أصول التكييف فى المواد الجنائية
عند عرض الواقعة على النيابة العامة بعد انتهاء الأستدلالات والتحقيقات تقوم النيابة العام بتكييف الواقعة المطروحة ووصفها وقيدها طبقا لنصوص التحريم المناسبة , ومن هنا يتضح اهمية التكييف الصحيح لواقعة الدعوى لأن التكييف غير الصحيح يؤدى الى خطأ فى تطبيق القانون ومن هنا تبدو اهمية التكييف بالنسبة للمحقق والقاضى والخصوم فى الدعوى الجنائية .
اهمية التكييف :
التكييف qualification مشكلة ملحة تفرض نفسها على المحقق والقاضى والباحث فى مختلف فروع القانون مكرر ففى نطاق القانون الجنائى يتعين وصف الفعل الذى ارتكبه المتهم لمعرفة ما اذا كان يعتبر من قبيل السرقة او خيانة الامانة او اختلاس الأموال الأميرية ..الخ
التكييف على هذا النحو اذن هو تحليل للوقائع والتصرفات القانونية تمهيدا لأعطائها وصفها الحق ووضعها فى المكان الملائم من بين التقسيمات السائدة فى فرع معين من فروع القانون .
وتبدو بذلك اهمية التكييف فى مجال القانون الجنائى بوصفة عملية اولية ولازمة لانخضاع التصرفات او الواقعة القانونية محل النزاع للنص القانونى الذى يحكم هذا التصرف او تلك الواقعه ومن هنا كان الخطأ فى التكيف مسألة قانونية تخضع دائما لرقابة محكمة النقض .
التكييف القانونى والتشخيص الطبى :
والتكييف وفقا للمعنى الذى حددناه فى اطار العلوم القانونية قريب الشبه الى حد كبير بالتشخيص فى مجال الطب . فاذا كان من اليسير على طالب كلية الطب ان يفرق بوضوح بين العلاج المقرر لمرض معين . والعلاج الذى يتعين اتباعه لمرض اخر فان تشخيص حالة المريض وما اذا كان يشكو من هذا المرض او ذاك هو امر لا يسهل عل المبتدئ تبينه فى جميع الاحوال , ورغم ما لهذه المسألة من اهمية جوهرية غير خافية بوصفها مسألة اولية لازمة لتحديد العلاج الصحيح .
وهكذا يبدو انه اذا كان من اليسير فى مجال العلوم الطبية الاحاطة بانواع الامراض المختلفة والطرق المقررة لعلاج كل منها , فان تشخيص حالة المريض المطروحة على بساط البحث ليست بمثل هذه السهولة . ففى هذا التشخيص تتمثل القدرة الحقيقية للطبيب الكفء والتى تميزه عن غيره من الأطباء .
والامر لا يختلف كثيرا فى مجال العلوم القانونية . فقد يسهل على الكثيرين الاحاطة بالاحكام التى يتضمنها قانون معين . فطالب كلية الحقوق يعرف جيدا الاحكام الخاصة بكل من عقد البيع وعقد الايجار او عقد الهبة مثلا اما ادراك التكييف الحق والوصف السليم للعقد محل البحث فهى عملية ذهنية تحتاج الى خبرة خاصة وبصيرة نافذة . وبالاضافة الى ماتتطلبة من حاسة قانونية مرهفة .
وعلى هذا النحو يمكن القول بأن القدرة على التكييف السليم فى نطاق القانون , اسوة بالتشخيص الصحيح فى مجال الطب للنبوغ فى كل من هذين الفرعين من فروع المعرفة , بالاضافة الى كونها الاساس الذى لا غنى عنه لحسن تطبيق ما يتضمنه كل من الفرعين السابقين من احكام . ومع ذلك فان عملية التشخيص فى الطب تبدو اكثر سهولة ويسرا بالمقارنة بالتكييف فى مجال القانون اذ يستطيع الطبيب ان يستعين فى تشخيصه للمرض بوسائل مادية ومعملية يمكن عن طريقها القطع بسلامة التشخيص المبدئى الذى انتهى اليه فهو يستطيع مثلا ان يتأكد من حقيقة حالة المريض عن طريق الأشعة والفحوص المعملية بل والعمليات الجراحية التى تهدف الى مجرد الكشف عن حقيقة الداء وكل هذه الوسائل لا يملكها الباحث القانونى والذى تعد عملية التكييف بالنسبة له عملية محض تجريدية وذهنية ولهذا فهو لايستطيع ابداء الجزم بسلامة التكييف الذى انتهى اليه بصفة مطلقة وهذا هو شأن كافة العلوم الاجتماعية والتى تعد حقائقها نسبية الى حد بعيد .
