تقــديــــم
تعتبر الملكية العقارية من أوسع الحقوق العينية نطاقا وأقواها من حيث السلطات الممنوحة للمالك، ولها دور فعال في النمو الاقتصادي والاجتماعي في الحياة البشرية، وقد اولاها الدستور المغربي الجديد اهمية بالغة ومتميزة وحماية قصوى لحق الملكية فقد نص في الفصل 35 "يضمن القانون حق الملكية " .
وإذا كانت الملكية العقارية هي حق التمتع والتصرف في عقار بطبيعته أو بالتخصيص فلم تعد مقتصرة على المالك نحسب بل تعد مؤسسة حقوقية تؤدي وظيفة اجتماعية ، لذا قام المشرع قصد بلوغ الهدف المنشود بالاهتمام فالمالك له الحق في إقامة جميع المغروسات والبناءات التي يرتئيها ولكنه ملزم باحترام القيود المترتبة على أرضه بمقتضى حقوق الارتفاق.
ويمتاز هذا الأخير باختلاف أنواعه وتعدد مصادره وحيث أنه ورغم التطورات التي عرفها التنظيم القانوني له سنة 1915، وظهور مظاهر جديدة من الارتفاقات للمنفعة العامة والملكية المشتركة و التجزئات وقوانين التعمير فإنها لم تغير من المبادئ الأساسية المتضمنة في هذا التنظيم القانوني إلى أن صدر قانون 39.08 ،وبقصد به _ حق الارتفاق _ لغة الانتفاع, يقال: ارتفقت بالشيء إذا انتفعت به، والمرفق بكسر الميم وفتح الفاء هو ما يرتفق به،وقد عرفه الحنفية بأنه أنه حق مقرر على عقار لمنفعة عقار آخر، وعند المالكية أنه تحصيل منافع تتعلق بالعقار ، ونلاحظ ان تعريف الذي قدمه المالكية أعم لأنه يشمل انتفاع الشخص بالعقار فضلاً عن انتفاع العقار بالعقار، كحق الشرب وحق المرورويقصد بالارتفاق لغة : الانتفاع ، يقال ارتفقت بالشئ إذا انتفعت به وعرف الفقه المالكي الارتفاق بأنه تحصيل منافع تتعلق بالعقار.
وقد عرف المشرع المغربي حق الارتفاق في الفصل 108 من الظهير 19 رجب 1333 الموافق ل2 يونيو 1915 على أنه "تكليف مقرر على عقار من أجل الاستعمال ومنفعة عقار يملكه شخص آخر"
كما تنص المادة 38 من نفس القانون على أنه "ينشئ الارتفاق إما عن الوضعية الطبيعية للأماكن أو بحكم القانون أو باتفاق المالكين" .
وبالتالي فليس حق الملكية هو وحده الذي يحتاج إلى التنظيم القانوني بل أيضا الحقوق التي تتفرع عنها.
ويمكن تقسيم حقوق الارتفاق عدة تقسيمات حسب طرق إنشائها فهي إما بفعل الطبيعة وتسمى ارتفاقات طبيعية أو بطريق القانون وتسمى ارتفاقات قانونية أو بطريق الإرادة وتمسى ارتفاقات منشأة بإرادة الإنسان.
ويقتصر هذا الموضوع على دراسة قسم واحد من أقسام حقوق الارتفاق وهو الارتفاقات القانونية .
ولعل الإشكال الذي يمكن طرحه في مناقشة هذا الموضوع هو : ماهي عناصر الارتفاقات القانونية و إلى أي حد استطاع المشرع المغربي التوفيق بين مصالح صاحب العقار المرتفق وصاحب العقار المرتفق به.؟
في إطار مقاربتي لهذا الموضوع وحتى يتأتى لي الإجابة عن الإشكالية المطروحة اعتمدت على التصميم التحليلي الذي قمت بتقسيمه إلى مبحثين
المبحث الأول : الارتفاقات القانونية المقررة للمصلحة العامة
المبحث الثاني : الارتفاقات القانونية المقررة للمصلحة الخاصة
المبحث الأول : الارتفاقات القانونية المقررة للمصلحة العامة
ارتفاقات المصلحة العامة هي ذات طبيعة إدراية واضحة ، حيث أنها تعرف بالارتفاقات الإدارية ، وتظهر هذه الطبيعة في إنشائها[1]، كما تظهر في ممارستها .
