حقوق الدولة وواجباتها.. دراسات دولية
الدكتور: خليل الاعسم
حقوق الدولة وواجباتها.. دراسات دولية. الدكتور خليل الاعسم. معهد الهلمين للدراسات العليا
من المعروف ان الدولة شخص من الاشخاص القانون الدولي ذو اهلية, له حقوق وعليه واجبات دولية, ويملك القدرة على المحافظة على حقوقه بأثارة مطالبات دولية.
ولقد كان تحديد حقوق الدول وواجباتها محل اهتمام رجال القانون الدولي منذ عهد بعيد, كذلك قامت الهيئات العلمية بتناول نفس الموضوع واتخاذ قرارات بشأنه. ورد ذكر صريح لحقوق الدول وواجباتها في مواثيق دولية متعددة واهمها:
مشروع الاعلان الصادر عن الجمعية "العامة للأمم المتحدة رقم 375 (4) لعام 1949م, بشأن حقوق الدولة وواجباتها وهو يتألف من (14), مادة تتضمن اربعة حقوق وعشرة واجبات.
فحقوق الدولة التي نص عليها هذا المشرع هي: الاستقلال, السيادة, المساواة في القانون, والدفاع عن النفس.
إما واجباتها فهي عدم اثارة الحروب الاهلية واحترام حقوق الانسان والحريات الاساسية, وعدم تهديد السلم, وتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية, وعدم اللجوء إلى الحرب, وعدم مساعدة الدولة المعتدية, وعدم الاعتراف بالاحتلال الحربي, وتنفيذ المعاهدات والتقيد بالقانون الدولي.
ويتفق الفقهاء عند الكلام عن حقوق الدولة وواجباتها ان يفرق فيها بين نوعين:
- حقوق طبيعية أساسية تثبت للدولة بحكم وجودها ذاته.
- وحقوق مكتسبة ثانوية تكتسبها الدولة عن طريق الاتفاق أو العرف وسوف نتناول بالبحث الحقوق الطبيعية الاساسية فقط لأنها ثابته وواحدة بالنسبة لجميع الدول, إما الحقوق المكتسبة الثانوية فتتعلق دراستها بالمواضيع المختلفة التي تصل بها. وتخضع في حكمها للمعاهدات أو العرف الدولي, وهي تخرج عن غرض هذا البحث, وتتناول بعد ذلك بالبحث الواجبات التي تترتب على الدولة مقابل تمتعها بتلك الحقوق.
الحقوق الطبيعية الاساسية للدولة:
اعتبر (حق البقاء) الشرط الاساس لجميع الحقوق الاخرى التي تثبت للدولة, لان عدم القدرة على الاستمرار في وجودها سيؤدي إلى زوال الشخصية القانونية الدولية لأية دولة عضوة في الاسرة الدولية. وتتبع هذا الحق حقوق اخرى هي في الواقع نتيجة له. ومتصل بعضها ببعض كحق الحرية وحق المساواة وحق الاحترام والمتبادل.
ويبدو من ناحية اخرى ان هنالك قيودا حديثة العهد نسبيا ومسلما بها على استعمال حق الدفاع عن النفس فالقوة المستخدمة للدفاع عن دولة ما يجب ان تتناسب بصورة معقولة مع الخطر الذي يجب تفاديه, وهناك في الوقت ذاته وجهة نظر واسعة الانتشار ترى لمسألة تقدير ما اذا كانت التدابير الدفاعية المتخذة من قبل دول ما ضرورية بالفعل, أو عدها مفرطة وزائدة عن الحد, يجب ترك البت فيها إلى قضاة مستقلين لا علاقة لهم بالنزاع, كمحكمة دولية أو هيئة تحكيم دولية أو حتى هيئة سياسية دولية كـ (مجلس الامن), مثلا تعمل كوكالة فضائية. ومن الواضح طبعا أن الاحكام الصادرة بالنتيجة تكون ذات اثر رجعي, بالنظر إلى ما تنطوي عليه من عنصر الوقت, فالخطر المباشر الذي يهدد الدولة بالفناء نتيجة للاعتداء المسلح عليها, أو الانشطة الناجحة للطابور الخامس, لاتسمح باللجوء إلى اجراء التحقيقات القضائية اللازمة لتحديد الوسائل التي يجب استخدامها لدرء الخطر قبل اتخاذ الخطوات المرغوب فيها.
ان حق الدفاع المشروع عن النفس يثبت للدولة كنتيجة لحقها في البقاء. وللدولة بموجب هذا الحق, الدفاع عن نفسها اذا اعتدي عليها لرد هذا العدوان ودفع الخطر الناتج عنه, الا انه يشترط لاستعمال الدولة هذا الحق ان يكون الاعتداء حالا والخطر واقعا أو وشيك الوقوع. بل تشترط المادة الحادية والخمسون من "ميثاق الامم المتحدة" وقوع الاعتداء فعلا وعندها تعلم الدولة المعتدى عليها "مجلس الامن" بالتدابير التي اتخذتها لهذه الغاية.
