مقدمة:
اختارت المملكة المغربية غداة الاستقلال سياسة اللامركزية كخيار إستراتيجي من أجل تفعيل الديمقراطية المحلية وإشراك المواطنين في تدبير الشأن المحلي، وذلك عن طريق نقل مسؤوليات هامة من الدولة إلى الجماعات الترابية، وتحسين القدرات الذاتية لهذه الاخيرة وتزويدها بكل الآليات القانونية والمادية والبشرية اللازمة لممارسة اختصاصاتها، من خلال منحها صلاحية اتخاذ القرار سواء على المستوى الاداري او على المستوى المالي، و يمكن تعريف القرار بكونه الاختيار من بدائل مختلفة و هو حالة تحكم عقلية تسبق التصرف ، و في هذا السياق يقول "هوبرت سايمون": "ان صناعة القرار هي قلب الادارة و ان مصطلحات نظرية الادارة يجب ان تكون مستخدمة من منطلق و سيكولوجية الاختيار الانساني".
و يكتسي القرار المالي الترابي اهمية بالغة ، باعتباره الاداة الاولى التي يمكن للجماعات الترابية من خلالها تحقيق الاهداف الطامحة اليها، خاصة في ظل تخويلها صلاحيات اكثر اتساعا ، مما يفرض عقلنة هذا القرار و جعله اكثر نجاعة من اجل تمكين الجماعات الترابية من النهوض بصلاحياتها التنموية.
و قد اتبتث الممارسة احاطة هذا القرار بمجموعة ابعاد سياسية، اقتصادية، اجتماعية، تتحكم في صيرورة القرار المالي الترابي، تجعله محط تداخل عدد من المتدخلين، هذا من جهة ، و من جهة اخرى، فقد احيط هذا القرار بمجموعة اكراهات و تحديات انعكست بشكل سلبي على نجاعة تدخلات التنموية للجماعات الترابية.
هذه الاهمية للقرار المالي الترابي تضعنا امام اشكالية بالغة في الاهمية، الا و هي عقلنة القرار المالي الترابي و متطلبات تحقيق الحكامة الجيدة في افق الجهوية المتقدمة، هذه الاشكالية تتفرع عنها مجموعة من التساؤلات الفرعية:
ما الابعاد المتحكمة في صناعة القرار المالي الترابي؟
كيف يمكن الحديث عن قرار مالي ترابي في ظل تداخل الاختصاصات بين المركز و الوحدات الترابية؟
ما مدى تأثير المتدخلية في القرار المالي الترابي؟
ما طبيعة الاكراهات و التحديات التي تواجه صناعة القرار المالي الترابي و ما انعكاسات و تاثير ذلك على وضعية الوحدات الترابية في المغرب؟
ما هي سبل اصلاح التدبير المالي؟
هذه الاشكالية ومختلف التساؤلات المتفرعة عنها، ارتأينا الاجابة عنها من خلال الخطة التالية:
الفرع الأول : كيفية اتخاد القرار المالي الترابي
الفرع الثاني: نطاق القرار المالي الترابي
الفقرة الاولى: قرارات الميزانية المحلية
الفقرة الثانية: قرارات الصفقات الجماعية
الفقرة الثالثة:قرارات التوظيف
المبحث الثاني: عقلنة القرار المالي الترابي في افق الجهوية المتقدمة
الفرع الاول: اكراهات القرار المالي الترابي و الانعكاسات
الفقرة الاولى: اكراهات القرار المالي الترابي
اولا: الاكراهات القانونية
ثانيا: الاكراهات المالية
الفقرة الثانية: الانعكاسات
الفرع الثاني: سبل تطوير القرار المالي الترابي
الفقرة الاولى: تأهيل الموارد البشرية للجماعات الترابية
الفقرة الثانية: تاهيل الموارد المالية الترابية
الفقرة الثالثة:التخفيف من الوصاية و الانتقال الى التدبير المبني على
النتائج
المبحث الأول : طبيعة القرار المالي الترابي
الفرع الأول : كيفية اتخاد القرار المالي الترابي
يمكن تعريف القرار نظريا من حيث الشكل ومن حيث المضمون، فمن حيث الشكل يعبر عن صيغة الأمر والتوجيه بين مستويات التسلسل الإداري للجهات الترابية، أما من حيث المضمون فهو يعتبر إتخاذ موقف في مواجهة موضوع معين ذو صيغة مالية، أي متعلق بالجانب المالي.
إن جوهر عملية إتخاذ القرار المالي هو الحسم أو إختيار أحد الحلول من الحلول الممكنة أو البديلة لتحقيق غرض ما أو مواجهة موقف محدد متعلق بالجانب المالي للجهات الترابية وذلك في ضوء مقدمات ومعطيات ومعلومات ومعايير تساعد على حسن الإختيار، وبالتالي إتخاذ القرار الملائم في إطار الخطة الإستراتيجية التي تساعد على تسيير الجهات الترابية وسياستها العامة والخاصة بتوفير الوسائل المالية لوظائفها التي تحتاج إليها لتحقيق الوصول إلى الأهداف الخاصة بهذه الوظائف والمحققة للهدف العام.
" إن القرار المالي يتدخل في السوق المالي بصفة مباشرة أو غير مباشرة لجمع الأموال الضرورية للسياسة العامة والخطة الإستراتيجية للجهات الترابية، فهو يضمن العمل في إطار قيود الربحية من خلال أن الإستثمارات الممولة والتي يجب أن تحقق ربحية كافية والقدرة على الوفاء بالديون، كما أن القرار المالي ينظم المراقبة من خلال التأكد من أن الأهداف المحددة في السابق قد تحققت.
الفرع الثاني: نطاق القرار المالي الترابي
الفقرة الاولى: قرارات الميزانية المحلية
من خلال مقتضيات القانون التنظيمي 45.08 نجد أن الدولة منحت الصلاحية للجماعات المحلية بوضع الميزانية الخاصة بها باعتبارها الوثيقة التي يقرر ويؤذن بموجبها، بالنسبة لكل سنة مالية، في مجموع موارد وتحملات الجماعة المحلية أو المجموعة.
كما تمثل وثيقة للبرمجة ومخطط عمل قصيرالمدى يعرف بالتدخل المالي للجماعات تعمل على تقييد الأنشطة المالية الآنية للجماعة باستحضار الأهداف المسطرة والوسائل المتوفرة في إطار تخطيط متوسط المدى.
ويتضح من خلال هذا التعريف أن للميزانية أبعادا مختلفة تتمحور حول الدور الذي تلعبه وكذا الأهداف المسطرة لها.
كما أنها بمثابة الوثيقة المالية الأكثر أهمية في السنة بالنسبة لكل جماعة باعتبارها أداة لاستشراف المعطيات المستقبلية وإنجاز دراسة علمية لاحتمال ما ستكون عليه الوضعية المالية للجماعة.