وقيود الملكية الهادفة للمصلحة العامة هي التي تكون مفروضة على عقار معين لا لخدمة عقار آخر.
وسنقسم هذا المبحث إلى مطلبين أساسيين وهما :
الارتفاقات المقررة لمصلحة المياه العامة والخطوط الهاتفية الكهرباء (المطلب الأول) الارتفاقات المقررة لمصلحة المواقع الحربية والمنشآت العسكرية وكذا الارتفاقات الخاصة بالتجزئات العقارية (المطلب الثاني)
المطلب الأول : الارتفاقات المقررة لمصلحة المياه العامة والخطوط الهاتفية الكهرباء
الفقرة الأولى : الارتفاقات المقررة لمصلحة المياه العامة
من أهم هذه الحقوق الارتفاق المقرر على الملكيات المجاورة لمجاري الماء والبحيرات والقناطر المائية ولأنابيب الماء ولقنوات الري أو التطهير المخصصة لاستعمال عمومي، حيث تتحمل هذه الملكيات بمقتضى المادة 31 من قانون 59.10 المتعلق بالماء في حدود عرض أربعة أمتار تحسب انطلاقا منه لتمكين أعوان وآليات الإرادة أو وكالة الحوض من حرية المرور ، وكذا من وضع مواد أو من إنجاز منشآت وأشغال تكتسي طابع المنفعة العامة.
ويحق لصاحب الرخصة أو الامتياز على هذه المياه، أن يستغل الأملاك الخاصة اللازمة لبناء الانشاءات المتعلقة بضبط المياه، وأن يغمر الضفاف بإعلاء لسطح الماء، وأن يغمر الأراضي إذا أنشئت خزانات[2]، وفق القوانين المتعلقة بنظام المياه[3].
الفقرة الثانية : الارتفاقات المقررة لمصلحة الخطوط الهاتفية والكهرباء
بالنسبة للارتفاقات المقررة لمصلحة الخطوط الهاتفية ،ينظمها ظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بالملك العام وتخضع بمقتضاها أصحاب الأملاك الخاصة المجاورة للملك العمومي إلى ارتفاقات المرور[4]، ووضع الأعمدة ودعائم وتمرير الآلات اللازمة لإحداث الأسلاك
التلغرافية والتليفونية والأبنية المعدة للتليفون اللاسلكي وإذا كان حق تمرير الخيوط البرقية والهاتفية مضمون قانونا، فإن الملاك المجاورين للملك العمومي المتحملين لإرفاق المذكور لا يملكون الحق في المطالبة بإزالتها .
وبالنسبة للارتفاقات المقررة لمصلحة الخطوط الكهربائية ينظمها ظهير 1962-19-24 وظهير 1977-09-14 المتمم بظهير 1963، وبمقتضى ذلك فإن المكتب الوطني للكهرباء باعتباره مؤسسة عمومية تملك حق امتياز لإقامة دعائم وأجهزة لتثبيت الناقلات الجوية في القطع الأرضية التي ليس فيها بناء وغير محاطة بجدران، كما يمكنه وضع قنوات أرضية وناقلات كهربائية جوية مع دعائمها فيما يخص الأرض الغير المبنية أو أثناء قيامه بذلك لا يحتاج لسلوك مسطرة نزع الملكية على العقار المعني، ويحق لمالكي الأراضي المقام فوقها أو تحتها المنشآت المطالبة بالتعويض.
