-->
علوم قانونية وادارية علوم قانونية وادارية

اخر المواضيع

جاري التحميل ...

أسس التكوين القانوني للباحث في الدراسات القانونية

محاضرة للدكتور : سليمان عبدالمنعم ( كلية الحقوق جامعة الإسكندرية )
ملاحظتان أوليتان، الاولى أن الأسس تتعلق بالركائز والبدايات لكنها بالطبع لن تغني لاحقاً عن موجبات التخصص والتعمق ومواصلة البناء؛ والثانية انها لا تقتصر بالضرورة على "الباحث" بالمعنى الحرفي بقدر ما تعني أيضاً كل ممارس للقانون أياً كان مجال الممارسة القانونية ، ففي كل ممارسة قانونية ثمة بعد بحثي ما.
الأساس الاول ان وحدة النظام القانوني ككل تنطوي على صلات متبادلة بين الفروع الأساسية للقانون التي بدون الإحاطة بها لا يكتمل ما يمكن تسميته بالبنية الأساسية infra structure للمعرفة القانونية. وهذه الفروع القانونية هي • المدخل للعلوم القانونية • النظرية العامة للالتزامات • النظرية العامة لقانون العقوبات • القضاء الإداري • الأحكام العامة للقانون التجاري • قانون المرافعات • قانون الإجراءات الجنائية. بالطبع تبقى كل فروع القانون مهمة ومطلوبة لكن لباحث قانوني مبتدئ فهذه هي مقومات البنية الاساسية التي لا غنى عنها، والتي قد تتآكل بسبب الاستغراق في التخصص.
الأساس الثاني- التحلي بالدقة والشمول في البحث عن مصادر الحكم القانوني للمسألة أو القضية محل البحث : التشريع والقضاء والفقه.
١- التشريع ، ننسى في غمار التسرع ان نراجع نص القانون. لا تبالغ كثيراً في الثقة بذاكرتك . تواضع قليلاً وارجع الى النص دائماً. وحين ترجع إلى النص لا تعتمد إلا على التشريعات المأخوذة من الجريدة الرسمية، أو مجموعات التشريعات الصادرة عن المطابع الأميرية. فيما عدا ذلك كن مستعداً للتعامل مع مفاجآت غير طيبة لعصر الخفة في النشر القانوني للتشريعات. وإذا رجعت إلى موسوعة قانونية الكترونية فالأفضل أيضاً ان تبحث عن التشريع في صورته الضوئية pdf
٢- أحكام القضاء لا تبحث عنها إلا من خلال مجموعة المكتب الفني لمحكمة النقض. تحلى بالحذر وأنت تستقي أحكامك من مصادر أخرى. العديد من أحكام اول درجة وأحكام الاستئناف تتسم بالأهمية والثراء لكنها للأسف لا تحظى بالنشر الدوري المنظم لأننا نفتقر إلى دوريات قانونية أسبوعية وشهرية تُعنى بنشر الأحكام القضائية والتعليق عليها على غرار ما يوجد في فرنسا مثلاً.
لقراءة الحكم القضائي أصول ومهارات سأخصص لها محاضرة مستقلة إذ يتوقف ما يمكن لنا أن نستخلصه من الحكم على مدى دقة قراءتنا له ومهارتنا في استقرائه. فلن يعثر على أفضل اللآلئ إلا الغواص الذي يذهب إلى الأعماق.
٣- الفقه، وهو لا يقتصر فقط على الاجتهادات والنظريات والتفسيرات لنصوص القانون ولكنه يتسع ليشمل تجليّات أخرى من الفكر القانوني التي تؤصل أو تستشرف وربما تصل إلى حدود ما يمكن أن أسميه بعلم المستقبليات القانوني. لا أملك ألا أن أقول لباحث قانوني إقرأ ثم إقرأ ثم إقرأ.. فأنت بقدر ما تقرأ.. قل لي كم ساعة تقرا كل يوم اقل لك من انت !! لكن ليس لي من نصيحة بشأن لمن تقرأ في الفقه القانوني. فقط أقول لك فيما يتعلق بالفقه الجنائي أنه يمكنك ان تبدأ في قراءة المراجع الأساسية لكل من الأساتذة محمود نجيب حسني، وأحمد فتحي سرور، وعوض محمد عوض ثم أكمل بمن تريد !!
تماماً كما انصح الباحثين الذين يمكنهم القراءة بالفرنسية بقراءة المراجع الأساسية لكل منGarraud و Garçonو Merle et Vitu أما بشأن الأعمال الفقهية المتعمقة في القانون الجنائي فأنا أنصح كل باحث جاد بألا يهدر فرصة أن يبدأ بقراءة الأعمال الإبداعية التالية : مشكلة المنهج في قانون العقوبات للدكتور جلال ثروت، والقاعدة الجنائية للدكتور عبد الفتاح الصيفي، ونظرية التجريم للدكتور رمسيس بهنام
الأساس الثالث- القراءة :-
