مقدمة :
لم يعمد المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود إلى تعريف العقد. لذلك تولى الفقه هاته المهمة إذ عرفه الأستاذ مأمون الكزبري بأنه : "توافق إرادتين على إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه". وبصورة أدق تعبيرا هو توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني[1]".
وبالرجوع إلى القوانين المقارنة نجد المشرع الفرنسي قد عرف العقد بأنه "اتفاق بمقتضاه يلتزم شخص أو عدة أشخاص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين بإعطاء شيء أو بفعله أو الامتناع عن فعله"[2].
وبذلك نجد المشرع الفرنسي لم يميز بين لفظ العقد والاتفاق، وهذا ما سار عليه المشرع المغربي، إذ نجده ثارة يعبر بلفظ العقد وأحيانا أخرى بلفظ الاتفاق، وأحيانا يجمعهما في نص واحد[3].
ولكي يتم التعاقد في صورته النهائية لابد من تعبير كل من المتعاقدين عن إرادته في إتمام التعاقد والإرادة هنا هي تلك الإرادة المتجهة لإحداث أثر قانوني معين فيصدر إيجاب يليه قبول مطابق له.
وبالتالي إن توافقت الإرادتين وتطابق الإيجاب والقبول وفقا لما هو معروف في نظرية العقد. فإن التعاقد يأخذ صورته النهائية، لكن قد يسبق مرحلة التعاقد مرحلة تمهيدية وهي ما يمكن تسميته بالاتفاقات التمهيدية للعقد.
وبالرجوع إلى المشرع المغربي فإنه لم ينظم هاته العقود أو الاتفاقات التمهيدية بشكل صريح وإنما تمت الإشارة إليها بشكل ضمني مما جعل الفقه يؤسس لها.
حيث عرفها بعض الفقه[4]بأنها :
"كل عقد يهدف إلى إبرام عقد نهائي. وهي لا تتضمن الإيجاب فقط بل تتكون من إيجاب وقبول".
وعموما هذه الاتفاقات الممهدة للعقد كثيرة نذكر منها العربون، تبادل المعلومات، والعقد الابتدائي والوعد بالتعاقد...إلخ، لذلك اعتمدنا في موضوعنا على دراسة بعض نماذج هاته الاتفاقات.
إذن ماهي أهم هاته النماذج؟ وما موقعها ضمن الترسانة القانونية؟ وما مدى تدخل القضاء لحماية الأطراف خلال هذه المرحلة ؟
كلها إشكالات سنحاول الإحاطة بها من خلال التقسيم التالي :
- المبحث الأول : دراسة لبعض نماذج الاتفاقات التمهيدية.
- المبحث الثاني : تدخل القضاء في مرحلة الاتفاقات التمهيدية.
المبحث الأول : دراسة لبعض نماذج الاتفاقات التمهيدية
إذا كان بالإمكان إبرام بعض العقود بسرعة دون أن نتخذ وقتا مستفيضا للتفكير فيها، فالوضع قد يختلف بخصوص عقود أخرى بما فيها البيع، إذ أن هناك مهلة تفصل بين نشوء الالتزامات وإبرام العقد النهائي، وتشمل هذه المرحلة السابقة على البيع النهائي عدة أنواع سنكتفي منها بكل من الوعد بالتعاقد والعربون (المطلب الأول) أن ندرس العقد الابتدائي (المطلب الثاني).
المطلب الأول : الوعد بالتعاقد والعربون
يذهب بعض الفقه على أن هناك علاقة وطيدة بين أهمية البيوع ومدة تكوينها: حيث إن إبرام العقد النهائي غالبا ما يمر بعقود ممهدة[5]كما هو الشأن بالنسبة للوعد بالتعاقد الذي يشمل الوعد بالبيع أو بالشراء والوعد بالتفضيل (الفقرة الأولى)، وفي بعض الأحيان يتم اللجوء إلى مؤسسة العربون (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الوعد بالتعاقد
قد يحدث في الواقع ألا يتفق المتبايعان على أن يبرم البيع المقصود مباشرة، بل يقتصر الاتفاق على أن يعد إحداهما الآخر بإبرام البيع معه، إذا رغب هذا الأخير في ذلك خلال مدة معينة، وهنا يتحقق الوعد بالتعاقد الذي يتخذ عدة صور منها أساسا الوعد بالبيع أو الشراء ثم الوعد بالتفضيل[6].
ويمكن تعريف الوعد بالتعاقد بأنه اتفاق بموجبه يتعهد أحد طرفيه أو كلاهما بإبرام عقد آخر نهائي مع تحديد شروطه الأساسية بصورة مسبقة[7].
وهو كثير الوقوع في حياتنا المعاصرة بل إن التطور العمراني والاقتصادي أصبح يلح على تنظيمه بكيفية دقيقة[8].
1-الوعد بالبيع أو الشراء : على خلاف بعض التشريعات العربية التي نظمت الوعد بالتعاقد عادة، والوعد بالبيع أو الشراء خاصة، لم ينظم المشرع المغربي هذا النوع من الاتفاق سيرا على نهج المشرع الفرنسي، واكتفى بالإشارة إليه ضمن نصوص متناثرة يشوبها الإبهام والغموض في حل مشكل الوعد بالبيع أو الشراء[9].
يذهب الفقه القانوني إلى تناول الوعد بالبيع أو الوعد بالشراء، ضمن الاتفاقات التمهيدية التي تسبق إبرام العقد النهائي، ذلك أن العقود التي تكون ذات أهمية خاصة غالبا ما تكون مسبوقة باتفاقات تمهيدية تهدف لتحقيق أغراض متنوعة. من ذلك الرغبة في توفير المزيد من الوقت للتأكد من تسوية الوضعية القانونية للعقار. أو الرغبة في الحصول على القروض أو التمويل الضروري لعملية البيع بهدف الحصول على التراخيص الإدارية اللازمة لذلك فإنه غالبا ما يسبق إبرام العقد النهائي وعدا بالبيع يعرب فيه طرفي العقد أو أحدهما عن رغبته في التعاقد النهائي[10].
الوعد الملزم لجانب واحد بالبيع :
تجدر الإشارة إلى أن الوعد الملزم لجانب واحد ليس التزاما بإرادة منفردة، بل هو عقد ناتج عن اتفاق إرادتين أو أكثر[11].