الأجهزة المتدخلة في إعداد الميزانية المحلية :
يعتبر أمر اعداد الميزانية المحلية من المراحل الأولية المهمة في دورة الميزانية ، وهي مناسبة لتدخل أكثر من فاعل في تهيأت وثيقة الميزانية.
وبرجوع إلى المادة 14 من قانون التنظيم المحلي رقم 45.08 تحضير مشروع الميزانية يتم من لدن رئيس المجلس بالنسبة للجماعات الحضرية و القروية ومجموعاتها، ومن طرف الآمر بالصرف بالنسبة للجهات و العمالات و الأقاليم.
غير أنه بالنسبة للجماعات الحضرية و القروية، ورغم أن الآمر بالصرف هو رئيس المجلس الجماعي إلا أن الممارسة الفعلية تثبت أن مهمة إعداد مشروع الميزانية غالبا ما يقوم بها الموظفون العاملين بالمصالح المالية ( وكالة المداخيل و يناط بها مهمة تحضير المداخل) و ( وكالة النفقات مهمتها تحضير النفقات) ، واللجنة المكلفة بالتخطيط و الشؤون الاقتصادية و الميزانية والمالية التي تناط بها مهمة إعداد مختلف الوثائق المحاسبية التي تهم مشروع الميزانية الجماعية مستعينة في ذلك بتدخل القباضة الجماعية التابعة لمصالح وزارة المالية
وحسب مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 16 من قانون (08-85) : تعرض الميزانية المحلية مرفقة بالوثائق الضرورية ( التي تحدد بقرار لوزير الداخلية ) لدراستها على اللجنة المختصة في أجل عشرة أيام على الأقل قبل تاريخ افتتاح الدورة المتعلقة بالمصادقة على الميزانية من طرف المجلس على أن تعتمد الميزانية في تاريخ أقصاه 15 نونبر.
وفيما يخص التخطيط الإستراتيجي والعملي تنص المادة 14 من القانون (08-45) على أن إعداد الميزانية يتم على أساس برمجة تمتد على ثلاث سنوات تهم مجموع موارد وتحملات الجماعة المحلية ومجموعاتها.
وعلى ضوء مخطط العمل هذا، تقوم الجماعة برصد مجموع مواردها برسم الثلاث سنوات القادمة وبرنامجها في مشاريع ذات أولوية، ويتم وضع التقديرات بالميزانية مع معطيات البرمجة المتعددة السنوات بحيث تتوافق مع تقديرات السنة الأولى لهذه البرمجة.
الفقرة الثانية: قرارات الصفقات الجماعية:
الصفقة تعني كل عقد بعوض يبرم بين صاحب مشروع من جھة، وشخص طبيعي أو معنوي من جھة أخرى يدعى مقاول أو مورد أو خدماتي، بھدف تنفيذ أشغال أو تسليم توريدات أو القيام بخدمات.
أما إذا ارتبطت بالصفة العمومية، فان ذلك ينم عن وجود طرف من بين طرفي العقد شخص معنوي عام (كالجماعات المحلية، المؤسسات العمومية، المرافق العامة الاقتصادية والاجتماعية...) . لھذا لا يمكن أن نميز الصفقات العمومية الجماعية عن باقي الصفقات العمومية الاخرى، سوى أنھا تبرم من طرف الجماعات المحلية، لھذا يطلق عليھا الصفقات العمومية الجماعية، وتخضع لنفس المرسوم المنظم للصفقات العمومية، الذي تخضع له جميع المؤسسات العمومية. وتعد ھذه الصفقات عقودا من بين العقود الادارية المحددة بنص القانون أو ما يطلق عليھا بالعقود المسماة ، والتي تخضع في إطار منازعتها للقضاء الإداري.
الفقرة الثالثة:قرارات التوظيف
يمنح الفصل 48 من الميثاق الجماعي لسنة 1976 للجماعات الترابية صلاحية التدخل من اجل توفير و تغطية حاجياتها من الموارد البشرية، محددا بذلك الأسس القانونية للوظيفة الجماعية ،هذه الأسس مركزة في فكرتين اثنتين أساسيتين و هما:
1 ) قيام وظيفة عمومية جماعية منفصلة عن الوظيفة العمومية للدولة ومندمجة فيها في الوقت نفسه، أي أصبحت لها هيئة خاصة من الموظفين تجري عليهم مقتضيات الظهير الشريف 1.58.008 الصادر في 24 فبراير 1958 بمثابة النظام الأساسي للوظيفة العمومية، مع مراعاة بعض المقتضيات الخاصة.
2 ) سلطة تدبير شؤون الموظفين الجماعيين تعود إلى الرئيس وحده بحكم القانون باعتباره رئيسهم التسلسلي ويعود له أيضا حق التعيين طبقا لمقتضيات النظام الأساسي الخاص، ويعين أيضا الأعوان المؤقتين ويدير شؤونهم، فالرئيس يتدخل في جميع مراحل الحياة الإدارية لهؤلاء الموظفين، وليس للمجلس الجماعي حق التدخل في شؤونهم. وبالتالي فإن سلطة الرئيس ليست مستمدة من الجماعة وإنما ممنوحة من لدن الدولة. هكذا فإن النظام الأساسي الخاص بالموظفين الجماعيين لم يجعل الوظيفة المحلية تتميز بخصوصية متفردة . بل على العكس من دلك أخضعها لنفس القواعد والمبادئ القانونية المنظمة للوظيفة العمومية، وهو ما يتبين من الفصل الرابع من النظام الأساسي الخاص بالوظيفة الجماعية، الذي يطبق على الموظف الجماعي النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بموظفي الدولة، ودلك ما نستشفه من الأحكام الواردة في ظهير 24 فبراير 1958 بشأن التوظيف،التمرين،الترسيم،الأجرة،التعويضات، نظام التأديب، نظام التقاعد، كما أنه تسري عليه نفس الحقوق والواجبات الخاصة بموظفي الدولة. و معنى دلك أن الوظيفة العمومية تعتبر بمثابة الشريعة العامة بالنسبة للموظف الجماعي من حيث حقوقه وواجباته الوظيفية، وتشكل الحيز الأكبر المطبق على الموظف الجماعي مند ولوجه قطاع الوظيفة الجماعية إلى حين مغادرته لها بالإعفاء أو التقاعد. و بذلك فالنظام الأساسي لموظفي الجماعات يعتمد في مقتضياته القانونية على النص القانوني المنظم للوظيفة العمومية.
