المقدمة:
أعتبر الوقف ولا يزال مرتكزا ووسيلة أساسية للتعبير عن ثقافة التضامن بين أفراد المجتمع، بل أداة لقياس مدى تجدر قيم التعاون في عمق العلاقات الإجتماعية.
ولقد اجتمعت الدراسات التي تناولت الوقف بالتاريخ والتحليل على دوره في تقوية تسيج المجمتع الإسلامي لكونه يجسد عمقا إنسانيا كبيرا وتجليا جميلا لإرادة الخير في نفسية المسلم، كما اعتبر أحد الموارد التمويلية لحاجيات المجتمع، حتى أضحى شريكا أساسيا في جميع مجالات التنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والروحية التعبدية.
إن أهمية نظام الوقف ومشروعيته في الإسلام، ونظرا لما يحظى به من مكانة بارزة في ماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها، جعل ملوك المغرب عبر مر العهود يولونه عناية فائقة، بل أدرك الفرنسيون في عهد الحماية أنه يتعين ترك تنظيم الأحباس وتدبيرها للمغاربة. على أساس الولاية المقررة للدولة على الوقف والتي تقتضي كمال التدبير وحسن السياسة وتمام الأمانة.
وتجدر الإشارة إلى أن الممتلكات الحبسية، ظلت منذ قرون عديدة خاضعة لقواعد الفقه الإسلامي عامة والفقه المالكي على وجه الخصوص وضع معظم القوانين المنظمة للوقف بالمغرب أو ما يصلح عليه بالضوابط الحبسية منذ بداية الحقبة الإستعمارية، عبر مجموعة من الظهائر التي كانت تنظم بشكل خاص مسألة كراء الأملاك الحبسية، أو تصفية المعقب منها. وأمام وضعية أحكام الوقف بالمغرب الذي اتسمت النصوص القانونية المؤطرة له بطابع التعدد والتشتت وضعف الصياغة، وفي ظل متطلبات تحقيق الحماية للأوقاف وتنميتها كان من الضروري إيجاد الأدوات القانونية الفعالة التي تسد ثغرات النصوص القديمة وتعالج عيوبها.
وبهذا شكل الظهير الشريف رقم: 236.09.1 الصادر في 23 فبراير 2010 تجربة تشريعية رائدة في تقنين الأحكام والقواعد التي تحكم الوقف بالمغرب.
حيت نجد المدونة تعرف الوقف في المادة الأولى بأنه (كل مال حبسي أصله بصفة مؤبدة أو مؤقتة، وخصصت منفعته لفائدة جهة بر وإحسان عامة أو خاصة ويتم إنشاؤه بعقد أو بوصية أو بقوة القانون) يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚوَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}(1) صدق الله العظيم.
ويقول سيد الخلق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام {إذا مات إبن آدم إنقطع عمله إلا من ثلاث ... صدقة جارية أو عمل ينتفع به أو ولد صالح يدعو له} صدق رسول الله.
إلا أن الوقف ينقسم إلى أقسام متعددة يبقى أهمها ما نصت عليها الفقرة الثانية من المادة الأولى من مدونة الأوقاف المغربية حيث قسمته إلى وقف عام ووقف معقب وآخر مشترك. فما هو الوقف العام والوقف المعقب؟ وما هي خصوصياتهما وكذا الإشكاليات التي يطرحانها؟
للإجابة على هذه الإشكاليات سنحاول تقسيم هذا العرض إلى محورين :
- المحور الأول: الإطار القانوني للوقف العام.
- المحور الثاني : الوقف المعقب مفهومه والتصرفات الجارية عليه
(1) الآية 92 من سورة آل عمران |
المحور الأول: الإطار القانوني للوقف العام
أولا: ماهية الوقف العام وخصوصياته:
أ- لقد إختلفت التعاريف حول الوقف العام أو ما يعرف بإختلاف المعايير التي إعتمدت كأساس في تعريفه حيث نجد الدكتور مصطفى شلبي عرفه بأنه ما يجعل ابتداء على جهة من جهات البر ولو لمدة معينة ويكون بعدها على شخص أو أشخاص معينين[1].