فالوعد في عقد البيع يتضمن إيجابا وقبولا حول المبيع ممن يعتمد بأهليته، والثمن النقدي، طبقا لمقتضيات عقد البيع، ليرتب هذا الوعد التزامات في ذمة الواعد والموعود له لكن هذه الالتزامات توقف ولا تنفذ إلا عند حلول الميعاد وإبرام عقد البيع النهائي وهي التزامات ترتب مسؤولية المتعاقد بشكل مؤقت، فمتى أخل بها إلا وسببت ضررا لأحدهما[12].
وعموما فالوعد بالبيع الملزم لجانب واحد يتطلب مجموعة من الشروط بعضها موضوعيا والأخر شكلي، فبخصوص الأولى فإنه ينبغي تحديد الشيء محل الوعد وأيضا الثمن طبقا لنفس مقتضيات البيع، حيث إن جميع العناصر المتطلبة لهذا الأخير ينبغي أن تتحقق في الوعد بالبيع الملزم لجانب واحد مادام أنه يكفي المستفيد أن يمارس الخيار لكي يصبح البيع تاما، لهذا الاعتبار فإنه ينبغي أن يكون الواعد متمتعا بأهلية التصرف في الشيء محل الوعد[13].
أما من الناحية الشكلية، فإن الوعد يخضع بصفة عامة للمبدأ العام المتعلق بالرضى مع مراعاة مقتضيات الإثبات، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بإعداد بيع يخضع لمجموعة من الشكليات فإنه ينبغي للوعد أن يحترمها.[14]
· أما بالنسبة لآثار الوعد بالبيع فيتعين لمعرفتها التمييز بين مرحلتين :
المرحلة الأولى : وهي مرحلة ما قبل تعبير الموعود له عن إرادته وتتميز :
ü باستمرار الواعد كمالك للشيء أو الحق الموعود ببعيه للغير ويترتب عليه عدة نتائج وأهمها: يحق للواعد أن يتصرف في المال موضوع الوعد تصرفا لا يضر بحقوق الموعود له، تكون تبعة هلاك المال الموعود به على عاتق الواعد خلال مدة الوعد وقبل إبرام البيع النهائي، يتحمل الواعد كمالك مختلف الضرائب والتكاليف المترتبة عن العقار، يتملك الواعد مختلف ثمار وحاصلات الموعود ببيعه.
ü ثبوت حق شخصي للموعود له بالبيع : فخلال هذه المرحلة يرتب الوعد بالبيع الذي انعقد صحيحا مجرد حقوق شخصية تتجلى في التزام الواعد بما وعد به طيلة المدة المتفق عليها. والتزامه هنا هو التزام بعمل هو نقل ملكية المال الموعود به.
المرحلة الثانية : وهي مرحلة ما بعد تعبير الموعود له عن إرادته بشأن الوعد. فإذا انعقد الوعد صحيحا فإنه ينتج آثاره القانونية، حيث يحق للموعود له الاختيار بين رفض الشراء أو الموافقة عليه، فإن رفضه سقط حقه وتحلل الواعد من وعده
أما إذا وافق على الشراء خلال الآجل المحدد موافقة صريحة أو ضمنية كأن يتصرف في الشيء الموعود ببيعه له تم البيع النهائي. وانتقال الملكية إلى الموعود له المشتري يتم بمجرد موافقته على الشراء إذا كان محل الوعد منقولا، أما إذا كان محل الوعد عقارا فلا يحدث انتقال الملكية إلا إذا اقترحت الشكليات المتطلبة قانونا بالنسبة للعقار المحفظ وهي بالخصوص الكتابة والتقييد في الرسم العقاري.
بقي في الأخير الإجابة عن سؤال هام يندرج ضمن الوعد في عقد البيع، هل الوعد ببيع عقار محفظ يخضع للتقييد النهائي في الرسم العقاري أم لا ؟
لقد انقسم الفقه إلى اتجاهين رئيسيين للجواب عن السؤال المطروح :
الاتجاه الاول :عبر عنه الأستاذ لـ (paul decroux) الذي يرى بأنه يمكن للموعود بالبيع في ظل التشريع المغربي أن يطلب تقييد حقه في السجل العقاري استنادا إلى الفقرة الخامسة من الفصل 69 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري التي تنص على إمكانية تسجيل أي "قيد على الحق في التصرف".
الاتجاه الثاني :وهو الغالب قال به عدة فقهاء من بينهم "مأمون الكزبري" الذي يرى بأن عبارات الفقرة الخامسة من الفصل 69 لا تجيز تسجيل القيد الوارد على الحق في التصرف أو أي تقييد آخر كالوعد بالبيع إلا تبعا لتسجيل الحق الأصلي. ويرى الأستاذ عبد الحق صافي ان هذا الاتجاه هو الصحيح فلا يسوغ إجراء تقييد نهائي لوعد ببيع عقار محفظ لأن هذا الوعد لا يمنح للموعود له قبل موافقته على الشراء خلال الآجل المحدد سوى حقوقا شخصية وقد أيد هذا الاتجاه الاجتهاد القضائي.
الوعد بالشراء الملزم لجانب واحد :
الوعد بالشراء يشكل الوجه المقابل للوعد بالبيع، أي أنه في هذا النوع من الوعد فإن الواعد هو المشتري الذي يلتزم بشراء الشيء إذا قرر المالك أي المستفيد من الوعد بيعه وبحسب الفقه، فإن هذا النوع من العقود قلما يوجد بشكل مستقل، كما هو الحال بالنسبة لتنظيم البورصة الذي يجبر أحيانا الأكثرية بشراء أسهم الأقلية داخل أجل قصير.
ولصحة الوعد بالشراء الملزم لجانب واحد، فإنه يتعين أن يتم تحديد الشيء محل الوعد والثمن بحسب القواعد المطبقة على البيع نفسه، حيث يكفي المستفيد ممارسة حق الخيار لكي يكون البيع تاما[15].
2-الوعد بالتفصيل :
ترجع جذور الوعد بالتفضيل إلى ما قبل القرن 19 إلا أن له تطبيقات حديثة تلائم الظروف الحالية، وكما هو الشأن بالنسبة للوعد بعقد فإن الوعد بالتفضيل جاء ليستجيب للعديد من الحاجيات البشرية، كما هو الشأن بالنسبة للتاجر الذي يخشى من تملك أحد منافسيه لمحل مجاور له فيحصل من مالك العقار على وعد بتفضيله عند بيعه.
