-->
علوم قانونية وادارية علوم قانونية وادارية

اخر المواضيع

جاري التحميل ...

اهلية القاصر

    
مقدمة
الأطفال زينة الحياة الدنيا وبهجة العمر بهم تكتمل فرحة الآباء والأمهات ،وبهم يملأ البيت سرورا وغبطة ، وتطمئن النفوس لرضاهم ، وتحقيق رغباتهم ، وهم ثروة الأمة وكنزها في الحاضر والمستقبل ، وهم سر قوتها وعنوان مجدها و تقدمها ، بل أكثر من ذلك هم عنصر دوامها واستمرارها .
ويعتبر الأطفال أحد الرهانات الأساسية التي يمكن كسبها لتحقيق ما يصبو إليه من رقي وازدهار ، ولبنة أساسية لبناء مجتمع ذو قاعدة صلبة وصالحة ، وهذا لا يأتي من العدم ،    بل ينبغي أن يتم وفق تربية ورعاية حسنة وكاملة وحسب أنظمة وتعاليم قويمة وفعالة
وقد اهتمت الشريعة الإسلامية بكل جوانب الحياة ، ورسمت لها المنهج السوي والمستقيم ، وكان للطفل الحظ الوافر من ذلك ، حيث لم تكتف التعاليم الإسلامية بالرعاية الغريزية الأولية له ، بل أحاطته في كل مراحل نموه بقواعد وأحكام تشريعية ، وعظات توجيهية تكفل سعادته وتحفظه من كل أشكال الانحلال والفساد ، وتهيؤه لحياة سليمة ، باعتباره مخلوق إلهي حظي بمكانة متميزة ومرموقة لديه تعالى ، ذلك مصداقا لقوله : ” ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ”.
وقد كانت الشريعة الإسلامية سباقة منذ ما يزيد  على أربعة عشر قرنا لضمان حقوق الطفل و تفعيلها على أرض الواقع في حين أن القوانين الوضعية لم تنتبه إلى هذه الحقوق إلا حديثا مع ظهور مجموعة من المواثيق والإعلانات الدولية التي تعبر عن ضرورة رعاية الطفولة وحمايتها من كل الممارسات الاضطهادية و اللإنسانية التي يعيشها الطفل.
وإسوة بباقي القوانين الوضعية لقي الطفل المغربي اهتماما بالغا في التشريع المغربي وذلك من خلال ما جاءت به المادة 54 من من مدونة الأسرة التي تطرقت للحقوق الواجبة للأطفال على أبويهم وهي المادة التي يتضح من خلال استقراء مضامينها حجم الأهمية البالغة التي أولاها واضع المدونة المذكورة للطفل، إدراكا منه أن طفل اليوم هو رجل الغد المعول عليه لجر قاطرة التنمية الوطنية في مختلف المجالات الخيرية.
ومن خلال هذا التقديم نجد أن موضوع حقوق الطفل (القاصر) لقي اهتماما كثيرا لدى مختلف الأوساط العلمية كل حسب تخصصه في الفقه الإسلامي أو القانون الوضعي والعلوم الاجتماعية أو الإنسانية وكدا المواثيق الدولية خصوصا في السنين الأخيرة.
فتتمحور الاشكالية الرئيسية حول ماهية أهلية القاصر من خلال القوانين الوضعية والشريعة الاسلامية والمواثيق الدولية.
تتفرع عن الاشكالية الرئيسة مجموعة من التساؤلات من قبيل   ما المقصود بالقاصر؟  ما أحكام أهلية الأداء والعوامل التي تتأثر بها؟ ماهي شروط أهلية الزواج؟ ماهي طبيعة رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين ؟
للإجابة على كل هذه التساؤلات ارتأينا تقسيم الموضوع إلى مبحثين أساسين:

 خصصنا المبحث الأول إلى مفهوم القاصر في اللغة والاصطلاح الشرعي والاتفاقيات الدولية.
    في حين خصصنا المبحث الثاني إلى أهلية القاصر في القانون المغربي.


