-->
علوم قانونية وادارية علوم قانونية وادارية

اخر المواضيع

جاري التحميل ...

الاثار الاجتماعية للخوصصة والشراكة

مقدمة

من ما هو مستقر أن قانون الشغل يعتبر قانون تقدمي، أي أن قواعده تتجه قدما إلى حماية الأجير في ظل التطورات والتحولات الإجتماعية والإقتصادية.
ومن بين أهم هذه التطورات نجد ما لي لتحويل المنشأة من القطاع العام إلى القطاع الخاص وكذا عقود الشراكة بين القطاع العام والخاص من تأثير كبير على استقرار الشغل واستمرارية عقود الشغل.
 بحيث تعتبر واقعة تغيير المركز القانوني للمشغل من أهم النقط التي ثارت انتباه المشرع الإجتماعي، إذ سعى مبكرا  للتدخل في هذه الحالة من أجل ضمان حقوق الأجير. ويقصد بتغير المركز القانوني للمشغل مختلف التصرفات القانونية التي يترتب عنها تغير الصفة القانونية للمشغل.
وربطا بين هذه النقطة الأخيرة أي تغيير الوضعية القانونية للمشغل والتطورات الإقتصادية السالفة الذكر أي الخوصصة والشراكة قطاع عام خاص. يظهر لنا مدى أهمية الوقوف عند موضوع الآثار الإجتماعية لكل من الخوصصة والشراكة.
وتزداد أهمية هذا الموضوع بالنظر إلى ما تعرفه الخوصصة والشراكة من انتشار في الآونة الأخيرة. فرغبية من الدولة في تحرير الإقتصاد وتخفيف العبء على ميزانيتها العمومية، واستجابة لها للتوصيات الخارجية فقد سلكت سبيل الخوصصة كما أن رغبتها في إنجاز مشاريع تنموية أدى إلى اعتمادها بشكل كبير على آلية تعاقدية جديدة وهي الشراكة بين القطاع العام والخاص.
وعموما وفي كلتا الحالتين فإننا أمام مستجدات لاحت بها التطورات الاقتصادية، ونضرا لكونها تتصل بالمقاولة فالأكيد أنها لها تأثير على علاقة الشغل ، و لذلك فانه كان ولا بد من إيجاد حماية قانونية للأجير في هذه الأوضاع.       
ومن خلال ما سبق يطرح الإشكال حول ما للآثار الإجتماعية للخوصصة والشراكة؟وكيف حمى المشرع الأجير عند كل منهما ؟
وهو الإشكال الذي تتفرع عنه إشكاليتين أساسيتين:
*     هل تعتبر الشراكة بين القطاع العام والخاص والخوصصة تغيير في المركز القانوني للمشغل؟
*     وما هي الآثار التي رتبها المشرع عند اعتبار هما تغيير للوضعية  القانونية للمشغل؟
وهي الإشكالات التي سنحاول الإجابة عنها من خلال التصميم التالي:
الفقرة الأولى: الخوصصة والشراكة كحالات لتغيير المركز القانوني  للمشغل.
الفقرة الثانية: آثار اعتبار الخوصصة والشراكة تغيير للمركز القانوني للمشغل.