يعد الوعد بالتفضيل أحد الاتفاقات التمهيدية السابقة على إبرام عقد البيع بشكل نهائي ويعرف الوعد بالتفضيل أو بقت التفضيل حسب الأستاذ محمد شليح " بأنه ذلك العقد الذي بمقتضاه يلتزم أحد طرفيه بالامتناع عن عرض عمل معين على الغير قبل عرضه على المتعاقد معه خلال أجل"[16].
ومما ينبغي الإشارة إليه هو أن الفقه لم يتفق على مدلول واحد للوعد بالتفضيل ذلك أن هناك جانب مهم من الفقه يطبق من مدلوله، حيث يرى أن الوعد بالتفضيل ما هو إلا صورة من صور الوعد بالبيع، وفي مقابل هذا الاتجاه هناك جانب آخر من الفقه يوسع من مدلول الوعد بالتفضيل.
ويرى الأستاذ الشرقاوي عبد الرحمان بأن الوعد بالتفضيل هو اتفاق يتعهد بمقتضاه أحد الطرفين، ويسمى الواعد إذا ما قرر مستقبلا إبرام عقد معين، تفضيل الطرف الآخر الذي يسمى المستفيد، على سائر الراغبين في التعاقد، ومن ثم فإن العقد المستقبل الموعود بالتفضيل لا يكون فقط مجرد عقد بيع، بل إنه يمكن أن يكون عقد آخر غير البيع كالإيجار أو المقايضة، وإن كانت غالبية التطبيقات تكون بصدد عقد البيع[17].
ومن تم يتميز الوعد بالتفضيل على الوعد بالبيع الملزم لجانب واحد، في كون مالك الشيء لا يعد الشخص الآخر ببيع حقه إذا رغب هذا في شرائه، وإنما يعده إنه إذا رغب في بيع حقه أن يعرضه أو لا عليه، تفضيلا له على غيره، كما أن الوعد بالتفضيل لا يرتبط في العادة بمدة زمنية لممارسة الخيار الناشئ عنه. ناهيك أنه في الغالب لا يحدد الواعد في الوعد بالتفضيل الثمن الذي سيبيعه به مستقبلا[18].
والحق الشخصي المخول للموعود له يسمح له بالتصرف فيه بالحوالة ( على سبيل** إلا إذا تبين من بنود الوعد أو من قصد المتعاقدين أن هذا الحق الشخصي خاص بالمستفيدين دون غيره.
الفقرة الثانية : العربون :
لقد كان العربون ولا يزال من أهم الأدوات القانونية التي يلجأ إليها المتعاقدون قصد توثيق عقودهم والتزاماتهم التي حصل الاتفاق بشأنها[19].
ولقد تناول المشرع المغربي مؤسسة العربون في الفصول من 288 إلى 290 من قانون الالتزام والعقود إلى جانب حق الحبس تحت عنوان بعض الوسائل لضمان تنفيذ الالتزامات.مما يدل على أن العربون ينطوي على فكرة ضمان الالتزام، لذلك فهو يعتبر بمثابة أداة قانونية هامة لحماية حقوق المتعاقدين من عبث بعضهم أو أحدهم، مادام أنه في جميع التشريعات والمذاهب يشكل أداة رادعة للمتعاقد المخل بالتزاماته[20].
وقبل دراسة مختلف الأحكام الخاصة بهذه المؤسسة، فإنه ينبغي بداية الإشارة الى أن العربون هو المبلغ النقدي الذي دفعه أحد المتعاقدين للآخر كأن يدفع المشتري للبائع أو المستأجر للمؤجر جزءا من الثمن أو الأجرة.
والتعاقد بالعربون لا يقتصر على نوع معين من العقود دون سواه فهو يشمل العقود الناقلة للملكية، كما يشمل تلك التي تقتصر على نقل منافع الأعيان كالكراء مثلا.
وقد اختلفت القوانين الأجنبية حول طبيعة العربون إذ منها من يراه أداة عدول عن عملية التعاقد وهو حال القوانين اللاثينية خاصة القانون الفرنسي وبعض القوانين العربية التي سارت في نفس الركب كالأردن والكويت...، بالمقابل تأخذ القوانين الجرمانية بدلالة البث ويتقدمها القانون الألماني وسارت في ركبه بعض القوانين العربية مثل العراق تونس وقانون الالتزامات والعقود المغربي في الفصل 288 ق.ل.ع اللهم في بعض الاستثناءات[21].
ولقد خصص المشرع المغربي لأحكام العربون الفصلين 289 و 290 من ق.ل.ع.م. إذن فالعربون باعتباره أداة لضمان تنفيذ العقد وفق لما جاء في الفصل 288 فهو بذلك يختلف عن جملة المؤسسات القانونية المشابهة له كالكفالة النقدية والشرط الجزائي المدرج في العقد إلى غير ذلك من الأدوات القانونية الأخرى التي تهدف إلى توثيق العقود وضمان تنفيذها، فالعربون له كيان مستقل يهدف إلى ضمان حق الأولوية في استحقاق الشيء المتعاقد عليه، وبمجرد دفع هذا العربون إلا ويكون ذلك دليلا على التعاقد وارتباط الإرادتين وأي تراجع عن مواصلة التنفيذ إلا ويعد إخلال بالتزام قانوني قائم الذات[22].
المطلب الثاني: العقد الابتدائي
العقد الابتدائي عقد كامل لا مجرد إيجاب ولكنه عقد تمهيدي لا عقد نهائي. وتجري العادة في التصرفات العقارية على تحرير عقد ابتدائي لإثبات التعاقد بين الطرفين تمهيدا لتحرير العقد النهائي الذي يعتمد إذا انصب على عقار محفظ للتقييد بالسجل العقاري[23].
لذلك سنحاول من خلال هذا المطلب دراسة نموذجين للعقد الابتدائي، عقد الإيجار المفضي إلى التملك (الفقرة I) على أن نعالج بيع العقار في طور الانجاز (فقرة II).
الفقرة الأولى: عقد الإيجار المفضي إلى التملك ق. رقم 00-51.
