المحامي عارف الشعال
سار المشرع السوري على نهج المشرع الفرنسي والمشرع المصري بعدم منح القاضي سلطة توجيه الأطراف لاستدراك نقص أو عيب في الإجراءات وتصحيحه خلال مدة يحددها لهم، كما فعل المشرع الإيطالي في المادة 316 وغيرها من قانون المرافعات الإيطالي، ولكنه منذ عهد القانون السابق تساهل وحثَّ القاضي على عدم الحكم بالبطلان رغم تحققه، إذا تحققت الغاية من الإجراء (المادة 40 و151 أصول محاكمات)،
أو إذا تنازل عن البطلان صراحة أو ضمناً الطرف الذي شُرِّعَ البطلان لمصلحته، ولم يكن متعلقاً بالنظام العام. (المادة 41 أصول محاكمات).
وخطا المشرع السوري خطوة كبيرة في قانون أصول المحاكمات الجديد في الأخذ بهذه النظرية، حينما منح القاضي سلطة إحالة الدعوى بحالتها الراهنة إلى المحكمة المختصة إذا حكم بعدم اختصاصه المحلي أو النوعي أو القيمي (المادة 148 أصول محاكمات) ومنها حالات كانت تعتبر من النظام العام الذي يوجب ردّ الدعوى في عهد القانون السابق.
ولا تخفى الحكمة من وراء الأخذ بالنظرية في هذه الحالة من توفير مشقة عدم اختيار المحكمة المناسبة على المتقاضين في ظل إحداث محاكم نوعية جديدة ومتشعبة كالتجارية والمصرفية.
موقف القضاء السوري من هذه النظرية:
في الواقع هناك نهج ملحوظ لدى العديد من السادة القضاة وبدافع الإحساس بوطأة وثقل الأمور الشكلية على المتقاضين، بقيامهم بشكل غير مباشر بتوجيه الخصوم لاستكمال نقص أو تصحيح عيب شكلي بالدعوى، وعادة ما يأتي هذا التوجيه إما شفاهاً، أو تحت ستار قرار إعدادي بـ (تكليف الأطراف إبداء أقوالهم النهائية تحت طائلة البت بالدعوى على وضعها الراهن).فضلاً عن ذلك هناك أمور استقر الاجتهاد على جواز القيام بتصحيحها بعد رفع الدعوى، كالعيوب التي تعتور صحة التمثيل، أو الصفة بالدعوى، بالأخص فيما يتعلق باختصام التركة:
((الاجتهاد القضائي مستقر على أن عيب التمثيل إذا زال أثناء رؤية الدعوى، تصبح إجراءات التقاضي صحيحة))
(نقض2 – ق 877 – تا 12/ 4/ 2010 – مجموعة الحسيني في صحة الخصومة - قا 63)
((إن تقديم طلب عارض لإضافة صفة على الادعاء بالنسبة للمدعى عليها بحيث تصبح ممثلة للقاصرين التي هي وصية عليهم، يجوز قانوناً ويعادل طلب الإدخال المنصوص عنه في المادة 151 من قانون أصول المحاكمات))
(نقض إيجارات – ق 1020 – تا 31/ 10/ 2005 – مجموعة الحسيني في صحة الخصومة - قا 229)
وبالمقابل نجد أن الاجتهاد متردد وغير مستقر بالنسبة لمعالجة حالة جواز إدخال الورثة بعد إقامة الدعوى على شخص تبين أنه ميت قبل ذلك تفادياً للوقوع بمغبة الانعدام.
فتارة يسمح الاجتهاد بهذا التصحيح:
((إن الدعوى ولئن أقيمت ابتداءً على ميت، فإن تصحيح الخصومة قبل انعقادها جائز قانوناً بمواجهة الورثة، بحسبان أن الانعدام يلحق الحكم في حال صدوره على ميت، أما وإن الدعوى في مراحلها الأولى ولم يصدر أي قرار بموجهة الميت، كما وأنه لم تنعقد الخصومة حين طلب دعوة الورثة، فإن تصحيح الخصومة جائز))
نقض2 – ق 1987 – تا 13/ 12/ 1998 – مجموعة الحسيني قا 796
كذلك نقض2 ق 1803 – تا 29/ 12/ 1996 – الحسيني قا 801
وطوراً نجد الاجتهاد متشدد في هذا الشأن يعتبر الانعدام متحقق في هذه الحالة ولا سبيل لتصحيحه أو تكملته.
((إن الدعوى التي تقام على ميت تعتبر معدومة ولا يمكن إجراء أي تصحيح بشأنها ومن المتوجب رد الدعوى لأنها أقيمت على ميت))
(نقض2 ق 1972 – تا 30/ 12/ 1999- مجموعة الحسيني قا 2523)
وبين هذا الرأي وذاك، نتمنى من السادة القضاة الجنوح للرأي الذي يأخذ بالتيسير من الأمور الشكلية على المتقاضين، والتخفيف عليهم من غلوائها ما أمكنهم ذلك.
لأن القضاء وجد لبسط العدالة بين المتقاضين وليس لتسقط عثراتهم وزلاتهم،
مستذكرين قول الفقيه الكبير "فتحي والي" أن:
{{النظام العام لا يضار ما دام قد أمكن تكملة العيب بحيث أصبح العمل صحيحاً}}
شاركنا بتعليقك...