-->
علوم قانونية وادارية علوم قانونية وادارية

اخر المواضيع

جاري التحميل ...

المذاهب الفقهية في تفسيير القانون


المذاهب الفقهية في تفسيير القانون
مرسل من قبل أحد الاخوة من المركز الجامعي سوق اهراس
المقدمة :
ان البحث عن اصل و أساس القانون الوضعي لمعرفة تبرير وجود القانون واكتسابه صفة الإلزام في الجماعة والتي يسعى الى تحقيقها , حيث اتفق عليها أغلب الفقهاء , وهي " العدل " واختلفت هذه الفكرة فيما بينهم وهذا ما دفع الى وجود مذاهب فقهية منها المذاهب الشكلية التي تهتم بالجانب الشكلي للقاعدة القانونية , والمذاهب الموضوعية التى تنظر الى جوهرة القانون وموضوعه وتهتم بجوهرة القاعدة القانونية وظهر المذهب المختلط الذي ينظر الى القاعدة القانونية من حيث المظهر والجوهر ، وسنتطرق الى هذه المذاهب بالتدرج .

المبحث الأول : المذاهب الشكلية
ويقصد بها تلك المذاهب التى تهتم بالجانب الشكلي الذي ظهرت فيه القواعد القانونية ، أو الشكل الذي أخفى على القانون قوة الالتزام في مواجهة أفراد المجتمع كما ان صفة الوصفية للقانون لدى الفقهاء المذهب الشكلي والمتمثلة في سلطة تأمر ، تنهي وتملك جبر الافراد الى طاعة قواعد القانون ومن انصار المذهب الشكلي ، فقهاء وفلاسفة كثيرون اتفقو من حيث المبدأ على اعتبار القانون من إرادة الحاكم أو السلطات وإختلفوا في بعض الجزئيات ومن هؤولاء نذكر : الفقيه الانجليزي أوتس ، فقهاء الشرح على المتون الفرنسيون ، الفقيه الالماني هيجل ، الفقيه النمساوي كلسن

المطلب الاول : مذهب أوتسن
استمد أوتسن مذهبه من نظريات الفلاسفة اليونان منذ القدم إذ كانوا يرون أن القانون من فعل القوة ، وتأثر بما جاء به الفقيه توماس هويز من أن القانون ليس طلبا ولا نصيحة وإنما هو امر صادر من شخص يملك حق الطاعة على غيره من الناس بل القانون هو إرادة الحاكم الذي له السيطرة المطلقة ، كما ان الدولة تقوم بوضع القانون وتعمل على كفاله إحترامه جبرا على الافراد باعتبارها صاحبة السيادة والسلطة ، فالقانون لا يقوم الا في ضل مجتمع سياسي ، ويصدر في شكل أمر وتكاليف ، وان يقترن ذلك بتوقيع عند مخالفته وتبين ذلك في:
1-معنى القانون لا يقوم إلا في مجتمع سياسي :
لانه يستمد في تنضيمه الى وجود طبقتين طبقة حاكمة لها حق الامر والنهي وطبقة محكومة عليها الواجب الطاعة لما تصدره الهيئة او الطبقة الحاكمة .
2-معنى توقيع الجزاء عند مخالفة القانون :
عند مخالفة الامر والنهي ويوقع الحاكم الجزاء على من يخالف ذلك الامر من المحكومين ، وذلك بما لديه من سلطة القوة والجبر عن الخروج عن الطاعة ، او عن القانون وفي نظر أوتسن لا توجد قاعدة قانونية ما لم تكن مكفولة باحترامها جبرا على الأفراد .
3-معنى وجود الامر او التكاليف :
وجوهر القانون طبقا لمذهب اوتسن هو وجود امر توجهه الهيئة الحاكمة الى المحكومين ، وتتبعه بجزاء يصطحبه عند مخالفة امور وقواعده كما قد يصدر القانون في صيغة ضمنية يتم خلالها الاكتفاء بتحديد الحكم الواجب التطبيف متى توفرت أركان معينة.

المطلب الثاني: مذهب الشرح على المتن:
لاتنسب هذه المدرسة الى فقيه معين , بل تكون فقه هذه المدرسة نتيجة فترات تاريخية متعاقبة , وهي ثمرة آثار فقهاء متعددين مثل ( أويري –ورو- ديمولية- ولوران البلجيكي وغيرهم ...) ومذهب الشرح على المتون يتمثل في مجرد طريقة أو أسلوب في تفسير وشرح القانون اتبعه هؤلاء الفقهاء في مؤلفاتهم قواعد القانون المدني الفرنسي ومن هنا ترى الشرح على المتون أن النصوص التشريعية هي المصدر الوحيد للقانون أي أن المذهب يقوم على أساس تقديس النصوص التشريعية واعتبار التشريع المصدر الوحيد للقانون .

الفرع الأول : معنى تقديس النصوص :
ظهر ذلك خلال تفسير النصوص التي تولاها فقهاء مدرسة شرح على المتون , قرأوها متضمنة لكل الأحكام القانونية ومن ثمة وجب احترامها ويرجع سبب هذا التقديس لما كان عليه الوضع قبل الثورة الفرنسية , وقد كان الفقهاء يحرصون في شرح وتفسير هذه النصوص بحسب الترتيب الذي وردت فيه على غرار ما يفعل الشراح والمفسرون في تفسير الكتب المقدسة.

الفرع الثاني : معنى اعتبار التشريع المصدر الوحيد للقانون :
يعتبر نصوص التشريع مصدرا لجميع الأحكام القانونية التي تضع الحلول اللازمة لجميع الحالات ومن ثمة فلا يوجد مصدر ىخر للقواعد القانونية وخارج ما المشروع من أحكام تشريعية وان ما يترتب على تقديس النصوص واعتبار التشريع المصدر الوحيد للقواعد القانونية أن يلتزم القاضي بتطبيق أحكامها باعتبارها تشمل على كافة الحلو لجميع المشكلات . وأن القاضي ملزم بتطبيق مقتضى القانون وليس له أن يخرج عن نصوصه.