عقد الإيجار المفضي إلى التملك هو نوع من العقود الذي ثم تبنيه لتلبية حاجة اجتماعية تتمثل في تمكين شريحة عريضة من المواطنين ذوي الدخل المحدود من امتلاك سكن لائق كفيل بضمان عيش كريم حيث نظمه المشرع في القانون رقم 00-51 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 202-03-1 بتاريخ 16 رمضان 1424 الموافق 11 نونبر 2003.
بداية يلزم التعريف بهذا العقد، حيث يمكن استنتاجه من خلال ما ورد في المادة 2 من القانون 00-51 حيث نصت على ما يلي : " يعتبر الإيجار المفضي الى تملك العقار كل عقد بيع يلتزم البائع بمقتضاه تجاه المكتري المتملك بنقل ملكية عقار أو جزء منه بعد فترة الانتفاع به مقابل أداء الوجيبة المنصوص عليها في المادة 8 من هذا القانون وذلك إلى حلول تاريخ حق الخيار".
وتبعا لذلك فهو عقد كراء مفضي إلى تملك العين المكتراة يبتدأ وينتهي بيعا إذا ما أعمل المكتري المتملك خيار الشراء حين حلول تاريخ حق الخيار لذلك فهو عقد من نوع خاص له اسم وأحكام خاصين خاضع لمقتضيات القانون 00-51.
وفيما يتعلق بنطاق تطبيق القانون 00-51 فقد جاء في المادة الأولى ما يلي : "تطبيق أحكام هذا القانون المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار على العقارات المنجزة والمعدة للسكنى" . ويستثنى من ذلك ما جاءت به المادة الثالثة من نفس القانون.
فكما هو واضح في المادة الأولى فنطاق تطبيق هذا القانون هو العقارات المعدة للسكنى والعقارات المنجزة أي التي تكون فيها عملية البناء قد انتهت وأصبح العقار قابل للاستعمال السكني، وثم الحصول على رخصة السكنى أو شهادة المطابقة، حيث نجد الفصل 618-5 ق.ل.ع الذي نص أنه لا يعتبر العقار محل البيع منجزا إلا بعد الانتهاء من أشغال الأساسات على مستوى الطابق الأرضي.
وكما هو معلوم فإن تملك العقار حسب القانون 00.51 يمر بمرحلتين أساسيتين :
مرحلة العقد الابتدائي الذي يظل خلالها المكتري منتفعا بالعقار مقابل تأدية وجيبة الكراء المحددة اتفاقا مع المكري مقرونة بمناب الشراء ثم مرحلة العقد النهائي التي يحسم فيه المكتري خياره بإتمام التعاقد بعد أن يكون قد أدى كامل الأقساط المتوجبة عليه.
وما يهمنا في دراستنا هو الشق الابتدائي لهذا العقد:
فمن حيث الأشخاص المؤهلون لتحرير عقد الإيجار المفضي الى تملك العقار نجد المادة (4) من القانون 00-51 تنص على ما يلي : "يجب أن يحرر عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار بموجب محرر رسمي أو محرر تابت التاريخ، يتم تحرريه من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية ومنظمة يخولها قانونها تحرير العقود، وذلك تحت طائلة البطلان".
إذن فعقد الإيجار المفضي الى تملك العقار إما يحرر بمحرر رسمي من قبل الموثق العصري أو العدلان، وإما في محرر عرفي ثابت التاريخ من قبل المحامين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض.
وفيها يتعلق بشكليات هذا العقد فقد جاء في المادة (7) من قانون 00.51 مايلي :
"يجب أن يتضمن عقد الإيجار المفضي الى تملك العقار العناصر التالية :
- هوية الأطراف المتعاقدة.
- مراجع العقار محل العقد.
- موقع العقار ووضعه كليا أو جزئيا.
- ثمن البيع المحدد غير قابل للمراجعة.
- مبلغ التسبيق عند الاقتضاء وتحديد الوجيبة التي يتحملها المكتري المتملك وفترات وكيفية تسديدها وكذا كيفية خصم الوجيبة من ثمن البيع.
- تخويل المكتري المتملك إمكانية تسبيق أداء ثمن البيع كليا أو جزئيا قبل حلول تاريخ حق الخيار.
- مراجع عقد التأمين المبرم من قبل البائع لضمان العقار.
- شروط مزاولة حق الخيار وفسخه.
تاريخ بدأ الانتفاع من العقار والأجل المحدد للمكتري المتملك لممارسة حقه في تملك العقار وكذا الشروط التمديد والفسخ المسبق للعقد.
ومن أجل حماية حقوق طرفي هذا العقد، فإن المشرع المغربي بمقتضى القانون 51-00 قرر لهم بعض الضمانات، لعل أهمها ما نصت عليها المادتين 15و 16 من هذا القانون حيث جاء في الأولى أنه يتعين على البائع، ثلاثة أشهر قبل حلول تاريخ حق الخيار أن يطلب من المكتري المتملك بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتسلم ممارسة حقه في تملك العقار محل العقد داخل الأجل المتعلق عليه". أما المادة 16 فقد نصت على أنه"لا يتم إبرام عقد البيع النهائي إلا بعد أداء المبلغ المتبقي من ثمن البيع المتفق عليه في عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار. يبرم هذا وفق نفس الكيفية التي ثم بها إبرام عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار كما هو مبين في المادة 4 من هذا القانون[24].
ولقد متع القانون 00.51 المكتري المشتري في إطار حمايته وصيانة حقوقه بطرق إشهار عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار تختلف تبعا لاختلاف الأنظمة القانونية للعقار.
فبالنسبة للعقار المحفظ نصت المادة 5 "إذا كان العقار محفظا يطلب المكتري المتملك من المحافظ على الأملاك العقارية إجراء تقييد احتياطي وذلك للحفاظ المؤقت على حقوقه، يبقى التقييد الاحتياطي ساري المفعول إلى غاية تقييد عقد البيع النهائي في الرسم العقاري.
يتم تعيين رتبة تقييد العقد النهائي بناءا على تاريخ التقييد الاحتياطي".
أما بالنسبة للعقار غير المحفظ فنجد المادة 6 تنص على أنه " إذا كان العقار غير محفظ تسجل نسخة من عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار بسجل خاص يمسك بكتابة الضبط لدى المحكمة الابتدائية بالدائرة التي يوجد بها العقار وتودع النسخة المذكورة لدى نفس الكتابة".
الفقرة الثانية : بيع العقار في طور الإنجاز.
