قانون الأحزاب السياسية بين عدالة القانون وأزدواجية النشاط السياسي
(قانون الأحزاب السياسية بين عدالة القانون وأزدواجية النشاط السياسي) الدكتور حيدر ادهم الطائي |
الدكتور حيدر ادهم الطائي
اطلعت على قانون الأحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015 والمنشور بصحيفة الوقائع العراقية بالعدد 4383 الصادرة بتأريخ 12/10/2015 مستهدفا تحرير ورقة قانونية بالدرجة الأولى أشارك من خلالها في احدى ندوات قسم الدراسات القانونية ببيت الحكمة, وأنا أدعي أنني من أهله منذ سنين, وكنت أحرص على أن أضمن ما أكتب لهذه المؤسسة العلمية العريقة التي تجاور القصر العباسي بعض الجمل والعبارات أو السطور ذات المغزى, فالعرب يقولون:(خير الكلام ما قل ودل) وبهذه الطريقة أحاول أن أوجه رسالتي الى الاخرين, وأسلوبي هو ذاته لن يختلف عما ذكرت لكنني فضلت أن أبدأ بقرائتي لقانون الأحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015 العتيد من نهايته حيث الأسباب الموجبة في صفحة (37) من الوقائع العراقية (العدد4383) فكل شيئ في بلاد ما بين النهرين يسير في الاتجاه المعاكس, وقد تعلمت الدرس جيدا عندما كنت أحترم أنظمة السير. اذن ليكن شعاري هذه المرة :(حشر مع الناس عيد!!!) ورحم الله غيلان الدمشقي القائل, وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة:(قاتلكم الله, كم من حق أماتوه,؟! وكم من باطل قد أحيوه؟! وكم من ذليل في دين الله أعزوه؟! وكم من عزيز في دين الله أذلوه؟!)
اليكم أيتها السيدات وأيها السادة هذه المقبلات التي تخلط بين نكهة البهار السياسية وبيتزا القانون.
1.جاء في الأسباب الموجبة لقانون الأحزاب السياسية العتيد الاتي:(انسجاما مع متطلبات الحياة السياسية الجديدة والتحول الديمقراطي, ولغرض تنظيم الاطار القانوني لعمل الأحزاب السياسية على أسس وطنية ديمقراطية تضمن التعددية السياسية وتحقق مشاركة أوسع في الشؤون العامة شرع هذا القانون)
وأقول بخصوص ما تقدم ان هذا القانون وغيره لن يعكس لا الان ولا في المستقبل سوى الواقع الاجتماعي المتخلف في العراق, وكأن أبناء هذا البلد لم يعو مطلقا ما عبر عنه أحد الكتاب العرب منذ عقود عندما قال:(أستوردت الأنظمة السياسية والفلسفية الى الشرق الأدنى تحت المعنى العام للديمقراطية وتم تطعيمها بصفة مصطنعة في مجتمع اقطاعي بطبيعته وفطري بروحيته ولذلك كانت النتائج غير سعيدة ومخيبة للامال في الغالب. ان الكبت والضغط اللذين أوجدهما سوء التنظيم ونقص الفهم, بل عدم تقييم المؤسسات السياسية الحديثة. كل ذلك أدى الى الحط من قيمة الديمقراطية في نظر الكثير من الشرقيين)
المعنى ذاته عبر عنه الكاتب والصحفي المصري الراحل محمد حسنين هيكل بقوله:(الديمقراطية مرهونة بنمو طبقات المجتمع وقواه على نحو يسمح لها بدرجات من الفاعلية المتوازنة تقبل وترضى معها أن تحتكم الى دستور وقانون لحل تناقضاتها). وهذه الكلمات تذكرني باعتراض الدكتور احسان حميد المفرجي عندما كان يلقي علينا محاضراته "الحارة والطيبة والمكسبة" بمادة القانون الدستوري في العام الدراسي 1987/1988 على استخدام واضعي دستور 27 تموز 1958 لمفردة "شراكة", وهي من مفردات القانون الخاص في قمة وثائق القانون العام,
وأقول:(يا أستاذي المبدع بكل شيئ علما وخلقا والله " الي يشوف الموت يرضى بالصخونه") فمحمد حسنين هيكل يستخدم مفردة من مفردات القانون الخاص "مرهونة" في مجال السياسة. وهو صاحب كلام اخر ذو صلة بالوضع العراقي الراهن بامتياز عندما يقول:(من الخطأ أو لعله اسراف في سوء الظن بالنفس البشرية أن يتصور أحد أن طموحات الفرد هي مجرد مطامع شخصية له فذاك ينزل بصناعة التأريخ من مستوى العمل السياسي الى مستوى العمل الاجرامي, ويجعل من القيادات السياسية صورة مزوقة لعصابات المافيا).
2.فرحت – لكن ليس كثيرا – عندما قرأت مضمون المادة (59) ونصها:(يصدر مجلس الوزراء التعليمات اللازمة لتسهيل تنفيذ هذا القانون بعد اعدادها من مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات). وكنت سأفرح كثيرا لو كانت الصيغة بالشكل الاتي:(يصدر رئيس مجلس الوزراء التعليمات.......). انسجاما مع نص المادة (80/ثالثا) من الدستور وتوافقا مع المنطق السليم, فالقانون منطق في جوهره من الألف الى الياء.
