بقلم القاضي بشار الجبوري
الأحوال الشخصية كما عرفها الفقه والقضاء هي مجموعة ما يتميز به الإنسان عن غيره من الصفات الطبيعية أو العائلية التي رتب القانون عليها أثراً قانونياً في حياته الاجتماعية ككون الإنسان ذكراً أو أنثى، وكونه زوجاً أو أرملاً أو مطلقاً أو أباً شرعياً، أو كونه تام الأهلية أو ناقصها لصغر سن أو جنون، أو كونه مطلق الأهلية أو مقيدها بسبب من أسبابها القانونية، فضلاً عن الأمور المتعلقة بالوقف والوصية التي تقوم غالبـاً على فكرة التصدق المندوب إليه ديانةً مما دفع بالمشرع إلى عَدها من قبيـل مسائل الأحوال الشخصية، وعلى ذلك فهي جامعة لمسائل الزواج والطلاق والولادة والنسب والحضانة والنفقة والوقف والوصية والميراث.
وتتأتى أهمية الموضوع من مساسه بمسائل الأحوال الشخصية التي تتعلق بشخص الإنسان كجنسه وحالته الاجتماعية وأهليته وكذلك اسرته التي هي عماد المجتمع، من جهة وتعلق الموضوع بالأحداث الأمنية التي شهدتها مناطق واسعة من العراق والتي أدت إلى ضياع وحرق بعض الأضابير القضائية الخاصة بالدعاوى والحجج أو تعرضها إلى التخريب والإتلاف أو صعوبة الوصول اليها. وبما أن مسائل الأحوال الشخصية الجامعة لمسائل الزواج والطلاق والولادة والنسب والحضانة والنفقة وغيرها، لصيقة بشخص الإنسان وحالته الاجتماعية، وهي مسائل ضرورية واساسية لا تحتمل التأجيل، ويتعين إيجاد الحلول الناجعة لها في ضوء ما استجد من وقائع وظروف استثنائية غير متوقعة، لا يتحمل المواطن مسؤولية حدوثها.
وبما أنه لا يجوز للمحكمة الامتناع عن القضاء بسبب فقدان النص، استناداً إلى المادة (30) من قانون المرافعات المدنية التي تنص على أنه: (( لا يجوز لأية محكمة ان تمتنع عن الحكم بحجة غموض القانون او فقدان النص او نقصه والا عد الحاكم ممتنعاً عن احقاق الحق، ويعد ايضا التأخر غير المشروع عن اصدار الحكم امتناعا عن احقاق الحق )). ذلك أن نصوص التشريعات تضم عادةً المبادئ العامة لأن من المتعذر وضع تشريع يجمع كافة المسائل الكلية والجزئية، فالنصوص متناهية والوقائع لا متناهية، ويتعين على القاضي الرجوع الى بقية مصادر القاعدة القانونية، واللجوء إلى الاجتهاد فيما لم يرد بحكمه نص بغية الوصول إلى الحكم الملائم في الواقعة المعروضة.
مما يتعين معه معالجة كيفية إثبات الأحكام والحجج المفقودة أو التي يتعذر الوصول إلى أولياتها وسجلاتها، وبيان الحلول القانونية التي يمكن عن طريقها معالجة مسألة المستندات المفقودة، وسنعالج هذه المسألة في فرضين، ثم نبين أهم النتائج في هذا الخصوص، وكما يأتي:
الفرض الأول
حالة وجود أصل السند أو صورة رسمية له
تعد الأحكام والقرارات والأوامر على العرائض (الحجج) التي تصدرها المحاكم من السندات الرسمية المادة (22/ ثانياً) من قانون الإثبات التي تنص على أنه: (( تعتبر من قبيل السندات الرسمية، شهادات الجنسية وبراءات الاختراع واحكام المحاكم وسجلات التسجيل العقاري وما هو في حكم ذلك )).