كيف يقوم المحقق والقاضى بتكييف الواقعة :
ان الدعوى تعتبر امام المحكمة خليطا من الواقع والقانون والقاضى عند تطبيقه للقانون لا يجد نفسه امام نصوص تحتاج الى التفسير والتطبيق وانما يصادف مجموعة من الوقائع يتوقع على تحديدها اختيار القاعدة القانونية وهو ايضا فى تفسيره للواقعة وتطبيقها لا يضع بحثا قانونيا مجردا وانما يفصل فى دعوى محددة لها ظروفها الخاصة ووقائعها الذاتية مما يؤثر فى تحديد كلمة القانون واذا كان الامر كذلك خليطا من الواقع والقانون وظروف خاصة بكل دعوى فأن القاضى يحتاج كل الاحتياج الى ممارسة نشاط فكرى يتصف بالمنطق حتى يحسم هذا الأمر فالقاضى متى اتم فهم الواقع فى الدعوى فانه يبحث عن ما يجب تطبيقه اى تنزيله من احكام القانون على هذا الواقع ولما كانت احكام القانون مطلقات وعموميات تتناول انواعا واعدادا من الحودث لا تنحصر وكانت هذه الحوادث لا تقوم الا معينه لكل معنى منها خصوصية ليست فى غيره فلا سبيل لتنزيل تلك الاحكام على هذه الحوادث الا بعد معرفة ان ذلك المعنى يشمل ذلك المطلق او ذلك العام .
وقد يكون صعبا وكله على كل حال فيه نظر واجتهاد وهذا الاجتهاد هوما اسماه القانون فى حاصل فهم الواقع فى الدعوى الى حكم القانون او وضعه تحت عموم القاعده القانونية المنطبقة فتكييف القانون حادثا او امرا اوعقدا او تصرفا ً هو تسميته اياه باسم قانونى يحصل به لمسمى هذا الاسم من احكام واثار قانونية فتكييف ما يقع فى اخذ مال الغير بغير حق هو تسميته بانه سرقة او تبديد او خيانة امانه او نصب ليطبق على الأخذ مادة العقوبه التى يستحقها على فعلته .
وتظهر اهمية وخطورة دور القاضى فى هذا المجال لم يجر فى وضع الالفاظ القانونية على وتيرة واحدة فهو يصفها مكتفيا فيها بما ترسمه عند السامع او القارئ من صور المعانى كسوقه جريمة هتك عرض والسب والافتراء والفاظ السب وغير ذلك .
انواع التكيف الجنائي :
ومفاد ما تقدم ان التكييف عملية يجريها الخصوم والمحقق والقاضى فى كل نزاع يعرض لهما ويعبر عنه باصطلاح الوصف القانونى ويقصد به تحديد انتهاء ظاهرة الى فكرة قانونية معينة وهو عصب العمل القاضى اذ يخرج عن نطاق الاعمال المادية التى يباشرها القاضى وتقع فى مجال اعماله الفنية وينقسم التكيف من حيث الموضوع الى التكييف للواقعة qualification fait وصفها بأنها عمد او ضرب افضى الى موت وتكيف للجريمةqualification d" Inlruction اعتبارها مخالفة او جنحة او جناية كما ينقسم التكييف من حيث المضمون الى ايجابى وهو اعتبار واقعة ما جريمة وسلبى وهو اخراج الواقعة من نطاق التجريم ويتم التكييف فى ضوء القانون الواجب التطبيق فما دامت الواقعة تخضع للقانون الوطنى فأن تكيفها يتم فى ضوء نصوصه بعكس ما اذا خضع للقانون الاجنبى فانه طبقا له .
ولا يتقيد القاضى فى تكييفه للواقعه برأى الخصوم او اتفاقاتهم فهو صاحب السلطه فى صدده وكل ما تقيد به نصوص القانون وقاعدة احترام قانون الدفاع وفى مباشرته لهذه السلطة قد يستبعد عنصرا تمسك به الخصوم او يضيف عنصرا لم يتمسكوا به ولكنه يقف عند تكييف الوقائع المطروحه عليه سواء وردت فى محاضر الاستدلالات او التحقيق الابتدائى او النهائى او فى محاضر اعمال الخبراء المنتدبين فى الدعوى دون غير ذلك من الوقائع , والتكييف ينصب على الوقائع الموضوعه كتكييف واقعه بأنها سرقة او تبديد كما يرد ايضا على الوقائع الاجرائيه كما اذا انتهت المحكمة الى ان الواقعة قبض وليست مجرد استيقاف .
محكمة النقض المصرية والرقابه على التكييف :
لم تتردد محكمة النقض فى مصر فى فرض رقابتها على التكييف الذى تجريه محاكم الموضوع سواء فى مجال الوقائع الموضوعيه او الاجرائيه فقد راقبت محكمة النقض ما اسند الى المتهم من واقعة حصوله على مال بالتهديد وخلصت الى ان ملكيته لهذا المال تنفى عنه سلوك المجرم كما راقبت محكمة الموضوع فى ما خلصت اليه من تقديم بلاغ فى حق وكيل النيابة ينسب اليه فى حصوله على مبلغ مقابل حفظ جناية اختلاس يعد بلاغاً كاذباً كما راقبت تكييف تقليد علامة تجارية وانتهت الى ان الجريمة تتحقق متى توافرت اوجه الشبه بين العلامة الصحيحة وتلك المقلدة كما الغت حكماً لمحكمة الموضوع قضى ببراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية قبله في ما اسند اليه من واقعة تقليد العلامات التجارية واستندت الى انه متى اثبت الحكم ان المتهم استعمل زجاجات فارغة تحمل علامة شركة الكوكاولا المسجلة فان ذلك يوفر الجريمه المنصوص عليها فى القانون ايا كان لون المياه المعبئة فيها او نوعها كما قضت ايضا بأنه متى ثبت لمحكمةالموضوع ان المتهم ضرب المجنى عليه بسكين عدة طعنات قاصدا قتله فانه يكون قد ارتكب جريمة القتل العمد 13 .