يندرج بيع العقار في طور الانجاز ضمن العقود التمهيدية التي تسبق إبرام البيع النهائي وقد تم تعريفه في الفصل 1-618 من قانون 00-44 المتعلق ببيع العقار في طور الانجاز بأنه" اتفاق يلتزم بمقتضاه البائع بإنجاز عقار داخل أجل محدد كما يلتزم فيه المشتري بأداء الثمن تبعا لتقدم الاشغال ".
ونظرا لأن هناك عرض في الموضوع فإننا لن نتعمق فيه، وسنكتفي بالقول على أن بيع العقار في طور الانجاز يتم عبر مرحلتين، حيث يتم إبرام عقد أولي تمهيدي يتم الاتفاق فيه على العناصر الأساسية لمشروع التعاقد، على أن يتحول في مرحلة لاحقة إلى بيع نهائي، حيث لا تنتقل ملكية الأجزاء المبيعة إلى المشتري إلا من تاريخ إبرام العقد النهائي أو صدور الحكم النهائي في الدعوى إذا كان العقار غير محفظ أو في طور التحفيظ وتنتقل الملكية بعد تقييد العقد النهائي أو الحكم بالسجل العقاري إذا كان محفظا تطبيقا للفصل 20-618 مكرر من القانون 00-44[25].
المبحث الثاني : تدخل القضاء في مرحلة الاتفاقات التمهيدية
باعتبار طبيعة بعض العقود التي قد تتطلب وقتا مستفيضا للتفكير أو لإتمام بعض الإجراءات قبل إبرام العقد النهائي فإنه يمكن في هذه الفترة أن يحدث نزاع بين الأطراف، مما يضطرهم للجوء إلى القضاء الذي يتدخل لحماية الأطراف المتعاقدة وتحقيق التوازن العقدي.
لذلك سنحاول من خلال هذا المبحث أن نبحث في دور القضاء في كل من عقد الإيجار المفضي إلى التملك والعربون (المطلب الأول) على أن نبحث في دور القضاء في بيع العقار في طور الإنجاز(المطلب الثاني).
المطلب الأول : دور القضاء في كل من عقد الإيجار المفضي الى تملك العقار والعربون.
يمر تملك العقار تبعا لصيغة القانون 00.51 بمرحلتين أساسيتين مرحلة العقد الابتدائي التي يظل خلالها المكتري منتفعا بالعقار مقابل تأدية وجيبة الكراء المحددة اتفاقا مع المكري مقرونة بمناب الشراء، تم مرحلة التعاقد النهائي، قبل هذا التعاقد النهائي قد يحدث ظرف يحول دون إبرام العقد النهائي. مما يلجأ معه المتعاقدين الى القضاء (الفقرة الأولى).
نفس الأمر قد يحدث في العربون الذي يمكن اعتباره تنفيذا جزئيا لالتزامات المتعاقد، إذا امتنع أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزامه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار
عموما قبل أن يتم التعاقد النهائي الذي يحسم فيه المكتري خياره بإتمام التعاقد بعد أن يكون قد أدى كامل الأقساط المتوجبة عليه. قد تطرأ حالات تحول دون إتمام التعاقد. وبالتالي يتدخل الجهاز القضائي فيها وهذه الحالات تلخص في ما يلي :
- حالة رفض البائع إبرام عقد البيع
- حالة فسخ العقد بحلول حق الخيار إما من لدن البائع أو من طرف المكتري المشتري.
فبالنسبة لحالة رفض البائع إبرام عقد البيع النهائي : نصت المادة 19 من قانون 51.00 على هاته الحالة وفق ما يلي : " في حالة رفض البائع إبرام عقد البيع النهائي لسبب من الأسباب في أجل أقصاه 30 يوما من توصله بإنذار بقي بدون جدوى يمكن للمكتري الذي أدى الثمن كامل اللجوء الى المحكمة لطلب إبرام عقد البيع النهائي.
ويكون الحكم الذي يصدره القاضي بمثابة حكم نهائي لإتمام البيع. لكن المشرع في القانون 51.00 ألزم المكتري المتملك بالقيام ببعض الإجراءات تتلخص في كونه يقوم بإشعار البائع عن طريق إنذار بعد أدائه كامل الثمن. ويعبر عن ذلك في رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل. أو عن طريق كتابة ضبط المحكمة التي يقع فيها العقار المبيع[26].
ثم يعطي المكتري المتملك للبائع أجل 30 يوم لإتمام التعاقد. وإن بقي الإنذار بدون جدوى كان له عندئذ اللجوء إلى القضاء لاستصدار حكم قضائي ينصفه بإتمام البيع.
ولكن قبل أن يصدر القاضي حكمه لابد من الرجوع إلى سبب رفض البائع إبرام العقد النهائي[27] فلا يجوز أن يكون رفض الأخير اعتباطيا أو شكلا من أشكال التعسف وإنما يجب أن يكون السبب مبررا كعدم توصل الأخير بثمن البيع أو بجزء منه، أو لا تزال في ذمة المكتري المتملك مبالغ أو حقوق يطالب فيها البائع.
لكن في حالة كون البائع سيء النية ولا يملك أدنى سبب لتقرير رفضه. فإنه يكون مسؤولا عن عدم التنفيذ لعقد ارتضاه وتوصل فيه بجميع مستحقاته فتكون مسؤوليته عن عدم تنفيذ العقد مسؤولية جنحية[28]. وبما أن المكتري المتملك منتفع بالعقار مند إبرام العقد. إنما بحلول حق الخيار يطمح إلى إبرام العقد النهائي. فيجابه برفض البائع فله حق اللجوء للقضاء. وبعد إصدار حكم القاضي النهائي، تبقى للقضاء السلطة التقديرية للنظر في مبرر البائع لرفضه.
وهنا تجدر الإشارة إلى كون العقار محفظا أو غير محفظ.
فإن كان محفظا للمكتري أن يقيد احتياطيا العقد[29]على الرسم العقاري حتى يحفظ مؤقتا حقوقه. ويبقى ساريا إلى غاية التقييد النهائي. ويكون العمل به سواء وقت إبرام العقد النهائي بالتراضي أو بعد صدور حكم القاضي.
هما إن رفض البائع إبرام العقد للمكتري بعد إنذاره وفق ما سبق مع مراعاة الأجل الاستعانة بالقضاء شريطة أن يكون قد أدى باقي الثمن من الوجيبة أو على الأقل أن يكون قد عرض على البائع الثمن الباقي عرضا حقيقيا[30]طبقا للفصل 275 من ق.ل.ع.
