حق الولاية
من الحقوق الأخرى
التي تثبت للطفل بعد ولادته هو حق الولاية، فالطفل بعد ولادته يحتاج إلى من يقوم
بأمور حضانته وارضاعه كما يحتاج أيضاً إلى من يحفظه ويصونه ويربيه ويعلمه، ويحتاج
كذلك إلى من يتولى مسؤولية إدارة أمواله والمحافظة عليها وتنميتها.
وهكذا فإن الولايات التي تثبت على الطفل
بعد ولادته ثلاث ولايات الأولى: ولاية الحضانة ـ وقد سبق لنا البحث في هذا النوع
من الولاية،والثانية : الولاية على النفس ، والثالثة: الولاية على المال.
والولاية في اللغة تأتي بمعنى النصرة،
والولي هو الناصر([1])،
أما في الاصطلاح فقد عرفت الولاية بتعريفات عدة منها "تنفيذ القول على الغير
شاء أم أبى"([2]).
كما تعرف أيضاً بأنها "سلطة شرعية
يملك بها صاحبها حق التصرف في شؤون غيره جبراً عليه"([3]).
وتعرف الولاية كذلك بأنها "قيام
شخص كبير راشد على شخص قاصر في تدبير شؤونه الشخصية والمالية"([4]).
وتعرف أيضاً بأنها "سلطة شرعية
لرعاية مصالح القاصر منذ ولادته حتى بلوغه رشيداً"([5]).
ويلاحظ بأن هذه التعريفات تدور جميعها
حول معنى واحد يمكن أن نعرف الولاية من خلاله بأنها "سلطة شرعية يملك بها
صاحبها حق التصرف في شؤون الغير الذي لا يحسن التصرف في شؤونه بنفسه"([6]).
وفي رأينا أن هذا التعريف تعريف جامع
مانع، فهو يقيد الولاية بالتصرفات الشرعية دون التصرفات غير الشرعية ، ويشمل هذا
التعريف كل شخص لا يستطيع إدارة شؤونه بنفسه فهو يشمل الصغير والمجنون والمعتوه
والسفيه وغيرهم ، كما يشمل من جانب ثالث التصرفات الفعلية والقولية التي يحق للولي
ممارستها والقيام بها.
المبحث
الأول
أنواع الولاية:
يقتضي منا بيان أنواع الولاية تقسيم هذا
المبحث إلى مطلبين يخصص الأول منهما لبيان أنواع الولاية في الشريعة الإسلامية ،
ويخصص الثاني لبيان أنواعها في القانون .
المطلب
الأول ـ أنواع الولاية في الشريعة الإسلامية:
أثبت فقهاء الشريعة الإسلامية كما أشرنا
على الصغير ثلاث ولايات الأولى ولاية الحضانة، والثانية ولاية النفس والثالثة
ولاية المال، ولما كان النوع الأول ـ ولاية الحضانة ـ موضوع بحثنا في الفصل الثالث
من هذه الدراسة لذا فإننا سنقصر البحث في هذا المطلب على النوعين الأخيرين ـ ولاية
النفس وولاية المال ـ ونخصص لكل منهما فرعاً مستقلاً.
الفرع
الأول ـ الولاية على النفس:
من أهم الولايات التي تثبت على الصغير
بعد ولادته هي الولاية على نفسه، وهذه الولاية تبدأ بعد انتهاء مدة الحضانة ، فيضم
الصغير إلى من له حق الولاية على النفس لكي يعمل على اتمام تربيته التي ابتدأت
بالحضانة ويعمل على حفظه ورعايته وصيانته حتى تنتهي مدة هذه الولاية، ومن هنا كانت
مهمة الولي في هذا النوع من الولاية مهمة صعبة وخطرة إذ أن له دوراً مهماً في حياة
الصغير وأثراً كبيراً في تربيته وتوجيهه الوجهة الصحيحة([7]).
ولهذا تعرف الولاية على النفس بأنها
سلطة التصرف الشرعي في نفس الغير بما يختص بتربيته والعناية بصحته وتزوجيه وتاجيره([8]).
وتمر حياة الصغير كما هو معروف بدورين،
الأول هو الدور الذي يكون فيه الصغير فاقداً للتمييز، وفي هذا الدور لا تكون
المسؤولية والتبعة ملقاة بكاملها على عاتق الولي وإنما يشاركه فيها الحاضنة فيقوم
الولي بتربية الصغير وتهذيبه والحفاظ على صحته، وتنمية مواهبه والمحافظة على دينه
وأخلاقه، والاشراف على حضانته لينشأ النشأة الصحيحة، فيما تقوم الحاضنة بتولي
مسؤولية اطعامه والباسه والاشراف على منامه وحاجاته الأخرى وامداده بالعطف والشفقة
والمودة([9]).
وهكذا يبدو في هذا الدور مدى التقارب
بين عمل الحاضنة وعمل الولي على النفس، إذ يشترك كلاهما في تنشئة الصغير ورعايته
وحفظه من أخطار الحياة وشرورها وتوجيهه الوجهة الصحيحة.
أما الدور الثاني من أدوار حياة الصغير
فهو دور التمييز وفيه يستقل الولي بأمور العناية بالصغير وحفظه وتربيته حتى يصل
السن الذي يمكنه من الاستغناء عن خدمة الولي والعناية بنفسه.
وإذا بلغ الصغير هذه السن وكان لا يزال
بحاجة إلى عناية الغير بأن كان مجنوناً أو معتوهاً مثلاً فإن الولاية عليه تستمر
حتى يؤمن على نفسه، وإذا بلغ عاقلاً ثم جن اودعته فإن الولاية عليه تعود مرة أخرى،
وتنتهي هذه الولاية ببلوغه عاقلاً مأموناً على نفسه بالنسبة للذكر ولا فرق في ذلك
بين ولاية التاديب والتثقيف وولاية الحفظ والصيانة وولاية التزوج([10]).
اما بالنسبة للأنثى فإن ولاية التاديب
والتثقيف وولاية الحفظ والصيانة تنتهي بالزواج، إذ أن هذه المسؤولية تنتقل على
عاتق الزوج بحكم العلاقة الزوجية لا بحكم الولاية على النفس، ولا تنتهي بمجرد
البلوغ وإنما يشترط مع البلوغ أن تكون الأنثى مأمونة على نفسها([11]).
أما فيما يخص ولاية التزويج فإن الفقهاء
يميزون في انتهائها بين ولاية الاختيار وهي التي يشترك فيها كل من الولي والمولى
عليها في امور الزواج، وبين ولاية الاجبار وهي التي يستبد فيها الولي بالزواج دون
الاعتداد برأي المولى عليها([12]).
ولأهمية هذا النوع من الولاية وما تحتله
من أثر بالغ في حياة الصغير نجد أن الشريعة الإسلامية قد أناطت أمر هذه الولاية
بطائفةٍ خاصة من الناس ممن تتوفر فيهم الشفقة والحنان وحسن الراي والتدبير، وأوجبت
عليهم القيام بكل ما يتصل بها من أمور المحافظة على جسوم الصغار ونفوسهم وعقولهم،
واشترطت فيهم شروطاً كثيرة أوجبت توفرها طول فترة هذه الولاية([13]).
الفرع
الثاني ـ الولاية على المال:
من الولايات الأخرى التي تثبت على
الصغير هي الولاية على المال، وقد حرصت الشريعة الإسلامية على اقرار هذا النوع من
الولاية حرصاً منها على المحافظة على حقوق الصغير لأنه لا يستطيع بمفرده أن يدير
أمواله ويحافظ عليها لقصوره وعدم خبرته في هذا المجال، لذا كان من الواجب أن يتولى
غيره المحافظة على أمواله لحين بلوغه السن التي تمكنه من تصريف شؤونه بنفسه، وهذا
الغير هو الولي على المال([14]).
وهذا النوع من الولاية يتعلق بأموال من
تثبت عليهم من حيث امكان التصرف بها بكافة التصرفات كالبيع والشراء والرهن الإجارة
وغيرها من التصرفات الأخرى، وهي تثبت على الصغير ومن في حكمه كالمجنون والمعتوه([15]).
وهكذا تعرف الولاية على المال بأنها
"القدرة على انشاء العقود الخاصة بالأموال ومنافعها وتنفيذها"([16]).
كما تعرف بأنها "المحافظة على
المال وتنميته واستثماره والتصرف فيه وادراته بما يعود على المولى عليه ومجموع
الأمة بالربح والفائدة"([17]).
وتمر حياة الصغير ـ كما أشرنا ـ بدورين
، الأول يكون فيه الصغير عديم التمييز فاقداً للأهلية بصورة تامة فلا ينعقد له
تصرف، وتكون أموره كلها مناطة بالولي، والثاني: يكون الصغير فيه مميزاً ناقص
الأهلية لا فاقدها، وتكون تصرفاته النافعة نفعاً محضاً صحيحة ونافذة من غير حاجة
لأذن وليه كقبول الهبات الوصايا ، وتكون تصرفاته الدائرة بين النفع والضرر كالبيع
والشراء صحيحة أيضاً الا انها موقفة على إجازة وليه ، أما تصرفاته الضارة ضرراً
محضاً كالتبرعات بكافة أنواعها فتكون باطلة غير قابلة للإجازة([18]).
وفي كلا الدورين يتولى ولي المال إدارة
أموال الصغير والمحافظة عليها والعناية بها، ويستمر الولي في ممارسته لهذه المهمة
إلى حين بلوغ الصغير ، فإذا بلغ عاقلاً رشيداً وجب أطلاق يده في التصرف في أمواله
وذلك عملاً بقوله تعالى: (وابتلوا
اليتمى حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم..)([19])، أما إذا بلغ الصغير
غير رشيد بأن كان مجنوناً مثلاً استمرت الولاية المالية عليه حتى يرشد([20]).
ولأهمية هذا النوع من الولاية نجد أن
فقهاء الشريعة الإسلامية اوجبوا توفر مجموعة من الشروط فيمن يباشر إدارة الأموال
الصغير والعناية واوجبوا استمرار توفر هذه الشروط طيلة مدة الولاية([21]).
المطلب
الثاني ـ أنواع الولاية في القانون:
اعتبرت القوانين الوضعية المختلفة
الولاية من الحقوق المهمة التي تثبت للصغير، وقد تناولت هذه القوانين الولاية
بنوعيها ـ ولاية النفس وولاية المال ـ ووضعت الأحكام الخاصة بهما، ومن هذه
القوانين القوانين العراقية التي اعتبرت الولاية بنوعيها من الحقوق المهمة التي لا
غنى للصغير عنها ، وذلك من خلال وضعها الأحكام الخاصة التي تعالج هذا الحق .
حيث أعطى قانون الاحوال الشخصية في
الفقرة (4) من المادة (57) للحاضن حق الولاية على نفس الصغير وممارسة السلطات التي
يمنحها هذا الحق حيث جاء في هذه الفقرة "للأب النظر في شؤون المحضون وتربيته
وتعليمه.."
ونظم القانون المدني العراقي أحكاماً
خاصة بالولاية على المال([22])،
كما نضم قانون رعاية القاصرين أحكاماً عامة تخص الولاية على النفس والمال([23])، وأحكاماً أخرى خاصة
بالولاية على المال([24]).
وكما هو الحال في القانون العراقي فإن
القانون المصري أثبت حق الولاية بنوعيها للصغير، وقد كانت المحاكم في مصر تطبق
فيما يتعلق بالولاية على النفس الأحكام الشرعية المقررة في كتب الفقه الحنفي وذلك
تطبيقا لنص المادة (280) من القانون رقم (78) لسنة (1931) إلى أن صدر مرسوم
القانون رقم (118) لسنة (1982) المتعلق بتنظيم أحكام سلب الولاية على النفس([25]).
أما أحكام الولاية على المال فقد نظمت
في مصر بمرسوم القانون رقم 119 لسنة 1952، والذي تناول فيه المشرع المصري كل ما
يتعلق بإدارة أموال الصغير والعناية بها وذك في (26) مادة ([26]).
وأثبت قانون الأحوال الشخصية السوري
ولايتي النفس والمال على الصغير حيث نظم أحكام الولاية على النفس في المادة (170)
بفقراتها الأربع ، وبين فيها من تثبت له الولاية على نفس الصغير والسلطات التي
يتمتع بها الولي، والأسباب التي تؤدي إلى سقوط هذا النوع من الولاية، ونظم أحكام
ولاية الزواج باعتبارها جزء من الولاية على النفس في المواد (21، 22، 24، 25).
أما الولاية على المال فقد نظم حكامها
في المواد (171، 172، 173، 174، 175).
وتعتبر مدونة الأحوال الشخصية المغربية
هي الأخرى الولاية بنوعيها من الحقوق المهمة التي تثبت للصغير ووضعت لها الأحكام
الخاصة بها وذلك في الفصول (147،148،149،150).
أما ولاية الزواج باعتبارها من أقسام
الولاية على النفس فقد عالجتها في الفصول (11،12،13).
واثبتت مدونة الأحوال الشخصية التونسية
الولاية على الصغير بنوعيها ووضعت لها احكاماً خاصة في الفصول (153،154، 155، 156،
157، 158، 159).
المبحث الثاني
شروط الولي:
لما كان الهدف من اقرار حق الولاية على
الصغير هو حماية مصالحه وإدارة شؤونه والعناية بها، لذا يشترط الفقهاء فيمن يتولى
أمور الولاية على الصغير ان تتوفر فيه مجموعة من الشروط.
ولبيان الشروط التي يجب توفرها في الولي
يتطلب منا الأمر ان نقسم هذا المبحث إلى مطلبين نتناول في المطلب الأول شروط الولي
في الشريعة الإسلامية فيما نتناول في المطلب الثاني شروط الولاية في القانون.
المطلب
الأول ـ شروط الولي في الشريعة الإسلامية:
حدد فقهاء الشريعة الإسلامية مجموعة من
الشروط أوجبوا توفرها في الولي لكي يستطيع القيام بأمور الولاية، وتتمثل هذه
الشروط بما يلي:
أولاً:البلوغ:
يشترط فيمن يقوم بأمور الولاية أن يكون بالغاً ، وبخلافه لا يمكن أن يكون ولياً ،
فالصغير الذي لم يبلغ بعد تثبت عليه الولاية وبالتالي لا يمكن أن يكون وليا، وفي
هذا المعنى يقول الإمام ابن نجيم الحنفي "ولا ولاية لصغير وعبدٍ ومجنون لأنه
لا ولاية لهم على أنفسهم فأولى أن لا تثبت على غيرهم"([27]).
وفي ذات المعنى جاء في تحفة المحتاج من
كتب الشافعية "ولا ولاية لرقيق ..وصبي ومجنون لنقصهما أيضا"([28]).
ويعلل الفقهاء اشتراط هذا الشرط بأن
الولاية يعتبر لها كمال الحال لأنها تفيد تنفيذ التصرف في حق الغير وشرعت رعاية
لمصلحة هذا الغير، ولما كان الصغير يولى عليه لقصور عقله فمن باب أولى لا تثبت له
الولاية على غيره، وفي هذا المعنى يقول الإمام البهوتي في بيانه لشروط الولاية
"والثالث البلوغ لأن الولاية يشترط لها كمال الحال لأنها تفيد تنفيذ تصرف في
حق غيره وغير المكلف مولى عليه لقصور نظره فلا تثبت له ولاية"([29]).
والبلوغ المشترط هنا هو بلوغ النكاح مع
الرشد، وهو اما أن يكون بالعلامات أو بالسن([30])،
حيث حدد الفقهاء كما أشرنا بعض العلامات لبيان الحد الذي ينتقل فيه الصغير إلى دور
البلوغ ليصبح له بعد ذلك الحق في تولي أمور الولاية على الغير والقيام بمهامها.
ثانياً
ـ العقل:
يشترط فيمن يتولى أمور الولاية على نفس
الصغير أو ماله أن يكون عاقلاً غير مجنون، فلا يكفي أن يكون الولي بالغاً ، وإنما
يشترط بالإضافة إلى ذلك أن يكون عاقلاً وذلك لأن الولاية تثبت لعجز المولى عليه عن
النظر لنفسه والقيام بمصالحه ، والمجنون لا عقل له ولا يمكنه النظر لنفسه والقيام
بشؤونه فكذا لغيره([31]).
ولا خلاف بين الفقهاء في اشتراط هذا
الشرط وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن قدامة من الحنابلة في بيانه لشروط الولاية
"فأما العقل فلا خلاف في اعتباره لأن الولاية إنما تثبت نظراً للمولى عليه
عند عجزه عن النظر لنفسه ، ومن لا عقل له لا يمكنه النظر ولا يلي نفسه فغيره
أولى"([32]).
ويلحق بالمجنون من حيث الحكم المعتوه ،
وهو يختلف عن المجنون بأن الأول ـ المجنون ـ عديم العقل أما المعتوه فهو ناقص
العقل لا عديمه([33]).
ويلحق كذلك بالمجنون والمعتوه الشيخ
الهرم الذي تأثر عقله بسبب كبر سنه فلا
يكون أهلاً للولاية وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن قدامة "وسواء في هذا من
لا عقل له لصغره كطفل ، ومن ذهب عقله بجنون أو كبر كالشيخ إذا أفقد.."([34]).
والجنون المانع من الولاية هو الجنون
المطبق (المستمر) أما الجنون المتقطع فيرى البعض أنه مانع من الولاية أثناء فترة
الإصابة به أما في فترة الافاقة فلا يمنع من استحقاق الولاية، وكالجنون المتقطع
حالة الاغماء فهي تؤدي إلى رفع الولاية أثناء فترة الاغماء وتعود بعد زواله ، وفي
هذا المعنى يقول الإمام البهوتي "فلا ولاية لمجنون مطبق ، فإن جن أحياناً أو
أغمي عليه أو نقص عقله بنحو مرض أو احرام أنتظر ولا ينعزل وكيله بطريان ذلك"([35]).
وفي رأينا المتواضع أن الجنون المتقطع
مانع أيضا من الولاية لما يشكله من خطر على الصغير أثناء فترة الإصابة به إذ لا
يعرف الوقت الذي قد يتعرض فيه الولي لنوبة
الجنون وبالتالي فلا يؤمن منه على الصغير.
