-->
علوم قانونية وادارية علوم قانونية وادارية

اخر المواضيع

جاري التحميل ...

بحث بعنوان حق النفقة


حق النفقة

من الحقوق الأخرى التي تثبت للطفل بعد ولادته حق النفقة، إذ يترتب على صلة القرابة عدة آثار منها التزام الأقارب من درجةٍ معينة بالتكافل والتعاضد فيما بينهم فيما يتعلق بالانفاق فيلتزم الموسر منهم بالانفاق على المحتاج([1]).
والقرابة أما أن تكون بين الأصول والفروع ، وتسمى مثل هذه القرابة بالقرابة المباشرة، وأما أن تكون بين أشخاص يجمعهم اصل مشترك دون ان يكون احدهم فرعا للاخر وهذه هي القرابة غير المباشرة([2]).
والنفقة التي تجب بسبب القرابة المباشرة أما أن تكون نفقة للأصول على الفروع، وأما أن تكون نفقة للفروع على الأصول ونقصر البحث على هذا النوع الأخير لتعلقه بموضوع بحثنا.
المبحث الأول ـ تعريف النفقة وأدلة مشروعيتها:
لبيان تعريف النفقة وأدلة مشروعيتها نقسم هذا المبحث إلى مطلبين يخصص الأول لبيان تعريف النفقة، فيما يخصص الثاني لبيان ادلة مشروعيتها.
المطلب الأول ـ تعريف النفقة:
النفقة لغةً اسم من الانفاق، أي ما ينفق من الدراهم والزاد ونحوهما، أما من حيث مصدر اشتقاقها، فهي أما أن تكون مشتقة من النفوق أي الهلاك فيقال نفقت الدابة نفوقاً، وأما أن تكون مشتقة من النفاق أي الرواج فيقال نفقت السلعة نفاقاً أي راجت([3]).
أما في الاصطلاح فقد عرفها فقهاء الشريعة بتعريفات عامة تشمل نفقة الزوجة ونفقة الأقارب، حيث عرفها الإمام ابن الهمام بأنها "الادرار على الشيء بما به بقاؤه([4]). "وعرفها ابن عابدين في حاشيته بذكر عناصرها فقال "هي الطعام والكسوة والسكن"([5]).
وعرفها الإمام الصنعاني بأنها "الشيء الذي يبذله الإنسان فيما يحتاجه هو أو غيره من الطعام والشراب وغيرهما"([6]).
وعرفها الإمام النجدي بأنها "كفاية من يمونه([7])، خبزاً وأدماً وكسوةً ومسكناً وتوابعها"([8]).
أما النفقة باعتبارها حقاً من حقوق الطفل فلم نجد لها عند الفقهاء تعريفاً معيناً. كذلك لم نجد مثل هذا التعريف في قوانين الأحوال الشخصية، في حين عرفها بعض فقهاء القانون بأنها كل ما يحتاجه الطفل من طعام وشرابٍ وملبسٍ ومسكن([9]).
وبالاستناد إلى التعريفات السابقة نستطيع أن نعرف نفقة الصغير بأنها "ما يحتاجه الصغير من طعام وشراب وملبس ومسكن وكل ما يتعلق بذلك بحسب حاجة الصغير وبحسب العرف والعادة".
ولبيان هذا التعريف نقول أن العناصر الأساسية التي يحتاجها الصغير تتمثل بالطعام والشراب والملبس والمسكن ويكون تحديد مقدار كل عنصر من هذه العناصر خاضعاً لحاجة الصغير، ولما جرى عليه العرف والعادة في المجتمع الذي يعيش فيه الصغير، إذ قد تقضي حاجة الصغير، أو يجري العرف والعادة على دخول عناصر أخرى كأجرة الخادم، وأجرة تعليم الصغير، وأجرة تطبيبه.
المطلب الثاني ـ أدلة مشروعية النفقة:
النفقة من الحقوق المهمة والمشروعة التي تثبت للطفل بعد ولادته وقد وردت الأدلة على مشروعية هذا الحق في الشريعة الإسلامية وفي قوانين الأحوال الشخصية ولبيان ذلك نقسم هذا المطلب إلى فرعين يخصص الأول لبيان أدلة مشروعية النفقة في الشريعة الإسلامية والثاني لبيان أدلة مشروعيتها في قوانين الأحوال الشخصية.
الفرع الأول ـ أدلة مشروعية النفقة في الشريعة الإسلامية:
نستطيع ن نتلمس أدلة مشروعية النفقة في الشريعة الإسلامية في القرآن الكريم والسنة النبوية واجماع الفقهاء وبموجب العقل السليم وعلى النحو التالي:
أولاً: الأدلة من القرآن الكريم:
جاء القرآن الكريم بالعديد من النصوص التي تدل على اهمية الانفاق على الصغير ومشروعيته ومن هذه الآيات:
1 ـ قوله تعالى: (...وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ...)([10]).
ووجه الدلالة في هذه الآية أن الشارع الكريم قد أوجب النفقة للزوجة على زوجها وعبر في الآية الكريمة عن الزوجة بالمولود له مبيناً أن العلة في وجوب النفقة هي الولادة وهو ما يدل على وجوب النفقة على الطفل المولود من بابٍ أولى([11]).
2 ـ قوله تعالى: (...فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ...)([12]).
ووجه الدلالة في هذه الآية هو أن الله سبحانه وتعالى أوجب النفقة للزوجة المطلقة على زوجها عند قيامها بارضاع ولده، فهي نفقة واجبة للقيام بشؤون ارضاع الصغير.
وهكذا فإن هذه الآيات الكريمات تدل بمجموعها على وجوب الاتفاق على الأولاد الصغار حماية لهم من الهلاك وحفظاً لهم من الضياع.
ثانياً ـ الأدلة من السنة النبوية:
في سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) نجد العديد من الأحاديث التي تدل على وجوب الانفاق للأولاد على آبائهم ومن هذه الأحاديث :
1 ـ عن عائشة (رضي الله عنه) أن هند بنت عتبة جاءت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) تشكو له شح زوجها عليها وعلى أطفالها فقالت له يا رسول الله أن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني وأولادي إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل عليَّ في ذلك جناح فقال لها (صلى الله عليه وسلم): خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف([13]).
وهذا الحديث يدل على أن نفقة الطفل واجبة على الزوج كوجوب نفقة الزوجة عليه([14]).
2 ـ عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالصدقة فقال رجل: يا رسول الله عندي دينار؟ قال تصدق به على نفسك قال: عندي آخر؟ قال تصدق به على ولدك ، قال عندي آخر؟ قال تصدق به على زوجتك ، قال عندي آخر؟ قال تصدق به على خادمك، قال عندي آخر؟ قال أنت أبصر([15]).
وفي هذا الحديث دلالة واضحة على وجوب نفقة الأولاد الصغار على آبائهم([16]).
وهكذا نجد في الحديثين السابقين دلالة واضحة على مشروعية النفقة لأهميتها في حفظ الصغير من الهلاك والضياع.
ثالثاً ـ الأدلة من الاجماع:
لا خلاف بين فقهاء الشريعة في اعتبار حق النفقة من الحقوق المشروعة والمهمة التي تجب للصغير، لذا نجد هؤلاء الفقهاء يوجبون النفقة للصغير على من تجب عليه نفقته ابتداءاً  بالأب وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن عابدين في حاشيته "وتجب النفقة على الحر لطفله..ولو لم يتيسر أنفق عليهم القريب"([17]).
وفي ذات المعنى يقول الإمام ابن قدامة "وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الصغار ، لأن ولد الإنسان بعضه وهو بعض والده فكما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله كذلك على بعضه وأصله"([18]).
وهكذا نجد فقهاء الشريعة الإسلامية يثبتون هذا الحق للصغير على اعتباره أنه من الحقوق التي لا يستطيع الاستغناء عنها، والتي بدونها قد يتعرض للهلاك.
رابعاً ـ الأدلة من المعقول:
يقضي العقل السليم بأن الطفل يولد صغيراً عاجزاً عن العناية بنفسه والمحافظة عليها وعن تلبية حاجاته ، من هنا كان واجباً الانفاق عليه حتى يصل السن التي تمكنه من الانفاق على نفسه والقيام بإدارة شؤونه.
من جانبٍ آخر فان العقل السليم يقضي بأن ولد الإنسان جزء منه فإذا كان الإنسان مكلف بالانفاق على نفسه فإنه من بابٍ أولى مكلف بالانفاق على أولاده الصغار على اعتبار أنهم جزء من نفسه([19]).

الفرع الثاني ـ أدلة مشروعية النفقة في القانون:
لا خلاف بين قوانين الأحوال الشخصية في اعتبار النفقة من الحقوق المهمة والواجبة للطفل إذ عن طريق هذا الحق يضمن الطفل الحصول عل احتياجاته الأساسية من الغذاء والكساء والسكن والخدمة والعلاج والتعليم وغيرها من الاحتياجات الأخرى لذا نجد أن قوانين الأحوال الشخصية قد جاءت بالعديد من الأحكام التي تعالج هذا الحق وتبين أهميته وتؤكد مشروعيته.
ومن هذه القوانين القانون العراقي الذي تناول هذا الحق في المادتين (59) و(60) حيث عالجت المادة (59) حق النفقة في ثلاث فقرات([20]).
فنصت الفقرة الثانية على أنه "تستمر نفقة الأولاد إلى أن تتزوج الأنثى ويصل الغلام إلى الحد الذي يكتسب فيه أمثاله ما لم يكن طالب علم".
ونصت الفقرة الثالثة على أنه "الابن الكبير العاجز عن الكسب بحكم الابن الصغير". ولأهمية هذا الحق أيضاً فإن الفقرة (1) من المادة (60) جعلت النفقة في حالة عجز الأب واجبةً على اقارب الصغير([21])، وعلى النحو الذي فنصت على أنه "إذا كان الأب عاجزاً عن النفقة يكلف بنفقة الولد من تجب عليه عند عدم الأب".
واعتبرت الفقرة (2) من هذه المادة النفقة ديناً على الأب يرجع بها عليه من دفعها في حالة يساره فنصت على أنه "تكون هذه النفقة ديناً على الأب للمنفق يرجع بها عليه إذا أيسر".
وهكذا نجد أن هذه النصوص تؤكد بمجموعها على مشروعية حق النفقة وأهميته باعتباره من الضروريات التي لا غنى للصغير عنها وهو ما استقر عليه القضاء العراقي في العديد من أحكامه([22]).
وتأكيداً على مشروعية النفقة واهميتها بالنسبة للصغير فقد جاءت القوانين العربية بنصوص مماثلة للنصوص التي جاء بها القانون العراقي ومن هذه القوانين القانون المصري رقم (25) لسنة (1929) والذي عالج حق النفقة في المادة (18 مكرر/ثانياً) حيث نص فيها على أنه "إذا لم يكن للصغير مال فنفقته على أبيه ، وتستمر نفقة الأولاد على أبيهم إلى أن تتزوج البنت أو تكسب ما يكفي نفقتها وإلى أن يتم الابن الخامسة عشرة من عمره قادراً على الكسب المناسب، فإن أتمها عاجزاً عن الكسب لآفة بدنية أو عقلية أو بسبب طلب العلم الملائم لأمثاله ولاستعداده أو بسبب عدم تيسر هذا الكسب استمرت نفقة الولد على أبيه ، ويلتزم الأب بنفقة أولاده وتوفير المسكن لهم بقدر يسياره بما يكفل للأولاد العيش في المستوى اللائق بأمثالهم وتستحق نفقة الأولاد على أبيهم من تاريخ امتناعه عن الانفاق عليهم".
وهذا النص يشتمل على مجموعة من الأحكام الخاصة بنفقة الصغير على أبيه، فهو يلزم الأب بالانفاق على أولاده إذا لم يكن لهم مال ويحدد المدة التي يبقى فيها هذا الحق قائماً للصغير كما يحدد عناصرها وأسباب سقوطها([23]).
وعلى نفس النهج الذي سار عليه القانونين العراقي والمصري سارت القوانين العربية الأخرى كالقانون الأردني([24]) والقانون السوري([25]). والقانون المغربي([26]) والقانون التونسي([27])، حيث جاءت هذه القوانين بنصوص تبين أهمية هذا الحق وتؤكد مشروعيته.