3.يستخدم المشرع العراقي في المادة (52) مفردة عائمة, وهو بصدد تجريم فعل/تصرف معين فماذا يقصد المشرع العراقي العتيد بمفردة "استقطاب" على وجه الدقة ؟؟؟ ثم أليست مفردة "نشاط" أكثر حيوية وفعالية بالنسبة لمن يقوم بتصرف/فعل معين من مفردة "استقطاب" أي أن المفردة الأولى "نشاط" تستغرق في معناها مفردة "استقطاب" فلماذا الفصل بين الاثنين بالأداة "أو" واذا كان هناك نوع من التمييز الممكن من جهة الدرجة لا الطبيعة أليس من المنطق القانوني السليم تقديم مفردة " استقطاب" على مفردة "نشاط". أقول: أعان الله القضاء العراقي, وبعض المشتغلين بالشأن القانوني فسأنتظر منهم بفارغ الصبر تفسيرا يميز بين المفردتين, فهم أحفاد أبو يوسف القائل وهو على فراش الموت:(اللهم أنك تعلم أني ما تركت العدل بين الخصمين الا في حادثة واحدة فاغفرها لي, فلما سأل عن تلك الحادثة قال:ادعى نصراني على الرشيد فلم يمكني أن امر الخليفة بالقيام من مجلسه, والمحاذاة مع خصمه, ولكني رفعت النصراني الى جانب البساط بقدر ما أمكنني ثم سمعت الخصومة قبل أن أسوي بينهما في المجلس فكان هذا جوري وان كنت قضيت على الرشيد).
4.لا أعتقد بوجود حاجة حقيقية للفصل الثامن من القانون في الظروف الراهنة, وهو الفصل المتعلق بالأحكام المالية على اعتبار أن المجاميع السياسية التي تباشر ما يسمى بالعمل السياسي في العراق الفيدرالي الديمقراطي تملك من مصادر التمويل ما لا تملكه الدولة العراقية اذا استثنينا واردات النفط, فمنتجات دول الجوار أغرقت الأسواق العراقية بالتعاون مع أطراف متنفذة على مستوى الداخل.
5.يجري حجب الاعانة عن الحزب السياسي طبقا للمادة (32/ثانيا/أ) من القانون في حالة قيامه – أي الحزب- بعمل من شأنه الاعتداء على حقوق وحريات مؤسسات الدولة والأحزاب الأخرى والنقابات والاتحادات والمنظمات غير الحكومية. وهذا نص غريب جدا فأية حريات يتحدث عنها النص تقرر لمؤسسات الدولة ؟ !!! ثم لماذا يجري تجاهل الطرف الاخر في العقد الاجتماعي ؟!!! وهم الأفراد الذين لا يحمي النص حقوقهم مطلقا أم أنه عقد اجتماعي أقيم فقط بين أربعين لصا بزعامة علي بابا ؟!!!
6.نصت المادة (32/أولا/1) على جواز حل الحزب السياسي بقرار من محكمة الموضوع بناء على طلب مسبب يقدم من دائرة الأحزاب في احدى الحالات الاتية......الخ والنص المشار اليه سيجعل مكنة الحل رهينة لارادة الأحزاب المتنفذة, وهو نص يكرس حالة الخبل السياسي الذي يعاني منه العراق الفيدرالي الديمقراطي التعددي!!! ثم لماذا لا يمنح النص هذا الحق "بتقديم طلب مسبب" من كل ذي مصلحة.
7. يبدو أن مشرع قانون الأحزاب السياسية لا يعي أن كل شخصية معنوية هي أحد أشخاص النظام القانوني بدليل أن المادة (18) جاءت بالصيغة الاتية:(يتمتع الحزب بالشخصية المعنوية والقانونية ويمارس نشاطه تبعا لذلك).
8.ورد في الفصل الثاني, وبالتحديد المادة (4/ثالثا ورابعا) الاتي:(ثالثا-لا يجوز أن ينتمي أي مواطن لأكثر من حزب سياسي في ان واحد. رابعا-يجوز لمن انتمى لأي حزب سياسي الالتحاق بحزب اخر بشرط انتهاء عضويته من الحزب السياسي الذي كان عضوا سابقا فيه). والفقرتين "ثالثا ورابعا" غريبتين حقا وتعكسان شكل صارخ من أشكال الازدواجية تعاني منها الأطراف المسؤولة عن تشريع الفقرتين المذكورتين فهما لا تقبلان بازدواج العضوية الحزبية بمعنى أزدواج الولاء الحزبي في حين أن دستور العام 2005, وقانون الجنسية العراقية النافذ ذو الرقم (26) لسنة 2006 يقبل بأزدواج الجنسية, والاتجاه المذكور يعني تكريس للواقع الموجود المتمثل بانعدام مفهوم الدولة مقابل صعود بل وتكريس لمفهوم الولاءات الضيقة القومية والعرقية والدينية والطائفية....الخ بل وحتى دون ذلك.
الكلام للكاتب زين نور الدين زين.
ورد استخدام مفردة "استقطاب" في المادة (51) أيضا, ونصها:(يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من قام بأي نشاط أو استقطاب أو تنظيم حزبي داخل مؤسسات الدولة كافة).
شاركنا بتعليقك...