المبحث الثاني: عقلنة القرار المالي الترابي في افق الجهوية المتقدمة
الفرع الاول: اكراهات القرار المالي الترابي و الانعكاسات
تتعدد الاكراهات المحيطة بالقرار المالي و التي تحد من فعاليته و تشكل عائقا امام تحقيق الحكامة الجيدة و النهوض بمتطلبات التنمية المندمجة، و في هذا الاطار سوف نركز بالاساس على مستويين من الاكراهات القانونية و المالية.
الفقرة الاولى: اكراهات القرار المالي الترابي
اولا: الاكراهات القانونية:
تعد الاكراهات احدى معيقات فعالية القرار المالي الترابي، فالاطار القانوني يقيد هامش حرية المنتخبين نظرا لاولوية اللاتركيز على منطق اللامركزية، فالتأطير المركزي والتوجيه المستمر في تحديد اختيارات القرار المالي الترابي والتحكم في توزيع الموارد وتوجهيه الاستثمارات العمومية للوحداث الترابية التي كرست هيمنة سلطة الوصاية نظرا لمحدودية وسائل الجماعات الترابية مما يمس باستقلال هذه الأخيرة ويحد من مبادرتها ويعطل برامجها، فتفرغ الصلاحيات والاختصاصات لتلك المجالس من محتواها نظرا لكون جل المجالات التي تخضع لسلطة الوصاية تشكل جوهر النشاط المالي والإقتصادي للجماعات الترابية.
أضف إلى ذلك النصوص القانونية والنظيمية وعدم تجميعها في مدونة واحدة لتسهيل الرجوع إليها شكلت بدورها صعوبات أخرى أمام المسيرين المحليين الذين ينقص العديد منهم الخبرة والتكوين القانوني والإداري والأساليب العلمية للتسيير.
ثانيا: الاكراهات المالية:
تعد الموارد المالية حجر الزاوية في كل التنظيمات اللامركزية الترابية، فضعف الامكانيات المالية للوحدات الترابية من شأنها الحد من قدرة هذه الاخيرة على النهوض بوظائفها التنموية، و يمس في عمق مبدأ الاستقلال المالي للجماعة الترابية.
1: ضعف الموارد المالية الذاتية:
بلغت الموارد المالية الذاتية للجماعات الترابية برسم السنة المالية 2009 نسبة 38%
من مجموع موارد المحلية، و تعتبر المداخيل الجبائية اهم مكون لهذه الايرادات، الا انه على الرغم من كثرة عددها، فهي لا تساهم الا بنسب ضعيفة في تمويل الميزانيات الترابية التي تبقى رهينة لامدادات الموازنة التي تمثل تمويلا مركزيا لا تستطيع الهيئات اللامركزية تفاديه او حتى اعتمادها عليه[1]، فالجبايات المحلية لم تحقق سوى 11%من مجموع مداخيل التسيير سنة 2009 مقابل 21%من مجموع مداخيل التسيير سنة 2006، مما يفسر تراجع قدرة الوحدات الترابية على تحقيق التمويل الذاتي، في حين بلغت نسبة المداخيل المحولة برسم سنة 2009 ، نسبة 50% بواسطة الحصة من منتوج الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل و الضريبة على القيمة المضافة و أموال المساعدات.[2]
و إذا كانت الضرائب و الرسوم تشكل العمود الفقري لنظام التمويل الذاتي الجماعي، فإن موارد الاملاك الجماعية تحتل نفس الضدارة في تلك الاهمية، الا ان هذا المورد هو الاخر يتصف بضعف مداخيله و بعدم تطوره،[3]و يرجع هذا الضعف الى مجموعة من الاسباب المرتبطة بظروف تدبير ممتلكات الجماعات الترابية التي لا تسمح بتحسين مساهمتها في تمويل التنمية المحلية، و يمكن تلخيص هذه الاسباب في ما يلي:
- اولا: عدم ملائمة الاطار القانوني المنظم لهذه الممتلكات الذي يعود الى عهد الحماية و يتميز بتنوع الانظمة، مما يطرح تحدي امام الجماعات الترابية في مجال تعبئة الوعاء العقاري الضروري لمشاريع التنمية الاقتصادية و الاجتماعية.
- ثانيا: ضعف تدبير الممتلكات الجماعية: و يتجلى ذلك من خلال غياب احصاء شامل لهذه الممتلكات فغالب الجماعات لا تعرف حدود ممتلكاتها، مما يجعلها تواجه صعوبات في التحكم فيها، و ضمان تقييدها في سجل الاملاك العفارية، مما يصعب عملية مسك محاسبة خاصة بالممتلكات رغم ان ذلك صار اجباريا بمقتضى المرسوم الصادر في 18 فبراير 2010، المتعلق بالحسابات العمومية للجماعات المحلية.
ينضاف الى ذلك ضاهرة تفويت الاملاك الجماعية الخاصة باثمان رمزية لا تراعي السومة العقارية السائدة و ذلك لفائدة خواص غرضهم الاساسي المضاربة العقارية.[4]ايضا عدم مراجعة السومة الكرائية و الاستغلال الجاني لبعض الممتلكات الذي يحرم الجماعة من موارد مالية مهمة.
كل هذه العوامل وغيرها اسهمت في تقليص مردودية الاملاك الجماعية، و بذلك ظلت نسبة تمويلها جد منخفضة بالمقارنة مع باقي الموارد و لم تتعدى سوى 9% برسم السنة المالية 2009.
ان من اهم النتائج المترتبة عن محدودية الموارد المالية للجماعات الترابية عجز الجماعات الترابية عن تغطية نفقاتها الجارية و التي تظل في معظمها نفقات تسيير، مما يفرض ضرورة لجوء هذه الجماعات الى البحث عن وسائل تمويل جارجية او استثنائية، تعمق من تبعيتفا المالية للدولة و تحد من استقلالها المالي.
2: ضعف تحويلات الدولة و اشكالية الموازنة
يشير التمويل المؤكزي الى الحصة المالية التي تخصصها الدولة من مداخيلها الجبائية لفائدة الجماعات الترابية بهدف تغطية نفقاتها و موازنة وضعيتها المالية، و اعانتها على مواجهة اعبائها المتزايد بالموازاة مع التطور اختصاصاتها و اتساع مجال تدخلاتها التنموية.[5]
و قد بلغت نسبة الضرائب الوطنية المحولة 12 مليار درهم برسم سنة 2009، و ساهم بما قدره 50% من مجموع مداخيل التسيير، بزيادة بلغت 2% بالمقارنة مع سنة 2006، تمثل فيها الحصة من منتوج الضريبة على القيمة المضافة 46%و هي نسبة غير كافية لقيام الجماعات الترابية بالوظائف و الصلاحيات التنموية المنوطة بها ، لذا يجب مراجعتها في اتجاه الزيادة فيها من جهة، و اعتماد معايير جديدية مبنية على اسس علمية و قيمية في توزيع تلك الضريبة على الجماعات الترابية باصنافها، بحيث لا تستفيد الجهات من حصة الضريبة على القيمة المضافة مقابل تلقيها لنسبة 1% من الضريبة على الشرطات و الضريبة على الدخل، و هي قيمة غير مستقرة لارتباطها بالوضعية العامة للمالية العامة للدولة و ما يميزها من تقلبات تتحكم فيها اسعار البترول و المديونية الخارجية و اثار الجفاف، و تقلبات الصرف.[6]
كما تجدر الاشارة ايضا الى ان هذه الحصة من الضرائب المحولة لفائدة الجماعات الترابية، اضافة الى ضالتها تبقى في مجملها موجهة فقط لتغطية النفقات الاستهلاكية خاصة نفقات التسيير، بدل توجيهها لتنفيذ البرامج التنموية .