المبحث الثاني

 عناصر النفقة:
تشمل نفقة الصغير مجموعة من العناصر التي تمثل الاحتياجات الأساسية التي لا يستطيع أي صغير الاستغناء عنها، ولبيان هذه العناصر سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين يخصص الأول لبيان عناصر النفقة في الشريعة الإسلامية والثاني لبيان عناصرها في القانون.
المطلب الأول ـ عناصر النفقة في الشريعة الإسلامية:
لا خلاف بين الفقهاء في أن نفقة الأولاد على آبائهم إنما تكون لسد احتياجاتهم الأساسية، وهذه الاحتياجات لا تقتصر على عنصر واحد وإنما تتعدد وتتنوع إلا أن الفقهاء اتفقوا على أن هنالك مجموعة من العناصر لا يمكن لحياة الطفل أن تستقيم إلا بتوفرها، وهذه العناصر تتمثل بالغذاء والكساء والمسكن وأجرة الطبيب وحسب التوضيح التالي:
أولاً ـ الغذاء:
تجب على الأب نفقة الصغير من الغذاء وهي تجب في السنتين الأوليين من عمره عن الرضاع، لقوله تعالى: (فإن ارضعن لكم فاتوهن أجورهن..) ولقوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ).
وتختلف نفقة الرضاع من طفل لآخر لاختلاف الأطفال فيما بينهم في احتياجهم للبن([28]). وقد سبق لنا الكلام عن أجرة الرضاع عند البحث في حق الرضاع([29]).
وبعد فطام الطفل تجب على الأب نفقة الصغير من الغذاء حتى يصل السن التي يكون قادراً فيها على العمل والكسب والانفاق على نفسه([30]) ونفقة الغذاء إنما تكون بالقدر الذي يسد حاجة الصغير من الغذاء ، لقوله (صلى الله عليه وسلم) لزوج أبي سفيان "خذي مايكفيك وولدك بالمعروف". وهذا الحديث يدل على أن حد النفقة هو الكفاية ويدخل في الكفاية الخبز والأدم والشراب بالقدر الذي يسد حاجة الصغير ويدفع عنه ألم الجوع ، وهو أمر يختلف باختلاف الصغار، ويراعى فيه رغبة الصغير، وما جرت عليه العادة، كما يراعى فيه حال المنفق من حيث اليسر أو العسر، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن قدامة "والواجب في نفقة القريب قدر الكفاية من الخبز والأدم والكسوة بقدر العادة.."([31]).
ثانياً ـ الكساء:
بالإضافة إلى الغذاء تجب للصغير على أبيه نفقة الكسوة ، وفي هذا المعنى يقول الإمام الشافعي " أن على الأب أن يقوم بالمؤونة التي فيها صلاح صغاره من رضاع ونفقة وكسوة"([32]).
وتشمل الكسوة اللباس الذي يحفظ جسم الصغير من الحر أو البرد ويقيه من المرض والضرر. فهي تشمل الملابس والأحذية والفرش والأغطية ، وغيرها من الحاجات الأخرى([33]).
وتقدير هذا النوع من النفقة متروك للقضاء مراعياً في ذلك العرف السائد وحال المنفق من اليسر أو العسر ، كما يراعى فيه حال الصغير ومنزلته الاجتماعية([34]).
ثالثاً ـ المسكن:
تجب على ألاب أيضاً نفقة سكنى الصغير، إذ يجب على الأب أن يعد لأطفاله المسكن المناسب الذي يستطيعون العيش فيه براحة وأمان فإن تعذر عليه ذلك كان عليه أن يدفع لهم مبلغاً معيناً يستطيعون بواسطته تهيئة منزل مناسب يمكنهم العيش فيه، ويقدر هذا النوع من النفقة بحسب حال المنفق من اليسر أو العسر وبحسب حاجة الصغير وكفايته ومنزلة الاجتماعية([35]) وفي هذا المعنى يقول الإمام العاملي "والواجب منها قدر الكفاية للمنفق عليه من الطعام والكسوة والمسكن بحسب زمانه ومكانه"([36]).
رابعاً ـ أجرة الطبيب:
من مشتملات النفقة أيضاً أجرة تطبيب الصغير ، إذا يلزم الأب بدفع نفقة علاج الصغير ودوائه، وقد خالف فقهاء الحنفية ماذهب إليه جمهور الفقهاء من القول بدخول أجرة الطبيب ضمن مشتملات نفقة الصغير إذ يرون بأن أجرة الطبيب وثمن الأدوية لا تدخل ضمن مشتملات نفقة الأب على أولاده وذلك قياساً على نفقة تطبيب وعلاج الزوجة حيث ذهب فقهاء الحنفية إلى أن أجرة تطبيب الزوجة وعلاجها لا تجب على الزوج قضاء بحيث لا يجبره القاضي عليها، وأن كانت واجبة عليه ديانةً، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن عابدين في حاشيته "ولم أر من ذكر هنا أجرة الطبيب وثمن الأدوية وإنما ذكروا عدم الوجوب للزوجة"([37]).
ونحن نتفق مع الرأي الذي يقول بدخول أجرة التطبيب وثمن الأدوية ضمن مشتملات نفقة الأولاد على أبيهم ، وذلك لأنها من النفقات الضرورية لحماية الصغير والعناية به فهي بذلك تدخل ضمن الكفاية الواجبة للابن على أبيه.
وهذا النوع من النفقة يقدر أيضا بحسب العرف وبحسب حال المنفق من حيث اليسر أو العسر([38]).
وإذا كانت العناصر التي مر ذكرها هنا هي حاجات أساسية وضرورية للأطفال بصورة عامة إلا أن الفقهاء لم يوردها على سبيل الحصر، وإنما أوردوها على اعتبارها الحاجات الأساسية التي يشترك فيها جميع الأطفال، وتبعاُ لذلك فإن الفقهاء يرون بأن هناك عناصر أخرى قد تدخل ضمن مشتملات نفقة الابن على أبيه ومن هذه العناصر مثلا أجرة الخادم وأجرة تعليم الصغير([39]).
والواقع أن عناصر النفقة إنما تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة وأن ما يعتبر حاجة أساسية في مكان ما قد لا يعتبر كذلك في مكان آخر والضابط في تقدير هذا الأمر متروك للقضاء.
المطلب الثاني ـ عناصر النفقة في القانون:
عناصر النفقة في قوانين الأحوال الشخصية تمثل تلك الحاجات الأساسية اتي لا تستقيم حياة الصغير بدونها، ولبيان هذه العناصر سنقسم هذا المطلب إلى فرعين نتناول في الأول عناصر النفقة في القانون العراقي وفي الثاني عناصر النفقة في القوانين العربية الأخرى.
الفرع الأول ـ عناصر النفقة في القانون العراقي:
لم يضع قانون الأحوال الشخصية العراقي نصاً خاصاً يحدد فيه العناصر التي يجب أن تشتمل عليها نفقة الصغير، إلا أننا نستطيع أن نحدد هذه العناصر بالرجوع إلى المادة (24) من هذا القانون والتي تناول فيها المشرع بيان العناصر التي يجب أن تشتمل عليها نفقة الزوجة على زوجها حيث جاء في الفقرة (2) من هذه المادة "تشمل النفقة الطعام والكسوة والسكن ولوازمها وأجرة الطبيب بالقدر المعروف، وخدمة الزوجة التي يكون لامثالها معين" فهذه العناصر تمثل الحاجات الأساسية لكل إنسان صغيراً كان أم كبيراً.
وبالاستناد إلى هذا النص نستطيع أن نحدد العناصر التي يجب أن تشتمل عليها نفقة الصغير بالعناصر التالية:
أولاً ـ الطعام:
تشمل نفقة طعام الصغير كل ما يحتاجه من غذاء بما في ذلك أجرة الرضاع ، وقد جرى العمل على تقدير هذا النوع من النفقة بمبلغ من المال يحدد وفقاً لحاجة الصغير ودرجة يسار من تجب عليه النفقة وهي تدفع شهرياً وبصورة دورية، وتكون قابلة للزيادة أو النقصان بحسب تغير الأسعار([40]).
ثانياً ـ الكسوة:
تشمل كسوة الصغير كل ما يحتاجه من ثياب وملابس وفرش وأغطية وأحذية وغيرها من اللوازم الأخرى، ويجري العمل في المحاكم أيضاً على تقدير هذا النوع من النفقة بمبلغ من المال يتم تحديده وفقاً لحاجة الصغير ووفقاً للعرف السائد ودرجة يسار من تجب عليه النفقة([41]).
ثالثاً ـ المسكن:
من عناصر نفقة الصغير المسكن، وهذا النوع من النفقة أما أن يكون بصورة مبلغ من النقود يدفعه المسؤول عن النفقة لغرض تهيئة مكان يستطيع الصغير ان يقيم فيه وسواء كان هذا المكان داراً مستقلة أم غرفة في دار وسواء كانت هذه الدار مستأجرة ام غير مستأجرة ويتم تقدير هذا المبلغ من قبل القاضي وفقاً للعرف السائد ووفقاً لحال المسؤول عن النفقة من العسر أو اليسر، وكذلك يراعى فيه حال الصغير ومنزلته الاجتماعية([42]).
وقد يتم استيفاء هذا النوع من النفقة عن طريق قيام المسؤول عنها بإعداد وتهيئة منزلاً معيناً يستطيع الصغير أن يقيم فيه وقد يكون هذا المنزل مستقلاً أو غير مستقل وقد يكون مستأجراً أو غير مستأجر([43]).
ولا يفرض هذا النوع من النفقة إلا عند الحاجة إليه فإذا كان للصغير منزلاً يستطيع الإقامة فيه فلا يكلف المسؤول عن النفقة بدفع هذا العنصر، وهذا ما قررته محكمة التمييز في أحد قراراتها والذي جاء فيه "إذا كان طالب النفقة يملك سهاماً شائعة في الدار التي يقيم فيها فلا تقدر له نفقة عن المسكن وإنما يستحق نفقة المأكل والملبس"([44]).
رابعاً ـ أجرة الطبيب:
يشمل هذا العنصر نفقة علاج الصغير من أجرة الطبيب وثمن الأدوية، ويتم تقديرها من قبل القاضي بالاستعانة بأهل الخبرة والاختصاص ووفقاً للعرف السائد([45]).
وتخضع جميع العناصر السابقة لتقدير القضاء فلا يفرض أي عنصر منها إلا بحسب حاجة الصغير وبناء على ذلك قد يجد القاضي أن هناك عناصر أخرى يجب أن تشتمل عليها النفقة كأجرة الخادم وأجرة تعليم الصغير، وقد يرى القاضي أيضا أن من هذه العناصر مالا يحتاجه الصغير وبالتالي فإن تحديد عناصر نفقة الصغير يكون متروكاً للقضاء.
الفرع الثاني ـ عناصر النفقة في القوانين العربية:
لا تختلف عناصر نفقة الصغير التي حددتها قوانين الأحوال الشخصية العربية عن تلك حددها فقهاء الشريعة الإسلامية ، ومن هذه القوانين:
اولاً ـ القانون المصري:
نصت المادة (18/مكرر/ثانياً) من القانون رقم (25) لسنة (1929) على أنه ".. ويلزم الأب بنفقة أولاده وتوفير المسكن لهم بقدر يساره وبما يكفل للأولاد العيش في المستوى اللائق بأمثالهم..".
وبموجب هذا النص يلزم الأب بالانفاق على أولاده الصغار بما يؤمن لهم العيش في مستوى مناسب مماثل للمستوى الذي يعيش فيه أقرانهم([46]).
واذا كان المشرع المصري في هذا النص قد اقتصر على ذكر عنصر واحد من عناصر النفقة وهو المسكن فإن القضاء المصري جرى على أن نفقة الصغير على ابيه تشمل كل ما يحتاجه هذا الصغير من غذاء وكسوة وعلاج وخدمة وتطبيب وتعليم، ويراعى في تقدير هذه النفقة حاجة الصغير ودرجة يسار المنفق([47]).
ثانياً ـ القانون الأردني([48]):
لم يعالج قانون الأحوال الشخصية الأردني العناصر التي تشتمل عليها نفقة الصغير بنصٍ خاص إلا أنه نص في المادة (170) فقرة (2) على أنه "إذا كان الأب معسراً لا يقدر على أجرة الطبيب أو العلاج أو نفقة التعليم وكانت الأم موسرة قادرة على ذلك تلزم بها..".
ويفهم من هذا النص أن المشرع الأردني اعتبر من عناصر النفقة نفقة علاج الصغير وتعليمه، أما بقية العناصر فقد ترك بيانها وكيفية تقديرها لما قرره فقهاء المذهب الحنفي([49]).
ثالثااً ـ القانون المغربي:
تشمل نفقة الصغير بموجب مدونة الأحوال الشخصية المغربية على المؤونة والكسوة والسكن والتعليم، ويراعى في تقدير هذه العناصر حال المنفق وعوائد المجتمع الذي يعيش فيه الصغير، وهذا ما يقضي به الفصل (127) من هذه المدونة والذي جاء فيه "يجب للأولاد والأبوين النفقة وما يتبعها من المؤونة والكسوة والسكنى والتعليم للأولاد على قدر حال المنفق وعوائد المجتمع الذي يعيشون فيه".
ويبدو لنا أن عبارة "عوائد المجتمع الذي يعيشون فيه" عبارة زائدة لا موجب لايرادها إذ يغني عنها العبارة التي تسبقها وهي قول المشرع "على قدر حال المنفق" إذ أن حال المنفق يتبع الحال الذي يعيش فيه المجتمع بصورة عامة من الرخاء أو الفقر.
رابعاً ـ القانون التونسي:
حدد الفصل (50) من مجلة الأحوال الشخصية التونسية عناصر النفقة بالطعام والكسوة والتعليم، وكل عنصر آخر يعتبر من الضروريات وفقاً للعرف والعادات، فقد جاء في هذا الفصل "تشمل النفقة الطعام والكسوة والمسكن والتعليم وما يعتبر من الضروريات في العرف والعادة".
وهذا الفصل جاء شاملاً في بيانه لعناصر نفقة الصغير فأوجب للصغير على المسؤول عن النفقة كل ما يساعد على حفظه وحمايته وبناء جسده البناء الصحيح.
وهكذا يتضح لنا أن قوانين الأحوال الشخصية على الرغم من اختلافها في بيان العناصر التي يجب أن تشتمل عليها نفقة الصغير إلا أنها تتفق جميعاً مع اتجاه فقهاء الشريعة حول المسائل التالية:
1 ـ أن نفقة الصغير يجب أن تشتمل على كل العناصر التي تعتبر ضرورية لنشأة الصغير وتربيته وبنائه البناء الصحيح.
2 ـ أن تحديد عناصر نفقة الصغير وبيان ما يدخل ضمن هذه العناصر وما لا يخل ضمنها إنما تكون محلاً لتقدير القضاء  وبالتالي فقد يجد القاضي أن هناك عناصر لابد أن تشتمل عليها نفقة الصغير وأخرى ليست كذلك.
3 ـ أن يراعى في تقدير نفقة الصغير بعض الأمور من اهمها حاجة الصغير ، ومنزلته الاجتماعية ودرجة يسار المسؤول عن النفقة.