أما المشرع المغربي في مدونة الأوقاف فقد عرف الوقف العام في المادة 50 (الوقف العام هو كل وقف خصصت منفعته ابتداء أو مالا لوجوه البر والإحسان وتحقيق منفعة عامة).
بخلاف المشرع الجزائري الذي إعتمد في تعريفه للوقف العام على معيار –الخيري- حيث تنص المادة السادسة من قانون الأوقاف على أن الوقف العامة ما حبس على جهات خيرية من وقت إنشائه، ويخصص ريعه للمساهمة في سبل الخيرات...
إذا فالوقف العام أو الخيري يكون بإرادة منفردة يعقدها المواطن على نفسه تقربا إلى الله تعالى وهذا الوقف من ضروب الطاعات التي ندب إليها الشارع الحكيم وحبب فيها إجمالا فهو ما يندرج تحت عموم الإنفاق المحمود الذي يترجى ثوابه.
ب- خصوصية الوقف العام:
تتمثل الخصوصية البارزة في الوقف العام كونه صدقة جارية تدوم بدوام الأصل المنتج للمنفعة المتصدق بها وهذه الصورة من الوقف هي التي تواضع الفقهاء على تعريفها بحسب العين الثمرة أو المنفعة.
والأصل في الوقف حرية الواقف وتسلطه شرعا على المال الذي يملكه، هذه الحرية التي تجيز له كل التصرفات المباحة، وفي هذا السياق كان توجيه النبي عليه الصلاة والسلام لسيدنا عمر رضي الله عنه عندما أراد أن يتقرب بمال أثير أصابه "إن شئت حسبت أصلها وتصدقت بها" وهو توجيه يؤصل للوقف العام بأكمله.
|
ثانيا: منجزات الوقف العام:
سنحاول في هته السطور تبيان ما قدمه الوقف الخيري للمجتمع الإسلامي عامة وللمغربي خاصة، وكيف أسهم في تمويل إحتياجاته المختلفة إذ نهض الوقف العام-الخيري- يتحول جزء كبير من العرض العام الذي تمس حاجة المجتمع إليه، ولعل من أوضح المجالات التي برز فيها دور الوقف العام كالتالي:
- تمويل بناء المساجد والزوايا والمقابر.
- تمويل بناء المدارس والكتاتيب ودور العلم، وتمويل الإتفاق الجاري عليها مثل رواتب المدرسين والقائمين على خدماتها ونفقات إسكان الطلبة ونفقات إعاشتهم وكسوتهم.
- تمويل نفقات إستنباط العيون وتمديدات الماء الخاصة في المشاعر المقدسة داخل مختلف أرجاء العالم العربي.
- تمويل بناء المشافي ونفقاتها.
- تمويل بناء المياتم ودور العجزة والأرامل.
- أوقاف بالرفق بالحيوان من ذلك أوقاف الخيول المسنة وبعض أنواع الطيور.
بالإضافة إلى العديد من التمويلات في مختلف مناحي الحياة.
حيث يتضح أن الوقف العام – الخيري - هجوم إختياري وإنتقائي على الفقر وجيوب العجز في العرض العام للرفاهية، يتلخص هذا الهجوم في تشخيص موطن القصور أولا ومن ثم رصد التمويل وتشكيل الإطار المؤسسي اللازم لإستدراكه ثانيا، فالوقف بهذا المعنى –العام- مرصدا إجتماعي يشخص مواطن الخلل في إشباع الحاجات العامة أو الخاصة من جهة ثم هو بعد ذلك آلية تسعى لإستدراكها رفقا وشفقة بالوقوف عليهم وقربانا وإحتسابا عند ربهم.
ومن بعض الخصوصيات التي بها الوقف العام من خلال الإستقراء مواد قانون المدونة عدم جواز حجر الأموال الموقوفة وقفا عاما أو كسبها بالحيازة أو بالتقادم وعدم التعرف فيه إلا وفق المقتضيات المنصوص عليها في المدونة[2].
إذ أن تكلف إدارة الأوقاف بتدبير هذه الأموال واستثمارها والحفاظ عليها وتنمية مداخيلها بما يلائم طبيعتها ويحقق مصلحة ظاهرة للوقف حسب منطوق المادة 60 من مدونة الأوقاف.
