المقدمة
إن التطور الاقتصادي والاجتماعي اقتضى تطورا قانونيا لتنظيم وضبط مجموعة من المجالات الفاعلة في المجتمع، فقد كانت مهن حرة سواء كانت ذات طابع فني وتقني كالطب، الصيدلة والهندسة والمقاولين أو ذات طابع قانوني كالمحاماة والتوثيق العصري والعدلي، والمفوضين القضائيين محط أنظار الدولة التي إحاطتها بقواعد وضوابط قانونية متعددة ومتنوعة سواء من حيث ولوج المهنة أو ممارستها أو المنع من مزاولتها، كما أوجدت لها هياكل تنظيمية لتدبير شؤونها ووضعية ممتهنيها، وهو ما اصطلح عليه بالهيئات المهنية.
إلا انه يجب التنبيه إلى الغموض الذي قد يلم بمصطلح الهيئات المهنية موضوع الدرس بأجهزة منتخبة تسهر على تنظيم مجموعة من المهن الغير منظمة قانونا كغرف التجارة والصناعة والخدمات والغرف الفلاحة وغرف الصيد البحري، فالمقصود من الهيئات المهنية موضوع الدرس هي تلك الهيئات المهنية لمهن حرة منظمة قانونا بمقتضى نصوص تشريعية سواء كانت ذات طابع فني كالطب، الصيدلة والهندسة، أو ذات طابع قانوني كالمحاماة، التوثيق العدلي والعصري والمفوضين القضائيين .
وقد طرح مفهوم الهيئة المهنية نقاشا قانونيا لتحديد وضبط معالمه وخصائصه لما يترتب عن ذلك من آثار قانونية هامة تتجسد على مستوى العمل القضائي.
هكذا تتضح أهمية تناول الموضوع بالدراسة اعتبارا لطابعه التركيبي إذ تتقاطعه مجموعة من القواعد والأنظمة التي تتنوع بتنوع الهيئات المهنية وان اتحدت في بعض الخصائص، مما اقتضى منا استحضار مجموعة من المبادئ والقواعد القانونية على مستوى الفقه والقضاء لتحديد الطبيعة القانونية للهيئات المهنية وبالتالي طبيعة قراراتها وكيفية مراقبته.
و هو ما يطرح على مستوى آخر من الموضوع مدى أهمية هذه التنظيمات القانونية وفعاليتها لضبط مجالات فنية وقانونية على غاية من الدقة، أم أن الأمر يستدعي التدخل المستمر للدولة كجهاز رقابة ؟ أم أن فلسفة المشرع في إنشائه لهذه الهيئات كانت تهدف إلى توفير غطاء من الحماية والحصانة للمهنيين في مواجهة زبنائهم ؟
هذا ما سنحاول مقاربته من خلال تناول تصميم اقتضته ضرورية منهجية موضوعية تتفادى تكرار نقط المواضيع الأخرى المقررة لهذه المجزوؤة، لذلك حاولنا تحديد الإطار القانوني للهيئات المهنية ومهامها في(مبحث أول) ليتم تحديد طبيعتها القانونية في (مبحث ثان) ثم التطرق لكيفية الرقابة على أعمالها وقراراتها في (مبحث ثالث)
المبحث الأول: التنظيم القانوني للهيأت المهنية و مهامها
إن البحث في التنظيم القانوني للهيأت المهنية سواء ذات الطبيعة القانونية المحضة كالمحاماة الموثق العدل و المفوض القضائي أو تلك المرتبطة بالمجال الفني والعلمي كالطب الصيدلة المقاول والهندسة المعمارية ليس بالأمر الهين لاعتبارات عدة خاصة المنهجية منها لكن سنحاول ما أمكن ان نضع صورة تقريبية للهيأت المهنية على مستوى التنظيم القانوني في مطلب اول على ان نتناول مهام تلك الهيأت في مطلب ثاني
المطلب الأول:التنظيم القانوني للهيأت المهنية
المطلب الثاني : مهام الهيأت المهنية
لتفادي عملية سرد مهام الهيأت المهني كل مهنة على حدة كان لابد من البحث عن نقط التقاطع بينهم على اعتبار أن دراسة مهام الهيئة المهنية تقتضي الكثير من التحليل قصد الإلمام بها لكن يمكن إجمالها في وظيفتان أساسيتان سنتطرق للوظيفة تشريعية في فقرة أولى ونتناول الوظيفة تأديبية في فقرة ثانية .