        الفقرة الأولى:الخوصصة والشراكة كحالات لتغيير الوضعية القانونية المشغل
سنقف (أولا) عن تعريف لكل من الخوصصة و الشراكة ثم نتساءل عن مدى اعتبارهما حالات لتغيير الوضعية القانونية للمشغل (ثانيا )
أولا :مفهومي الشراكة و الخوصصة
لابد من التطرق اولا لمفهوم عقد الشراكة (1) ثم الإنتقال إلى مفهوم الخوصصة (2)
1 :مفهوم عقد الشراكة بين القطاع العام و الخاص
ا تعريف عقد الشراكة
بالرغم من أن التعاريف تبقى من المهمات المنوطة بالفقه إلا إن العديد من التشريعات سعت لتعريف عقد الشراكة حيث عرفها المشرع الفرنسي بمقتضى الأمر الجمهوري الصادر 17 يونيو 2004 و المعدل بمقتضى القانون الصادر في 28 يونيو 2008 و ذلك بموجب المادة الأولى بأنها عقد إداري يعهد بمقتضاه احد أشخاص القانون العام إلى احد أشخاص القانون الخاص بالقيام بمهمة شاملة تتعلق بتمويل الاستثمار المتعلق بالأشغال و التجهيزات الضرورية للمرفق العام و إدارتها و استغلالها و صيانتها طوال مدة العقد المحددة وفق طبيعة الاستثمار أو طرق التمويل في مقابل مبالغ مالية  تلتزم الإدارة المتعاقدة بدفعها الى شركة المشروع بشكل مجزأ طوال مدة الفترة التعاقدية أما على مستوى القانون المغربي فقد قام مشروع القانون 86.12 بتعريف عقد الشراكة بين القطاعين العام و الخاص الذي صادق عليه المجلس الحكومي بتاريخ 27 دجنبر 2012 حيث جاء في المادة الأولى منه (الشراكة بين القطاعين العام و الخاص هي شكل من التعاون تعهد من خلاله الدولة و الجماعات المحلية أو هيأتها و المؤسسات العمومية و المنشات العامة عموما و كل شخص معنوي عام لشركائها الخاضعين للقانون الخاص يسمى الشريك الخاص بمسؤولية القيام بمهمة شاملة تتضمن التصميم و التمويل الكلي أو الجزئي و انجاز او إعادة توظيف و صيانة و استغلال منشاة او بنية تحتية ضرورية لتوفير خدمة عمومية و ذلك بواسطة عقد إداري محدد المدة يسمى عقد الشراكة بين القطاعين العام و الخاص .
اما فيما يخص التعاريف الفقهية فنجدها عرفت عقد الشراكة بكونها احد اشكال التعاون بين القطاعين الخاص و العام يتم من خلالها وضع ترتيبات يستطيع بمقتضاها القطاع العام توفير السلع و الخدمات الاجتماعية من خلال السماح للقطاع الخاص بتقديمها بدلا عن القطاع العام اي بصورة مباشرة [1].
و هناك تعريف اخر يعد الأشمل حيث عرف الشراكة بكونها عقد يعهد بموجبها القطاع العام لشخص من أشخاص القانون  الخاص لمدة محددة تتناسب مع حجم الاستثمارات المرتقب انجازها كما ان لها مهمة شاملة و كلية تتضمن التمويل و البناء والاستغلال و في بعض الأحيان تدبير مرفق عمومي [2].
و في معرض هذه التعريف التي أعطيت لعقد الشراكة يتضح أن الغاية من هذا العقد هو مساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية في ظل عدم القدرة أو القصور في تنفيذ مخططات النمو الاقتصادي بشكل منفرد من قبل الدولة أو احد أجهزتها أو من قبل القطاع العام و الخاص إذ انه عبر آلية  الشراكة يمكن الدولة من اتخاذ القرار ووضع سياسة الأولويات و الأهداف و مشروعات البنية الأساسية إضافة إلى مراقبة مقدمي الخدمات و تنظيم الخدمة ،في الوقت الذي يقوم فيه القطاع الخاص بتنفيذ المشاريع و المشاركة في أدائها ، و تجدر الإشارة انه منذ 1997 إلى سنة 2012 عرف المغرب حوالي 11 مشروعا كبيرا في إطار عقود الشراكة بغلاف مالي تجاوز 67 مليار درهم .[3]