التصميم
المقدمــــــــة:
المبحث الأول: مفهوم القاصر في اللغة والاصطلاح الشرعي وفي الاتفاقيات الدولية.
المطلب الأول: تعريف القاصر في اللغة والاصطلاح الشرعي.
الفقرة الأولى: تعريف القاصر في اللغة.
الفقرة الثانية: تعريف القاصر في الاصطلاح الشرعي.
المطلب الثاني: القاصر في الاتفاقيات الدولية.
المبحث الثاني : أهلية القاصر في القانون المغربي.
المطلب الأول: أحكام اهلية الاداء والعوامل التي تتأثر بها في قانون الالتزامات والعقود.
الفقرة الأولى: الصبي غير المميز.
الفقرة الثانية: الصبي المميز.
المطلب الثاني: شرط الاهلية في الزواج (من لم يبلغ سن الرشد).
المطلب الثالث: طبيعة رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين.
الخاتمـــــــــة.






المبحث الأول: مفهوم القاصر في اللغة والاصطلاح الشرعي وفي الاتفاقيات الدولية.

اعتنى الشارع الحكيم عناية خاصة منفردة المثيل بالمراحل الأولى من حياة الإنسان ؛ باعتبار أن بدايته - وهو خليفة الله في الأرض -  تكون متناهية في الضعف ؛ إذ يبدأ حياته رضيعا لا يقدر على شيء ، ثم ولدا ماس الحاجة ظاهر العجز في نيل حاجاته ، ثم غلاما ثم شابا فتى مفعما بالقوة والحياة قادرا على العطاء ، فكهلا إلى الخمسين من عمره فشيخا فميتا ، وصدق – صلى الله عليه وسلم - حين يقول : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} (الروم: 54). وقال الله – عز وجل –: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمّىً وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (غافر: 67). والإنسان كائن مفعم بالمواهب والطاقات التي تكون عوامل بناء وإعمار إذا ما وجهت، وألجمت بلجام الشريعة ، وتكون عوامل هدم ودمار إذا أهملت، وتركت للشهوات والنزوات. وكما قيل سلامة البناء من سلامة الأساس، فمرحلة الطفولة هي المرحلة الأساس في تكوين الإنسان عقلا وروحا؛ لذا أولها الإسلام من العناية ما يكون كفيلا بضمان نشأة جيل مسئول لأمة مسئولة، وقد جعل الحكماء للإنسان أطوارا، كل طور سبع سنين، وذلك تبعا لنموه الجسمي، والعقلي، وكل طور يمر به تصاحبه أهلية معينة تتناسب ودرجة هذا النمو.



المطلب الأول: تعريف القاصر في اللغة والاصطلاح الشرعي.
اهتمت الشريعة الإسلامية وبالإنسان وهو صغير قاصر لم يكتمل عقله عناية خاصة تتناسب مع الضعف والقصور الذي يصاحب هذه  المرحلة، فخصته بأحكام تنظم حياته وتعده للمرحلة التي يكون فيها كامل العقل والقدرة والإدراك، وقبل التطرق لهذه الأحكام وبيانها بالتفصيل كان لا بد من التطرق لتعريف القاصر في اللغة والاصطلاح الشرعي والقانوني، وسيتم بيان ذلك في الفقرات التالية:        
الفقرة الأولى: تعريف القاصر في اللغة.
جاء في لسان العرب: « القَصْر، والقِصَرُ في كل شيء خلافُ الطُّولِ، وقَصُرَ الشيءُ بالضم يَقْصُرُ قِصَراً خلاف طال، وقَصَرْتُ من الصلاة أَقْصُر قَصْراً، والقَصِيرُ خلاف الطويل، والجمع قُصَراء، وقِصارٌ والأُنثى قصِيرة، والجمع قِصارٌ، والأَقاصِرُ جمع أَقْصَر مثل أَصْغَر وأَصاغِر، وقَصَرَ عن الأَمر يَقْصُر قُصُوراً وأَقْصَر وقَصَّرَ وتَقَاصَر، وامرأَة قاصِرَةُ الطَّرْف لا تَمُدُّه إِلى غير بعلها»(1). وبنفس التعريف عرف اللغويون (2) مادة القصر، مما يدل على اتفاقهم على اعتبارها تدل على عكس الطول، وخلاف الطبيعي من الأمر.  وجاء في أساس البلاغة: « القصور بمعنى التقصير، والعجز »،(3)ومن خلال تعريف الزمخشري (4) للقصور يُمكن القول بأن القاصر في اللغة: « هو الشخص العاجز عن إدراك الأمور على حقيقتها لصغر سنه». أو هو: «الشخص الذي وصل مرحلة من عمره ما زالت قاصرة عن مرحلة البلوغ».

