-->
علوم قانونية وادارية علوم قانونية وادارية

اخر المواضيع

جاري التحميل ...

تخصص القضاء أو القاضي


تخصص القضاء أو القاضي

تخصص القضاء أو القاضي
تخصص القضاء أو القاضي

مفهوم تخصص القضاء أو القاضي:
يقصد بتخصّص القاضي تقييده بالنّظر في منازعات فرع محدّد وواحد من فروع القضاء المختلفة له تشريعاته الخاصة وله فقهه الخاص بحيث يسهل عليه فهم كل ما يثور من مشاكل معينة داخل فرع معين فهما دقيقا و متعمقا.[1]
مزايا تخصص القضاء أو القاضي:

ممّا سبق يمكن إجمال مزايا نظام التخصص فيما يلي:

- تمكين القاضي من الإلمام بنوع معين من النصوص: لا شك أنّ أول ميزة يكلفها نظام تخصّص القضاء هو أنّه يمكّن القاضي من الإلمام بنوع محدّد من النصوص بما يجعله أكثر تعمّقا في الكشف عن مقاصد المشرّع و خفايا هذه النّصوص.
- تمكين القاضي من متابعة الدراسات الفقهية في مجال محدّد: إنّ القاضي المهتم مثلا بالمجال الإداري يفرض عليه تخصصه القضائي من أن يتبع حركة الدراسات الفقهية ليعلم ما استجد من أمور في دائرة الفقه. وهو  ما يؤدي في النّهاية إلى تنمية قدراته القانونية ورفع مستوى تأهيله.
- تمكين القاضي من متابعة الدراسات الفقهية في مجال محدد: متى تخصص القاضي في نوع محدد من القضايا، وتعود على تطبيق نوع معيّن من النصوص التشريعية، و تابع الدراسات الفقهية في مجال تخصصه، وجب عليه بالمقابل أن يتبع حركة الاجتهاد القضائي في مجال محدد من المنازعات التي تعود النظر فيها ليكشف عن موقف الجهة القضائية المنوط بها صلاحية الاجتهاد بشأن تفسير نص معيّن مثلا.
 تمكين القاضي من تقديم مردودية أفضل: لا يخفى على أحد في عصرنا الحاضر تزايد عدد المنازعات المعروضة على القضاء و تنوعها. وواكب هذا تعدد القوانين و تطورها المستمر، بحيث أضحى من غير المتصوّر أن تعرض على القاضي في جلسة واحدة و جلسات مجموعة من القضايا تحكمها نصوص مختلفة و متباينة لأن ذلك يفترض كما قال الدكتور أحمد السيد صاوي وجود القاضي الموسوعة وهذا فرض غير واقعي[2]. بل وحتى ولو سلّمنا بوجود هذا النّوع من القضاة فإنّهم سوف لن يجدوا من الوقت و الجهد ما يمكنهم من ملاحقة سيل القوانين، وهذا أمر سيعود بالضرر على المتقاضين أنفسهم لأنه أمام سيل القوانين و كثرة الملفات سيضطر القاضي إما للتعجيل في إصدار الأحكام دون رؤية. وإمّا أن يتروى فيترتب على ذلك تأخير الفصل في المنازعات و في الحالتين لا تستقيم العدالة.[3] من أجل ذلك عمدت كثير من الأنظمة القضائية إلى الأخذ بنظام تخصص القضاء رغم ما يفرضه من إمكانات مادية و بشرية.
موقف المؤتمرات الدولية من نظام تخصص القضاء:
نظرا لأهمية فكرة التخصّص فقد أفرد لها الإتحاد الدولي للقضاة العديد من المؤتمرات منها مؤتمر روما (من 11 إلى 13 أكتوبر 1958)[4]  ومؤتمر نيس (من 4 إلى6 أكتوبر 1972)  و مؤتمر ريو ديجانيرو (من 28 إلى 2 ديسمبر 1978).    
وعلى صعيد  آخر صدرت كثير من التوصيات عن مؤتمرات كثيرة منها المؤتمر الدولي السابع لقانون العقوبات الّذي عقد في أثينا سنة 1957 و الّذي أوصى "...أنّه كي يمارس القاضي الجنائي سلطته التقديرية على نحو سليم ينبغي أن يكون قد تلقى تأهيلا ودراسة جنائية مناسبة..." وتأكّد هذا الأمر في المؤتمر الدولي لقانون العقوبات المنعقد في نشبونة 1966 الّذي أشار إلى ضرورة تحقيق التكوين العلمي للقاضي الجنائي وإحاطته بالمعلومات الضرورية عن مختلف العلوم الإنسانية، بل وأكثر من ذلك دعى بعض الفقهاء إلى ضرورة تفريع القضاء الجنائي إلى دوائر متخصصة في جرائم المخدرات وأخرى للاختلاسات و غيرها. 
ففي كل مرة وبحسب ما تشير إليه توصيات الإتحاد الدولي للقضاة كان مندوبو الدول المختلفة يثيرون مسألة التخصّص في مجال القضاء و يركزون على دورها وأهميتها في رفع مستوى العمل القضائي لأنّهم أعلم من غيرهم من أنّ القاضي لا يستطيع أن يعمل بالموازاة في كل دوائر القضاء و هياكله المختلفة لأنّ لكل فرع قضاياه و مميزاته، وإذا تخصّص القاضي في نوع محدّد من القضايا وجب أن نعمل على إعداده و تكوينه وإخضاعه لفترات تدريبية كلما اقتضى الأمر ذلك.
ولاشك أنّ المشرّع الجزائري وهو يفصل بين جهة القضاء العادي و القضاء الإداري أراد أن يعطي فرصة للقاضي الإداري خاصة ليتفرغ للبت في نوع محدّد من المنازعات ليزداد علمه بها، وتمرسه عليها، بما يحقّق للقطاع مردودية أفضل تعود على المتقاضين و على العدالة ذاتها.
4- توفر الجانب البشري: 
شكلت هجرة القضاة الفرنسيين و عودتهم إلى وطنهم عائقا بالنّسبة للسلطة العامة فعمدت إلى إتباع نظام وحدة القضاء، ولو بأسلوب متميّز باعتباره نظاما بسيطا غير معقّد و لا يتطلب كفاءة عالية لدى القضاة. ولا يتطلب أيضا هياكل قضائية كثيرة.