ب الطبيعة القانونية لعقد الشراكة بين القطاع العام و الخاص
يعد عقد الشراكة ما بين القطاع العام و الخاص عقد مركب و هذه الطبيعة تعد من أسباب صعوبة تكيفه إذ طبيعة العقد المركب تجمع في طياته أكثر من عقد و هو ما يخلق إشكالية تحديد القواعد التي ينبغي تطبيقها عليه  و للوصول لهاته القواعد ينبغي مرور عبر مؤسسة التكيف التي تعد من المهام الأساسية لقاضي الموضوع ،إذ تطرح الطبيعة المركبة لبعض العقود إشكالية حقيقية أمام قاضي هل سيغلب قواعد العقد الرئيسي بوصفه العقد الأصلي و لا تؤثر فيه و هو ما يصطلح عليه بالتكيف الشمولي أم يتم اعتماد التكيف التوزيعي بمعنى النظر إلى العقد على انه خليط من عقود متعددة ينبغي تطبيق أحكام مختلف العقود التي يتكون منها العقد موضوع التكيف .[4]
كذلك عقود الشراكة تمتاز بطول مدتها غذ في الغالب تخضع لإعادة التفاوض بالرجوع إلى المادة الأولى من القانون رقم 86.12 نجد المشرع المغربي نص صراحة على أن عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص هو عقد محدد المدة، وتحدد مدة هذا العقد، مع الأخذ بعين الاعتبار حسب الحالة، خصوصا، استخماد الاستثمارات التي سيتم إنجازها وكيفيات التمويل المعتمدة وطبيعة الخدمات المقدمة .
وتتراوح هذه المدة ما بين خمس سنوات وثلاثين سنة ويمكن تمديدها، بصفة استثنائية،إلى خمسين سنة وذلك حسب الطبيعة المعقدة للمشروع وخصوصياته التقنية والاقتصادية والمحاسبتية والمالية .
تستخدم عقود الشراكة أساليب متعددة بحسب مدى مساهمة القطاع الخاص و وحدود مسؤوليته ، فذا كان التعاقد يرتبط  بمشاريع جديدة فهي ترتبط إذن بالمرحلة السابقة عن انجاز المشروع و بالتالي تتضمن عقود البناء و التشغيل و نقل الملكية و التأجير و التحويل و إذا كان العقد يتعلق بمشاريع قائمة بشكل مسبق فالعقد في الغالب ينصب على تحديث و تجديد و تطوير هذه المشاريع .
2 - مفهوم الخوصصة
أ- تعريف الخوصصة
عند البحث في التعارف التي أعطية للخوصصة فإننا نجد كما هائلا من التعارف وفي عرضنا هدا سنحاول التطرق لبعضها فأول هده التعارف يعتبر الخوصصة تحويل الملكية العامة الى الملكية الخاصة باستبعاد رأس المال العام,فهي عكس التأميم الذي يعني مصادرة الملكيات الخاصة لفائدة الدولة.
كما ان هناك تعريفا آخر يمكن اراده في هدا الشأن والدي يعتبر الخوصصة انتقال الأنشطة و الممتلكات من الدولة إلى القطاع الخاص مع تقليص دور الدولة في خلق الأسواق,وبعبارة أخرى هي تحجيم  دور الدولة مقابل توسيع و تفعيل القطاع الخاص سواء في الأنشطة أو في ملكية الموجودات.1
و قد تكون الخوصصة بالتفويت الجزئي أو الكلي و دلك في إطار تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي.