فان لم يكون الاعتداء حالا والخطر واقعا أو وشيك الوقوع فلا محل للدفاع فليس للدولة مثلا ان تبدأ بمهاجمة جارة لها بحجة الدفاع عن نفسها لان الدولة الثانية بلغت في تسليحها حد يخشى منه على الدولة الاولى. وان التسلح كان القصد منه الاعتداء على هذه الدولة. انما لها تتخذ عدتها لرد هذا الاعتداء ان وقع أو اصبح وشيك الوقوع, كان تكون الدولة الثانية قد حشدت جيوشها بالفعل على حدود الدولة الاولى بقصد مهاجمتها وشرعت فعلا في الاعمال المؤدية لهذا الهجوم.
1-حق منع التوسع العدواني:
يحق للدولة ان تتدخل بكافة الوسائل, بما في ذلك استخدام القوة للحيلولة دون توسع دولة ما على حساب جيرانها, وقد سارت السياسة الدولية في اوروبا بالفعل على نحو يتفق مع هذا القول, مستندة في ذلك الى فكرة التوازن الدولي, فعلى اساس هذه الفكرة اشتركت بريطانيا وفرنسا وحلفائهما في الحرب العالمية الاولى لوقف توسع امبراطوريتي المانيا والنمسا, وعلى اساسهما اعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على المانيا عام 1939م, بعد اعتداء المانيا على النمسا وتشيكوسلوفاكيا وبولونيا تباعا ذلك ان حق الدولة في البقاء مقيد بما لغيرها من الدول المحيطة بها من حق في البقاء ايضا.
وتجدر الاشارة هنا إلى ان جميع الحقوق التي يقرها القانون الدولي هي حقوق نسبية. فالدولة هي مقيدة في ممارسة حقوقها بواجب احترام حقوق الدول الاخرى, ويحد من حقوق كل دولة ما للدول الاخرى من حقوق.
أولا – حق البقاء:
ان ما ينطوي عليه "حق البقاء" من وجعة نظر عملية, هو الحق في بقاء مستمر, أي المحافظة على سلامة شخصية الدولة من خلال ممارسة حق الدفاع المشروع عن النفس أو أية آلية أخرى. ويشير هذا المفهوم في الحال عددا من الوسائل المهمة ويمكن القول: بصورة اولية انه يقع على عاتق الدول واجب احترام حق الدول الاخرى جميعا في البقاء. غير انه اذا قصد من هذه القاعدة ان تكون غير مرنة. واذا قصد منها ان تعتبر حقا مطلقا. فانه سيكون من الواجب جميع الدول حينئذ ان تسمح باي انتهاك ترتكبه احداها للمحافظة على بقائها ضد الاخرى وان تتحمله وفي الحقيقة لا يمكن الزام أية دولة بقبول هذا المعنى, وانما تستطيع بدلا من ذلك الدفاع عن نفسها, ويمكنها اللجوء إلى هذه الوسيلة بصورة مشروعة في حالة الضرورة الحقه غير انه لايمكن ترك امر تحديد مسألة هذه الضرورة لكل دولة تبت فيها بمفردها, ولك بالنظر إلى حقيقة معروفة تماما هي ان بعض الدول ترتكب العدوان ضد دول أخرى بحجة ضرورة الدفاع عن النفس وتحت قناعها.
ولقد ادى ظهور شبكة من المعاهدات (معاهدة حلف شمال الاطلسي ومعاهدة ريو, وحلف وارسو.. الخ), خلا العقود الاربعة الماضية إلى تغيير طفيف في النواحي العملية لحق البقاء وكما اشار احد الفقهاء فانه بالرغم من ان هذه المعاهدات كان الدافع اليها اعتبارات سياسية في الاساس, الا انها تمثل ضمانات للدول المتعاقدة ضد اعتداءات الدول الاخرى. ومن هنا نشأ للدول, على ما يبدو حق محدود البقاء وغير مطلق قانوني وسياسي على السواء.
ويقضي حق البقاء بان تعمل الدولة كل ما من شأنه ان يكفل بقاءها واستمرارها, وان تتخذ من التدابير ما يلزم لدفع ما يهدد وجودها من اخطار داخلية وخارجية على سواء.
ثانيا – الحقوق المتفرعة عن حق البقاء:
2-حق الدفاع الشرع عن النفس:
أ- مضمونه: مما لا شك فيه ان جميع الانظمة القانونية في العالم تعترف بحق الدفاع عن النفس وتؤيده. ولكن المشكلة تكمن في الظروف التي يمكن في ظلها اللجوء الى استعمال هذا الحق, وفي الوسائل التي يجب استخدامها في ممارسة هذا الحق, وقد اكد عدد من الفقهاء بان لجوء احدى الدول الى استعمال القوة له ما يبرره, حتى وان لم يشن هجوم مسلح عليها في سياق نزاعها مع دول اخرى.
ب-القيود المفروضة على حق الدفاع عن النفس.
شاركنا بتعليقك...