الشركة ذات المسئولية المحدودة
1. تعريف الشركة ذات المسئولية المحدودة و منزلتها من الشركة الأخرى:
باستقرار نصوص المواد 1و3 و5و6 من المرسوم الاشتراعي رقم 35 لسنة 1967 ،يمكن تعريف الشركة ذات المسئوليات المحدودة بأنها الشركة التي تؤلف بين شركاء لا يقل عددهم عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرين إلا في الأحوال الخاصة ، لا يتحملون الخسائر إلا بمقدار مقدماتهم ، التي لا يصح إثباتها بأسناد قابلة للتداول اسمية كانت أو لأمر أو لحملها ، ولا يجوز تأسيسها أو زيادة رأس مالها أو الاقتراض لحسابها عن طريق الاكتتاب العلني ، و تتخذ لها اسما مشتقا من موضوع مشروعها أو عنوانا مشتركا يتضمن اسم واحد أو أكثر من الشركاء.
ويبين من هذا التعريف أن للشركة ذات المسئولية المحدودة مجموعة من الخصائص تميزها عن غيرها من الشركات، و التي تنعكس على طبيعتها القانونية.
وتوضيحا لذلك سنفرد لكل من هذين الموضوعين مطلبا مستقلا على النحو التالي:
2.خصائص الشركة ذات المسئولية المحدودة:
تتميز الشركة ذات المسئولية المحدودة بمجموعة من الخصائص تتعلق بمركز الشريك فيها, و برأس مالها, و بعنوانها, و ذلك على التفصيل التالي:
أ/ المركز القانوني للشريك في الشركة ذات المسئولية المحدودة :
● مبدأ المسئولية المحدودة:
أهم ما يميز الشركة ذات المسئولية المحدودة أن مسئولية الشركاء فيها محدودة بمقدار الحصة التي قدموها في رأس مال الشركة, فلا تمتد هذه المسئولية لتطول أموالهم الخاصة. و تحديد المسئولية مبدأ مطلق سواء في العلاقة بين الشركاء بعضهم بالبعض الآخر، أو في علاقتهم مع الغير . و على ذلك ،متى أوفى الشريك بحصته ، انقطعت صلته بدائنيها ، و لم يعد في استطاعتهم ، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر ، أن يطالبوه بشيء . ولعل هذه المسئولية المحدودة للشريك هي التي أعطت الشركة التسمية التي تعرف بها. وهي ، بلا شك ، تسمية خاطئة إذ أن تحديد المسئولية لا يتعلق إلا بالشريك ، ولا يمتد إلى الشركة حيث تكون مسؤوليتها عن التزامها مسئولية مطلقة تنبسط على كافة أموالها و موجوداتها.
وطالما أن مسئولية الشريك محدودة ، فلا يكسب ،من ثم ،صفة التاجر بمجرد دخوله الشركة ، ما لم تكن له هذه الصفة من قبل ، ولا يؤدي إفلاس الشركة إلى إفلاسه . كما لا يشترط أن يكون كامل الأهلية، بل يجوز لناقص الأهلية، لسبب أو لآخر، أن يكون شريكا فيها.
●الاستثناءات على مبدأ المسئولية المحدودة:
و مع ذلك ،هناك عدة استثناءات ترد على مبدأ المسئولية المحدودة للشريك ، بعضها مصدره القانون ، و البعض الآخر مصدره الواقع العملي .
أما الاستثناءات القانونية ، فقد حصرها القانون في الأمور التالية :
أولا:إذا ثبت أن القيمة المقدرة للحصة العينية في عقد الشركة أكبر من قيمتها الحقيقية ، يكون مقدم هذه الحصة مسئولا قبل الغير عن قيمتها المقدرة لها في عقد الشركة ، و يسأل باقي الشركاء بالتضامن عن أداء هذا الفرق (المادة 10من المرسوم الاشتراعي رقم 35 لسنة 1967).