كما قضت بان جريمة الفعل الفاضح تتحقق متى صدر من المتهم اى من الافعال المنافية للاداب فى الطريق العام وان قيام المتهم بعلاج المجنى عليه بغير تصريح له بذلك مما ترتب عليه المساس بسلامته يوفر جريمة احداث الجرح العمد المنصوص عليها فى المادة 242وقضت ايضا بان اعطاء شيك بدون رصيد الى المستفيد يحقق الجريمة المنصوص عليها فى المادة 337 عقوبات طالما كان المتهم بعدم وجود رصيد .
ومن ناحية اخرى استقرت محكمة النقض على رقابتها على الوقائع الاجرائية
فقضت بأن مشاهدة شخص يسير فى الطريق فى ساعة متأخرة من الليل ومطالبته بتقديم بطاقته الشخصية لا يعد قبضا بل مجرد استيفاء كما قضت بأنه اذا ابلغ مأمور الضبط ان المتهم يتجر فى المخدرات فتوجه إليه وما ان شاهده الاخير حتى جرى محاولاً الهرب فذلك لا يعد من حالات التلبس وأن مجرد ارتباك الشخص ووضعه يده فى جيبه مخرجاً لفافه غير واضحه لا يعد تلبثا ً وان تلفت الشخص يمينا ويساراً وارتباكه عند رؤية رجل الشرطه لا يعد من حالات التلبس كما راقبت تكيف الحكم الصادر وما اذا كان حضوريا او غيابيا فقضت بأن العبره فى وصف الحكم بانه حضورى اوغيابى هى بحقيقة الواقع بصرف النظر عن ما تقول المحكمة عنه.
نطاق التكييف الخاضع لرقابة محكمةالنقض
لا تقف رقابة النقض للتكييف على مسائل دون غيرها فكل مسألة كيفتها محكمة الموضوع تخضع لرقابة النقض فالرقابة تنصب على تكييف محكمة الموضوع لطلبات الخصوم ودفعوعهم كما تنصب على وقائع الدعوى سواء فى ذلك ما تعلق منه بموضوعها او اجرائاتها ومثال ذلك الأولى تكييف شروط التجريم او موانع العقاب او اسباب الاباحة ومثال الثانية وصف اجراء معين بانه استيقاف او قبض او تكييف اجراء بانه مجرد دخول منزل او تفتيش . وقد ترد نقابة النقض على تكييف واقعة طبيبعة ترتب اثاراُ قانونية كما ترد على واقعة ايرادية مثال الأولى تكييف حالة بأنها جنون ينفى مسؤلية الجانى ومثال الثانية اجراء بانه ترك الخصومة واخيرا فقد تنصب رقابة النقض على تكييف الجريمة ذاتها وما اذا كانت تعد مخالفة او جنحة او جناية .
حدود رقابة محكمة النقض على التكييف :
عنيت محكمة النقض بوضع روابط رقابتها على التكييف فهى تراقب ما انتهت اليه محاكم الموضوع من وقائع وامور حاذت قوة الشئ المحكوم فيه دون غيره ذلك من الوقائع الثابته فى التحقيقات وبداهة تلتزم محكمة النقض بالأصول والقواعد العامة والمعايير التى تحكم فكرة التكييف بوجه عام .
المشكلات العمليه فى تكييف الواقعه فى القانون الجنائى.
الاثار الاجرائية لتكييف الواقعة .
للتفرقة بين الجنايات والمخالفات اثاراً هامة فى نطاق القانون الاجرائى لا الموضوعى فحسب بل ان اهم اثار هذه التفرقه واجدرها بالذكر تظهر هنا بوجه خاص فمنها .
اولاً : ضمانات التحقيق الأبتدائى فهى فى الجنايات تختلف عنها فى الجنح والمخالفات فمثلا لا يجرى استجواب المتهم فى جناية او مواجهته بالشهود او باقى المتهمين الا فى حضور محامية او بعد دعوته للحضور ( 124.125اجراءات ) حين لا يلزم ذلك فى الجنح والمخالفات ومثلا يجوز القبض على المتهم فى جميع الجنايات لمجرد توافر دلائل كافية قبله حين لايجوز فى الجنح الا عند التلبس او فى جنح وارده على سبيل الحصر متى توافرت الدلائل الكافية ولا يجوز فى المخالفات اصلا ( م 34,35اجراءات )
ولا يجوز تفتيش شخص المتهم الا عند القبض القانونى الصحيح عليه طبقا لهذه المغايره ( م46/1اجراءات )
ولا يجوز تفتيش المنازل الا فى الجنايات والجنح دون المخالفات وبناءاً على توافر دلائل كافية (م90) كما ان الحبس الاحتياطى يجوز فى جميع الجنايات بعد توافر مبرراته وفى جنح بشروط خاصة حين لا يجوز فى المخالفات ( م34/1) .