الفقرة الأولى:الوظيفة التشريعية
لا نقصد هنا بالوظيفة التشريعية التشريع بمفهومه الضيق الصادر عن البرلمان وانما سلطة الهيئة المهنية لسن قواعد عامة مجردة تتسم بالإلزام بالنسبة لأعضائها ، ولعل أول تجليات امتياز إنشاء القاعدة القانونية يبدأ في التنظيم والتسيير الداخلي للهيئة (*) إلا أن التطبيق المهم لسلطة إنشاء القاعدة القانونية تظهر بجلاء في إعداد الهيئة لقانون أخلاقيات المهنة ، حيث أن تدخل الهيئة في مجال التخليق المهني يتسم بأهمية خاصة نظرا لما له من آثار تجاه الأغيار . صحيح أن قانون أخلاقيات المهنة يطبق داخل الهيئة لكن في الحقيقة يتجاوز إطار المهنة لأنه يعالج بالضرورة علاقات المهني بالعموم وبذلك فله تأثير على وضعية الزبناء ,وتبعا لذلك فإن الدولة تفرض رقابتها على هذه القوانين وذلك بضرورة المصادقة عليها من قبل السلطات العمومية (*) لكن السؤال المطروح ما هو الأساس المعتمد لمنح الهيئات المهنية سلطة إنشاء القاعدة القانونية؟ الجواب على هذا السؤال يستحق وقفة لأن بعض التوضيحات قد تجعل الهيئة المهنية موضع الشك.
فمن المنظور السوسيولوجي المؤسساتي يعتبر أن المؤسسة هي تجمع مجموعة من الأشخاص من أجل تحقيق هدف مشترك وتتميز بالرابطة الاجتماعية بين أعضائها وبسلطة التحكم الضرورية لحياة المؤسسة ، وعلى غرار جميع التجمعات فالهيئة المهنية تحتاج أيضا إلى سلطة مكلفة بسن القواعد السلوك الواجب إتباعه داخل الهيئة وضمان احترام هذه القواعد وبالتالي فسلطة التشريع هي مرتبطة أساسا بطبيعة الجماعة وملازمة للمهنة المنظمة.
وهناك منظور ثاني يعتبر أن سلطة التشريع المخولة للهيئة المهنية هي تفويض من قبل الدولة وبالتالي فارتباط سلطة تشريع الهيئة المهنية بسلطة الدولة هو الوحيد الذي يفسر وجود مراقبة للملائمة ، فإذا كانت قوانين أخلاقيات المهنة تعد من قبل الهيئة المهنية فإنها تخضع لمصادقة السلطات العمومية وتدخل حيز التنفيذ بواسطة مرسوم، وبالتالي فإن سلطة التشريع المخولة للهيئة المهنية ليست وليدة الصدفة بل تجد مصدرها من القانون وفي إرادة الدولة التي تنازلت للهيئة عن حقها في تقنين بعض جوانب المهنة إلا أنها – أي الدولة – دائما تحتفظ بحقها في مراقبة التشريعات الصادرة عن الهيئة.
الفقرة الثانية :المهمة التأديبية
إن الهدف الرئيسي والغاية الأساسية من وجود الهيئة المهنية هي المهمة التأديبية ، وعملا بذلك فإن المنادون بإنشاء الهيئة المهنية كانوا ينظرون إلى الجانب الزجري للهيئة باعتبار أن الهيئة يجب أن تعمل من أجل كبح تراجع أخلاقيات المهنة وأن تواجه الأعمال المنافية لها ، كما أنها تهدف إلى الحد من نواقص الأعمال التأديبية للنقابات ومواجهة عدم ملائمة التشريع الجنائي والمدني المعمول به .من جانبهم يعتبر المدافعون عن الهيئة أنها الوسيلة التي بها يتم تصحيح وضعية المهنة والرفع من قيمتها الأخلاقية وهي بذلك تعتبر ضامنة للصفات الحميدة في المهنة
فالقانون الفرنسي منح للهيئات المهنية اختصاصات في تأديبية واسعة : فهي تمارس وظيفة وقائية تتجلى في مراقبة الولوج إلى المهنة ووظيفة زجرية تتجلى في مراقبة الإخلال بواجبات المهنة أما في المغرب فالتشريعات غير منسجمة والاختصاصات التأديبية ليس لها نفس الامتداد بالنسبة لكل هيئة وبصفة عامة أبدى المشرع المغربي تحفظه بالنسبة للهيئة المهنية لكن الملاحظة لا تسري على كل الهيئات بل يجب التميز بين ثلاث حالات.