هذا ما أكدته محكمة النقض في أحد قراراتها إلى أن التعويض الذي يستحقه صاحب الملك الذي أخضع ملكه لمرور خط كهربائي لا يشمل فقط الأضرار الناتجة عن حرمانه من الانتفاع وسائر أنواع الانزعاج التي تبدو بالنظر إلى استعمال الارض كنتائج عن إنشاء حق الارتفاق[5]
المطلب الثاني : الارتفاقات المقررة لمصلحة المواقع الحربية والمنشآت العسكرية وكذا الارتفاقات الخاصة بالتجزئات العقارية
بالنسبة للمواقع الحربية والمنشآت العسكرية ينظمها ظهير 7 غشت 1934 بشأن الارتفاقات المقررة لمصلحة الملاحة الجوية والارتفاق الناتج عنها هو منع البناء والزراعة بالمناطق المملوكة للخواص المحيطة بالبنايات أو المنشآت العسكرية[6]واحترام مسافات أفقية محددة قانونا في 250 مترا ولا يعوض المتضررون من حق الارتفاق إلا في حالة ما إذا كان الضرر حالا ومؤكدا.
وإذا كان يمنع البناء أو إقامة تجزئات بالمناطق المستغلة بحق الارتفاق المذكور فإنه يكون من حق السلطات العسكرية منع إيقافه حتى ولو حصل المعني بالأمر على ترخيص قانوني بالقيام بالبناء أو التجزئة.
بالنسبة لمصلحة الملاحة الجوية وبموجبها يمنع على أصحاب العقارات المجاورة للمطارات أو لقواعد الطيران ، وحتى مسافات تعين وفق الأنظمة الدولية[7] إقامة أية منشأة أو بناية على عقاراتهم أو رفع هاته البناءات أكثر من علو معين حسب الأحوال، وفقا للارتفاقات المقررة لمصلحة الملاحة الجوية، وذلك لتوفير الرؤيا ودرءا للمخاطر ورفع الإشارات للطائرات قصد ضمان هبوطها بسلام.
الفقرة الثانية: الارتفاقات المقررة الخاصة بالتجزئات العقارية
نظرا لأهمية التجزئة العقارية ودورها في الحد أو التخفيف على الأقل من الأزمة السكنية وأمام المشاكل التي يعرفها قطاع السكن، وجد المشرع نفسه مرغما بالتدخل لتنظيم التجزئة العقارية وذلك عن طريق وضع نصوص قانونية في هذا الإطار.
فإذا كان الارتفاق في القانون الخاص كما عرفته مدونة الحقوق العينية هو تكليف مقرر على عقار من أجل استعمال منفعة عقار يملكه شخص آخر، فإن الارتفاقات في القانون العام حقوق مقررة للمنفعة العامة وقيود على الأملاك الخاصة، وذلك من أجل تخطيط حضري وعمراني محكم .
أما بخصوص الإرتفاقات القانونية التي تفرض عند القيام بإحداث وتهيئة التجزئات العقارية بصفة عامة والتجزئات السكنية على وجه الخصوص، فقد أجاز قانون 25.90 للإدارة وهي السلطة المختصة بتسليم الإذن. إن تعلق إصدار هذا الإذن على إدخال تعديلات على المشرع إذا رأت منفعة في ذلك، من قبيل إنشاء ارتفاقات تستجيب لما تقتضيه متطلبات الأمن العام والصحة والمرور والمتطلبات الجمالية كالاحتفاظ بالأشجار الموجودة في الأرض المراد تجزئتها، وتعديل حدود الأرض بغية تحقيق تناسق بين الأشكال المبنية، وتكوين مساحات احتياطية إضافية تخصص للتجهيزات الجماعية إلى غير ذلك من الارتفاقات، وتتأثر التجزئات العقارية كذلك بمجموعة من القيود التي تفرضها بعض القوانين الخاصة.