كما أن لها الحق في المبادرة بإجراء تصرفات مختلفة على الأموال الموقوفة وحق عاما كالمعارضات سواء نقدية أو عينية أو كرائها.وهذا و الفرق بين الوقف العام والمعقب هو الجهة الموقوف عليها، فإن كانت خاصة بالوقف وقرابته كان وقفا معقبا أو ما يطلق عليه في دول المشرق بالوقف الأهلي والذري، وإن كانت عامة كان الوقف عاما- خيريا.
المحور الثاني : الوقف المعقب مفهومه والتصرفات الجارية عليه
أولا : الوقف المعقب :
حسب المادة 108 من مدونة الأوقاف "يعتبر وقفا معقبا ما وقف على ولد أو عقب أو نسل أو ذرية المحبس أو غيره".
و هو ما جعل استحقاق ريع هذا الوقف للواقف نفسه أو ذريته و أحفاده و أسباطه و نحوهم من قرابتهم.
وكذلك هو ما وقف الواقف من أمواله على أولاده و أولادهم وما تناسلوا, أو على شخص أو على أشخاص معينين و أولادهم و ما تناسلوا, أو لهما معا على أن يؤول الوقف بعد انقراض الموقوف عليهم إلى الجهة التي حددها الواقف و التي غالبا ما تكون جهة من جهات البر و الإحسان،[3]و هو ما أكده الفصل الأول من ظهير 08 أكتوبر 1977 بقوله "يعتبر حبسا معقبا ما وقفه المحبس على أولاده ما تناسلوا ذكورا كانوا أو إناثا أو هما معا أو على شخص معين و أولاده مع تعيين في كلتا الحالتين للدرجة التي تملك ما تم تحبيسها أو للمرجع الذي يؤول إليه.
ويعتبر حبسا معقبا أيضا ما وقف المحبس على أولاده ما تناسلوا ذكورا كانوا أو إناثا أو هما معا وعلى شخص معين و أولاده إلى أن ينقرضوا حيث يرجع الحبس إلى جهة بر و إحسان سواء عينهما المحبس أو سكت عنها...
وكان يعرف الوقف المعقب قديما بالوقف الذري أو الأهلي أو العائلي وعرفه الفقه بأنه :
ما جعل استحقاق ريعه للواقف نفسه أو ذريته وأحفاده وأسباطه ونحوهم من قرابته، فمصرف الوقف محصور على الواقف وقرابته، وليس على جهة بر عامة،
كما يدل عليه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، وإن أحب
أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد
سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين. فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه"[4]
ويجد الحبس المعقب سنده في الحديث الشريف الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له" وقد اعتبر العلماء الحبس صورة من صور الصدقة الجارية و من أمثلته وقف الزبير رضي الله عنه فإنه جعل دوره صدقة وقال : "للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها, فإن استغنت بزوج فلا شيء لها"[5],
كما أن كثيرا من الصحابة رضي الله عنهم وقفوا أوقافا على أولادهم و قرابتهم, و هذا النوع من الوقف قد جرى عليه تصنيف و محاولات لإلغائه و مصادرته في كل من مصر و العراق و سوريا و لبنان و ذلك بسبب المضارة في الكثير من هذه الأوقاف من خلال الشروط التي يضعها الواقفون من صرفها على بعض الأولاد دون غيرهم لغير سبب شرعي. فألغي في مصر بمقتضى قانون رقم 180 الصادر في سنة 1952 و هو نفس الوضع الذي عرفته سوريا, أما المشرع المغربي فقد سلك مسلكا وسطا بخصوص ذلك فأبقى على القائم منه ولم يمنع المستقبل, مع إجازته تصفية المتعذر استغلاله منه.
ثانيا : التصرفات الجارية على الوقف المعقب (المعاوضة _ قسمة الانتفاع)
إن تحقيق غاية المحبس من فعله، يتوقف على حسن استغلال الموقوف من طرف من لهم الحق في ذلك، وقد يتم ذلك إما بطريقة مباشرة كسكنى الدار مثلا، أو حرث الأرض، وقد يتم بطريقة غير مباشرة من خلال كرائه، ما لم يفقد قيمته جراء تهالكه أو خرابه، أو سوء تسييره الشئ الذي يعد دافعا إلى معاوضته بغيره أو ما لم يتفق الموقوف عليهم على قسمة الانتفاع كإجراء يضمن لهم الانتفاع بكيفية متساوية.