ولابد أن يستجيب القضاء له إن أوفى بالتزاماته وللقاضي أن يصدر حكما يحل محل إرادة الباع غير المستند إلى سبب مقبول بإتمام البيع لفائدة المكتري المتملك.
وتجدر الإشارة إلى مسألة استعانة المكتري المتملك بالمؤسسات الخاصة بالقروض. إذ قد يشكل تأخير صدور القروض بسبب الإجراءات الإدارية سببا يصح البائع أن يرفض إتمام البيع. هنا على القضاء مراعاة هاته الحالة وعدم اعتبار هذا التأخير سببا مبررا لعدم إتمام البيع والقضاء يؤسس أحكامه في هذا المجال على مضمون المادة 17 من ق 51.00[31].
أما في حالة كون العقار غير محفظ إذن لا يخضع لقواعد التقييد الاحتياطي فإنه من الملزم على المكتري إتباع ما سطرته المادة 6 من ق 51.00 إذ تسجل نسخة من عقد الإيجار بسجل خاص بكتابة الضبط لدى المحكمة الابتدائية بالدائرة التي يوجد بها العقار. ما يهمنا هو أنه إن رفض البائع إبرام العقد النهائي. يتدخل القضاء في الأمر إن استعان به المكتري لكن مع ضرورة التمييز طبعا لنوع الامتناع الصادر عن البائع.
إذ إن ظهر عدم جدية سبب امتناع البائع يجبر المكتري البائع على تنفيذ إتمام البيع تنفيذا عينيا أو عن طريق الغرامة التهديدية عند الاقتضاء[32].
ويتضح لنا أن الحماية المخولة في نطاق إتمام البيع في ق 51.00 تبقى حماية ناقصة تقتضي اللجوء إلى طرق باب القضاء بالمسطرة العادية مما يتطلب مدة لا يستهان بها. لذلك كان من الأفضل لو أولى المشرع النظر في هاته الحالة إلى القضاء الإستعجالي.
- حالة فسخ العقد من لدن البائع
المادة 20 من ق 51.00 نصت على أنه :
"في حالة فسخ العقد لأسباب منسوبة إلى البائع، يحق للمكتري المتملك استرداد المبالغ المؤداة عند الاقتضاء. والوجيبة المؤداة مسبقا لاقتناء العقار مع تعويض قدره %10 من المبالغ المسترجعة" وهذه المبالغ يجب إرجاعها داخل أجل أقصاه ثلاثة أشهر بعد فسخ العقد".
والفسخ قد يكون جزاء متروكا للسلطة التقديرية للقاضي يطبقه متى تبين خطأ المدين أو الدائن وصورة هذا الفسخ موجودة في الضمان الملقى على عاتق البائع أو المكتري عند ظهور عيب في الشيء المبيع أو العقار محل الكراء.
والتعويض الذي يحدده القضاء قد يتم الإعفاء منه في حالة نظرية القوة القاهرة[33]لكن حكم هاته الأخيرة في الفصل 268 من ق.ل.ع في إعفاء المدين من أي تعويض لا ينطبق مع ما جاء في المادة 20 من ق 51.00 والتي جعلت البائع عند الفسخ لأسباب منسوبة إليه أن يدفع تعويض %10 مما يقيد عدم انطباق حكم القوة القاهرة على الأسباب التي يؤسس عليها البائع طلب فسخ العقد إذ ينقضي الالتزام هذا بدون تعويض بين الطرفين.
أما النظرية الثانية وهي حالة الحادث الطارئ وهي غير موجودة في المغرب وبالتالي تجعل العقد قابلا للمراجعة من لدن القضاء إذا أصبح التنفيذ مؤديا بالمطلوب إلى خسارة من جراء حادث غير متوقع.
عندها يكون للقضاء كما هو الحال في مصر وسوريا وغيرها من الدول التي تعترف بالنظرية أن يعدل[34]من الالتزام القديم يرفع الإرهاق. أما عن نظرية الإقالة الاختيارية نجد أن حالة الفسخ من لدن البائع لأسباب منسوبة إليه هي حالة تقابل الحق المخول للمكتري المتملك وللقضاء السلطة التقديرية في التحقق من هاته الأسباب ومراقبة مطابقتها للواقع. ومن ثمة إعطاء المكتري الحق في المطالبة بالتعويض المطابق للضرر الذي يترتب على عدم مطابقة أسباب فسخ للواقع.
حالة الفسخ من لدن المكتري المتملك
المادة 21 من ق 51.00 تسمح له بفسخ العقد مقابل تعويض البائع بما يقدر ب %10. فلا يكون قانونيا ولا منطقيا إرغام المتعاقدين على البقاء في عقد رغم تضررهم منه.
أو قد تطرأ على المكتري ظروف شخصية كالسفر خارج المغرب أو وفاته وبالتالي لا يستدعي الأمر اللجوء للقضاء. حيث بإمكان المتعاقدين تطبيق المادة 21 المذكورة دون الحاجة إلى المنازعة القضائية.
الفقرة الثانية : العربون
إذا وقع تنفيذ العقد خصم مبلغ العربون بما هو مستحق لمن قدمه[35]و إذا كان المشرع قد فتح المجال لمن قدم العربون أن يعدل عن إتمام العقد أو إذا حال دون تنفيذ الالتزام قوة قاهرة أو حادث فجائي فإنه أعطى الحق للطرف الآخر في أن يحتفظ بالعربون ولا يلتزم برده إلا بعد أخده التعويض المستحق عن طريق المحكمة إن اقتضى الحال ذلك.
وكما أشار الأستاذ عبد الرحمان الشرقاوي[36]فإن العربون يحفظ للمشتري حق العدول عن البيع في مقابل حفظ حق البائع في التعويض. بمعنى أن المشتري بمجرد دفعه للعربون فإن ذلك لا يمنعه من التراجع عن البيع على اعتبار أن العربون مجرد إعراب عن الرغبة في إبرام العقد. إذ لا ينبغي هدر حقوق البائع.
فله كما تبين في الفصل 290 من ق.ل.ع أن يحتفظ به ولا يلزم رده إلا بعد أخذه التعويض الذي حددته له المحكمة.