والمنشآت ذات المصلحة العامة التي تقتضيها متطلبات التجزئة من مركز تجاري ومسجد وحمام وفرن ومدرسة ومستوصف ومساحة معدة للأنشطة الرياضية ..
المبحث الثاني : الارتفاقات القانونية المقررة للمصلحة الخاصة
سنتناول في هذا المبحث جانب آخر من الارتفاقات القانونية وهي العائدة للمصلحة الخاصة وهي التي شرعها القانون ونظم أحكامها هادفا من ذلك تكليف عقار بما فيه منفعة عقار آخر.
ويمكن أن نحصر الارتفاقات التي من هذا القبيل في الارتفاق الذي فرضه القانون لصالح العقار الذي لا يوجد له منفذ في الطريق العام أو يجر الساقية إليه عبر الأراضي المجاورة .
ولابد أن نشير إلى الى القانون قد يسمح بإنشاء ارتفاق على ملك عام لمصلحة ملك خاص مادام لا يؤثر على سير ذلك الملك العام، كأنه يجوز لكل مالك أن يفتح مطلات أو شبابيك على الطريق العام.
المطلب الأول : حق المرور وحق المطل في العقار المحصور
الفقرة الأولى : حق المرور في العقار المحصور
إذا كان العقار محصورا عن الطريق العام، فيحق لصاحبه أن يطلب تعيين ممر في الأرض المجاورة لتكون صلة وصل بين ذلك العقار والطريق العام[8].
وهذا ما تنص عليه المادة 64 من مدونة الحقوق العينية على أن "لكل مالك عقار ليس له منفذ إلى الطريق العمومي أو له منفذ غير كاف لاستغلال عقاره أن يحصل على ممر في أرض جاره نظير تعويض مناسب شرط أن يقام هذا الممر في المكان الذي لا يسبب للأرض المرتفق بها إلا أقل ضرر".
وأورد المشرع المغربي حالة تقسيم ملك نتج عنه أن أصبحت بعض أجزائه محصورة ولا منفذ لها إلى الطريق العمومي ، فقرر أنه لا يجوز لملاكها المطالبة بالمرور إلا في الأجزاء التي كانت موضوع التقسيم، فإذا تعذر ذلك تطبق مقتضيات المادة السابقة"[9]
غير أن ما يثير إشكالات عملية أمام القضاء هو حق المرور الذي سبق تنظيمه من طرف المشرع في الفصل 142 من ظهير 2 يونيو 1915 الملغى لمالك العقار المحاصر من كل جانب قصد اللجوء إلى القضاء لمطالبة مالكي الأراضي المجاورة له بإعطائه ممرا في أراضيهم يستعمل كمنفذ للطريق العام مقابل دفعه تعويضا بنسبة الضرر الذي قد يسببه، بصرف النظر عن طبيعة العقار المرتفق أو المطلوب الارتفاق به.
كما جاء في القرار عدد 2410 المؤرخ في 25-05-2010 ملف مدني عدد 1238-1-1-2008 "يجوز للمالك الذي تكون أملاكه محاطة وليس لها مخرج إلى الطريق العمومية يمكنه أن يطلب ممرا في أملاك جيرانه. لا يحصر طلب حق المرور على العقارات المستعملة فلاحيا أو صناعيا .
كما أن مقتضيات مدونة الحقوق العينية بدورها نظمت حق المرور، وخولت للمالك الذي لا يتوفر على أي ارتفاق بالمرور إلى الطريق العام، حق مطالبة باقي الملاكين المجاورين بإعطائه هذا الحق ولو كان العقار المطلوب الارتفاق به محفظا
كما أن مقتضيات مدونة الحقوق العينية بدورها نظمت حق المرور، وخولت للمالك الذي لا يتوفر على أي ارتفاق بالمرور إلى الطريق العام، حق مطالبة باقي الملاكين المجاورين بإعطائه هذا الحق ولو كان العقار المطلوب الارتفاق به محفظا
وفي ذلك يقول الشيخ التسولي شارح التحفة : أو بطريق يمر عليها لحائطه أو دار أيضا[10] .