و لتجاوز التوزيع اللامتكافئ لهذه الموارد الضريبية المحولة يمكن الاستفادة من تجربة "الموازنة التناسبية" كوسيلة يتبناها النظام الفرنسي لضبط التمويل المركزي و ملائمته مع الخصوصيات المحلية، و متطلبات التخفيف من الفوارق بين الجماعات الترابية، و تحقيق التوازن المالي في الميزانيات الترابية، و يقوم هذا النظام على احتساب المداخيل الجبائية للجماعات الترابية و نسبها، و مقارنة القدرة على التمويل الذاتي مع ثقل التكاليف التسييرية باعتماد القياس العلمي لمجالات تدخل الجماعات و التكلفة المحاسبية لكل مجال، اضافة الى باقي المعطيات المتعلقة بالمساحة، و عدد السكان...[7]
الفقرة الثانية:إنعكاسات القرار المالي الترابي
يعاني القرار المالي الترابي من مجموعة من الإختلالات في ما يتعلق بضعف الممارسة المالية المحلية وذلك بناءا على تقارير المجالس الجهوية للحسابات التي رصدت مجموعة من الخلروقات في المجال المالي المحلي وكذلك ضعف التدبير والتسيير في هذا الشأن
الفقرة الأولى: إختلالات في مجال تنفيذ النفقات الجماعية و ضعف تدبير الموارد الجماعية
أولا: إختلالات تنفيذ النفقات الجماعية
إن مراقبة الإلتزام بالنفقات كما نظمها المرسوم 577-246 بتاريخ 5 شوال 1396 (30 شتنبر 1976) هي مراقبة تتعلق بصحة الإلتزام هدفها التأكد مما إذا كان الإلتزام قد نشأ بشأن اعتماد متوفر ومما إذا كان مطابقا لباب الميزانية المقترح اقتطاعه منه ومن مدى صحته بالنظر إلى القوانين والأنظمة الجاري بها العمل وهي مراقبة تجري قبل أن يقع الإلتزام بالنفقة وتتم بوضع تأشيرة على مقترح الإلتزام أو برفض وضع التأشيرة مدعم بأسباب.
ويتميز هذا الشكل من الرقابة بطابعه القبلي، وبالتالي بطابعها الوصائي على الآمرين بالصرف حيث نتج عن العمل بها البطء والتأخير وعدم الفعالية.
ولأجل هذه الأسباب، أقر القانون رقم 08-45 إلغاءه نظامها والإكتفاء بالرقابة البعدية وإعطاء صلاحية ممارستها لجهة واحدة، على أن يتحمل الآمرون بالصرف المحليون في اتخاذ المقررات المالية ويخضعون للمساءلة عن ذلك أمام المجلس وأمام باقي أجهزة الرقابة وبذلك يكون القانون الجديد قد ألغى نظام رقابة صحة الإلتزام الممارس من طرف وزارة المالية على الإلتزامات بالنفقات ولم يحتفظ سوى بالحق القانوني في إجراء مراقبة بعدية الغاية منها التأكد من صحة الدين والذي تجري فيه المراقبة على:
- صفة الآمر بالصرف أو مندوبه.
- توفر الإعتماد.
- توفر الاموال.
- صحة تقييد النفقات في أبواب الميزانية المتعلقة بها.
- إثبات العمل المنجز.
- صحة حسابات التصفية.
- الإدلاء بالإثباتات.
- احترام قواعد التقادم وسقوط الحق.
- قوة إبراء التسديد.
المادة 41: لقد تم حذف بعض النفقات وأعيد ترتيب الأحكام المتعلقة بالأحكام الإجبارية إذ تم حذف بعضها ولم تعد تخضع لمراقبة سلطة الوصاية وبالتالي اتسعت حرية الآمرين بالصرف والمجلس في إقرارها (-نفقات صيانة دار الجماعة – نفقات لباس أعوان الجماعة ذوي الحق في ذلك حسب نظامهم الأساسي – النفقات التي يقتضيها تعهد الطرق بالجماعة وجميع المنشآت الخاصة بالنظافة مثل المجاري والقنوات وخزانات الماء – صوائر إحاطة المقابر بسياجات وتعهدها – النفقات اللازمة لضمان الصحة والمحافظة على صحة الجماعة ولا سيما محاربة حمى المستنقعات والأوبئة).
كما تمت إضافة نفقات أخرى لم يكن ينص عليها القانون القديم، ويتعلق الأمر بالإلتزامات المالية الناتجة عن الإتفاقيات والعقود المبرمة من طرف الجماعات المحلية أو مجموعاتها – المخصص الإجمالي لتسيير المقاطعات بالنسبة للجماعات الحضرية التي تتوفر على مقاطعات – المساهمات والموارد المحولة لفائدة المجموعات.
إن إضافة هذه الأصناف الجديدة من النفقات يأتي من أجل تكييف أحكام النص القانوني لمالية الجماعات المحلية مع مقتضيات الميثاق الجماعي وكذا من أجل إلزام الجماعات على تقديم أقساط تمويل المقاطعات التابعة لنفوذها أو المجموعات التي تقرر إحداثها.
اولا: ضعف وظيفة البرمجة والتخطيط
أ-عدم إعتماد المجالس الجماعية لمخططات التنمية الإقتصادية والإجتماعية المنصوص عليها في المادة36 من قانون00-78.
ب-لاتعكس ميزانيات الجماعات الترابية التوازن الحقيقي بين المداخيل والنفقات
ج-عدم إنجاز الدراسات القبلية ودراسات الجدوى
د-التأخر في إنجاز المشاريع الجماعية.
ولتفادي هذا الضعف أوصت المجالس الجهوية بمايلي:
أ-تطويروظيفة البرمجة والتخطيط لدى الجماعات الترابية، و ذلك بضبط وتقدير أكبر والتحكم في التقديرات حول الميزانية.
ب-اللجوء قبل بلورة المشاريع إلى دراسات التنمية القبلية ودراسات جدوى المشاريع على الصعيد الإقتصادي والإداري والمالي والإجتماعي.