وعموما العربون لايرد إذا كان من دفعه هو الذي عدل عن التعاقد. وإن كان من أخذه هو الذي عدل فإنه يرده. ويرد معه مثله. وهذه هي غرامة العربون والتي تعد بمثابة المقابل المتفق عليه بين المتعاقدين لممارسة حق العدول.
وبهذا يختلف العربون عم الشرط الجزائي لأن هذا الأخير مجرد تقدير اتفاقي لضرر وقع .يجوز للقاضي تخفيضه إذا رأى انه مبالغ فيه. أما العربون فلا يمكن تخفيضه أبدا.
وحيث أن العدول الانفرادي عن إتمام العقد المسبوق بدفع العربون يدخل في مفهومه القانوني ضمن الأخطاء العقدية الموجبة للتعويض عن الضرر. وللمحكمة في إطار سلطتها التقديرية أن تحدد التعويض الذي تراه مناسبا لجبر الضرر. وليس ضروريا أن يكون هذا التعويض مساويا لمبلغ العربون الذي قدمه الطرف المتراجع. بل يمكن أن يكون أقل أو أكثر منه.
وفي كل الأحوال جاز للطرف المتضرر أن يحجر مبلغ العربون إلى غاية الفصل في جوهر النزاع[37].
فقرينة تأكيد العقد بالعربون، تعد من القرائن البسيطة التي يمكن دحضها بما هو أقوى.
وبالرغم من أن المشرع المغربي تأثر بالموقف الجرماني بخصوص حكم العربون، عندما خول للمحكمة في إطار سلطتها التقديرية، أن تحدد التعويض المناسب، إلا أن ذلك لم يمنع المشرع من الخروج عن هذه القاعدة إلا في بعض الحالات الخاصة. كما هو الشأن بالنسبة لما جاء في الفصل 210 من م.م، والذي يتعلق بالمزاد العلني للذي يشتري عقارات القاصرين فيمتنع عن إتمام العقد بعد تسبيقه للعربون[38].
ونظرا للسلطة التقديرية الممنوحة لقاضي الموضوع في مسألة تحديد التعويض، فهذا يعني أن تتباين النسب من قاض لآخر، ومن محكمة لأخرى.
المطلب الثاني : دور القضاء في بيع العقار في طور الانجاز
من خلال هذا المطلب سنحاول الإلمام بدور القاضي في تقدير الطابع التعسفي للشرط العقدي (فقرة I) على أن نبحث في دور القاضي في تفسير الشرط الغامض والواضح (الفقرة II).
الفقرة الأولى : تقدير الطابع التعسفي للشرط العقدي
إن حماية المستهلك من الشروط التعسفية في عقد البيع الابتدائي لعقار قيد الانجاز لا تتجلى في تحديد الشروط التعسفية فحسب وإنما تحديد وسائل مقاومتها.
والقضاء بصدد توفير هاته الحماية. إذ أن تقدير الطابع التعسفي لشرط من شروط العقد لا يتعين الانتظار حتى ينتج الشرط التعسفي آثاره لتقوم المنازعة في طابعه التعسفي.
والقاضي يعمل على تقدير الطابع التعسفي بالرجوع الى جميع الظروف المحيطة بمرحلة تكوين العقد. والى جميع الشروط الأخرى المضمنة فيه ذلك أن اعتماد القاضي لأسلوب المقارنة بين كافة الشروط التعاقدية من شأنه أن يكشف عن اختلال التوازن العقدي. فالقاضي يملك الحق في تقدير مصلحة المستهلك كيفما شاء وإصدار القرار وفق ما تقتضيه هذه المصلحة[39].
ورجوعا إلى الأستاذ عبد الرحمان الشرقاوي[40]فقد أشار إلى أن تحديد الشروط التعسفية يختلف حسب التشريعات وهو ما جعل هامش تدخل القاضي ضيقا. إذ تعمل بعض التشريعات على جعل السلطة التشريعية أو التنفيذية مختصة في ذلك. وأخرى تخول ذلك للقاضي حسب سلطته التقديرية.
الفقرة الثانية : تفسير الشرط الغامض والواضح
ü دور القاضي في تفسير الشرط الغامض
عقد بيع العقار في طور الانجاز يمتاز بلغة معقدة محررة من طرف أشخاص مختصين. وبالتالي يصعب على المستهلك العادي المقبل على شراء عقار معين فك رموزها. أمام هذا الوضع قد يستغل المهني فرصة تمرير صيغ وعبارات غامضة إذ تحمل في عمقها طابعا تعسفيا بغية تضليل المتعاقد الآخر وتوقيعه على العقد[41].
وقانون الالتزامات والعقود المغربي تصدى لذلك من خلال تخويله للقاضي حق تفسير وتأويل مقتضيات العقد الغامضة.
وبالتالي تفسير العقد الغامض يخضع للسلطة المطلقة لقضاة الموضوع. فلا رقابة للمحكمة النقض على ذلك[42]. لكن هذا لا يعني أنه لا يخضع نهائيا لرقابة محكمة النقض في حالة العقد الغامض، بل قد يعتبر عدم امتثال قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض خرقا وتحريفا للعقد في بعض الحالات[43].
ومن خلال هاته الرقابة التي يخضع لها القاضي فهي تهدف الى حماية مصالح الطرف الضعيف.
ü دور القاضي في تفسير الشرط الواضح
المبادئ القانونية عامة ألزمت القضاء بالتدخل في تفسير الشرط التعسفي لفائدة المستهلك. لكن أن تكون ألفاظ العقد صريحة وواضحة فهذا لا يحتمل التأويل[44]مما يفرض صعوبة هذا التوجه وبالتالي يمنع على القاضي تأويلها على خلاف معناها الظاهر غير أن ما يجب إثارته هو أن هناك بعض الحالات التي ينشأ فيها تناقض بين العبارات الواضحة للعقد والإرادة الحقيقية للمتعاقدين هنا يسترجع القاضي دوره الإيجابي في التفسير، ومن تم يسوغ له تفسير الشرط الواضح أو تعديله حماية للطرف الضعيف، لكن حسب المادة 16 من قانون 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك أعطت للقاضي سلطة واسعة في تقدير الطابع التعسفي للشرط الواضح.
وبالتالي اعتبر إقحام أي شرط تعسفي بصورة واضحة في العقد يكون مصيره البطلان والإلغاء.