ولا بأس من أن نلقي نظرة على شروط فتح الممر، ثم على كيفية فتحه وهي :
1- ان يكون العقار الذي يطلب صاحبه الممر لا منفذ له إلا الطريق العمومية أصلا، أولا يتوفر على منفذ كاف لاستغلال العقار
ويعود طبعا للقضاء الفصل فيما إذا كان الممر الموجود كافيا للاستغلال الزراعي والصناعي أم لا، والقضاء يقضي في الأمر بالنظر إلى ما هو ضروري لا إلى ما مفيد وسهل.
2- أن لا يكون انحصار العقار المخدوم ناتجا عن صاحبه، وذلك كما لو أن مالك العقار قام بتجزئته، وباع أجزاءه التي تلي الطريق العمومية .
3- أن يطلب الممر من قبل المالك العقار المحاط من جميع جهاته أو من قبل صاحب حق عيني على هذا العقار كالمنتفع أو صاحب حق السطحية أما الأشخاص الذين تكون علاقتهم بمالك العقار من قبيل الارتباطات الشخصية كالمستأجر والمزارع فليس لهم حق طلب الممر.
4- أن يدفع طالب لمن فتح الممر في عقاره تعويضا تقدره المحكمة على حساب الضرر الذي يلحق بالعقار الخادم، لا على أساس الفائدة التي سيستفيدها العقار المخدوم.[11]
ويخضع تعيين الممر لقاعدتين أساسيتين:
_ يجب أن يأخد الممر من الجهة التي يكون فيها مسافته من الأرض المحاطة إلى الطريق العام أقصر ما يمكن
_ يجب تعيين الممر في النقطة التي يسبب فتحه فيها أقل ضرر لمالك الأرض التي يعطى الممر فيها .
الفقرة الثانية: حق المطل .
سبق وأن رأينا للمالك الحق في أن يعلي بناءه أو غرسه ولو أدى ذلك إلى حجب الهواء والشمس عن جاره، ولا يمنع من ذلك إلا إذا تبين أنه إذا تبين أنه يقصد الإضرار بجاره فقط وليس هناك ضرر أكبر من أن يمنع الإنسان جاره الضوء والهواء من غير نفع يعود عليه في ذلك. ونذكر في هذا الصدد اشترط المشرع فتح فتحات التهوية أو لدخول الضوء وهذا ما يسمى بحق المطل وهو ارتفاق يبيح للجار فتح مطلات على ملك الجار دون ضرر وقد اشترط المشرع لفتحها ضرورة توفير الحرية والسكينة لكل مالك في ملكه بعيدا عن أعين الغرباء المتطلعين.[12]
وقد اعتنت مختلف التشريعات بتنظيمها _المطلات_ وتحديد شروط فتحها، كما هو الحال بالنسبة للمشرع المغربي الذي ينص على أنه لا يجوز لمالك العقار أن يفتح نوافذ أو شبابيك في حائط ملاصق لملك جاره إلا بإذنه (المادة 66 من مدونة الحقوق العينية) ويجب أن تكون على مسافة مترين أو متر واحد، كما نصت المادة 68 من مدونة الحقوق العينية "لا يجوز فتح مطلات أو شرفات أو فتحات أخرى مماثلة مواجهة لمالك الجار إلا على مسافة مترين وإذا كانت منحرفة فعلى مسافة متر واحد، ولا يسري هذا المنع على المطلات والشرفات المفتوحة على الطريق العمومية.
تحسب المسافات المذكورة من ظهر الحائط الذي فتحت فيه المطلات أو من خارج الشرفة، وذلك إلى غاية الخط الفاصل بين الملكين، مع مراعاة النصوص التشريعية والتنظيمية الجار بها العمل" .