المبحث الثالث
شروط وجوب النفقة:
يشترط لاستحقاق نفقة الصغير توفر مجموعة من الشروط ، وهذه الشروط منها ما يتعلق بالصغير ومنها ما تعلق بالمنفق، ولبيان هذه الشروط فإننا سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين يخصص الأول منهما لبيان شروط وجوب النفقة في الشريعة الإسلامية ، ويخصص الثاني لبيان شروط وجوب النفقة في القانون.
المطلب الأول ـ شروط وجوب النفقة في الشريعة الإسلامية:
يشترط الفقهاء بعض الشروط لوجوب نفقة الصغير وهذه الشروط تتمثل بثلاثة شروط أساسية أولها: ان يكون الصغير فقيراً ليس له مال، والثاني: أن يكون عاجزاً عن الكسب، والثالث: يسر من تجب عليه النفقة ونخصص لكل شرط من هذه الشروط فرعاً مستقلاً.
الفرع الأول ـ فقر الصغير:
لا تستحق نفقة الولد على أبيه ، ما لم يكن هذا الولد فقيراً ليس له مال يستطيع الانفاق منه وبخلاف ذلك إذا كان له مال فإن نفقته تكون من ماله.
وهذا الشرط معلوم بداهةً لأن نفقة الغني تكون في ماله ولا حاجة به إلى الغير لكي ينفق عليه ولأن النفقة إنما تجب للصغير للمحافظة عليه وحفظه من الهلاك، وهذا الأمر يمكن تحقيقه من مال الصغير إذا كان له مال.
وهذا الشرط محل اتفاق جميع الفقهاء ولا خلاف بينهم حوله ففي هذا المعنى يقول الإمام الكمال بن الهمام في بيانه لشروط وجوب نفقة الابن على أبيه ".. الثاني أن يكون الأب غنياً وهم صغار فأما أن يكون لهم مال أولا فإن لم يكن فعليه نفقتهم"([50]).
وجاء في المدونة الكبرى ".. ألا ترى أن من الصبيان من هو قبل الاحتلام قوي على الكسب إلا أنه على كل حال على الأب نفقته ما لم يحتلم إلا أن يكون للصبي كسب يستغني عن الأب أو يكون له مال فينفق عليه من ماله"([51]).
وفي كتاب الأم للإمام الشافعي "وينفق على ولده حتى يبلغوا المحيض والاحتلام ، ما لم تكن لهم أموال فإذا كانت لهم أموال فنفقتهم في أموالهم"([52]).
وفي حاشية الروض المربع من كتب الحنابلة "ويشترط لوجوب نفقة القريب ثلاثة شروط.. الثاني فقر المنفق عليه"([53]).
وفي الروضة البهية من كتب الإمامية "وإنما يجب الانفاق على الفقير العاجز عن الكسب فلو كان مالكاً مؤونة سنة قادراً على تحصيلها بالكسب تدريجاً لم يجب الانفاق عليه([54]).
وقد يكون للصغير مال يستطيع الانفاق منه، أو يكون قادراً على الكسب إلا أن هذا المال أو هذا الكسب لا يكفيه لسداد جميع نفقاته ففي مثل هذه الحالة يكون على من تجب عليه النفقة اكمالها لكي يمكن الايفاء بجميع متطلبات الصغير واحتياجاته([55]).
ولم يضع الفقهاء حداًمعيناً للفقير الذي تجب به النفقة وإنما ذهب البعض إلى القول بأن الفقير هو الشخص الذي تحل له الصدقة ، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن عابدين في حاشيته "أن الفقير من تحل له الصدقة ولو له منزل وخادم"([56]).
في حين ذهب البعض الآخر إلى القول بأن الفقير هو المحتاج دون بيان ضابط معين لهذا الاحتياج([57]).
ويبدو لنا أن الأفضل أن يترك أمر تحديد كون الصغير فقيراً أم لا لتقدير القضاء ليفصل فيه في كل قضية على حدة .


الفرع الثاني ـ عجز الصغير عن الكسب:
لا يكفي لاستحقاق النفقة أن يكون الابن فقيراً محتاجا وإنما يشترط بالإضافة إلى ذلك أن يكون عاجزاً عن الكسب ، فلو كان الابن فقيراً إلا أنه مع ذلك قادراً على الكسب فإنه لا يكون مستحقا للنفقة ، وذلك لأنه بقدرته على الكسب يكون في غنى عن نفقة غيره عليه([58]).
وهذا الشرط محل اتفاق الفقهاء أيضا ، إذ يشترط الفقهاء لاستحقاق الابن للنفقة أن يكون عاجزاً عن الكسب وفي هذا المعنى يقول الإمام السرخسي في مبسوطه "تجب النفقة على الولد لعجز المنفق عليه عن الكسب .."([59]).
وفي ذات المعنى يقول الإمام ابن قدامة "إن كان يكتسب فينفق على نفسه لم تلزم نفقته.."([60]).
ويراد بالعجز عن الكسب عدم القدرة على الكسب بالوسائل المشروعة المعتادة التي تؤمن للشخص الحصول على الرزق لتغطية نفقاته وهو أما أن يكون عجزاً حقيقياً وأما أن يكون حكميا ويتحقق النوع الأول بالصغر والمرض والثاني بالأنوثة وطلب العلم.
فالصغير عاجزاً حقيقة عن الكسب بسبب صغره لذا تكون نفقته واجبة على أبيه حتى يصل السن التي يستطيع فيها العمل والكسب، فإن وصل إلى هذه السن كان للأب ان يدفعه في حرفةٍ يستطيع الكسب منها والانفاق عليه من كسبه([61]).
ويتحقق العجز الحقيقي كذلك بالمرض الذي يعيق عن الكسب كالجنون والشلل والعمى ، وغير ذلك من الأمراض التي تعيق عن الكسب([62]).
أما العجز الحكمي فهو يتحقق كما أشرنا بالأنوثة وطلب العلم ، أما الأنوثة فهي عجز في ذاتها لأن الأنثى عاجزة عن الكسب بطبيعتها وبالتالي تجب لها النفقة على المسؤول عنها سواء كانت صغيرة أم كبيرة قادرة على الكسب أم لا، وفي هذا المعنى جاء في الفتاوى الهندية "نفقة الأولاد الصغار والإناث الصغيرات على الأب لا يشاركه في ذلك أحد"([63]). وجاء فيها أيضاً "وفي ظاهر الرواية البنت البالغة والغلام البالغ الزمن بمنزلة الصغير نفقتها تكون على الأب خاصة"([64]).
وإذا اكتسبت الأنثى فنفقتها في كسبها، وعلى الأب أن يكمل لها نفقتها إذا كان كسبها لا يكفيها وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن عابدين في حاشيته "قال الخير الرملي لو استغنت الأنثى بنحو خياطة وغزل يجب أن تكون نفقتها في كسبها كما هو ظاهر، ولا نقول تجب على الأب مع ذلك إلا إذا كان لا يكفيها فتجب على الأب كفايتها بدفع القدر المعجوز عنه"([65]).
ويتحقق العجز الحكمي بطلب العلم أيضا إذ لا يكلف طالب العلم  بالنفاق على نفسه وأن كان قادراً على الكسب، وذلك لأن طلب العلم من الضرورات التي تتطلبها مصلحة المجموع بشرط أن يكون طالب العلم هذا مجداً مستقيماً، وفي هذا يرى الامام ابن عابدين أن النفقة لا تجب لطلبة العلم من أهل زمانه الذين غلب عليهم الفساد فهو يقول "أن السلف قالوا بوجوب نفقته على الأب، لكن افتى ابو حامد بعدمه لفساد أحوال أكثرهم .. واقول  الحق الذي تقبله الطباع المستقيمة ولا تنفر منه الأذواق السليمة القول بوجوبها لذي الرشد لا غيره"([66]).
ولا يكون طلب العلم دائماً سبباً في العجز عن الكسب، وإنما قد يكون طالب العلم قادر مع ذلك على الكسب فتكون نفقته من كسبه وتقدير ذلك متروك للقضاء([67]).
وحالات العجز الحكمي هذه قد تجتمع مع حالة العجز الحقيقي المتمثل بالصغر إذ قد يكون الصغير أنثى أو طالب علم فتجب نفقته في مثل هذه الحالة على من تجب عليه النفقة.
الفرع الثالث ـ يسر من تجب عليه النفقة:
يشترط فيمن تجب عليه النفقة أن يكون موسراً ولا خلاف بين الفقهاء في وجوب هذا الشرط لاستحقاق النفقة وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن الهمام في بيانه لشروط وجوب النفقة "الثاني أن يكون الأب غنياً وهم صغار فأما أن يكون لهم مال أولا فإن لم يكن فعليه نفقتهم"([68]).
وفيه أيضاً يقول الإمام الشافعي "وإذا زمن الأب والأم ولم يكن لهما مال ينفقان منه على أنفسهما أنفق عليهما الولد"([69]).
وفيه أيضاً يقول الإمام البهوتي من الحنابلة "ويتلخص لوجوب الانفاق على القريب ثلاثة شروط.. الثاني أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم منه فاضل عن نفقة نفسه وزوجته"([70]).
وينتقد الإمام ابن حزم الظاهري ما ذهب إليه بعض الفقهاء([71]) من أن النفقة لا تجب على فقير إلا للزوجة والولد الصغير معللين ذلك بأن استحقاق الزوجة للنفقة يكون باعتبار العقد، أما الأولاد فلأنهم جزء الوالد فكما لا تسقط عنه نفقة نفسه لعسره لا تسقط عنه نفقتهم لهذا السبب فيقول "قال ولا يجبر فقير على نفقة أحد إلا الوالد على أولاده الصغار وإلا الزوج على نفقة زوجته.. ليت شعري كيف يمكن اجبار فقير على نفقة أحد ان هذا العجب"([72]).
وشرط اليسر هذا يعني أن يكون المنفق ذا مال يزيد عن حوائجه الأصلية، وبالتالي يكفي لتحقق هذا الشرط أن يكون للمنفق ما يزيد عن نفقة نفسه، فلا يتحقق هذا الشرط إذا كان من تجب عليه النفقة عاجزاً عن الكسب أو كان يستطيع الكسب إلا أن كسبه لا يكفيه لنفقة نفسه([73]).
وقد اختلف الفقهاء في مقدار اليسر الذي تجب فيه النفقة فلهم في هذه المسالة رأيان:
الرأي الأول : وهو ما ذهب إليه الإمام أبو يوسف من الحنفية من أن اليسر الذي تجب فيه النفقة هو أن يملك الشخص النصاب الذي تجب فيه الزكاة، وفي هذا المعنى يقول الإمام السرخسي في مبسوطه "قال أبو يوسف رحمه الله تعالى من لم يكن له فضل على حاجته مقدار ما تجب فيه الزكاة لا تلزمه نفقة الأقارب"([74]).
ويعلل الامام أبو يوسف رأيه هذا بأن النفقة من الصلة وتجب على الأغنياء كما في الصدقة وحد الغنى في الشريعة هو نصاب الزكاة أو أكثر([75]).
الرأي الثاني: هو الرأي الذي قال به جمهور الفقهاء من ان اليسر المطلوب هو أن يملك الشخص ما يفضل عن نفقته ونفقة عياله إن كان من اهل الكسب اليومي وما يفضل عن نفقته ونفقة عياله شهراً إن كان من أهل الكسب الشهري، وهذا الرأي قال به الإمام محمد من الحنفية وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن عابدين في حاشيته "وعن محمد أنه قدره بما يفضل عن نفقة نفسه وعياله شهراً إن كان من أهل الغلة ، وأن كان من أهل الحرف فهو مقدر بما يفضل عن نفقته ونفقة عياله كل يوم"([76]).
وبهذا الرأي أيضاً قال فقهاء الشافعية([77])، والحنابلة([78]) والإمامية([79]) والرأي الراجح من هذين الرأيين هو الرأي الذي قال به جمهور الفقهاء لان الإنسان إذا كان له كسب دائم يزيد عن حاجته وحاجة عياله فان ما يزيد عن هذا الكسب يجب أن يصرف على الأقارب المحتاجين إلى النفقة لأن الاستحقاق إنما يكون باعتبار الحاجة ومن جانب آخر فأن النصاب إنما يعتبر في وجوب حقوق الله المالية والنفقة حق للعبد لا حق لله تعالى، فلا معنى لاعتبار النصاب فيها وإنما يعتبر فيها الحاجة وإمكان الأداء،وفي هذا المعنى يقول الإمام السرخسي في مبسوطه "إذا كان كسبه كل يوم درهما ويكفيه لنفقته ونفقة عياله أربعة دوانق يؤمر بصرف الفضل إلى أقاربه لأن الاستحقاق باعتبار الحاجة فيعتبر جانب المؤدي لتيسير الأداء ويسر الأداء يكون موجوداً إذا كان كسبه يفضل عن نفقته"([80]).
المطلب الثاني ـ شروط وجوب النفقة في القانون:
تشترط قوانين الأحوال الشخصية لوجوب النفقة على الصغير توفر ذات الشروط التي اشترطها فقهاء الشريعة الإسلامية ولبيان ذلك سنقسم هذا المطلب إلى فرعين يخصص الأول لبيان شروط وجوب نفقة الصغير في القانون العراقي ، والثاني لبيان شروط وجوبها في القوانين العربية.
الفرع الأول ـ شروط وجوب النفقة في القانون العراقي:
عالج قانون الأحوال الشخصية العراقي الشروط الخاصة بنفقة الصغير في المادة (59) منه حيث تشترط هذه المادة لاستحقاق هذه النفقة ان يكون الصغير فقيراً لا مال له وبخلافه لا يكون مستحقاً للنفقة وهذا ما أشارت إليه العبارة الأولى من الفقرة (1) من المادة المشار إليها بالقول "إذا لم يكن للولد مال فنفقته على أبيه..".
وقد جرى القضاء العراقي على اشتراط هذا الشرط فقد جاء في قرار لمحكمة التمييز "إذا كان الولد صغيراً ذكراً كان أم أنثى ولا مال له يكفي لمعيشته فنفقته على أبيه فالأب ملزم بالإنفاق على اولاده"([81]).
ويعتبر هذا الشرط متحققاً إذا كان للصغير مال لكنه غائب لا يستطيع الوصول إليه كما لو ورث مالاً خارج بلده، ففي هذه الحالة يكون الأب ملزم بالانفاق عليه، وله أن يرجع على الصغير بما أنفق أن كان انفاقه بأمر القضاء ، وإلا فليس له الرجوع عليه بشيء لأنه في الظاهر كان متبرعاً في الانفاق([82]).
كما تشترط المادة (59) المشار إليها أن يكون الأب موسراً او قادراً على الكسب وهذه ما أشارت إليه العبارة الثانية من الفقرة الأولى من المادة المشار إليها بقولها "ما لم يكن فقيراً عاجزاً عن الكسب" فالأب وحده هو المكلف بالانفاق على أبنائه ولا يشاركه في هذه النفقة أحد إذ كان موسراً.
وهذا ما قضت به محكمة التمييز في قرار لها بقولها "لا يكلف الجد الصحيح بنفقة حفيده الصغير إذا كان للحفيد أب موسر"([83]).
وهو أيضاً ما قضت به محكمة التمييز في حكم آخر لها بقولها "فالأب هو الذي يتحمل نفقة الأولاد وحده ولا يشاركه أحد متى كان غنياً"([84]).
وكذلك يعتبر هذا الشرط متوفراً إذا كان الأب لا مال له ولكنه قادر على الكسب فإن عليه أن يعمل ويكسب لينفق على أولاده([85]).
أما إذا كان الاب فقيراً غير موسر أو كان قادراً على الكسب إلا أن كسبه غير كاف للانفاق على نفسه و على أولاده فلا تسقط عنه نفقة أولاده وإنما يكلف بالانفاق عليهم من تجب عليه عند عدم وجود الأب وتكون هذه النفقة ديناً على الأب وللمنفق الرجوع عليه بها عند يساره([86]).
وهذا ما أشارت إليه المادة (60) بفقرتيها الأولى والثانية فقد جاء في الفقرة الأولى "إذا كان الأب عاجزاً عن النفقة يكلف بنفقة الولد من تجب عليه عند عدم الأب".
وجاء في الفقرة الثانية "تكون هذه النفقة ديناً على الاب وللمنفق أن يرجع بها عليه إذا أيسر".
أما شرط كون الابن عاجزاً عن  الكسب فهو ما أشارت إليه الفقرة (2) من المادة (59) بقولها تستمر نفقة الأولاد إلى أن تتزوج الأنثى ويصل الغلام إلى الحد الذي يكتسب فيه أمثاله ما لم يكن طالب علم".
فبموجب هذه المادة يكون الأب ملزم بالانفاق على أولاده الصغار العاجزين عن الكسب حتى يبلغوا السن الذي يكتسب فيه امثالهم ما لم يكونوا طلاب علم([87])، أما البنت فهي تعتبر بحكم العاجزة عن الكسب إلى أن تتزوج([88]).
الفرع الثاني ـ شروط وجوب النفقة في القوانين العربية:
لم تختلف قوانين الأحوال الشخصية في معالجتها لشروط وجوب نفقة الصغير عن القانون العراقي ومن هذه القوانين القانون المصري الذي تناول الشروط الواجب توفرها لاستحقاق نفقة الصغير في المادة (18/مكرر/ثانياً) والتي نص فيها على أنه "إذا لم يكن للصغير مال فنفقته على أبيه وتستمر نفقة الأولاد على أبيهم إلى ان تتزوج الانثى او تكسب ما يكفي نفقتها والى ان يتم الابن الخامسة عشرة من عمره قادراً على الكسب.. ويلتزم الأب بنفقة أولاده وتوفير المسكن لهم بقدر يساره".
ويفهم من هذا النص أن المشرع يتطلب لاستحقاق نفقة الصغير توفر ثلاثة شروط ، الأول أن يكون الابن فقيراً لا مال له، والثاني أن يكون عاجزاً عن الكسب، والثالث أن يكون الأب موسراً غير معسر([89]).
وقد جرى القضاء المصري في احكامه على وجوب توفر هذه الشروط فقد حكم بالنسبة لشرط اعسار الصغير وفقره أن نفقة الصغير يؤديها والده من ماله إذا كان الصغير فقيراً ، وحكم بالنسبة لشرط عدم قدرة الصغير على الكسب بأنه تجب نفقة الصغير على أبيه إذا كان فقيراً عاجزاً عن الكسب،وحكم بالنسبة لشرط يسار من تجب عليه نفقة الصغير بأن الأب الفقير العاجز عن الكسب يلحق بالميت في وجوب النفقة على غيره([90]).
وقد عالجت قوانين الأحوال الشخصية العربية الأخرى الشروط الواجب توفرها لاستحقاق نفقة الصغير بصورة لا تختلف كثيراً عن معالجة القانونين العراقي والمصري، ومن هذه القوانين القانون الأردني المادة (168)([91])، والقانون السوري المدة (155)([92])، والقانون المغربي([93]).