المطلب الثالث : مذهب هيجل
يتلخص مذهب هيجل في نظرته الى القانون بأنه يستمد أساسه وشرعيته وقوته الملزمة من صدوره عن الدولة , اذن فالقانون هو التعبير الصادر عن ارادة الحاكم أو السلطة في الدولة فالدولة سيدة نفسها ولا سلطة تعلو سلطتها في الداخل أو الخارج ففي الداخل يجب أن يخضع لها كل من يدخل في تكوينها , وأن المجتمع لا يصل تالى مرتبة الدولة الا اذا رأى جميع الأفراد في المجتمع أن ثمة مصلحة عامة مشتركة يجب أن تتجه ارادتهم الى تحقيقها .
أما في الخارج حدود الدولة فعند هيجل لا توجد سلطة أو ارادة أعلى من سلطة وارادة الدولة يمكن أن تلزمها بسلوك معين في علاقاتها مع الدول الأخرى باعتبار أن الدولة هي سيدة نفسها و أن جميع الدول متساوية في السيادة وبالتالي لا توجد سلطة بشرية أو دولية تقوم بتنظيم العلاقات بين الدول أو بحل النزاعات التي قد تنشأ بينهما.

المطلب الرابع : مذهب كلسن
ان النظرية الخالصة للقانون كما يسميها البعض عند كلسن تقوم استبعاد العناصر غير القانونية من نطاق القانون ووحدة القانون والدولة .

الفرع الأول : معنى استبعاد العناصر غير القانونية
ان القانون الصافي أو البحث يطلق على الضوابط القانونية في مظهرها الشكلي باعتبارها أوامر صادرة من ارادة تملك قوة الاجبار وتوقيع الجزاء انها الدولة الواجبة الطاعة باعتبارها مصدر القانون ومهمة رجل القانون هو البحث على القانون كما هو وليس البحث عن كيفية نشأته و أسبابه محتواه وان كان عادلا أو غير عادلا.
كما تتسم الضوابط القانونية بالتوسع والشمول وتضم قواعد القانون العام بفروعه المختلفة , وكذا القواعد الفردية كالأوامر الادارية.

الفرع الثاني : معنى وحدة القانون والدولة
عند كلسن القانون هو الدولة والدولة هي القانون فهو يدمج الدولة والقانون دمجا تاما , ولا يكتفي بأن الدولة صانعة القانون فحسب بل هي القانون بذاته فالدولة عند كلسن ليست شخصا معنويا , وانما هي مجموعة من القاعدة الأساسية التي تعتمد عليها كل القواعد القانونية الأخرى ثم التشريع فالعقود والأحكام القضائية والأوامر الفردية
النقــــــد :
المذاهب الشكلية في مجموعها تتمثل في تحكم الدولة تحكما مطلقا في القانون فتفرض ما تشاء وتحلل كما يحلو لها.
-1- يعاب على مذهب أوتسن أنه يخلط بين القانون والدولة عندما يقول أن القانون لا يقوم الا في مجتمع منظم ولكن القانون هو ظاهرة اجتماعية قبل أن تكون قانون سياسي أو وصفية سياسية وهكذا نشأ القانون مع المجتمع من صورته البدائية على شكل أعراف قبل أن يصبح مجتمعا سياسيا منظما , كما ربط أوستن القانون بارادة الحاكم وهذا غير منطقي لأن القانون يصبح في خدمة القوة كذلك يرى أوتسن أن التشريع هو المصدر الوحيد للقانون ثم يأتي العرف والشريعة الإسلامية.
-2- أما مذهب الشرح على المتون يعاب عليه أن يكتفي بأن القانون أو القاعدة القانونية الصادرة من المشرع هو عامل وحيد للقانون ويغفل عن المصادر الخرى للقانون كالعرف ...الخ وبذلك فهو تقيد لتطور القانون وجموده كما أهملت هذه المدرسة الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بالمجتمع وتقديس ارادة المشرع واهمال ارادة الأمة وذلك حتما يؤدي الى الاستبداد أي استبداد في الطبقة الحاكمة (السلطة) على المحكومين.
-3- أما عن مذهب خيجل فقد ربط ارادة الحاكم بالقانون و القانون ربطه بالأمة أي بمعنى آخر تذوب ارادة الأفراد في الدولة , كما يؤدي هذا المنهج في المجتمع الدولي الى حل النزاعات بأسلوب الحرب كحل وحيد , كما أن هذا الفقيه قد أهمل هو الاخر الظروف الاجتماعية وباقي العوامل الأخرى في تكوين وتطوير القاعدة القانونية.
-4- رغم ما أظهره الفقيه كلسن من تطور في الشكل الا أنه كان محل نقد لأنه في تدرجه للقواعد القانونية عند الدستور مهملا في ذلك من وضع الدستور ودون إسناد القواعد الدستورية لوقاية عليا تستمد منها شرعيتها وبهذا كان قول كلسن أن القانون هو الدولة لا تستند الى أسس واقعية فالراجح أن الدولة مستقلة عن القانون , كذلك أهمل كلسن العرف رغم أنه أهم مصادر القانون الحالي وكذلك أهمل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ان ما تنتهي اليه المذاهب الشكلية في مجموعها يتمثل في تحكم الدولة تحكما مطلقا في القانون فتفرض ما تشاء استنادا الى مشيئتها أو تحلل ما تنشأ من أحكام القانون , وعلى العموم فالمذاهب الشكلية باكتفاءها بالشكل واعتقادها بأن الدولة هي التي تخلق القانون دون العناية بالدوافع التي أملت وضع هذه القواعد ومع ذلك فالعنصر الشكلي للقاعدة القانونية هو الذي يعطيها قوة الاعلام وصلا حية التطبيق في نطاق العمل.

المبحث الثاني : المذاهب الموضوعية
لم تقف المذاهب الموضوعية عند المظهر الخارجي للقاعدة القانونية كالمذاهب الشكلية السابقة بل تنظر الى جوهر القانون وموضوعه وتذهب الى تحليله فلسفيا و اجتماعيا للتعرف على طبيعة وكيفية نشأته فهي تذهب وتهتم بجوهر القاعدة القانونية وقد اختلف أصحاب المذاهب الموضوعية فبعضهم اتجه في تكوين القاعدة القانونية ، والعدالة الانسانية كأساس القانون وهم ما يطلقون عليه بأنصار المدرسة المثالية في حين اتجه البعض الاخر الى النظر نحو الحقائق الواقعية الملموسة التي سجلها المشاهدات والتجارب العلمية وهناك ما جمع بين الفلسفة الميثالية والفلسفة الواقعية ويطلق عليها بالمذهب المختلط.

