في حالة عدم توفر السبب فلا يجوز للإدارة إصدار قرار تأديبي فإن تدخلت بالرغم من إنتفاء تلك الحالة , اعتبر قرارها غير مشروع لاتسامه بعيب السبب كأن تصدر قرارا تأديبيا يقضي بتطبيق عقوبة معينة من غير أن يرتكب الموظف أية جريمة تأديبية تبرر اتخاذ هذا القرار فقيام تلك السلطة بهذا التصرف يكون مخالفا للقاعدة القانونية التي تقضي " بألا يعاقب الموظف الا اذا ارتكب جريمة تأديبية " ففي هذه الحالة يكون القرار معيبا في محله لأن صحة هذا المحل مرهون بالحالة القانونية الواقعية أي مرهون بصحة السبب فاذا انعدم السبب بالضرورة سيكون المحل مخالفا للقانون , لذا فالمشرع ربط القرار التأديبي بسببه القانوني لذا فسلطة الادارة هنا مقيدة بالسبب المحدد مقدما لإصدار قرارها .
فرقابة القضاء في هذا المجال تنصب على البحث في صحة الوقائع التي تدخلت الادارة على أساسها بمعنى هل الجريمة التي نسبت إلى الموظف قائمة من الناحية الواقعية؟ فإذا ثبت العكس أصبح القرار التأديبي متسما بعدم المشروعية و بالتالي يصبح قابلا للإلغاء كما أن القضاء لم يقف عند البحث في صحة قيام الحالة القانونية بل امتدت رقابته إلى التكييف القانوني للوقائع التي استندت عليها الادارة في إصدار قرارها , بمعنى أنه يبحث عما إذا كانت الوقائع تؤدي منطقيا وقانونيا إلى اتخاذ القرار التأديبي فإن كان الامر كذلك فإن القضاء يضطر إلى تأييد القرار ورفض طلب الطعن .
هذا بالنسبة للحالات التي يلزم المشرع فيها الإدارة بذكر أسباب اتخاذ قرارها التأديبي, أما بالنسبة للحالات التي لم يكلف فيها المشرع الادارة بذكر أسباب إتخاذ القرار فإن القضاء لا يملك الحق في فرض رقابته ولكنه يفرضها إذا ما تطوعت الادارة وذكرت الأسباب .
و أخيرا عيب المحل[12]الذي يطلق عليه بعيب مخالفة القانون وهذا الاخير له معنيين: معنى واسع , لو أخذ به على اطلاقه ليشمل جميع اوجه الالغاء كأن يكون القرار مخالف لجميع الاركان.
و معنى ضيق ينطبق على مخالفة القواعد القانونية وهذا المعنى هو الذي يتعلق بمحل - موضوع – القرار والرقابة هنا تكون رقابة مشروعية .
وعيب مخالفة القانون في المجال التأديبي قد يكون مباشرا عندما تقضي السلطة التأديبية بتطبيق عقوبة غير منصوص عليها في لائحة الجزاءات مما يجعل قرارها غير مشروع,لذا جاء في قرار صادر عن المجلس الاعلى رقم 170 بتاريخ 22 يوليوز 1983 , "وحيث يتضح من الفصل 12 من ظهير 13 غشت 1973 المتعلق بالخدمة المدنية – إن العقوبات التي يمكن للادارة أن تتخذها في حق المجند في اطار الخدمة المدنية وردت على سبيل الحصر " , "وحيث أن وزير العدل اتخذ في حق الطالب عقوبة التوقيف غير المنصوص عليها في لائحة العقوبات " وتبعا لذلك قضى المجلس الاعلى بإلغاء المقرر المطعون فيه.
أيضا يعد من قبيل عيب مخالفة القانون , قيام الادارة بتطبيق عقوبتين تأديبيتين على جريمة تأديبية واحدة , خلافا للمبدأ العام الذي يحكم المجال التأديبي و هو – عدم معاقبة الشخص عن الفعل الواحد مرتين كما هو الشأن بالنسبة لقرارا المجلس الاعلى رقم 384 بتاريخ 18 ماي 1984, الذي جاء في حيثياته : " حيث أن المقرر المطعون فيه قد اتخذ في حق الطالب عقوبة الاقصاء عن العمل لمدة 3 أشهر مع عقوبة التدني من درجة إلى درجة و هما من العقوبات المنصوص عليها في الفصل 66 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية والتي تتخذ في حق الموظف بصفة تسلسلية حسب درجة خطورة المخالفة المنسوبة إليه .