أ معاوضة الأحباس المعقبة: باعتبار الحبس قطعا للتصرف في رقبة العين التي يدوم الانتفاع بها وصرفا للمنفعة لجهة الخير[6]فإن جوهره هو حق دائم يصرف على جهات عامة وخاصة ، ويخول لصاحبه حقي الاستعمال والاستغلال دون التصرف ، فالحبس لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وهو ما وقع عليه إجماع الفقهاء المسلمين ، إلا أن الخلاف بقي دائما بخصوص إمكانية معاوضة الأحباس المعقبة سواء معاوضة مناقلة أو معارضة بالنقد حالة تحقق سبب وجيه ومشروع لذلك.
إلا أن الملاحظ بخصوص هذا الاختلاف هو أن مصلحة الأحباس كانت دائما هي المحدد والموجه لرأي كل جانب على حدة، فبينما يرى المعارضون لذلك أن فتح المجال للمعاوضة يعد ذريعة للتعطيل والضياع، خصوصا أمام ضعف الوازع الديني للقيمين على الوقف، ويرى المؤيدون للمعاوضة أن هذه الأخيرة تؤدي إلى إكثار الإيراد وتنمية الموقوف
وهكذا نجد المتقدمين من المالكية قد تشددوا في مسألة معاوضة الحبس ومنعوه مطلقا حتى ولو بدت لذل أسباب وجيهة كالخراب أو التلف، بل تجاوزوا ذلك إلى حد منع بيع أنقاض الموقوف حال تهدمه كالأحجار والأخشاب وغيرها[7]...
وفي ذلك قول مالك رضي الله عنه "ولا يباع العقار المحبس ولو خرب وبقاء أحباس
- في حالة توسعة مسجد
- في حالة توسعة طريق
- في حالة توسعة مقبرة ولا يسمح في غير هذه الحالات بمعاوضة الموقوف أو مناقلة
بأفضل منه ولو أصابه التلف و الخراب، وتؤدي مخالفة هذا الحضر إلى بطلان التصرف بطلانا مطلقا، ورد المبيع أو الشئ المعاوض به، سواء كان المتعاقد يعلم أنه يبرم تصرفا على عقار محبس أولا.
غير أن موقف متأخري المالكية يتسم بنوع من الواقعية، ذلك أن الموقوف إذا خرب ولم يعد ذا منفعة وأصبح عديم الجدوى فإنه يجوز معاوضته بأفضل منه لكن تصرف كهذا يظل معلقا على حكم من القاضي يسجله ويشهد عليه إلى جانب أن تكون المعاوضة بعد ثبوت الغبطة للحبس وأهله[10]، أي أن يكون البدل خيرا من المتبدل
وإذا كان المالكية قد تناولوا الموضوع على النحو السابق بيانه فإن موقف الشافعية والحنابلة قد اتسم بنوع من المرونة حيث أجازوا بيعه واقتناء عين أخرى بثمنه في الحالة التي تتعطل فيها منافعه
هذا بالنسبة للجانب الفقهي أما الجانب القانوني والتشريع المغربي فقد تطرق المشرع المغربي لمعاوضة الأحباس المعقبة من خلال ظهيري 21 يوليوز 1913 و 8 يوليوز 1916 وأجاز المعاوضة سواء بالنقد أو بالمناقلة بالرغم من عدم تطرقه للحالات التي يجوز في هذه المعاوضة ، على خلال المادة 106 منه التي تنص على ما يلي : "يجوز بيع المال الموقوف في الاحوال التالية
1- إذا انقطع نفع المال الموقوف أو قل بشكل كبير
2- إذا أصبح المال الموقوف في حالة يتعذر معها الانتفاع به
3- إذا صار فائده لا يغطي مؤونته
4- إذا خيف تهدمه أو خرابه
5- إذا احتيج لبيعه لإصلاحه أو لإصلاح غيره
6- إذا كان حصة شائعة فيما يقبل القسمة ومالا يقبلها
7- في كل حالة أخرى تدعو الضرورة أو المصلحة الظاهرة للحبس ..."
