سن الزواج في القانون المصري
بقلم الباحث / حاجم الراكان
وضعت كثيرمن القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية سناً معينة للأعتراف بالزواج. ([1]) بينما لم يورد القانون المصري الصادر عام 1923 مثل هذا القيد بل اكتفى بمنع سماع الدعوى في مثل هذا الزواج إذا قل عمر الزوج عن ثماني عشرة سنة والزوجة عن ست عشرة سنة .([2]) وقيد هذا القانون صلاحيات الموظف الرسمي المختص بمباشرة الزواج بأن يتأكد من أن سن الزوجين ليست أقل من السن القانونية ووضع القانون المصري عقوبات على الشهود الذين يكذبون بشأن عمر الزوجين .
وتم تحديد سن الزواج في العراق وتونس والمغرب وسوريا وكثير من البلاد العربية .
ويذكر أبو زهرة أن موقف القانون المصري جاء بناءاً على ما لولي الأمر من سلطة في تخصيص القضاء بالزمان والمكان والحادثة وبمقتضى ذلك الأصل منع ولي الأمر القضاء من سماع دعوى الزوجية أو أي أثر من أثارها المبينة على الزوجية إذا كانت سن أحد الزوجين وقت التقاضي دون السن المحددة . ([3])
ومن هذا الأختلاف في الحكم بين القانون المصري والقوانين العربية الأخرى نرى أن المشرع المصري قد أخذ بما ذهب اليه جمهور فقهاء المسلمين من جواز زواج الصغير.ولكنه أراد أن يضيق من نطاق هذا الحكم ، بمنع سماع الدعوى ومنع المأذونين من تصديق العقد ومعاقبة شهود الزور ، أي أنه حاول تحديد سن الزواج بصورة غير مباشرة .
وأمام هذا النقص التشريعي في مصر فإن القضية ما زالت تتفاعل بصورة أكثر من غيرها من الدول الأخرى حيث تتم عمليات تزويج للقاصرات بدون أن تتم كتابة العقد أو يكتب عقد عرفي مما حدا بالنيابة العامة للالتجاء الى سماحة مفتي الديار المصرية الذي أكد في (تصريح) أن زواج القاصرات يعتبر استغلالاً جنسياً للأطفال يجب معاقبة من يفعله أو يقوم به سواء الأبوين أو المحامين أو الوسطاء وأن الأب الذي يزوج أبنته لرجل في عمر جدها يعتبر فاسقاً . ([4])
ويمكن القول أن القوانين التي تحدد سن أدنى متوافقة مع الأتجاه الفقهي الأسلامي الذي يرى تحديد هذه السن أما إتجاه المشرع المصري فهو متوافق مع من يقول بعدم التحديد في الفقه الاسلامي ،إلا أن المشرع المصري خرج على هذا الاتجاه بصورة عملية واحتاج الى تبرير هذا الخروج بالقول إن الامام له أن يقيد نظر الدعوى كما قال الامام الجليل محمد أبو زهرة .أو القول أن للإمام تقييد المباح .[5]
ونرى أن حجج القائلين بتحديد سن الزواج من فقهاء المسلمين هي أكثر قوة .وأن قوانين الاحوال الشخصية المستمدة من الشريعة الاسلامية التي أخذت بتحديد سن الزواج هي اكثر توفيقاً. ولإسباب متعددة منها :
1- نرجح ما ذكر في تفسير الآية الكريمة ﴿ وإذا بلغوا النكاح ﴾ بأن الله تعالى لم يذكر (بلوغ النكاح) بدون غاية ، وحتى أذا ما كانت الأية الكريمة قد سيقت لموضوع دفع أموال اليتامى فإن إشارتها واضحة في أن هناك شيئاً هو بلوغ للنكاح .
2- ونؤيد من قال أن الأحتجاج بزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) هو أمر خاص به مثل السماح له بالزواج بأكثر من أربعة .
3- وأما زواج الصحابة وأبنائهم وبناتهم فإن الروايات فيها على الأغلب لم تؤكد إقرار الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم ) لها ، وحتى سماع الرسول الكريم بها .والمعذرة فلم استطع الرجوع الى كتب الحديث واساتذته لضيق الوقت وتشعب البحث في مجالات أخرى .
4- تغير الحياة وأنماطها وأساليب العيش فيها ، وعدم ضمان الأحتراز من اساءة عدم تقييد الزواج بسن معينة من قبل الأولياء والاوصياء والمسيئين من أفراد المجتمع والأشخاص القصر أنفسهم ، وخصوصاً وأن القوانين التي أخذت بذلك في الدول العربية لم تجعل الحد الأدنى لسن الزواج مرتفعاً . وكذلك مع وجود استثناء في أغلب الدول يبيح الزواج بموافقة القضاء والولي في سن الخمسة عشر عاماً .([6]) وهي سن مبكرة للزواج في حياتنا المعاصرة .
5- أن الحياة الواقعية تؤكد أن هناك ارتفاع متزايد في سن الزواج في كثير من هذه البلاد فالمشكلة الواقعية الحقيقية التي تواجه هذه المجتمعات هي تأخر زواج الشباب وليس التبكير في الزواج ما عدا اليمن . (وحسب المصادر التي استطعت الحصول عليها ) .
[1] موقع تشريعات أردنية
[2] أبو زهرة – المصدر السابق – ص 123
[3] أبو زهرة – المصدر السابق – ص 124
[4] لم يستطع الباحث الحصول على فتوى رسمية لسماحة مفتي مصر وأنما كان تصريح نقل على شبكة الأعلام
www.arabiya.net/articles/2010/02/11/100013
[5] تصريح في نفس المقال السابق للدكتورة سعاد صالح أستاذة الفقه المقارن في جامعة الازهر.
[6] مثل الأردن والعراق وسوريا
شاركنا بتعليقك...