وقد عرف المشرع السندات الرسميــــة في المادة (21/ أولاً) من قانون الإثبات التي تنص على أن: (( السندات الرسمية، هي التي يثبت فيها موظف عام او شخص مكلف بخدمة عامة طبقاً للأوضاع القانونية وفي حدود اختصاصه ما تم على يديه او ما ادلى به ذوو الشأن في حضوره)).
وعالجت المادتان (23) و(24) من قانون الاثبات موضوع حجية صور السندات الرسمية على تفصيل في الأمر، إذ عالج النصان المذكوران فرضين؛ الأول: وجود أصل السند الرسمي، والفرض الثاني: وجود صورة رسمية للسند المذكور مع عدم وجود الأصل، ونعرض لذلك تباعاً في الفقرتين الآتيتين:
أولاً- وجود أصل السند الرسمي:
والمقصود بذلك هو وجود نسخة اصلية من السند الرسمي، كما هو الحال بالنسبة للنسخة الأصلية من عقد الزواج أو حجة الولادة او القسام الشرعي، إذ تعد هذه الحجج نسخاً أصليةً مادامت تحمل توقيعاً حياً للقاضي وختم المحكمة، وهذه السندات لها حجية تامة في الإثبات حتى مع فقدان أولياتها والسجلات التي سجلت فيها تلك الحجج، ما دامت تلك السندات سالمة من شبهة التزوير والتصنيع أو العيوب المادية.
وعلى ذلك يتعين في حالة تقديم المواطن طلباً تحريرياً لتزيده بصور رسمية من السند الرسمي المذكور، أن يتم حفظ النسخة الأصلية بعد أخذ توقيع المواطن بظهرها على شرح يتضمن ابرازها من قبله وتعهده بصحة مندرجاتها، ومن ثم يزود بالنسخ المصدقة بما يؤيد مطابقتها للأصل.
أما إذا كانت النسخة الأصلية المبرزة تشوبها شبهة التزوير أو التصنيع، أو فيها عيوب مادية كالكشط والمحو والشطب والتحشية وغير ذلك من العيوب في السند فيتعين في هذه الحالة تطبيق المادة (35) من قانون الإثبات التي تنص على أنه: (( أولاً– لا يعمل بالسند إلا اذا كان سالماً من شبهة التزوير والتصنيع. ثانياً– للمحكمة ان تقدر ما يترتب على الكشط والمحو والشطب والتحشية وغير ذلك من العيوب المادية في السند من اسقاط قيمته في الاثبات او انقاص هذه القيمة على ان تدلل على صحة وجود العيب في قرارها بشكل واضح. ثالثاً– اذا كان السند محل الشك في نظر المحكمة جاز لها من تلقاء نفسها ان تدعو الموظف الذي صدر عنه، او الشخص الذي حرره ليبدي ما يوضح حقيقة الامر فيه )).
ولذلك يتعين على المحكمة في هذه الحالة أن تجري تحقيقاتها المادية للتحقق من صحة السند، فإذا كان السند الرسمي عقد زواج جاز للمحكمة القيام بإجراء أو أكثر مما يأتي:
1.عرض السند على القاضي الذي أصدره أو الموظف الذي حرره إن كان موجوداً - متى أمكن ذلك- ليبدي ما يوضح حقيقة الأمر بصدده بمطالعة على أصل الطلب أو على ورقة مستقلة.
2.الاطلاع على هوية الأحوال المدنية للزوجين إن وجدت.
3.طلب صورة قيد الأحوال المدنية للزوجين مؤشراً فيها الحالة الزوجية ورقم وتاريخ وجهة إصدار عقد الزواج، إن كان عقد الزواج مؤشراً في سجلات دائرة الأحوال المدنية المختصة.
4.تدوين أقوال كلا الزوجين إن وجدا أو أحدهما، وسماع أقوال الشهود للتحقق من صحة السند.