ثانياً: نجد ان اجراءات الاحالة الى محكمة الموضوع تختلف فى الجنايات من جانب عنها فى الجنح والمخالفات من جانب اخر ,فمثلا لا تحال الجنايات الى محاكم الجنايات الا عن طريق المحامى العام بحسب الاصل ذلك حين تحال الجنح والمخالفات الى محكمة الموضوع بناءاً على امر يصدر من قاضى التحقيق او مستشار الاحالة بناء على تكليف المتهم مباشرة بالحضور من قبل احد اعضاء النيابة العامة ( م232اجراءات معدلة بالقانون رقم 107 لسنة 1962 )
ثالثاً : ان الجنايات لا تحال الى محكمة الجنايات الا بعد تحقيقها بمعرفة احدى سلطات التحقيق بالمعنى الضيق فلا تكفى فى ذلك مجرد الاستدلالات حين انها قد تكفى فى الجنح والمخالفات .
رابعاً: ان الجنايات لا تعرف نظام الادعاء المباشر حين تعرفه الجنح والمخالفات بشروط معينة ( راجع م 232,233 ) وترتب على ذلك ان احوال سقوط الحق فى اختيار الطريق الجنائى بعد المدنى تختلف فى الجنايات عنها فى الجنح والمخالفات .
خامساً : ان الاختصاص فى الجنايات لمحاكم الجنايات فلا اختصاص لهذه بنظر الجنح الا فى احوال استثنائية ذلك حين ان الاختصاص بالجنح والمخالفات هو للمحاكم الجزئية فلا اختصاص لهذه بنظر الجنايات .
سادسا : ان قواعد المحاكمة فى الجنايات تختلف عنها فى الجنح والمخالفات بما فى ذلك ضمانات هذه المحاكم وترتيب اجراءاتها بما يضيق المقام عن تفصيله ويكفى ان نشير هنا الى ان حضور مدافع عن المتهم . وجوبى فى الجنايات جوازى فى ماعداها .
وانه يجب على المتهم فى جنايه او جنحة معاقب عليها بالحبس ان يحضر بنفسه اما فى الجنح الاخرى والمخالفات فيجوز له ان ينيب عنه وكيلاً لتقديم دفاعه وهذا مع عدم الاخلال بما للمحكمة من الحق فى ان تأمره بحضوره شخصياً ( م 237 اجراءات ) .
سابعا :- ان الاوامر الجنائية غير جائزة فى الجنايات جائزه فى الجنح والمخالفات فقط وفى نطاق معين .
ثامناُ :- ان طرق الطعن تختلف فى الجنايات عنها فى الجنح والمخالفات فحين تنظر الأولى بالنسبة للموضوع على درجة واحدة تنظر الثانية على درجتين بحسب الاصل اما بالنسبه للقانون فتنظر الجنايات على درجتين والجنح على ثلاث والمخالفات على درجتين فقط اذ اجاز استئنافها . ذلك ان الطعن بالنقض يجوز بالنسبة لاحكام محاكم الجنايات جميعا وبالنسبة لاحكام محاكم الجنح المستأنفه فى جنح دون المخالفات كما نجد ان احكام المحاكم الجزئية والاستثنائية تخضع لنظام المعارضة فى الاحكام وكذلك احكام محاكم الجنايات فى الجنح والمخالفات عندما تنظرها استثناء كما فى احوال الخطأ فى الوصف والارتباط حين لا تخضع لهذا النظام احكام محاكم الجنايات فى الجنايات بل يبطل الحكم الغيابى من طلقاء نفسه بمجرد عهو د المتهم او القبض عليه ( م 395 ) بما يترتب على ذلك من نتيجه خطيره هى جواز الحكم على المتهم وعقوبه اشد من تلك السابق الحكم بها حين لا يجوز ذلك عند المعارضه من المتهم فى احكام الجنح والمخالفات .
تاسعاً : - ان مدد تقادم الدعوى عشر سنوات الجنايات وثلاثه للجنح وسنه واحده للمخالفات ( م 15 اجراءات )
عاشرا:- ان مدد تقادم العقوبه عشرون سنة للجنايات ( وثلاثون اذا كانت الاعدام ) حين انها خمس سنين فقط للجنح وسنتان للمخالفات ( م 528 اجراءات )
حادى عشر:- ان القانون قد فرق بين الجنايات والجنح والمخالفات فيما يتعلق بأثر الحكم غيابيا بالعقوبه من حيث نظام التقاضى نفسه لا مدته فحسب .ففى الجنايات تكون العقوبه المحكوم بها غيابيا ولو كانت مجرد الحبس خاضعة لوقت الحكم بها لنظام سقوط العقوبه بالتقاضى اسوه بالاحكام الحضوريه فلا يجوز من ثم الحكم بانقضاء الدعوى بالتقادم فى جنايه صدر فيها حكم غيابى اما فى الجنح والمخالفات فان الحكم الغيابى فيها – مادام لم يعلن للمحكموم عليه – هو مجرد اجراء من اجراءات الدعوى لا يترتب عليه الا قطع مدة تقادم الدعوى العموميه وتبدا من تاريخ صدوره مدة هذا التقادم .
ثانى عشر:- ان التصرف فى الجنايات بالأمر فيها بأن لا وجه لاقامتها لا يكون الا من المحامى العام او من يقوم مقامه دون غيره من وكلاء النيابه او مساعديها ( م 209اجراءات ) والا كان باطلاً حين يجوز صدور الامر بأن لا وجه لاقامة الدعوى فى الجنح والمخالفات من اى عضو من اعضاء النيابة .