المطلب الثاني : حقوق الإرتفاقات المتعلقة بالمياه.
منع المشرع المغربي حقوق الإرتفاق القانونية المتعلقة بالمياه لأن ذلك يساعد على إعمار الأراضي الفلاحية وإصلاحها، وهي تشمل بصورة خاصة على حقوق سنقسمها إلى فقرتين:
حق الشرب (الفقرة الأولى) حق المجرى والمسيل (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: حق الشرب
ويعني لغة: النصيب من الماء ومنه قوله تعالى "قال هذه ناقة شرب, ولكم شرب يوم معلوم".
وعرفه لمشرع المغربي من خلال المادة 50 من م.ج.ع بقوله "حق الشرب هو نوبة من الماء بنتف عبها لسقي الأراضي وما بها من غرس وشجر".
ومن المعلوم ان حقوق الماء هي من ضمن الاملاك العامة للدولة[13]بمقتضى قانون الماء رقم 10.95 بظهير 18 ربيع الأول 1416 (16 غشت 1995) لكن يمكن استغلال الماء عن طريق ترخيص أو امتياز الحوض المائي كما نص المشرع في المادة 51 من م.ج.ع كذلك " لكل شخص أن ينتفع من موارد الحياة العامة بمختلف وجوه الانتفاع بما في ذلك سقي أرضه على أن يتقيد في ذلك بالمقتضيات النصوص عليها في القوانين المتعلقة بنظام المياه ، وحق الشرب مقسم على ثلاث أقسام : عام وخاص ومشترك
1- حق الشرب العام: هو الذي يحقق لكل إنسان الانتفاع به بأي وجه من وجوه الانتفاع مع التقييد بالنصوص القانونية المتعلقة بنظام المياه وهو ما نصت عليه المادة 51 من م.ح.ع.
2- حق الشرب الخاص: وهو المخصص لمنفعة عقار بعينه، بحيث لا يجوز لأي أحد أن يتصرف فيه صاحبه، ومع ذلك يجوز للملاك المجاورين استغلال مورد الماء فيما تحتاجه أرضهم من ري بعد أن يكون المالك قد استوفى حاجته منه، وكل ذلك مع مراعاة القوانين والأنظمة الجاري بها العمل (مادة 52 من م.ج.ع.
3- حق الشرب المشترك: وهو عندما يكون حق الشرب مشاعا بين عدة شركاء بحيث لا يمكن لأي واحد أن يرتب عليه حقا للغير دون موافقتهم جميعا وهذا منطوق المادة 53 من م.ح.ع كما أن الشركاء ملزمون بالإصلاحات الضرورية لمورد الماء، كل منهم بحسب نسب أرضه المنتفعة , وإذا امتنعوا أجبروا بقوة القانون بناء على طلب أي واحد منهم، وهذا ما نصت عليه المادة 54 من م.ج.ع وينتقل حق الشرب لزوما تبعا لانتقال ملكية الأرض التي تنتفع به وهذا ما نصت عليه المادة 55 من م.ج.ع
الفقرة الثانية : حق المجرى والمسيل.
حق المجرى هو حق في تمرير ماء الري من مورده بأرض الغير للوصول به إلى الأرض المراء سقيا به، وذلك عبر مجرى أو مواسير المادة 56 من م.ج.ع،
كما نصت المادة 28 من القانون رقم 10.95 المتعلق بالماء على أنه "لا يمكن لكل من يريد استعمال مياه من التصرف فيها الحصول على ممر لهذه المياه على الأراضي الوسيطة مقابل تعويض مسبق".
ويتضح من ذلك لثبوت حق المجرى لابد من تحقق البعد عن مورد المياه من ناحية، وأحقية المالك في التصرف في هذه المياه من ناحية ثانية، وأن يدفع تعويضا مقدما إلى مالك الأرض التي تمر بها مياه المجرى من ناحية ثالثة.