الفقرة الثانية: تعريف القاصر في الاصطلاح الشرعي.
من خلال بحثي في مدلول القاصر عند فقهاء الشريعة لم أجد فيما اطلعت عليه من كتب المتقدمين من استخدم لفظ القاصر إلا بعض النصوص منها ما ورد في الفتاوي الفقهية: « وسئل رحمه الله تعالى عن رجل أقامه حاكم شرعي متكلما على صغير قاصر بمقتضى موت أبيه من غير وصية فأراد القيم المذكور أن يبيع عقارا.... ». (5) ومنها ما جاء في فتاوي الرملي (6) ما نصه: « سُئلَ هَل يجِبُ على الرَّجُلِ الْكَسْبُ الَّذِي يَلِيقُ به لِعيَالهِ القَاصِرِينَ ..... ».   (7) ومنها ما جاء في تنقيح الفتاوي الحامدية ما نصه: « سُئِلَ  فِي قَاضِي دِمَشْقَ أَنَّهُ زَوَّجَ قَاصِرَةً عُمْرُهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَطَلَقَتْ فَهَلْ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ أَوْ بِالْحَيْضِ».
(8)ويلاحظ أن الفقهاء درجوا على استعمال مفردات أخرى للدلالة على الصغير الذي لم يصل سن البلوغ بعد، كلفظ الصبي ولفظ الحدث ولفظ الطفل.
- الصبي:الصبي لغة: يطلق على المولود منذ ولادته إلى أن يفطم، والجمع أصبية وصبوة وصبية، (9)أما اصطلاحا، فيطلقه الفقهاء على من لم يبلغ.(10)
- الحدث:الحدث لغة: من حداثة السن كناية عن الشباب وأول العمر، وكل فَتيِّ من الناس والدواب والإبل حدث، (11) أما اصطلاحا فقد عرفه الفقهاء بتعريفات متقاربة، منها ما قاله ابن حجر (12) : « الحدث هو الصغير السن».(13)وقال الشاطبي: « الحدث الذي لم يستكمل الأمر بعد » (14)   
- الطفل:الطِّفْل لغة: الصغير من كل شيء، (15) واصطلاحا: عرفه ابن قدامةبقوله: « وأما الطفل، وهو من له دون السبع».(16)
- المميز:عرفه بعض الفقهاء بأنه: الشخص الذي يفهم الخطاب، ويرد الجواب ولا ينضبط بسن بل يختلف باختلاف الأفهام.(17)
-الفتى:الفتى لغة: الشاب والجمع فتيان، والفتى الصغير حال اشتداد قوته.(18) .


المطلب الثاني :القاصر في الاتفاقيات الدولية.

عرفت الاتفاقيات الدولية الطفل ” كل إنسان لم يتجاوز 18 سنة ولم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه ”   وسنحد أن أهمها اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة وعرضتها للتوقيع هذه الاتفاقية التي دخلت خير التنفيذ بتاريخ 2 شتنبر 1990 و صادق عليها المغرب بتاريخ 14 يونيو 1993 ونشرت بالجريدة الرسمية عدد  4440 بتاريخ ديسمبر 1996 ثم جاءت سنة 2004 لتدمج أغلب أحكام هذه الاتفاقية ضمن بنود مدونة الأسرة باستثناء حكم واحد هو ما نصت عليه المادة 12 تتعلق بحرية الطفل لانتماء للدين الذي يريده، لاعتبار أن المغرب دولة إسلامية ينص دستورها على أن دين الدولة هو الإسلام لذلك لا تعطي حرية للأطفال في تبني دين آخر. وقد تبنى المغرب أيضا اتفاقيات العهد الدولي الخاص للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 1966 /12/16 والتي صادق عليها المغرب بتاريخ 1979/03/27، وكذا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المصادق عليها بتاريخ 27/03/1979. هذه الاتفاقيات تتضمن عددا من المواد التي تهتم بشؤون الطفل سواء فيما يتعلق بالتربية أو بالتعليم أو ما يتعلق بتدابير الكفالة وحماية الأولاد في حالة وجودهم.