المبحث الرابع
 مراتب من تجب عليهم النفقة:
بينا أن النفقة تجب في مال الصغير إن كان له مال فان لم يكن له مال فنفقته على ابيه، لكن ما هو الحكم إذا كان الأب فقيراً لا مال له أو كان غير موجود ، أو كان موجوداً إلا أنه عاجز عن الكسب ، هل أن النفقة تسقط في مثل هذه الحالات أم أنها تنتقل إلى غيره؟
فقهاء الشريعة الإسلامية ومثلهم قوانين الأحوال الشخصية بينوا أن نفقة الصغير لا تسقط مثل هذه الحالات وإنما تنتقل إلى أقارب الصغير وفق ترتيب معين، ولبيان هذا الترتيب سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين، يخصص الأول منهما لبيان مراتب من تجب عليهم نفقة الصغير في الشريعة الإسلامية ويخصص الثاني لبيان مراتبهم في قوانين الأحوال الشخصية.
المطلب الأول ـ مراتب من تجب عليهم النفقة في الشريعة الإسلامية:
وضع فقهاء الشريعة الإسلامية بعض الأحكام في بيان ترتيب الأشخاص الذين تجب عليهم نفقة الصغير آخذين بنظر الاعتبار في هذا الأمر درجة القرابة من الصغير ويمكن اجمال هذه الأحكام بما يلي:
أولاً : الأب هو أول من يسأل عن نفقة الصغير إذا لم يكن لهذا الأخير مال، وفي هذا المعنى جاء في الفتاوى الهندية "نفقة الأولاد الصغار والإناث المعسرات على الأب لا يشاركه في ذلك أحد"([94]).
وتعليل ذلك هو أن الابن جزء من الأب فكما لا يسقط انفاق الإنسان على نفسه لا يسقط عنه الانفاق على ولده وذلك احياءاً له إلا في حالات العجز والاعسار، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن قدامة "وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم ، ولأن ولد الإنسان بعضه وهو بعض والده، فكما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله كذلك على بعضه وأصله"([95]).
ويترتب على ذلك أنه إذا اجتمع للصغير أصول وكان معهم أب فالنفقة تكون واجبة عليه فقط([96]).
ثانياً: إذا انعدم أبي الصغير بوفاته أو بسقوط النفقة عنه فإن النفقة تنتقل إلى الام وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن قدامة "إذا ثبت هذا فإن الأم تجب نفقتها ويجب عليها ان تنفق على ولدها إذا لم يكن له أب"([97]).
وفي هذا المعنى أيضاً يقول الإمام ابن الهمام "فإن كان له أم موسرة فنفقته عليها، وكذا إذا لم يكن له أب"([98]).
وهذا الرأي قال به فقهاء الحنفية([99]) والشافعية([100]) والحنابلة([101]) وخالفهم فيه فقهاء المالكية([102]) والظاهرية([103]) والإمامية([104]). إذ يرى هؤلاء بأنه في حالة انعدام الأب أو سقوط النفقة عنه فإنها "أي النفقة" تنتقل إلى أصول الصغير من الرجال من جهة أبيه وفي هذا المعنى يقول الإمام العاملي "والأب مقدم على الأم وغيرها في الانفاق على الولد مع وجوده ويساره ومع عدمه وفقره فعلى أب الأب فصاعداً يقدم الأقرب منهم فالأقرب وأن عدمت الآباء أو كانوا معسرين فعلى الأم مع وجودها ويسارها"([105]).
ويبدو لنا أن الرأي القائل بانتقال النفقة على عاتق الأم في حالة انعدام الأب هو الرأي الأكثر صوابا لأنها أقرب الناس للصغير بعد أبيه وأشفقهم عليه فتكلف بنفقته إن كانت موسرة.
ثالثاً: إذا اجتمع للصغير عدد من الأصول ممن تجب عليهم نفقته ففي هذه الحالة نميز بين الفروض التالية:
1 ـ إذا اجتمع للصغير أصول متعددون وكانوا جميعاً موسرين فإن كان فيهم أب (أي أب الصغير) فالنفقة تكون عليه وحده، وذلك حتى لو كان الأب موسراً بقدرته على الكسب فقط وكان الآخرون موسرين بما يزيد عن حاجاتهم لأن النفقة واجبة على ألاب لا يشاركه فيها أحد ما دام قادراً على الكسب وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن عابدين في حاشيته في بيانه لترتيب الأشخاص الذين تجب عليهم نفقة الصغير "القسم الخامس: الأصول فقط فإن كان معهم أب فالنفقة عليه فقط ، لقول المتون لا يشارك الأب في نفقة ولده أحد"([106]).
وهذا الحكم يسري حتى لو كان الأب لا يرث الصغير لمخالفته له في الدين وكان الأصول الآخرين ممن يرثونه ، وذلك لأن الأساس في نفقة الأولاد على أبيهم هو جزئيتهم له وهي حاصلة حتى مع اختلاف الدين([107]).
ب ـ إذا تعدد الأصول وكانوا جميعاً ممن يرث الصغير ولم يكن بينهم أب فالنفقة عليهم جميعاً كلٌ حسب نصيبه من الإرث ولا اعتبار في هذه الحالة لقرب الدرجة أو بعدها، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن قدامة "إذا لم يكن للصبي أب فالنفقة على وارثه فإن كان له وارثان فالنفقة عليهما على قدر أرثهما منه، وإن كانوا ثلاثة أو أكثر فالنفقة بينهم على قدر أرثهم"([108]).
ج ـ إذا تعدد الأصول ولم يكن أي منهم وارثاً فالنفقة تكون على الأقرب للصغير في الدرجة، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن قدامة "أن يكون القريب محجوباً عن الميراث بمن وهو اقرب منه فينظر فإن كان الأقرب موسراً فالنفقة عليه"([109]) فإذا كان للصغير أبو أم ، وأم أبي أم فإن النفقة تكون واجبة على أبو الأم لأنه أقرب له.
د ـإذا اجتمع الأصول الورثة مع غير الورثة فالنفقة تجب على الأقرب درجة بصرف النظر عن كونه وارثاً أم لا ، فإذا تساووا في الدرجة فتجب النفقة على الورثة بحسب نصيبهم من الإرث، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن عابدين "..فأما أن يكون بعضهم وارثا وبعضهم غير وارث أو كلهم وارثين.. ففي الأول يعتبر الأقرب جزئية.. فإن تساووا في القرب فالمفهوم من كلامهم ترجيح الوارث"([110]).
وهكذا فإن كان للصغير ام وجد لأم كانت النفقة على الأم لأنها أقرب للصغير، وإن كان له جد لأم وجد لأب كانت نفقته على الجد لأب لأنه وارث.
رابعاً: إذا اجتمع للصغير أصول وحواشي([111])، فإن كانوا جميعاً وارثين فان نفقة الصغير عليهم تكون بحسب نصيبهم من الميراث([112]).
وهكذا إذا كان للصغير أم وأخ شقيق ، فإن النفقة تكون على الأم بمقدار الثلث والباقي على الأخ الشقيق.
وإن كان الأصول وارثين والحواشي ليسوا كذلك أو بالعكس كانت النفقة على الأصول دون الحواشي لأن لاعتبار هنا للجزئية وليس للميراث([113]).
فلو كان للصغير جد لأب وأخ فإن النفقة تكون على الجد لأن الصغير جزء منه ويرثه عند وفاته ولو كان له جد لأم وأخ فإن النفقة تكون أيضاً على الجد مع أنه غير وارث لأن الاعتبار هنا بالجزئية([114]).
خامسا: إذا كان للصغير حواشي فقط فالاعتبار يكون للإرث فقط مع كون القريب ذا رحم محرم.
وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن عابدين "القسم السابع الحواشي فقط والمعتبر فيه الإرث بعد كونه ذا رحم محرم"([115]).
وعلى هذا إذا كان للصغير أخ وعم فإن النفقة على ألاخ لا على العم لأنه هو الوارث، فان كان الجميع يرث فإن النفقة تكون عليهم بحسب حصة كل واحد منهم من الإرث([116]).