و الآن وبعد تجربة أكثر من ثلاثة عقود من الزمن على مستوى المؤسسة القضائية، وبعد أن تعززت هذه الأخيرة بالجانب البشري، والتحق بها مئات القضاة، مكّن ذلك السلطة العامة من أن تفصل بين جهة القضاء العادي و القضاءالإداري، فالإحصاءات الرسمية حتى سنة 1998 تشير أنه يوجد عبر التراب الوطني 2364 قاضيا و 170 محكمة و 31 فرع محكمة و 31 مجلسا قضائيا، وسطرت الوزارة المعنية سنة 1997 برنامجا لفتح 17 مجلسا قضائيا جديدا.[5]
ولقد أشار السيّد رئيس مجلس الدولة في أول تدخل له بمناسبة افتتاح السنة القضائية 98- 99 إلى بعض الأسباب الّتي أدت إلى إنشاء مجلس الدولة بقوله: " وبسبب الصعوبات الّتي عرفتها البلاد بعد الاستقلال، خاصة نقص الإطارات، فانّ المشرّع رجّح التنظيم القضائي الموحّد وفي ظل هذا النظام كان القاضي يفصل في المنازعات القائمة بين الأشخاص ويفصل أيضا في المنازعات القائمة بين الأشخاص و الإدارات".
إنّ ضرورة تنظيم دولة عصرية، وتزايد في عدد القضايا وخصوصياتها، أدى بالسلطات العمومية إلى إنشاء قضاء مزدوج. وراح بعد تبيان الأسباب يوضح أهداف الإصلاح القضائي الجديد ولخصه في:
- احترام الحريات الفردية والجماعية للمواطنين.
- احترام الحريات السياسية التي تفرضها الديمقراطية.
- احترام الفصل بين السلطات.
- جعل القانون فوق الجميع بالنسبة للمواطنين و الإدارة على حد سواء.[6]  وحسب تصريح مجلس الدولة فان عدد القضايا المرفوعة أمامه في تزايد مستمر فخلال الثلاث السنوات الأخيرة بلغ عدد القضايا التي فصل فيها مجلس الدولة 1551 من أصل 1874 قضية مسجّلة احتلت فيها وزارة التربية المرتبة الأولى من حيث القضايا المسجّلة و المقدّرة بـ 926 فصل فقط في 769 منها.[7]
5- تطور للمجتمع الجزائري:
لقد عرف المجتمع الجزائري تحوّلات كبيرة على الصعيد السياسي والاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي خاصة بعد المصادقة على دستور 1989 و التعديل الدستوري لسنة 1996 وهذا التغيير الّذي شهد تنوّعا كبيرا في المبادئ والأحكام.[8]
فعلى الصعيد التشريعي تمّ الانتقال من نظام الغرفة الواحدة المعمول به منذ الدستور الأول للبلاد إلى نظام الغرفتين الّذي أقرّ ابتداء من دستور 1996.[9] وفي مجال الحقوق الأساسية تم الإعلان على حريات وحقوق جديدة  لم تكرس في الدساتير السابقة من قبيل ذلك حرية الصناعة و التجارة التي أقرّت بموجب المادة 37 من الدستور، وكذا حياد الإدارة موضوع المادة 23 من الدستور كضمانة أساسية لعدم تعسفها أو ميلها و تحيزها و دعمها لاتجاه سياسي معين.
 وبإقرار التشريع الأساس و تغيير مبادئه وأحكامه شهدت البلاد تغييرا على مستوى المنظومة القانونية في المجال الاقتصادي و المالي فمسّ التغيير و التعديل قانون الاستثمار و الضرائب وقانون الجمارك والقانون البحري و قانون القرض والنقد و القانون المدني و القانون التجاري و القانون الجوي و غير ذلك من النصوص كثير.
وإزاء هذه الثورة التشريعية الّتي عاشها المجتمع الجزائري في مختلف المجالات   كان لزاما على المشرّع واستكمالا لسلسلة ومسار الإصلاح التشريعي أن يعلن عن استقلالية القضاء الإداري عن القضاء العادي.
 6- أسباب علمية وقانونية:
إنّ نمط القضاء الإداري بالشكل الّذي كان سائدا في ظلّ النظام القضائي الموحد نتج عنه وبحسب التصريحات الرسمية الكثير من العقبات من النّاحية الإجرائية و القانونية و هذه الإشكالات تسبب من وجهة نظر البعض في ظهور هذا الإصلاح و هذا التعديل.[10]. إنّ نظام الازدواجية و تبعا لما عرفه المجتمع من تطور على جميع الأصعدة و في مختلف المجالات من شأنه أن يشكل  دفعا قويا بهدف تطوير مرفق العدالة و تحسين خدماته بما يعود بالنفع على المتقاضين بشكل خاص.
ومهما يكن من أمر فانّ سبب تبني نظام الازدواجية وإنشاء هياكله من مجلس للدولة و محاكم إدارية و محكمة للتنازع يدخل في سياق السياسة العامة للدولة والثورة التشريعية الّتي أحدثتها بهدف مواكبة تطور المجتمع وسد ثغرات ونقائص المراحل السابقة. خاصة وأن الخطاب الرسمي ابتداء من إقرار دستور 96 وعلى جميع المستويات كثيرا ما كان يسلط الضوء على المراحل السابقة و يصنفها بنعوت سيّئة. ومن هنا كان على السلطة أن تدخل في مرحلة من التغيير النوعي لتكسب ثقة المواطن خاصة  و أنّ الأمر يتعلّق بمرفق القضاء وهو مرفق يتردّد عليه الأشخاص كثيرا ويعلقون عليه آمالا كبيرة في مرحلة التقويم و التغيير.[11]
ثالثا من حيث الإجراءات
 لقد سن المشرع الجزائري بموجب القانون 08/09. المؤرخ في 25 فبراير 2008 نظاما حرص من خلاله على تكريس فكرة التميز الإجرائي للمنازعة الإدارية. وهو ما تأكد من خلال تسمية هذا القانون بالإجراءات المدنية والإدارية وتأكد من خلال النصوص أو الفصل في الأحكام بين القضاء العادي والإداري.