وحيث أن النظام الأساسي المذكور لا يسمح باتخاذ عقوبتين عن نفس المخالفة قضى المجلس الاعلى بإلغاء القرار التأديبي المطعون فيه , لذا فاختصاص الادارة في هذا المجال مقيد بالنص القانوني , ومخالفته ترتب عدم مشروعية القرار المتخذ فيكون قابلا للإلغاء .
أما بالنسبة للاختصاصات التقديرية المرتبطة بالسلطة التقديرية فإنها لا تخضع لرقابة القضاء, ومن أبرز مظاهر السلطة التقديرية في مجال التأديب هي تقدير و ملائمة التناسب بين السبب و المحل وهو ما يسمى بالتكييف القانوني للوقائع أي التناسب بين المخالفة و العقوبة مع مراعاة مبدأ الملائمة , اذ المشرع خول للادارة صلاحية تقديرية واسعة في تأثيم الافعال , دون تدخل الرقابة القضائية وهذا ما قد ينتج عنه غلو الادارة في الربط بين الجريمة و العقوبة وعدم التناسب الظاهر أو الخطأ البين في التقدير : وهذا ما جاء في قرار المجلس الاعلى عدد 211 بتاريخ 27 نوفمبر 1986 "وحيث أن ملائمة العقوبة و الفعل يرجع أمر تقديرها لسلطة الادارة دون رقابة عليها في ذلك من طرف المجلس الاعلى الامر الذي تكون معه الوسيلة (الدعوى) غير قائمة على أساس , لذا قضى المجلس الاعلى برفض الطلب .
إلا أن السلطة التقديرية للادارة[13], تختفي في اختيار العقوبة إذا نص المشرع صراحة على تحديد عقوبة معينة لمخالفة محددة[14], حينئذ تلتزم جهة التأديب بتطبيق العقوبة المقررة .
وإذا كان المشرع قد جعل الربط بين الخطأ و العقاب من الإختصاصات التقديرية للادارة – كقاعدة عامة – إلا أنه اشترط أن يجري هذا التقدير بروح موضوعية و بشرط أن يكون لديها العناصر اللازمة لاجرائه , وهذا الالتزام هو التزام قانوني لا مجرد ضابط من ضوابط الأخلاق ومقتضى هذا المبدأ أن القضاء لا يتعرض لتقدير الادارة في ذاته و إنما يتعرض للظروف التي أحاطت به , فإذا تبين له أن تلك الظروف لا يمكن معها القيام بتقدير سليم تكون الادارة قد خرجت على إلتزام قانوني مما يجب إلغاء قرارها التأديبي .
والوضع الطبيعي , أن تكون العقوبة ملائمة للجريمة التأديبية فإذا لم تكن ملائمة فلن يكون من سبيل للطعن فيها إلا عن طريق إثبات التعسف , و ذلك بعدم الملائمة الظاهرة التي يمكن اعتبارها مجرد قرينة على التعسف.
المبحث الثالث : وضعية الموظفين المعينين بظهائر شريفة
سوف نتطرق ضمن هذا المبحث للحديث عن الموظفين المعينين بظهائر شريفة ، و وضعيتهم الفردية في مجال التأديب (المطلب الأول) ثم رقابة القضاء الإداري ودوره في حل النزاعات الفردية للموظفين المعينين بظهير (المطلب الثاني).
المطلب الأول : الوضعية الفردية للموظفين المعينين بظهير
أولا قبل التطرق للحديث عن الوضعية الفردية للمعينين بظهائر فإن الأمر يستوجب منا أولا إعطاء مفهوم للظهير الملكي وتحديد الموظفين المعينين بظهير (الفرع الأول) ، ثم بعد ذلك تحديد مفهوم الوضعية الفردية للموظفين المعينين بظهير (الفرع الثاني).
الفرع الأول : مفهوم الظهير الملكي و الموظفين المعينين بواسطته
الظهير الشريف أو الظهير الملكي يقوم بإصداره جلالة الملك فيما يخص قضايا الدولة من تعيينات وقرارات عليا بصفته أعلى سلطة والممثل الأسمى للأمة.