و هناك من اعتبرها مجموعة من السياسات المتكاملة التي ترمي إلى الاعتماد الأكبر على آليات السوق وإذكاء روح المنافسة واتساع المجال أمام القطاع الخاص فالقضية ليست إقصاء او تغيب لدور الدولة في النشاط الاقتصادي بقر الاهتمام باختيار الأسلوب المناسب لممارسة هذا الدور.2
بالإضافة لتعارف السابق يمكن ان نورد التعريف الذي أورده المشرع الجزائر الذي اعتبر الخوصصة هي القيام بمعاملة او معاملات تجارية تتجسد في تحويل ملكية الأصول المادية أو المعنوية في مؤسسات عمومية أو جزء منها أو كل رأس مالها,أو جزء منه لصالح أشخاص طبيعيين أو معنويين للقطاع الخاص,وذلك بواسطة صيغ تعاقدية يجب ان تحدد كيفيات تحويل التسيير و ممارسته و شروطه.
نستخلص من التعارف التي تم ارادها  ان الخوصصة هي كل صفقة تتجسد في نقل ملكيات المؤسسات العامة الى القطاع الخاص .
والجدير بالدكر ان الخوصصة ليست مجرد عملية تجارية تختزل في عمليات البيع,فهي عملية مركبة اقتصادية واجتماعية متعددة الابعاد,لاتعني تخلي الدولة عن كل ادوارها في الميدان الاقتصادي,وانما يمكنها التراجع التدريجي عن تدبير بعض القطاعات التي يتولى الخواص تسييرها.3
نشير إلى ان الخوصصة كوسيلة لإصلاح المؤسسات العمومية منضمة لدينا في المغرب بقانون الخوصصة رقم89-36 الذي حدد المبادئ الأساسية التي يجب مراعاتها في عملية التحويل واجل التحويل.
ثم أتى القانون رقم 98_34 الذي ألغى التاريخ السابق كما عمل على حذف بعض الشركات و المؤسسات الفندقية من الجدولين الأول والثاني الملحقين بالقانون 89_39. 4
ب - أهداف الخوصصة
ان معظم التشريعات التي تبنت الخوصصة إنما كانت تهدف من ورائها إلى تحقيق مجموعة من الأهداف والغايات لعل أبرزها تقليص نفقات الدولة على بعض القطاعات, كما ان الخوصصة مكنت في كثير من الأحيان من تطوير نشاط القطاعات التي شملها مسلسل الخوصصة على اعتبار ان الخواص كل همهم هو تحقيق الربح هذا الخير الذي لا يتأتى إلا من خلال تقديم خدمات جيدة,كما ان الخوصصة لها هدف تقريبي تشاركي وذلك من خلال إقحام الفاعلين الخواص في عملية التسيير.5
كما ان من الغايات التي راهنت عليها الحكومة المغربية من خلال مسلسل التفويت هذا ان تخصص عائداته للإنفاق على المشروعات الاجتماعية في مجالات الصحة والتعليم والإسكان والبنى التحتية,وانه سيفتح الباب أمام صغار المستثمرين ومستخدمي الشركات التي ستتم خوصصتها لشراء بعض الأسهم من خلال بورصة الدار البيضاء.6
وتسعى الدولة من خلال الخوصصة الى تحقيق استرتيجية تحريرية تعتمد على المعاملات الحرة للسوق,و تخصيص الموارد بشكل جيد و تقوية انتاجية النسيج الاقتصادي الوطني من خلال انجاز عدد من الاصلاحات القتصادية المواكبة.
إلا انه تجب الاشارت إلى ان الخوصصة ما هي إلى استجابة لاجنداة غربية أملاها كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي و منظمة التجارة العالمية على أغلبية دول العالم النامي,اي ان كل تلك الأهداف المسطرة لم تكن هي المبتغى بقدر ما كانا الهدف او المبتغى هو الاستجابة لما أملته تلك المؤسسات وهو ما يفسر الحصيلة الهشة التي تم جنيها من وراء مسلسل التخصيص.



