بقلم المحامي / عارف الشعال
إن كرامة أي أخ محام مسجل بالجدول، هي من كرامة كافة المحامين بما فيهم عميد الجدول، حتى لو كان هذا الزميل قد حلف اليمين بالأمس.
وكذلك الأمر أيضاً كرامة القضاة والمحاكم والسلطة القضائية، هي من كرامة المحامين والمحاماة.
والخلاف والاصطدام بالعمل أمر شائع بين طبقات المحامين والقضاة، ومهما كان سبب الخلاف ودرجته، فهناك أطر قانونية مرسومة بدقة ووضوح لمعالجته.
هذه الأطر المرسومة لمعالجة أي خلاف، ناجمة عن تجربة تراكمية طويلة، وموضوعة لتحفظ كرامة الجميع وتكفل سير عمل جناحي العدالة بما يحقق هدف المؤسسة القضائية والتنظيم النقابي.
إن أي تجاوز لهذه الأطر واللجوء لطرق بديلة أخرى سواء لعدم القناعة بجدوى هذه الأطر أو للجهل بها، له نتائج تفوق في سوئها الخلاف بحد ذاته، لتنال من طبقة كاملة من رجال القانون وتؤثر عليها بشكل غير مباشر،
وبعيداً عن هذه الأطر التي يعرفها الجميع، سأنقل لحضراتكم مقالاً جامعاً مانعاً، عن العلاقة بين المحامي والقاضي لأحد شيوخ المهنة وكبارها ممن له بصمات راسخة في نقابة المحامين أمضى في ممارسمة المهنة ما ينوف عن ستين عاماً وهو المحامي المرحوم "إبراهيم البطل" منشور في مجلة "المحامون" – عام 1947 – العدد الثاني، يصف فيه هذه العلاقة بدقة متناهية بأنها يجب أن تقوم على (الثقة والكياسة) فيقول:
((كل من تعاطى المحاماة والقضاء شعر أن بين هذين الأخوين تنافرا وتحاسداً وعداء مسلكياً كثيراً ما يعود عليهما بنتائج سيئة، وهذا شيء مستغرب ولكنه واقعي، أما دواؤه ففي متناول كل منهما واستطاعته:
ثقة متبادلة وكياسة.....
فمتى وجدت الثقة امتنع على القاضي أن يظن السوء في المحامي، وأصبح المحامي مدافعاُ عن حرمة القاضي ونزاهته من أن تتناولها ألسنة الناس، ومتى وجدت الكياسة أصبح القاضي يتلمس الأسباب التي تؤول لرفع شكوى المحامي وأضحى المحامي يتحرى عدم إزعاج القاضي في مرجعاته ومدافعاته، فكم من قاض يستهين بمصلحة المحامي وشخصه أحيانا لا سيما إذا كان المحامي حديث العهد بصناعته فيتجاهل وجوده وانتظاره المدة الطويلة بينما هو يشغل نفسه في قضايا أفراد عاديين لا يضيرهم أن ينتظروا نصف ساعة من الزمن زيادة على الوقت المعين، ويوجه إليه أحيانا بعض الملاحظات العلنية ليظهر خطأه أمام موكليه والنظارة، وكم من محام حين يخسر قضيته يتهم القاضي بالانحياز والرشوة ليبرر خسارته أمام موكليه، أو هو على الأقل يتهمه بالجهل وقصر الباع، ولو أن الأول أحسن معاملة الثاني وقدر معاذيره وظروفه وجعله يشعر أنه يترافع أمام صديق لا عدو، لما وجد من الثاني إلا كل احترام وتقدير وثناء حتى حين يخطئ ضده في الحكم لا يتهمه أو يشنع في وصفه بل يلتمس له عذرا بقوله:
جلَّ من لا يسهو.
ومن المؤلم حقا أن نرى قاضياً يتشدد في تعين موعد الجلسات في وقت لا يلائم أوقات المحامي وهو لو تساهل معه في ذلك لما كلفه الأمر شيئا، كما يؤلمني أيضا أن أرى محامي يحاول إرهاق القاضي في مدافعاته فيذكر في لوائحه وقائع لا وجود لها في الإضبارة، أو لا يعين على الضبط نص تلك الوقائع ومحل وجودها ويجبر القاضي على تقليب الإضبارة برمتها ليتحقق من صحة ذلك، وهو لو راعى الدقة لوفر عناء القاضي واكتسب ثقته، فالتقاضي ليس ميدان إرهاق وإزعاج بل سلوك سبيل يؤدي إلى إظهار الحق وإقامة العدل، وشيء من الكياسة في هذا الميدان يسهل مهمة المحامي في قبول مراجعاته المستعجلة وإجابتها في حينها وفي تحديد مواعيد جلساته في الأوقات التي يستطيع فيها المثول أمام المحكمة، ويسهل مهمة القاضي في الوصول إلى الحقيقة على طريق معبدة، فلست أتصور محامياً يحاول عرقلة أعمال محكمة تعامله باللين والإحسان.
كذلك يؤلمني أن أرى قاضياً يستعلي على زملائه المحامين ظناً أن جلوسه على منصة أعلى في غرفة المحاكمة تجعله أرفع شأنا وأعلى سوية فيخسر مودتهم وعطفهم ثم إذا بالأيام تدور دورتها وإذا بهذا القاضي قد ترك الوظيفة وصار محامياً ولكنه على كل حال محام لا يمتع بالشيء الكثير من روابط الأخوة وتبعته في ذلك على نفسه، فإلى أمثال هذا القاضي أقول:
يجب أن تعلموا وتتأكدوا أن كثيرين من الذين تصعرون لهم خدكم لو أنهم شاؤوا لكانوا على منصة القضاء مثلكم، وأنكم في أحد الأيام صائرون إلى حظيرتهم فاربؤوا بأنفسكم أن تخسروا إخوانا وأصدقاء لامناص لكم من أخوتهم وصداقتهم.
وأما أنت يا صديقي المحامي فاعلم إنك كنت فيما مضى تحضر إلى المحكمة بوكالة ينوه عنها في ضبط المحاكمة ثم تعاد إليك، وكنت تحضر إلى ديوان المحكمة فتطالع وتدرس ما شئت من الإضبارات دون رقيب أو شك، أما الآن فيجب عليك ربط الوكالة في كل دعوى ولا يجوز لك أن تمس إضبارة دون رقابة وإشراف مباشرين.
فحاسب نفسك على سبب خسرانك هذه الثقة واعلم انه ليست مصلحة الخزينة هي التي توجب عليك إبراز صورة مصدقة عن الوكالة في كل دعوى ومراجعة، ولا مصلحة المحكمة هي التي توجب إشراف الكاتب عليك حين درسك إضبارة الدعوى بل أعمال شاذة معينة ومعروفة أضاعت الثقة بك فحاول أن تستعيدها بإقامة البرهان الدامغ على صدقك وأمانتك لأنك إن ربحت كل قضاياك وخسرت ثقة المحكمة فأنت خاسر وإذا خسرت كل قضاياك وربحت ثقة المحكمة فأنت الرابح))
شاركنا بتعليقك...