ج-ترشيد إستعمال الموارد العمومية بتوظيفها في مشاريع ذات النفع العام والمدعمة للبنية التحتية للجماعة.
د-إعتماد برمجة وفق منهج علميتستمد معطياتها وفق برنامج محكم وفعال للمراقبة الداخلية من خلال مخططات التنمية التنمية الإقتصادية والإجتماعية المنصوص عليها قانونا والكفيلة بإنعاش وتحفيز تنمية الإقتصاد الترابي.
ثانيا: ضعف تدبير الموارد الجماعية
1-الجمع بين مهام متنافية في تدبير المداخيل:
عدم الفصل بين مهام تحصيل الرسوم المحلية من جهة، ومهام تحديد وعائها الضريبي من جهة ثانية وتصفيتها ووضع الأمر بإستخلاصها.
2-عدم استخلاص واجبات إختلال الأملاك الجماعية وأكرية الأملاك الخاصة.
3-تراكم مبالغ الباقي إستخلاصها من مثل:
- تهاون الجماعات في القيام بإحصائات في ما يخص الخاضعين للضرائب والرسوم المحلية(الحرمان من مداخيل مهمة).
- عدم إصدار المصالح الجماعية المختصة لأوامر المداخيلبشأتن بعض الرسوم الجماعية
- إغفال بعض الجماعات الترابية القيام بإستخلاص بعض الرسوم رغم التنصيص عليها في قراراتها الجبائية
- عدم تطبيق العقوبات المقررة قانونا في حق الملزمين الذين لايدلون بإقراراتهم السنوية بشأن بعض الرسوم الجماعية، أو الذين يدلون بها خارج الآجال(محلات بيع المشروبات مثلا).
- تصفي مبالغ بعض الرسوم المحلية على أساس عناصر لا تتطابق مع البيانات الواقعية والأسس المنصوص عليها قانونا للتصفية، الأمر الذي يضيع موارد هامة على الجماعات الترابية.
4-بيع المحجوزات دون مراعاة شروط الفعالية والمردودية ودون إنجاز تقارير ودراسات تقنية لتحديد السعر أو القيمة الحقيقية قبل البيع(السيارات،الشاحنات،الدراجات...)
ولهذه الأسباب توصي المجالس الجهوية للحسابات بما يلي:
-مراجعة الآليات التنظيمية التي يقوم عليها سير العمل بالإدارة الجبائية المحلية على أسس تتوخى العمل بالإدارة الجبائية وإرساء قواعد كفيلة بضمان مراقبة داخلية وفعالة.
-إستيفاء المبالغ المستحقة والأكرية المتأخرة ومراجعة السومات الكرائية(...)
- تنظيم إحصائات دورية لتحديد الخاضعين للضريبة ، بالإضافة إلى تطبيق العقوبات والجزاءات الضريبية المقررة قانونا بالنسبة للذين لم يدلو بتصريحاتهم أو تأخرو بها.
-إحترام مبدأ الشرعية والمنافسة والشفافية في تفويت المحجوزات، وأيضا تعيين لجنة خاصة لتقييم المحجوزات في إنتظار نصوص تضبط هذا التفويت.
الفقرة الثانية: ضعف تأطيروالجودة في الإدارة الجماعية مقابل آرتفاع تكاليف التدبير المحلي
أولا: ضعف تأطير الإدارة الجماعية:
إن سوء التسيير الذي تعاني منه الجماعات المحلية راجع لغياب أو ضعف الهيكلة الإدارية للجماعات الترابية نظرا لإنعدام الكفاءة والتكوين الضروري لأطر الجماعة من الموظفين ومنتخبين فهي تعاني من غياب الكفاءات ليس فقط على مستوى التقنين وإنما على مستوى الموظفين أيظا حيث يطغى التكوين العام بعيدا عن الكفاءات الإدارية والتسييرية. فالإدارة الجماعية تزاول أنشطتها في ظل غياب إدارة جماعية مهيكلة ومنظمة بطريقة عصرية وعملياتية تتماشى مع متطلبات التنمية المحلية خصوصا أن دور الجماعات الترابية بعد سنوان عديدة من الممارسة المالية الجماعية لم يعد ينحصر في أداء الخدمات والقيام بالأشغال الجماعية ذات الطابع الإداري المحض، بل إن وظيفتها تجاوزت هذا النطاق لكي تكتسح ميادين ومجالات إقتصادية تتطلب هيكلة إدارية ذات تأطير فعال متماشية مع الأدوار الجديدة التي تقوم بها الجماعات المحلية.
فالتجربة الجماعية عرفت صعوبات في هذا المجال وابتعدت بعضها كل البعد عن الأساليب تاعلمية في التسيير كشفت عنها الممارسة المحلية من خلال تباين الهياكل الإدارية للمصالح من جماعة لأخرى، وغياب عنصر الإستقرار، وما ساعد على ذلك عدم وضوح الإختصاصات وإنعدام التسلسل الإداري حيث تنعدم عمليات تحديد المسؤوليات ويسجل غياب شبه كلي لاعتبار الخبرة والكفاءة المهنية.
إن العوائق التي تزيد التسيير الإداري صعوبة عدم إحترام الجماعات في ميدان التوظيف لعامل التخصص، وهو ما عبرت عنه الدورية الوزارية رقم 171 الصادرة عن المديرية العامة للجماعات المحلية حيث نبهت إلى أن الأزمة التي باتت تعرفها الجماعات المحلية هو عدم ملائمة التخصصات مع العناصر المتاحة وضعف مستوى التأهيل فضلا عن عجز بارز على مستوى التنظيم والمردودية والمؤهلات وغياب التكوين وإعادة التأهيل، كما أنه من النادر أن نجد هيكلة جماعية تحتوي على مصلحة للدراسات المستقبلية، فالتسيير على المستوى المحلي والجهوي يبقى محاولة ذاتية وإرتجالية.
ثانيا:ارتفاع تكاليف التدبير المحلي
إن الإنفاق الجماعي يطغى عليه الطابع الإستهلاكي، ويتجلى المظهر السلبي للأنشطة الجماعية في كونها تشكل عبئا ماليا كبيرا على الميزانيات الجماعية مادامت هذه الأنشطة تعد نفقات إستهلاكية لا يرجى منها أي مردودية سواء على المدى البعيد أو المتوسط، الأمر الذي يجعل من الجماعة المحلية في آخر المطاف عبارة عن وحدات تستهلك ولا تستثمر وعلى هذا الأساس يمكن ملاحظة أن نفقات التسيير تشكل أكثر من 85 في المئة من مجموع الميزانيات الجماعية حيث تحتل نفقات الموظفين 50 بالمئة الشيء الذي يعني أن الجماعات المحلية تغلب نفقات الموظفين على نفقات الإستثمار.