ثانيا: مدى اعتبار الخوصصة والشراكة تغيير  للوضعية القانونية للمشغل
بعد التحديد لكل من مفهوم الخوصصة والشراكة، يبقى الحديث عن مدى اعتبارهما من بين الحالات المعتبر تغيير للموضوعية القانونية للمشغل بغية تحديد الآثار المترتبة عن ذلك، وهو الأمر الذي سنبحث عنه من خلال الوضع الذي كان ظل ق.ل.ع (1) وما استقر عليه في ظل مدونة الشغل(2).
1-   الوضع في ظل ق.ل.ع
لقد نص الفصل 754 من قانون الإلتزامات والعقود الي تم إقراره بمقتضى ظهير 26 سبتمبر 1938 على أنه "إذا طرأ تغيير في المركز القانوني لرب العمل، وعلى الأخص بسبب الإرث، أو البيع أو الإدماج أو تحويل المشروع، أو تقديمه حصة في الشركة       فإن ...."
وهذ الفصل الذي اقتبس من الفصل 2/12/122 من القانون الفرنسي الصادر سنة 1928- نظرا للظروف التاريخية التي صدر فيها قانون الإلتزامات والعقود المتمثلة في فرض الحماية الفرنسية على المغرب، ووجود مجموعة من الرعايا الفرنسيين والأجانب يتعين تمتيعهم بنفس الإمتيازات التي يستفيد منها الرعايا الفرنسيين في فرنسا، حيث رتب آثار حمائية للأجير عند تغيير المركز القانون للمشغل.
ومن حالات تغيير المركز القانوني للأجير أو انتقال المقاولة التي أوردها الفصل 754 من قانون الإلتزامات والعقود نجد الإرث، فإذا توفي المؤاجر وترك ورثة يخلفونه، فإنهم يرثون كافة الإلتزامات التي تكون على عاتق مورثهم اتجاه الأجراء. ولا يمكنهم التحلل بسبب وفاته من الإلتزام.
كما نجد حالة البيع فإذا اشترى مالك جديد مؤسسة ما فإنه يلتزم بكافة العقود والإلتزامات السابقة التي أبرمها المالك القديم.
وكذلك نجد حالة للإدماج، لكننا لا نجد حالة الخوصصة أو تحويل المنشأة العامة إلى القطاع الخاص، وكذلك حالة الشراكة.
وهو أمر طبيعي ما دام أن هذين الحالتين لم يكن الواقع يطردهما وضع قانون الإلتزامات والعقود.
ومما ينبغي الإشارة إليه، أن سبب عدم ذكر المشرع المغربي للخوصصة والشراكة في الفصل 754 من ق.ل.ع، يتمثل أساسا في   تأثره بالتشريعات المقارنة التي نصت في أغلبها على حالات تغيير المركز القانون للمشغل على سبيل المثال لا على سبيل الحصر.
ففي التشريع الفرنسي أورد تعداد الحالات التي تعتبر تغيير في الوضعية القانونية للمشغل التي تعتبر تغيير في الوضعية القانونية للمشغل، وهي نفسها الحالات التي نص عليها المشرع المغرب في الفصل 754 ق ل ع.
وهو  نفس الإتجاه التي سارت عليه أغلب قوانين الشغل العربية، كمجلة الشغل لتونسية، وقانون العمل المصري، الذي لم يذكر شأنه شأن باقي القوانين المذكورة آنفا الخوصصة والشراكة، ضمن تعداد الحالات التي تعتبر تغيير يطرأ على الوضعية القانونية للمشغل.
2-   الوضع في ظل مدونة الشغل
قبل الإشارة إلى ما جاءت به مدونة الشغل بخصوص حالات تغيير الوضعية القانونية للمشغل، نود الإشارة إلى أن محكمة النقض في قرارها الصادر بتاريخ 24 شتنبر 1990 اعتبر أن تحويل مؤسسة أو مقاولة من القطاع العام إلى القطاع الخاص يعتبر في الوضعية القانونية للمشغل[5].
وبذلك يكون القضاء المغربي قد اعتبر الخوصصة تغيير في المركز القانوني للمشغل تخضع لأحكام الفصل 754 من ق ل ع، على غرار الحالات الأخرى المشار إليها الفصل المذكور، وهذا يعني ضمنيا أن تلك الحالات كانت واردة على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر كما سبق الإشارة إلى ذلك.
وتكريسا لما أقر كل من الفقه والقضاء من الخوصصة تعتبر تغييرا في الطبيعة القانونية للمقاولة وحسما لكل نقاش دائر حول هذا الموضوع، عمل المشرع المغربي من خلال المادة 19 من مدونة الشغل على تضمين الخوصصة ضمن حالات التغيير التي تطرأ على المركز القانوني للمشغل الواردة في هذه المادة.
وبذلك  يكون المشرع قد ساير ما استقر عليه القضاء من كون الخوصصة تعتبر حالة من حالات تغيير الطبيعة القانونية للمقاولة التي تنطبق عليها أحكام المادة 19 من مدونة الشغل، المتمثلة أساسا فيما سنتناوله لا حقا.
فرغبة من المشرع في ضمان استمرارية علاقة الشغل في حالة حدوث التغيير في المركز القانوني للمشغل عمل المشرع على إضافة الخوصصة ضمن مقتضيات المادة 19 السالفة الذكر.  لكن الإشكال  الذي يطرح هو أن هذه المادة لم تشر إلى الشراكة ضمن الحالات التي حددتها كتغيير للوضعية القانونية للمشغل.
وهنا ما يسعنا القول هو أن المشرع أيضا عمل جعل حالات المادة 19 أنها واردة على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، كما كان مطروحا في ظل الفصل 754 من قانون الإلتزامات والعقود، وبالتالي نخلص إلى أن كل من الخوصصة والشراكة تعتبر تغيير في الوضعية القانونية للمشغل وأنه يجب العمل على تطبيق الآثار التي رتبها المشرع لذلك.