ولا يجوز لملاك الأراضي منع من ثبت له هذا الحق من تمرير الماء بأراضيهم وهذا ما نصت عليه المادة 57 من م.ح.ع.[14]
ويقع على المستفيد من المجرى عبء تعميره، ويتعين عليه أن يتعهده بالإصلاح والترميم ويتحمل وحده نفقات ذلك مالم يكن هناك اتفاق مخالف، فإذا امتنع عن الإصلاح والترميم كان لمن تضرر من هذا الامتناع الحق في التعويض (المادة 58 من م.ح.ع) ، ولا يجوز لمالك الأرض المر بها المجرى، أن يمنع صاحب الحق فيه من الدخول إلى أرضه للقيام بالإصلاحات اللازمة، وكل ضرر ينتج عن هذا المنع يتحمل مسؤوليته مالك الأرض
(المادة 59 من م.ح.ع).
هذا بالنسبة لحق المجرى اما بالنسبة للارتفاق بالمسيل والصرف فقد نظم المشرع هذا الحق بمقتضى المواد 60 _63 من م.ح.ع ومفاده تتلقى الأراضي المنخفضة المياه السائلة سيلا طبيعيا من الأراضي التي تعلوها دون أن تساهم يد الإنسان في إسالتها، ولا يجوز لملك الأرض المنخفضة أن يقيم سدا لمنع هذا المسيل،كما لا يجوز لمالك الارض العالية أن يقوم بما من شأنه أن يزيد في عبء الارتفاق الواقع على الأرض المنخفضة ولكل مالك الحق في استعمال مياه المطر التي تنزل إلى أرضه والتصرف فيها، وإذا كان استعمال تلك في المادة أعلاه،فإن لصاحب الأرض المنخفضة الحق في التعويض وذلك مع مراعاة القوانين والأنظمة الجاري بها العمل[15].
ويجب على مالك الأرض إذا أراد إحداث أبنية عليها أن يقيم سطوحها وشرفاتها بشكل يسمح بمسيل مياه المطر ونحوها على أرضه لا على أرض الغير[16]ولكل مالك عقار يريد تصريف المياه الزائدة عن حاجته أو غير صالحة أن يحصل على ممر لها بعقار الغير نظير
تعويض مناسب يدفع مقدما، ويشترط تمرير الماء الزائد عن الحاجة في مكان لا بسبب للعقار المرتفق به إلا أقل ضرر، كما يشترط تمرير الماء غير الصالح للشرب في مواسير بحيث لا تتسبب في أي ضرر للعقار المرتفق به.
وتسري على حق الصرف مقتضيات المواد من 56 إلى 59 من مدونة الحقوق العينية المتعلقة بحق المجرى
خاتمة :
يخول حق الملكية العقارية سلطة الاستعمال و الاستغلال و التصرف ،إلا أن الملكية لم يعد ينظر اليها على أنها ميزة للمالك فحسب ، بل تعتبر مؤسسة حقوقية يراد منها أن تؤدي وظيفة اجتماعية و اقتصادية ، لذلك يلزم المالك باحترام القيود المترتبة على أرضه المقررة بمقتضى حقوق الارتفاق .
و حق الارتفاق من الحقوق العينية الأصلية التي حضيت بتنظيم وافر من قبل المشرع المغربي الذي خصص لها المواد من 37 إلى 78 من مدونة الحقوق العينية ويعتبر اليوم عنصر أساسيا في التنظيم القانوني للملكية العقارية سواء تعلق الأمر بالأراضي الحضرية أو القروية ، كانت مبنية أم لا، فهو يسهل استعمال العقارات، ويقدم الوسيلة المثلى لنمو الانتفاع الاقتصادي بتخصيص عقار معين لخدمة عقار أخر.