و يوقع الظهير بالعطف من لدن رئيس الحكومة ، ماعدا الظهائر المتعلقة بتعيين رئيس الحكومة والوزراء وإعفاؤهم - مجلس الوصاية - حالة الاستثناء - الاستفتاء - حل البرلمان - تعيين القضاة. و هناك الظهير التنفيذي يصدره ويوقعه الملك ، إلا أن الظهير التنفيذي يقصد به إعطاء الشرعية التنفيذية لقانون صادر عن البرلمان ، إذ بدون صدور هذا الظهير في الجريدة الرسميةلا يمكن للقانون المصادق عليه من لدن البرلمان أن ينتقل إلى مرحلة التنفيذ.
وهناك مجموعة من المناصب العليا يتم تعيين الموظفين فيها بمقتضى ظهائر تصدر عن صاحب الجلالة. وفي هذا الشأن صدر القانون التنظيمي 02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا تطبيقا لأحكام الفصلين 49 و 92 من دستور 2011. حيث ينص الفصل 49 على ما يلي : " يتداول المجلس الوزاري في القضايا و النصوص التالية...... : التعيين باقتراح من رئيس الحكومة وبمبادرة من الوزير المعني في الوظائف المدنية التالية: والي بنك المغرب و السفراء و الولاة و العمال و المسؤولين عن الإدارات المكلفة بالأمن الداخلي و المسؤولين عن المؤسسات و المقاولات العمومية الإستراتيجية.و تحدد بقانون لائحة هذه المؤسسات و المقاولات الإستراتيجية 15 ."
o 15. الفصل 49 من دستور 2011
و بالموازاة مع ذلك نص الفصل 92 على أنه : "يتداول مجلس الحكومة تحت رئاسة رئيس الحكومة في القضايا و النصوص التالية ..... : تعيين الكتاب العامين و مديري الإدارات المركزية بالإدارات العمومية و رؤساء الجامعات و العمداء و مديري المدارس و المؤسسات العليا . و للقانون التنظيمي المشار إليه في الفصل 49 من الدستور أن يتمم لائحة الوظائف التي يتم التعيين فيها في مجلس الحكومة 16 ."
ويقصد بالمناصب العليا في هذا القانون التنظيمي ، مناصب المسؤولين عن المؤسسات والمقاولات العمومية الاستراتيجية المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من الفصل 49 من الدستور، و الوظائف المدنية في الإدارات العمومية التي يتداول مجلس الحكومة بخصوص التعيين فيها طبقا لأحكام الفصل 92 من الدستور 17 .
و سوف ندرج القانون التنظيمي 02.12 كملحق لعرضنا من أجل توضيح قائمة المؤسسات العمومية الإستراتيجية التي يعين المسؤولون عنها بظهير، و كذلك لائحة المناصب العليا التي يتم التداول في شأنها في مجلس الحكومة كما وردت في القانون التنظيمي.
وما يمكن ملاحظته في هذا الصدد أنه بعد إقرار دستور 2011 لم يعد التعيين في جميع المناصب العليا بالبلاد مجالا محفوظا للملك كما كان عليه الأمر في كنف الدساتير السابقة، فالتعيين بالظهير الملكي تم حصره دستوريا في المجالات المحفوظة لجلالة الملك لتمييزها عن تلك التي خولها الدستور للحكومة و لرئيسها. حيث نص الفصل 91 من الدستور على أنه : "يعين رئيس الحكومة في الوظائف المدنية في الإدارات العمومية وفي الوظائف السامية في المؤسسات و المقاولات العمومية دون إخلال بأحكام الفصل 49 من هذا الدستور" 18. إذن فرئيس الحكومة أصبح له دور مهم في تسيير المؤسسات العمومية الكبرى و تعيين مسؤوليها، و قد تزكى الإشراف الحكومي على المؤسسات العمومية من خلال الفصل 89 كذلك من دستور 2011 الذي نص صراحة في فقرته الثانية على أن الحكومة تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات و المقاولات العمومية 19 .