ثالث عشر:- ان رد الاعتبار القضائى يتطلب ان يكون قد انقضى من تاريخ تنفيذ العقوبة او صدور العفو عنها بست سنين اذا كانت عقوبه جنائية وثلاث اذا كانت عقوبة جنحة ( م537/ثانيا اجراءات ) .
كما تتفاوت مدد رد الاعتبار بحكم القانون طبقا لما كانت العقوبة المحكوم بها هى عقوبة جناية او عقوبة جنحة ( 550 اجارءات ) .
التكييف بين القانونين الموضوعى والاجرائى
هكذا تظهر لهذا التوزيع الثلاثى للجرائم فى تشريعنا المصرى نتائج هامة فى القانون الاجرائى فضلا عن النتائج التى لمسناها فى نطاق الموضوع القانونى فيما سبق على انه من الملاحظ ان تكييف الواقعه على نحو معين يرتب من تلقاء نفسه جميع النتائج الموضوعيه والاجرائية المترتبة على هذا التكيف فلا توجد طريقتان له احداهما موضوعية والاخرى اجرائية كما لا توجد بالتالى حدود فاصلة بين نطاق كل من القانونين فى الاثار المترتبة عليه وقد اضطرت بعض المحاكم الى تكييف الواقعه فى القانون الموضوعى على نحو معين مترتب على هذا التكييف ما اقتضته الحال من اثار اجرائية كما ان بعضها الآخر استدل بخضوع الواقعة لقاعدة اجرائية معينة او عدم خضوعها – على حقيقة وصفها فى تقدير القانون الموضوعى ومن ذلك ان بعض الاحكام استدل فى تكييف الجرائم المقترنه بالاعذار القانونية المخففة بنوع المحاكم المختصة بنظرها ومدى جواز التجنيح فيها عندما كان جائزاً كما استدل بعضها الاخر بنفس هذه الاعتبارات على تكييف الواقعة فى العود المتكرر.
هذا من جانب ومن جانب اخر فان بعض القواعد الوارده بين نصوص الاجراءات الجنائية مثل تقادم الدعوى والعقوبة هى فى حقيقتها قواعد موضوعية او ذات موضوعية ولذا تلحق بها فى كثير من الاحيان خصوصا عند تعديل النص والبحث فى سريانه بأسر رجعى ومبدأ هذا السريان فتقادم الدعوى يشبه فى اثاره الى حد بعيد حكم البراءة بل ان المحاكم فى العمل تقضى عادة بالبراءة لمجرد هذا الانقضاء لا بسقوط الدعوى فحسب كما ان تقادم العقوبة يولد اثاراً تشبه اثار العفو عنها ولذا كان خطأحكم الموضوع فى هذا الشأن يعادل الخطأ فى القانون من حيث أثاره فمحكمة النقض تصحح الخطأ وتحكم طبقاً للقانون – اذا تحققت من الانقضاء – ولا يعاد البطلان فى الحكم او الاجراءات فلا تعاد المحاكمة من جديد اما نفس المحكمة التى اصدرت الحكم المنقوض مشكلة من قضاة اخرين .
على انه لا ينبغى المبالغة فى مدى اتصال تكييف الواقعة فى القانون الاجرائى بتكييفها فى القانون الموضوعى فكثيرا ما رأت محكمة النقض تعبتر جنحه لاقترانها بمثل عذر الاستفزاز الوارد فى المادة 237 ع فلا يخضع الشروع فيها من ثم للعقاب ولو انها فى القانون الاجرائى تختص بها بحسب الاصل محكمة الجنايات ثم تخضع فى الطعن لنظام الجنايات اعتداداً بالوصف الذى تقام به الدعوى لكنها عند تقادم العقوبه او الدعوى يصح من جديد ان تعتبر جنحة وتعامل فى احتساب المدة على هذا النحو اعتباراً لحقيقة وصف الواقعة فى تقدير القانون الموضوعى ومثل ذلك يمكن ان يقال فى احوال التشديد وبوجه خاص فى ذلك النوع من الجرائم ( قلقة النوع ) الا وهى جرائم العود المتكرر على خلاف فى التفاصيل بيناه فى ما سبق .
بل حتى فى نطاق الاجراءات الجنائية وحدها كثيرا ما رأت محكمة النقض ان الواقعه يصح ان تعتبر جنايه بما يتعلق بطرق الطعن الجائزه فيها اعتباراً منها للوصف الذى اقيمت به الدعوى ولكنها عند تقادم العقوبة تعتبرها جنحة اعتباراً للوصف الذى اعتمده للواقعة الحكم الصادر فيها على التفصيل الذى سنبينه فيما بعد وفى الواقع ان المشكلة فى تكيف الواقعة تظهر ذات طابع اجرائى بحت اذا لحق وصف الواقعه تغيير فى اية مرحلة من مراحل الدعوى من جناية الى جنحة او من جنحة الى مخالفة او بالعكس وهذا التغيير قد يكون نتيجة الاقتناع بقيام عذر قانونى او ظرف قضائى مخفف او لظهور حالة من حالات التشديد كالعود كما قد يكون بسبب مجرد الخلاف فى تأويل القانون او فى تطبيقه على الوقائع الثابتة وربما لصدور قانون جديد يغير من نوع الواقعة وهذا التغير قد يطرأ فى مرحلة التحقيق او الاحالة او المحاكمة او ربما عند نظر الطعن فى الحكم وقد يتغير الوصف اثناء ذلك اكثر من مرة واحدة فما العمل ؟
هل تكون العبره بالوصف القديم ام الجديد ؟ لذا اشرت فى مناسبة سابقة الى ان الوصف فى القانون الاجرائى هى فى حقيقتها مجرد تشكيلة تعيين وقت هى ان نجيب جوابا شافيا على هذا التساؤل وهو متى يحدث الوصف الجديد اثره؟
حين انها فى القانون الموضوعى مشكلة تعين نوع بكل معنى الكلمة .