وهكذا حدد المشرع المغربي مجموعة من الشروط اللازم توفرها وكذا ألزم الجهات المعنية بالقيام بمجموعة من الاجراءات تختلف بحسب ما إذا كانت معاوضة ستتم عن كريق النقد أم عن طريق المناقلة.
فبالرجوع الى الباب الثالث من ظهير 21 يوليوز 1913 نجد المشرع قد أجاز معاوضة الأملاك الحبسية الخالية من البناء بالنقد وذلك عن طريق السمسرة العمومية الأمر الذي يؤدي إلى الزيادة في الثمن على أساس المنافسة الحرة بين المتزايدين.
وهذا ما أكده وجاء به ظهير 23 فبراير 2010 وبالضبط المادة 109 منه.
أ- قسمة الانتفاع في الاحباس المعقبة: من المعلوم أن الوقف يعطي للمستفيد منه حق الانتفاع دون ملكية الرقبة، وهو ما يفرض على الموقوف عليهم اختيار أفضل الطريق وأنجعها قصد استغلاله والانتفاع بعوائده وذلك عن طريق ما يعرف بقسمة الانتفاع.
وقد نص المشرع المغربي في مدونة الأوقاف على ضبط سير الأوقاف، والذي جاء فيها أن الاحباس المعقبة تبقى تحت تصرف الموقوف عليهم ولهم استغلالها واستعمالها على الكيفية التي حددها المحبس.
إلا أنه ورغم وجود هذه النصوص فإن القواعد التي تحكم الأحباس المعقبة هي الأعراف المحلية ومبادئ الفقه المالكي التي نجدها تجيز للموقوف عليهم الانتفاع بالأعيان المحبسة وذلك عن كريق قسمتها قسمة انتفاع وقد سارت محكمة النقض في هذا الاتجاه وذلك بتأكيده على مشروعية قسمة الانتفاع في الاحباس المعقبة رقم 1239 الذي جاء فيه : " ... تخضع القسمة الاستغلالية في الأملاك المحبسة للقواعد الفقهية التي تقضي بأنه إذا كانت هذه الأملاك مغروسة بالأشجار فإنها لا تقسم قسمة استغلال" ، وتعتبر قسمة الانتفاع الطريقة الامثل لاستغلال الأعيان المحبسة، وذلك لكونها تضمن مردودية أكبر وتحقق غرض المحبس وهو تحقيق النفع لأعقابه.
وهناك نوع ثالث للوقف وهو الوقف المشترك
وهو ما وقف ابتداء على جهة عامة وعلى شخص بذاته أو عليه وعلى عقبة فهو وقف على الطبقات وفق عبارة الواقف كقوله. وقفت على أولادي و أولاد أولادي، ثم على الفقراء، فالعطف بالواو يقتضي التشريك والجمع بخلاف العطف ب "ثم" الذي يفيد الترتيب فلا يستحق أهل الطبقة الثانية إلا بعد انقراض أهل الطبقة الأولى وهكذا مع مراعاة أحكام المادة 109 من مدونة الأوقاف التي رسخت مبدأ سلطة الدولة في تنظيم الوقف المعقب بجعله مؤقتا ومحددا. وبهذا يكون المشرع المغربي خالف بعض التشريعات العربية التي ألغت الوقف المعقب نهائيا، كمصر وسوريا وتركيا في حين نجد المشرع حددها في طبقتين
الخاتمة
رغم أن صدور مدونة الأوقاف تعتبر ثروة تشريعية حاول المشرع من خلالها تجميع الأحكام الفقهية والمتناثرة للوقف والحكم في التقارب وإعادة تنظيم الأحكام القانونية شكلا ومضمونا.
حيث أصبح المغرب يتوفر لأول مرة على مرجع جامع لأحاكم الوقف بإعتباره مؤسسة للتضامن وكان الحرص لشديد أثناء إعداد مشروع المدونة على أن يكون التنظيم فيها شاملا والنقص فالذي كان حاصلا.
إلا أن هناك مجموعة من التحديات والعوائق التي لا زالت تواجه الوقف كما أبانت المدونة على بعض التغرات والنقائص تتجلى على الخصوص في التسجيل في السجلات المخصصة لشهر التعرفات لإقرارها بجواز تحبيس المنقولات.