ثالثاً
ـ اتحاد الدين:
يشترط في الولي أن يكون متحداً في الدين
مع المولى عليه، فلا تثبت الولاية لغير المسلم على المسلم، وفي هذا المعنى يقول
الإمام ابن قدامة في بيانه لشروط الولاية "الشرط الثالث الإسلام ولا يثبت
لكافر ولاية على مسلم وهو قول عامة أهل العلم"([36]).
والسبب في اشتراط هذا الشرط هو أن الله
سبحانه وتعالى قطع الموالاة بين المسلمين والكافرين فقال تعالى: (...وَلَنْ
يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا)([37]). ولأن في ولاية
الكافر على المسلم اذلال لهذا الأخير([38])،
ولأنه يخشى أن يؤثر الولي على الصغير فيحوله عن دين الإسلام إلى دينٍ آخر([39]).
وكما لا تجوز ولاية الكافر على المسلم،
كذلك لا تجوز ولاية المسلم على الكافر وفي هذا المعنى جاء في الفتاوى الهندية "ولا
ولاية لكافر على مسلم أو مسلمة ولا مسلم على كافر وكافرة"([40]).
ويستثنى من هذا الحكم حالة ما لو كان
الولي هو القاضي فلا يشترط الاتحاد في الدين بين القاضي والصغير لأن ولاية القاضي
ولاية عامة فهو ولي من لا ولي له سواء كان هذا الأخير مسلماً أم غير مسلم، متحداً
في الدين مع القاضي ام لا([41]).
وتثبت الولاية للكافر على الكافر وأن
اختلف دينهما كأن يكون أحدهما يهودياً والآخر نصراني، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ
كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ…)([42]). فتقبل شهادة الكافر
على الكافر ويجري التوارث بينهما ويكون لبعضهم الولاية على البعض الآخر([43]).
رابعاً
ـ العدالة([44]):
يشترط في الولي ان يكون عادلاً ، فلا
ولاية لفاسق، وقد اختلف الفقهاء في اشتراط هذا الشرط على النحو التالي:
1- ذهب فقهاء الحنفية إلى عدم اشتراط
العدالة في الولي ، وفي هذا المعنى يقول الإمام السرخسي في مبسوطه "فالفاسق
عند أصحابنا جميعاً رحمهم الله أهلاً للولاية على نفسه على العموم وعلى غيره"([45]).
ويعلل فقهاء الحنفية رأيهم هذا بأن
الولاية للنظر، والفسق لا يقدح في القدرة على تحصيل النظر، ولا في الداعي
إليه وهو الشفقة على المولى عليه، والفسق
لا يقدح في الارث . فلا يقدح في الولاية أيضاً([46])،
وإلى مثل هذا الرأي ذهب فقهاء المالكية([47])،
والزيدية([48]).
2 ـ ذهب فقهاء الشافعية إلى اشتراط
العدالة في الولي لأنهم يرون أن الفسق يقدح في الشهادة فيمنع الولاية([49]).
3 ـ عن فقهاء الحنابلة في هذه المسألة
روايتين، الأولى: أن العدالة شرط للولاية لان الولاية تثبت للنظر والفاسق لا نظر
له والثانية: العدالة ليست شرط للولاية لأن أساس الولاية الشفقة والقرابة، وشرطها
النظر في شؤون المولى عليه، والقريب. وإن كان فاسقاً إلا أنه ينظر في شؤون المولى
عليه فيستحق الحضانة([50]).
ويبدو لنا أن العدالة شرط لابد من
مراعاته في الولاية على الصغير وذلك لأن مبنى الولاية كما أشرنا هو الشفقة والنظر
في شؤون الصغير والفاسق قد لا يراعي هذه الاعتبارات عند توليه لأمور الصغير.
خامساً
ـ الذكورة:
يشترط الفقهاء فيمن يتولى أمور الولاية
على الصغير أن يكون ذكراً لأن الولاية يشترط فيها الكمال والمراة قاصرة إذ لا تثبت
لها الولاية على نفسها فلا تثبت لها على الغير من باب أولى وفي هذا المعنى يقول
الإمام ابن قدامة "الذكورية شرط للولاية في قول الجميع لأنه يعتبر فيها
الكمال والمراة ناقصة قاصرة تثبت الولاية عليها لقصورها عن النظر لنفسها. فلا تثبت
لها ولاية على غيرها أولى"([51])،
وفي ذات المعنى يقول الإمام العاملي "ولا ولاية للأم على الولد مطلقاً"([52]).
وقد خالف أبو حنيفة جمهور الفقهاء في
اشتراط هذا الشرط إذا جاز انتقال الولاية عند انعدام العصبات من الذكور إلى بقية
الأقارب ومنهم النساء([53]).
ويبدو لنا أن الرأي الذي قال به الإمام
أبو حنيفة هو الأقرب للصواب لأن مبنى الولاية هو الشفقة والقدرة على القيام بشؤون
المولى عليه، وهذه الصفات تتوفر في النساء كما هو الحال عند الرجال ، بل قد تكون
المراة أحرص وأقدر على القيام بشؤون الصغير خصوصاً في وقتنا الحاضر الذي أخذت فيه
المرأة تساهم في إدارة مرافق الحياة وتشارك الرجل في كثير من جوانبها، فاصبح القول
بقصور المراة قول بحاجة الى شيء من النظر .
سادساً
ـ القدرة:
يشترط في الولي أن يكون قادراً على
القيام بأمور الولاية، وبعكسه إذا كان عاجزاً عن ذلك لمرض، أو شيخوخة أو نحوهما
فلا يكون أهلاً للولاية لعجزه عن النظر في شؤون المولى عليه([54]).
وبعد بيان الشروط التي أوجب الفقهاء
توفرها في الولي لكي يستطيع القيام بأمور الولاية يتضح لنا أن الفقهاء قد اتفقوا
على بعض هذه الشروط واختلفوا في بعضها الآخر.
أما الشروط التي اتفق الفقهاء عليها فهي
البلوغ، والعقل واتحاد الدين والقدرة فهذه الشروط اتفق الفقهاء على وجوب توفرها في
الولي واعتبروا تخلف أياً منها سبباً من أسباب سلب الولاية عن الولي وانتقالها إلى
من يليه في المرتبة.
أما الشروط التي اختلف عليها الفقهاء
فهي شرطان :
الأول :
شرط العدالة فقد اختلف الفقهاء في هذا الشرط فأوجب فقهاء الشافعية توفره في الولي،
واختلف فيه فقهاء الحنابلة فيما بينهم فذهب بعضهم إلى اشتراطه وذهب البعض الآخر
إلى عدم ذلك، وذهب فقهاء الحنفية والمالكية والزيدية إلى عدم اشتراط العدالة
واعتبروا أن الفسق لا يمنع من الولاية وقد ذهبنا إلى ترجيح الرأي الذي قال به
فقهاء الشافعية.
الثاني:
شرط الذكورة حيث ذهب جمهور الفقهاء إلى اشتراط هذا الشرط فلم يجيزوا للأنثى تولي
مهام الولاية، وخالف الجمهور في رأيهم هذا فقهاء الحنفية الذين أجازوا ولاية
الأنثى وقد ذهبنا إلى تأييد هذا الرأي الأخير.
المطلب
الثاني ـ شروط الولي في القانون:
تشترط القوانين العربية فيمن يتولي أمور
الولاية أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط، ولبيان ذلك نقسم هذا المطلب إلى فرعين
يخصص الأول لبيان شروط الولاية في القانون العراقي ، والثاني لبيان شروطها في
القوانين العربية.
الفرع
الأول ـ شروط الولي في القانون العراقي:
تنص المادة (28) من قانون رعاية
القاصرين العراقي على أنه "لا يجوز للولي مباشرة أي حق من حقوق الولاية إلا
إذا كان أهلاً لمباشرة هذا الحق في ماله".
وبموجب هذا النص يشترط لتصرف الولي في
مال الصغير أن يكون متمتعاً بالأهلية التي تمكنه من التصرف بماله هو ولكي يكون
الشخص أهلاً للتصرف بماله يشترط ان يكون بالغاً عاقلاً قادراً على القيام
بالتصرفات المالية([55]).
والبلوغ في القانون العراقي يكون ببلوغ
سن الرشد وهو تمام الثامنة عشرة من العمر، وهو ما أشارت إليه المادة (106) من
القانون المدني العراقي بقولها "سن الرشد هي ثماني عشرة سنة كاملة" وهو
شرط لصحة التصرفات المالية وغير المالية ، فلا يكون الصغير ولياً على المال والنفس
أما العقل فهو شرط لصحة تصرفات الإنسان لذلك نجد المادة (94) من القانون المدني
العراقي تعتبر الصغير والمجنون والمعتوه محجورون لذاتهم([56])، وبالتالي لا يمكن
للمجنون أن يتولى أمور الولاية على الصغير لأن الولاية ـ كما أشرنا ـ تثبت على
الصغير لعجزه عن النظر في شؤونه والقيام بمصالحه، والمجنون لا عقل له ولا يمكنه
النظر في شؤونه وكذلك في شؤون الغير من باب اولى، فلا يكون ولياً على النفس أو على
المال.
أما شرط القدرة على القيام بأمور
الولاية فهو يعني أن لا يكون الشخص عاجزاً لسبب معين عن القيام بأمور الولاية كأن
يكون مريضاً أو كبير السن ، أو مرتبطاً بعمل معين لا يمكنه معه القيام بامور
الولاية، سواء كانت ولاية على النفس أم على المال، وهذا الشرط يخضع لتقدير القاضي
من حيث توفره أو عدم توفره.
ويقتضي شرط الامانة أن يكون الشخص معروف
بالنزاهة وحسن الخلق لذا نجد أن محكمة التمييز تؤكد في قرار لها على أن معاقرة
الأب للخمرة والمجاهرة بشربها نقص في ولايته واخلال بشرط الأمانة على الصغير([57]).
وشرط أهلية الولي يتطلب أخيراً أن يكون
متحداً مع الصغير في الدين فلا ولاية لكافر على مسلم.
الفرع
الثاني ـ شروط الولي في القوانين العربية:
لم تتعرض القوانين العربية للشروط
الواجب توفرها في الولي على الصغير بصورة مباشرة، ومن هذه القوانين:
أولاً
ـ القانون المصري:
في مصر جاء المرسوم رقم (119) لسنة
(1952) الخاص بأحكام الولاية على المال بنص مشابه لنص المادة (28) من قانون رعاية
القاصرين العراقي وهو نص المادة (2) من هذا المرسوم والذي نص المشرع فيه على أنه
"لا يجوز للولي مباشرة حق من حقوق الولاية إلا إذا توفرت له الأهلية اللازمة
لمباشرة هذا الحق فيما يتعلق بماله هو".
فبموجب هذا النص لا يكون الشخص أهلاً
للتصرف بمال الصغير إلا إذا كان أهلاً للتصرف في ماله هو، وهو لا يكون أهلاً
لمباشرة التصرفات في ماله إلا إذا كان بالغاً رشيداً أميناً قادراً على القيام
بهذه التصرفات([58]).
واعتبر القانون رقم (118) لسنة (1958)
الخاص بحالات سلب الولاية على النفس امانة الولي شرطاً من شروط استمرار ولايته
فإذا اشتهر الولي بسوء معاملة المولى عليه او اشتهر بالفساد او الادمان على شرب
المخدرات أو عدم العناية بالصغير وأدى ذلك إلى تعريض حياة المولى عليه للخطر،
اعتبر ذلك اخلالاً بشرط الأمانة التي يجب توفرها في الولي وبالتالي يجوز للمحكمة
أن تسلب كل أو بعض الحقوق التي يتمتع بها هذا الولي، وهذا ما تقرره الفقرة (5) من
المادة (3) من القانون المذكور([59]).
وتنص المادة (22) من القانون رقم (118)
لسنة (1952) على أنه "يترتب على الحكم بسلب الولاية على نفس الصغير أو وقفها
سقوطها أو وقفها بالنسبة إلى المال" وهذا يعني أن سقوط الولاية على النفس
بسبب عدم توفر أهلية الولاية على الصغير في الولي على المال يؤدي إلى سقوط ولايته
على مال الصغير ونفسه([60]).
ثانياً
ـ القانون الأردني:
لم يتعرض قانون الأحوال الشخصية الأردني
لبيان الشروط الواجب توفرها في الولي على النفس أو على المال بصورة مفصلة إلا أنه
عند تناوله لأحكام الولاية على الزواج اشترط في ولي الزواج أن يكون عاقلاً بالغاً
وأن يكون متحداً في الدين مع المولي عليها([61])،
وهذا ما نصت عليه المادة (10) من قانون الأحوال الشخصية بقولها "يشترط في
الولي أن يكون عاقلاً بالغاً وأن يكون مسلماً إذا كانت المخطوبة مسلمة".
ثالثاً
ـ القانون السوري:
لم يتعرض القانون السوري عند تناوله
لأحكام الولاية لبيان شرط الولاية إلا أنه اشترط عند تناوله لأحكام الولاية على
الزواج في ولي الزواج أن يكون عاقلاً بالغاً ذا رحم محرم من المخطوبة، وهذا ما نصت
عليه المواد (21) و(22ف1) من هذا القانون، فقد جاء في المادة (21) ما نصه
"الوصي في الزواج هو العصبة بنفسه على ترتيب الإرث بشرط أن يكون محرماً"
ونص في المادة (22 ف1) على أنه "يشترط أن يكون الولي عاقلاً بالغاً".
رابعاً
ـ القانون المغربي والقانون التونسي:
يشترط كلاً من القانونين المغربي
والتونسي في ولي الزواج أن يكون ذكراً بالغاً عاقلاً ، فقد جاء في الفصل (8) من
مجلة الأحوال الشخصية التونسية "الولي هو العاصب بالنسب ويجب أن يكون عاقلاً
ذكراً رشيدا.."، وجاء في الفصل (11) من مدونة الأحوال الشخصية المغربية
"الولي في الزواج هو الابن.. بشرط أن يكون ذكراً عاقلاً بالغاً".
المبحث
الثالث
أصحاب
الحق في الولاية ومراتبهم
بينا فيما سبق أن الصغير يكون عاجزاً عن
القيام بأموره ولا يهتدي إلى ما فيه مصلحته، لذا كان لابد أن يُعهد إلى من يظن بهم
الشفقة والحرص عليه واجب القيام بتدبير أموره وحماية مصالحه وارشاده وتوجيهه
الوجهة الصحيحة، وبناء على ذلك لم تكن الولاية حق للولي فيجوز له التنازل عنه إلى
غيره وإنما هي حق مشترك بين الولي والصغير وبناء على ذلك إذا امتنع الأب عن أخذ
الصغير بعد انتهاء مدة حضانته فإنه يجبر على أخذه ، ومثل الأب في هذا الحكم سائر
الأولياء([62]).
ولبيان أصحاب الحق في الولاية على
الصغير ومراتبهم لابد لنا من تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين يخصص الأول منهما لبيان أصحاب
الحق في الولاية ومراتبهم في الشريعة الإسلامية ، ويخصص الثاني لبيان اصحاب الحق
في الولاية ومراتبهم في القانون.
المطلب
الأول ـ أصحاب الحق في الولاية ومراتبهم في الشريعة الإسلامية:
يختلف ترتيب الأولياء على النفس في
الشريعة الإسلامية عن ترتيب الأولياء على المال، ولبيان ذك سنقسم هذا المطلب إلى
فرعين يخصص الأول لبيان مراتب الأولياء وعلى النفس والثاني لبيان مراتب الأولياء
على المال.
الفرع
الأول ـ أصحاب الحق في الولاية على النفس ومراتبهم:
للولي على النفس ـ كما بينا ـ ثلاث
سلطات أو ولايات على الصغير الأولى ولاية التأديب والتعليم والثانية ولاية الحفظ
والصيانة والثالثة ولاية التزويج([63])
وهذه الأخيرة تقسم إلى ولاية اجبار وولاية اختيار، وقد سبق لنا الاشارة إلى ان
ولاية الاجبار هي الولاية التي تثبت على الصغار ويكون للولي فيها حق تزويج الصغير
أو الصغيرة جبراً عنهما، دون أن يتوقف ذلك على أذنهما أو أذن شخص آخر غيرهما([64]).
وأما ولاية الاختيار فهي التي تثبت على
المراة البالغة العاقلة والتي يكون للمراة فيها حق المشاركة مع الولي في اختيار
الزوج وما يتعلق بالزواج من أمورٍ أخرى([65]).
ويفرق الفقهاء ـ باستثناء الحنفية ـ([66]) في ترتيب الأولياء
على النفس بين الأولياء الذين تكون لهم ولاية الصيانة والحفظ وولاية التأديب
والتعليم وولاية الاختيار في الزواج وبين الأولياء الذين لهم ولاية الاجبار في
الزواج فيجعلون ترتيب الأولياء في ولاية الاجبار يختلف عن ترتيبهم في الولايات
الأخرى الداخلة تحت الولاية على النفس.
وقد اختلف الفقهاء فيما بينهم في ترتيب
أصحاب الحق في الولاية على النفس وسبب اختلافهم هو الاختلاف في تحديد من هو الأكثر
شفقة وحرصاً على الصغير على النحو التالي:
أولا
ـ مذهب الحنفية:
ذهب فقهاء الحنفية إلى أن الولاية على
نفس الصغير سواء كانت ولاية صيانة وحفظ أم كانت ولاية تأديب وتعليم أم كانت ولاية
تزويج ـ اختيارية أم اجبارية ـ تثبت للعصبات من الذكور ، وهم الذين لا تكون
قرابتهم عن طريق الأنثى فقط، وهم مرتبون في استحقاقهم للولاية بحسب ترتيبهم في
الميراث فالأبعد يكون محجوباً بالأقرب وحسب الترتيب التالي([67]):
1 ـ جهة البنوة ، وأولاها الابن ثم ابنه
وان نزل([68]).