المطلب الأول : المدرسة المثالية
وتكاد تنحصر المدرسة الميثالية في مذهب القانون الطبيعي وان هذا المذهب ذو مضمون متغير وله مبادئ يقوم عليها وهو ما سوف تتعرض له

الفرع الأول : نظرية القانون الطبيعي
يرجع تاريخها إلى عيود قديمة ثم اليونان والرومان كما تعتبر هذه النظرية في الحقيقة أنها من اهم النظريات التى وجدت في البحث عن أسس القانون الطبيعي ، وانها لعبت دورا كبيرا في التاريخ ولا تزال الى حد الان تؤثر في القوانين الوضعية ، كما نجد في القانون الجزائري في المادة 1 وذلك لما نتكلم عن مصادر هذه القوانين الطبيعية فإن القاضي يطبق القانون وملزم به وإن لم يجد نص يطبقه على قضية ما فالمصدر الثاني هو الشريعة الاسلامية والمصدر الثالث هو العرف ونجده مطلقا خاصة في القضايا التجارية وان لم نجد وذلك يجب طبقا لمبادئ القانون الطبيعي وتعد من القوانين التى اثرت وتأثرت بالقانون الجزائري التى يواجهها القاضي وبالتالى فإن مبادئ القانون الطبيعي هي مبادئ مثالية تعتمد على اسس ترتكز عليها القواعد القانونية عند وضعها وهي مبادئ انسانية كذلك .

الفرع الثاني : مبادئ القانون الطبيعي
وصلت مبادئ هذه النظرية الى درجة البحث العلمي وعرفت فلاسفة كبار نادو بها وأصبحو من فلاسفة القانون الطبيعي منهم كونت بسويسرا ، ومن فرنسا جون جاك روسو ، ومن انجلترا جون لوك كما ظهرت الثورة الفرنسية ضد طغيان الملوك (نظام ملكي ) الذين كانو يتعسفون في حقوق المواطنون إذ كان لديهم القانون هو الملك ، والملك هو القانون كما كان يقول لويس 14 أنا هو الدولة والدولة هي أنا والذى لا يراعي الجوانب المثالية للقانون الذي تأثرت الثورة بالفلسفة وخاصة فلسفة جون جاك روسو وكتب على ضوتها كتابات ولا سيما العقد الاجتماعي كما كانت تعتمد على نظرية القانون الطبيعي وتتمثل هذه المبادئ في :
أولا : تعتمد هذه النظرية أن هناك الى جانب القواعد الوصفية التى تفرضها الدولة توجد قواعد ميثالية عالية ستنمو على هذه القواعد الوصفية وتفرضها طبيعة الاشياء نفسها .
ثانيا : هذه القواعد تدل عليها المنطق والعقل السليم فنجد هذه المبادئ تؤثر فيها عوامل انسانية تفرضها طبيعتها.
ثالثا : هذه القواعد تتميز بالميزة أنها لا تتغير ولا تزول فهي مبادئ عامة بالنسبة لجميع الشعوب وهي صالحة لكل الأزمنة.
رابعا : ان هذه القواعد متتالية التي تحب أن تفرض نفسها وتؤثر في القواعد القانونية وهي الأساس التي تعتمد عليه وتستمد وجوده منه.
كما أن الهدف من هذه المبادئ هي احترام مثلا الحرية , ملكية الغير السلامة الإنسانية , حماية الضعيف من القوي , وهذه المبادئ يرشدنا اليه العقل والمنطق وهي عادلة ومسلم بها ولا يمكن انكارها وبالتالي اعتبارها حقوق فطرية التي تلد مع الانسان , فالدولة لما تضع القانون تفرض الاحترام ولتبني هذه الحقوقو الطبيعية التي لم تنشئها وانما قررتها , فالدولة تلعب دورا في حماية الأموال ولذلك توضح قواعد لحماية هذه الحقوق , كما أن المذهب الفردي يعتمد كثيرا على القانون الطبيعي وجاءت نظرة الى الدولة نظرة شك.
كما أن نظرية القانون الطبيعي ذات طابع إنساني وتقدس الحرية وتمجد الفرد وتدافع عن الحقوق والحريات الفردية وتتصدى إلى المذهب الاشتراكي كما أثرت هذه المبادئ في كثير من دساتير الدول الحديثة (المنظمات الدولية لحقوق الإنسان).

الفرع الثالث : القانون الطبيعي عند اليونان
يرى فلاسفة اليونان أن العالم وما يوجد فيه من مخلوقات وعلاقات بين الناس يسيرون وفق منهج واحد ويخضعون لقانون واحد وهذا القانون أعلى من كل شيء بما فيها الدولة وهذا القانون ليس من صنع الانسان لأن القانون الطبيعي كما ظهر عند اليونان ماسمي بمذهب الرواقية وكانوا يدعون الى خضوع للقانون الطبيعي الذي يحكم العالم كله.

الفرع الرابع : القانون الطبيعي عند الرومان
لقد تأثر فلاسفة الرومان بمذهب الرواقية فاقتنعوا بوجود قانون طبيعي أعلى بتطبيق على كافة الشعوب لأنه أسمى من القوانين الوضعية وسابق على وجودها ومن بين فلاسفتهم شيشرون يعتقد بوجود عدل أعلى من القوانين والنظم الوضعية ينطبق على جميع الناس وجميع الأزمنة
الفرع الخامس : القانون الطبيعي عند الكنسيين في القرون الوسطى
لقد أخذ القانون الطبيعي في القرون الوسطى عند الكنسيين صبغة دينية في كنف الكنيسة المسيحية واعتبروه قانونا من صنع الآلهة لكونها خالق الطبيعة فعززوا موقف الكنيسة في الدولة ويرون ضرورة اخضاع الدولة للكنيسة (لا طاعة للقانون الوضعي في معصية القانون الالهي ) ولقد ميز القديس توماس بين ثلاثة درجات من القانون الالهي يمثل مشيئة الله في العمة ويليه القانون الطبيعي يشمل القواعد التي يدركها الانسان بعقله وفي الأخير يوجد القانون الوضعي من صنع الانسان ويستمد مبادئه من القانون الطبيعي .