ثانيا:إذا لم يذكر بوضوح بجانب اسم الشركة في كافة الأوراق و الإعلانات و النشرات و سائر الوثائق التي تصدر عنها عبارة "شركة محدودة المسئولية" مع بيان مقدار رأس مالها ،وترتب على ذلك خداع الغير في نوع الشركة ، جاز التطبيق الأحكام المتعلقة بشركات التضامن لتحديد موجبات الشركاء (المادة 6/2و4 من المرسوم الاشتراعي ).
ومن بين هذه الأحكام، بطبيعة الحال، المسئولية المطلقة و التضامنية.
ثالثا: إذا لم تراع اجرءات تأسيس الشركة ، وقضي ببطلانها ، يكون الشركاء الذين تسببوا بالبطلان و المؤسسون مسئولين بالتضامن تجاه الغير و بقية الشركاء الآخرين(المادة 13 من المرسوم الاشتراعي ).
أما الاستثناءات الواقعية فتتمثل فيما جرت عليه عادة البنوك و المؤسسات المالية ، عندما تقوم باقتراض الشركة أو الشريك الرئيسي فيها . و هذا أمر طبيعي إذ لا يعقل أن تكتفي البنوك بما يوفره لها رأس مال الشركة من ضمان نظرا لتفاهة الحد الأدنى الذي تطلبه المشرع في ر أس المال، و هو خمسة ملايين ليرة.
و في مثل هذه الأحوال تكون أموال الشريك أو المدير الخاصة ضامنة لالتزامات الشركة .
ب/رأس مال الشركة ذات المسئولية المحدودة :
يتميز رأس مال الشركة ذات المسئولية المحدودة بتواضع الحد الأدنى الذي عينه له المشرع ، إذ يبلغ هذا الحد خمسة ملايين ليرة لبنانية ( المادة 7من المرسوم الاشتراعي ).ويقسم رأس المال إلى حصص متساوية القيمة لم يضع المشرع اللبناني حدا أدنى أو أقصى لها. و هي غير قابلة للتداول بالطرق التجارية , و لا يجوز التنازل عنها للغير إلا بقيود و شروط معينة.
ولضعف رأس مالها , حظر المشرع تأسيس الشركة أو زيادة رأس مالها أو الاقتراض لحسابها عن طريق الاكتتاب العام . كما حظر عليها إصدار أسهم أو سندات قابلة للتداول (المادة 02 من المرسوم الاشراعي) . و حكمة هذا الحضر , هو الحيلولة دون المضاربة على صكوك هذا الشكل من أشكال الشركات بسبب ما يعرضه من ضمان متواضع.
و لذات السبب أيضا حرم عليها المشرع الاشتغال بمشاريع الضمان و الاقتصاد و التوفير و النقل الجوي المنظم و العمليات المصرفية و توظيف الرساميل لحساب الغير . و لا يخفى الهدف من وراء هذا التحريم , و هو حماية مصالح المستثمرين , نظرا لأن الأعمال السافلة الذكر تتضمن كثيرا من المخاطر التي يخشى معها إفلاس الشركة , فتضيع على أصحاب رؤوس الأموال أموالهم بسبب تواضع رأس مال الشركة و بسبب المسئولية المحدودة للشركاء عن ديونها و التزاماتها.
ولا تصلح هذه الشركة , بسبب ضآلة رأس مالها , إلا للمشروعات الاقتصادية الصغيرة أو متوسطة الحجم التي لا تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة .
ج/اسم و عنوان الشركة ذات المسئولية المحدودة:
كان المنطق يقتضي ألا يكون للشركة ذات المسئولية المحدودة عنوان يتركب من أسماء الشركاء فيها , على غرار العنوان في شركتي التضامن و التوصية البسيطة , نظرا لمسئولية الشريك المحدودة عن التزامات الشركة.
لكن المشروع لم يلتزم هذا المنطق , فأجاز للشركة أن تتخذ اسما مشتقا من الغرض الذي أنشئت من أجله , أو أن يكون لها عنوان يتضمن اسم شريك أو أكثر فيها (المادة 6/1 من المرسوم الاشتراعي) .