الفقرة الثانية: آثار اعتبار الخوصصة والشراكة تغير في المركز القانوني للمشغل
يعد الوقوف عن كل من تعريف الخوصصة والشراكة والنظر إلى مدى اعتبارهما تغييرا في الوضعية القانونية للمشغل، فإن الإشكال الذي ينبغي الوقوف عنده هو التساؤل حول ما الآثار المترتب عن اعتبار الخوصصة والشراكة تغيير في الوضعية القانونية للمتنقل،  إذ ينبغي الوقوف أساسا عند مصير علاقة الشغل (أولا) ثم مصير ديون الأجراء الناشئة قبل تغيير المركز القانوني للمشغل (ثانيا).
أولا: مصير علاقة الشغل
إن من أهم الآثار التي تنشأ عن تغيير المركز القانوني للمشغل هو ضمان سريان عقود الشغل مع المشغل الجديد، وبالتالي حماية لأجراء والحفاظ على مورد رزقهم.[6]
وإذا كانت هذه النظرية التي كرسها كل من الفقه والقضاء تهدف بالأساس إلى وضع قاعدة تسعى إلى ربط الأجير بالمقاولة لا بصاحبها، فإن جل التشريعات  جعلتها مكسبا للطبقة الشغيلة.
وعموما فإن استمرارية عقود الشغل مع المشغل الجديد يتطلب توافر شروط معينة ورغم أن المشرع لم ينص صراحة على هذه الشروط فإنه يمكن استخلاصها من العمل القضائي، وتتجلى أساسا في تغيير المركز القانوني للمشغل أثناء سريان عقد الشغل(1) وممارسة المشغل الجديد نفس النشاط الذي كان يمارسه المشغل السابق(2).
1-   تغيير المركز القانوني للمشغل أثناء سريان عقد الشغل
إذا كان حدوث تغيير في المركز القانوني للمشغل يعتبر شرطا لازما لتطبيق قاعدة سريان عقود الشغل طبقا للمادة 19 من مدونة الشغل، فإن هذا الشرط ليس كافيا لوحده لتكريس هذه الإستمرارية بل لابد من توافر شرط آخر لا يقل أهمية، ألا وهو شرط ان تكون عقود الشغل جارية في اللحظة التي يحصل فيه تغيير في الوضعية القانونية للمقاولة، وهذا ما تحث عليه المادة الآنفة الذكر إذا جاء فيها "فإن جميع العقود التي كانت سارية المفعول حتى تاريخ التغيير تظل قائمة بين الأجراء والمشغل الجديد."[7]
وتجدر الإشارة أن شرط سريان عقود الشغل وقت حصول التغيير في المركز القانوني للمشغل يفترض وجود عقود شغل سارية تنتقل بقوة القانون إلى المشغل الجديد، وبالتالي فهي من النظام العام، غير أن هذه القاعدة تلزم حتى الأجير كذلك إذ ليس له عند حصول التغيير في المركز القانوني للمشغل، أن يعتبر ذلك سبب لتعديل العقد، وليس له بالمقابل إلا أن يتقدم باستقلاله في إطار القواعد العامة للإستقامة[8].
ويطرح التساؤل حول ما المقصود بعقود الشغل التي تظل سارية المفعول عند انتقال المقاومة ما دامت صياغة المادة 19 جاءت عامة.
فهي لم تفرق بين عقود الشغل لا من حيث المدة ولا من حيث نوع النشاط؟
إجابة على هذا التساؤل ذهب بعض الفقه إلى أنه يستوي استمرار عقد الشغل سواء[9]كان العقد الشغل محدد المدة أم غبير محدد المدة.
2-   استمرار المشغل الجديد في ممارسة النشاط السابق
بالرجوع إلى المادة 19 من مدونة الشغل نجد أن المشرع لم ينص صراحة على مواصلة المشغل الجديد لنفس النشاط الذي كان يزاوله المشغل القديم.
لكن يلاحظ أن القضاء قد تبنى هذا المبدأ حيث أكد على أن استمرارية علاقة الشغل بين الأجير والمشغل الجديد رهين ببقاء المشروع قائما. وهذا ما ذهب إليه المجلس الأعلى سابقا – محكمة النقض حاليا –في إحدى قراراته[10]التي جاء فيها "إن المطلوب في النقض كان يعمل بمقهى كوميدي كنادل والطاعنة لا زالت تستغله لنفس ما كان يستغل له سابقا وإن كانت قد استغلت على المرقص وزادت فيه مطمعا، فإن المحل في الأصل هو مقهى ... مما تكون معه المحكمة طبقت القانون تطبيق سليم...".
وفي هذا الإطار يذهب الأستاذ إدريس فجر إلى أن المشغل الجديد عند عدم مزاولته لنشاط المقاولة السابق لا يكون ملزما بالإحتفاظ بالأجراء الذين لا تتوافر فيهم المؤهلات الضرورية التي تمكنهم من الإندماج ومزاولة النشاط الجديد للمقاولة، ويمكن في هذا الإطار فصلهم لعدم توفرهم على الكفاءة المهنية الضرورية وذلك بعد اتباع الإجراءات القانونية المنصوص عليها في مدونة الشغل.[11]
ونريد أن نشير في هذا الإطار إلى أن استمرارية علاقة الشغل بين الأجير والمشغل الجديد تشمل جميع الإمتيازات السابقة التي يتمتع بها الأجير دون نقصان، خاصة فيما يتعلق بالأقدمية فهي تحتسب منذ ارتباط الأجير بالمشغل السابق.
ويلتزم المشغل الجديد بجميع بنود هذه العقود، وبدون أن يتطلب ذلك إجراء معين، كإعادة تحرير العقد، أو أجراء تعديل عليه، إن يمكن للأجير رفض أي تعديل جوهري يمس هذا العقد.[12]
