الطلاق التعسفي في التشريع العراقي
الطلاق التعسفي |
صادفت يوماً ان طلب مني احد المراجعين في المحكمة تطليق زوجته وبعد الالحاح مني لمعرفة السبب، اجاب انها تضع عطر اثناء الخروج من المنزل وقد منعتها ولم تمتنع، رفضت ان اسير معه في تفاصيل تلكم الدعوى ، اتصل بي بعد ان حصل على قرار الطلاق واخبرني ان القاضي كَيَفَ طلاقهُ لزوجتهِ بكونه متعسف بإيقاع الطلاق. فحين يوقع الزوج الطلاق دون رضا الزوجة، بتعسف منه ولإالحاق الضرر بها دون وجه حق، فانه يعتبر بمثل هذا الطلاق متعسفاً بحق زوجته، وقد استمد المشرع احكام التعسف في القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل أحكام نظرية التعسف في استعمال الحق من الفقه الإسلامي وأولاها عناية خاصة فأوردها في الباب التمهيدي كنظرية عامة تطبيق على جميع التصرفات لا كتطبيق للخطأ في المسؤولية التقصيرية، وعالجت المادة السابعة من القانون المدني حالة التعسف في استعمال الحق فكان نصها:
1.من استعمل حقه استعمالاً غير جائز وجب عليه الضمان.
2. ويصبح استعمال الحق غير جائز في الأحوال التالية:
أ- إذا لم يقصد بهذا الاستعمال سوى الإضرار بالغير.
ب- إذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مطلقاً مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها.
ج- إذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها غير مشروعة،وبناء على ما تقدم واعتماداً على فكرة التعسف أو إساءة استعمال الحق اخذ المشرع العراقي في قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 وفي المادة (39/3) منه بفكرة التعسف في استعمال حق الطلاق واعتبر الزوج الذي يطلق زوجته دون سبب متعسفاً في التعامل مع حق الطلاق ويترتب عليه تعويض عن الضرر الذي أصاب مطلقته من جراء ذلك ويتناسب هذا التعويض مع حالة الزوج المالية ودرجة التعسف.وهنا سأوضح بعض المعايير التي يمكن الركون إليها لاعتبار الطلاق الواقع تعسفياً من عدمه, وهذه المعايير هي:
1.أن يقع الطلاق من قبل الزوج دون سبب مبرر أو ضرورة.
2.أن لا يكون وقوعه بسبب سوء تصرف الزوجة.
3.أن لا يكون بطلبها أو برضاها.
4.أن تصاب الزوجة (المطلقة) بضرر من جراء هذا الطلاق.
فهذه المعايير إذا ما توفرت جميعها بدعوى الطلاق فأن الزوج يكون متعسفاً في استعمال حق الطلاق.
و سواء كان الطلاق قبل الدخول أم بعده وهذا هو مذهب الظاهرية، الذين استندوا على عمومية الآية الكريمة ((وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين))البقرة( 241)، وهذا الرأي الراجح لأنه قد تصاب الزوجة المطلقة غير المدخول بها بالضرر نفسه الذي تصاب به المطلقة المدخول بها وقد يكون ضرراً مادياً أو أدبيا مؤثر على سمعة وشرف الزوجة التي تطلق قبل الدخول بها دون سبب مقنع مما يؤدي إلى تشويه سمعتها, فالضرر الذي يصيبها لا يختلف عن الضرر الذي يصيب المطلقة المدخول بها بل قد يكون اشد منه في بعض الأحيان.
وعليه سأجمل بعض الصور التي تعتبر فيها الزوج متعسفاً في ايقاع الطلاق على سبيل المثال لا الحصر من خلال التطبيقات القضائية لنص الفقرة الثالثة من المادة التاسعة والثلاثين ومنها:
أولاً. دعاوى تصديق الطلاق الواقع خارج المحكمة:
فعندما يقوم الزوج بإيقاع الطلاق على زوجته خارج المحكمة سواء أمام رجل الدين أو الشهود أو بدونهم وسواء كانت الزوجة حاضرة مجلس الطلاق أم لا, ويقع الطلاق دون موافقة الزوجة وليس بناء على طلبها وتصاب بالضرر المادي أو الأدبي من جرائه, فعندما تقام دعوى أمام محاكم الأحوال الشخصية لتصديق الطلاق من قبل الزوج أو الزوجة فالمحكمة في مثل هذه الحالات تفترض تعسف الزوج في استعمال حق الطلاق ما لم يثبت الزوج أن الطلاق وقع بناء على سبب يبرر إيقاعه فإذا اثبت ذلك السبب للمحكمة واقتنعت به فستنفي عن الزوج حالة التعسف وان اعتبار الطلاق الواقع خارج المحكمة طلاقاً تعسفيا، ولكن لا تعتبر كل حالات تصديق الطلاق خارج المحكمة طلاقاً تعسفيا بل بعضها وبحسب الاحوال.
ثانياً:- إصرار الزوج على الطلاق:
في هذه الصورة قد يحصل أن يقيم الزوج دعوى الطلاق أمام المحكمة المختصة وعند التحقيق يظهر أن الزوج هو المقصر ولكنه يصر على الطلاق رغم ذلك بواسطة المحكمة خصوصاً إذا كانت الزوجة متمسكة بالرابطة الزوجية.
ثالثاً:- مفاجأة الزوج للمحكمة وإيقاعه الطلاق.
يحصل أن تنظر المحكمة في دعوى الطلاق وفي خلال الإجراءات وقبل أن تتم المحكمة تحقيقاتها حول موضوع الدعوى يقوم الزوج بمفاجأة المحكمة ويتلفظ بلفظ الطلاق على زوجته سواء كانت حاضرة المجلس أم لا خصوصاً وان الزوجة ترفض الطلاق أو التفريق. ولكي تستحق الزوجة التعويض عن الطلاق التعسفي لابد من توفر كافة الشروط التي حددتها المادة (39/3) أحوال شخصية بعد اقتناع القاضي بتعسف الزوج في إيقاع الطلاق وفي ظل حدود يجب مراعاتها وفق ما جاء في المادة أعلاه والتي يكون من المناسب أذكر نصها لبيان أهم الشروط التي تضمنتها فقد نصت على ((إذا طلق الزوج زوجته وتبين أن الزوج متعسف في طلاقها وان الزوجة أصابها ضرر من جراء ذلك تحكم المحكمة بطلب منها على مطلقها بتعويض يتناسب وحالته المالية ودرجة تعسفه يقدر جملة على أن لا يتجاوز نفقتها لمدة سنتين علاوة على حقوقها الثابتة الأخرى)).
علماً انه إذا لم تطلب الزوجة أو وكيلها التعويض عن الطلاق التعسفي فليس للمحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها، و يقدر التعويض جملة بما لا يتجاوز نفقة الزوجة مدة سنتين، أي إن مبلغ التعويض يقدر دفعة واحدة وليس أقساط، وقد يحدد بناء على اتفاق الطرفين او بواسطة خبير يؤخذ بنظر الاعتبار عند تقدير مبلغ التعويض عن الطلاق التعسفي حالة الزوج المالية يسراً أو عسراً ومن خلال ما يمتلكه من أموال منقولة وغير منقولة والموارد الأخرى كالراتب مثلاً ويقع عبء إثبات يسر حالة الزوج على عاتق الزوجة بكافة طرق الإثبات بما فيها الشهادة، ولا ينظر لحالة الزوجة الاقتصادية ولا الاجتماعية .
المحامية علياء عبود الحسني
انظر أيضاً:
شاركنا بتعليقك...