o 16. الفصل 92 من الدستور
o 17. المادة 1 من القانون التنظيمي 02.12 المتعلق بالتعيين في المنصاب العليا
o 18. الفصل 91 من دستور 2011
o 19. الفصل 89 من دستور 2011
الفرع الثاني: الوضعية الفردية للمعينين بظهير
بالنسبة للمقصود بالوضعية الفردية، فقد حددته الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في قضية عبد الحق كارم ضد وزارة المالية، من خلال الحيثية التالية:" إن مصطلح الوضعية الفردية جاء على إطلاقه دون تقييد أو حصر، وأنه يشمل جميع الحالات والأوضاع التي تعتري الموظف وهو يعمل في خدمة الإدارة أو المرفق أو الجماعة المحلية أو المؤسسة العمومية، سواء فيما يتعلق بتسميته في وظيفة معينة أو ترقيته أو تأديبه أو حصوله على أجوره ومستحقاته إلى غير ذلك من الدعاوى التي يمكن أن يقيمها ضد الجماعة الإدارية من أجل تسوية هاته الوضعية ، مما ينعكس إيجابا أو سلبا على وضعيته المادية حسب الأحوال" 20 .
غير أن هذه الحيثية لم تضع في الحقيقة تعريفا للوضعية الفردية، بل قامت فقط بتعداد حالات الوضعية الفردية، في حين أن الوضعية الفردية تتمثل في كل ما يتعلق بحياته الإدارية، وحقوقه المالية الناتجة عن ذلك، وبالتالي فإن توجه الموظف إلى القضاء الإداري يكون إما بهدف المطالبة بتسوية الوضعية الإدارية، وإما للمطالبة بتسوية الوضعية المالية.
لقد كان النظر في المنازعات المرتبطة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، موزعا بين الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، التي تتولى البت في طلبات الإلغاء، والمحاكم الابتدائية التي لها ولاية القضاء الشامل، قبل أن يتم توحيد الجهة المختصة بنظر هذا النزاع من خلال إحداث المحاكم الإدارية بموجب قانون 41-90 .
وذلك من خلال المادتين 8 و11 من القانون المشار إليه أعلاه، بحيث تنص الفقرة الثانية من المادة 8 على ما يلي:"... تختص المحاكم الإدارية كذلك بالنظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة، والجماعات المحلية والمؤسسات العامة" 21.
في حين تنص المادة 11 على أنه:" تختص محكمة الرباط الإدارية بالنظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للأشخاص المعينين بظهير شريف، أو مرسوم... " 22.
o 20. تعريف حددته الغرفة الإدارية بالمجلس في قضية عبد الحق كارم ضد وزارة المالية
o 21. المادة 8 من القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية
o 22. المادة 11 من القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية
المطلب الثاني: رقابة القضاء الإداري على الوضعية الفردية للمعينين بظهير في مجال التأديب
أولا تجدر الإشارة هنا إلى أنه فيما يخص التدابير التأديبية ، فإن المعينين بظهير شريف يخضعون إلى التدابير التي تتخذ أيضا بظهير شريف 23 كالتدابير المتعلقة بالتأديب ، ولا نستثني من ذلك إلا الحالات التي تقتضي نصوص خاصة بإحالة الاختصاص في ذلك إلى سلطة أخرى ، فمثلا إذا كان ظهير فاتح مارس 1963 بشأن النظام الخاص بمتصرفي وزارة الداخلية قد نص على أن السلطة التأديبية في حق رجال السلطة موكول بها إلى الجهة المكلفة بتعيينهم أي الملك ، فإنه يستثنى من ذلك عقوبتي التوبيخ والإنذار الذي يوقعهما وزير الداخلية، كما خول الفصل 26 من نفس الظهير لوزير الداخلية الحق في توقيف رجل سلطة لمدة لا تزيد عن أربعة أشهر مع إعلام الملك بذلك فورا 24.
إذن فالموظفين المعينين بظهير يتم تأديبهم بظهير إعمالا بمبدأ السلطة التي لها الحق في التسمية يرجع إليها اختصاص التأديب. وفي حالة ارتكاب مخالفات من طرف هذه الفئة من الموظفين أثناء تأديتهم لمهامهم الوظيفية فلا يجوز للمرفق الذي يشتغلون داخله بمعاقبتهم أو اتخاد تدابير و إجراءات عقابية في حقهم إلا بعد صدور ظهير يقضي بذلك .و بعد صدور الظهير من طرف جلالة الملك يتم تأديبهم وفق العقوبة الواردة في الظهير، و لا يجوز لهم في هذه الحالة اللجوء إلى القضاء بدعوى عدم شرعية الظهير أو الشطط في استعمال السلطة ، لأن جميع التصرفات الصادرة عن جلالته في صورة ظهير أو مرسوم كيفما كانت طبيعتها تشريعية أو تنظيمية سواء في الحالات العادية أو الإستثنائية ، لا يجوز أن تكون محل طعن أو رفض من طرف المحاكم على اختلاف درجتها ، و لأن القرار صادر عن أسمى سلطة، وعلى اعتبار أن جلالة الملك هو الساهر على تنفيذ القانون واحترامه كما جاء في الدستور، ولا يجوز إخضاع قراراته لرقابة القضاء أو التنازع فيها أو فحص شرعيتها.