غير أن القضاء الفرنسي قد منح للمشغل الجديد الحق في تعديل شروط عقد الشغل في إطار سلطة المشغل الجديد في تنظيم الشغل وفي اختيار الشخص المناسب لخدمة المقاولة.
ثانيا: مصير ديون الاجراء عند تغير الوضعية القانونية للمشغل
إذا كانت عقود الشغل السارية المفعول وقت حصول التغيير تبقى مستمرة بقوة القانون مع المشغل الجديد فإن التساؤل يطرح حول من يتحمل أداء الديون المستحقة لفائدة الأجراء الناشئة قبل تغيير المركز القانوني للمشغل.
وللوقوف عند هذه المسألة سنحاول رصد  الوضع الذي كان في ظل الفصل 754 من قانون الإلتزامات والعقود (1) ثم الوضع الحالي في ظل مدونة الشغل.
1-   الوضع في ظل قانون الإلتزامات والعقود
بالرجوع إلى الفصل 754 من ق.ل.ع، نجده بنص في فقرته السادسة على أنه "إذا طرأ تغيير في المركز القانوني لرب العمل الجارية في يوم حصول هذا التغيير تستمر بين المالك الجديد للمشروع وبين عماله وخدمه ومستخدميه."
والملاحظ من خلال مقتضيات هذه الفقرة أن المشرع لم يحدد من يتحمل أداء الديون المستحقة للأجراء، لذلك ينبغي الوقوف عندما استقر عليه كل من الفقه والقضاء.
أ‌-     موقف الفقه من مصير الديون
ذهب بعض الفقه إلى القول بأنه يجب البحث عن تاريخ نشوء الدين الذي يطالب به الأجير، كالتعويض عن العطلة السنوية مثلا، فإذا نشأ هذا الدين قبل نقل المقاولة إلى المشغل الجديد، فإن المشغل السابق هو الملزم بأداء هذا الدين، ولا محل لمطالبة المشغل الجديد به، أما إذا كان الدين قد نشأ بعد نقل المقاومة فإن المشغل الجديد هو الملزم بأداء الديون في هذه الحالة.[13]
ويرى في هذا الإطار أيضا بعض الفقه أنه في حالة غياب أي اتفاق مخالف بين المشغل السابق والمشغل الجديد الذي انتقلت إليه المقاولة، فإن هذا الأخير لا يتحمل الديون التي للأجير على مشغله السابق من ديون وتعويضات.
فالخلف غير ملزم بأداء ديون السلف والتضامن بينهما لا يفترض، وهو موقف مخالف لما استقر عليه المشرع الفرنسي الذي كرس قاعدة التضامن بين المشغل السابق و المشغل الجديد فيما يخص ديون الأجير. وقد ذهب الفقه[14]إلى القول بأن قاعدة التضامن التي كرسها المشرع الفرنسي لصالح الأجراء جدير بالتطبيق من لدن القضاء المغربي ولو بدون وجود نص قانوني خاص لما لهذه القاعدة من آثار إيجابية على مصلحة الأجراء.
ب‌- موقف القضاء من مصير الديون
بالرجوع للقضاء المغربي فقد اعتبر في إحدى أحكامه أن عدم إثبات الأجير التواطؤ بين المشغل[15]الجديد والقديم على الغش والتدليس إضرار لحقوقه يجعل طلب الحكم عليهما متضامنين غير مرتكز على أساس، وهذا يعني أن القضاء المغربي أقر إمكانية قيام التضامن بين المشغل الجديد والقديم بخصوص أداء التعويضات المستحقة للأجير شريطة إثبات هذا الأخير الغش والتدليس الحاصر بين المشغل الجديد والمشغل السابق للأضرار به.
وبالنسبة للقضاء المصري فقد استقر على تضامن كل من المشغل القديم والجديد في تنفيذ الإلتزامات التي يرتبها عقد الشغل قبل حصول تغيير في الوضعية القانونية للمشغل، غير أن المسؤولية التضامنية بين المشغل القديم والمشغل الجديد تبقى مقصورة على تلك الإلتزامات الناشئة من عقد الشغل الذي كان ساري المفعول وقت نقل المقاولة – ما سبق الإشارة إلى ذلك  - أما العقد الذي انتهى قبل نقل المقاولة إلى المشغل الجديد فلا يسأل عنه هذا الأخير، ويبقى المشغل السابق هو المسؤول الوحيد عن الإلتزامات المترتبة عنه.[16]
2-   الوضع في ظل مدونة الشغل
بالرجوع إلى المادة 19 من مدونة الشغل، نجدها قد نصت صراحة بكون أن المشغل الجديد يخلف  المشغل السابق في الإلتزامات الواجبة للأجراء، وخاصة فيما يتعلق بمبلغ الأمور، والتعويضات عن الفصل من الشغل والعطل المؤدى عنها، وبذلك فالمشغل الجديد هو الذي يلزم بأداء الديون التي للأجير على مشغله السابقة، كما يلزم بأداء التعويضات في حالة فصل الأجير بشكل تعسفي[17].
 وانطلاقا مما اشير إليه أعلاه يمكن القول بأن المادة 19 من مدونة الشغل، ما قد جاءت بمستجدات إيجابية تخدم مصلحة الأجير، وتحافظ على حقوقه من خلال النص صراحة على تحمل المشغل الجديد أداء الديون المستحقة للأجير الناشئة في ظل المشغل السابق، وكذا أداء التعويضات عن الفصل التعسفي.