ومع تباين طابع المشكلة على هذا النحو بين كل من القانونين فانه لا ينبغى ان يفوتنا انها فى النهايه مشكلة واحدة ذات شقين فينبغى ان تعالج منهما معاً وبصرف النظر عن تغيير الطابع لأن تكييف الواقعة من حيث اعتبارها جناية او جنحة او مخالفة لا يمكن ان ينفصل عن تحديد الوقت الذى ينبغى فيه اعتبارها من وصف معين دون اخر اذا ما لحق هذا الوصف تغيير فى اى وقت من الاوقات فانه على الأمرين معاً يتوقف ترتيب ما يستتبعه التكيف من اثار جديرة بالأعتبار لذا فقد بدأ لنا عسيراً فى مبدأ الامر تقسيم مشكلة تكيف الواقعه الى شقين مستقلين يعالج اولهما الموضوع فى نطاق القانون الموضوعى وحده ويعالج ثانيهما فى نطاق القانون الاجرائى وحده رغم انطقاء الحدود الفاصله بين هذا وذاك ولكننا قد اثرنا فى النهاية اعتماد هذا التقسيم اساسا للبحث على اساس محاولة النظر الى نفس الموضوع من وجهة اولى غلبنا فيها الناحية الموضوعيه باعتبارها اساسا للبحث وهدفاً له مقصودا لذاته دون اخلال بالنواحى الاجرائيةالتى اثيرت بصفة عرضية كضرورة للتدليل على صواب نظر معين او عدم صوابه حين نريد ان نغلب هنا هذه الناحية الاجرائية البحث باعتبارها الهدف من البحث دون غيرها كوجهة ثانية له لا تقل فى خطورتها عن سابقتها بل لعلها تفوقها من الناحية العلمية .
المبحث الثالث
العوامل التى تؤدى الى خطأ فى تكييف الواقعة .
ان تحليل هذه المؤثرات تحليلاً وافيا مشمولا بضرب الامثله الواقعية مهمة ضخمة وان كان لابد منها على صوره مقتضبه ولا مانع قبل سرد تلك المؤثرات بالتفصيل من تأصيلها فى شيمه معينة هى بيت الداء هذه الشيمة هى ان المحقق او القاضى حريص على ان يجعل لشخصه السيطرة على الحقيقة مع ان عليه ان يترك للحقيقة السيطرة على شخصه اذ يجب ان يتخلى عن نوازع الاعتداد بالنفس والعجب بها ويسلم بقصور نفسه وبأن الأصل فيها هو العجز و الضعف امام هول المهمه التى دعيت للنهوض بها والا فأن من محض سجل الحقيقة يتحول من حيث لا يدرى الى طرف الخصومة بشأنها .
ان ادراك الحقيقة معناه مرورها خلال نفسية الناظر اليها بقدر هذا النظر ومداه ثم خلوصه منا بصوره تتوقف على ما فى نفسيته من المحاسن والمساوئ وبالتالى تتفاوت صورة الحقيقة جوده وسوءاً باختلاف الناظرين الى الحقيقة ذاتها فتختلف صورة الحقيقة باختلاف النفسية التى التقطها كما يتوقف عمق الشعور بالحقيقة وعمق الافصاح عنها على نوعية هذه النفسية فقد يكون امر ما واضحا لانسان ولا يكون بذات الوضوح لانسان اخر والتقاط الحقيقة كما يتم بمعاينتها مباشرة يجرى باستخلاصها من معاينة الاخرين لها مع فى هذه المعاينة من تأثر كذلك بنفسية من اداها كما فى استمداد الحقيقة من اقوال الشهود والخبراء ويشبه التقاط الحقيقة ادراك سبب المرض فى عملية التشخيص الطبى فقد يتعلق الطبيب بعرض ما من الاعراض ليفسره بوجود مرض من الامراض يكون هو المرض القائم فعلا لأنه فات الطبيب ان يدرك اعراضا ً اخرى او معطيات اضافية كان من شأنها ان تغير ما انتهى اليه من رأى خاطئ وربما قاتل للمريض .
فكما يحدث هذا فى التشخيص الطبى كذلك فى فهم الواقعه المطروحه على القاضى من حيث مغذاها وبواعثها والجانى الذى صدرت منه حقيقة وهو يفهم الواقعة عادة على ضوء التجارب الماضى ويفسر وقوعها مبدئياً لاستنتاج مجرد يظل مسيطراً عليه بينما يكون من الواجب العدول عنه تباعا لنظره اقصر سمواً لا تحيط بمعطيات القضية كلها .