ويلاحظ من خلال الممارسة المالية الجماعية محدوديتها على نواحي متعددة ماليا وتنمويا نظرا لضعف الموارد الذاتية واتجاه الإنفاق العام المحلي نحو الإنفاق التسييري وارتفاع تكلفة التدبير المحلي، وبالمقابل نجد ضعف الجودة على مستوى الخدمات نظرا لغياب الدراسات الدقيقة للمحافظة على التكلفة والجودة، ثم استجابة التقنيات الخاصة للمالية المحلية لمتطلبات العصر والتي تساهم بدورها في تدبير بعض الإعتمادات في أوجه إنفاقية غير تنموية وضعف الوعي بالمصلحة العامة لدى بعض المسؤولين المحليين في تسيير مالية الجماعة المحلية.
ثالثا: ضعف الجودة على مستوى المشاريع والخدمات
إن فعالية القرار المالي الترابي لا تتوقف فقط على إعداده بل تبقى رهينة بمدى نجاعته لتحقيق الأهداف التي من أجلها تمت صياغته، فإتخاذ القرار ات على المستوى المحلي يخضع لاعتبارات آنية وشخصية دون الإستناد إلى إستراتيجية واضحة في مجال التدبير، أضف إلى ذلك ضعف الأجهزة المكلفة بدراسة التوقعات من أجل تنفيذ البرامج فالواقع المحلي أبان على مجموعة من الإختلالات في التدبير المحلي بالرغم من المراقبة المتعددة على القرارات، فالجودة تبقى ضعيفة.
ولعل من مظاهر ضعف الجودة كثرة المشاريع الفاشلة نتيجة لغياب الدراسة المسبقة وازدياد ظاهرة المشاريع المتعثرة والغير ملائمة والتي تبقى مردوديتها ضعيفة، إضافة إلى إرتفاع التكلفة أمام تدني المردودية نتيجة لقرارات إرتجالية وغير فعالة، بسسبب ضعف البرمجة والتخطيط بحيث يتم إنفاق مبالغ ضخمة على مشاريع كبرى تبقى غالبا مجمدة إما لأسباب مادية أو تقنية أو لغياب الدراسة المسبقة للجدوى الإقتصادية من إنجازها، وفي نفس الوقت نجد عدم قدرة الجماعات المحلية على تدبير المشاريع الكبرى نظرا للإمكانية المحدودة وعدم توفرها على مصالح تقنية مدعمة بموارد بشرية مؤهلة للإشراف على عملية إعداد الصفقات المحلية والعمل على تتبعها.
الفرع الثالث: سبل تطوير القرار المالي الترابي
بعد وقوفنا على بعض من مكامن الخلل التي تطبع صيرورة القرار المالي الترابي و انعكاساتها على الوضعية الصحية للجماعات الترابية ، سنحاول من خلال هذا الفرع عرض اهم المداخل الكفيلة ، الى حد ما، بعقلنة التدبير المالي الترابي و تطوير استقلالية القرار المالي الترابي، لا سيما المرتبطة بتعزيز الموارد البشرية و المالية، او القانونية.
الفقرة الاولى: تأهيل الموارد البشرية للجماعات الترابية
يعتبر العنصر البشري احد المقومات الاساسية لتحقيق الحكامة الجيدة، باعتباره القلب النابض و المحرك الحقيقي للفعل المحلي بشتى جوانبه الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، و بذلك فإن التكوين و التأهيل اللائق هو السبيل الكفيل بتطوير الكفاءة و المهارات و قدرات المنتخب و الموظف الجماعيين،[8]من اجل النهوض بالاختصاصات الموكولة للجماعات الترابية او التي من الممكن نقلها لها في اطار الجهوية المتقدمة، فممارسة الاختصاصات بشكل حقيقي من خلال ترشيد استخدام الموارد يقتضي تحسين القدرات التقنية للمنتخبين و الموظفين الجماعيين في مجال التنمية المحلية.[9]
اولا: تأهيل الموظفين الجماعيين
ان جودة و فعالية القرار المالي الترابي يتوقف على توفير كفاءات نوعية قادرة على مسايرة التوجيهات و التحديات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و التقنية و المتغيرات التي تعرفها كل مجالات التدبير المحلي، و هنا تبرز اهمية اصلاح نظام الوظيفة الجماعية و ضرورة التكوين الموظف الجماعي كمدخل لخلق وظيفة محلية قادرة على الاستجابة لتنفيذ قرار مالي ترابي يستجيب لمتطلبات الحكامة المحلية.[10]
· اصلاح نظام الوظيفة الجماعية:
ان النظام الاساسي الخاص بالموظفين الجماعيين المحدث بموجب مرسوم 27 شتنبر 1977، لم يراعي خصوصية الوظيفة العمومية المحلية ، و انما اخضعها لنفس الضوابط و المبادئ المنظمة للوظيفة العمومية، مما يفرض مجموعة صعوبات و سلبيات، و لتجاوز ذلك يتعين اقرار قانون خاص بالوظيفة الجماعية يعمل على توفير الشروط اللازمة لجعل الوظيفة الجماعية اكثر جاذبية، اضافة الى تطبيق اطار حديث لتدبير الموارد البشرية يأخذ بعين الاعتبار الانتاجية و الاداء. و ذلك من خلال استراتيجية شاملة تقوم على:
- اعادة النظر في الطرق التقليدية للتوظيف حتى لاتصبح الوظيفة العمومية المحلية مجرد الية لاحتواء المشاكل الاجتماعية مثل البطالة، بدل التعامل معها كبنية شمولية ذات ابعاد اقتصادية تنموية.[11]
- التوظيف عن طريق التعاقد بالنسبة لبعض المناصب التقنية و الدقيق، و فتح مجال التعاقد بالنسبة لبعض الوظائف المتعلقة بانجاز مهام محددة خلال فترة معينة.
- التركيز على التدبير التوقعي و الاستراتيجي للموارد البشرية يراعي حاجيات الجماعات الفعلية و الامكانات المتاحة.
- وضع اليات للحركية الوظيفية و اعادة انتشار الموظفين.
- اعادة النظر في عملية تقييم الموظفين القائمة على نظام التنقيط السنوي، و بناء على اسس علمية واضحة و مقاييس محددة تاخد بعين الاعتبار الانتاجية و الاداء.