المطلب الثاني ـ مراتب من تجب عليهم النفقة في القانون:
لم تخرج قوانين الأحوال الشخصية عن الاطار الذي نظمه فقهاء الشريعة الإسلامية في بيان مراتب من تجب عليهم نفقة الصغير ولبيان ذلك نقسم هذا المطلب إلى فرعين يخصص الأول لبيان مراتب من تجب عليهم النفقة في القانون العراقي والثاني لبيان مراتبهم في القوانين العربية الأخرى.
الفرع الأول ـ مراتب من تجب عليهم النفقة في القانون العراقي:
الأصل في قانون الأحوال الشخصية العراقي أن نفقة كل إنسان تكون في ماله إذا كان له مال باستثناء الزوجة فإن نفقتها تكون في مال زوجها وهذا ما أشارت إليه المادة (58) من هذا القانون بقولها "نفقة كل إنسان في ماله إلا الزوجة فنفقتها على زوجها".
فبالاستناد إلى هذا النص تكون نفقة الصغير واجبة في ماله إن كان له مال يمكن الانفاق منه عليه([117]).
فإذا لم يكن للصغير مال يمكن تحصيل النفقة منه فإنها (أي النفقة) تنتقل إلى والده، فيكلف الأب بالانفاق على ابنه الصغير بشرط أن لا يكون هذا الأب فقيراً أو عاجزاً عن الكسب([118])، وهذا ما نصت عليه المادة (59) فقرة (1) بقولها "إذا لم يكن للولد مال فنفقته على أبيه ما لم يكن فقيراً عاجزاً عن النفقة والكسب"([119]).
أما إذا كان الأب فقيراً أو عاجزاً عن الكسب او كان غائباً فإن نفقة الصغير تنتقل إلى من تجب عليه نفقته عند عدم وجود الأب([120])، وهذا ما قررته المادة (60) بقولها "إذا كان الأب عاجزاً عن النفقة يكلف بنفقة الولد من تجب عليه عند عدم الأب".
وعلى الرغم من أن النص السابق لم يحدد من هو المسؤول عن نفقة الصغير عند عدم وجود الأب إلا أن اتجاه محكمة التمييز يذهب إلى أن المسؤول عن هذه النفقة عند عدم وجود الأب هو الجد وهذا ما قضت به في قرارها المرقم 577 في 10/11/1961 بقولها "يكلف الجد بنفقة حفيده عند اعسار ابنه وله الرجوع عليه إذا أيسر"([121]).
وعند عدم وجود الجد أو اعساره فإن النفقة تنتقل إلى الأم فتكلف بنفقة الصغير إذا كانت موسرة وهذا ما ذهبت إليه محكمة التمييز في أحد قراراتها بقولها "إذا كانت الأم موسرة فنفقة أولادها عليها لا على أخيهم"([122]).
وهذه الأحكام يؤخذ بها إذا كان من تجب عليه نفقة الصغير شخص واحد كأن يكون الجد أو الأم ، أما إذا وجد أكثر من شخص فإن النفقة تجب عليهم جميعاً كل بحسب نصيبه من الميراث وهذا ما قررته المادة (62) بقولها "تجب نفقة كل فقير عاجز عن الكسب على من يرثه من أقاربه الموسرين بقدر أرثه منه".
فبموجب هذا النص إذا كان للصغير أم وجد صحيح فإن على الأم سدس النفقة (أو ثلثها) وعلى الجد الباقي، وأن كان له جدتان وجد فإن على الجدتين سدس النفقة مناصفة وعلى الجد الباقي([123])، وفي جميع هذه الحالات تعتبر النفقة ديناً على الأب يرجع بها عليه من دفعها عند يساره، وهذا ما تقرره الفقرة (2) من المادة (60) بقولها "تكون هذه النفقة ديناً على الأب للمنفق يرجع بها عليه إذا أيسر".
الفرع الثاني ـ مراتب من تجب عليهم النفقة في القوانين العربية:
اختلفت قوانين الأحوال الشخصية العربية فيما بينها في بيانها لمراتب من تجب عليهم نفقة الصغير ومن هذه القوانين:
أولاً ـ القانون المصري:
الأصل بموجب قانون الأحوال الشخصية المصري أن نفقة الصغير تجب في ماله إن كان له مال فإذا لم يكن له مال فإن نفقته تكون على أبيه وهذا الأصل قررته المادة (18/ مكرر /ثانيا) من القانون رقم (25) لسنة (1929)([124]).
ولم يتطرق القانون المصري لبيان من تجب عليه نفقة الصغير عند عدم وجود الأب أو عند اعساره أو عدم قدرته على الكسب إلا أن العمل جرى في المحاكم المصرية على أن النفقة تنتقل في مثل هذه الحالات إلى اقارب الصغير كل بحسب ميراثه من والد الصغير بشرط أن يكون هذا القريب محرماً للصغير وأن يكون موسراً([125]). وأن يدين بنفس دين الصغير إلا إذا كان هذا القريب هو الأم فتجب عليها نفقة أولادها ولو اختلفت معهم في الدين([126]) وبناءاً على ذلك حكم بأنه إذا كان للصغير أم وجد لأب وليس له عصبة فالنفقة على الجد والأم ثلثاها على الجد والثلث على الأم .
ثانياً ـ القانون الأردني:
جاء قانون الأحوال الشخصية الأردني فيما يتعلق بترتيب من تجب عليهم نفقة الصغير بالأحكام التالية:
1 ـ الأصل أن نفقة الصغير تجب في ماله إن كان له مال وهذا ما قررته المادة (167) بقولها "نفقة كل إنسان في ماله..".
2 ـ إذا لم يكن للصغير مال فنفقته تكون واجبة في مال أبيه وهذا ما قررته المادة (168) فقرة (أ) بقولها "إذا لم يكن للصغير مال فنفقته على أبيه لا يشاركه فيها أحد..".
3 ـ جعل هذا القانون نفقة علاج الصغير وأجرة الطبيب من حيث الأصل واجبة في مال الأب فإذا اعسر الأب تكون هذه النفقة واجبة على الأم إن كانت موسرة فإذا كان كلاً من الأب والأم معسراً يكلف بها من تجب عليه عند عدم وجود الأب أو عند اعساره وهذا ما قررته المواد (169) و(170) فقد جاء  في المادة (169) "الأولاد الذين تجب نفقتهم على أبيهم يلزم بنفقة تعليمهم أيضاً..".
وجاء في الفقرة الأولى من المادة (170) "الأولاد الذين تجب نفقتهم على أبيهم يلزم بنفقة علاجهم".
وجاء في الفقرة الثانية "إذا كان الأب معسراً لا يقدر على أجرة الطبيب أو العلاج او نفقة التعليم وكانت الأم موسرة قادرة على ذلك تلزم بها..".
أما الفقرة الثالثة من نفس المادة فقد جاء فيها "إذا كان الأب معسراً لا يقدر على أجرة الطبيب والعلاج فعلى من تجب عليه النفقة عند عدم الأب نفقة المعالجة أو التعليم..".
4 ـ في حالة اعسار الأب أو عدم قدرته على الكسب يكلف بنفقة الصغير من تجب عليه عند عدم الأب وهذا ما قررته المادة (171) بقولها "إذا كان الأب فقيراً قادراً على الكسب وكسبه لا يزيد عن حاجته أو كان لا يجد كسباً يكلف بنفقة الولد من تجب عليه عند عدم الأب".
إلا ان هذه المادة لم تحدد لنا من هو المسؤول عن نفقة الصغير عند عدم الأب هل هو الجد أم أنها الأم أم غيرهما من أصول الصغير.
5 ـ إذا كان للصغير  حواشٍ فقط فتكون نفقة الصغير واجبة على الموسرين منهم وبحسب حصصهم الإرثية فإذا كان أحد الورثة معسراً تفرض النفقة على من يليه من الورثة وتعتبر ديناً يرجع بها على الوارث إذا أيسر، وهذا ما قررته المادة (173) بقولها "تجب نفقة الصغار الفقراء .. على من يرثهم من أقاربهم الموسرين بحسب حصصهم الإرثية وإذا كان الوارث معسراً تفرض على من يليه في الإرث ويرجع بها على الوارث إذا أيسر".
ولا تختلف معالجة المشرع السوري للأحكام الخاصة بترتيب من تجب عليهم نفقة الصغير عن الأحكام التي جاء بها القانون الأردني([127]).
ثالثاً ـ القانون المغربي:
تناولت مدونة الأحوال الشخصية المغربية الأحكام الخاصة بترتيب من تجب عليهم نفقة الصغير في نصين الأول: هو نص الفقرة (1) من الفصل (126) والتي جاء فيها "يجب على الأب الإنفاق على أولاده الصغار والعاجزين عن الكسب".
فاعتبرت هذه الفقرة نفقة الأولاد واجبة من حيث الأصل في مال الأب في حال عجزهم عن الكسب.
والنص الثاني: هو نص الفصل (129) والذي نص فيه المشرع على كون الأم هي المكلفة بالانفاق على الصغير إذا كانت موسرة وكان الأب معسراً حيث جاء في هذا الفصل "إذا عجز الأب عن الانفاق على ولده وكانت الأم غنية وجبت عليها النفقة".
ولم يوضح هذا القانون من تنتقل إليه نفقة الصغير عند اعسار الأب والام أو عند عدم وجودهما([128]).
ويتضح لنا بعد عرض الأحكام الخاص بمراتب من تجب عليهم نفقة الصغير عند فقهاء الشريعة الإسلامية وقوانين احوال الشخصية أن الجانبين قد اتفقا على أن نفقة الصغير تجب في ماله أن كان له مال فلا يستحق الصغير نفقة من غيره إلا إذا كان هذا الصغير فقيراً لا مال له.
كما اتفق الجانبين على أن الأب هو أول من يسأل عن نفقة الصغير في حالة اعسار هذا الأخير وفقره بشرط أن يكون الأب غنيا أما بما له أو بقدرته على الكسب.
إلا أن فقهاء الشريعة الإسلامية وكذلك قوانين الأحوال الشخصية قد اختلفوا فيا بينهم في بيان من تجب عليه نفقة الصغير في حالة عدم وجود الأب أو عدم يساره حيث ذهب بعض فقهاء الشريعة وبعض قوانين الأحوال الشخصية إلى القول بأن النفقة تكون واجبة على الأم عند عدم وجود الأب أو عند اعساره، في حين ذهب البعض الآخر إلى القول بأن النفقة في مثل هذه الحالات تجب على أصول الصغير من الرجال من جهة أبيه، وقد ذهبنا إلى تأييد الرأي الأول.