2 ـ جهة الأبوة ، وأولاها الأب ثم الجد
لأب، وإن علا.
3 ـ جهة الأخوة ، وأولاها الأخ الشقيق
ثم الأب ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ لأب ثم أولادهم على ذات الترتيب.
4 ـ جهة العمومة، وأولاها العم الشقيق ثم ابن العم
الشقيق ثم ابن العم لأب ثم عم الأب الشقيق ثم لأب ثم لأبنائهم وإن نزلوا على ذات
الترتيب.
وهذا الترتيب يكون في حالة تعدد
الاولياء وكون درجات قرابتهم مختلفة فإن تعددوا وكانت الجهة واحدة يقدم الأقرب
درجة فيقدم الأب على الجد، والابن على ابن الابن وإن اتحدت الجهة ودرجة القرابة
قدم الأقوى، فيقدم الأخ الشقيق على الأخ لأب ، وابن الأخ الشقيق على ابن الأخ لأب،
وإذا اتحدت الدرجة وقوة القرابة فتكون الأولوية لمن هو أصلح بحسب تقدير القاضي ،
فإن تساووا في الصلاح فأولاهم أكبرهم سناً([69]).
أما في حالة انعدام العصبة فيرى
الصاحبان بأن الولاية تنتقل في هذه الحالة إلى القاضي وفي هذا المعنى يقول الإمام
ابن الهمام([70])
"وإذا عُدم الأولياء فالولاية إلى الإمام والحاكم لقوله صلى الله عليه وسلم:
(السلطان وليُ نم لا ولي له)([71]).
أما أبو حنيفة فهو يرى بأن الولاية
تنتقل بعد العصبات من الذكور إلى بقية الأقارب بحسب قوة قرابتهم فتقدم الأم ثم أم
الأب ثم أم الأم ثم البنت ثم بنت الابن ثم بنت ابن الأبن ثم بنت البنت ثم الأخت
لأب وأم ثم الأخت لأب ثم الأخ والأخت لأب
ثم الأخ والأخت لأم ثم أولادهم ثم الاعمام والأخوال والخالات ثم أولادهم ، فإذا لم
يوجد أحد من هؤلاء انتقلت الولاية إلى السلطان أو القاضي([72]).
ويبدو لنا أن الرأي الذي قال به الإمام
أبي حنيفة بانتقال الولاية بعد العصبات إلى بقية الأقارب هو الأكثر قبولاً لأن
مبنى الولاية كما شرنا هو الشفقة وهي موجودة في الأقارب كما هي في العصبات إلا أن
العصبات يقدمون بسبب العصوبة.
ثانياً
ـ مذهب المالكية:
ذهب فقهاء المالكية إلى ترتيب الأولياء
على النفس على النحو التالي([73]):
1 ـ الابن وإن كان من زنا لأنه عصبة.
2 ـ الأب.
3 ـ الأخوة ويقدم منهم الذي لأب وأم على
الذي لأب.
4 ـ الأجداد وإن علوا.
5 ـ الأعمام ويقدم منهم الذي لأب وأم
على الذي لأب.
6 ـ أبناء الأعمام ويقدم منهم الذي لأب
وأم على الذي لأب.
7 ـ السلطان أو القاضي.
8 ـ عامة المسلمين وذلك في حالة عدم
وجود أحد ممن ذكر فيكون لعامة من يحضر من المسلمين الولاية على الصغير وذلك
باختيار من يمثلهم في هذا الأمر.
اما ولاية الاجبار فهي لا تثبت عند
المالكية إلا للأب ثم لوصي الأب، أما ثبوتها للأب فلوفور شفقته على الصغير، وأما
ثبوتها لوصي الأب من بعده فلأن الأب إذا كان وافر الشفقة فلا يتصور منه إلا أن
يعهد بأمر تزويج الصغير إلى من يظن فيه تحقيق مصلحته([74]).
ثالثاً
ـ مذهب الشافعية:
ترتيب الأولياء على النفس عند فقهاء
الشافعية في غير ولاية الاجبار يكون على النحو التالي([75]):
1 ـ الأصول، ويقدم الأب ثم الجد لأب وإن
علا.
2 ـ الأخوة ، ويقدم الأشقاء منهم على
الذين لأب ثم أبنائهم وإن نزلوا ويقدم
الشقيق منهم على الذي لأب.
3 ـ الأعمام ، ويقدم منهم الذي لأبوين
على الذي لأب، ثم أبنائهم وإن نزلوا ويقدم الشقيق منهم.
4 ـ السلطان أو القاضي.
أما بالنسبة لولاية الاجبار فهي تثبت
عند فقهاء الشافعية للأب ثم للجد وفي هذا المعنى يقول الإمام الشافعي "ولا
يزوج الصغيرة التي لم تبلغ أحد غير الآباء وإن زوجها فالتزويج مسفوح والأجداد آباء
إذا لم يكن أب يقومون مقام الأب في ذلك"([76]).
رابعاً
ـ مذهب الحنابلة:
ولاية الحفظ والصيانة وولاية التعليم
والتاديب ولاية الاختيار في الزواج عند فقهاء الحنابلة تكون بالترتيب الآتي([77]):
1 ـ الأصول ، ويقدم الأب ثم الجد وإن
علا.
2 ـ الأبناء ثم أبنائهم وإن نزلوا.
3 ـ الأخوة، ويقدم منهم الشقيق على الذي
لأب ثم أبنائهم وإن نزلوا ويقدم ابن الأخ الشقيق على الذي لأب.
4 ـ الأعمام، ويقدم الذي لأب وأم على
الذي لأب، ثم أبنائهم وإن نزلوا ويقدم الشقيق منهم على الذي لأب.
5 ـ أعمام الأب ثم أبنائهم وإن نزلوا.
6 ـ مولى العتاقة ويسميه فقهاء الحنابلة
بالمولى المنعم أي المتفضل بالعتق ثم عصابته بحسب ترتيبهم في الميراث.
7 ـ السلطان أو القاضي.
أما ولاية الاجبار فهي تثبت عند فقهاء
الحنابلة للأب ووصيه فقط دون سائر العصبات والأقارب([78])، وهم بذلك يأخذون
بذات الرأي الذي قال به فقهاء المالكية.
خامساً
ـ مذهب الظاهرية:
تثبت ولاية الحفظ والصيانة وولاية
التعليم والتأديب وولاية الاختيار في الزواج عند فقهاء الظاهرية للأب أولاً ثم
للأخوة ثم للجد ثم للأعمام ، ثم لبني الأعمام وإن نزلوا ثم الأقرب فالأقرب ثم للسلطان([79]).
أما ولاية الاجبار فهي لا تثبت عند
فقهاء الظاهرية إلا للأب وهي لا تثبت للأب إلا على الإناث الصغيرات دون الذكور وهم
يعللون ذلك بأن الآثار الواردة في ذلك كانت تتعلق بنكاح الإناث دون الذكور([80]) ويثبت فقهاء الظاهرية
هذه الولاية للأب فقط لانه أكثر الناس عطفاً وشفقة على أولاده وهم لا يثبتونها حتى
للجد، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن حزم الظاهري في محلاه "فإن قيل فلم لم
تجيزوا انكاح الجد لها كالأب ، قلنا لقوله تعالى: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) فلم
يجز أن يخرج من هذا العموم إلا ما جاء به الخبر فقط وهو الأب الأدنى"([81]).
سادساً
ـ مذهب الإمامية:
تثبت الولاية على النفس عند فقهاء الإمامية
للأب أولا ثم لوصيه ثم للجد لأب وإن علا ثم لوصي الجد ثم للحاكم، وهم يأخذون بهذا
الترتيب في ولاية التزويج والتي تقتصر عندهم على ولاية الاجبار دون ولاية الاختيار
وهم يثبتونها على الصغير والصغيرة على حد سواء([82]).
سابعاً
ـ مذهب الزيدية:
تثبت الولاية على النفس عند فقهاء
الزيدية لجهة البنوة أولاً ثم لجهة الأبوة ثم لجهة الأخوة ثم لجهة العمومة على
النحو الذي قال به فقهاء الحنفية فإن لم يوجد أحد من هؤلاء تكون الولاية لمولى
العتاقة ثم لعصياته على الترتيب السابق فإن لم يوجد أحد من هؤلاء تكون الولاية
للإمام أو لوليه([83]).
وبعد عرض آراء الفقهاء في بيان مراتب
الأولياء على نفس الصغير يتضح لنا أن هؤلاء الفقهاء اتفقوا على بعض المسائل
واختلفوا في بعضها الآخر حسب التوضيح التالي:
1 ـ أوجه الأتفاق: اتفق الفقهاء على
المسائل التالية:
أ ـ ان أحق الناس بالولاية على نفس
الصغير من حيث الحفظ والصيانة والتاديب والتعليم والتزويج هو الأب. وهم يعللون ذلك
بأن الأب أقرب الناس للصغير وأشفقهم عليه، وأكثرهم دراية بمصالحه وشؤونه.
ب ـ ان الولاية لا تنتقل إلى السلطان أو
القاضي الا عند انعدام الأولياء من العصبات ومن غيرهم فالسلطان باتفاق الفقهاء هو
آخر من له حق الولاية على الصغير.
2 ـ أوجه الاختلاف: اختلف الفقهاء في
ترتيب الأولياء على نفس الصغير في المسائل التالية:
أ ـ اختلفوا فيمن يلي الأب في الولاية
على نفس الصغير فجعلها فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية للجد، وجعلها
فقهاء المالكية والظاهرية للأخ وجعلها فقهاء الإمامية لوصي الأب.
وفي رأينا أن الجد يلي الأب في تولي
أمور الولاية على نفس الصغير، وذلك لأن شفقة الجد لا تقل عن شفقة الأب، ولأن غير
الأب غالباً ما تشغله أموره الخاصة عن ولايته على الصغير، بخلاف الجد فهو لوفور
شفقته التي لا تقل كما أشرنا عن شفقة الأب فإنه يهتم بولاية الصغير وصيانته وحفظه
والعناية به.
ب ـ اختلف الفقهاء في ولاية التزويج
فذهب جمهور الفقهاء إلى تقسيمها إلى ولاية أجبار واختيار ، وقصرها فقهاء الإمامية
على ولاية الاجبار دون الاختيار.
ج ـ اختلف الفقهاء في مدى جواز انتقال
الولاية إلى أقارب الصغير من غير العصبات ففي حين جعلها الإمام أبو حنيفة للعصبات
من الذكور ثم لكافة الأقارب فإن جمهور
الفقهاء لا يثبتونها إلا للأقارب من العصبات وسبب هذا الخلاف بين أبي حنيفة
وجمهور الفقهاء هو أن الإمام أبو حنيفة يرى أن مبنى الولاية وأساسها هو الشفقة وهو
يرى بأنها ـ أي الشفقة ـ متوفرة لدى العصبات ولدى كافة الأقارب ولا موجب لحصرها
بالعصبات فقط.
أما جمهور الفقهاء فهم يرون أن مبنى
الولاية وأساسها هو التعصيب فالعصبات هم الذين ينالهم العار الذي قد يلحق المولى
عليه، وهم الذين يجب عليهم الحفظ والصيانة،ولأن النبي (صلى الله عليه وسلم) جعل
الانكاح مقصور على العصبات ، وفي هذا القصر نفي واثبات ، فهو نفي للولاية عن غيرهم
واثباتها لهم، كما أن واجب الحفظ والصيانة يقع على الرجال دون النساء لأنهم أقدر
على ذلك من النساء .
ويبدو لنا أن الرأي الذي قال به الإمام
أبو حنيفة هو الأجدر بالقبول وذلك لأن الفقهاء بصورة عامة يقدمون الأب من حيث
استحقاق الولاية، ويعللون ذلك بأنه اشفق الناس وأحرصهم على المولى عليه، وهو
اعتراف منهم بأن مبنى الولاية هو الشفقة لا التعصيب، وإذا كان الأمر كذلك فإن
الأقارب وإن كانوا من غير العصبات فإنهم أولى من القاضي بالصغير لأنهم أشفق منه
عليه ، ولأن القاضي في غالب الأحيان لا يتولى مسائل الولاية بنفسه وإنما يعهد بها
إلى من ينوب عنه.
أما الاستدلال بأن النبي (صلى الله عليه
وسلم) جعل الانكاح مقصور على العصبات وفي ذلك نفي للولاية عن غيرهم فهو استدلال
غير دقيق وذلك لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال في الحديث الشريف "لا
نكاح إلا بولي.."([84]) ولفظ الولي هنا جاء
مطلقاً ولا دليل على تقييده بالعصبات دون غيرهم.
أما الآثار التي وردت في انكاح العصبات
فهي تثبت الولاية للعصبات لكنها لا تنفيها عن غيرهم.
وأما لاستدلال بكون الرجال أقدر من
النساء في القيام بواجب الحفظ والصيانة فهو استدلال غير دقيق أيضاً لأن واقع الحال
أثبت لنا أن كثيراً من النساء قمن بواجب الحفظ والصيانة للصغار على أتم وجه وبصورة
قد تفضل على ما قام به كثير من الرجال.
وأخيراً يبدو لنا من خلال ما تقدم أن
الترتيب الذي قال به فقهاء الحنفية للأولياء على نفس الصغير هو أدق الترتيبات
وأجدرها بالقبول.
المطلب
الثاني ـ أصحاب الحق في الولاية على المال ومراتبهم
لا خلاف بين الفقهاء في أن أولى الناس
بإدارة أموال الصغير والعناية بها هو الأب ، فهو بحكم أبوته ولوفور شفقته تثبت له
الولاية على أموال صغيرة، وهي ولاية ذاتية أصلية تثبت له من الشارع ابتداءً دون أن
يستمد سلطته فيها من غيره ، ويقال نفس الأمر بالنسبة للجد فولايته أصلية ذاتية
أيضاً ولا يستمد سلطته من غيره، إلا أن الفقهاء اختلفوا في منزلته بين الأولياء
على مال الصغير.
ولما كانت ولاية الأب والجد على مال
الصغير ولاية ذاتية أصلية تثبت لهما بحكم القرابة فإنه ليس لأي منهما أن يتنحى
عنها أو أن يعزل نفسه منها وذلك لأن حقهما فيها ليس حقا محضا وإنما هو حق والتزام
في نفس الوقت وجانب الالتزام فيه هو الغالب لأنها مقررة لمصلحة الصغير([85]).
وإذا كان الفقهاء قد أتفقوا على أن الأب
هو أولى الناس بإدارة أموال الصغير فإنهم اختلفوا فيمن يليه في هذه المهمة على
النحو التالي:
أولاً ـ
ذهب فقهاء الحنفية إلى أن الولاية على مال الصغير تكون بعد ألاب لوصي الأب ثم لوصي
وصيه ثم للجد ثم لوصي الجد ثم لوصي وصيه ثم للقاضي ثم من ينصبه القاضي، وفي هذا
المعنى يقول الإمام الكاساني في بدائعه "وأما ترتيب الولاية فأولى الأولياء
الأب ثم وصيه ثم وصي وصيه ثم الجد ثم وصيه ثم وصي وصيه ثم القاضي ثم من نصبه
القاضي وهو وصي القاضي"([86]).
ويأخذ فقهاء الحنفية بهذا الترتيب لأن
الولاية عندهم كما أشرنا مبنية على الشفقة ولما كان الأب هو أشفق الناس على أولاده
كان له الأولوية في العناية بأموالهم،وأما الوصي فهو عندهم أشفق من الجد لان الأب
قد اختاره من بعده ولا يتصور أن يختار الأب من لا يشفق على صغاره ، أما الجد فهو
مقدم على القاضي لأنه أشفق منه فشفقة الجد مستمدة من القرابة أما القاضي فهو أجنبي
ولاشك في أن القريب أشفق من الأجنبي([87]).
ولا يثبت فقهاء الحنفية الولاية على مال
الصغير لغير من ذكرنا كما لايثبتونها للأم رغم وفور شفقتها حيث منعوها من التصرف
في مال الصغير لقصور عقلها عن ادراك النافع من الضار له([88]).
ثانياً ـ
ذهب فقهاء المالكية إلى القول بأن الولاية على اموال الصغير تثبت بعد الأب لوصية
ثم للقاضي وفي هذا المعنى يقول الإمام الشنقيطي "والولي الأب.. ثم وصيه.. ثم
حاكم"([89]).
ولا ولاية عند فقهاء المالكية للجد على
أموال الصغير لأنه لا ينزل منزلة الأب لكن قد يعين من قبل القاضي وفي مثل هذه الحالة
يكون وصياً للقاضي، ولا ولاية للأم عندهم لقصور عقلها في هذا الشأن([90]).
ثالثاً ـ
ذهب فقهاء الشافعية إلى القول بأن الولاية تكون بعد الأب للجد الصحيح ومن بعده
لوصي الأب ثم لوصي الجد ثم للقاضي أو من ينوب عنه وفي هذا المعنى يقول الإمام
الرملي "ولي الصبي أي الصغير ولو أنثى أبوه اجماعا ثم جده أبو أبيه وإن علا..
ثم وصيهما أي وصي من تأخر موته منهما.. ثم القاضي العدل الأمين.."([91]).
ولا تثبت الولاية عند فقهاء الشافعية
لباقي العصبات لقصور نظرهم في إدارة أموال الصغير، كما لا تثبت للام لذات السبب([92]).
رابعاً ـ ذهب فقهاء الحنابلة إلى القول
بأن الولاية على مال الصغير تثبت بعد الأب لوصيه ثم للقاضي، وهي لا تثبت عندهم
للجد لأنه لا ينزل منزلة الأب، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن قدامة "ولا
تثبت الولاية على الصبي والمجنون إلا للأب لأنها ولاية على الصغير فيقدم الأب
كولاية النكاح ثم وصيه بعده لأنه نائبة أشبه وكيله في الحياة ثم للحاكم.. ومذهب
أبي حنيفة والشافعي أن الجد يقوم مقام الأب في الولاية لأنه أب ولنا أن الجد لا
يدلي بنفسه وإنما يدلي بالأب الأدنى فلم يلي مال الصغير كالأخ"([93]).
