الاسـتجواب Interrogation من الفعل (ج و ب) وهو مصدر اِسْتَجْوَبَ، ويسمّى في بعض القوانين العربيّة (استنطاق) فيقال: اسْتَجْوَبَهُ أي طلبَ منه الجوابَ، وكذلك، اِسْتَجْوَبَهُ لِيَعْرِفَ رَأْيَهُ ويِسْتَطْلَعَهُ؛ ومنه: استجوبَ يستجوب، استجواباً، فهو مُستجوِب، والمفعول مُستجوَبٌ، ومنها: استجوب القاضي الشاهدَ، وخَضَعَ الْمُتَّهَمُ لاِسْتِجْوَابٍ النيابَة عَنْ حَيَاتِهِ وَتَنَقُّلاَتِهِ والتُهمة المظنون بارتكابها، وقد يستخدمُ أحياناً كمصطلحٍ يدلُّ على ما يطرحهُ نواب البرلمان من استفساراتٍ على رئيس الحكومة أو أحد الوزراء ويُسمى باستجواب الحكومة.
كما يستخدم لما يقوم به أفراد الشرطة والأمن من استجواباتٍ للمتّهمين لاستخلاص الحقائق أو المعلومات من المشتبه بهم بالمساءلة والتحقيق
والاستجواب لغةً، طلبُ الإجابة، وردّ الجواب، والجوابُ، هو ما يكون ردّاً على السؤال، وهو في الاصطلاح الجزائي، مناقشةُ المتهم مفصلاً ومواجهته بالأدلّة أو بغيره من المساهمين أو الشهود وذلك لإثبات التهمة أو نفيها، وبتعريفٍ آخر: الشُروعُ بمناقشة الظنين/المتهم ومجابهته بالأدلّة القائمة ضده بصورةٍ تفصيليّةٍ بهدفِ كشف الغموض الذي يُحيط بالواقعة محلّ الاستجواب، ومطالبته بالردِّ على التهمة المنسوبة إليه إما بإنكارها أو الاعترافِ بها.
والاستجواب كإجراءٍ من إجراءات التحقيق يحملُ ازدواجية بطبيعته، فهو من الإجراءاتِ التي قد يتوصل من خلالها المُستجوِب إلى الحقيقة، فهو من هذا المنطلق يكون واجباً على المحقق إجراءه، والثانية، حقٌ للمتهم كونه أهمُّ وسيلة من وسائل الدفاع الفوريّة للمُستجوَب ليدحض التهمة القائمة ضده بكلّ ما تُسعفه به ذاكرته وهدوءه ورباطة جأشه وما يملك من أدلة نفيً مقنعــة.
هذا وتتمثل أهمية الاستجواب بكونه وسيلة استقصاءً عن الحقيقة في احتمالي الإثبات والنفي، من حيث أنه إجراءٌ من إجراءاتِ التحقيق يهدفُ أولاً للوقوفِ على حقيقة التهمة الموجّهة للمستجوب، وذلك إمّا بالحصول على اعتراف منه يؤيدها، أو إلى دفاعِ منه ينفيها ويدحضها، وثانياً، لما يحقّقه في مرحلة التحقيق الجنائي، والمتمثّل في جمع الأدلة باعتباره وسيلة لتمتين أدلّة الاتهام في مواجهة المُستجوَب.
من هنا، بادرت الكثير من النُظم القانونيّة العربيّة لتنظيم الاستجواب، وحجيّـة ثبـوته بالكتابـة دون غيرها، ومن ضمنها، تعليماتُ النيابة العامّة لدولة فلسطين لسنة 2006م، والواردة بالمواد (269-271) منها، والتي أوجبت أن يكون الاستجواب ثابتاً بالكتابة؛ كي يبقى حجة يُعامل الموظفون بمقتضاها، لتكون أساساً صالحاً لما يُبنى عليها من نتائج، وحتى تكون من بعد، مرجعاً للاستيثاق من سلامته والتحقّق من بلوغه الغاية المتوخّاة من ورائه، وإلا فإنه لا يعتبرُ موجوداً ويُضحي عارياً عما يُفصح عنه، ذلك أن محضر الاستجواب هو ورقة رسميّة يجب أن يحمل بذاته مقوّمات وجوده؛ ولأنه لا يمكن الاعتمادُ على ذاكرة عضو النيابة التي قد تخونه بمرورِ الزمن، بالإضافةِ إلى أن ذلك يجعل ذهن عضو النيابة متفرّغاً فقط للاستجواب.
كما لا يُغني عن الكتابة إقرار عضو النيابة بجلسة المحكمة أنه قد استجوب المتهم شفاهةً، وإذا ثبت أنه قد تم كتابة محضره، فلا أهمية لاختفائه بعد ذلك من ملف القضيّة لضياعه أو لسببٍ آخر لم يكشف عنه التحقيق، إذ إن ما تستشفه المحكمة من سبق استجواب المتهم بعد أن تُجري التحقيق بنفسها، متروكٌ لسلطتها التقديريّة لتقول كلمتها فيه .
كما توجبُ تعليماتُ النيابة العامّة لدولة فلسطين على عضو النيابة اصطحاب كاتب التحقيق في الإجراءات التي تستلزم تحرير محضر الاستجواب، إذ إن تلك الإجراءات تستلزم انصراف ذهن عضو النيابة إلى مجريات التحقيق، بحيث لا يعوقه عن ذلك كتابة المحضر، أما سائر إجراءات التحقيق، كأوامر القبض والتفتيش، فهي بطبيعتها لا تستلزم تحرير محاضر تصـرف فكـر عضو النيابة عن مهمته الأصليّة، وبالتالي لا توجـب كتابتها بمعرفة كاتب التحقيق وتوقيعه عليها .
أخيراً، وحيث أن الأصل في إجراءات التحقيق أن يوجد مع عضو النيابة كاتب التحقيق، ويقوم بإثبات جميع إجراءاته، فإذا أخطر عضو النيابة بالواقعة، وقرّر استجواب المتهمين فيها، فإنه إما أن يكون موجوداً بمقر النيابة، أو قد يكون بارحها، ففي الحالة الأولى يصطحب معه أحد كتّابها، وفي الثانية يقوم بالتنبيه بإخطار الكاتب المختص لمباشرة إجراءات التحقيـق .
بقلم: المسـتشار/ أحمـــد المبيض
شاركنا بتعليقك...