حقُ المتهم في دفع التهمة عن نفسه، هو من المبادئ الأساسية لضمان حقوق الإنسان، وهو حقٌ دستوريٌ أصيل، كرّسته كافة الدساتير المدوّنة، ومن ضمنها القانون الأساسي الفلسطيني المعدّل، الصادر بالثامن عشر من شهر آذار/ مارس 2003م، والذي افترض بالمادة 14 منه براءة المتهم حتى تثبت إدانته في محاكمةٍ قانونيّةٍ تُكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، وكل متهمٍ في جناية يجب أن يكون له محامٍ يدافع عنه.
ولمـّا كان الهدفُ من وضع القوانين المنظّمة للإجراءات الجزائية هو الحفاظُ على حقّين متعارضين، حقُ المجتمع في اقتضاء العقاب، وحقُ المتهم في براءته من التهمة المنسوبة إليه تطبيقاً لمبدأ "الأصلُ براءة المتهم حتى تثبت إدانته في محاكمةٍ عادلةٍ" وهو ما أملى السعي من جانب شرّاع القانون لوضع قواعد مُلزمةٍ تحقّق تكافؤ الفرص بين هذين الحقّين المتعارضين، وضمان عدم طغيان حق المجتمع على مصلحة المتهم، ومنح كل متهم بجنايةٍ الحق في ان يكون له من يدافع عنه، وهي ضماناتٌ يعود الفضل في تكريسها للقانون الانكليزي للحقوق الصادر عام 1695م.
وهو ما سار عليه مشرّع قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني رقم 3 لسنة2001م، حين أوجب بالمادة 244 منه على محكمة الجنايات أن تسأل المتهم إذا اختار محامياً للدفاع عنه، فان لم يكن قد فعل بسبب ضعف حالته الماديّة انتدب له رئيس المحكمة محامياً، مارس المهنة لمدة لا تقل عن خمس سنوات، أو مارس قبل حصوله على إجازة المحاماة العمل في النيابة العامة أو في القضاء مدة لا تقل عن سنتين، كما أوجب في المادة 245 على ذات المحكمة أن تقرر في ختام المحاكمة أتعاب المحامي المنتدب بموجب المادة السابقة، وتصرف الأتعاب من خزينتها.
وهو ضمانٌ استقاهُ مشرّعنا الوطني من مجموعة المبادئ الأساسية بشأنِ دور المحامين الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين لسنة 1990م، والتي أعطت لكل شخصٍ الحق في طلب المساعدة من محام يختاره بنفسه لحماية حقوقه وإثباتها، وللدفاع عنه في جميع مراحل الإجراءات الجنائية، مع إلزام الحكومات بتوفير إجراءات فعّالة، وآليات تتيح الاستعانة بالمحامين بصورة فعّالة وعلى قدم المساواة لجميع الأشخاص الموجودين في أراضيها والخاضعين لولايتها، دون تمييز، وكفالة توفير التمويل الكافي لتقديم الخدمات القانونية للفقراء، وأن يكون للأشخاص الذين ليس لهم محامون الحق في أن يعيّن لهم محامون ذو خبرة وكفاءة تتفق مع طبيعة الجريمة المتهمين بها، ليقدموا إليهم مساعدة قانونية فعّالة، وذلك في جميع الحالات التي يقتضي فيها صالح العدالة ذلك، ودون أن يدفعوا مقابلاً لهذه الخدمة إذا لم يكن لديهم مورد كاف لذلك.
كما أعطت المادة 44/7 من قانون تنظيم مهنة المحاماة الفلسطيني رقم 3 لسنة 1999م، لنقيب المحامين الحق في أن يكلّف أي محامٍ بخدمةٍ مهنيّةٍ مجّانيةٍ يقدمها للنقابة مرّة كل سنة، ومن ضمنها، الدفاعُ عن شخص ثبت للنقيب فقرهُ وعدم استطاعته دفع أي أجور للمحامي، وكل محامٍ يرفض دون سبب مقبول تقديم معونةٍ بعد تكليفه بتقديمها أو يهمل بواجب الدفاع بأمانة يتعرض للعقوبات المسلكية.
وبهذا قضت محكمة التمييز الأردنية بصفتها الجزائية بهيئة خماسيّة بقرارها رقم 1196 لسنة 2002م الصادر بتاريخ الخامس من كانون ثاني/ يناير 2003م، والذي جاء فيه " توجب أحكام المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على رئيس المحكمة أو من ينيبه من القضاة عندما تكون عقوبة الجرائم في الدعاوى المنظورة والمحالة على المحكمة معاقباً عليها بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد أن يسأل المتهم إذا كان قد وكّل عنهُ محامياً للدفاع عنه فان لم يكن قد فعل وكانت حالتهُ الماديّة لا تساعده على توكيل محام عيّن له الرئيس أو نائبه محامياً".
بقلم المُسـتشار/ أحمـــد المبيض
شاركنا بتعليقك...