خامساً ـ
مذهب الإمامية: لم يفرق فقهاء الإمامية في
ترتيبهم للأولياء على الصغير بين أولياء النفس وأولياء المال فهم يثبتون الولاية
بنوعيها للأب أولاً ثم لوصيه ثم للجد ثم لوصيه ثم للحاكم أو من ينوب عنه([94]).
وبعد عرض آراء الفقهاء واتجاهاتهم في
بيان مراتب الأولياء على مال الصغير يتضح لنا أن بين هذه الآراء أوجه اتفاق وأوجه
اختلاف نوجزها بالآتي:
1 ـ أوجه الاتفاق :
انفق فقهاء الشريعة الإسلامية على المسائل التالية:
أ ـ أن الأب هو أولى الناس بإدارة أموال
الصغير فهو بحكم الأبوة ولوفور شفقته ثبت له الولاية على أموال ابنه الصغير.
ب ـ أن الولاية على مال الصغير تثبيت
للرجال دون النساء وهم يعللون ذلك بأن عقل المرأة قاصر عن ادراك النافع من الضار
فيما يتعلق بالمسائل المالية وبالتالي فإن اعطائها حق التصرف في أموال الصغير قد
يؤدي إلى قيامها ببعض التصرفات المالية التي تلحق الضرر بأمواله.
ويبدو لنا أن القول بأن المرأة قاصرة
العقل فيما يتعلق بالمسائل المالية قول غير دقيق لأن الواقع أثبت لنا أن كثيراً من
النساء اثبتن جدارة وكفاءة في هذا الجانب كما أن بعض الفقهاء الذين قالوا بعدم
جواز ولاية المرأة على مال الصغير كانوا قد افتوا بجواز تولي المرأة لمنصب القضاء
حيث افتى فقهاء الحنفية بجواز تولي المرأة لمنصب القضاءإلا في مسائل الحدود
والقصاص ، وذهب فقهاء الظاهرية، وبعض فقهاء الإمامية، إلى القول بجواز تولي المراة
لمنصب القضاء مطلقاً([95]).
ولاشك في ان تولي منصب القضاء أخطر
بكثير من تولي إدارة أموال الصغير والعناية بها لذا امتنع القول بعدم جواز ولاية
المرأة على أموال الصغير .
2 ـ أوجه الاختلاف:
اختلف الفقهاء في المسائل التالية:
أ ـ اختلفوا فيمن يلي الأب في الولاية
على مال الصغير فذهب جمهور الفقهاء إلى اثبات الولاية بعد الأب لوصية وخالفهم
فقهاء الشافعية الذين جعلوا الولاية بعد الأب للجد الصحيح .
ب ـ اختلفوا في منزلة الجد بين الأولياء
حيث قدم فقهاء الحنفية وصي الأب على الجد وهم يعللون ذلك بأن شفقة الأب تدفعه إلى
اختيار أصلح الناس لإدارة أموال الصغير من بعده ولابد من احترام إرادة الأب بعد
وفاته وفي هذا المعنى يقول الإمام الكاساني "وشفقة الأب فوق شفقة الكل وشفقة
وصيه فوق شفقة الجد لأنه مرضي الأب ومختاره فكان خلف الأب في الشفقة وخلف الشيء
قائم مقامه"([96]).
وذهب فقهاء الحنابلة والمالكية كما
رأينا إلى نفي ولاية الجد لأنه ليس أب ولا ينزل منزلة الأب.
وكان مذهب فقهاء الشافعية بجعل ولاية
الجد تأتي بعد ولاية الأب كمذهب وسط بين المذاهب الأخرى ، وهو كما يبدو لنا أصوب
الآراء وأكثرها دقة لأن شفقة الجد لا تختلف عن شفقة الأب لذا فهو يقوم مقامه بعد
وفاته.
المطلب
الثاني ـ أصحاب الحق في الولاية على الصغير ومراتبهم في القانون:
لبيان أصحاب الحق في الولاية على الصغير
ومراتبهم في القانون نقسم هذا المطلب إلى فرعين يخصص الأول لبيان أصحاب الحق في
الولاية ومراتبهم في القانون العراقي، ويخصص الثاني لبيان أصحاب الحق في الولاية
ومراتبهم في القوانين العربية.
الفرع
الأول ـ أصحاب الحق في الولاية ومراتبهم في القانون العراقي
صاحب الحق في الولاية على نفس الصغير في
القانون العراقي هو الأب وهذا ما يمكن استنتاجه من نص الفقرة (4) من المادة (57)
من قانون الأحوال الشخصية حيث تعطي هذه الفقرة للأب ولاية النظر في شؤون الصغير
وتربيته وتعليمه حتى اتمامه العاشرة من العمر ويجوز تمديد هذه الفترة حتى اكمال
الصغير الخامسة عشرة من عمره حيث نصت هذه الفقرة على أنه "للأب النظر في شؤون
المحضون وتربيته وتعليمه حتى يتم العاشرة من العمر، وللمحكمة أن تأذن بتمديد حضانة
الصغير حتى اكماله الخامسة عشر..".
إلا ن قانون الأحوال الشخصية لم يتعرض
لانتقال الولاية وصاحب الحق فيها في حالة وفاة الأب أو فقده شروط الولاية، ولما
كانت الشريعة الإسلامية تعتبر بموجب هذا القانون من المصادر التي يرجع إليها
القاضي في حالة انعدام النصوص التشريعية لديه فإنه لا مانع يمنع من الأخذ بالترتيب
الذي قال به فقهاء الشريعة في هذا الشأن([97])،
ولما كنا قد اعتبرنا الترتيب الذي قال به فقهاء الحنفية هو الترتيب الأمثل
للأولياء على النفس فإننا نرى أنه لا مانع يمنع من الأخذ بهذا الترتيب.
أما بالنسبة للولاية على المال فإن
القانون المدني جعل الولاية على مال الصغير للأب أولاً ثم لوصيه ثم للجد ثم لوصيه
ثم للمحكمة أو الوصي الذي تعينه المحكمة وهذا ما نصت عليه المادة (102) بقولها
"ولي الصغير هو أبوه ثم وصي أبيه ثم جده الصحيح ثم وصي الجد ثم المحكمة أو
الوصي الذي نصبته المحكمة".
ثم صدر بعد ذلك قانون رعاية القاصرين
الذي جعل الولاية تنتقل بعد الأب للمحكمة وهذا ما نص عليه في المادة (27) والتي
جاء فيها "ولي الصغير هو أبوه ثم المحكمة".
والعبرة بالنص الوارد في قانون رعاية
القاصرين وذلك لأنه يعتبر قانون خاص بالنسبة للقانون المدني الذي هو قانون عام
والخاص يقيد العام، يضاف إلى ذلك أن المادة (106) من قانون رعاية القاصرين نصت على
عدم العمل بأي قانون تتعارض أحكامه مع الأحكام التي جاء بها هذا القانون([98])، لذا كان الترتيب
الذي يجب العمل به هو الترتيب الذي جاء به قانون رعاية القاصرين([99]).
ويلاحظ ان النص جاء به القانون المدني
أكثر ملائمة في هذا المجال من النص الذي جاء به قانون رعاية القاصرين إذ يبدو من
خلال التمعن في النص الذي جاء به القانون المدني أن المشرع أخذ بنظر الاعتبار في
ترتيب الأولياء على مال الصغير مدى توفر الشفقة على الصغير فرتب الأولياء على هذا
الأساس([100]).
الفرع
الثاني-أصحاب الحق في الولاية على الصغير ومراتبهم في القوانين العربية:-
اختلفت القوانين العربية فيما بينها في
بيان أصحاب الحق في الولاية على الصغير ومراتبهم، وعلى النحو التالي:
أولاً
ـ القانون المصري:
كانت المحاكم في مصر تأخذ فيما يتعلق
بالولاية على النفس بالترتيب الذي قال به فقهاء الحنفية حتى صدور مرسوم القانون
رقم (118) لسنة (1952) الخاص بحالات سلب الولاية على النفس والذي نص في المادة
(12) منه على أنه "يقصد بالولي في تطبيق أحكام هذا القانون الأب والجد والأم
والوصي وكل شخص ضم إليه الصغير بقرار أو حكم من جهة الاختصاص".
ويلاحظ على هذا النص أنه لم يأخذ بأي من
المذاهب الفقهية الإسلامية فهو لم يأخذ بمذهب الذين قصروا الولاية على العصبات كما
لم يأخذ بمذهب الذين جعلوها لغيرهم من الأقارب . ولكن يبدو أنه اتجه إلى جعل ولاية
الأب والجد والأم ولاية ثابتة بحكم القانون أما ولاية غيرهم فإنها تثبت بتعيين
القاضي ، والقاضي لا يعين أجنبيا، ما دام هناك قريب يوثق به في هذا الشان([101]).
أما الولاية على مال الصغير فهي تثبت في
القانون المصري للأب ثم لوصيه ثم للجد وهو ما تقضي به المادة الأولى من المرسوم
رقم (119) لسنة (1952) الخاص بأحكام الولاية على المال فقد نصت هذه المادة على أنه
"للأب ثم للجد الصحيح إذا لم يكن الأب قد اختار وصياً الولاية على مال
القاصر..".
وأجازت المادة (28) للأب أن يقيم وصياً
مختاراً لرعاية أموال ولده الصغير فنصت هذه المادة على أنه "يجوز للأب أن
يقيم وصياً مختاراً لولده القاصر..".
ثانياً
ـ القانون السوري:
أعطى قانون الأحوال الشخصية السوري للأب
وللجد الصحيح ولاية على نفس الصغير وعلى ماله وأثبت لغيرهما من الأقارب ولاية على
النفس دون المال وهذا ما نصت عليه الفقرتين (1) و(2) من المادة (170) حيث نصت على
أنه "1 ـ للأب ثم للجد العصبي ولاية على نفس القاصر وماله وهما ملتزمان
بالقيام بها، 2 ـ لغيرهما من الأقارب بحسب الترتيب المبين في المادة (21) ولاية
على نفسه دون ماله".
وتنص المادة (21) على أنه "الولي
في الزواج هو الصعبة بنفسه على ترتيب الإرث بشرط أن يكون محرماً".
وفي حالة انعدام الأولياء الذين ذكرتهم
المادة (170) أو المادة (21) فإن الولاية تنتقل إلى القاضي وهو ما تقضي به المادة
(24) والتي تنص على أنه "القاضي ولي من لا ولي له".
ثالثاً
ـ القانون الأردني:
يأخذ قانون الأحوال الشخصية الأردني
فيما يتعلق بالولاية على النفس بالترتيب الذي قال به فقهاء الحنفية، وهذا ما نص
عليه في المادة (9) والتي عالج فيها ولاية الزواج ، حيث نصت هذه المادة على أن
"الولي في الزواج هو العصبة بنفسه على الترتيب المنصوص عليه في مذهب أبي حنيفة".
أما فيما يتعلق بترتيب الأولياء على
المال فلم يرد النص عليه في هذا القانون إلا أنه يؤخذ في هذا المجال أيضاً
بالترتيب الذي أخذ به فقهاء الحنفية وهذا ما يمكن استنتاجه من نص المادة (183)
والتي تنص على أنه "ما لا ذكر له في هذا القانون يرجع فيه إلى الراجح من مذهب
أبي حنيفة".
وقد سبق لنا البيان بأن فقهاء الحنفية
يجعلون الولاية على المال للأب ثم لوصيه ثم لوصي وصيه ثم للجد ثم لوصي الجد ثم
لوصي وصيه ثم للقاضي أو من ينصبه القاضي.
رابعاً
ـ القانون التونسي:
أعطت مجلة الأحوال الشخصية التونسية
الحق في الولاية على نفس الصغير للعاصب بالنسب وهو ما نصت عليه في الفصل (8) والذي
جاء فيه "الولي هو العاصب بالنسب ..".
أما الولاية على المال فهي تثبت للأب ثم
لوصيه ثم للحاكم وهذا ما نص عليه في الفصل (154،155) فقد جاء في الفصل (154)
"إذا لم يكن الصغير ذا أب ولا وصي وجب أن يقدم عليه الحاكم".
ونص في الفصل (155) على أنه "للأب
أو لوصيه الولاية على الصغير أصالة ..".
خامساً
ـ القانون المغربي:
تأخذ مدونة الأحوال الشخصية المغربية في
ترتيب الأولياء على النفس بالترتيب الذي قال به فقهاء المالكية وهو ما يمكن
استنتاجه من نص الفصل (119) والذي بين فيه المشرع ترتيب الأولياء في الزواج حيث نص
في هذا الفصل على أنه "الولي في الزواج هو الابن ثم الأب أو وصيه ثم الأخ
فابن الأخ فالجد للأب فالأقربون بعد بالترتيب ويقدم الشقيق على غيره فالكافل
فالقاضي فولاية عامة المسلمين…..".
أما الولاية على المال فهي تثبت في هذا القانون
للأب ثم لوصيه ثم للقاضي ثم لمن يعينه القاضي وهذا ما نص عليه في الفصل (148)
والذي جاء فيه "صاحب الولاية المعين في الشرع هو الأب والقاضي يسمى ولياً
والذي عينه الأب او وصيه يسمى وصياً والذي عينه القاضي يسمى مقدماً".
وعند الموازنة بين المعالجة الفقهية والمعالجة
القانونية في بيان مراتب الأولياء يتبين لنا أن المعالجة القانونية توافق المعالجة
الفقهية في النواحي التالية:
1 ـ يتفق كلا الجانبين على ان الأب هو
أحق الناس بالولاية على نفس الصغير وماله، حيث يعطي فقهاء الشريعة الإسلامية وتعطي
القوانين الوضعية للأب الحق في الولاية على نفس الصغير صيانةً وحفظاً وتعليماً
وتزويجاً وكذلك الحق في الولاية على ماله صيانةً وإدارة وتصرفاً.
2 ـ فيما يتعلق بالولاية على مال الصغير
تقترب القوانين الوضعية كثيراً في ترتيبها
للأولياء من ترتيب فقهاء الشريعة لهم حيث تجعل هذه القوانين الولاية أولاً للأب ثم
لوصيه ثم للجد ثم للحاكم أو من يعينه الحاكم([102]).
المبحث الرابع
سلطات الأولياء:
لما كان القصد من اثبات حق الولاية
للصغير هو العناية به والمحافظة عليه وإدارة شؤونه ، من هنا كان لابد لتحقيق هذه
الأهداف أن يعطى للولي مجموعة من السلطات والصلاحيات التي يستطيع من خلال القيام
بمهام الولاية، ولبيان هذه السلطات فإننا سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين يخصص الأول
منهما لبيان سلطات الاولياء في الشريعة الإسلامية فيما يخصص الثاني لبيان هذه
السلطات في القانون.
المطلب
الأول ـ سلطات الأولياء في الشريعة الإسلامية:
لما كان موضوع الولاية على النفس يختلف
عن موضوع الولاية على المال فإن فقهاء الشريعة الإسلامية منحوا الولي على النفس
سلطات وصلاحيات تختلف عن تلك التي منحوها للولي على المال، ولبيان ذلك نقسم هذا
المطلب إلى فرعين يخصص الأول لبيان سلطات الولي على النفس والثاني لبيان سلطات
الولي على المال.
الفرع
الأول ـ سلطات الولي على النفس:
مهمة الولي على النفس تتمثل بالمحافظة
على نفس الصغير وذلك بتربيته وتعليمه
وتأديبه وصيانته وحفظه من كل الأخطار التي قد يتعرض لها في حياته ، ولتحقيق هذه
المهمة أعطاه فقهاء الشريعة الإسلامية مجموعة من السلطات والصلاحيات التي تمكنه من
ذلك حيث نجدهم يقررون بأن لولي النفس ثلاث ولايات على الصغير. الأولى ولاية
الصيانة والحفظ والثانية ولاية التاديب والتعليم والثالثة ولاية التزويج.
أولاً
ـ ولاية الصيانة والحفظ:
ولاية الصيانة والحفظ من الحقوق التي
تثبت للحاضنة أثناء فترة حضانتها للصغير إذ يكون لها الحق في ضم الصغير منذ ولادته
واسكانه معها حتى تنتهي فترة حضانتها له وهي تتولى أثناء هذه الفترة كل ما يتعلق
بأمور حفظ الصغير وصيانته من حيث تغذيته وحمايته من المرض وكافة الأخطار الأخرى
التي قد تواجهه ، فإذا أما انتهت فترة الحضانة انتقل حق الصيانة والحفظ هذا إلى
الولي على النفس([103]).
وتتحقق الصيانة والحفظ بضم الصغير إلى
الولي واسكانه معه وخلال هذه الفترة يكون على الولي أن يرعى الصغير ويعتني به،
فعليه أن يشرف على غذائه لينمو جسده النمو الصحيح ويشب قوياً قادراً على الدفاع عن
نفسه ضد الأخطار التي قد تواجهه، من هنا نجد أن الشريعة الإسلامية تحث على العناية
بالصغير وتعليمه السباحة وركوب الخيل ورمي السهام وغيرها من الألعاب الأخرى التي
تساعد في بناء الجسم([104]).
وهكذا إذا اعتدى شخص على جسم الصغير فإن
الولي هو الذي يدافع عن الصغير وهو الذي يطالب بانزال العقوبة على المعتدى أمام
القضاء وإذا جرحه إنسان أو قطع عضواً من اعضائه فهو ـ أي الولي ـ الذي يطالب بأرش
الجريمة أو القصاص من الجاني([105]).
فالولي إذن هو الذي يدفع عن الصغير كل
ما يمكن دفعه من جوع او مرض أو اعتداء أو أي خطر آخر قد يتهدده، ويبقى هذا الواجب
ثابتاً على الولي على النفس حتى بلوغ الصغير حداً معيناً وهذا الحد يختلف فيما إذا
كان المولى عليه ذكراً أم أنثى.
