التعريف بالتنفيذ:
يقصد بالتنفيذ المراد من دراستنا ،استيفاء الدائن لحقوقه بموجب سند تنفيذي ،اي تحت إشراف القضاء و رقابته.
فتفاديا للفوضى و تحقيقا للمبدأ القانوني القائل بأنه لا يجوز للشخص أن يحكم لنفسه بنفسه ، فإنه يجب في حالة تملص المدين من مسؤوليته بالوفاء ، استعانة الدائن بالسلطة العامة لاستيفاء حقه جبرا من المدين.
و إن هذا النوع من التنفيذ هو المعروف بالتنفيذ الجبري و الذي سيكون محل اهتمامنا.
ولقد مكن المشرع الدائن من بعض الوسائل المفيدة في إجبار المدين على الامتثال عينا لالتزامه و للقضاء على تعنته و مماطلته ، كالإكراه البدني الذي كان مقرر بالمواد من 407 إلى 412 من ق إ م الملغى .
إلا أنه و بانضمام الجزائر للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية الصادر عن هيأة الأمم المتحدة لسنة 1966، و مصادقتها عليه بموجب المرسوم الرئاسي 89/67 المؤرخ في 16 ماي 1989 ، أصبح الإكراه البدني في حكم الملغى بالنسبة للديون المدنية ، ذلك أن المادة 11 من العهد تنص على أنه " لا يجوز سجن أي إنسان بمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي "
ما أقر المشرع وسيلة أخرى للتنفيذ تعرف بالغرامة التهديدية المنصوص عليها بالمواد 305 و 625 ق إ م إ ، و التي تهدف هي الأخرى للتغلب على مماطلة المدين في التنفيذ ، فإن أوفى بعد تسليطها عليه أمكن إعفاؤه منها من طرف القاضي و فرض عليه تعويض عن الـتأخير بناءا على طلب الدائن .
و تجدر الإشارة بشأن هاته الوسيلة أنها تدخل ضمن السلطة التقديرية للقاضي الفاصل في موضوع النزاع أو لقاضي الاستعجال أحيانا و هو ما يتأكد من المادتين السالف ذكرهما و من المواد 980 ق إ م إ و ما بعدها .
أركان التنفيذ :
يقوم التنفيذ على ثلاثة أركان أساسية : أشخاص ، محل و سبب
أ / أشخاص التنفيذ:
يمكن حصرهم في طالب التنفيذ ، المنفذ عليه و القائم بالتنفيذ ،إضافة إلى بعض الأشخاص الذين قد يتدخلون أثناء التنفيذ كالغير أو الخلف أو السلطة العامة ...
1/ طالب التنفيذ :
هو الطرف الإيجابي للتنفيذ أي من يجري التنفيذ لصالحه سواء كان دائنا عاديا أو مرتهنا ،... طالما أنه صاحب حق ثابت بمقتضى سند تنفيذي . و لما كان هذا الحق قابل للإنتقال بانتقال الحق الموضوعي ، فإنه يجوز لخلف الدائن مباشرة الإجراءات في مواجهة المدين شرط إثبات صفته في التنفيذ لصالحه .ففي حالة وفاة المستفيد من السند التنفيذي مثلا جاز لورثته الحلول محله في المطالبة بالتنفيذ شرط استظهار الفريضة ( م 615 ق إ م إ) ، كذلك الحال إذا فقد أهليته قبل بدء إجراءات التنفيذ أو قبل إتمامها ، فإنه يقوم مقامه من ينوب عنه قانونا (م 615 / 2 ق إ م إ ).
2/ المنفذ عليه :
هو الطرف السلبي في التنفيذ أي من يجري التنفيذ ضده سواء كان الممدين الأصلي أو كفيله أو مسئوله المدني و الواردة أسماؤهم في السند التنفيذي ، و صفة الطرف السلبي كالإيجابي تثبت أيضا للخلف سواء كان عاما كالورثة أو خاصا كالموصى له ، فيمكن التنفيذ عليهم بإتباع القواعد و الإجراءات المقررة قانونا ،ذلك أن لطالب التنفيذ أن يتبع المال في أي كان ، ففي حالة وفاة المدين مثلا ، لا يمكن قسمة أمواله بين الخلف إلا بعد سداد الديون، كذلك الحال إن فقد أهليته ،فإن التنفيذ سيستمر على من يقوم مقامه بعد تبليغه و إلزامه بالوفاء (م 612 و ما بعدها ق إ م إ ) ، و نفس الشيء إن انتقل المال محل التنفيذ إل الموصى له ، فرغم انتقال الملكية يبقى المال ضمانا لحق طالب التنفيذ الذي وجب عليه الحصول على سند تنفيذي جديد ضد الموصى له ، فلا يصح التنفيذ بموجب السند الصادر ضد الموصي.