· تكوين الموظفين الجماعيين: كضرورة ملحة فرضتها الاكراهات التي تعرفها جل الجماعات و المتمثلة على وجه الخصوص في احتلال اجور الموظفين المرتبة الاولى على مستوى نفقات التسيير، حيث ان المعدل في هذا الشأن يصل الى 60%،[12]، و مرد ذلك عمليات التشغيل التي همت الاطر العليا سواء تلك التي حصلت سنة 1989، او تلك التي وقعت بتعاون مع المجلس الوطني للشباب و المستقبل، و التي تميزت بعدم انسجام التخصصات مع طبيعة الوظيفة العمومية المحلية؛ من هنا ضرورة الاهتمام بمسألة التكوين و التكوين المستمر و الذي يفرض ضرورة الرفع من عدد مراكز التكوين و اللجوء الى التعاقد مع الجامعات من اجل سد النقص الذي بات يعتري مراكز التكوين لا من حيث العدد و لا من حيث المناهج المعتمدة.
كما يجب ان يشمل التكوين جميع المستويات العلمية و كذلك الاطر الادارية و التقنية، و ان لا يقتصر على المعارف و المعطيات الادارية الصرفة، بل يجب ان تيعداها لبعض الميادين الجديدة و التقنيات الحديثة، لا سيما المتصلة بالتدبير المالي و المحاسبي.[13]
ثانيا: تاهيل المنتخب الجماعي:
على الرغم من المقضيات التي اقرها الميثاق الجماعي لسنة 2002 من اجل تحسين نظام المنتخب الجماعي الا انه لم يتص صراحة على حق المنتخب في التكوين امام المهام المتشعبة التي يمارسها سواء على مستوى الجهاز التنفيذي او الجهاز التداولي و التي تقتضي ضرورة المامه بجميع القوانين و الانظمة و الاجراءات الضرورية التي تسمح له بحسن ادراك نتائج الاختيارات الاستراتيجية التي يتخذها[14]، سيما و ان المشرع لم يشترط في من يزاول رئاسة المجالس الجماعية سوى التوفر على مستوى تعليمي يعادل على الاقل مستوى نهاية الدروس الابتدائية، و هو ما يطرح اشكالا حقيقا لدى الرئيس خاصة في الجماعات الحضريةو القروية باعتباره المنفذ لمقررات المجلس المحلي و الامر بالصرف.
و هنا يمكن الاشارة الى المناظرات الوطنية للجماعات المحلية كاطار لتكوين المنتخب الجماعي الا انها ظلت محدودة لا بالنظر لعددها ( ستة المناظرات اولها انعقدت بمراكش سنة 1977 تحت عنوان " من الوصاية الى التعايش" و اخرها سنة 1994 بتطوان تحت عنوان "تكوين و اعلام المنتخبين الجماعيين") فهذه المناظرات و ان كانت تحقق فوائد ايجابية من حيث فتح الحوار بين المهتمين و الممارسين و المسؤولين فان ما يعقب عليها هو انها لا تكتسي طابعا دوريا و منتظما يتم من حلالها الوقوف على الحصيلة السنوية للتجربة الجماعية و ابراز ميادين خللها و اقتراح السبل اللازمة لمعالجتها[15].
و نظرا لاهمية التكوين المنتخب الجماعي و التي اصبحت ضرورة حتمية و مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الكل ، المستشار الجماعي نفسه و الهيئات السياسية و المناهج التربوية و التعليمية، الاعلام ، الدولة ، لانه عندما يفتقر المنتخب الجماعي للتجربة و الحنكة و التكوين فإن ذلك يؤدي الى تبعيته الفعلية لرجل السلطة الوصي عليه، و هو ما يمس بلامركزية القرار المالي الترابي و استقلاليته. بالتالي الحاجة الى البحث عن بدائل من اجل النهوض بوضعية المنتخب الجماعي، و ذلك من خلال :
- احداث مراكز جهوية متخصصة في تكوين المنتخب تبرمج بانتظام دورات تكوينية لرؤساء المجالس الجماعية تهم المواضيع الحساسة في تسيير و تدبير الشأن العام المحلي.
- ابرام اتفاقيات للتعاون المشترك بين الجامعة و الجماعات الترابية تهدف الى تشجيع و تمويل الابحاث و الدراسات العلمية التي تتناول اساليب و تقنيات التدبير الجماعي.
- اصدار دليل المستشار الجماعي يشمل معظم النصوص القانونية ، و المناشير و الدوريات التي لها ارتباط بميدان التسيير الجماعي و العمل على اصدار المذكرات التي تعنى بشرح و تبسيط القوانين و المساطر المنظمة للعمل اليومي للادارة الجماعية.
و علاوة على هذه الاليات لا بد من وضع استراتيجية واضحة تستهدف تكوين المنتخبين الجماعيين في اشار شراكة بين الدول و الجماعات الترابية، و رصد الامكانيات المالية اللازمة لتطبيق هذه الاستراتيجية، من خلال احداث فصل في ميزانيات الجماعات الحضرية و القروية مخصص لتغطية تكاليف الدورات التكوينية لمستشاريها، على ان تقوم الدولة بتقديم اعانات و مساعدات للجماعات التي لا تتوفر على موارد كافية لتمويل حلقات التكوين و استكمال التكوين.[16]
كما يمكن الاستفادة ايضا، في هذا الاطار من التجربة الامريكية حيث تربط ممارسة اعمال رئاسة المجالس الجماعية بقبول البرنامج الذي يتقدم به المترشح الفائز في الانتخابات و الذي تتم مناقشته و تقييمه امام لجنة تتولى اختيار رئيس المجلس الجماعي الكفؤ.
الفقرة الثانية: تاهيل الموارد المالية الترابية
على ضوء الحصيلة التشخيصية للاكراهات المالية التي تواجه القرار المالي الترابي، يتضح ان الوضعية المالية الحالية للجماعات الترابية لا تتماشى و حجم الادوار التنموية المنوطة بها، مما يستدعي اعادة النظر في الميزانيات المخصصة له، من خلال:
- تعزيز الموارد المحولة ، و الرفع من حصة الجهات من الضريبة على الدخل و الضريبة على الشركات من 1%الى 5% كحد ادنى (3.3 مليار).
- تقسيم واجبات التسجيل و الضريبة الخصوصية السنوية على السيارات بالتساوي بين الدولة و الجهات (3.25 مليار درهم).
- رفع حصة الجهات من الرسم المفروض على عقود التأمين من 13% الى 25%(160 مليون درهم).
- ضمان استفادة الجهات من جزء من المداخيل الضريبة عيى القيمة المضافة و رصد هذا الجزء حصريا لبرامج استثمارية.
و هو ما سيدعم موارد الجهات من 1.5 مليار درهم الى ما لايقل عن 8 ملايير درهم (2009 كأساس)، اي خمسة اضعاف الموارد الحالية.[17]
- تنمية الموارد الذاتية للجماعات الترابية:
و في هذا الصدد يتعين:
- تطوير الضرائب التي تقتسم مع الدولة، و تحسين مردودية هذه الضرائب من خلال اصلاح القواعد المحددة لوعاء الضرائب المعنية، و تنويع الجبايات المحلية، و يمكن الاستفادة في هذا الصدد من التجارب الدولية بفرض " الضرائب البيئية" و ترتكز هذه الضرائب على مبدأ " الملوث يدفع".