وترجع هذه الافه الى ما يأتى من الاسباب الشائعة :
اولا:-
ان المحقق او القاضى يحكم اكثر مما يتفرس ويدرك وبالتالى يحكم بظلم اذ يظن الواقعة مماثلة لشبيهات بها حدثت فى الماضى او من المنصور حدوثها من ان الواقعه المطروحة خصوصيه متميزة وتختلف عن تلك التى جعلها القاضى معها شيئاً واحدا ومعنى ذلك هو المغالاة فى الثقة بالنفس وفى الطمأنينة الى حكمها والسبق الى الرأى قبل اكتمال عناصر انطباعة والتزامه دون اى استعداد للرجوع عنها اما خمولا عن بذل اى جهد اضافى واما انصياعه للميل الى عدم تخطئة النفس ولو استبان احتمال خطئها ومن اجل ذلك يقع على عاتق القاضى فى بداية التحقيق التزام بأن يكون كالأبره المغناطيسية ينجذب صوب كل اتجاه تتوافر فيه قوة جاذبيه حتى يتبين له الخيط الابيض من الخيط الاسود .
ثانيا : الاغراق فى تفاصيل ليست ذات بال بالقياس الى النواهى المركزية للواقعة وربما ابداء ذكاء خارق ومذهل فى تفهم تلك التفاصيل وانما مع القصور التام والعجز المطلق عن استخلاص النواه المركزية وبيت القصيد وهذا عيب يعتبر عكسياً بالنسبة لسابقة ولكنه عيب هو الاخر لان العيب السابق اهتمام بالتأصل دون التحليل بينما الثانى اهتما بالتحليل دون التأصيل او دون القدره عليه.
ثالثاُ التقيد : بأثر العادات الفكرية الراسخة فى عمق النفس والتى ينشأ عنها استصاغة للأشخاص او استثقال لظلمهم على حسب مظهرهم فقد يكون شاهد ما قبيحا رث الثياب ومع ذلك يصيب بشهادته كبد الحقيقة وقد يكون شاهد ما انيق المظهر واللفظ خفيف الظل ويبدى مع ذلك زورا وبهتانا وكذباً صراحاً اضف الى ذلك ان الشخص زائع الصيت وبالغ المجد قد لا يكون فى شهادته صادقاً لغرض فى نفسه لأن كل مرتفع مهدد بالسقوط قد يسقط سقوطا عظيما وراعى القانون مثل هذه الآفه لدى القاضى حين اجاز له التنحى كلما استشعر حرجاً فى قضية لصديق من اصدقائه والواقع ان من القضاه من يحابى صديقه ومنهم يحدث لديه العكس وهو انه لفرط خوفه من محاباة صديقه ينتهى به الامر الى ظلم صديقه فتفادياً لهذا الأثر او ذاك لا يكون امام القاضى سوى ان يتنحى اذا شاء ولقد دلت التجارب على ان الاسرار الى اذن القاضى بأمور ما عن القضية على لسان صديق او صديقه او خادم شخصى او اى شخص مقرب اليه يطبع فى ذهنه صوره عن القضية من العسير ان تمحى بعد ذلك عند نظر القضية مهما كانت الصوره مجافيه للحقيقه فالقاضى يظن انها الحقيقة ويحارب كل ما عداها معتبراً اياها زيفاً فآفة الآفات هى الاستسلام لفكرة مكونه سلفاً بدافع استساغه ظل بعض الأشخاص الأنتهاء بهذه الفكرة عن واجب التحرى والسمعى الى الحقيقة والغوص الى اعماقها .
رابعاً وضع المحقق او القاضى نفسه دون مناسبة موضع المتهم او موضع المجنى عليه في حين ان هناك فرقاً بيناً من حيث الحياه والظروف والتربيه والبيئه بينه وبين هذا وذاك فمن قبيل وضع القاضى نفسه وضع المجنى عليه ان يكون هذا مدعياً مدنياً يطلب التعويض فى تهمة اغتصاب جنسى لاحدى بناته فأذا كانت للقاضى بنات نزع للشدة والقسوة على المتهم واذا كان له اولاد ذكور دون بنات اعتبر القضيه شبه ابتزاز للمال من المتهم ومن قبيل وضع القاضى نفسه مكان المتهم ان تكون التهمه مثلا هى الزنا والمفروض انه مع امراءة متزوجة فأن كان القاضى متزوجا اشتد ت قسوته على المتهم وان كان اعزب فأنه يحكم عدم خبرته بشعور الزوجية وكيف تسلمه واقعة الخيانة قد يعامل المتهم بالرأفة فيتعين للتخلص من مثل هذه الآفة ان لا يقابل القاضى بين نفسه وبين احد اطراف القضية المعروضه عليه لانه لا توجد مناسبة لذلك ويكون من الواجب عليه فى رقابته على نفسه لنفسه ان يتجرد من شعور يمكن ان يوجد صله شخصية بينه وبين القضية المعروضه عليه تجعله كما لو كان طرفاً فيها .
فعليه ان يقيم مسلك المتهم فى القضيه الجنائية او مسلك اى خصم فى قضيه مدنية بمعيار موضوعى يسترشد فيه فضلا عن حقيقة الأمر الواقع بالقيم الخلقيه العليا .