فإذا كان المولى عليه ذكراً فإن هذا
الحد ينتهي ببلوغه بلوغاً طبيعياً غير مفسد، فإن بلغ سفيهاً أو فاسقاً فإن للولي
أن يضمه إليه حتى بعد بلوغه، لأن الولاية تثبت على الصغير لتحقيق مصلحته وإدارة
شؤونه ،فإذا بلغ الصغير ولا زال غير قادر على إدارة مصالحه بقي هذا الحق ثابتاً
للولي حتى يصل المولى عليه إلى الحد الذي يستطيع فيه إدارة شؤونه ومصالحه بنفسه([106]).
أما
إذا كان المولى عليه أنثى فإن انتهاء ولاية الحفظ والصيانة عليها يختلف باختلاف ما
إذا كانت ثيباً أم بكراً، فإن كانت ثيبا، فإن ولاية الحفظ والصيانة تنتهي ببلوغها
البلوغ الطبيعي ما لم يكن يخشى عليها من الفتنة، فإذا كان الأمر كذلك فإن الولاية
عليها تستمر لدفع الفتنة والعار عنها، أما إذا كانت بكراً فإن الولاية عليها تستمر
بعد بلوغها حتى تصل السن الذي لا يخشى عليها فيه من الانخداع وتكون قادرة على
حماية نفسها([107]).
ثانياً ـ ولاية
التأديب والتعليم:
للولي
بالإضافة إلى ولاية الصيانة والحفظ ولاية التأديب والتعليم على الصغير وذلك
استدلالاً بقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر
وفرقوا بينهم في المضاجع)([108]).
فللأب
وسائر الأولياء حق تأديب الصغير في الحدود التي رسمتها الشريعة الإسلامية ، فلهُ
في هذا الإطار أن ينصحه ويرشده للابتعاد عن كل ما يضره ويؤذيه، فإذا لم ينفع معه
النصح والارشاد جاز له أن يؤدبه بالضرب إلا أن حقه هنا مقيد بأن يكون هذا الضرب
ضرباً يسيراً القصد منه التأديب لا الإيذاء والتعذيب([109]).
فإذا
كان الضرب من النوع الفاحش غير المعتاد والذي قد يؤدي إلى الجرح أو الكسر، فإنه
يعتبر غير مأموناً على الصغير ويسأل عن الأذى الذي قد يصيب الصغير، وربما كان ذلك
سبباً في زوال ولايته عنه، وحق التأديب بالضرب ثابت للأب وسائر الأولياء على
الصغير كما يثبت هذا الحق أيضاً للأم ـ وذلك بالنسبة للفقهاء الذين قالوا بجواز
انتقال الولاية للنساء ـ وذلك على اعتبار أنها اشد الناس حرصاً على الصغير فيثبت
لها هذا الحق حفظاً للصغير([110]).
وللولي على النفس كذلك حق تعليم الصغير
وتوجيهه إلى الدراسة العلمية النافعة وتربيته تربية إيمانية بتعويده على فهم أركان
الإسلام وذلك بالتلقين وبث روح المحبة والتعاون وضبط النفس وغيرها من المبادئ
الأخرى، فإذا ما بلغ الصغير سن التمييز وتوسعت مداركه كان على الولي أن يروضه على
العادات الدينية والقيام ببعض العبادات بقوله ( صلى الله عليه وسلم) " مروا
اولادكم بالصلاة لسبع فاضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع".
ولا يقتصر التعليم على الأمور الدينية
وإنما يشمل كذلك تعليم الصغير على أمور دنياه سواء كان علماً نافعاً أم صنعة مربحة
يستطيع بهما أن يعيش في المجتمع ويختلط مع بقية الناس([111]).
ويختلف القدر الواجب من التعليم باختلاف
حال الولي من اليسر أو العسر إلا أن الحد الأدنى في هذا الإطار هو تعليم الصغير
بالقدر الذي يدفع عنه الجهل والأمية وييسر له سبل الفهم والإدراك، وإذا لم يستطع
الولي الانفاق على تعليم الصغير جاز له أن يدفعه إلى تعلم الحرفة التي يكتسب منها
والتي تناسب جنسه وتناسب قدراته ،وبالقدر الذي لا يتعارض مع تعليمه([112]).
وهكذا فإن الصغير أمانة في عنق الولي
وهو مطالب بالمحافظة عليه وتربيته التربية الإيمانية اللائقة وتوجيهه إلى الأعمال
الصالحة التي تجعل منه عضواً نافعاً في المجتمع وتبعده عن سلوك طريق الشر
والجريمة.
ثالثاً
ـ ولاية التزويج:
يثبت للولي بالإضافة إلى ولاية الحفظ
والصيانة وولاية التأديب والتعليم ولاية التزويج، وولاية التزويج، كما اشرنا أما
أن تكون ولاية اجبار أو ولاية اختيار([113]).
والذي يهمنا هنا هو النوع الأول من
الولاية أي ولاية الاجبار، وهذا النوع من الولاية ـ كما أشرنا ـ يثبت للولي على
الفسص على الصغير والصغيرة وذلك لعدم استطاعتهما مباشرة عقد الزواج بسبب الصغر،
وقد سب لنا الكلام عن هذا النوع من الولاية عند البحث في ترتيب الأولياء على النفس([114]).
وهكذا يتضح لنا بعد بيان السلطات التي
منحها فقهاء الشريعة الإسلامية للأولياء على النفس أن هذه السلطات إنما تهدف
بمجموعها إلى المحافظة على الصغير والنظر في شؤونه بسبب عجزه عن النظر لنفسه
بنفسه.
من هنا كان على الولي أن يتصرف في
الحدود المرسومة له، وأن يكون الهدف من هذه التصرفات تحقيق مصلحة الصغير، فليس
للولي فيما يتعلق بسلطة الحفظ والصيانة ضرب الصغير ضرباً يؤدي إلى الاضرار بصحته
أو سلامة جسمه، وليس له فيما يتعلق بولاية التعليم أن يعلم الصغير عاماً غير نافع
أو أن يدفعه إلى حرفةٍ فاسدة كالرقص أو صناعة الخمور أو غيرها من الحرف الفاسدة
الأخرى، وليس للولي فيما يتعلق بولاية التزويج أن يزوج الصغير أو الصغير من شخص
غير كفوءٍ ، فكل السلطات الممنوحة للولي مرهونة بتحقيق مصلحة الصغير، لأن الصغير
أمانةً في عنق وليه، وهو مسؤول قضاءً وديانةً عن كل اخلال في أدائه لواجب حفظ
الصغير والعناية به.
الفرع
الثاني ـ سلطات الولي على المال:
منح فقهاء الشريعة الإسلامية للولي على
المال مجموعة من الصلاحيات التي يستطيع من خلالها القيام بأمور الولاية على مال
الصغير، وتختلف الصلاحيات الممنوحة للأب عن الصلاحيات الممنوحة لغيره من الأولياء:
أولاً
ـ سلطات الأب:
لا خلاف بين الفقهاء في أن الأب وافر
الشفقة على أولاده الصغار لذا نجد أن هؤلاء الفقهاء يمنحونه الحق في التصرف بأموال
القاصر بشتى أنواع التصرفات، وفي هذا المعنى يقول الإمام الكاساني في بدائعه
"أما الأبوة فلأنها داعية إلى كمال النظر في حق الصغير ولوفور شفقة الأب وهو
قادر على ذلك لكمال رأيه وعقله ، والصغير عاجز عن النظر لنفسه بنفسه وثبوت ولاية
النظر للقادر على العاجز عن النظر أمر معقول مشروع لأنه من باب الإعانة على البر
ومن باب إعانة الضعيف وإغاثة اللهفان وكل ذلك حسن عقلا وشرعاً"([115]).
وهكذا إذا كان الأب معروفاً بحسن
التدبير وغير مبذر ولا متلف فإنه يجوز له التصرف في أموال ولده بشتى التصرفات
السائغة شرعاً، فله البيع والشراء في المنقولات والعقارات وله الإجارة والاستئجار
، وإعارة مال الصغير، واقراضه ورهنه، وتنميته والانفاق منه على الصغير، وقضاء دين
الغير على الصغير، وكذا سائر التصرفات الجائزة شرعاً([116]).
ولما كانت ولاية الأب على مال ولده
لصغير ثابتة للنظر ولحفظ هذا المال وتنميته لذا يشترط لصحة تصرفات الأب أن تكون
مما يتحقق فيها مصلحة الصغير وبناء على ذلك لا يجوز للأب التبرع بمال الصغير وما
في معناه لأن التبرع اخراج للمال دون عوض، وفي ذلك ضرر محض، كما لا يجوز للأب كذلك
البيع والشراء أو الاجارة والاستئجار إذا كان فيها غبن فاحش لأن الغبن الفاحش يدخل
في معنى التبرع، وفي ذلك اضاعة للمال دون مقابل([117]).
وفي هذا المعنى يقول الإمام الكاساني في
بدائعه في بيانه لشروط الولاية ".. وأما الذي يرجع إلى المولى فيه فهو أن لا
يكون من التصرفات الضارة بالمولى عليه.. فليس له أن يهب مال الصغير من غير عوض
لأنه إزاله ملكه من غير عوض فكان ضرراً محضاً وكذا ليس له أن يهب بعوض.. وليس له
أن يتصدق بماله ، ولا أن يوصي به لأن التصدق والوصية إزالة الملك من غير عوض فكان
ضرراً فلا يملكه"([118]).
وقد اختلف فقهاء الحنفية في مدى جوار
هبة الأب لمال ابنه الصغير مقابل عوض ، فذهب الإمام أبو حنيفة والإمام ابو يوسف
إلى عدم جواز ذلك لأنهم يرون أن الهبة تبرع وفيها اضرار بالصغير، وذهب الإمام محمد
بن الحسن إلى جواز ذلك لأنه يرى أن الهبة إذا كانت بعوض لاغبن فيه فإنها تكون في
معنى البيع لا التبرع([119]).
ويستدل الفقهاء على اشتراط المصلحة لصحة
تصرفات الأب في مال ولده الصغير بقوله تعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي
أحسن..)([120])،
وفي هذا المعنى يقول الإمام الرملي من الشافعية "ويتصرف الولي أباه او غيره
بالمصلحة وجوباً لقوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن" ..
واقتضى كلامه كأصله امتناع تصرف استوى طرفاه، وهو كذلك لانتفاء المصلحة فيه"([121]).
كما استدلوا أيضاً بقول النبي (صلى الله
عليه وسلم) (لا ضرر ولا ضرار)([122]) ، وفي هذا المعنى
يقول الإمام الكاساني في بيانه لشروط الولاية "وأما الذي يرجع إلى المولى فيه
فهو أن لا يكون من التصرفات الضارة بالمولى عليه لقوله (صلى الله عليه وسلم) لا
ضرر ولا ضرار في الإسلام"([123]).
وهكذا إذا كان الأب معروفاً بالعدالة
والأمانة وحسن التدبير ، صحت كافة تصرفاته متى ما كان الهدف من القيام بهذه
التصرفات رعاية مصلحة الصغير وإدارة أمواله والمحافظة عليها.
ثانياً
ـ سلطات غير الأب من الأولياء:
الولاية على مال الصغير بعد الأب تكون
أما للوصي أو للجد أو للحاكم:
1 ـ السلطات التي يتمتع بها الوصي:
ذهب جمهور الفقهاء كما اشرنا إلى اثبات الولاية على مال الصغير بعد الأب لوصي الأب
معللين ذلك بأن الأب هو الذي اختاره ولأن الأب وافر الشفقة فلا يتصور منه إلا أن
يختار من يظن فيه الشفقة والنظر والرعاية للصغير.
وثبيت للوصي المختار ذات التصرفات
الثابتة للأب باستثناء بعض هذه التصرفات، فليس له بيع العقار إلا إذا وجد مسوغ
لذلك ، وفي هذا المعنى يقول الإمام الشنقيطي "لا يجوز للوصي بيع عقار اليتيم
إلا لوجوه حصرها أهل العلم بالعد"([124])،
وفي ذات المعنى يقول الإمام الرملي "ولا يبيع عقاره لأن العقار اسلم وأنفع
مما عداه إلا لحاجة.."([125]).
ويعلل الفقهاء عدم جواز بيع الوصي لعقار
الصغير بأن الولاية على مال الصغير تثبت لحفظ هذا المال والعقار مستغن عن الحفظ
لكونه محفوظاً بنفسه ، كما أنه أنفع للصغير من غيره من الأموال([126]).
وقد اختلف فقهاء الحنفية في مدى جواز
شراء الوصي لمال الصغير لنفسه أو بيع مال نفسه للصغير فذهب الإمام محمد بن الحسن
إلى عدم جواز ذلك مطلقا، وذهب الإمام أبو حنيفة والإمام أبو يوسف إلى جواز ذلك إذا
كان فيه مصلحة ظاهره([127]).
وكما هو الحال في تصرفات الأب في مال
الصغير يشترط لصحة تصرفات الوصي أن تكون هذه التصرفات مما يتحقق فيها مصلحة الصغير
لأن ولاية الوصي على مال الصغير ثابتة للنظر ولحفظ هذا المال، وبناء على ذلك لا
يجوز للوصي القيام بكافة التصرفات التي فيها ضرر بأموال الصغير كالتبرعات بكافة
أشكالها، وكذلك البيوع التي فيها غبن فاحش، وشراء الأموال التي يتسارع إليها
الفساد([128]).
2
ـ السلطات التي يتمتع بها الجد:
لا تختلف الصلاحيات التي يتمتع بها الجد
عن تلك الصلاحيات التي يتمتع بها وصي الأب ، فله القيام بسائر التصرفات الجائزة شرعاً
للوصي([129]).
وبالإضافة إلى التصرفات التي يملكها
الوصي فإن فقهاء الحنفية اعطوا للجد حق بيع مال نفسه للصغير أو شراء مال الصغير
لنفسه بمثل قيمته أو بأقل من قيمته، في حين أن مثل هذا التصرف لا يصح بالنسبة
للوصي عند الإمام محمد بن الحسن، ويصح عند أبي حنيفة وأبي يوسف بشرط أن يكون فيه
خير للصغير وبخلافه لا يصح هذا التصرف([130]).
وذهب فقهاء الشافعية إلى أن الجد يملك
جميع التصرفات التي يملكها الأب، لأنه ينزل عندهم منزلة الأب، وهو لوفور شفقته لا
يتصور منه إلا ان يتصرف بما فيه مصلحة الصغير، لذا فإن له بالقيام بكافة التصرفات
التي يجوز للأب القيام بها([131]).
3
ـ السلطات التي يتمتع بها الحاكم أو القاضي:
للحاكم أو القاضي حق القيام بجميع
التصرفات التي يرى فيها تحقيق مصلحة الصغير المالية، فله حق إدارة أموال الصغير
والعناية بها وتنميتها بالكيفية التي يراها مناسبة([132]).
وهكذا يتضح لنا بعد بيان السلطات
والصلاحيات التي منحها فقهاء الشريعة الإسلامية للأولياء على النفس أنهم اتفقوا
على الأحكام التالية:
أ ـ أن الأب لوفور شفقته ولكمال نظره
فإنه يملك التصرف بأموال الصغير بشتى التصرفات النافعة والجائزة شرعاً.
ب ـ إن تصرفات الولي سواء كان الأب أم
غيره يجب أن تكون مرتبطة بتحقيق مصلحة الصغير وبخلافه لا تصح مثل هذه التصرفات.
وإذا كان الفقهاء قد اتفقوا على الأحكام
السالفة الذكر فإن فقهاء الحنفية اختلفوا في مسألتين :
أ ـ اختلفوا في مدى جواز هبة الأب لمال
ابنه الصغير مقابل عوض، فأجازها الإمام محمد بن الحسن ولم يجزها الإمام أبو حنيفة
والإمام أبو يوسف، ويبدو لنا أن الهبة إذا كانت مقابل عوض معقول فإنها تخرج من
كونها هبة وتدخل في معنى البيع فتكون جائزة أما إذا كان العوض تافهاً ، فإنها تدخل
في اطار التبرع، وبالتالي تكون ممنوعة حفظاً لمال الصغير.
ب ـ اختلفوا في مدى جواز شراء الوصي
لمال الصغير لنفسه، أو بيع مال نفسه للصغير فذهب الإمام محمد بن الحسن إلى عدم
جواز ذلك مطلقاً، وأجازه الإمام أبو حنيفة وأبو يوسف بشرط المصلحة وهو الرأي
الأصوب كما يبدو لنا لأن الفقهاء كما اشرنا قيدوا تصرفات الولي بشرط المصلحة فكل
تصرف فيه مصلحة للصغير يجب أن لا يمنع الولي من القيام به.
المطلب
الثاني ـ سلطات الأولياء في القانون:
تعطي القوانين الوضعية للأولياء، مجموعة
من السلطات والصلاحيات التي يستطيعون من خلالها رعاية الصغير والعناية به
والمحافظة على أمواله والقيام بكل الأمور التي تجب عليهم بمقتضى ولايتهم.
وتختلف السلطات والصلاحيات التي يتمتع
بها الأولياء على النفس عن تلك التي يتمتع بها الأولياء على المال وذلك بسبب
اختلاف موضوع الولايتين ونخصص لبيان سلطات الولي في كلٍ منهما فرعاً مستقلاً :
الفرع
الأول ـ سلطات الولي على النفس:
تمنح قوانين الأحوال الشخصية الأولياء
على النفس مجموعة من السلطات والصلاحيات التي تمكنهم من أداء مهامهم المتعلقة بحفظ
الصغير وصيانته والعناية به ومن هذه القوانين:
اولاً
ـ القانون العراقي:
أعطى قانون الأحوال الشخصية العراقي
للولي لسلطات الثلاثة التي أقرها فقهاء الشريعة الإسلامية والتي سبق بيانها.
فقد أعطت المادة (55) في فقرتها الرابعة
للأب ولاية حفظ الصغير والنظر في شؤونه وولاية التربية والتعليم حيث نصت هذه
المادة على أنه "للأب النظر في شؤون المحضون وتربيته وتعليمه..".
وتقتضي النظر في شؤون المحضون أن يعطى
للأب حق تأديب الصغير بالنصح والارشاد والضرب اليسير أن تطلب الأمر، ودفع كافة
الأخطار عنه ودفعه لدراسة العلم النافع الذي يتناسب مع مستواه وقدراته الذهنية،
وتربيته التربية الإيمانية التي تتناسب مع عادات المجتمع الذي يعيش فيه .