الفرع السادس : القانون الطبيعي في العصر الحديث
أولا : سيادة الدولة وانكار القانون الطبيعي
اتخذتها العصور الوسطى وزال الاقطاع وبدأت الدول تتكون فظهر مبدأ سيادة الدولة الذي أطاع سيادة الكنيسة وفي القرن 16 ظهرت مناداة البعض بسيادة الدولة وأبرزهم ميكافيلي وبودان
فميكافبلي أعطى للحاكم كل الوسائل لدعم سلطته وما يؤيدها سواء القوة أو الحيلة ومن أقواله المشهورة (الغاية تبرر الوسيلة)
أما بودان في فرنسا فهو يرى أن الحاكم فوق القانون بل هو القانون في حد ذاته ولا أهمية للرعية أما في القرن 17-18 وجدت فكرة القانون الطبيعي طريقها في القرن 18 على يد الفقيه الهولندي جورس الذي خلص القانون الطبيعي من الصيغة الدينية فحرر القانون من رجال الدين ومن تحكم الدولة ونادى باقامة العلاقات الدولية على أساس القانون سواء في السلم أو في الحرب وهو يعرف القانون الطبيعي أنه كل ما هو موافق للمنطق والعقل.
ثانيا : القانون الطبيعي والعقد الاجتماعي
ان المعنى الحقيقي للعقد الاجتماعي وذلك خلال القرنيني 17-18 وبمقتضاها أن كل الناس بعدما عانوا من الفوضى نتيجة الأهواء والغرائز الفردية , فكروا في وضع السلطة في يد شخص أو هيئة تقوم بتنظيم الأمور الداخلية والخارجية للمجتمع . فانتقلوا بذلك من جهة الفطرة الى عهد المجتمع المنظم , ولقد اتخذ هوبز فكرة العقد الاجتماعي وسيلة التبرير السلطة الاستبدادية للحكم وذلك أنه كان من أنصار النظام الملكي المطلق أما الفقيه جون لوك فاتخذ من هذه الفكرة وسيلة لمحاربة السلطات المطلق للحاكم ويرى أن الأفراد لم يتنازلوا عن كل حقوقهم للحاكم وانما عن جزء منها وبهذا أجاز لهم فسخ هذا العقد وعزل الحاكم فكان رأيه من أنصار الملكية المقيدة.
أما الفقيه روسو فقد اتخذ فكرة القانون الطبيعي كأداة الانكار حق الملوك في السيادة وانما السيادة للشعب , فالشعب هو مصدر القانون بعد أن قاموا العقد بينهم.
ثالثا : القانون الطبيعي والثورة الفرنسية
اعتنقت الثورة الفرنسية في أواخر القرن 18 م لفكرة روسوا المتمثلة في حصر سيادة بيد الشعب وحده واعتناق فكرة القانون الطبيعي فاعلنت الثورة لحقوق الانسان الطبيعية وبهذا أصبح القانون الطبيعي مذهبا رسميا تضمنه الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواطن 1789م أما القانون الطبيعي في القرن 19 م فقد عرف انتقادات ومهاجمات عنيفة شككت في حجة القانون الطبيعي وتركزت هذه الانتقادات على جوهر القانون فكيف لهذا القانون أن يكون صالحا لكل الأزمنة والشعوب ولكن مع بداية القرن 20 ومن ذلك ظهر اتجهان.
الاتجاه الأول بزعامة الألماني ستاملر قال أن القانون الطبيعي ذو مضمون متغير
الاتجاه الثاني هو مذهب جمهور الفقهاء في اعتبار القانون الطبيعي موجه مثالي للعدل
1-مذهب القانون الطبيعي ذو مضمون متغير:
لقد سقطت فكرة القانون الطبيعي القائمة على قواعد أبية خالدة صالحة لكل زمان ومكان تحت تأثير هجوم أنصار المذهب التاريخي فكان لا بد من تخليص القانون الطبيعي من الانتقادات وتتناقض الموجه الى قواعده فكان للفقيه ستاملر الذي قام بالجميع بين الخلود والتطور في فكرة القانون الطبيعي في ما سماه القانون الطبيعي بالمضمون المتغير ومضمون هذه الفكرة أن جوهر القانون هو مثل أعلى للعدل خالد ومتغير في نفس الوقت فهو خالد في فكرته متغير في مضمونه.
-2- مذهب جمهور الفقهاء في اعتبار القانون الطبيعي موجه مثالي للعدل:
يأتي في مقدمة هؤلاء الفقهاء بلانيول و حوسران فاعترضوا على أنصار القانون الطبيعي من اعتبار وجود قانون مثالي نموذجي يتضمن قواعد تفصيلية تضع حلولا عملية لكل ما يعرض من مشاكل الحياة الاجتماعية في جزئياتها...الخ و ذلك لأن مشاكل الحياة لا تعرض دائما بنفس الصورة في كل الجماعات و انتهت فكرة القانون الطبيعي إلى موجهات مثالية للعدل لها من الثبوت و الخلود ما يجعلها اساسا للقوانين الوضعية على اختلاف الزمان و المكان و بالتالي القانون الطبيعي يفرض نفسه على إدارة المشروع و الدولة هي ليست حرة في صنع القواعد بل هي تلتزم بإحترام هذا الوجه المثالي لأنها ليست إلا خادمة لفكر العدل فالقانون هو المثل الاعلى للعدل و من ثمة وجب فرضه بالقوة
-3-أوجه الإختلاف بين القانون الطبيعي و القانون الطبيعي ذي المضمون المتغير :
إن القواعد الثابتة في المكان و الزمان وفي ان القانون الطبيعي لا يتغير و في القانون الطبيعي ذي مضمون المتغير هي مجرد مثل عليا للعدل بتغير المضمون بتغيير المكان و الزمان كما أن قواعد القانون الطبيعي التي يصدرها المشرع تعتبر قانونا مفصلا ثابتا و ابديا ينظم الروابط الإجتماعية في كل المجتمعات و الازمنة في حين قواعد القانون ذي مضمون متغير يصدرها المشرع من حاجات المجتمع و الظروف الإجتماعية و الإقتصادية .
النقــــــد:
ان هذه النظرية قد بالغت كثيرا وأفرطة في التفاؤل لما قالت بأن مبادئها ثابتة لا تتغير وصالحة لجميع الشعوب وصالحة في كل مكان وزمان وهنا موكب الخطأ لأن الواقع والحقيقة يفرض ذلك على سبيل المثال نظام الرق , تملك الانسان وبيعه وكان سائد في كثير من المجتمعات وهذا يجب محاربته ويفضل الكفاح الذي ناظل به الانسان والمساواة ثم الغاء نظام الرق وهذا خطأ لأنه لا يوجد في الدنيا شيء ثابت بل كل شيء قابل للتغيير حين ما كان مباح في زمن معين يكون ممنوع في زمن آخر وذلك بتدخل ظروف سياسية واجتماعية...الخ .
وبالتالي القوانين ليست ثابتة حين ننتمي الى هذا المحيط الاجتماعي كما أنه ليست كل شعوب الدول واحدة فهي تختلف في الأعراف وكذلك الجانب الديني حيث ما يقبله المسلم لا يقبل به المسيحي ورغم هذه الانتقادات الا أنه ما زال لها شأن كبير وتؤثر في القانون الطبيعي وفي الميثاق الدولية.