المبحث الثاني: أهلية القاصر في القانون المغربي.
المطلب الأول: أحكام اهلية الاداء والعوامل التي تتأثر بها في قانون الالتزامات والعقود.                       
ان اهلية الاداء تستلزم الادراك و  التمييز ولذلك فهي تتأثر بعامل السن دائما . ولكنها تتأثر بعوارض اخرى  نص عليها المشرع وهي الجنون والسفه والعته ’ و سنتناول البحث عن عامل تأثير اهلية الاداء بالسن 
يقسم القانون مراحل تطور اهلية الاداء عند الشخص الى ثلاث هي   اولا من ولادته لحين بلوغه لسن التمييز فيكون الشخص صبيا غير مميز ’ وثانيا من سن التمييز الى سن الرشد  فيكون صبيا مميزا ’ وثالثا و اخيرا من سن الرشد الى حين الوفاة فيكون راشدا هذا ما لم يصب بأي عارض من عوارض الاهلية
وفيما يلي تعرض لأحكام هذه المرحلتين:
الفقرة الأولى : الصبي غير المميز.
سن التمييز هو بلوغ اثنتي عشرة سنة ومن لم يبلغها يكون فاقد التمييز وقد  نص على ذلك الفصل 214 من مدونة الاسرة الذي ذكر ان   ( الصغير المميز هو الذي اتم اثنتي عشرة سنة شمسية كاملة ) وهذا الصبي يعتبر فاقد الاهلية و تصرفاته كلها باطلة لانه لا يكون يتوفر على العقل و الادراك لمعرفة  التصرفات القانونية التي تعود عليه بالنفع نافعا محضا او ضارا ضررا محضا او دائرا بين النفع و الضرر . وقد اكد على ذلك الفصل 217 من المدونة الذي ذكر انه  (يعتبر عديم  اهلية الاداء الصغير الذي لم يبلغ من التمييز...) .
 و الصبي غير المميز محجور حكما فهو لا يحتاج الى حجر قضائي فصغر سنه يعتبر دليلا كافيا على فقدان اهليته . هذا ما اكده الفصل 217 من المدونة فذكرت انه  ( يعتبر عديم اهلية الاداء الصغير الذي لم يبلغ سن التمييز ).
ويكون للصبي غير المميز ولي او وصي يدير له امواله ويرعى مصالحه .
الفقرة الثانية: الصبي المميز.
هو الذي تتراوح سنه ما بين 12 و 18 عاما وهو سن الرشد حسبما حددته الفقرة الثانية من الفصل 209 التي نصت على ان (سن الرشد القانوني 18 سنة شمسية كاملة ) ويمر الصبي بثلاثة اطوار 
الطور الاول   يكون بين بلوغ الصبي  12 عاما  الى سن الخامسة عشرة سنة . وهذا الصبي يحجر عليه مثل الصغير المميز . فقد  جاء في الفقرة الاولى من الفصل 213 من المدونة ( يعتبر ناقص اهلية الاداء الصغير الذي بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد)  وهو يخضع لنظام الولاية او الوصاية او التقديم بحسب ما نص عليه الفصل 229 ذكر  انه ( النيابة الشرعية عن القاصر اما ولاية او وصاية او تقديم) و الولي هو الاب و الام و القاضي ’ اما الوصي فهو الذي يعينه الاب او الام قبل موتهما نيابة عنهما .  في حين ان المقدم هو نائب القاصر او فاقد الاهلية المختار من طرف القضاء عند انعدام وجود الولي او الوصي وذلك حسب الفصلين 230 و 231 من المدونة .
اما  عن تصرفات الصبي المميز فقد نص عليها الفصل 225 من المدونة فورد انه  ( تخضع تصرفات الصغير المميز للأحكام التالية   تكون نافذة اذا كانت نافعة له نفعا محضا  ’ تكون باطلة اذا كانت مضرة به ’ يتوقف نفاذها اذا كانت دائرة بين النفع و الضرر على اجازة نائبه الشرعي ...) فهذه التصرفات إذن ليست باطلة  وإنما هي موقوفة  على موافقة  او رفض الولي الذي له ان يقرر ما اذا كانت هذه التصرفات تخدم مصلحة الصبي ام لا . فان كانت تخدمها فانه يقررها و عندها يصبح التصرف باتا وإلا فلا يعتد  به .