5.طلب أي مستندات أخرى تؤيد قيام الحالة الزوجية، كالبطاقة التموينية المدرج فيها أسماء أفراد العائلة وبضمنهم الزوج، أو كتاب تأييد دائرة المواطن إن كان موظفاً، أو كتاب تأييد دائرة الهجرة والمهجرين، أو مضبطة تأييد من مختار منطقة سكن المواطن.
وهذا الأمر ينطبق على بقية السندات الأخرى بالقدر الذي يتلاءم مع طبيعة السند وجهة تأشيره، وبعد ثبوت صحة السند يحفظ أصله ويزود المواطن بصورة رسمية منه، وتكون لهذه الصورة الرسمية حجية السند الرسمي الاصلي لمطابقتها للأصل استناداً إلى المادة (23) من قانون الإثبات التي تنص على أنه: (( إذا كان أصل السند الرسمي موجوداً، فان صورته الرسمية خطية كانت أو مصورة، تكون لها حجية السند الرسمي الاصلي بالقدر الذي تكون فيه مطابقة للأصل. وتعتبر الصورة مطابقة للأصل ما لم ينازع في ذلك من يحتج عليه بها. وفي هذه الحالة الاخيرة يتعين مراجعة الصورة على الاصل )).
ثانياً- عدم وجود أصل السند الرسمي ووجود صورة رسمية له:
إن صورة السند الرسمية تقوم مقام الأصل، والمقصود بالصورة الرسمية هنا هو النسخة طبق الأصل من السند التي لا تحتوي توقيعاً حياً للقاضي الذي أصدره، وهذه الصورة الرسمية الاصلية يكون لها حجية الاصل متى كان مظهرها الخارجي لا يتطرق اليه الشك في مطابقتها للأصل، أما الصورة الرسمية المأخوذة عنها فيكون لها ذات الحجية لكن يجوز في هذه الحالة لمن يحتج عليه بهذه الصورة ان يطلب مراجعتها على الصورة الاصلية التي اخذت منها.
ولذا يتعين في هذه الحالة، أي حالة وجود صورة رسمية مأخوذة من صورة رسمية أصلية، وهي ما يمكن أن يصطلح عليها (طبق طبق الأصل) – إن صحت التسمية – أن يتم عرضها على من يحتج بها عليه للوقوف على أقواله بصددها.
وهذا الأمر يجد سنده في المادة (24) من قانون الإثبات التي تنص على أنه: (( إذا لم يوجد اصل السند الرسمي كانت صورته الرسمية حجة على الوجه الآتي: أولاً– يكون للصورة الرسمية الاصلية حجية الاصل متى كان مظهرها الخارجي لا يتطرق اليه الشك في مطابقتها للأصل. ثانياً– يكون للصورة الرسمية المأخوذة من الصورة الاصلية الحجية ذاتها، ولكن يجوز في هذه الحالة لمن يحتج عليه بهذه الصورة ان يطلب مراجعتها على الصورة الاصلية التي اخذت منها. ثالثاً– أما ما يؤخذ من صور للصورة المأخوذة من الصورة الاصلية فلا يعتد به إلا لمجرد الاستئناس تبعاً للظروف )).
أما إذا كان مظهر الصورة الرسمية الاصلية أو الصورة المأخوذة عنها الخارجي يتطرق اليه الشك في مطابقتها للأصل، فيجوز للمحكمة في هذه الحالة أن تجري تحقيقاتها المادية للتحقق من صحة السند على وفق ذات المنوال المنصوص عليه في الفقرة (أولاً) المذكورة آنفاً.
الفرض الثاني
حالة عدم وجود أصل السند أو صورة رسمية له
تنص المادة (18) من قانون الإثبات على أنه: (( يجوز ان يثبت بجميع طرق الاثبات ما كان يجب اثباته بالكتابة في الحالتين : أولاً– إذا فقد السند الكتابي بسبب لا دخل لإرادة صاحبه فيه. ثانياً– اذا وجد مانع مادي او ادبي حال دون الحصول على دليل كتابي )).