المطلب الثاني : المدرسة الواقعية
انتشر اعتقاد بأن القانون في جوهره هو المثل الأعلى الذي يستخلصه العقل وهو مصدر للخبر , والعقل تنقاد له النفوس اختيار أو يبرر الالتجاء الى القوة عند مخالفة حتى تحرم أحكامه , فالعدل في هذه الحالة اذا لم يستند الى قوة تكفله عدل أعرج , كما دلت معارضة القانون الطبيعي خلال القرن 19 وانتشار الفلسفة الواقعية التي تتناقض الفلسفة المثالية ولما تقوم عليه من تصور فكري لا يمد بأي صلة الى منهج الأسلوب العلمي وما يستلزمه من ضوابط ويقين , كما تفرعت المدرسة الواقعية الى مذهبين المذهب التاريخي ومذهب التضامن الاجتماعي .

الفرع الأول : المذهب التاريخي
ظهرت بوادر هذا المذهب منذ القرن 18 في فرنسا اذ أظهر بعض الفقهاء والفلاسفة تأثروا بالبيئة والظروف المحيطة بما في اختلاف القوانين ورأوا أن القوانين يجب أن تتناسب وطبيعة البلاد التي تصدر فيها ومن أهم الفلاسفة الذين ربطوا القانون بالبيئة الفقيه منتسكيو في كتابه روح الشرائع وكذلك الفقيه بورتاليس أحد واضعي التقدير المدني الفرنسي الذي عبر عن مبدأ من مبادئ التي قام عليها هذا المذهب ومحتواه أن القانون يوجد ويتطور آليا مع تقدم الزمن دون تدخل الارادة الانسانية , كما جاءت هذه المدرسة رافضة للقانون الطبيعي التي تبنتها الثورة الفرنسية وجعلت منها فلسفة لها و أنشأت حركة تشريعية أي ثورة في وضع القوانين حيث استعملها نابليون و أصبحت فرنسا رائدة في النجاح وبدأت القوانين تتغير والتي جاءت تنادي بالحقوق واستمرت حركة التشريعات في الاتساع وتؤثر في الدول الأخرى وخاصة في أوروبا ولذلك جاءت النظرية التاريخية ومن بين أنصارها الفقيه الألماني سافيني الذي حرر رسالة تعد رسالة شهيرة كانت بمثابة الرد على نداء الفقيه الألماني تيبو الذي قال أن القانون المدني الألماني مشابه للقانون المدني الفرنسي.
ولكن استطاع سافيني اثبات العكس لأن القوانين الفرنسية لا تتماشى مع الشعب الألماني كما عارض أن الفرنسيون يعتمدون على الفلسفة حيث قال أن القوانين ليست من صنع الطبيعة حيث القانون من صنع الزمن وبالتالي من تطور المجتمع لأن المجتمع هو الذي يخلق القانون وكذلك اختلاف من حيث التقاليد , اللغة لأن القانون هو الذي يتطلع الى المستقبل وهناك أسس لهذا المذهب والذي يقوم على التعاليم والتي تتمثل في :
أولا:إنكار وجود القانون الطبيعي:
وهو أن القانون ليس من وحي مثل عليا حيث يرى سافيني بأنه لا توجد قواعد ثابة أبدية يكشف عنها العقل بل القانون عنده من صنع الزمن ونتائج التاريخ.
ثانيا : القانون وليد الحاجة للجماعة
يرى المذهب التاريخي أن القانون وليد البيئة الاجتماعية وحدها وهو يتطور من ظروف المجتمع ويختلف من دولة الى أخرى ومن جيل لآخر في نفس الدولة حسب التغيرات الاقتصادية والاجتماعية فليس القانون تاج لجيل معين أو دولة معينة وانما هو ثمرة التطور التاريخي.
ثالثا : القانون يتكون ويتطور آليا
ومعناه أن القانون ينبعث من جهد جماعي مشترك ستهم فيه فيه الأجيال المتعاقبة في دولة معينة فهو ذو صفة قومية فهو يتطور في الضمير الجماعي تطورا ذاتيا آليا دون تدخل الارادة الانسانية ويعتبر العرف التعبير الأمثل كالقانون لكونه مرتبطا مباشرة مع الضمير الجماعي.
النقــــــــد :
1/ لقد بالغ المذهب التاريخي في ربط القانون بالجماعة وجعل من القانون نتيجة للضمير الجماعي وبذلك أنكر دور الارادة العقل الانسانيين في تكوين القانون كما أن التشريع اهم من التطور القانوني اذ أن المشرع قد يصدر قوانين يتقيد بظروف المجتمع لكنها دافعة له . وبهذا يكون قد عجل في تطور القانون .
2/ القانون من العلوم التقويمية التي تفترض غاية حيث تذهب بها للادارة الانسانية عكس المذهب التاريخي الذي أنكر طبيعة القانون فأخضع القواعد القانونية للسببية التي تحكم الظاهرة الطبيعية في حين القانون من العلوم التقويمية وتستهدفها الارادة الانسانية الواعية من أجل تقويم سلوك الأفراد.
3/ ان المذهب التاريخي قد بالغ في اعتبار أن القانون هو وليد البيئة والظروف الخاصة بكل مجتمع في حين أن كثيرا من الدول قد اقتبست قوانينها كلها أو في جزء منها من قوانين دول أخرى كنقل قوانين أغلب الدول العربية عن القانون الفرنسي.
كما أنه لا يمكن أن تسلم بما أتت به هذه النظرية حيث هناك جوانب ليست صحيحة حيث ما يمكنه وصفه من العادات والتقاليد وتأثر المجتمع بالتاريخ وهذا الجانب الصحيح لهذه النظرية حيث أن المجتمع يساعد في تطوير القانون وذلك وفق تطور الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
أما لما تكلمت عن الأنظمة الاجتماعية حيث كانت القوى الداخلية هي أساس قيام القانون حيث لم يبين لنا القوى الداخلية الكاملة في المجتمع حيث يهمل ارادة الانسان وانما تاتي هذه القوى نتيجة الكفاح واستمرارية حيث نظام الرق السابق كان ينظم في بيع البشر وتغير هذا الكفاح ونظال الانسان وكذلك حقوق العمال لما نجحت الثورة الصناعية في أوروبا حيث انتشرت المصانع ونشأت طبقة جديدة وهم العمال فشعروا بالظلم وتكتلوا وتنشأ ما يسمى بالنفايات العمال مما أدى بالدولة الاعتراف بها.
كما أن هذه النظرية غلبت عليها العرف أكثر من التشريع حيث ليس صحيح أن العرف هو كل شيء حيث يساهم في وضع التاريخ حيث له محاسن والتشريع أيضا له محاسن يغلب به عن العرف حيث يسهل تعديل التشريع عكس العرف.