الطور الثاني  يتراوح بين بلوغ الصبي 15 عاما ووصوله الى سن 16 من العمر وهو ما يعرف بالصبي المأذون . وقد نصت عليه المادة 226 التي ذكرت ان ( يمكن للصغير المميز ان يتسلم جزءا من امواله لإدارتها بقصد الاختبار ) و للمميز المأذون ان يدير الاموال التي يسمح له بالتصرف  فيها بكامل الحرية حسب الفصل 226 المذكور اعلاه و يمكن الغاء الاذن الممنوح للصبي لإدارة امواله اذا أساء  الصبي  التصرف في امواله . و هذا ما اكده الفصل 227 من المدونة  عندما نص على ان (للولي ان يسحب الاذن الذي سبق اعطاؤها للصغير المميز اذا وجدت مبررات لذلك )  وهذا الفصل لا يقرر امكانية الاذن الممنوح للمميز فحسب بل يقرر اعادة الحجر على الصبي ومنعه من التصرف  بامواله بعد الاذن اضافة  الى ذلك . و الصبي المأذون بإدارة امواله يعتبر كامل اهلية الاداء في نطاق اذنه فله ان يبيع و يشتري  اي ابرام عقود التصرف وله ان يكري و يستثمر الاموال المأذون له بإدارتها اي عقود الادارة بمقتضى الفصل 226 من مدونة الاسرة و المشار اليه آنفا .
الطور الثالث  وهو طور الترشيد وهو من سن السادسة عشرة الى بلوغ  الصبي سن الرشد وهو الثامنة عشرة من العمر . وفي هذه المرحلة تتدعم أهلية الصبي فيصبح رشيدا بفعل الولي او الوصي او القاضي إذا تبين انه شديد الذكاء راجح العقل ناضج الفكر لا يحتاج لولاية او وصاية وهذا ما نصت عليه الفقرة الثالثة من الفصل 218 المذكور. ورأي الولي في ترشيد الصبي او عدمه  يكون  قطعيا لا رجعة فيه . اما رأي الوصي في الترشيد فليس نهائيا انما يملك الصبي حق التظلم الى المحكمة المختصة لتنظر في ترشيده حسب قناعتها الخاصة وفي ضوء الظروف و الملابسات .