خامساً :- تأثر المحقق او القاضى بتجربه شخصيه مريره الى حد يجعله ميالاً الى ان يقيس عليها الواقعه المطروحة عليه رغم التباين التام بين هذه الواقعه وبين تلك التى كانت موضوع تجربته الماضيه من هذا القبيل ان يكون ضحية لزنا ارتكبته زوجته مثلا فتطرح عليه تهمة زنا اتهمت به زوجة انسان نسب اليها انها خانته مع ابن اخته فيسارع على الفور لا فقط بالادانه القاسيه للمتهمه وانما بتخطئتهما ونسبة الواقعة اليهما دون اى نظر فى ادلة الثبوت وبغير اى تقيم لهذه الادلة بينما يتضح مثلا ان المتهمين بريئان من التهمة وان الزوج المبلغ مصاب بمرض عقلى وهو جنون الغيره .
سادساً :- كراهية المحقق او القاضى لصنف من القول او فئةمن الناس او تعاطفه على العكس مع صنف ما او فئة ما مع ما فى تلك الكراهية والتعاطف من خطر الاستسلام لهما والقصور عن التقاط الحقيقه لما يخيم بسببها على ملكة الوعى من غشاوة وسبق ان اشرنا الى ذلك .
سابعاً :- امتلاء المحقق او القاضى بغرور شخصى يجعله دعى معرفه حتى فى مجال لا تخصص له فيه ولا معرفه تغنيا بالمبدأ القائل بأن القاضى خبير الخبراء ووضعاً بهذا المبدأ فى غير موضعه دون ترجيح بين خبير وخبير .
ثامنا ً : التأثر بما يسمى الصدفه الحرجة بينما الحقيقة الواقعية مختفية وراء حقيقة الاجرائية المفتعلة او الصدفه الحرجة .
فلو فاجأ زوج زوجته متلبسه بالزنا فامسك وفى يده منديل بسكين مطبخ عليه بصمات زوجته وقتل بهذا السكين شريكها الذى زنت معه فوجهت الى الزوجه تهمة قتل عشيقها لخلاف بينهما حول ثمن هذه العلاقة او لغيرة جنسية فان هذا الاتهام رغم انه يمثل ما يسمى بالحقيقه الاجرائية او الصدفه الحرجه ليس للقاضى امامه ان يصم اذنيه عن الاستماع الى ما يلح به الدفاع عن المتهمة من ان القاتل هو زوجها اذ يتعذر دائما ً ظهور الحقيقة كلما اعترض القاضى طريق الخصومة وعرقل حريتها فى ابداء ما يعنى لهما من وجوه المدافعه .
تاسعاً شواغل العيش المادى مضافه الى ضخامة العبئ الوظيفى تحدث خللا فى صفاء الملكات الذهنية قد يكون معززاً كذلك بخلل فى فسيولوجيا الجسم وافرازات غدده لمرض من الامراض فيفهم القاضى الواقعه على غيرحقيقتها ويقحم عليها ماليس فيها .
عاشراً :- ضيق صدر المحقق والقاضى واستشعاره دون وجه حق بانتقاصاً من قدرة لقاء كل من يسهب امامه فى الشرح كما لوكان يلقى امامه محاضره وهو فى غناء عنها هنا تبدو من جانبه ظاهرة ان يناقض حباً فى المناقضة او يعنف شاهداً او ان يسكت محامياً وهذا كله يضع العراقيل فى سبيل تكشف الحقيقة .
حادى عشر:- خنق شخص كاتب الجلسة وتقييد حرية المحامى وذلك فى ما يتعلق باثبات مجريات الجلسة الامر الذى تبدو اهميته بصفه خاصة فى قضاء الدرجة الاولى وما يباشره القضاء الاستئنافى من رقابه عليه
ثانى عشر : ترجمة المحقق او القاضى لاقوال الشاهد على نحو خاطئ وانما بحسن نيه واثبات امور على لسانه تختلف عن حقيقة اقواله وما يقصده منها . وهذه ظاهرة عامة اى ان كانت اللغة التى يتكلم بها الشاهد بلهجة محلية تحتاج الى معرفة وخبرة بها وفهم لألفاظها ووجوه استخدام هذه الالفاظ وكثيرا ما ينشأ عن ترجمة اقوال الشاهد بدلا من تسجيلها على علاتها وبحزافيراها ان تتشوه الامور سواء فى قضاء الدرجة الاولى او فى قضاء الدرجةالثانية بطريقة تحجب الحقيقة عن الظهور وتفوق معها جزئية كان من شأنها ان تجرى الامور على غير ماجرت عليه ولذا ينصح القضاه بان يباشر القاضى عمله فى مسقط رأسه وانما خارج موطن ميلاده ودائرته الانتخابيه ايضاً .
ثالث عشر : ان ينشد القاضى المجد الشخصى بدلا من القناعة براحةالضمير ومرضاة الله تعالى فيحرص على ادانة انسان ساد لدى الرأى العام وفى وسائل الاذاعه انه المذنب الحامل لوزر الجريمة فيحس القاضى بميل تلقائى الى تخطئته وحرج تلقائى من تبرئته ولا ينظر بعين الثقه الى اى وجه من والوجوه المبدا لصالحه وقد تكون وجوه جديره بكل اعتبار وتسمى هذه الظاهره بتملق الجماهير وهى طامة كبرى اى ايا كان مجال تحققها وانما هى كذلك فى مجال القضاء على وجه خاص.
.................
السيد الأستاذ المستشار/ عبد الفتاح مراد
رئيس محكمة الأسكندرية
شاركنا بتعليقك...