الفرع الثاني : مذهب التضامن الاجتماعي
من أكبر الفقهاء الذين تأثروا بهذه الفلسفة في فرنسا الفقيه ديجي الذي أنشأ مذهبا يقوم على المشاهدة والتجربة واعتبره المنهج الوحيد للمعرفة الصحيحة و أطلق عليه اسم التضامن الاجتماعي ومن أنصار المدرسة الوضعية العلمية وهذه المدرسة يتزعمها الفقيه أوحسبت كونت ولها علماء كبار وعلى رأسهم دوركايم وحاولت أن تأتي بشيء جديد عكس النظريتين السابقتين والتي حاولت أن تتنبأ في دراسة العلوم الاجتماعية ومن بينها علم القانون وذلك بطريقة علمية التي تتبع في ميدان علوم الطبيعة وهي التي تعتمد على المشاهدة ثم التجربة ثم الاستقراء ثم التحصل على نتائج والتي تؤدي الى قيام القواعد القانونية .
كما توصل دوقي على حقائق أولية والتي تتمثل في وجود المجتمع البشري أي لا يستطيع الانسان العيش معتزلا عن بقية الأفراد كما كتشف وجود تضامن أفراد المجتمع الواحد وهذا التضامن تفرضه طبيعة الحياة كما توصل دوركايم الى وجود نوعين من التضامن من حيث تشابه الناس في الحاجة , والتضامن الثاني من حيث تقسيم العمل لأن الانسان لا يستطيع أن يوفر كل شيء بنفسه أي أن هناك تكامل في المجتمع في سد حاجياته وذلك للوصول الى قاعدة قانونية أما نظرة هذه النظرية للحقوق فهي تعتبر وظيفة تهدف الى تحقيق المصلحة العامة في المجتمع كما أن نظرية التضامن الاجتماعي تصلح أن تكون قاعدة أو أساس للمذهب الاشتراكي كما تنظر الى حقوق الفرد في كنف الجماعة وتعزز فكرة التضامن والتكافل الاجتماعي .
كما تعترف بالحقائق الواقعية التي يمكن ملاحظتها والتحقق منها , أما ماعدا ذلك فيعتبر نوعا من الخيال يقوم على مجرد افتراض وتعتبر هذه الحقائق التي اتخذها ديجي أساسا لمذهبه والتي تستند على المشاهدة والتجربة وتتمثل أسسه باختصار في :
1-أن الانسان كائن اجتماعي لا يمكن أن يعيش الا في مجتمع
2-أن الأفراد في المجتمع تربطهم رابطة تضامن اذ أن لم حاجات مشتركة لا يمكن تحقيقها الا بالحياة المشتركة.
النقـــــــد :
1- أن منهج ديجي الذي يطلق عليه المنهج الواقعي التجريبي ان كان صالحا لدراسة الظواهر الطبيعية التي تخضع لقانون السببية.
2- كما ينتقد منهج ديجي بأنه كثيرا ما ينزلق الى مجاوزة حدود الواقع التجريبي الى ما وراء المحسوس.
3- ان العدل كأساس للقانون والذي يختلف مفهومه عن فكرة العدل ذاتها كفكرة مثالية مجردة أو كمثل أعلى قائم بذاته.
4- كما أنها تمتاز لاجتهادها لتطوير التضامن الاجتماعي واتباع الطريقة العلمكية البحث عن الظواهر الاجتماعية والقواعد القانونية
5- اقتصار هذه النظرية على الطريقة العلمية للكشف عن القواعد القانونية وهذا الأمر فيها الكثير من المقالات والضعف لأن يقول أن العلوم الاجتماعية ومن بينها العلوم القانونية ولا يمكن أن تتشابه في دراستها مع العلوم الطبيعية التي تقدم دراستها مبينة على ملاحظة . وذلك بعد التجربة فالعلوم الاجتماعية لا تقصر في بحثها عن الموجود بل ما هو قد يوجد لأن العلوم الطبيعية تخلط هذا بهذا لنحصل على شرارة على اثر هذه التجربة أما في مجال القانون فالمشرع لما يضع القواعد بتقديم الحلول لحل المنازعات وقضايا المجتمع.
6- أن هذه النظرية تنكر مبادئ القانون الطبيعي التي تعتمد على المدن العليا وهذا خطأ فيها وهذا أدى الى ادراك دوقي وقام بتصحيحها وقال أنه لا يمكن أن تتجاهل المدن العليا ويعتبر مثل أعلى لتحقيق التضامن الاجتماعي ولتحقيق العدالة الاجتماعية التي نادى بعها القانون الطبيعي .