المطلب الثاني: شرط الاهلية في الزواج (من لم يبلغ سن الرشد).
   ولأن الضرورة قد تقتضي الزواج في حالات خاصة قبل بلوغ سن الرشد التي نص عليها المشرع في المادة 19 السالفة الذكر. فقد وضع المشرع لتلك القاعدة استثناء هاما تم تنظيمه بالمواد 20 و 21 و 22 من مدونة الاسرة على ما يلي
لقاضي الأسرة المكلف بالزواج ان يأذن بزواج الفتى و الفتاة دون سن الاهلية المنصوص عليه في المادة 19 اعلاه ’ بمقرر معلل  يبين فيه المصلحة و الاسباب المبررة لذلك ’بعد الاستماع لأبوي القاصر او نائبه الشرعي و الاستعانة بخبرة طبية  او اجراء بحث اجتماعي .
مقرر الاستجابة لطلب الاذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن.
وهكذا فللقاضي ان يأذن بزواج من لم يبلغ سن الرشد القانوني من الزوجين بقرار معلل يبين فيه المصلحة و الاسباب المبررة لذلك.
و المصلحة يجب ان تكون اكيدة و ان تكون هي الدافع الاساسي لطلب الاذن بالزواج و بالتالي منحه.
و لان المشرع لم يبين هذه المصلحة فهي تستخلص من اقوال الاب والأم او رأي الطبيب المتخصص او تقرير من انجاز بحث اجتماعي في الموضوع او من لقاء يتم بين القاضي و القاصر او القاصرة الراغبين في الزواج من باب مصلحة القوة الجنسية الجامحة.
اذا كان مقرر الموافقة على طلب الاذن بزواج القاصر او القاصرة لا يقبل اي طعن فمفهوم المخالفة لهذا الحكم التشريعي يقضي بان مقرر الرفض يقبل ذلك الطعن امام المحكمة الاعلى درجة و هذه القاعدة سائدة في المجال لولائي عموما و مجال الاوامر المبنية على طلب خصوصا.
تنص المادة 21 من مدونة الاسرة على ان :
زواج القاصر متوقف على موافقة نائبة الشرعية و تتم موافقة النائب الشرعي بتوقيعه مع القاصرة على طلب الاذن بالزواج و حضور ابرام العقد.
اذا امتنع النائب الشرعي للقاضي عن الموافقة بث قاضي الاسرة المكلف بالزواج في الموضوع لا يتوقف زواج من لم يبلغ سن الرشد من الزوجين على استصدار اذن بذلك من القاضي و لكن لا بد كذلك من موافقة النائب الشرعي على هذا الزواج.
و قد تتخذ هذه الموافقة عدة من مقدمتها التوقيع مع القاصر على طلب الاذن  بالزواج عملية ابرام العقد امام العدلين المنتصبين للإشهاد .
غير انه من المتصور ان يتقدم القاصر بطلب الاذن وحده ويمتنع نائبه الشرعي من السماح له بالزواج اما تعنتا و اما لسبب معقول و في هذه الحالة تبقى الكلمة لقاضي الاسرة المكلف بالزواج.
ومتى سمح القاضي المختص بالزواج من لم يبلغ سن الرشد من الزوجين اصبح الاذن وثيقة من الوثائق التي يتضمنها ملف الزواج ( المادة 65 ) تجب الاشارة اليه في رسم الزواج
( المادة 67 ).
تنص المادة 22 من مدونة الاسرة على ما يلي : 
ينتسب المتزوجان طبقا للمادة 20 اعلاه الاهلية المدنية في ممارسة حق التقاضي في كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات.
فهكذا وطبقا لهذا النص التشريعي فان من لم يبلغ سن الرشد القانوني بعد اذن له بإبرام عقد الزواج بالكيفية المحددة في المادتين 21 و20  السالفتين . يصير اهلا لاكتساب الحقوق و تحمل الالتزامات الناتجة عن عقد الزواج و خاصة تلك المنصوص عليها في المادة 51 من مدونة الاسرة .
و رغم خلو مدونة الاحوال الشخصية الملغاة من نص صريح مماثل فقد سمح المجلس الاعلى للزوجة التي لم تبلغ بعد سن الرشد القانوني بان ترفع دعوى التطليق على زوجها.
بقي الاشارة الى ان الزواج مثلا قد لا تكون له مواد مالية او موارد مالية غير كافية او براتب بشأنها الطرف الآخر و في هذه الحالة على هذا الاخير او نائبة الشرعي ان يطلب تحديد التكاليف المالية للزوج المعني بالأمر و من ذلك مثلا ان يضمن الأب اداءه.
مما سبق نستنتج أن القاعدة هي أنه :
يشترط المشرع المغربي لصحة عقد الزواج ان يكون كل من طرفي ذلك العقد وهما الزوج والزوجة عاقلا وبالغا سن الرشد القانوني
كما حددت المادة 209 من مدونة الاسرة وفقا للمادة 19 تكتمل اهلية الزواج بإتمام الفتى
فالزواج هو تصرف قانوني قبل كل شيء وهو تصرف لحمل الزوج تبعات مالية لأنه يلزمه بدفع مبلغ الصداق وتجهيز بيت الزوجية والإنفاق على الزوجة بعد البناء بها مباشرة فمن لم يبلغ سن ثمان عشر سنة شمسية كاملة ، يحجز عليه من الناحية المالية بسبب صغره
أما الاستثناء
فأجاز المشرع المغربي بالزواج من لم يبلغ سن الرشد لاعتبارات اجتماعية او نفسية او دينية.