وهذا النص ورد تحت عنوان ( أحكام مشتركة) للدليل الكتابي، ولذلك فهو يسري على السندات الرسمية والعادية. ووفقاً لنص المادة أعلاه يجوز الاثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب اثباته بدليل كتابي، اذا فقد الدائن سنده الكتابي بسبب أجنبي لا يد له فيه، مما مقتضاه أن يجوز لمن يدعي أنه حصل علي سند حجة أو إعلام حكم ولم يكن بحوزته ذلك السند أو صورة رسمية له بسبب التهجير أو النزوح، أن يثبت ذلك السند بكافة طرق الاثبات لأنه انما يثبت واقعة مادية.
وهذه الحالة تتضمن فرضين؛ الأول: وجود صورة ضوئية للسند الرسمي، والفرض الثاني: عدم وجود أية صورة للسند المذكور، ونعرض لهذين الفرضين في الفقرتين الآتيتين:
أولاً- وجود صورة ضوئية للسند الرسمي:
وتشمل هذه الفرضية أيضاً ما يؤخذ من صور للصورة المأخوذة من الصورة الاصلية، إذ لا يعتد بهذه الصور الا لمجرد الاستئناس تبعاً للظروف استناداً إلى الفقرة (ثالثاً) من المادة (24) من قانون الإثبات. وهذه الصور ليست لها أي حجية في الإثبات، لأن الأصل أنه لا حجية لصور الأوراق الرسمية إلا إذا كانت هذه الصور بذاتها رسمية مأخوذة من السند الأصلي أو صورته الرسمية المأخوذة منه عملاً بالنص أعلاه، ويتعين على المحكمة في حالة تقديم طلب لتصديق صورة السند المذكورة، أن تجري تحقيقاتها المادية للتحقق من صحة صورة السند المبرزة، ولها في سبيل ذلك القيام بإجراء أو أكثر مما يأتي:
1.تدوين أقوال ذوي العلاقة كالزوجين في عقد الزواج إن وجدا أو أحدهما عند عدم حضور الزوج الآخر، وسماع أقوال الشهود للتحقق من صحة السند.
2.عرض السند على القاضي الذي أصدره أو الموظف الذي حرره إن كان موجوداً - متى أمكن ذلك- ليبدي ما يوضح حقيقة الأمر بصدده بمطالعة على أصل الطلب أو على ورقة مستقلة.
3.الاطلاع على هوية الأحوال المدنية للزوجين إن وجدت وطلب صورة قيد الأحوال المدنية للزوجين مؤشراً فيها الحالة الزوجية ورقم وتاريخ وجهة إصدار عقد الزواج، إذا كانت صورة السند لعقد زواج، وطلب أي مستندات أخرى تؤيد قيام الحالة الزوجية، كالبطاقة التموينية المدرج فيها أسماء أفراد العائلة وبضمنهم الزوج، أو كتاب تأييد دائرة المواطن إن كان موظفاً، أو كتاب تأييد دائرة الهجرة والمهجرين، أو مضبطة تأييد من مختار منطقة سكن المواطن.
4.إذا كانت الصورة المبرزة لقسام شرعي، فللمحكمة التحقق من صحة مندرجاتها بتدوين أقوال طالب التصديق، وكذلك أقوال طالب القسام إن وجد، وأقوال الشهود المؤيدة لوفاة المورث وتاريخ وفاته وحصر ميراثه بورثته وصلة كل واحد منهم به، والاطلاع على صورة قيد الأحوال المدنية للمتوفى وأفراد أسرته إن أمكن ذلك، والاستعانة بالخبرة لتعيين الحصص الأرثية وتوزيعها بين الورثة عند الاقتضاء.