ولما كان الهدف من منح هذا الحق للأب هو
حفظ الصغير وصيانته والنظر في شؤونه فإن هذا الحق يثبت لسائر الأولياء على نفس
الصغير لتوفر العلة ذاتها.
كما أعطت المادة (8) للولي حق تزويج
الصغير فقد نصت هذه المادة على أنه "إذا طلب من أكمل الخامسة عشرة من العمر
الزواج، فللقاضي ان يأذن به، إذا ثبت له قابليته بعد موافقة وليه الشرعي".
ثانياً
ـ القوانين الأخرى:
تفاوتت قوانين الاحوال الشخصية العربية الأخرى في بيانها للسلطات التي يتمتع
بها الأولياء على النفس فبعضها أهمل الإشارة إلى هذا الأمر كالقانون المصري،
وبعضها الآخر اكتفى بالإشارة إلى ولاية التزويج واعتبرها من السلطات التي تثبت
للولي على النفس ومنها القانون الأردني الذي نص في المادة (9) منه على أنه
"الولي في الزواج هو العصبة بنفسه.." ونص في المادة (10) على أن
"رضاء أحد الأولياء بالخاطب يسقط اعتراض الآخرين إذا كانوا متساوين في الدرجة..".
ويفهم من هذين النصين أنهما يعطيان
للولي الحق في تزويج الصغير والصغيرة، وبذلك يعتبر هذا الحق من السلطات التي تثبت
للولي على النفس.
في حين تناولت القوانين الأخرى السلطات
الثلاثة التي أقرها فقهاء الشريعة الإسلامية واعتبرتها من السلطات التي تثبت للولي
ومن هذه القوانين القانون السوري الذي نص على هذه السلطات في الفقرة (3) من المادة
(170) بقوله "يدخل في الولاية النفسية سلطة التأديب والتطبيب والتعليم
والتوجيه إلى حرفة اكتسابية والموافقة على التزويج وسائر أمور العناية بشخص
القاصر".
كما نصت على هذه السلطات مدونة الأحوال
الشخصية المغربية، التي تناولت في الفصل (109)
ولاية الحفظ والصيانة وولاية التاديب والتعليم بالقول "للأب وغيره من
أولياء المحضون حق العناية بشؤونه في التأديب والتوجيه لأماكن الدراسة.."
ونصت على ولاية التزويج في الفصل (11) بقولها "الولي في الزواج هو الابن ثم
الأب..".
ونصت مجلة الأحوال الشخصية التونسية على
ولاية الحفظ والصيانة في الفصل (60) بقولها "للأب وغيره من الأولياء النظر في
شؤون المحضون وتأديبه وارساله إلى أماكن التعليم..".
ونصت على ولاية التزويج في الفصل (7)
بالقول "زواج الرجل والمرأة اللذين لم يبلغا سن الرشد القانوني يتوقف على
موافقة الولي..".
الفرع
الثاني ـ سلطات الولي على المال:
تختلف كما أشرنا السلطات التي يتمتع بها
الأولياء على المال عن تلك التي يتمتع بها الأولياء على النفس بسبب اختلاف موضوع
الولاية على النفس عن موضوع الولاية على المال ومن هنا نجد أن القوانين الوضعية
تعطي للأولياء على المال مجموعة من السلطات التي تمكنهم من إدارة أموال الصغير
والعناية بها وتنميتها بما يحقق مصلحته ويحفظ أمواله من الهدر والضياع ومن هذه
القوانين :
أولاً
ـ القانون العراقي:
تناول كلاً من القانون المدني وقانون
رعاية القاصرين العراقي بيان السلطات التي يتمتع بها ولي المال، فقد أعطى القانون
المدني للولي مجموعة من السلطات التي يستطيع من خلالها إدارة أموال الصغير ، حيث
أعطت المادة (98) للولي بترخيص من المحكمة الحق بتسليم الصغير المميز الذي أكمل
الخامسة عشرة من عمره جزء من أمواله والاذن له بالتجارة على سبيل التجربة له حيث
نصت هذه المادة على أنه "للولي بترخيص من الحكمة أن يسلم الصغير المميز إذا
أكمل الخامسة عشرة مقدار من ماله ويأذن له في التجارة تجربة له ويكون الاذن مطلق
أو مقيد".
وأعطت المادة (100) للولي الحق في الحجر
على الصغير المأذون وابطال الاذن بشرط أن يتم الحجر على الوجه الذي تم به الاذن
فنصت على أنه "للولي أن يحجر الصغير المأذون ويبطل الاذن ولكن يجب أن يحجره
على الوجه الذي أذنه به".
أما قانون رعاية القاصرين فقد اعتبر أن
من بين الأسس التي يقوم عليها هذا القانون المحافظة على أموال الصغير واستثمارها
والعناية بها وهو ما نص عليه في المادة (2) والتي جاء فيها "يقوم القانون على
الاسس الاتية: ... سادساً: المحافظة على أموال القاصرين واستثمارها بما يحقق منافع
أكثر لهم ويتلائم مع خطة التنمية القومية".
وانطلاقاً من هذا الأساس نجد أن هذا
القانون يعطي للولي مجموعة من الصلاحيات التي تمكنه من المحافظة على أموال الصغير
وتنميتها والعناية بها وتنقسم التصرفات التي يحق للولي القيام بها بموجب هذا
القانون إلى قسمين:
القسم الأول: تصرفات يقوم بها الولي لا
تستلزم موافقة مديرية رعاية القاصرين وتشمل هذه التصرفات ما يلي:
أ ـ أعمال الإدارة المعتادة، وتشمل هذه
الأعمال الأعمال التي يراد بها حفظ أموال الصغير وصيانتها واستثمارها على الوجه
الذي يعود بالفائدة والربح عليه، كإيفاء الديون واستيفاء الحقوق، وبيع المحاصيل
الزراعية، وبيع المنقولات التي يتسارع إليها التلف([133]).
ويوجب القانون على الولي ان يبذل في
إدارته لهذه الأعمال ما يطلب من الوكيل المأجور بذله من العناية بموجب أحكام
القانون المدني، وهذه الأحكام تقرر بأن على الوكيل المأجور أن يبذل في تنفيذه
للأعمال المقررة بموجب الوكالة ما يبذله الرجل المعتاد من العناية([134]).
وهذه الأحكام مقررة بموجب المادة (41)
والتي تنص على أنه "على الولي أو الوصي أو القيم المحافظة على أموال القاصر
وله القيام بأعمال الإدارة المعتادة على أن يبذل في كل ذلك ما يطلب من الوكيل
المأجور بذله وفقاً لأحكام القانون المدني".
ب ـ تسلم الراتب التقاعدي للصغير مع
المخصصات والإضافات بالقدر الذي لا يزيد على المبلغ الذي يحدده مجلس رعاية
القاصرين أما ما يزيد على هذا المبلغ فيتم ايداعه في مديرية رعاية القاصرين لتتولى
بدورها استثماره وفقاً لأحكام القانون ، وهذا ما نصت عليه المادة (44) بقولها
"للولي او الوصي تسلم الراتب التقاعدي للقاصر مع المخصصات والإضافات بموجب
قانون التقاعد بما لا يزيد على المبلغ الذي يحدده مجلس رعاية القاصرين وما زاد على
الحد الأعلى فيودع في مديرية رعاية القاصرين لاستثماره وفق القانون".
ج ـ تسلم النفقة الشهرية التي تقدرها
المحكمة للصغير، وهو ما تقضي به المادة (45) فقرة (1) والتي تنص على أنه
"للولي أو الوصي أو القيم أو من يتولى رعاية القاصر أن يتسلم من مديرية رعاية
القاصرين النفقة الشهرية التي تقدرها المحكمة إلى القاصر..".
وللولي في هذا الاطار أيضا أن يطلب
الاذن بصرف نفقة ثلاثة أشهر مقدما وذلك بطلب تحريري مسبب، وهو ما تقضي به الفقرة
(2) من المادة (45) والتي تنص على أنه "لمدير عام دائرة رعاية القاصرين أن
يأذن بصرف نفقة ثلاثة أشهر مقدماً بناء على طلب تحريري مسبب يقدمه الولي..".
د ـ صرف المبالغ اللازمة إذا حدثت أمور
غير اعتيادية للصغير كمرضه أو سفره لأغراض الدراسة ، وهذا ما تقضي به المادة (46)
والتي تنص على أنه "إذ حدثت أمور غير اعتيادية كمرض القاصر أو سفره لأغراض
الدراسة أو غيرها فيجوز لمن يقوم قانوناً مقام القاصر صرف المبالغ اللازمة لذلك
وفقاً للتعليمات التي يصدرها مجلس رعاية القاصرين".
هـ ـ الانفاق على تعمير وادامة مال الصغير
في الأمور المستعجلة والضرورية بما لا يزيد على 10% من الوارد السنوي لكل عقار
وهذا ما نصت عليه المادة (47) والتي جاء فيها "للولي أو الوصي أو القيم أن
ينفق بغير اذن من مديرية رعاية القاصرين على تعمير وادامة مال القاصر في الأمور
المستعجلة والضرورية بما لا يزيد على 10% (عشرة بالمائة) من الوارد السنوي لكل
عقار..".
القسم الثاني ـ تصرفات يقوم بها الولي
تستلزم موافقة مديرية رعاية القاصرين ، وهذه التصرفات تشمل ما يلي:
أ ـ التبرع من أموال الصغير لأداء واجب
عائلي إنساني وهو ما نصت عليه المادة (42) والتي جاء فيها "لا يجوز للولي أو
الوصي أو القيم التبرع من مال القاصر إلا لأداء واجب عائلي إنساني وذلك بموافقة
دائرة رعاية القاصرين".
ب ـ التصرفات التي من شأنها انشاء حق من
الحقوق العينية العقارية الأصلية أو التبعية أو نقله أو تغييره او زواله، وكذلك
التصرفات المقررة لحق من هذه الحقوق، وهذا ما تقضي به المادة (43) فقرة (1) بقولها
"لا يجوز للولي أو الوصي أو القيم مباشرة التصرفات التالية إلا بموافقة
مديرية القاصرين المختصة بعد التحقق من مصلحة
القاصر في ذلك:
أولاً ـ جميع التصرفات التي من شانها
انشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية أو التبعية أو نقله أو تغييره أو
زواله وكذلك جميع التصرفات المقررة لحق من الحقوق المذكورة".
ج ـ التصرف في المنقول والحقوق الشخصية
أو الأوراق المالية، وهو ما تقضي به الفقرة (2) من المادة (43).
د ـ الصلح والتحكيم فيما زاد على مائة
دينار لكل صغير وهو ما تقضي به الفقرة (3) من المادة (43) .
ر ـ حوالة الحقوق وقبولها وحوالة الدين،
وهو ما تقرره الفقرة (4) من المادة أعلاه.
ز ـ ايجار العقارات لأكثر من سنة واحدة
وللأراضي الزراعية لأكثر من ثلاث سنوات ، وهو ما نصت عليه الفقرة (5) من المادة
المذكورة.
س ـ قبول التبرعات المقترنة بعوض ، وهو
ما نصت عليه الفقرة (6) من المادة (43).
ش ـ التنازل عن التأمينات واضعافها
والتنازل عن الحقوق والدعاوى وطرق الطعن القانونية في الأحكام، وهو ما تقرره
الفقرة (7) من المادة (43).
ص ـ القسمة الرضائية للأموال التي
للصغير حصة فيها وهو ما تقضي به الفقرة (8) من المادة (43).
ظ ـ القيام بانشاء بناء على عقار عائد
للصغير إذا تحققت في ذلك مصلحة الصغير، وهو ما نصت عليه المادة (54) .
ط ـ بيع عقار مملوك للصغير ، وهو ما
تقضي به المادة (55) فقرة(1)..".
ع ـ شراء عقار للصغير من أمواله ، وهو
ما نصت عليه المادة (56) فقرة (1) بالقول "لا يجوز شراء عقار للقاصر من
أمواله إلا بموافقة مديرية رعاية القاصرين..".
وبالإضافة إلى التصرفات السالفة الذكر
والتي يشترط فيها الحصول على موافقة مديرية رعاية القاصرين يجوز لمجلس رعاية
القاصرين أن يشترط موافقة مديرية رعاية القاصرين في أي تصرف آخر يقوم به الولي في
إدارة أموال الصغير([135])،
وهذا ما تقضي به المادة (43 ف9).
وهكذا نجد أن هذه السلطات والصلاحيات
الممنوحة للولي على المال ـ سواء ما جاء منها في القانون المدني أو في قانون رعاية
القاصرين ـ إنما تهدف إلى إدارة أموال الصغير بصورة صحيحة والعناية بها وتنميتها
بما يحقق مصحلة الصغير ويضمن له الحفاظ على أمواله من الضياع والهدر.
ولضمان تحقيق هذا الهدف نجد أن قانون
رعاية القاصرين يجعل من واجبات دائرة رعاية القاصرين الاشراف على الأولياء
ومحاسبتهم عن ألاخطاء التي يرتكبونها عند قيامهم بأعمال الإدارة الخاصة بأموال
الصغير([136]).
ثانياً
ـ القانون المصري:
في مصر أعطى مرسوم القانون رقم (119)
لسنة (1952) الخاص بأحكام الولاية على المال لولي المال مجموعة من السلطات
والصلاحيات التي تمكنه من إدارة أموال الصغير وتنميتها والمحافظة عليها وهذا ما
نصت عليه المادة (4) من هذا القانون والتي
جاء فيها "يقوم الولي على رعاية أموال القاصر وله إدارتها وولاية
التصرف فيها مع مراعاة الأحكام المقررة في هذا القانون".
ولتحقيق هذا الأمر منع مرسوم القانون
الولي من القيام ببعض التصرفات إلا بعد الحصول على اذن من المحكمة المختصة ، وأجاز
له القيام بتصرفات أخرى دون اشتراط مثل هذا الاذن، أما التصرفات التي اشترط
القانون لصحتها الحصول على اذن من المحكمة فهي تشمل ما يلي:
1 ـ التبرع بمال الصغير، إلا أنه أجاز
مثل هذا التبرع إذا كان الغرض منه أداء واجب إنساني أو عائلي وهذا ما نصت عليه
المادة (5) والتي جاء فيها "لا يجوز للولي التبرع بمال القاصر إلا لأداء واجب
إنساني أو عائلي وبإذن المحكمة.
2 ـ التصرف بعقار الصغير لنفسه أو
لزوجته أو لأقاربه أو لأقاربها إلى الدرجة الرابعة، أو رهن هذا العقار لدين على
الولي، وهذا ما تقضي به المادة (6) من هذا القانون.
3 - التصرف في العقار أو المحل التجاري
او الأوراق المالية إذا زادت قيمتها على ثلاثمائة جنيه إلا بأذن المحكمة ولا يجوز
للمحكمة أن ترفض الاذن إلا إذا كان التصرف من شأنه جعل أموال الصغير في خطر أو كان
فيه غبن يزيد على خمس القيمة، وهذا ما نصت عليه المادة (7) من القانون.
4 ـ اقراض مال الصغير أو اقتراضه وهذا
ما تقضي به المادة (9) من القانون.
5 ـ الاستمرار في تجارة آلت إلى القاصر
وهذا ما نصت عليه المادة (10) من القانون .
6 ـ قبول هبة أو وصية للصغير إذا كانت
هذه الهبة أو الوصية محملة بالتزامات معينة وهذا ما نصت عليه المادة (12).
7 ـ إذا كان الولي هو الجد فلا يجوز له
التصرف في مال الصغير ولا الصلح عليه ولا التنازل عن التأمينات أو أضعافها إلا
بأذن المحكمة، وهذا ما تقضي به المادة (15) من القانون.
فإذا قام الولي بأي تصرف من التصرفات
السابقة لا يصح تصرفه إلا إذا حصل على إذن من المحكمة المختصة بالقيام بمثل هذا
التصرف.
أما التصرفات التي أجاز القانون للولي
القيام بها دون اشتراط الحصول على اذن المحكمة المختصة فهي تشمل ما يلي:
1 ـ التعاقد مع نفسه باسم الصغير سواء
أكان ذلك لحسابه هو أم لحساب شخص آخر إلا إذا نص القانون على غير ذلك وهذا ما نصت
عليه المادة (14) من القانون.
2 ـ الانفاق على نفسه من مال الصغير إذا
كانت نفقته واجبة عليه، وكذلك الانفاق من مال الصغير على من تجب على الصغير نفقته،
وهذا ما تقضي به المادة (17) من القانون.
3 ـ التصرف بريع مال الصغير والتصرف
بريع المال الذي وهب للصغير لغرض معين كالتعليم أو القيام بحرفة أو مهنة، إلا أنه
يحاسب على تصرفه في ريع المال الذي وهب للصغير لهذه الأغراض ولا يحاسب على تصرفه
في ريع المال في الحالة الأولى وهذا ما نصت عليه المادة (25).
وفرض القانون المذكور على الولي عند
قيامه بإدارة أموال الصغير تحرير قائمة بما يكون للصغير من مال أو ما يؤول إليه
وأن يودع هذه القائمة لدى قلم كتاب المحكمة التي يقع بدائرتها موطنه وذلك خلال مدة
شهرين من بدء الولاية أو من تاريخ أيلولة هذا المال إلى الصغير وهذا ما نصت عليه
المادة (16) من هذا القانون.
وجعل القانون مسؤولية الأب عن أخطائه
التي يرتكبها أثناء ولايته مقصورة على خطأه الجسيم، أما إذا كان الولي هو الجد
فإنه يعامل معاملة الوصي ويسأل عن خطأه ولو لم يكن جسيماً، وهذا ما نصت عليه
المادة (24) من القانون.
وأخيراً الزمت المادة (25) من القانون
الولي أو ورثته رد أموال الصغير إليه عند بلوغه وجعلتهم مسؤولين عن قيمة ما تصرفوا
فيه باعتبار القيمة وقت التصرف.