وإذا كان الأصل في حالة غموض العبارة أن دور القاضي يكون إيجابيا، وفي حالة وضوح العبارة يكون سلبيا إذ يتدخل بشكل غير مباشر فيه. إلا أنه رغم ذلك يمكن أن يتدخل إيجابيا رغم كون العبارة واضحة في حالة عدم تعبير عبارة العقد عن الإرادة الحقيقية المشتركة للطرفين.
خاتمة
مما سبق يتضح أن الاتفاقات التمهيدية لها أهمية بالغة باعتبارها مرحلة سابقة للتعاقد النهائي.
حيث أن معظم المعاملات المالية المعاصرة تقتضي ضرورة مرور العاقدان بمراحل إعدادية قد تطول أو تقتصر حسب الأحوال وطبيعة العلاقة التعاقدية لإبرام العقد النهائي الذي تسبقه مرحلة الاتفاقات التمهيدية.
ولما كان المشرع المغربي لم يقم بتنظيم الاتفاقات التمهيدية ثارت نقاشات حول طبيعة هذه الاتفاقات هل عقد أم تصرف بإرادة منفردة؟
وفي ظل الفراغ القانوني تدخل القضاء والفقه للفصل في المسألة واعتبروا أن الاتفاقات التمهيدية هي عقد وليس تصرفا بإرادة منفردة.
وبالتالي حبذا لو كان المشرع نظم هاته الأخيرة نظرا لأهميتها في إطار تنظيم خاص، وكذا دورها في مساعدة القضاء على حل الإشكاليات التي يطرحها في حالة وقوع نزاع بين الأطراف المتعاقدة.
لائحة المراجع
1- باللغة العربية
v المراجع العامة
? محمد العروصي : "المختصر في بعض العقود البيع والمقايضة والكراء"، مطبعة مرجان، الطبعة الثالثة 2014.
? عبد الرحمان الشرقاوي" دور القضاء في تحقيق التوازن العقدي" الطبعة الأولى.
? عبد الرحمان الشرقاوي "القانون المدني" الكتاب الأول مصادر الالتزام ج1 ط 2. .2014.
? عبد الرحمان الشرقاوي : "قانون العقود المسماة الكتاب الأول العقود الناقلة للملكية عقد البيع" .مطبعة الأمنية الرباط الطبعة الأولى نونبر 2011.
? عبد القادر العرعاري: "مصادر الالتزامات (الكتاب الأول) نظرية العقد"، مكتبة دار الأمان الرباط ، ط.3، 2013
? محمد شيلح : "مرشد الحيران الى الفهم المحمود بفك القيود عن نكت أحكام البيع المنضود في القانون المغربي للالتزامات والعقود"، مطبعة أنفوبرينت فاس، الطبعة الأولى.
? المختار في أحمد عطار : "النظرية العامة للالتزامات في ضوء القانون المغربي"، بدون طبعة
? عبد الحق صافي: "القانون المدني. الجزء الأول: المصدر الإرادي للالتزامات الكتاب الأول تكوين العقد " ط 1 2006 .
? منير مهدي : "المظاهر القانونية لحماية المستهلك".
? جيهان بونبات : "الإيجار المفضي إلى تملك العقار، دراسة في ضوء القانون رقم 00.51 سنة 2006-2007."
v المراجع الخاصة :
? عبد العزيز معناني :" الحماية القانوني للمستهلك في بيع العقار قيد الانجاز، دراسة في ضوء القانون المغربي- رسالة لنيل دبلوم الماستر تخصص الأعمال والمقاولات .يونيو 2012.
2- المراجع باللغة الفرنسية:
? Marty et Raynaud : Droit civil ed 1962.
? Code civil français .
ط .2.1972 .ص : 30.
[5] - عبد الرحمان الشرقاوي : "قانون العقود المسماة الكتاب الأول العقود الناقلة للملكية عقد البيع "مطبعة الأمنية الرباط الطبعة الأولى نونبر 2011، فقرة 204 ص 104.
[6] - محمد العروصي : المختصر في بعض العقودالمسماة البيع والمقايضة والكراء، مطبعة مرجان، الطبعة الثالثة 2014، ص57.
[7] - عبد الحق صافي : القانون المدني : الجزء الأول المصدر الإرادي للالتزامات الكتاب الأول تكوين العقد " ط 1 2000 ص : 246.
[16] - محمد شيلح : "مرشد الحيران الى الفهم المحمود بفك القيود عن نكت أحكام البيع المنضود في القانون المغربي للالتزامات والعقود، مطبعة انفوبرينت فاس، الطبعة الأولى ، ص : 81.
[19] - عبد القادر العرعاري. مصادر الالتزامات (الكتاب الأول) نظرية العقد، مكتبة دار الأمان، ط.3، 2013، ص : 83.
[28] - الفصل 551 من ط رقم 413.59.1 نص على " من تسلم مقدما مبالغ من أجل تنفيذ عقد تم رفض تنفيذ هذا العقد أورد تلك المبالغ المسبقة دون عذر مشروع يعاقب بالحبس من شهر الى 6 أشهر وغرامة من 120 الى 250 درهم.
[30] - الفصل 275 ق.ل.م ينص على " ...إذا كان محل الالتزام مبلغا من النقوذ وجب على المدين أن يقوم بعرضه على الدائن عرضا حقيقيا ...."
[31] - تنص المادة 17 من ق 51.00 على أنه " لا يمكن أن يلجأ إلى مؤسسة القرض المعتمدة للحصول على قرض ضمان تمويل ما تبقى من الأقساط المستحقة".
[36] - عبد الرحمان الشرقاوي "القانون المدني" دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام على ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي الكتاب الأول مصادر الالتزام ج1 ط 2. .2014.
[38] - الفصل 210 من ق.م.م ينص على أنه "إذا بم ينفذ من رسى عليه المزاد شروط السمسرة انذز بتنفيذها، فإن لم يستجب لهذا الإنذار داخل أجل 8 ايام، بيع العقار ضمن الشروط المنصوص عليها في الفصل السابق، ولا يمكن في هذا الحالة المشتري المتخلف أن يسترجع العربون الذي قد يكون دفعه".
[41] - مقتطف من الرسالة "الحماية القانونية للمستهلك في بيع العقار قيد الانجاز" يونيو 2012 من إعداد عبد العزيز معناني ص 78.
شاركنا بتعليقك...