3/ المكلف بالتنفيذ:
بما أن الدائن لا يمكنه اقتضاء حقه بيده ، فقد نظم القانون هيأة خاصة مكلفة بالتنفيذ هي المحضر القضائي الذي يتمتع نظرا لممارسته لمهنة حرة بنوع من الاستقلالية المالية و الإدارية ، إلا أنه و بالرغم من هاته الاستقلالية ،إن المحضر يعمل تحت رقابة وكيل الجمهورية التابع للمحكمة الواقعة في دائرة اختصاصه ، كما أنه يظل مسئولا مدنيا و جزائيا عن الأفعال الصادرة عنه بمناسبة آداء مهامه,
و عموما يقوم المحضر بدوره في تنفيذ الأوامر و الأحكام و القرارات القضائية عدا المجال الجزائي ، وكذا المحررات و السندات التنفيذية ،كما يقوم بتحصيل الديون المستحقة أو قبول عرضها أو إيداعها.
ب / محل التنفيذ:
يقصد به الشيء أو المال الذي يجري التنفيذ عليه ، سواء كان منقولا أو عقارا ، و تحكم محل التنفيذ عدة قواعد يمكن حصرها فيما يلي:
ـ أن كل أموال المدين يجوز حجزها ذلك أنها ضامنة للوفاء بديونه و لو حتى كانت مثقلة برهون أو امتيازات لدائن ما ، و يتم الحجز بدءا بالمنقولات ، فإن كان مقدارها لا يغطي قيمة الدين و المصاريف انتقل التنفيذ إلى العقارات ( م 620 ق إ م إ) .
ـ أن يكون محل التنفيذ ملكا للمدين أو كفيله ، فلا يقبل التنفيذ على مال تصرف فيه المدين فبل الحجز ، كما لا يقبل التنفيذ على مال شركة استفاءا لدين على أحد الشركاء و إلا بطل التنفيذ ,
ـ أن يكون محل التنفيذ مالا سواء كان هذا المال حقا عينيا أو شخصيا، فلا يجوز التنفيذ على شخصه إلا في حالات استثنائية، كما لا يجوز التنفيذ على حقوقه الأدبية كبراءة اختراع أو شهادة علمية...
ـ الدائن حر في اختيار أي مال من أموال المدين للتنفيذ عليها باعتبار أن كل أمواله ضمانا لديونه ، إلا أنه لا يجوز قانونا التنفيذ على العقار قبل المنقول ( م 620/ 3 ق إ م إ) ، ما لم يكن العقار ضمانا خاصا للدين ، فهنا يجوز للدائن المرتهن التنفيذ مباشرة على العقار ،وعلى الدائن أن يحدد المال المراد الحجز عليه كرقم حساب المدين أو رقم تسجيل مركبته ...
ـ لا يشترط التناسب بين مقدار الدين و قيمة المال محل التنفيذ، إلا أنه يشترط عدم إثراء الدائن على حساب المدين، فلا يمكنه تحصيل كامل قيم المال المحجوز، بل له أن يكتفي بما يساوي دينه و مصاريف تحصيله لا غير م 621 ق إ م إ
ـ يجب أن يكون محل التنفيذ مما يجوز الحجز عليه و إلا كان التنفيذ باطلا، و لقد حددت المادة ( 636 ق إ م إ ) حصرا مجموعة الأموال التي لا يجوز الحجز عليها و التي من بينها الأموال العامة للدولة، و للجماعات الإقليمية و للمؤسسات الإدارية ، الأموال الموقوفة ، أموال السفارات الأجنبية ،... و بالإضافة إلى ما نصت عليه هاته المادة ، هناك أموال أخرى لا يجوز الحجز عليها نظرا لطبيعتها كالحقوق المعنوية بما فيها حق الملكية الأدبية و الصناعية و الفنية و العلمية ،...
ج / سبب التنفيذ:
للتنفيذ سببين متكاملين لا بد من اجتماعهما في آن واحد ، يتمثل الأول في الحق الموضوعي الذي يتم التنفيذ لأجل اقتضائه ، و الثاني في السند التنفيذي الذي يجب ألا يبقى مجرد حبر على ورقة لا قيمة لها عمليا . ويشترط في الحق الذي يتم التنفيذ لاقتضائه عدة شروط لا يجوز التنفيذ إلا بوجودها و هي أن يكون هذا الحق محقق الوجود، معين المقدار و حال الأداء,
و متى توافر هذا الحق و توافرت شروطه مجتمعة ، أمكن اقتضاؤه بطرق التنفيذ الجبري شريطة أن يكون بحوزة طالب التنفيذ سند يمكنه من مباشرة الإجراءات و يدل على وجود الحق الموضوعي المراد تحصيله .
فلا يجوز التنفيذ من غير سند مستوف للشكل المقرر قانونا و الذي يزوده بالقوة التنفيذية ما لم تثار منازعة في التنفيذ. و لقد وردت السندات التنفيذية على سبيل الحصر في المادة 600 ق إ م إ التي قسمتها إلى سندات قضائية و أخرى غير قضائية.
شاركنا بتعليقك...