5.إذا كانت الصورة المبرزة لحجة ولادة أو وفاة، فيمكن للمحكمة التحقق من صحة مندرجاتها بمفاتحة دائرة الأحوال المدنية المختصة - إن كانت الحجة مؤشرة لدى الدائرة المذكورة - وطلب صورة قيد الأحوال المدنية للمولود أو المتوفى مؤشراً عليها رقم وتاريخ وجهة إصدار الحجة والبيانات الأخرى التي تحتويها، كما يمكن للمحكمة مفاتحة مكتب تسجيل الولادات والوفيات في دائرة الصحة المختصة، إن كانت الحجة مؤشرة لديها.
فإذا تأكد للمحكمة صحة مندرجات الصورة الضوئية المبرزة للسند الرسمي الصادر عن المحكمة ذاتها، فيمكن للمحكمة إصدار حجة ثبوت صورة المستند وحفظ تلك الصورة مع أوليات الحجة وربط نسخ مختومة منها مع الحجة بوصفها مرافقاً للحجة مع الإشارة لذلك في متن الحجة، وهذه الحجة تسمى حجة ثبوت صورة عقد زواج، أو حجة ثبوت صورة قسام شرعي ... الخ.
ثانياً- عدم وجود صورة للسند:
يتعين على المحكمة في هذه الحالة إجراء تحقيقاتها على وفق ما ورد في الفقرة (أولاً) أعلاه، ومن ثم إصدار حجة بثبوت السند، كحجة ثبوت سند عقد الزواج، أو حجة ثبوت سند القسام الشرعي ... الخ.
النتائج:
ونعرض فيما يأتي أهم ما توصلنا إليه من نتائج:
1.إن الأحكام والقرارات والأوامر على العرائض (الحجج) التي تصدرها المحاكم تعد من السندات الرسمية المادة (22/ ثانياً) من قانون الإثبات وتطبق بصددها المادتان (23) و(24) من القانون ذاته التي عالجت مسألة حجية صور السندات الرسمية عند وجود أصل السند الرسمي، أو وجود صورة رسمية للسند المذكور مع عدم وجود الأصل.
2.إن نسخ السندات الرسمية، كعقد الزواج أو حجة الولادة او القسام الشرعي، تعد نسخاً أصليةً مادامت تحمل توقيعاً حياً للقاضي وختم المحكمة، وهذه السندات لها حجية تامة في الإثبات حتى مع فقدان أولياتها والسجلات التي سجلت فيها تلك الحجج، ما دامت تلك السندات سالمة من شبهة التزوير والتصنيع أو العيوب المادية.
3.في حالة تقديم المواطن طلباً تحريرياً لتزيده بصور رسمية من السند الرسمي المذكور، يتعين حفظ النسخة الأصلية المذكورة بعد أخذ توقيع المواطن بظهرها على شرح يتضمن ابرازها من قبله وتعهده بصحة مندرجاتها، ومن ثم يزود بالنسخ المصدقة بما يؤيد مطابقتها للأصل.
4.إذا كانت النسخة الأصلية المبرزة تشوبها شبهة التزوير أو التصنيع، أو فيها عيوب مادية كالكشط والمحو والشطب والتحشية وغير ذلك من العيوب المادية في السند، فيتعين في هذه الحالة تطبيق المادة (35) من قانون الإثبات، ويتعين على المحكمة في هذه الحالة أن تجري تحقيقاتها المادية للتحقق من صحة السند.
5.عند ثبوت صحة السند يحفظ أصله ويزود المواطن بصورة رسمية منه، وتكون لهذه الصورة الرسمية حجية السند الرسمي الاصلي لمطابقتها للأصل استناداً إلى المادة (23) من قانون الإثبات.