المبحث الثالث : المذاهب المختلطة
المطلب الأول : نشأة المذاهب المختلطة
ان البحث على أساس القانون والعناصر التي يتكون منها دفع بالمذاهب الفقهية الى عدة تصورات منها المذاهب الشكلية التي تنظر الى شكل القاعدة القانونية والمذاهب الموضوعية التي تقف عند جوهر القاعدة القانونية والمادة التي تتكون منها هذه القاعدة وقد لوحظ على هذه المذاهب نوع من اللغو والتطرف فظهرت مذاهب جديدة تنظر الى الانسان ككائن روحي لا يخضع الا لما يمليه العقل وكائن اجتماعي له وجود محسوس وبهذا زاوجت هذه المذاهب الجديدة بين المذاهب الشكلية والموضوعية فنظرت الى القاعدة القانونية من حيث المظهر والجوهر وهو ما يطلق عليه بالماهب المختلطة أو المذاهب المختلفة ومن أبرز هؤلاء الفقهاء الفقيه الفرنسي " جيني "

المطلب الثاني : مذهب العلم والصياغة عند جيني
نشأ هذا العلم في القرن العشرين على يد جيني وهذا العلم عبارة عن جملة من الآراء الصحيحة من النظريات السابقة ويرى جيني أن علم القانون علم معقد و أن فكرة تحليل هذا العلم يكون على أوجه رئيسية عنصر العلم من جهة وعنصر الصياغة من جهة أخرى فعنصر العلم يقدم الحقائق التي يمكن أن تصبح أساسا لبناء قواعد قانونية ملائمة أما عنصر الصياغة فهو الذي يتيح لنا أن نصيغ هذه القواعد التي دلنا عليها العلم ونجد أن الصياغة لها شكل معين يجعلها صالحة للتطبيق في المجتمع ويرى جيني أن عنصر العلم يتضمن أربعة أنواع من الحقائق وهذه , وهذه الحقائق استمدها من أحد المذاهب المذكورة سابقا وبالتالي أخذ هذه الحقائق من مبادئ و أسس ويعتبر بمثابة عوامل التي تؤثر في تكوين القواعد القانونية وتؤثر على المشرع ليصوغ القاعدة القانونية وهذه الحقائق تتمثل في

الفرع الأول : الحقائق الواقعية
وتتضمن جميع الظروف الطبيعية أو المادية أو المعنوية التي تحيط بنا وعلى سبيل المثال الأحوال الفزيولوجية الاقتصادية الاجتماعية الدينية ...الخ ولكنها أمور يجب على المشرع أن يراعيها ويتبناها ويتأثر بها عند وضعه للقواعد القانونية فمثلا الجزائر كانت تعمل على أساس الحزب الواحد والنظام الاشتراكي وبتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية تحولت الى التعددية الحزبية والنظام الرأسمالي وهذه العوامل تشكل القاعدة القانونية هنا كما أن هناك ظواهر تشبه الظواهر المادية من حيث خضوعها للقانون السببية وقد تكون ظروفا خاصة بالتكوين العضوي التي يمكن ردها على عوامل طبيعية.
الفرع الثاني : الحقائق التاريخية
تتضمن معرفة التطورات المختلفة التي مرت بها القواعد القانونية وكذلك المؤسسات القانونية ويمكن الاستفادة منها ومثال ذلك الأحزاب السياسية كما يؤخذ بعين الاعتبار هذه الحقائق.
الفرع الثالث : الحقائق العقلية :
تتضمن معرفة المبادئ التي توحي لنا بها العقل ويدلنا على صحتها .

الفرع الرابع : الحقائق المثالية
تتضمن الأهداف التي يطمح اليها كل مجتمع من المجتمعات مثل شخص يريد التعرف على أهداف المجتمع الجزائري و الأسس والحقائق التي يطمح للوصول إليها (العدل -المساواة –الحرية) فالدولة تتكفل بهذه المسائل ومع أخذ بعين الاعتبار المسائل الفيزيولوجية لذلك كما أن المجتمع هو الذي يتكفل بهذه الأهداف فمثلا حكم الزواج فالقانون لا يسمح بزواج الرجل قبل 21 سنة والمرأة قبل 18 سنة وهذا مراعاة لاعتبارات فيزيولوجية واجتماعية فالحقائق التاريخية تهدف إلى التطور التاريخي ومعرفة المراحل التي مر بها هذا الزواج أما الحقائق التاريخية تهدف إلى التطور التاريخي ومعرفة المراحل التي مر بها هذا الزواج أما الحقائق المثالية هدفها تبيان أن للزواج قيمة اجتماعية واقتصادية هدفهه بناء أسرة كأساس المجتمع.
والحقائق العقلية تدفعنا الى التنفكير في أن الزواج هدفه استمرار البقاء كما أن القانون يخضع الى غاية مرسومة يجب السعي اليه .

المطلب الثالث: صياغة القاعدة القانونية
عنصر الصياغة مكمل لعنصر الحقائق الاجتماعية والمثل الأعلى للعدل والصياغة متعلق بالفن التشريعي أي تحويل المادة الأولية للقانون الى قواعد عامة مجردة صالحة للتطبيق في الحياة العملية وفي هذا الشأن ميز جيني بين نوعين من الصياغة صياغة مادية وصياغة معنوية , كما أن الصياغة القانونية تتفرع الى صياغة جامدة حيث تعطي حلولا ثابتة لا تتغير بتغير الظروف والملابسات ويكون عمل القاضي شبه آلي ومثال ذلك تحديد مواعيد الاستئناف والطعن في الأحكام.
أما الصياغة المرنة فهي لا تضع القاعدة القانونية حلا ثابتا واحدا لا يتغير بتغير الظروف وانما تعطي للقاضي حرية التطبيق وسلطة تقديرية واسعة في تطبيق نص القانون .

الفرع الأول : الصياغة المادية :
يتمثل في وجود تعبير مادي عن جوهر القاعدة القانونية مجسدا في مظهر خارجي لها اما بطريقة الكم محل الكيف أو بطريقة بعض التصرفات الشكلية
ويقصد بالكم محل الكيف اعطاء القاعدة القانونية تحديد محكما بالتعبير عن مضمونها برقم معين فنجعل تطبيقها آليا ولا يملك فيها القاضي السلطة التقديرية و أمثلتها كالتالي :
1-تحديد سن الرشد
2-تحديد البيع كالعقارات
أما الجانب الشكلي الموجود في الصياغة المادية فيتمثل في مظهر خارجي يفرض على الأفراد تصرفات عرفية حتى يترتب عليه آثار قانونية معينة ومن أمثلة ذلك اشتراط الحصول على اذن معين لمباشرة بعض التصرفات.