و مما لا شك فيه أن اتخاذ الشركة لعنوان يتألف من أسماء الشركاء من شأنه الإضرار بالغير الذي يتعامل مع الشركة . إذ قد يعتقد هذا الأخير أنه أمام شركة تضامن أو توصية بسيطة , و أن ما ورد ذكرهم بالعنوان شركاء يلتزمون بكافة ديون الشركة في أموالهم الخاصة و على سبيل التضامن , فيقبل على التعامل مع الشركة و يوليها ثقته و يمنحها الائتمان , ثم يفاجأ بعد ذلك أنه أمام شركة لا يسأل الشركاء فيها إلا في حدود الحصص المقدمة منهم في رأس مالها.
و لقد فطن المشرع إلى ذلك و اتخذ الاحتياطات الكفيلة بحماية حقوق الغير , فنص في الفقرة الثانية من المادة السادسة من المرسوم الاشتراعي رقم 20 لسنة 1967 على أن " يذكر بوضوح بجانب اسم الشركة في كافة الأوراق و الإعلانات و النشرات و سائر الوثائق التي تصدر عن الشركة العبارة التالية : "شركة محدودة المسئولية" مع بيان مقدار رأس مالها ".
و يبين من هذا النص أن المشرع تطلب أن يكون عنوان الشركة مقرونا بعبارة شركة ذات مسئولية محدودة , و أن تذكر هذه العبارة بصفة دائمة في جميع الأوراق و المطبوعات التي تصدر عن الشركة , حماية للغير من الوقوع في اللبس .
بل أكثر من ذلك , قرر المشرع جزاء رادعا على مخالفة هذا الالتزام فقضى في الفقرة الرابعة من المادة المذكورة أن كل من تدخل باسم الشركة في أي تصرف لم تراع فيه أحكام الفقرة السابقة ( أي الفقرة الثانية من المادة السادسة) يجوز مساءلته في ماله الخاص عن جميع الالتزامات الناشئة عن هذا التصرف .
و يرى البعض , و بحق , أن السماح للشركة ذات المسئولية المحدودة باتخاذ عنوان لها قد يكون غرض المشرع منه تيسير تحويل شركات التضامن و التوصية إلى شركات ذات مسئولية محدودة دون حاجة لتغيير عنوانها.
3/ الطابع المختلط للشركة:
يستنتج البعض , من خصائص الشركة ذات المسئولية المحدودة , أنها شركة في منزلة وسط بين شركات الأشخاص و شركات الأموال , أو أنها نوع من" التهجين" بينهما . فهي , على حد قولهم , تشبه شركات الأشخاص في بعض الوجوه , و شركات الأموال في البعض الآخر.
فمن حيث وجوه الشبه مع شركات الأشخاص , فهي كالتالي :
أولا : استخدم المشرع , و هو بصدد تنظيمه للشركة ذات المسئولية المحدودة, لبعض المصطلحات المألوفة في شركات الأشخاص كمصطلح "المدير" و "الحصص" .
ثانيا : قلة عدد الشركاء في الشركة ذات المسئولية المحدودة , و امكانية تعرضهم , في حالات معينة , للمسئولية التضامنية تجاه الغير , و عدم قابلية حصص الشركاء للتنازل عنها للغير الا بقيود و شروط معينة . و هذا ما يجعل الشركة تبدو كما لو كانت تجمعا مغلقا يهيمن عليه الاعتبار الشخصي , و يضم شركاء يرتبطون بروابط عائلية أو روابط صداقة , رغبة منهم في أن تقتصر الشركة عليهم وحدهم و عدم السماح لأي أجنبي بمزاحمتهم.
أما وجوه الشبه مع شركات الأموال فتتمثل في الاتي:
أولا: استعارة المشرع لبعض المصطلحات الدارجة في شركات الأموال و استخدمها بالنسبة الى الشركة ذات المسئولية المحدودة , كمصطلح "الجمعية" و الاكتتاب" و "الاحتياطي".
ثانيا: المسئولية المحدودة للشريك عن ديون الشركة , بحيث لا تنبسط على أمواله الخاصة , بل تقتصر على قدر حصته في رأس مال الشركة:
ثالثا: عدم تأثر الشركة ذات المسئولية المحدودة بما يطرأ على شخصية الشريك من عوارض . فهي لا تنقضي بوفاته أو اعساره
شاركنا بتعليقك...