ثالثاً
ـ القانون السوري:
نص قانون الأحوال الشخصية السوري على
الصلاحيات الممنوحة للولي على المال في المادة (172) بقوله "للأب وللجد
العصبي عند عدمه دون غيرهما ولاية على مال القاصر حفظاً وتصرفاً
واستثمارا..".
واشترطت المادة المذكورة لصحة تبرع
الولي بمال القاصر او منافعه أو بيع عقاره أو رهنه الحصول على أذن من القضاء حيث
جاء في الشطر الثاني من هذه المادة
".. وليس لأحدهما التبرع بمال القاصر أو بمنافعه أصلاً ولا بيع عقاره او رهنه
إلا بأذن القاضي بعد تحقق المسوغ".
رابعاً
ـ القانون المغربي:
اعطت مدونة الأحوال الشخصية المغربية
للولي أو من يقوم مقامه بعد الحصول على اذن القاضي الحق في الاذن للصغير الذي أتم
الخامسة عشرة من العمر بتسليم قدر من أمواله لغرض إدارتها بقصد التجربة وهذا ما
نصت عليه الفقرة (2) من الفصل (140) بقولها "للولي أو من يقوم مقامه بعد اذن
القاضي أن يأذن له إذا راى عليه مخايل الرشد وأتم الخامسة عشرة من العمر بتسلم قدر
من أمواله لادارتها بقصد التجربة".
واعتبر الفصل (142) الصغير المأذون
بمثابة كامل الأهلية في حدود الاذن الممنوح له فنص على أنه "يعتبر المأذون في
حالة الاختبار كامل الأهلية فيما أذن له به وفي التقاضي فيه".
وأجاز الفصل (143) للولي الحجر على
الصغير المأذون بعد الاذن وابطال هذا الاذن على الوجه الذي أذن له فيه فنص على أنه
"للولي أن يحجر الصغير بعدما اذنه ويبطل ذلك الاذن على الوجه الذي أذن له
فيه".
المبحث الخامس
انتهاء الولاية
لما
كان الهدف من اثبات حق الولاية للصغير هو رعايته والعناية به وإدارة شؤونه ومصالحه
لذا كان من الطبيعي أن تنتهي الولاية بانتهاء الأسباب التي وجدت من أجلها.
والبحث في انتهاء الولاية يتطلب منا
تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين يخصص الأول لبيان انتهاء الولاية في الشريعة
الإسلامية فيما يخصص الثاني لبيان انتهائها في القانون.
المطلب
الأول ـ انتهاء الولاية في الشريعة الإسلامية:
انتهاء الولاية أما أن يكون بصورة تامة
وذلك بزوال السبب الذي وجدت من أجله، وأما أن يكون بانتهائها بالنسبة لأحد الأولياء
وانتقالها إلى من يليه في المرتبة، ونخصص لكل حالة فرعاً مستقلاً.
الفرع
الأول ـ الانتهاء التام للولاية:
تنتهي الولاية بصورة تامة بزوال السبب
الذي وجدت من أجله وهو الصغر وذلك ببلوغ الصغير كما تنتهي ايضاً بوفاته:
أولاً
ـ بلوغ الصغير:
تنتهي الولاية على الصغير بزوال السبب
الذي وجدت من أجله وهو الصغر، والصغر ينتهي بالبلوغ، والبلوغ المقصود هنا هو بلوغ
النكاح، وذلك استدلالا بقوله تعالى: (وابتلوا
اليتـمى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم..)([137]).فتنتهي الولاية على
الصغير بنوعيها ببلوغه سن النكاح عاقلاً رشيداً قادراً على القيام بشؤونه أما إذا
بلغ وهو غير قادر على القيام بشؤونه ومصالحه وذلك بأن كان مجنوناً مثلاً فإن
الولاية عليه تستمر إلى ان يعود إليه رشده ويكون قادراً على العناية بنفسه وإدارة
مصالحه، وفي هذا المعنى يقول الإمام الكاساني في بدائعه "..وإنما توقف هذا
الحق إلى وقت بلوغ الصغير والصغيرة لأن ولاية الرجال على الصغار والصغائر تزول
بالبلوغ كولاية المال غير أن الغلام إذا كان غير مأمون عليه فللأب أن يضمه إلى
نفسه ولا يخلي سبيله كيلا يكتسب شيئاً عليه وليس عليه نفقته إلا ان يتطوع فإذا ما
بلغ عاقلاً واجتمع رايه واستغنى عن الأب وهو مأمون عليه فلا حق للأب في امساكه كما
ليس له أن يمنعه من ماله فيخلي سبيله"([138]).
أما بالنسبة للأنثى فأن بلوغها يكون
بالحيض، إلا أن الولاية عليها لا تنتهي بمجرد بلوغها وانما لابد من أمر آخر وهو
الأمن على نفسها من الفتنة والخديعة، هذا بالنسبة لولاية الصيانة وولاية التأديب
والتعلم، أما بالنسبة لولاية التزويج فإنها تبقى قائمة بصورة دائمة إلا انها قبل
البلوغ تكون اجبارية أي لا يكون لها اختيار في أمر زواجها، أما بعد البلوغ فإنها
تكون اختيارية أي يحق لها المشاركة في أمر زواجها دون أن يكون لها الاستقلال في
ذلك عند جمهور الفقهاء([139])،
أما عند أبي حنيفة فإن المراة يكون لها بعد البلوغ أن تستقل بأمور زواجها دون
اشتراط مشاركة وليها في ذلك([140]).
ثانياً
ـ وفاة الصغير:
لما كانت الولاية ـ كما اشرنا ـ مقررة
للحفاظ على مصالح الصغير وإدارة شؤونه والقيام باحتياجاته لذا كان من الطبيعي أن
تنتهي الولاية بانتهاء هذا السبب وذلك بموت الصغير([141]).
الفرع
الثاني ـ الانتهاء غير التام للولاية:
الولاية قد لا تنتهي بصورة تامة وإنما
قد تنتهي بالنسبة للولي الأقرب لكنها تنتقل إلى من يليه من الأولياء في المرتبة
ويحدث ذلك في الحالات التالية:
اولاً
ـ فقدان الولي بعض شروط الولاية:
تتمثل هذه الحالة بأن تكون الولاية قد
ثبتت للولي الأقرب لتوفر شروطها فيه، ثم يطرأ بعد ذلك ما يؤدي إلى فقدان شرط من
هذه الشروط أو فقدها جميعاً، ففي مثل هذه الحالة يصدر حكم من القاضي يقرر فيه سلب
الولاية من الولي الأقرب وانتقالها إلى من يليه في المرتبة من الأولياء ، وفي هذا
المعنى جاء في مغني المحتاج "ومتى كان الأقرب ببعض هذه الصفات المانعة
للولاية فالولاية للأبعد لخروج الأقرب عن ان يكون ولياً فأشبه بالمعدوم"([142]).
وهكذا إذا فقد الولي شرطاً من شروط
الولاية التي مر ذكرها أو فقدها جميعاً ، فإن القاضي يقرر سلب الولاية منه ونقلها
إلى الولي الذي يليه فلو جن الولي زالت ولايته([143]).
كذلك إذا اختلف دين الولي عن دين الصغير
فإن ذلك يعتبر سبب لسلب الولاية منه وانتقالها إلى من يليه فلو بدل الولي دينه من
دين الإسلام إلى دين آخر زالت ولايته عن الصغير المسلم، وكذلك الامر لو بدل الصغير
دينه إلى دين آخر غير دين الإسلام([144])،
ويستثنى من ذلك كما أشرنا ولاية القاضي. أما إذا فسق الولي بعد ثبوت ولايته على
الصغير فقد ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأن الولاية تنتقل في هذه الحالة إلى الولي
الذي يليه ، وهو ما ذهب إليه فقهاء الشافعية([145])
والحنابلة([146])
في حين ذهب البعض الآخر إلى القول بأن الفسق لا يؤدي إلى زوال ولاية الولي، وهو ما
ذهب إليه فقهاء الحنفية([147])
والمالكية([148]).
وتسلب الولاية من الولي الاقرب كذلك
بفقده لحريته أو عدم قدرته على القيام بشؤون الولاية لمرض او عمل او نحوهما.
ثانياً
ـ وفاة الولي:
تعتبر وفاة الولي من الأسباب التي تؤدي
إلى انتهاء ولايته، وهو أمر طبيعي إذ أن الوفاة تؤدي إلى انتهاء شخصية الولي
وتخرجه من دائرة التكليف، فتنتهي تبعاً لذلك ولايته على الصغير وسواء كانت ولاية
على النفس ام ولاية على المال، وتنتقل الولاية إلى الولي الذي يليه في المرتبة،
وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن الهمام ".. فوجب المصير إلى ما قلنا وظهر وجه
تقديمه على السلطان ولأنه لو سلبت ولايته بموته كان الأبعد أولى من السلطان"([149]).
ثالثاً ـ غيبة الولي الأقرب:
من الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى سلب
الولاية من الولي الأقرب وانتقالها إلى الولي الأبعد غيبة الولي، وقد اختلف فقهاء
الحنفية فيما بينهم في هذه المسألة، فذهب الإمام أبو حنيفة وصاحباه إلى القول بأن
ولاية الولي الأقرب تزول بغيبته المنقطعة مسافة تعدل المسافة التي تقصر فيها
الصلاة وتنتقل إلى الولي الأبعد، في حين ذهب الإمام زفر إلى القول بأن الولاية لا
تسقط عن الولي الأقرب في مثل هذه الحالة لأنها تثبت له صيانة للصغير فلا تبطل
بغيبته([150]).
والرأي الراجح عند فقهاء الحنفية هو
الرأي الذي قال به الإمام أبو حنيفة وصاحباه لأن ثبوت الولاية للولي الأقرب يكون
للنظر في شؤون الصغير واثبات هذا الحق للولي الأبعد بعد غياب الأقرب فيه زيادة في
النظر في شؤون الصغير، وفي هذا المعنى يقول الإمام الزيعلي "ولنا أن هذه
الولاية نظرية ، وليس من النظر التفويض إلى من لا ينتفع برأيه ففوضناه إلى الأبعد،
وهو مقدم على السلطان فصار كما إذا كان الأقرب مجنوناً أو رقيقاً أو كافراً أو
ميتاً أو صغيراً"([151]).
وذهب فقهاء المالكية إلى القول بأن
الولاية تنتقل إلى القاضي إذا غاب الولي الأقرب مسافة ثلاثة أيام من بلد الصغير،
أما إذا أسر فإن الولاية تنتقل إلى الولي الأبعد([152]).
أما فقهاء الشافعية فقد ذهبوا إلى القول
بانتقال الولاية إلى القاضي أو نائبه عند غيبة الولي الأقرب مسافة مرحلتين -دون أن
يحددوا المقصود بالمرحلتين- وهم يعللون ذلك بأن الغائب لا يزال متمتعاً بصفة الولي
فإذا تعذر الوصول إليه فإن القاضي أو نائبه يقوم مقامه([153]).
وذهب فقهاء الحنابلة إلى انتقال الولاية
في حالة غيبة الولي غيبة لا تقطع إلا بكلفة ومشقة وتكون فوق مسافة قصر الصلاة إلى
الولي الابعد، وهم يعللون ذلك بأن من شروط انتقال الولاية إلى القاضي ان لا يكون
للصغير ولي عملاً بقوله (صلى الله عليه وسلم): (السلطان ولي من لا ولي له) وفي
حالة الغيبة يكون الولي موجود وهو الولي الأبعد([154]).
وذهب فقهاء الظاهرية إلى وجوب انتظار
الولي في حالة غيبته ولا تنتقل الولاية إلى الولي الأبعد([155]).
ويبدو لنا أن الرأي الراجح من الآراء
السابقة هو ما ذهب إليه فقهاء الحنابلة من أن الولاية تنتقل إلى الولي الأبعد في
حالة غيبة الولي الأقرب غيبة لا يمكن معها الوصول إليه إلا بكلفة ومشقة أما لبعد
المسافة أو لعدم امكان السفر إليه وذلك لأن الولاية مقررة للنظر في شؤون المولى
عليه، وهو ما يتحقق في مثل هذه الغيبة، ولا تنتقل الولاية إلى القاضي لأن ولاية
القاضي تكون لمن لا ولي له، وهذا الصغير يكون له ولي عند غيبة الولي الأقرب وهو الولي الأبعد.
رابعاً
ـ عضل الولي الأقرب:
العضل هو امتناع الولي عن تزويج موليته
العاقلة البالغة من الخاطب الكفؤ([156])
ولا خلاف بين الفقهاء في اعتباره سبباً من أسباب سلب الولاية([157]).
فإذا تقدم للمرأة الخاطب الكفؤ من حيث
الدين والخلق فرفض الولي تزويجها منه، أو طلبت هي تزويجها من هذا الخاطب فامتنع
وليها عُد الولي عاضلاً وكان ذلك سبباً في سلب ولايته عنها.
وقد ذهب فقهاء الحنفية والمالكية
والشافعية والحنابلة إلى القول بانتقال الولاية إلى القاضي أو نائبه في حالة عضل
الولي الأقرب لموليته، فقد جاء في البدائع للإمام الكاساني "فلا تثبت الولاية
للسلطان إلا عند عضل الولي"([158]).
وفي حاشية الدسوقي " أن امتنع زوج
الحاكم أو وكل من يعقد عليها"([159])
. وفي الأم للإمام الشافعي "وإذا كان الولي حاضراً فامتنع من التزويج فلا
يزوجها الولي الذي يليه في القرابة، ولا يزوجها إلا السلطان"([160])
وذهب فقهاء الحنابلة إلى القول بأن
الولاية لا تنتقل إلى القاضي في حالة عضل الولي الأقرب لموليته إلا إذا انعدم
الولي الابعد، وفي هذا المعنى يقول الإمام البهوتي "فإن عدم الولي مطلقاً..
أو عضل وليها ولم يوجد غيره زوجها ذو سلطان في ذلك المكان كوالي البلد أو كبيره أو
أمير قافلة"([161]).
وذهب فقهاء الإمامية إلى القول بأنه ليس
لغير الأب والجد تزويج الصغيرة، فإذا امتنعا وزوجها الولي الأبعد أو الحاكم كان
ذلك موقوفاً على اجازتها بعد البلوغ([162]).
ويبدو لنا أن الرأي الراجح من بين هذه
الآراء هو الرأي الذي قال به فقهاء الحنابلة من أن الولاية تنتقل في حالة عضل
الولي الأقرب إلى الولي الأبعد وذلك لأن الأقرب بعضله صار كالمعدوم فتؤول الولاية
إلى من يليه من الأولياء ، وهي لا تنتقل إلى القاضي لأن ولاية القاضي تكون لمن لا
ولي له، وفي حالة العضل يوجد ولي وهو الولي الأبعد.
المطلب
الثاني ـ انتهاء الولاية في القانون:
اختلفت القوانين العربية فيما بينها في
بيانها للأحكام الخاصة بانتهاء الولاية ولبيان ذلك نقسم هذا المطلب إلى فرعين يخصص
الأول منهما لبيان انتهاء الولاية في القانون العراقي، فيما يخصص الثاني لبيان هذه
الأحكام في القوانين العربية.
الفرع الأول ـ انتهاء الولاية في
القانون العراقي([163]):
جاء كلاً من قانون رعاية القاصرين وقانون رعاية الأحداث رقم (76) لسنة (1983)
بأحكام خاصة بانتهاء الولاية بصورة تامة، وأحكاماً أخرى خاصة بانتهائها بالنسبة
للولي الأقرب وانتقالها إلى من يليه في المرتبة من الأولياء ، كما جاء بأحكام خاصة
بإيقاف الولاية وحسب التوضيح التالي:
أولا
ـ الانتهاء التام للولاية:
نص قانون رعاية القاصرين على حالة واحدة
من حالات انتهاء الولاية بصورة تامة ، وهي حالة بلوغ الصغير سن الرشد، حيث اعتبر
هذا القانون بلوغ الصغير سن الرشد سبباً من أسباب انتهاء الولاية عليه، واستثنى
القانون من هذا الحكم الحالة التي تقرر فيها المحكمة المختصة قبل بلوغ الصغير سن
الرشد استمرار الولاية عليه، وهذا الحكم جاءت المادة (31) والتي تنص على انه
"تنتهي الولاية ببلوغ الصغير سن الرشد ما لم تقرر المحكمة قبيل بلوغه هذه
السن استمرار الولاية عليه".
وسن الرشد بموجب القانون العراقي كما
أشرنا هو تمام الثامنة عشرة من العمر وهو ما قضت به المادة (106) من القانون
المدني، فإذا ما بلغ الصغير هذه السن وهو عاقل رشيد قادر على القيام بأموره
ومصالحه والعناية بنفسه فإن الولاية عليه تنتهي بنوعيها ما لم تقرر المحكمة قبل
بلوغه هذه السن استمرار الولاية عليه، وهذا ما أبدته محكمة التمييز في احد
قراراتها بقولها "ولاية الأب تسقط ببلوغ ابنته رشيدة"([164]).
ويعتبر قانون رعاية القاصرين الصغير
الذي أكمل الخامسة عشرة من العمر وتزوج باذن من القضاء بمثابة كامل الأهلية، وهذا
نصت عليه المادة 3/أولاً/أ والتي جاء فيها ".. ويعتبر من أكمل الخامسة عشر
وتزوج بأذن من المحكمة كامل الأهلية" ولما كان النص قد اعتبر الصغير في مثل
هذه الحالة بمثابة كامل الأهلية فإن الولاية عليه تنتهي بنوعيها.
وإذا كان القانون لم يتعرض إلا لهذه
الحالة من حالات انتهاء الولاية بصورة تامة فإن هناك حالة أخرى أشار إليها الفقهاء
وهي حالة وفاة الصغير إذ تؤدي وفاة الصغير إلى انتهاء الولاية عليه لعدم الحاجة
إليها.