6.في حالة عدم وجود أصل السند الرسمي ووجود صورة رسمية له، فإن هذه الصورة تقوم مقام الأصل، والمقصود بالصورة الرسمية هنا هو النسخة طبق الأصل من السند التي لا تحتوي توقيعاً حياً للقاضي الذي أصدره، وهذه الصورة الرسمية الاصلية يكون لها حجية الاصل متى كان مظهرها الخارجي لا يتطرق اليه الشك في مطابقتها للأصل، أما الصورة الرسمية المأخوذة عنها فيكون لها ذات الحجية لكن يجوز في هذه الحالة لمن يحتج عليه بهذه الصورة ان يطلب مراجعتها على الصورة الاصلية التي اخذت منها، عملاً بالمادة (24) من قانون الإثبات.
7.إذا كان مظهر الصورة الرسمية الاصلية أو الصورة المأخوذة عنها الخارجي يتطرق اليه الشك في مطابقتها للأصل، فيتعين على المحكمة في هذه الحالة أن تجري تحقيقاتها المادية للتحقق من صحة السند.
8.في حالة عدم وجود أصل السند أو صورة رسمية له فيتعين تطبيق المادة (18) من قانون الإثبات التي تجيز الاثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب اثباته بدليل كتابي اذا فقد الدائن سنده الكتابي بسبب أجنبي لا يد له فيه، مما مقتضاه أن من يدعي أنه حصل علي سند حجة أو إعلام حكم ولم يكن بحوزته ذلك السند أو صورة رسمية له، يجوز له أن يثبت ذلك السند بكافة طرق الاثبات لأنه انما يثبت واقعة مادية، مع الإشارة إلى أن إثبات إعلام الحكم – عند عــدم وجود أصل الإعلام أو صورة رسمية له - يتعين أن يتم بنتيجة دعوى تنظرها محكمة الموضوع في حالة إنكار الخصم الآخر وجود الحكم أو صحته، ولا يجوز أن يتم الأثبات في هذه الحالة أمام القضاء الولائي، لأن ولاية الأخير لا تتسع لحسم الحقوق.
9.في حالة وجود صورة ضوئية للسند الرسمي وتشمل هذه الفرضية أيضاً ما يؤخذ من صور للصورة المأخوذة من الصورة الاصلية، إذ لا يعتد بهذه الصور الا لمجرد الاستئناس تبعاً للظروف استناداً إلى الفقرة (ثالثاً) من المادة (24) من قانون الإثبات. وهذه الصور ليست لها أي حجية في الإثبات، لأن الأصل أنه لا حجية لصور الأوراق الرسمية إلا إذا كانت هذه الصور بذاتها رسمية مأخوذة من السند الأصلي أو صورته الرسمية المأخوذة منه، عملاً بالنص أعلاه، ويتعين على المحكمة في حالة تقديم طلب لتصديق صورة السند المذكورة، أن تجري تحقيقاتها المادية للتحقق من صحة صورة السند المبرزة، فإذا تأكد للمحكمة صحة مندرجات الصورة الضوئية المبرزة للسند الرسمي الصادر عن المحكمة ذاتها، فيتعين إصدار حجة ثبوت صورة المستند، وحفظ تلك الصورة مع أوليات الحجة وربط نسخ مختومة منها مع الحجة بوصفها مرافقاً للحجة مع الإشارة لذلك في متن الحجة وصورة السند المذكورة آنفاً، وهذه الحجة تسمى حجة ثبوت صورة عقد زواج أو حجة ثبوت صورة قسام شرعي ... الخ.
10.في حالة عدم وجود صورة للسند يتعين على المحكمة في هذه الحالة إجراء تحقيقاتها على وفق ما ورد في الفقرة (أولاً) أعلاه، ومن ثم إصدار حجة بثبوت السند، كحجة ثبوت سند عقد الزواج أو حجة ثبوت سند القسام الشرعي ... الخ.
ونرى في هذه الحلول المستمدة من نصوص قانون الإثبات ومبادئه العامة، تحقيقاً للعدل الواجب، ومنعًا لضياع حقوق ذوي الشأن بسبب لا يد لهم فيه.
والله ولي التوفيق.
شاركنا بتعليقك...