[1] أنظر الدكتور محمد كامل عبيد استقلال القضاء، مطبوعات نادي القضاة المصري، 1991، ص 436.

[2]  الدكتور أحمد سيد صاوي الوسيط في قانون المرافعات المدنية و التجارية القاهرة، دار النهضة العربية، 1990، ص 306.   

[3]  الدكتور أحمد سيد صاوي، المرجع نفسه، ص 306.                                                          
[4]     Enzo Merigiola, le juge dans la nouvelle société UNIM ROMA 1980 P75.
[5]  أنظر الجريدة الرسمية لمداولات مجلس الأمة، العدد 02، مارس 1998، ص 17.
[6]  أنظر الجريدة الرسمية لمداولات مجلس الأمة، العدد 02، مارس 1998، ص 17.
[7]   التصريح منشور في جريدة الخبر بتاريخ 3 جوان 2007 ص 7.
[8]  لمعرفة أثر تطور المجتمع  على النظام القضائي راجع الدكتور حسن سيد بسيوني، موضع النظام القضائي الجزائري في الرقابة على الأعمال الإدارة، مجلة العلوم الإدارية الصادرة عن المعهد الدولي للعلوم الإدارية السنة السادسة و العشرون، العدد الثاني، 1984، ص 50.
[9]  أنظر  المادة 98  من الدستور.

[10]  أنظر محمد زغداوي، ملاحظات حول النظام القضائي المستحدث، مجلة العلوم الإنسانية جامعة قسنطينة العدد 10، 1998، ص 116.

2 جاء في خطاب رئيس الجمهورية أمام مجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 26 أوت 1999: " إنّني لا أقول أنّ العدالة هي السبب الوحيد في غياب الثقة ولكن بما أنّها لا تتحمّل مهمتها التوفيقية، فإنها تترك للتصرفات السلبية الصادرة عن المؤسسات مختلفة للدولة... إنّ المجتمع يتأذى من غياب العدالة أكثر مما يتأذى من قصور مرفق من المرافق الهامة الأخرى أو إدارات الدولة لأن العدالة هي الملاذ الأخير و الحصن المنيع الذي يلوذ إليه المرء قبل الاستسلام لليأس...".  

شاركنا بتعليقك...

التعليقات



، اشترك معنا ليصلك جديد الموقع اول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

احصائيات الموقع

جميع الحقوق محفوظة

علوم قانونية وادارية

2010-2019