ثانياً
ـ الانتهاء غير التام للولاية (سلب
الولاية):
تنتهي الولاية عن الولي الأقرب إلى من
يليه في المرتبة بصدور حكم قضائي بسلب هذه الولاية من الولي الأقرب، وسلب الولاية
بموجب الأحكام التي جاء بها قانون رعاية القاصرين وقانون رعاية الأحداث أما أن
يكون وجوبياً وأما أن يكون جوازياً.
1 ـ السلب الوجوبي للولاية:
يراد بالسلب الوجوبي للولاية أن المحكمة تكون ملزمة بالحكم بسلب الولاية من الولي
واسقاط كافة الحقوق المترتبة عليها([165]).
وقد ألزمت المادة (76) من قانون رعاية
الأحداث المحكمة بسلب الولاية إذا حكم على الولي بجريمة من الجرائم المخلة
بالأخلاق أو الآداب العامة([166])،
أو بإحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة البغاء رقم (8) لسنة (1988)([167])، وكان الصغير هو
المجني عليه في هذه الجرائم([168]).
أما قانون رعاية القاصرين فلم يتعرض
لحالات السلب الوجوبي للولاية، إلا أنه يفهم من نص المادة (28) من هذا القانون أن
المحكمة تكون ملزمة بسلب الولاية في حالة فقد الولي لأهليته بفقدان شرط من شروط
هذه الأهلية، كجنونه أو عدم قدرته على القيام بأمور الولاية أو اختلاف دينه عن دين
المولى عليه.
2 ـ السلب الجوازي للولاية:
يراد بالسلب الجوازي للولاية أن أمر سلب الولاية
يكون تقديره متروك للمحكمة فيجوز لها الحكم بسلب الولاية كما يجوز لها عدم
الحكم بذلك.
وقد وردت حالات السلب الجوازي للولاية
في قانون رعاية القاصرين وقانون رعاية الأحداث:
أ ـ حالات السلب الجوازي للولاية في
قانون رعاية القاصرين: أجازت المادة (32)
من قانون رعاية القاصرين للمحكمة أن تسلب ولاية الولي في الحالات التي يثبت لها
سوء تصرفه في إدارة مصالح الصغير، حيث نصت هذه المادة على أنه "للمحكمة أن
تسلب ولاية الولي متى ما ثبت لها سوء تصرفه" ، والفصل في مسألة اساءة الولي
في تصرفاته أمر متروك تقديره لقاضي الموضوع.
وأجازت الفقرة (4) من المادة (68)
لمديرية رعاية القاصرين بناء على توصية من لجنة المحاسبة أن تطلب من المحكمة عزل
الولي متى ما تأكد لها أن عزله يصب في مصلحة الصغير فنصت هذه المادة على أنه
"لمديرية رعاية القاصرين بناء على توصية لجنة المحاسبة أن تطلب من المحكمة
عزل الولي أو القيم إذا تحقق أن مصلحة القاصر تقضي بذلك".
ب ـ حالات السلب الجوازي للولاية في
قانون رعاية الأحداث :
أجاز قانون رعاية الأحداث للمحكمة سلب
ولاية الولي في الحالات التالية([169]):
الحالة الأولى:
إذا حكم على الولي بجريمة من الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة .
الحالة الثانية:
إذا حكم على الولي بجريمة الاعتداء على شخص الصغير بالجرح أو الضرب المبرح أو
الإيذاء العمد.
الحالة الثالثة:
إذا حكم على الولي بالسجن مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن مائة دينار ولا
تزيد على خمسمائة دينار لدفعه الصغير إلى التشرد أو انحراف السلوك.
الحالة الرابعة:
إذا حكم على الولي في جناية عمدية بعقوبة سالبة للحرية لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات.
ثالثاً
ـ إيقاف الولاية:
نصت المادة (32) من قانون رعاية
القاصرين على الحالات التي تقرر فيها المحكمة إيقاف الولاية على الصغير حيث جاء في
هذه المادة "تقرر المحكمة ايقاف الولاية متى اعتبرت الولي غائباً أو كان قد
حكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية لمدة تزيد على سنة".
وبموجب هذا النص توقف الولاية في
حالتين:
أ- ذا اعتبر الولي غائبا :
والغائب بموجب قانون رعاية القاصرين هو الشخص الذي غادر العراق أو لم يعرف له مقام
فيه مدة تزيد على السنة دون أن تنقطع أخباره ويترتب على غيابه هذا تعطيل مصالحه أو
مصالح غيره([170]).
ب ـ إذا حكم على الولي بعقوبة مقيدة
للحرية لمدة تزيد على سنة. وعند صدور الحكم بايقاف الولاية فللمحكمة أن تقيم وصيا
مؤقتاً لإدارة مصالح الصغير خلال فترة ايقاف الولاية عليه([171]).
الفرع
الثاني ـ انتهاء الولاية في القوانين العربية:
كما هو الحال في القانون العراقي فإن
القوانين العربية تضمنت احكاما خاصة بانتهاء الولاية، ومن هذه القوانين:
أولاً
ـ القانون المصري:
في مصر جاء كلاً من مرسوم القانون رقم
(118) لسنة (1952) ومرسوم القانون رقم (119) لسنة (1952) بأحكام تتعلق بانتهاء
الولاية وايقافها حسب التوضيح التالي:
1 ـ الأحكام التي جاء بها القانون رقم
(118) لسنة (1952):
أ ـ أوجب القانون المذكور بموجب المادة
(2) منه على المحكمة الحكم بسلب ولاية الولي على الصغير واسقاط كل ما يترتب عليها
من حقوق في الحالات التالية([172]):
الحالة الأولى:
إذ حكم على الولي بجريمة الاغتصاب أو هتك العرض أو الجريمة مما نص عليه في القانون
رقم (68) لسنة (1951) بشأن مكافحة الدعارة إذا وقعت الجريمة على أحد من تشملهم
الولاية.
الحالة الثانية:
إذا حكم على الولي بجناية وقعت على نفس أحد من تشملهم الولاية أو حكم عليه لجناية
وقعت من أحد هؤلاء.
الحالة الثالثة:
إذا حكم على الولي أكثر من مرة لجريمة مما نص عليه في القانون رقم (68) لسنة
(1951) بشان مكافحة الدعارة.
ففي هذه الحالات الثلاثة يكون الحكم
بسلب ولاية الولي أمراً وجوبياً على المحمكة.
ويلاحظ أن الحكم بسلب الولاية في هذه
الحالات إنما هو لعدم أهلية الولي لها لذا فإنه يترتب على سلب ولايته بالنسبة
لصغير معين سلبها عنه بالنسبة إلى كل من تشملهم ولايته من الصغار الآخرين ما عدا
الحالتين المشار إليهما في الحالة الثانية وهي حالة الحكم على الولي لجناية وقعت
على نفس أحد من تشملهم الولاية أو لجناية وقعت من الصغير، فإذا كان تحت ولايته
صغار من فروعه غير من حكم عليه بسببهم لا تسلب ولايته عنهم ما لم تقرر المحكمة
سلبها بالنسبة إليهم أيضاً وهذا ما أشارت إليه المادة (2) من القانون المذكور([173]).
ب ـ أجاز القانون بموجب المادة (3) منه
للمحكمة أن تسلب أو توقف كل أو بعض حقوق الولاية بالنسبة إلى كل أو بعض من تشملهم
الولاية وذلك في الحالات التالية([174]):
الحالة الأولى:
إذا حكم على الولي بالاشغال الشاقة المؤبدة.
الحالة الثانية:
إذا حكم على الولي بجريمة اغتصاب أو هتك عرض أو لجريمة مما نص عليه في القانون رقم
(68) لسنة (1951) بشأن مكافحة الدعارة إذا لم تكن الجريمة قد وقعت على أحد من
تشملهم الولاية وكان هذا الحكم لأول مرة.
الحالة الثالثة:
إذا حكم على الولي أكثر من مرة لجريمة تعريض الأطفال للخطر أو الحبس بغير وجه حق
أو لاعتداء جسيم متى وقعت الجريمة على من تشمله الولاية.
الحالة الرابعة:
إذا حكم بايداع أحد المشمولين بالولاية دار من دور الاصلاح وفقاً للمادة (67) من
قانون العقوبات أو طبقاً لنصوص قانون الأحداث.
الحالة الخامسة:
إذا عرض الولي للخطر صحة أحد من تشملهم الولاية أو سلامته أو أخلاقه أو تربيته
بسبب سوء المعاملة أو سوء القدوة نتيجة الاشتهار بفساد السيرة أو الادمان على
الشراب أو المخدرات أو بسبب عدم العناية أو التوجيه ولا يشترط في هذا الحالة أن
يصدر ضد الولي حكم بسبب تلك الأفعال.
وقد أجاز القانون المذكور للمحكمة في
الحالتين الأخيرتين بدلاً من الحكم بسلب الولاية أو وقفها أن تعهد إلى وزارة
الشؤون الاجتماعية بالاشراف على تربية الصغير أو تعليمه إذا رأت في ذلك مصلحة له
وللوزارة المذكورة أن تفوض في ذلك أحد المعاهد أو المؤسسات الاجتماعية المعدة لهذا
الغرض، فإذا لم تتحقق الفائدة من هذا الاشراف لسبب يرجع إلى الولي جاز رفع الأمر
إلى المحكمة للنظر في سلب ولايته أو وقفها، وهذا الحكم نصت عليه المادة (9) من القانون
المذكور.
ويترتب على سلب الولاية عن النفس بموجب
هذا القانون سقوطها عن المال ، وهذا ما تقضي به المادة (10).
2 ـ الأحكام التي جاء بها القانون رقم
(119) لسنة 1952: جاء هذا القانون بالأحكام التالية:
أ ـ أجاز للولي التنحي عن الولاية وذلك
بعد حصوله على أذن من المحكمة بذلك وهذا ما نصت عليه المادة (1) بالقول للاب ثم للجد الصحيح اذا لم يكن الاب قد
اختار وصياً الولاية على مال القاصر وعليه القيام بها ولا يجوز له التنحي عنها إلا
بإذن المحكمة.
ب ـ جعل هذا القانون البلوغ سبباً من
أسباب انتهاء الولاية على الصغير فنص في المادة (18) على أنه "تنتهي الولاية
ببلوغ القاصر احدى وعشرين سنة ما لم تحكم المحكمة قبل بلوغه هذه السن باستمرار
الولاية عليه".
ج ـ أجاز هذا القانون للمحكمة أن تسلب
ولاية الولي أو تحد منها إذا تعرضت أموال الصغير للخطر بسبب سوء تصرف الولي أو لأي
سبب آخر فنص في المادة (20) على انه اذا اصبحت اموال القاصر في خطر بسبب سوء تصرف
الولي او لأي سبب آخر فللمحكمة أن تسلب ولايته أو تحد منها".
د ـ نص هذا القانون على ايقاف الولاية
في حالة اعتبار الولي غائبا أو في حالة اعتقاله تنفيذاً لحكم بعقوبة جنائية أو
بالحبس لمدة تزيد على سنة وهذا ما تقضي به المادة (21) بقولها "تحكم المحكمة
بوقف الولاية إذا اعتبر الولي غائباً أو اعتقل تنفيذاً لحكم بعقوبة جنائية أو
بالحبس لمدة تزيد على سنة".
هـ ـ رتب هذا القانون على الحكم بسلب
الولاية على نفس الصغير أو وقفها سقوطها أو وقفها بالنسبة للمال وهذا ما نصت عليه
المادة (22).
و ـ أجاز هذا القانون للولي أن يطلب
استرداد ولايته التي سلبت أو أوقفت أو حد منها وللمحكمة أن تحكم له بذلك بعد زوال
الأسباب التي دعت إلى سلبها أو الحد منها أو وقفها وهذا ما نصت عليه المادة (22).
ثالثاً
ـ القانون السوري:
جاء قانون الأحوال الشخصية السوري فيما
يخص انتهاء الولاية بالاحكام التالية:
1 ـ اعتبر هذا القانون امتناع الولي عن
اتمام تعليم الصغير إلى حين اتمامه فترة الدراسة الالزامية سبباً من أسباب سقوط
ولايته عنه وهذا ما نص عليه في المادة (171) والتي جاء فيها " يعتبر امتناع
الولي عن اتمام تعليم الصغير حتى نهاية المرحلة الالزامية سبباً لاسقاط
ولايته..".
2 ـ أوجب هذا القانون نزع أموال الصغير
من يد الولي واسقاط ولايته عليه عند ثبوت خيانته أو سوء تصرفه وهذا ما نص عليه في
المادة (172) والتي جاء فيها "..لا ينزع مال القاصر من يد الأب أو الجد
العصبي ما لم تثبت خيانته أو سوء تصرفاته..".
3 ـ أجاز هذا القانون للمحكمة أن تحكم
بنزع ولاية الولي أو الحد منها بسبب سوء تصرفه أو لأي سبب آخر، وأجاز للقاضي في
مثل هذه الحالة أن يعهد إلى حاضنة الصغير ببعض الأعمال المالية التي كانت مناطة
بالولي بعد أن يتحقق لها أن ذلك يصب في مصلحة الصغير وبعد سماع أقوال الولي وهذا
ما نص عليه في المادة (173) والتي جاء فيها "اذا أصبحت أموال القاصر في خطر
بسبب سوء تصرف الولي أو لأي سبب آخر أو خيف عليها منه فللمحكمة أن تنزع ولايته أو
تحد منها ويجوز للقاضي أن يعهد إلى حاضنة القاصر ببعض أعمال الولي الشرعي إذا تحقق
له أن مصلحة القاصر تقضي بذلك وبعد سماع أقوال الولي".
4 ـ قضى هذا القانون بوقف الولاية في
حالة فقد الولي أو الحجز عليه أو اعتقاله متى ما عرض هذا الاعتقال مصلحة الصغير
للضياع، وقضى في مثل هذه الحالات بتعيين وصي مؤقت إذا لم يكن للصغير ولي آخر غير
الولي الذي فقد أو حجز أو اعتقل وهذا ما نصت عليه المادة (174) والتي جاء فيها
"تقف الولاية إذا اعتبر الولي مفقوداً أو حجز عليه أو اعتقل وتعرضت باعتقاله
مصلحة القاصر للضياع ويعين للقاصر وصي مؤقت إذا لم يكن له ولي آخر".
5 ـ فيما يتعلق بولاية التزويج اعتبر
هذا القانون غياب الولي الأقرب سبباً لانتهاء ولاية التزويج وانتقالها إلى الولي
الذي يليه إذا رأت المحكمة أن في انتظار الحصول على رأيه فوات لمصلحة الصغير وهذا
ما نصت عليه المادة (23) والتي جاء فيها "إذا غاب الولي الأقرب ورأى القاضي
أن في انتظار رأيه فوات مصلحة في الزواج انتقلت الولاية لمن يليه".
رابعاً
ـ القانون التونسي:
تعرضت مجلة الأحوال الشخصية التونسية
لسبب واحد من أسباب انتهاء الولاية، وهو بلوغ الصغير سن الرشد وذلك باكماله عشرين
سنة، وهو ما نصت عليه في الفصل (157) والذي جاء فيه "إذا أتم الصغير المولى
عليه العشرين عاماً كاملة ولم يسبق صدور حكم بالتحجير عليه لسبب من الأسباب غير
الصغر فإنه يصبح وجوباً رشيداً له كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية وتكون جميع
تصرفاته نافذة".
خامساً
ـ القانون المغربي:
اعتبرت مدونة الأحوال الشخصية المغربية
بلوغ الصغير سن الرشد وهو تمام الحادية والعشرون سبباً من أسباب انتهاء الولاية
المالية عليه حيث جاء في الفصل (137) "يعتبر محجوراً للصغر من لم يبلغ سن
الرشد، سن الرشد القانوني إحدى وعشرون سنة شمسية كاملة".
وجاء في الفقرة (1) من الفصل (140)
"ليس للصغير المميز أن يتسلم أمواله قبله رشده".
([56])
تنص المادة (94) من القانون المدني على أن "الصغير والمجنون والمعتوه محجورون
لذاتهم" وتنص المادة (95) على أنه "تحجر المحكمة على السفيه وذي الغفلة
، ويعلن الحجر بالطرق المقررة" وهكذا إذا كان كلاً من المعتوه والسفيه وذي
الغفلة محجورون لذاتهم فإنهم يأخذون ذات الحكم الذي يأخذه المجنون من حيث عدم جواز
مباشرة الولاية.
([59])
جاء في هذه المادة "يجوز أن تسلب أو توقف كل أو بعض حقوق الولاية إلى كل أو
بعض من تشملهم الولاية في الأحوال الآتية.. 5 ـ إذا عرض الولي للخطر صحة أحد من
تشملهم الولاية أو سلامته أو أخلاقه أو تربيته بسبب سوء المعاملة أو سوء القدوة
نتيجة الاشتهار بفساد السيرة أو الادمان على الشراب أو المخدرات أو بسبب عدم
العناية أو التوجيه ولا يشترط في هذه الحالة أن يصدر ضد الولي حكم بسبب تلك
الأفعال".
([97])
وهذا هو الاتجاه الذي ذهبت إليه محكمة التمييز في قرارها المرقم 78/ شرعية /1974
في 3/7/1974 والذي جاء فيه "أن المدعي هو أخو القاصرين وبذلك فإنه من
الأولياء العصبة الذكور بالنسبة للقاصرين المذكورين وله ضم أي قاصر أتم سن الحضانة
إذا لم يكن هناك سبب شرعي يقتضي تمديد مدة حضانته" النشرة القضائية العدد3،
السنة الخامسة، 1974، ص92.
([163])
ونشير هنا إلى أن مرسوم القانون رقم (119) لسنة (1952) المصري قد نص في المادة
(22) على أنه يترتب على الحكم بسلب الولاية على نفس الصغير أو وقفها سقوطها أو
وقفها بالنسبة إلى المال في حين خلا القانون العراقي من مثل هذا النص، لذا نرى أنه
لا مانع يمنع من الأخذ بهذا النص الذي جاء به القانون المصري، من جانب آخر نرى أن
الحكم بسلب الولاية على مال الصغير أو وقفها يترتب عليه الحكم بسلب الولاية على
النفس أو وقفها.
شاركنا بتعليقك...