o 23. قرار المجلس الأعلى رقم 94 في الملف الإداري عدد 96762 الصادري في 30 ماي 1985 بين أحمد الفركلي وبين وزير التخطيط وتكوين الأطر والتكوين المهني
o 24. الفص 26 من ظهير فاتح مارس 1963 بشأن النظام الخاص بمتصرفي وزارة الداخلية
لكن المشرع خول للمعينين بواسطة ظهائر شريفة حق اللجوء إلى القضاء و الطعن أمام المحاكم الإدارية في القرارات الصادرة عن الإدارة التي يشتغلون داخلها، والتي تمس كل ما يتعلق بوضعيتهم الفردية. و كما جاء في المادة 11 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية فإن هاته الأخيرة تختص بالنظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين المعينين بظهير 25 في حالة الشطط في استعمال السلطة، أو تعسف الإدارة في قراراتها ،و القاضي الإداري في هذه الحالة يقوم بفحص شرعية القرارات 26 الصادرة في حقهم و مدى مطابقتها للقانون ، وفي حالة اتسامها بالتعسف أو الغلو يتم إلغائها.
إذن ما يمكن استنتاجه أن الموظفين المعينين بظهير يجوز لهم الطعن في وضعيتهم الفردية داخل الإدارة إذا ما كان هناك تجاوز أو تعسف في استعمال السلطة من قبل الإدارة، أي في حالة اتخاذها قرار تأديبي قبل صدور الظهير الذي يقضي بتأديبهم ، وفي هذه الحالة يحق لهم اللجوء إلى المحاكم الإدارية بدعوى الإلغاء. وبالتالي فإن المنازعة المتعلقة بالوضعية الفردية تدخل في إطار دعوى الإلغاء ، أي عندما يكون القرار الإداري المتعلق بالوضعية الفردية متسما بعيوب عدم المشروعية، المتمثلة في عيب الشكل، وعيب عدم الاختصاص، وعيب مخالفة القانون، وعيب الانحراف في استعمال السلطة، وعيب السبب، مما يجعل المطالبة بإلغائه جائزة في كل الأحوال.ولا يجوز الطعن في ظهير صادر عن صاحب الجلالة لأن تصرفات الملك لايمكن إخضاعها لمبدأ الشرعية.
و في هذا الإطار سوف ندرج حكم قضائي كملحق لعرضنا و كنموذج لما سبق ، ومفاده أنه صدرت عقوبة تأديبية من طرف الإدارة في حق رجل أمن معين بظهير، وكانت متمثلة في إيقاف راتبه الشهري مما اضطر معه اللجوء إلى القضاء من أجل إلغاء القرار الصادر في حقه، على اعتبار أنه معين بظهير و تأديبه يكون بواسطة ظهير وأن الظهير الذي يقضي بتأديبه لم يصدر بعد وقد تم الحكم لصالحه وإلغاء ذلك القرار .
o25. المادة 11 من قانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية
o26. المادة 8 من قانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية
[1] ذ الحاج شكرة – الوظيفة والموظف في القانون الاداري المغربي - الطبعة الرابعة – 2010 – ص 42 و 43
[5] ذ الحاج شكرة – مرجع سابق – طبعة 2010 – ص 225
[11] ذة الصروخ مليكة – مرجع سابق – ص 332
[14] جدول مصرح به من طرف الجهاز المركزي للتنظيم و الادارة المصري من طرف الجهاز المركزي للتنظيم و الادارة المصري الذي يحمل عنوان " المخالفة التاديبية والجزاءات المقررة لها " : المخالفات المتعلقة بمواعيد العمل – المخالفات المتعلقة باداء عمل الوظيفة – المخالفات المتعلقة بنظام العمل – المخالفات المتعلقة بالسلوك – المخالفات المتعلقة بالوحدة الوطنية و السلم العام .
شاركنا بتعليقك...