المبحث الخامس

 أسباب سقوط النفقة:
متى ما استوفت نفقة الصغير شروط فرضها على من وجبت عليه فإن هذا الأخير يبقى ملتزماً بأدائها حتى يطرا سبب من الأسباب التي تؤدي إلى سقوطها.
ولبيان الأسباب التي تؤدي إلى سقوط نفقة الصغير عن الملتزم بها يتطلب منا الأمر أن نقسم هذا المبحث إلى مطلبين يخصص الأول منهما لبيان أسباب سقوط النفقة في الشريعة الإسلامية ويخصص الثاني لبيان هذه الأسباب في قوانين الأحوال الشخصية:
المطلب الأول ـ أسباب سقوط النفقة في الشريعة الإسلامية:
حدد فقهاء الشريعة الإسلامية بعض الأسباب التي تؤدي إلى سقوط نفقة الصغير، وهذ الأسباب منها ما يؤدي إلى سقوط النفقة بصورة تامة ومنها يؤدي إلى سقوطها عن عاتق الملتزم بها وانتقالها إلى من يليه في المسؤولية عنها، ونخصص لكل مجموعة فرعاً مستقلاً .
الفرع الأول ـ أسباب سقوط النفقة بصورة تامة:
تسقط نفقة الصغير بصورة تامة ونهائية إذا توفر أحد الاسباب التالية:
أولاً ـ وفاة الصغير : تعتبر الوفاة من الأسباب التي تؤدي إلى سقوط نفقة الصغير بصورة تامة وهو أمر طبيعي لأن النفقة إنما تجب لسد حاجة الصغير، وهذه الحاجة تنتهي بموته([129]).
من جانب آخر فإن النفقة من باب الصلة والبر، وهما من الأمور التي تسقط بالموت، وبناءً على ذلك لا يكون لورثة الصغير المطالبة بنفقته بعد موته([130]).
ويرد على هذا الحكم استثناء يتمثل بالحالة التي يصدر فيها حكم قضائي بفرض النفقة على المسؤول عنها ، إذ تصبح النفقة في مثل هذه الحالة ديناً بمجرد صدور هذا الحكم، وبالتالي يكون لورثة الصغير الرجوع بنفقته المفروضة قبل موته على من فرضت عليه هذه النفقة([131]).
وإذا كانت حاضنة الصغير سواء كانت الأم أم غيرها قد قبضت نفقة للصغير لمدة مستقبلة فمات هذا الأخير كان لمن التزم بدفع النفقة أن يرجع على القابض بما دفعه وفي هذا المعنى يقول الإمام الدسوقي في حاشيته "بخلاف موت الولد المحضون إذا قبضت حاضنته كسوته لمدة مستقبلة فمات فيرجع الأب بكسوته عليها وكذا ما بقي من نفقته"([132]).
ثانياً ـ يسر الصغير:
قلنا أن الأصل هو ان نفقة الصغير تكون واجبة في ماله إن كان له مال فإن لم يكن له مال وجبت نفقته على المسؤول عنه.
فإذا طرأ سبب من الأسباب التي تؤدي إلى يسر الصغير وغناه فإن نفقته تسقط عمن  وجبت عليه بعد فقر الصغير لتعود في مال الصغير لأن النفقة تجب على سبيل المواساة والموسر مستغن عن المواساة([133]).
ويمثل الفقهاء لهذه الحالة بحالة الصغير الذي له مال لكنه غائب فهو يعتبر غير موسر فيؤمر الأب بالانفاق عليه ومن ثم الرجوع عليه بعد حضور ماله أي بعد يسره ، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن عابدين "فلو كان للولد مال لكنه غائب فنفقته على الأب إلى أن يحضر ماله". ويقول في موضع آخر "ولو استغنت الأنثى بنحو خياطة وغزل يجب أن تكون نفقتها في كسبها"([134]).
ويدخل في هذا الإطار أيضاً أي سبب آخر يؤدي إلى غنى الصغير كأن يحصل على مال بطريق الإرث أو الهبة أو غيرها من الأسباب الأخرى.


ثالثاً ـ بلوغ الصغير الذكر حد الكسب:
من الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى سقوط نفقة الصغير عن الشخص الذي وجبت عليه بلوغ الصغير السن الذي يستطيع فيه الكسب من عمله والانفاق على نفسه([135]).
وبلوغ الصغير السن يستطيع فيها الكسب والاعتماد على نفسه قد يحدث قبل بلوغ سن الاحتلام وقد يحدث بعد ذلك وفي كلا الحالتين يلزم الأب بالانفاق عليه حتى يبلغ هذه السن وفي هذا المعنى يقول الامام ابن الهمام "… فعليه نفقتهم إلى أن يبلغ الذكر حد الكسب وإن لم يبلغ الحلم"([136]).
وفي هذا المعنى أيضاً جاء في المدونة الكبرى "ألا ترى أن من الصبيان من هو قبل الاحتلام قوي على الكسب إلا أنه على كل حال على الأب نفقته ما لم يحتلم إلا أن يكون للصبي كسب يستغني به عن الأب"([137]).
وذهب الإمام ابن عابدين من الحنفية إلى القول بشمول هذا الحكم للأنثى أيضا إذ تسقط نفقتها عن أبيها ببلوغها السن الذي تستطيع فيه الكسب وفي هذا المعنى يقول الامام ابن عابدين في حاشيته "ولو استغنت الأنثى بنحو خياطة أو غزل يجب ان تكون نفقتها في كسبها كما هو ظاهر .. ولا ينافيه قولهم بخلاف الأنثى لأن الممنوع إيجارها للخدمة ونحوها مما فيه تسليمها للمستأجر بدليل قولهم لأن المستأجر يخلو بها وذا لا يجوز في الشرع، وعليه دفعها لامرأة تعلمها حرفة كتطريز وخياطة الثياب"([138]).
وقد خالف بقية الفقهاء الإمام ابن عابدين في رايه هذا إذ قالوا باستمرار نفقة البنت على أبيها إلى أن تتزوج وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن الهمام "فالإناث عليه نفقتهن إلى أن تتزوج إذا لم يكن لهن مال وليس له ان يؤاجرهن في عملٍ ولا خدمة وإن كان لهن قدرة"([139]). وفي ذات المعنى يقول الإمام ابن حزم في محلاه "ويجبر الرجل دون المرأة على النفقة على الولد الأدنى الذكر حتى يبلغ فقط وعلى البنت الدنيا وإن بلغت حتى يزوجها"([140]).
ويعلل الفقهاء رأيهم باستمرار نفقة البنت على أبيها إلى أن تتزوج على الرغم من قدرتها على الكسب بالخشية عليها مما قد تتعرض له من الفتنة نتيجة عملها بقصد الكسب، ولم يغفل الإمام ابن عابدين عن هذه المسألة لذا نراه يوجب تلافياً للفتنة أن تدفع الأنثى إلى امرأة أمينة تعلمها حرفة معينة فيقول ولا ينافيه قولهم بخلاف الأنثى لأن الممنوع إيجارها، ولايلزم منه عدم الزامها بحرفة تعملها أي الممنوع إيجارها للخدمة ونحوها مما فيه تسليمها للمستأجر بدليل قولهم لأن المستأجر يخلو بها وذا لا يجوز في الشرع. وعليه دفعها لامرأة تعلمها حرفة كتطريز وخياطة الثياب"([141]).
وفي رأينا المتواضع أن الاتجاه الذي ذهب إليه الإمام ابن عابدين هو الأقرب للصواب والأجدر بالقبول وذلك لأن السبب الذي دفع الفقهاء إلى القول باستمرار نفقة البنت على ابيها إلى أن تتزوج هو كما قلنا الخوف عليها والخشية من الفتنة فإذا دفعناها إلى امرأة أمينة لتعلمها حرفة معينة فإننا نكون قد امنا عليها من الفتنة التي قد تتعرض لها جراء عملها من أجل الكسب من جانب وتكون قد دفعنا عن الأب بعض المشقة التي قد يتعرض لها من جراء انفاقه عليها.
وإذا كان الفقهاء قد قالوا بأنتهاء نفقة الذكر ببلوغه السن التي يستطيع فيها الكسب فإنهم أوردوا على هذا الحكم استثناء يتعلق بطالب العلم إذ قالوا باستمرار نفقته على أبيه حتى ينهي دراسته على الرغم من بلوغه السن التي يستطيع فيها الكسب والانفاق إلا أنهم أوردوا على هذه الحالة شرطاً وهو أن يكون طالب العلم مجداً في طلبه للعلم ومجتهدا في دراسته وبخلافه تسقط عنه النفقة([142]).
ولم يحدد الفقهاء سنا معينة يمكن القول بأن الصغير إذا ما بلغها أصبح قادراً على الكسب والاعتماد على نفسه فرب صغير يستطيع العمل والكسب في سن مبكرة من عمره وآخر لا يستطيع ذلك في مثل هذه السن وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن حزم في محلاه "ألا ترى أن من الصبيان من هو قبل الاحتلام قوي على الكسب إلا أنه على كل حال على الأب نفقته ما لم يحتلم إلا ان يكون للصبي كسب يستغني به عن الأب أو يكون له مال فينفق عليه من ماله"([143]).
من هنا فان تحديد كون الصغير قد بلغ السن التي يستطيع فيها الاعتماد على نفسه من عدمه امر متروك تقديره لقاضي الموضوع ينظر فيه بحسب ظروف كل قضية على حدة، وبالاستعانة بأهل الخبرة والاختصاص.
رابعاً ـ زواج الأنثى:
يلزم الأب كما أشرنا بالانفاق على أولاده الصغار الذين لا مال لهم وتستمر نفقته على الذكور منهم حتى يبلغوا السن التي يستطيعون الكسب فيها، أما الإناث فقد ذهب الفقهاء إلى القول بأن نفقتهن تستمر على ابيهن حتى يزوجهن.
وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن الهمام " فالإناث عليه نفقتهن إلى أن يتزوجن إذا لم يكن لهن مال"([144]).
وفي ذات المعنى أيضاً يقول الإمام ابن حزم "ويجبر الرجل دون المرأة على النفقة على الولد الأدنى الذكر حتى يبلغ فقط وعلى البنت وأن بلغت حتى يزوجها"([145]).
فنفقة البنت تستمر على أبيها حتى تتزوج ولو كانت قادرة على الكسب قبل ذلك فليس للأب أن يحملها على الكسب والعمل بخلاف الذكر وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن الهمام "وليس للأب أن يؤاجرهن في عمل ولا خدمة وأن كانت لهن قدرة"([146]).
ولا يكفي مجرد العقد للقول بسقوط نفقة الأنثى وإنما يشترط الفقهاء لسقوط هذه النفقة أن يدخل بها الزوج ويتحقق الدخول بالخلوة الصحيحة فبمجرد اختلاء الرجل بزوجته خلوةً شرعية يفترض دخوله بها وبالتالي تسقط نفقتها عن الملتزم بها سواء كان الأب أم غيره وتنتقل نفقتها على الزوج، وفي هذا المعنى يقول الإمام الدسوقي في حاشيته "وتجب نفقة الأنثى الحرة على ابيها حتى يدخل بها زوجها .. فتجب على الزوج ولو لم يطأ فالمراد بالدخول مجرد الخلوة"([147]).
وإذ تزوجت الأنثى بزوج معسر لا مال له ولا قدرة على الكسب فإن نفقتها تستمر على أبيها([148]) وإذا طلقها الزوج بعد الدخول أو مات عنها فقد ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأن نفقتها تعود على أبيها([149]) في حين ذهب البعض الآخر إلى أن نفقة البنت تسقط عن الأب في مثل هذه الحالة ولا يلزم بالانفاق عليها مجدداً([150]).
ويبدو لنا أن الاتجاه الأول هو الأكثر قبولاً وذلك لأن الأنثى بعد طلاقها تعود كما كانت قبل الزواج عاجزة عن الكسب وتصبح مطمعاً للرجال من جديد مما يخشى معه عليها من الفتنة  إذا أرادت العمل والكسب فإذا كان الحال كذلك ولم نلزم الأب بنفقتها فمن يتكفل بالانفاق عليها؟
الفرع الثاني ـ الأسباب التي تؤدي إلى سقوط نفقة الصغير عن الملتزم بها وانتقالها إلى من يليه في المسؤولية عنها:-
هناك بعض الأسباب لا تؤدي إلى سقوط نفقة الصغير بصورة نهائية وإنما تؤدي إلى سقوطها عن الملتزم بدفعها وانتقالها إلى من يليه في المسؤولية عن دفعها وهذه الأسباب تتمثل بالسببين التاليين:

أولاً : وفاة الملتزم بالنفقة:
تؤدي وفاة الملتزم بالنفقة إلى سقوطها عنه وانتقالها إلى من يليه في المسؤولية عن دفع هذه النفقة وفي هذا المعنى يقول الإمام السرخسي "وإذا مات الأب وللولد أم وجد أب الأب فنفقته عليهما على قدر ميراثهما"([151]).
ويرد على هذا الحكم استثناءً معيناً يتمثل بأنه في حالة صدور حكم قضائي قبل وفاة الملتزم بالاستدانة لدفع النفقة للصغير فإن النفقة في مثل هذه الحالة تصبح ديناً ثابتاً ويستطيع صاحب الحق فيها أن يطالب بدفعها من تركته بعد وفاته([152]).
ويشترط في مثل هذه الحالة أن تكون الاستدانة قد تمت فعلاً فإذا مات الملتزم بالنفقة قبل الاستدانة فلا ينتقل الحق فيها إلى تركته حتى لو كان الحكم بالاستدانة قد صدر([153]).
ثانياً ـ اعسار من وجبت عليه النفقة:
قلنا أن من شروط وجوب نفقة الصغير أن يكون من تفرض عليه موسراً بأن يكون ذا مالٍ يستطيع الانفاق منه على الصغير أو يكون قادراً على الكسب.
فإذا طرأ سبب من الأسباب التي تؤدي إلى اعسار من وجبت عليه النفقة بعد أن كان موسراً كأن تهلك امواله أو يعجز عن الكسب لمرض أو نحوه، فإن هذه النفقة تسقط عمن وجبت عليه لتنتقل إلى من يليه في المرتبة([154]).
وفي هذا المعنى يقول الإمام الشافعي " وينفق على ولده حتى يبلغوا المحيض والحلم.. وإذا زمن الأب والأم ولم يكن لهما مال ينفقان منه على أنفسهما أنفق عليهما الولد"([155]).
وإذا عجز الأب عن الانفاق على أولاده الصغار بعد أن كان موسراً وجبت نفقتهم على من يليه وتكون النفقة في هذه الحالة ديناً على الأب يرجع بها عليه من دفعها عند يساره، بخلاف ما إذا أعسر من وجبت عليه النفقة إذا كان غير الأب فإذا دفعها من يليه فليس لهذا الأخير الرجوع على الأول بما دفعه عند يساره([156]).
المطلب الثاني ـ أسباب سقوط النفقة في القانون:
تطرقت قوانين الأحوال الشخصية لبيان بعض الأسباب التي تؤدي إلى سقوط نفقة الصغير وتركت بيان البعض الآخر لما قرره فقهاء الشريعة الإسلامية ولبيان ذلك سنقسم هذا المطلب إلى فرعين يخصص الأول منهما لبيان أسباب سقوط النفقة في القانون العراقي والثاني لبيان هذه الأسباب في القوانين العربية.
الفرع الأول ـ أسباب سقوط النفقة في القانون العراقي:
تعرض قانون الأحوال الشخصية العراقي لبيان ثلاثة من الأسباب التي اعتبرها الفقهاء من أسباب سقوط نفقة الصغير، الأول يمكن استخلاصه من نص الفقرة الأولى من المادة (59) وهو سقوط النفقة عن الأب في حاله فقره وعجزه عن الكسب فقد نصت هذه الفقرة على أنه "إذا لم يكن للولد مال فنفقته على أبيه ما لم يكن فقيراً عاجزاً عن النفقة والكسب".
فبعد أن جعل هذا النص نفقة الابن واجبة على الأب في حالة يساره أشارت إلى سقوطها عنه في حالة فقره وعجزه عن الكسب، وهو ما ذهبت إليه محكمة التمييز في أحد قراراتها بالقول "فالأب هو الذي يتحمل نفقة أولاده وحده ولا يشاركه أحد متى كان غنياً"([157]).
ومفهوم المخالفة لهذا الحكم هو أنه متى ما كان الأب فقيراً فإن نفقة اولاده تنتقل إلى من يليه وتعتبر النفقة في هذه الحالة كما أشرنا ديناً على الأب يرجع بها من دفعها بدلا عنه عند يساره.
ويبدو واضحاً أن هذا السبب من أسباب سقوط النفقة يتعلق بالمنفق ولا يتعلق بالصغير وبالتالي فهو يؤدي إلى سقوط النفقة عن الملتزم بها وهو الأب وانتقالها على عاتق من يليه.
أما السببين الآخرين من أسباب سقوط النفقة في القانون العراقي فقد نعت عليهما الفقرة الثانية من المادة (59) وهما زواج الأنثى وبلوغ الذكر حد الكسب([158])، إذ نصت هذه الفقرة على أنه "تستمر نفقة الأولاد إلى أن تتزوج الأنثى ويصل الغلام إلى الحد الذي يكتسب فيه أمثاله ما لم يكن طالب علم".
فتنتهي بموجب هذا النص نفقة الأنثى بزواجها وينتقل واجب الانفاق عليها إلى زوجها وهو الحكم الذي أيدته محكمة التمييز في قرار لها بالقول "تبقى نفقة البنت مستمرة على والدها لحين زواجها.."([159]). وجاء في حكم آخر لمحكمة التمييز ".. أما نفقة الأولاد فلا تنقطع إلا بزواج الأنثى وبلوغ الذكر سن من يكتسب من أمثاله إلا إذا كان طالب علم"([160]).
أما نفقة الذكر فهي تستمر على من تجب عليه إلى حين بلوغه السن التي يكتسب فيها أمثاله ، فإذا بلغ الذكر هذه السن وكان عاجزاً عن الكسب والعمل لسبب من الأسباب فإن نفقته تبقى مستمرة على من تجب عليه لحين زوال هذا السبب([161]).
وقد أورد المشرع العراقي استثناء على حكم هذه الفقرة يتعلق بالذكر الذي يطلب العلم فجعل نفقته مستمرة على من تجب عليه لحين اكمال دراسته([162]). وهو ما قضت به محكمة التمييز في قرار لها بقولها "فلا يستحق الابن نفقة من أبيه بعد تخرجه من الكلية العسكرية لأنه دخل في سن من يكسب امثاله وخرج من كونه طالب علم([163]).
وحسناً فعل المشرع العراقي عندما جعل نفقة الذكر تستمر إلى ما بعد بلوغه سن الكسب إذا كان طالب علم وذلك لأن طلب العلم يشغل الإنسان عن الكسب ويستغرق كل وقته والقول بخلاف ذلك قد يدفعه إلى ترك العلم بحثاً عن النفقة والكسب في الوقت الذي أصبح فيه العلم من ضروريات الحياة ومن الحاجات الأساسية للمجتمع. إلا أنه يشترط في هذا الإطار أن يكون الشخص جادا في دراسته وملتزماً بها وبخلافه تسقط عنه النفقة([164]).
وبذلك يكون المشرع العراقي قد أخذ بالرأي الذي قال به جمهور فقال الشريعة في أن نفقة طالب العلم تستمر حتى انهائه دراسته مع اشتراطهم أن يكون طالب العلم مجداً في دراسته وطلبه للعلم.
الفرع الثاني ـ أسباب سقوط النفقة في القوانين العربية:
قوانين الأحوال الشخصية العربية وكما هو الحال في القانون العراقي أشارت إلى بعض أسباب سقوط نفقة الصغير وتركت بيان البعض الآخر لما قرره فقهاء الشريعة الإسلامية ومن هذه القوانين:
أولاً ـ القانون المصري:
عالج قانون الأحوال الشخصية المصري الأحكام الخاصة بانتهاء النفقة في المادة (18/مكرر/ثانيا).
وفي هذه المادة فرق المشرع المصري بين انتهاء نفقة الذكر وانتهاء نفقة الأنثى حيث جعل نفقة الأنثى على أبيها تستمر إلى حين بلوغها أقرب الأجلين من الزواج أو اكتساب ما يكفي من النفقة حيث جاء في هذه المادة ".. وتستمر نفقة الأولاد على أبيهم إلى أن تتزوج البنت أو تكسب ما يكفي نفقتها".
ولم يشترط المشرع في هذا النص لانتهاء نفقة الأنثى مجرد قدرتها على الكسب وإنما اشترط أن تكتسب فعلاً ما يكفي نفقتها.
أما بالنسبة للذكر فقد قضت المادة المشار إليها باستمرار نفقته على أبيه إلى أن يتم الخامسة عشرة من عمره بشرط أن يبلغ هذه السن قادراً على الكسب.
أما إذا بلغ الصغير هذه السن وكان عاجزاً عن الكسب بسبب مرض بدني أو عقلي أو بسبب طلب العلم فإن نفقته تبقى مستمرة على أبيه حتى زوال السبب الذي يمنعه من الكسب([165])، وهذا ما قضت به المادة (18) المشار إليها بقولها "وتستمر نفقة الأولاد على أبيهم إلى أن تتزوج البنت أو تكسب ما يكفي نفقتها وإلى أن يتم الابن الخامسة عشرة من عمره قادراً على الكسب المناسب فإن أتمها عاجزاً عن الكسب لآفةٍ بدنية أو عقلية أو بسبب طلب العلم الملائم لامثاله ولاستعداده أو بسبب عدم تيسر هذا الكسب استمرت نفقته على أبيه".
ويلاحظ أن هذا النص لم يشترط بالنسبة للذكر سوى القدرة على الكسب بصرف النظر عما إذا حصل الكسب فعلاً أم لا كما فعل بالنسبة للأنثى([166]).
ثانياً ـ القانون السوري:
تناول قانون الأحوال الشخصية السوري الأحكام الخاصة بسقوط نفقة الصغير في المادة (155) حيث اعتبر هذا القانون اعسار الأب من أسباب سقوط نفقته على أولاده الصغار فنص في الفقرة (1) من هذه المادة على أنه "إذا لم يكن للولد مال فنفقته على أبيه ما لم يكن فقيراً عاجزاً عن الكسب لآفة بدنية أو عقلية".
وقضى في الفقرة الثانية من نفس المادة باستمرار نفقة الولد الذكر على أبيه إلى حين بلوغه السن الذي يكتسب فيه أمثاله أما الأنثى فتستمر نفقتها على أبيها إلى حين زواجها حيث جاء في هذه الفقرة "تستمر نفقة الأولاد إلى ان تتزوج الأنثى ويصل الغلام الحد الذي يكتسب فيه أمثاله".
ويلاحظ أن هذا النص لم يحدد سناً معيناً لبلوغ الذكر السن الذي يكتسب فيه امثاله وبالتالي يكون هذا الأمر متروك لتقدير القضاء.




ولا تختلف الأحكام التي أخذ بها كلاً من القانون الأردني([167])والقانون المغربي([168]) والقانون التونسي([169]) عن الأحكام التي أخذ بها القانون السوري فيما يتعلق بسقوط النفقة.