الفرع الثاني : الصياغة المعنوية
هي عمل ذهني لكسب القاعدة القانونية اجراءات عملية تتمثل هذه الصيغ في القرائن القانونية وهي عملية موضوعها تحويل الشك الى تعيين واخراج القاعدة القانونية على هذا الأساس واذا كان موضوع القرائن القانونية اثبات بأن الحاجة الى القرائن في مجال القواعد الموضوعية أم قائم.
أولا : القرائن القانوينة في مجال الاثبات
ان الشك في وضع القواعد تعذر اثباتها أو استحالتها ليتحول الى يقين حتى استعملت فكرة القرينة وهذا من شأن تحقيق الاستقرار والأمن في المجتمع ومثال ذلك قرينة اعتبار ارتكاب القاضي عملا غير مشروع قرينة على الخطأ من يتولى رقابته كالأب أو الوصي وهناك قرائن بسيطة تقبل اثبات عكس وقرائن قاطعة لا يمكن اثبات عكسها فان القرائن القانونية فعلى العكس تكون القرائن القضائية من صنع القاضي فهي تستخلص بتحديد القضية المطروحة
ثانيا : القرائن القانونية في مجال القواعد الموضوعية
يمس هذا النوع من القرائن الحق وهي السباب والدوافع في تقرير حكم القاعدة القانونية التي تبقى مستقرة فيما بعد عن هذه الدوافع مثل تحديد سن الزواج 19 سنة فالمشرع يبني هذه القرائن القانونية على اعتبارها مجرد صياغة للقاعدة القانونية.

المطلب الرابع : العناصر المكونة لجوهر القاعدة القانونية أو عنصر العلم عند جيني
الفرع الأول: العنصر الواقعي التجريبي :
ويتمثل ذلك في :
أولا : العوامل الطبيعية
ويقصد بها الظواهر المحيطة بالانسان والتي تعاقب عليه كظاهرة الميلاد والموت ...الخ وهناك عوامل أخرى مساعدة على ذلك كالمناخ وغير ذلك وهذه العوامل تقوم على المشاهدة والتجربة وان كانت لا تنشئ القاعدة القانونية فهذه العوامل عبارة عن البيئة التي تنشأ فيها القاعدة القانونية .
ثانيا : العوامل الاقتصادية
ان حاجات الأفراد الاقتصادية من انتاج واستهلاك والعلاقات بين الناس في المجال الاقتصادي الذي يحتاج الى تنظيم قانوني معين لأن نمو وانشاء بعض الفروع الاقتصادية ومثال ذلك انتشار الصناعة والتي أدت الى نشوء طبقة العمال وبالتالي انشاء النقابات العمالية.
ثالثا : العوامل السياسية والاجتماعية
تعتبر العوامل والتطورات الاجتماعية عنصرا واقعيا ساهم في خلق بعض النظم عبر العصور ففي القديم كانت الأفكار اجتماعية سائدة مما أدى الى خلق نظام الرق وانقسم المجتمع الى أحرار وعبيد و في القرون الوسطى أدت أفكار ذلك العصر الى خلق نظام الاقطاع وظهور الطبقية وفي أواخر القرن 18 م ظهرت مع الثورة الفرنسية معتقدات سياسية واجتماعية تمثلت في الحرية والاخاء والمساواة وهذه الحقائق و التطوراة كان لها أثر كبير من تكوين القاعدة القانونية وهي حقائق علمية تقوم على التجربة والملاحظة لا غنى عنها في وضع القواعد القانونية.
رابعا : العوامل الدينية و الأخلاقية :
تعتبر من عوامل تكوين القاعدة القانونية فالعامل الديني يساهم بوضوح في وضع الأحوال الشخصية كالميراث , الوصية , الزواج وكذا الأعراف السائدة مثل تحريم الطلاق في أغلب الدول العربية ويختلف أثر هذه التقاليد من مجتمع لآخر.
خامسا : العوامل التاريخية
وهي الخبرة التي اكتسبتها الجماعات عبر امتداد الزمن وساهمت بشكل كبير من تكوين وانشاء القواعد القانونية.

الفرع الثاني : العنصر الثالث : المثل الأعلى للعدل
أي مفهوم العدل كعنصر مثالي كان محل اختلاف عبر العصور لدى اليونان والرومان ورجال الكنيسة والفقهاء العصر الحديث ولتوضيح مفهومها يقتضي الأمر تحديد دراسة صوره المختلفة وهي :
أولا: العدل التبادلي :
كان العدل التبادلي مقصورا على العلاقات التعاقدية للأفراد تبادل السلع ومع مرور الزمن أصبح يشمل كل ما ينشأ من الأفراد من علاقات ويقوم على أساس المساواة وهذا باعطاء كل منهم الحق أو الامتناع عن الاعتداء عليه سواء كان هذا الحق اعتداء لجسم الفرد وما يخصه.
ثانيا: العدل التوزيعي :
ويتمثل في علاقات الأفراد بالجماعة من حيث وجوبه على الجماعة للأفراد ويتحقق ذلك في توزيع المنافع والوظائف العامة ويفسر العدل التوزيعي أيضا في فرض الضرائب تصاعدية أو اعانات مضافة
ثالثا : العدل الاجتماعي :
ويقصد به العدل الذي يسود علاقة الأفراد بالجماعة من حيث وجوبه على الأفراد نحو الجماعة و أساس العدل الاجتماعي يمكن في كون الفرد جزءا من الجماعة و أن الجزء سيخر لخدمة الكل أي يكون الفرد في خدمة الصالح العام الذي يعود بالنفع العام لكل المجتمع كما يعتبر هذا المذهب هو الأقرب الى الصواب لكونها تتسم بالاعتدال والموضوعية وعدم المغالاة وقد حاول أصحابها التوفيق بين المذاهب السابقة وهذا ما وصلوا اليه.

الخاتمة :
تخلص مما سبق أن البحث عن أصل و أساس وغاية القانون الوضعي . جعل المذاهب الفقهية المتعددة تتداخل فيما بينها وتتشابك لأجل الوصول الى الاجابة لهذا التساؤل ما أساس القانون وما غايته ؟
حيث تعتبر نظرية المذاهب المختلطة هي الأنسب في تغيير القانون ومعرفة وصوله لأنه أجمع بصواب المذهب الشكلي والمذهب الموضوعي وذلك لوضع حد للتطرف والنظر الى الانسان ككائن اجتماعي.

المراجع :
الدكتور فاضلي ادريس " مدخل الى المنهجية وفلسفة القانون " ديوان المطبوعات الجامعية الساحة المركزية بن عكنون الجزائر.

شاركنا بتعليقك...

التعليقات



، اشترك معنا ليصلك جديد الموقع اول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

احصائيات الموقع

جميع الحقوق محفوظة

علوم قانونية وادارية

2010-2019