المطلب الثالث: طبيعة رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين.
إن رقابة القاضي قد تكون سابقة على النائب الشرعي في أموال  القاصر و قد تكون لاحقة له فالرقابة  السابقة هي الاجراءات القبلية أي السابقة بأي تصرف أو إجراء ينصب على  أموال القاصر والغاية  منه وقائية  بالدرجة الاولى وتكون هده الرقابة بالنسبة  للتصرفات التي يشترط القانون سبق الإذن  بها من القاضي المكلف بشؤون القاصرين وهي التصرفات  المنصوص عليها في المادة 271 من المدونة هدا وأن المادة استثنت من هده الرقابة  التصرفات التي لا تحتاج إلى إذن ونصت عليها المادة 272 من المدونة
وتجدر الإشارة إلى  أن المشرع حاول ما أمكن خلق مجموعة من الاجراءات القبلية من أجل حماية مال القصر سواء من خلال تأكيد القاضي من الشروط الواجب توفرها في الوصي والمقدم أو على مستوى التصرفات المشروطة بإذن مسبق من القاضي المكلف بشؤون القاصرين و إدا تعلق  الأمر بالبيع وجب  احترام مقتضيات المواد من 201 إلى 211 من   ق م م هذا بالإضافة غلى إلزام الوصي و المقدم بمسك سجل يضمنان فيه التصرفات المنجزة باسم القاضي مع تواريخها.
غير ان الإشكال الذي يبقى مطروحا هو حول خضوع الولي لهذه الرقابة على اعتبار ان هناك تعارض بين المادة11من ق.ل.ع.والتي تنص على ان "الأب الذي يديرأموال ابنه القاصر أو ناقص الأهلية والوصي والمقدم بوجه عام كل من يعينه القانون لإدارة الأموال التي يتولون إدارتها إلا بعد الحصول على إذن خاص بذلك من القاضي المختص ولايمنح الإذن إلا في حالة الضرورة أو في حالة الضرورة أو في حالة النفع البين لناقص الأهلية"(32).
يستفاد من هذا النص أن المشرع مدد الرقابة إلى الأب بدوره وحتى الأم لأن النص جاء
بوجه عام ليشمل كل من يعنيه القانون لإدارة أموال غيره.
لكن مدونة الأسرة على خلاف ذلك نصت على انه:"لايخضع الولي لرقابة القضاء القبلية في إدارته لأموال المحجور ولايفتح ملف النيابة الشرعية بالنسبة له إلا تعدت قيمة أموال المحجور مائتي ألف درهم (200 ألف درهم).القاصرين النزول عن هذا الحد والأمر بفتح ملف النيابة الشرعية إذا تبتت مصلحة المحجور في ذلك،ويمكن الزيادة في هذه القيمة بموجب نص تنظيمي"(م 240م.أ).
وأمام هذا التعارض نرى أن مقتضيات قانون الأسرة أولى بالتطبيق لأن النص اللاحق ينسخ النص السابق لكن نناشد المشرع المغربي من ان يتدخل لتحيين هذا النص وغيره لتتلاءم والنصوص الجديدة.















خاتمة:
إن أهم ما يمكن استخلاصه من كل ما تم جرده والتطرق إليه هو أن  الأهلية تعتبر ركيزة ثابتة في النظام القانوني المغربي فهي تعتبر من النظام العام في القضاء فإثارة انعدامها واجب على القاضي دون أن يشير إليه أطراف الدعوى ( الدعوة المدنية) كما تعتبر أساس الحصول على الحقوق ،وعموما فالأهلية حجر الزاوية في القانون المغربي، وأبرز ما يؤكد أهميتها هو ارتكازها على الشريعة الإسلامية وخصوصا المذهب المالكي و لهذا أولاها المشرع المغربي أهمية بكل جوانبها و الحالات الخاصة كأهلية القاصر إذ خصص لها هيأة خاصة تتكلف بها على مستوى قضاء الأسرة رغم بعض الإكراهات و الصعوبات التي يواجهها القضاء المغربي كحالات زواج القاصرين مما يتطلب الإجتهاد بالنسبة لهذه الحالات.