تذكّر أننا إذا كنّا نكتب جيداً فلأننا نقرأ كثيراً. وانه لا يُتصوّر بغير القراءة الغزيرة أن نكتب بشكل جيّد. تأتي الكتابة العلمية ( والكتابة القانونية ) أحد تجلياتها نتيجة نوعية لتراكم القراءة . ألاحظ ان طلاب الماجستير والدكتوراه في القانون يكتبون بأكثر مما يقرأون . وهذه ظاهرة سلبية بكل المقاييس. المشترك بين القراءة والكتابة لطالب القانون ( والمشتغل به ) هو اللغة . واللغة هي أهم أدوات الباحث القانوني، إنها أداة مهنية بالأساس، تماماً مثلما يعتمد الطبيب أو المهندس أو الرسّام أو الموسيقي أو النجّار على " أداة " يمارس بها مهنته ، فاللغة هي الأداة التي يمارس بها القانوني مهنته بصفة أساسية. وكل محاولة للاعتقاد بإمكان ممارسة القانون بشكل جيد بدون لغة جيدة هي محاولة غير مجدية. لكن ليس مطلوباً بالضرورة أن نكون بدقة أو فصاحة فقهاء علوم اللغة، إنما المطلوب أن نكتب بلغة عربية سليمة ولو بسيطة ومقنعة ً في التدليل على الفكرة التي ندافع عنها.
نصيحتي الأولى أن تتذكّر أن قراءة كتاب متخصص أو بحث قانوني أو حكم قضائي أمرٌ يختلف كليةً وتماماً عن قراءة صحيفة أو رواية. فنحن في الغالب نقرأ الصحيفة أو الرواية من أجل المتعة أو التسلية بينما نقرأ المادة العلمية بالأساس من أجل الفائدة، ثم ان درجة التركيز والاستغراق المطلوبين تتفاوت بطبيعة الحال حيث تصبح في الحالة الثانية أعلى بكثير من الحالة الاولى. هذا لا يمنع أننا وبشكل عرضي قد نستمتع أحياناً بقراءة المادة العلمية ونستفيد أيضاً من قراءة صحيفة أو رواية، لكن الغاية الأساسية هنا قد تكون عرضيةً هناك. قراءة مادة علمية ليست التزاماً ببذل عناية ولكنها التزام بتحقيق نتيجة هي " الفهم" .
نصيحتي الثانية أن للقراءة أصولاً ومهارات . فقد يقرأ خمسة قراء المادة العلمية نفسها لكن توجد خمس قراءات تتفاوت فيما بينها من حيث التركيز ودرجة الإحاطة والتمكن وكم ونوع الأفكار التي يخرج بها كل قارئ.
١- إبدأ أولاً بقراءة أوليّة وشاملة للمادة العلميةككل بهدف الإحاطة بالأفكار العامة.
٢- قم ثانياً بقراءة تفكيكية إن جاز التعبير يتم فيها التركيز على كل فقرة أو فكرة على حدة، في هذه المرحلة الثانية إقرأ مرة واثنتين وثلاثة وأربعة حتى تستوعب الفكرة، وتذكّر أن هناك مادة قانونية أكثر صعوبة من مادة أخرى وبالتالي تحتاج إلى قراءة أكثر تركيزاً وتعمقاً، وداخل المادة الواحدة نفسها قد توجد فكرة أكثر صعوبةً من أخرى، فلا تصاب سريعاً باليأس أو الضجر إذا استشعرت أحياناً صعوبة فكرة، أساتذتك أنفسهم قد يقرأون الفكرة أكثر من مرة مثلك تماماً !
٣- حاول ثالثاً لبلوغ أعلى إنتاجية في القراءة أن " تدوّن" بقلمك ما خلصت إليه في قراءتك من خلال عناصر وأفكار وحبَّذا لو يكون ذلك بصياغتك الخاصة. فارق كبير ، أكبر مما تتصوّر ، بين الإحاطة الشفهية بفكرة علمية وبين ان تدوّن خلاصتها بقلمك .
٤- بتكرار هذه المحاولات واتخاذها منهجاً دائماً للقراءة ستصل ربما دون ان تدري إلى مرحلة التحليل والاستنتاج بل وقد تجد نفسك قادرا ً على الانتقاد والإبداع. لكن مرةً أخرى تذكّر أن شيئاً مما سبق لن يتحقق بالقراءة السطحية السريعة التي لا تدوّن خلاصاتها بقلمك. أجل فالكتابة الجيدة تتطلب قراءة جيدة والكتابة المبدعة تتطلب قراءة مبدعة ..
القراءة إذن ليست عملاً ذهنياً سلبياً كما يعتقد البعض بل هي عملُ إبداعي أيضاً. لكن ثمة استدراك واجب أن كل ما تحدثت عنه بشأن أصول القراءة ومهاراتها يفترض بطبيعة الحال أننا نقرأ مكتوباً راقياً رفيع المستوى. لا تلتفت إلى الكتابات السطحية الرديئة ولا تتخذ منها نموذجاً أو مقياساً مهما كانت ممهورةً بدرجة علمية فالعلم لا يُقاس بالدرجة الأكاديمية الممنوحة لكن تُقاس الدرجة الأكاديمية بالعلم. كيف تفرّق بين كتابةٍ وكتابة ؟ إجابتي هي اصنع تجربتك الخاصة ! لكن للباحث " ترمومتر" داخلي قلّما يخيب. هل فكرت مثلاً أن تقرأ نصاً مكتوباً في القانون المدني للسنهوري أو حسن كيرة وفِي القانون الجنائي لعلي زكي العرابي أو محمود نجيب حسني أو عوض محمد؟ أو بالطبع لآخرين غيرهم

شاركنا بتعليقك...

التعليقات



، اشترك معنا ليصلك جديد الموقع اول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

احصائيات الموقع

جميع الحقوق محفوظة

علوم قانونية وادارية

2010-2019