ومما يلاحظ أن حق الارتفاق يترتب في معظم الأحيان على عقارين متجاورين ولهذا اهتم الفقه الإسلامي بصفة عامة و الفقه المالكي بصفة خاصة أهمية بالغة ،
بتنظيم العلاقة بين الجيران وبينوا حدود المالك في الانتفاع بملكه حتى لا يضر جاره ، حيث خصص له باب يطلق عليه ( فصل الارتفاق أو الإرفاق ) وذلك من أجل تنظيم العلاقة بين العقارين المتجاورين معتمدين في ذلك على قاعدة أساسية بنيت عليها جميع الحقوق التي أقرتها الشريعة الإسلامية وهي قوله صلى الله عليه وسلم " لا ضرر و لا ضرار ".
لائحة المراجع :
- محمد ابن معجوز " الحقوق العينية في الفقه الاسلامي والتقنين المغربي"
- الدكتور عبد الرزاق احمد السنهوري "اسباب كسب الملكية مع الحقوق العينية الأصلية المتفرعة عن الملكية _حق الانتفاع وحق الارتفاق"
- الدكتور مامون الكزبري "التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي " _ الجزء الثاني الحقوق العينية الأصلية والتبعية. الطبعة الثانية سنة 1987
- محمادي لمعكشاوي _محام_ " المختصر في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة على ضوء التشريع والفقه والقضاء (قانون رقم 39.08).
- ادريس الفاخوري _استاذ التعليم العالي_ "الحقوق العينية وفق قانون رقم 39.08 "
- أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي: م.س ج:2 ص: 413
- موسوعة الوسيط في شرح القانون المدني عبد الرزاق السنهوري - اسباب كسب الملكية - الحقوق العينية الاصلية
- الدكتور محمد بن احمد بونبات "الحقوق على العقارات على ضوء التشريع المغربي
- رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص العربي ماستر العقار والتنمية "حقوق الارتفاق على ضوء المستجدات وعمل القضاء"
- مدونة الحقوق العينية قانون 39.08
- قانون رقم 10.95 المتعلق بالماء
الفهــــرس
مقدمـــة
المبحث الأول : الارتفاقات المقررة للمصلحة العامة
الفقرة الاولى : الارتفاقات المقررة لمصلحة المياه العامة
الفقرة الثانية : الارتفاقات المقررة لمصلحة الخطوط الهاتفية والكهرباء
المطلب الثاني : الارتفاقات المقررة لمصلحة المواقع الحربية والمنشآت العسكرية وكذا الخاصة بالتجزئات العقارية
الفقرة الأولى : الارتفاقات المقررة لمصلحة المواقع الحربية والمنشآت العسكرية
الفقرة الثانية : الارتفاقات الخاصة بالتجزئات العقارية
المبحث الثاني : الارتفاقات المقررة للمصلحة الخاصة
المطلب الأول : حق المرور وحق المطل في العقار المحصور
الفقرة الأولى :حق المرور في العقار المحصور
الفقرة الثانية :حق المطل
المطلب الثاني: حقوق الإرتفاقات المتعلقة بالمياه.
الفقرة الأولى :حق الشرب
الفقرة الثانية : حق المجرى والمسيل
خاتمة :
[3] - أهم النصوص التشريعية المتعلقة بالماء في المغرب، القانون رقم 10.95 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 154-95-1 بتاريخ : 18 ربيع الأول 1614(16 أغسطس 1665) والظهير الشريف رقم 103-72-1 بتاريخ 18 صفر 1392 يتعلق بالمكتب الوطني للماء الصالح للشرب. ومرسوم رقم 158-296 صادر في 8 رجب 1417 (20 نونبر 1996) يتعلق بتأليف وتسيير المجلس الأعلى للماء والمناخ ومرسوم رقم : 488-97-2 صادر في 6 شوال 1418 (4 فبراير 1998) يتعلق بتأليف وتسيير لجان الماء للمعاملات والأقاليم.
شاركنا بتعليقك...