الهوامش

(1) ابن منظور، لسان العرب المحيط، دار الصادر ، بيروت، ط2 ،1412هـ : 5 / 95.
(2) الفيروز أبادي، القاموس المحيط، إعداد محمد المرعشلي، دار إحياء الثرات العربي، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت،ط1، 1997م: 1 / 594، الرازي، مختار الصحاح، تحـ: محمود خاطر، 1995م، بيروت: 560، الزبيدي، تاج العروس، تحـ عبد الستار فراج، مطبعة حكومة الكويت،1965م: 3397.
(3)الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمر، أساس البلاغة، تحـ: عبد الرحيم، محمود، 1399هـ- 1979م، دار المعرفة للطباعة والنشر- بيروت- لبنان، ص: 369، وينظر: محمد رواس قلعة جي، حامد صادق قيسي،1405هـ- 1985م، معجم لغة الفقهاء، دار النفائس بيروت، ص:365.
(4) هو أبو القاسم محمود بن عمر ولد في رجب سنة سبع وستين وأربعمائة بزمخشر قرية من قرى خوارم، قال فيه ابن خلكان : كان إمام عصره وكان متظاهرا بالاعتزال داعية إليه، له التصانيف البديعة منها الكشاف في التفسير والفائق في غريب الحديث وأساس البلاغة وغير ذلك، مات ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، ينظر: ِ السيوطي، طبقات المفسرين، تحـ علي محمد عمر، ط 1، 1396، مكتبة وهبة، القاهرة:  1 /104 . 
(5)  ابن تيمية، الفتاوي الفقهية الكبرى، دار الكتب العلمية: 4/378.
(6) الرملي: محمد بن أحمد بن حمزة الرملي المنوفي الشافعي، ولد في مصرسنة 919هـ،  واشتغل بالعلم والمعرفة، من أشهر تصانيفه: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، توفي سنة 1004هـ، ينظر: محمد رضا كحالة، معجم المؤلفين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1414هـ: 8/255.
(6) الرملي، فتاوي الرملي، المكتبة الإسلامية: 3/381.
(8) ابن عابدين، تنقيح الفتاوي الحامدية: 1/56.
(9) ابن منظور، اللسان: 14 / 449، الفيرزو أبادي، القاموس المحيط :1 / 1679.
(10) السيوطي، الأشباه والنظائر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1979م:378، محمد بن أحمد بن سالم السافريني، غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، مؤسسة قرطبة: 1/236.
(11) ابن منظور، لسان العرب: 2 / 131،  الفيروز ابادي، القاموس المحيط: 214. 
(12)  ابن حجر: هو أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني الشافعي، ولد في مصر ونشأ فيها، من أهم مؤلفاته: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، الإصابة في تمييز الصحابة، ينظر: البغدادي، إسماعيل باشا، هدية العارفين، دار الفكر، بيروت، 1982م:1/128، محمد كحالة، معجم المؤلفين:1/210.
(13) ابن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، اعتنى به محب الدين الخطيب، دار الفكر، بيروت، دت:14/291.
(14) الشاطبي، الاعتصام: 2/119.
(15) ابن منظور، لسان العرب: 11 / 401 . 
(16) ابن قدامة، موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المتوفى 620هـ، المغني، دار  الفكر بيروت، ط11405هـ 1985م: 6/121.
(17) أنور الخطيب، الأهلية المدنية في الشرع، والقوانين اللبنانية، منشورات المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1965م، ص: 46.
(18) ابن منظور، لسان العرب:15/145، الفيروز أبادي، القاموس المحيط:1702.
لائحة المراجع :
-        مدونة الأسرة
-        ضهير التزامات والعقود
-        قانون المسطرة المدنية
-        احمد الخمليشي .التعليق على قانون الأحوال الشخصية.الجزء 2 أتار الولادة ونتائجها والأهلية و النيابة القانونية. دار النشر المعرفة. الطبعة الأولى
-        عبد السلام المنصوري .مسطرة حماية شؤون القاصرين في إطار التشريع المغربي .دروس تطبيقية ،المناشير والضهائر والمراسيم الوزارية نماذج الأوامر والإذن 1986
-        الدليل العملي لمدونة الأسرة جمعية المعلومة القانونية والقضائية .مطبعة فضالة 2004
-        سميرة كميلي اضريف .الاهلية القانونية
-        الدكتور زيد القدري الترجمان .استاد بكلية الحقوق أكدال الرباط .نضرية الالتزامات والعقود .مكتبة دار الامان الرباط 2007
-        الدكتور عبد القادر العرعاري . استاد بكلية الحقوق أكدال الرباط .نضرية العقد. دار الامان الرباط.2013
  



شاركنا بتعليقك...

التعليقات



، اشترك معنا ليصلك جديد الموقع اول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

احصائيات الموقع

جميع الحقوق محفوظة

علوم قانونية وادارية

2010-2019