([1]) المبسوط 5/623، حاشية رد المحتار 3/672، محسن ناجي، المصدر السابق، ص 394، د. محمد حسين منصور ، المصدر السابق.
([2]) عمر عبد الله ، المصدر السابق، ص578 ـ579.
([3]) ينظر في هذه المعاني: المعجم الوسيط،1/951، المنجد الأبدي، ص902ـ903.
([4]) شرح فتح القدير 3/321.
([5]) حاشية رد المحتار 3/572.
([6]) سبل السلام 3/1160.
([7]) أي يعيله.
([8]) حاشية الروض المربع م7/107.
([9]) د. عبد المهدي مساعدة وآخرون، المصدر السابق ، ص560. انظر كذلك ، محمد حسين الذهبي، الأحوال الشخصية، ط1،شركة الطبع والنشر الأهلية، بغداد، 1985، ص386.
([10]) سورة البقرة: آية 233.
([11]) ينظر تفسير القرطبي م18/111، ينظر كذلك حاشية الروض المربع 7/129، شرح فتح القدير 3/343ـ344، عبد الستار حامد، أحكام الأسرة في الفقه الإسلامي، ج2، ط2، مطبعة الجامعة، بغداد، 1986، ص171.
([12]) سورة الطلاق: آية 6.
([13]) صحيح البخاري 7/124، السنن الكبرى للبيهقي 7/466.
([14]) المغني والشرح الكبير 9/256، شرح فتح القدير 3/321، الأم 5/107.
([15]) السنن الكبرى للبيهقي 7/466، سنن أبي داود 1/393.
([16]) سبل السلام 3/1173، المحلى 10/456.
([17]) حاشية رد المحتار 3/612.
([18]) المغني والشرح الكبير 9/256، انظر في نفس المعنى ، شرح فتح القدير 3/346، المدونة الكبرى 3/363، الأم 5/94، المحلى 10/100.
([19]) المغني والشرح الكبير 9/256، المحلى 10/100.
([20]) د. ليلى عبد الله سعيد،المصر السابق،ص941،انظر كذلك محمد شفيق العاني،المصدر السابق،ص140.
([21]) د. ضاري خليل محمود، المصدر السابق، ص30.
([22]) ينظر قرار محكمة التمييز رقم 6118/ش،2002، وقرار محكمة التمييز رقم 905/ش/200، مجلة القضاء ، الأعداد (2،3،4) السنة (54) ص 294ـ298.
([23]) د. عادل قورة، محمد جمال الدين حامد، المصدر السابق، ص 19.
([24]) ينظر المواد (156 - 176) من هذا القانون.
([25]) ينظر المواد (155 - 157) من هذا القانون.
([26]) ينظر الفصول (124 - 132) من هذا القانون.
([27]) ينظر الفصول (64 - 53) من هذا القانون.
([28]) الأم 5/ 108.
([29]) ينظر ص   .
([30]) الفتاوى الهندية 1/445.
([31]) المغني والشرح الكبير 9/272، ينظر في نفس المعنى كشاف القناع 3/314ـ 317.
([32]) الأم 5/94.
([33]) د. عادل قورة ، محمد جمال الدين، المصدر السابق، ص 20.
([34]) د. أحمد الكبيسي ، الأحوال الشخصية في الفقه والقضاء والقانون، المصدر السابق ، ص 137.
([35]) شرح فتح القدير 3/345، ينظر كذلك د. أحمد الكبيسي ، المصدر السابق، ص137، د.بدران أبو العينين، المصدر السابق، ص97.
([36]) الروضة البهية 2/144 ينظر في نفس المعنى كشاف القناع 3/314ـ 317.
([37]) حاشية رد المحتار 3/612.
([38]) عبد العزيز عامر، المصدر السباق، ص440.
([39]) حاشية رد المحتار 3/616، بدائع الصنائع 384.
([40]) محمد شفيق العاني ، المصدر السابق، ص 142.
([41]) وداد عبدالجليل محمد، نفقة الزوجة في قانون الأحوال الشخصية ، مركز البحوث القانونية، بغداد، 1984، ص 33.
([42]) رجاء عبدالزهرة ، الحماية القانونية للطفل، بحث مقدم إلى مجلس العدل، المعهد القضائي، بغداد، 1991، ص 27.
([43]) وداد عبد الجليل ، المصدر السابق، ص11.
([44]) القرار رقم 976/ش /1981 في 13/2/1981، مجموعة الأحكام العدلية العدد (3) السنة (7) 1981، ص59.
([45]) ينظر أنو العمروسي ، الوافي في قضاء الأحوال الشخصية للمسلمين، دار الفكر الحديث، 1963، ص227، علاء الدين خروفة، المصدر السابق، 315.
([46]) عزيزة الشريف، حماية الطفولة في التنظيم القانوني المصري، دار النهضة العربية، بيروت، بدون سنة طبع، ص 27.
([47]) د. عبد الناصر توفيق العطار، المصدر السابق، ص54ـ57.
([48]) لم يتطرق قانون الأحوال الشخصية السوري لبيان عناصر النفقة عند تناوله للاحكام الخاصة بالنفقة.
([49]) وهذا يفهم من نص المادة (183) من قانون الأحوال الشخصية والتي تنص على أنه "ما لاذكر له في هذا القانون يرجع فيه إلى الراجح من مذهب أبي حنيفة".
([50]) شرح فتح القدير 3/344، ينظر في نفس المعنى المبسوط 4/223.
([51]) المدونة الكبرى 3/262ـ363.
([52]) الأم 5/94.
([53]) حاشية الروض المربع 7/131.
([54]) الروضة البهية 2/144.
([55]) علاء الدين خروفة ، المصدر السابق، ص 297.
([56]) حاشية رد المحتار 2/612.
([57]) المدونة الكبرى 5/362، الأم 5/94، الروضة البهية 2/144.
([58]) عبد العزيز عامر، المصدر السابق، ص 511.
([59]) المبسوط 4/223.
([60]) المغني والشرح الكبير 9/261، ينظر في نفس المعنى ، الأم 5/94،حاشية الروض المربع 7/131، سبل السلام 3/1169، المدونة الكبرى 3/362ـ363، الروضة البهية 2/144.
([61]) حاشية رد المحتار 3/614.
([62]) الفتاوى الهندية م1/447.
([63]) الفتاوى الهندية م1/445.
([64]) الفتاوى الهندية م1/447.
([65]) حاشية رد المحتار 3/612.
([66]) حاشية رد المحتار 3/614.
([67]) عبد العزيز عامر، المصدر السابق، ص521.
([68]) شرح فتح القدير 3/344.
([69]) الأم 5/94.
([70]) كشاف القناع 5/497، ينظر في نفس المعنى، المحلى 10/102، المدونة الكبرى 3/364.
([71]) وهو الرأي الذي ذهب إليه الإمام السرخسي في مبسوطه 5/224.
([72]) المحلى 10/102.
([73]) زكريا البري ، المصدر السابق، ص 221، محمد أبو زهرة ، المصدر السابق، ص 419.
([74]) المبسوط 5/224.
([75]) المصدر السابق، نفس الصفحة.
([76]) حاشية رد المحتار 3/621.
([77]) مغني المحتاج 5/184ـ185.
([78]) المغني والشرح الكبير، 9/258.
([79]) الروضة البهية 2/144.
([80]) المبسوط 5/224.
([81]) القرار رقم 293، شرعية ، 1978 في 178/2/1978 انظر مجموعة الأحكام العدلية، السنة التاسعة، 1978، ص74.
([82]) د. أحمد الكبيسي، المصدر السابق، ص 361.
([83]) د. ليلى عبد الله سعيد، المصدر السابق، 940ـ 941، محسن ناجي، المصدر السابق، ص397.
([84]) القرار رقم 6219/شخصية في 23/12/1973، النشرة القضائية، العدد الرابع ، السنة الرابعة ، ص200.
([85]) ينظر قرار محكمة التمييز رقم 959، شرعية اولى، 1972، في 4/3/1973. النشرة القضائية ، العدد الأول، السنة الرابعة، ص 109.
([86]) محسن ناجي ، المصدر السابق، ص 39.
([87]) وهذا ما ذهبت إليه محكمة التمييز في قراراها المرقم 73/5/شخصية /1972 بتاريخ 1972، انظر النشرة القضائية ، العدد الأول، السنة الرابعة، 1972، ص 180.
([88]) وهذا ما ذهبت إليه محكمة التمييز في قرارها المرقم 1242/شخصية/1967 في 13/9/1976، ينظر مجموعة الأحكام العدلية ، العدد /3 السنة السابعة ، 1976، ص67.
([89]) د. محمد حسين منصور ، المصدر السابق، ص284.
([90]) عبد العزيز عامر، المصدر السابق، ص 568 وما بعدها.
([91]) تنص هذه المادة على أنه "أ ـ إذا لم يكن للولد مال فنفقته على أبيه لا يشاركه فيها أحد ما لم يكن الأب فقيراً عاجزاً عن النفقة والكسب لآفة بدنية أو عقلية، ب ـ تستمر نفقة الأولاد إلى أن تتزوج الأنثى التي ليست موسرة بعملها وكسبها وإلى أن يصل الغلام  إلى الحد الذي يكتسب فيه أمثاله ما لم يكن طالب علم".
([92]) تنص هذه المادة على أنه "أ ـ إذا لم يكن للولد مال فنفقته على أبيه ما لم يكن فقيراً عاجزاً عن النفقة والكسب لآفة بدنية أو عقلية، 2 ـ تستمر نفقة الأولاد إلى ان تتزوج الأنثى ويصل الغلام الحد الذي يكتسب فيه أمثاله".
([93]) انظر الفصول (124،125،126،127،128) من مدونة الأحوال الشخصية.
([94]) الفتاوى الهندية م1/445.
([95]) المغني والشرح الكبير 9/256، ينظر في نفس المعنى ، الروضة البهية 2/142.
([96]) حاشية رد المحتار 3/624.
([97]) المغني والشرح الكبير 9/256.
([98]) شرح فتح القدير 3/344.
([99]) المصدر السابق، نفس الصفحة.
([100]) المغني والشرح الكبير 9/256.
([101]) كشاف القناع 5/496.
([102]) المدونة الكبرى 3/326.
([103]) المحلى 10/101.
([104]) الروضة البهية 2/144ـ145.
([105]) المصدر السابق، نفس الصفحة، ينظر في نفس المعنى المحلى 10/102، المدونة الكبرى 3/362.
([106]) حاشية رد المحتار 3/624ـ625.
([107]) بدران أبو العينين ، المصدر السباق، ص130.
([108]) المغني والشرح الكبير 9/267.
([109]) المغني والشرح الكبير 9/259.
([110]) حاشية رد المحتار 3/625.
([111]) ويقصد بالحواشي هنا جميع أقارب الإنسان عدا الأشخاص الذين هم من عمود نسبه أي عدا أصوله وفروعه ، فيشمل هذا النوع الأخوة والأخوات الأشقاء أو لأحد الأبوين كما يشمل الأعمام والعمات، والأخوال والخالات وأولادهم جميعاً وأعمامهم وعمات وأخوال وخالات أحد الأبوين وأولادهم جميعاً. ينظر عبد العزيز عامر، المصدر السابق، ص458، د. أحمد علي، د. حمد عبيد، د. محمد عباس، المصدر السابق، ص233.
([112]) حاشية رد المحتار 3/625.
([113]) د. أحمد الكبيسي، المصدر السابق، ص373، فريد فتيان ، المصدر السابق، ص 411.
([114]) حاشية رد المحتار 3/625.
([115]) المصدر السابق 3/625.
([116]) المبسوط 5/227، المغني والشرح الكبير 9/260، د. أحمد الكبيسي ، المصدر السابق، ص 374.
([117]) فريد فتيان ، المصدر السابق، ص 209.
([118]) علي محمد إبراهيم الكرباسي،المصدر السابق، ص 126.
([119]) وهو ما قضت به محكمة التمييز في قرارها المرقم 293 - شرعية- شخصية 1978 في 18/2/1978 بقولها "إذا كان الولد صغيراً ذكراً كان أم أنثى وله مال لا يكفي لمعيشته فنفقته على أبيه.." ينظر مجموعة الأحكام العدلية العدد الأول ، السنة التاسعة، 1978، ص74.
([120]) محسن ناجي ، المصدر السابق، ص 398.
([121]) نقلاً عن فؤاد محيي أحمد الهيتي ، نفقة الأصول والفروع والأقارب في الشريعة والقانون ، بحث مقدم إلى المعهد القضائي في 3/5/1999، ص20.
([122]) القرار رقم 256 شرعية أولى، 1973 في 37/12،1973. انظر النشرة القضائية ، العدد الرابع، السنة الرابعة، ص179.
([123]) د. أحمد الكبيسي، الوجيز في شرح قانون الأحوال الشخصية وتعديلاته ، المصدر السابق، ص246.
([124]) فتحية محمود قرة، المصدر السابق، ص29، زكريا البري ، المصدر السابق، 220ـ221.
([125]) بخلاف الأب فتجب عليه نفقة أولاده الصغار بمجرد قدرته على الكسب.
([126]) وهذا ما قررته محكمة قويسنا الشرعية في قرار لها بتاريخ 11/12/1949 تقولها "فالأب المحكوم عليه بالسجن المؤبد يعتبر عاجزاً عن الكسب بما لا يرجى زواله أو يمكن احتماله  فإذا لم يكن له مال فتجب نفقة أولاده الصغار على من يليه" نقلاً عن د. عبد الناصر توفيق العطار، المصدر السابق، ص58.
([127]) انظر المواد (154 ،155 ف(1)،156 ،159 ) من هذا القانون.
([128]) وبذات الأحكام التي أخذ بها القانون المغربي أخذت مجلة الأحوال الشخصية التونسية . ينظر الفصول (46،47) من هذه المجلة.
([129]) حاشية الدسوقي 2/516.
([130]) محمد أبو زهرة ، المصدر السابق، ص 431، عمر عبد الله، المصدر السابق، ص 590.
([131]) د. محمد حسين منصور، المصدر السابق، ص356.
([132]) حاشية الدسوقي 2/516.
([133]) المغني والشرح الكبير 9/257.
([134]) حاشية رد المحتار 3/612، ينظر في نفس المعنى ، المبسوط 5/223، المدونة الكبرى 3/359.
([135]) المبسوط 5/223.
([136]) شرح فتح القدير 3/344.
([137]) المدونة الكبرى 3/326ـ363.
([138]) حاشية رد المحتار 3/612.
([139]) شرح فتح القدير 3/344.
([140]) المحلى 10/101، ينظر في نفس المعنى ، مغني المحتاج 5/185، المغني والشرح الكبير 9/261، المدونة الكبرى 5/366.
([141]) حاشية رد المحتار 3/612.
([142]) شرح فتح القدير 3/344، حاشية رد المحتار 3/614.
([143]) المحلى 10/362ـ363.
([144]) شرح فتح القدير 3/344.
([145]) المحلى 10/101، ينظر في نفس المعنى ، المدونة الكبرى 3/366، حاشية الدسوقي 2/524، مغني المحتاج 5/185.
([146]) شرح فتح القدير 3/ 344.
([147]) حاشية الدسوقي 2/524، ينظر في ذات المعنى ، المدونة الكبرى 3/366.
([148]) حاشية الدسوقي 3/366.
([149]) وهو ما ذهب إليه الإمام ابن الهمام من الحنفية بقوله "وإذا طلقها وانقضت عدتها عادت نفقتها على الأب" شرح فتح القدير 3/344.
([150]) وهو ما ذهب إليه فقهاء المالكية فقد جاء في المدونة الكبرى" قلت أرأيت المرأة الثيب إذا طلقها زوجها أو مات عنها وهي لا تقدر على شيء وهي عديمة أيجبر الأب على نفقتها في قول مالك قال لا" المدونة الكبرى 3/362.
([151]) المبسوط 5/226.
([152]) حاشية رد المحتار 2/945، مغني المحتاج 5/187، الروضة البهية 2/144.
([153]) محمد أبو زهرة ، المصدر السابق، ص 430، عبد العزيز عامر ، المصدر السابق، ص 609.
([154]) مغني المحتاج 5/186، محمد أبو زهرة ، المصدر السابق، ص 433، زكريا البري، المصدر السابق، ص 221.
([155]) الأم 5/94.
([156]) المبسوط 5/223.
([157]) القرار رقم 959 / شرعية أولى/ 1972 في4/3/1973، النشرة القضائية ، العدد الأول، السنة الرابعة، ص109.
([158]) علي محمد إبراهيم الكرباسي، المصدر السابق، ص 126.
([159]) القرار رقم 1242، شخصية/1976 في 13/9/1976، مجموعة الاحكام العدلية، العدد الثالث، السنة الرابعة، 1976، ص67.
([160]) القرار رقم 100/ شرعية أولى، 1973 في 27/3/1973، النشرة القضائية، العدد الأول، السنة الرابعة، ص 109.
([161]) فريد فتيان ، المصدر السابق، ص 210.
([162]) علاء الدين خروفة ، المصدر السابق ، ص287.
([163]) القرار رقم 573/شخصية  1972، النشرة القضائية ، العدد الأول، السنة الرابعة 1972، ص180.
([164]) ليلى عبد الله سعيد، المصدر السابق، ص 942.
([165]) د. عبد الناصر توفيق العطار ، المصدر السابق، ص55ـ56.
([166]) د. عادل قورة ، محمد جمال الدين، المصدر السابق، ص19.
([167]) نصت الفقرة (ب) من المادة (168) من قانون الأحوال الشخصية الأردني على أنه "تستمر نفقة الأولاد إلى أن تتزوج الأنثى التي ليست موسرة بعملها وكسبها وإلى أن يصل الغلام الحد الذي يكتسب فيه امثاله ما لم يكن طالب عالم".
([168]) جاء في الفقرة (2) من الفصل (126) من مدونة الأحوال الشخصية "تستمر النفقة على الأنثى إلى أن تجب نفقتها على الزوج وتستمر على الذكر حتى يبلغ عاقلاً قادراً على الكسب".
([169]) يقضي الفصل (46) من مجلة الأحوال الشخصية التونسية ".. تستمر النفقة على الأنثى إلى ان تجب نفقتها على الزوج وتستمر على الذكر حتى بلوغه السادسة عشرة واقتداره على الكسب".

شاركنا بتعليقك...

التعليقات



، اشترك معنا ليصلك جديد الموقع اول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

احصائيات الموقع

جميع الحقوق محفوظة

علوم قانونية وادارية

2010-2019