_محمد اليعكوبي :" مفهوم الشراكة "، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 102، يناير – فبراير 2012 ، ص 45 [1]
عبد الرحمان الشرقاوي :تكيف عقد الشراكة بين القطاع العام و الخاص ،اعمال الندوة العلمية الدولية التي نظمها فريق البحث في تحديث القانون _و العدالة يومي  10و11 فبراير 2012 ، ص 33[2]
_ رجب محمود طاجن:عقود الشراكة بين القطاع الحكومي و الخاص ،دار النهضة العربية 2010 ،ص 44[3]
[4] _عبد الرحمان الشرقاوي: مرجع سابق ، ص 35
[5]- قرار محكمة النقض عدد 2247 بتاريخ 24 شتنبر 1990 منشور بمجلة المحاكم المغربية العدد 66، سنة 1992، ص: 135.
[6]- بوعبيد الترابي: مبدأ استقرار الشغل في حالة تغيير الوضعية القانونية للمشغل، الطبعة الأولى 2013، ص: 120.
[7]- محمد جمال الدين زكي:
[8]- محمد سعيد بناني: علاقات الشغل الفردية. الجزء الثاني. مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، طبعة يناير 2007، ص: 599.
[9]- إدريس قصر، الخوصصة وآثارها على عقود الشغل، مقال منشور ضمن أعمال الثانية للقضاء الإجتماعي منشورات جمعية تنمية البحوث. الرباط فبراير 1992.
[10]- قرار المجلس الأعلى – عدد 168 بتاريخ 06/02/1989 في ملف الإجتماعي رقم 9027/88 منشور بمجلة المحامي عدد 15، ص: 118.
[11]- إدريس فجر. مرجع سابق، ص: 216.
[12]- إدريس فجر، نفس المرجع، ص: 215.
[13]- عبيد الترابي:  تغيير المركز القانوني للمشغل. رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، جامعة محمد الخامس بالنسبة 2006-2007، 83.
[14]- عبد الكريم غالي: في القانون الإجتماعي المغربي، مرجع سابق ،ص: 399.
[15]- حكم صادر بتاريخ 16 مارس 1998، في الملف الإجتماعي عدد 424/96، منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى، عدد 46 نونبر 1992، ص: 190.
[16]- بوعبيد الترابي: مرجع سابق، 126.
[17]- بوعبيد الترابي، مرجع سابق، ص 84.

شاركنا بتعليقك...

التعليقات



، اشترك معنا ليصلك جديد الموقع اول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

احصائيات الموقع

جميع الحقوق محفوظة

علوم قانونية وادارية

2010-2019