- الإحالة على المذهب المالكي حسب منطوق المادة 169 من المدونة.
- خلق بعض التضارب في موضوع الإثبات بالنظر إلى تعدد الآراء الفقهية في هذا الموضوع(5).
- بعض الإشكاليات المرتبطة بالقضاء بعدم تطبيق القاضي النص المناسب أو خطأ في تأويل القاعدة القانونية والإلتزام بحرفية النص دون الأخذ بالإعتبار قصد المشرع.
- بالنظر إلى إحصائيات التي نشرتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية نستخلص حصيلة المنازعات المتعلقة بالدعاوي العقارية لسنة 2013 والتي لم تعرف طريقها للتنفيذ بعد.
- كثرة المنازعات الوقفية تترجم تزايد حال الإعتداء على الوقف بسبب ضعف الوازع الديني وعدم كفاية الردع القانوني.
- عدم مواكبة الإصلاح الذي عرفه نظام الوقف بالتكوين وغياب التكوين المستمر للموارد البشرية.
هذه فقط بعض الإشكاليات المثارة على الوقف في المغرب وللتغلب عليها يحب تنويع طرق وأساليب إستثمار الوقف مع إحياء ثقافة الوقف في المجتمع للمساهمة في خدمة مشاريع التنمية، فلا بد من بدل مزيد من الجهد والعناية لتجاوز الثغرات التي تعتري تدبير الأملاك الوقفية بالمغرب، ومحاولة التغلب على الصعوبات والمعوقات الذاتية والموضوعية لتحقيق أكبر حماية للرصيد الحبسي.
لائحة المراجع :
1-ذ. مصطفى شلبي: أحكام الوصايا والأوقاف، الدار الجامعية للطباعة والنشر بيروت ص 318.
2- علي بن شقرون, المؤسسة القانونية للوقف, رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص, جامعة سيدي محمد بن عبد الله, كلية العلوم الاقتصادية و القانونية و الاجتماعية فاس 1991-1992 ص 219.
3- محمد كمال الدين إمام الوصايا والأوقاف في الفقه الاسلامي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى بيروت
4- - زهدي يكن ، قانون الذري، الطبعة الثانية ، مطبعة سميا
5- - الصادق عبد الرحمان الغرياني ، مدونة الفقه المالكي وأدلته الريان للطباعة
6- محمد الزرقاني شرح الزرقاني على مختصر خليل الجزء 7
7- محمد بن صالح الصوفي الحقوق العرفية العينية الاسلامية، دار القلم للطباعة والنشر – الطبعة الثانية
8- مدونة الأوقاف
الفهــرس :
مقدمة ...................................................................
المحور الأول : الإطار القانوني للوقف العام .........................
أولا : ماهية الوقف العام وخصوصياته:....................................
ثانيا : منجزات الوقف العام:.................................................
المحور الثاني : الوقف المعقب مفهومه والتصرفات الجارية عليه .........
أولا : مفهوم الوقف المعقب .....................................................
ثانيا :التصرفات الجارية عليه (المعاوضة – قسمة الانتفاع) ................
خاتمة ..........................................................................
[3] علي بن شقرون, المؤسسة القانونية للوقف, رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص, جامعة سيدي محمد بن عبد الله, كلية العلوم الاقتصادية و القانونية و الاجتماعية فاس 1991-1992 ص 219.
[4] أخرجه البخاري في مواطن كثيرة، منها في 7/109، حديث رقم 5611، ومسلم في كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين، 2/693، حديث رقم 998.
[5] أخرجه البخاري تعليقاً في كتاب الوصايا، باب إذا وقف أرضاً أو بئراً واشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين 3/ وابن أبي شيبه في مصنفه 6/251، والدارمي في سننه 2/307، والبيهقي في سننه 6/166، وقال عنه العلامة الألباني رحمه الله: "هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين ". إرواء الغليل 6/40.
[6] - محمد كمال الدين إمام الوصايا والأوقاف في الفقه الاسلامي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى بيروت
[10] - محمد بن صالح الصوفي الحقوق العرفية العينية الاسلامية، دار القلم للطباعة والنشر – الطبعة الثانية
شاركنا بتعليقك...