- توسيع نطاق تطبيق بعض الضرائب ، على غرار الرسم المفروض على انشطة الموانئ، اذ ينبغي دراسة امكانية تطبيقه على انشطة المطارات و النقل عبر الطريق السيار.
- تعزيز عائدات الاملاك الجماعية: و يتطلب هذا الامر العمل مسبقا على تحديث الاطار القانوني المنظم لها و تبسيط المساطر و طرق استغلالها.
- الالتزام بإحصاء شامل لكافة الممتلكات الجماعية و مسك محاسبة خاصة بالممتلكات تبرز قيمة الملك عند القيمة و قيمته المحينة في تاريخ معين، لا سيما عند الجرد.
- اخضاع المسطرة الخاصة بالكراء او تفويت الاستغلال او الملكية لمنهجية الدعوة الى المنافسة.
الفقرة الثالثة:التخفيف من الوصاية و الانتقال الى التدبير المبني على النتائج:
على الرغم من ان الممارسة المحلية اتبتث تقييد ثقل الوصاية الممارسة على المجالس المنتخبة لهامش حرية المنتخبين، الا انه لا يمكن الغاء هذه المراقبة على اعتبار أن الاختلالات سوف تزداد اكثر ع الغاءها و بالتالي ضرورة البحث عن بدائل اخرى من اجل عقلنة القرار المالي الترابي.
و في هذا الاطار، تعطينا التجربة الفرنسية نموذجا للتطور الذي عرفه المبدأ الوصائي ، عبر محطتين و هما مرحلة التعاون التعاقدي ثم مرحلة التعاون التشاوري و لقج انبنى هذا التطور على الغاء تدريجي للوصاية التقليدية و تماثل ذلك مع احترام موازي لمبدأ المشروعية مع التركيز على مبدأين اساسيين في هذا النمودج هما حرية التسيير الاداري و مبدأ حرية التسيير المالي اللذين يعبران عن توجه ليبرالي في الادارة الحديثة و يتطابقان مع المسؤوليات الاقتصادية و الاجتماعية الجديدة المناطة بالجماعات المحلية.[18]
و في اتجاه اكثر ملائمة لعقلنة القرار المالي الترابي، فإن ضرورة الانتقال الى مقاربة جديدة في التدبير قائمة على تقييم النتائج أو ما يصطلح عليه ب"التدبير المبني على النتائج" كنمط من انماط التدبير المندمج الذي يهدف الى تحقيق نتائج قابلة للقياس و الوصف انطلاقا من تحديد الغايات و الاهداف و الاستراتيجيات المحددة بوضوح و تعبئة كافة الموارد المختلفة لتنفيذ الانشطة تنفيذا فعليا.[19]و بالتالي تحديث التدبير عبر استهداف النتائج بواسطة منهجية التخطيط الاستراتيجي التشاركي و التتبع و التقييم و التدبير المالي و التحكم في دورة التدبير.[20]
ان الجماعات المحلية عن طريق هذه الالية ستكون ملزمة ببلوغ الاهداف التي من اجلها خصصت الاعتمادات، و على اساس ذلك يبقى على الادارة المركزية ان تضع لها الوسائل الكفيلة لانجاز البرامج المحددة، الشيء الذي ينعكس ايجابا على اوجه استعمالات الاموال العامة، حيث يرتبط كل قرار مالي متخذ لانجاز اي مشروع من قبل الجماعات المحلية مباشرة بتحقيق اهداف محددة، مما يوفر للمنتخبين المحليين حرية اكبر تؤدي الى توسيع هامش مسؤوليتهم عننتائج تسييرهم، الشيء الذي يسهم في النهاية الى الارتقاء بالعلاقة التقليدية التي تجمع الجماعات الترابية بالادارات المركزية و ارساء علاقة جديدة تتحول بمقتضاها الجماعات الترابية الى اجهزة فعالة لاتخاذ القرارات و انجاز البرامج في اطار علاقة تعاقدية صريحة بين الطرفين.[21]
• المراجع بالعربية:
- المصطفى بلقزبور،توزيع الاختصاص بين الدولة و الجهات (أي نموذج ممكن في أفق مغرب الجهات)، السلسلة المغربية للبحوث الادارة و الاقتصاد و المال، العدد الثاني.
- مكاوي نصير، تدبير مالية الجماعات المحلية (تدبير النفقات المحلية على ضوء القانون 45.08 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية و مجموعاتها)، الطبعة الاولى 2011
- كريم لحرش، مغرب الحكامة ( التطورات، المقاربات، والرهانات)، الطبعة الثانية 2011
- عبد اللطيف برحو، مالية الجماعات المحلية بين واقع الرقابة و متطلبات التنمية.
-
- كريم لحرش، تدبير مالية الجماعات المحلية بالمغرب، الطبعة الثانية 2011
- نعيم ابراهيم، اساسيات الادارة، المبادئ و التطبيقات الحديثة. إربد: عالم الكتب الحديثة،2009
- سعيد جفري، الحكامة و أخواتها(مقاربة في المفهوم و رهان الطموح المغربي)، الطبعة الاولى 2010
· التقارير:
- تقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية المتقدمة
- التقرير السنوي للمجلس الاعلى للحسابات 2011
- تقري حول انشطة المجلس الاعلى للحسابات برسم سنة 2010، الجريدة الرسمية عدد 6032 مكرر، -29 ربيع الثاني1433 (22 مارس 2012).
- المملكة المغربية، وزارة الداخلية، المديرية العامة للجماعات المحلية، الجماعات المحلية في ارقام، طبعة 2009.
• المراجع بالفرنسية:
- Fabrice robert, les finances locales, la documentation francaise.
- Jilali chabih, les finances des collectivités locales au maroc : Essai d’une approche globale des finances locales.
- M.amal mecherfi, les finances des collectivités locales dans les états du Maghreb (actes de VIémes journées Maghrébine de droit : Marrakech les 15,16 avril2011.
- Landry Ngono Tsimi, L’autonomie administrative et financière des collectivités territoriales decentralisées (l’example du cameron), these pour le doctorat en droit public 2010, université Paris- Est Cretiel Val-de-Marne.
- Francois Paul Yatta, La governance financière locale, partenariat pour le dévellopement municipal (PDM), article.
[18] Presstetouan.com/files1294583378
19 بلغوفي بنيونس ، التدبير المرتكز على النتائج، مقال منشور على الموقع الالكتروني: almadrassa.marocs.net/t1014- topic
شاركنا بتعليقك...