فكما في فرنسا تتمتع هيئة المحامون في المغرب باختصاصات تأديبية جد موسعة فهي تمارس وظيفة تأديبية وقائية باعتبارها تراقب ولوج الأعضاء الجدد إلى المهنة كما تبث أيضا في قبول التدريب و التسجيل في الجدول مكلفة أيضا بالسهر على احترام القواعد التي تنظم المهنة وتعاقب الإخلالات المهنية ، وفي هذا الصدد فهي تمارس مهمة قضائية ومهمة تأديبية زجرية فالقرارات التأديبية لهيئة المحامون قابلة للطعن بالاستئناف أمام محاكم الإستئناف و القرارات الصادرة عن المحاكم المذكورة تقبل الطعن بالنقض أمام المجلس الأعلى.
بالنسبة لهيئة الأطباء فإن الدور التأديبي للهيئة محدود لكن يبقى مهم نسبيا فهيئة الأطباء لا تمارس لا تمارس الدور الوقائي لأنها لا تراقب ولوج الأعضاء الجدد إلى المهنة بل لها دور استشاري في الموضوع ورأيها هذا في قبول أو رفض العضو الجديد لا يلزم الإدارة في شيء، في المقابل تتمتع هيئة الأطباء بدور موسع فيما يتعلق بزجر المخالفات، فعلاوة على الإنذار والتوبيخ بإمكان الهيئة اللجوء إلى توقيف العضو أو التشطيب عليه بصفة نهائية لمعاقبة الأخطاء المرتكبة من قبل أعضائها لكن العقوبتين الأخيرتين تثير الملاحظات فإذا كانت هذه العقوبات تتعلق بقدرة الشخص على ممارسة المهنة فإن هذه العقوبة يجب أن تؤدي بالإدارة إلى سحب رخصة الممارسة لكن السؤال المطروح هو هل الإدارة ملزمة بقرار الهيئة أم يمكن أن ترفض إعطاء الأثر القانوني المترتب عليه .
فإذا كانت الهيئة لها كامل الصلاحيات في ممارسة مهامها التأديبية يجب أن نعتبر بأن الإدارة ملزمة بسحب رخصة الممارسة من العضو الصادرة في حقه العقوبة لكن إذا كانت الهيئة في وضعية تبعية بالنسبة للإدارة فإننا نعترف للأمانة العامة للحكومة بسلطة تقديرية خاصة تمكنها من شل و إفراغ قرار الهيئة من محتواه.
القانون يبدو أنه اختار حلا توافقي ملفوف بكثير من الغموض فهو يضع كمبدأ أن للهيئة المهنية كامل الصلاحية في تأديب العضو إلا أنها في بعض الحالات الاستثنائية يمكن للإدارة إرجاء قرار السلطة الصادر عن الهيئة وتأخير تطبيقه، كما يمكن أن تذهب أبعد من ذلك وترفض سحب الرخصة لمدة سنتين هذا التأويل يخول الإدارة حق فيتو حول قرارات التشطيب رغم ارتباطه بتوفر الظروف الاستثنائية.
مهما يكن فإن القرارات التأديبية الصادرة عن هيئة الأطباء هي بمثابة قرارات قضائية وبصفتها هذه فالقرارات الصادرة عن المجلس الجهوي قابلة للطعن أمام المجلس الوطني والقرارات الصادرة عن المجلس الوطني قابلة للطعن بالنقض أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى.
فيما يتعلق بهيئة المهندسين لها دور مختزل فهي على غرار هيئة الأطباء تمارس دور وقائي استشاري فالهيئة تصدر رأي استشاري حول ترشيحات الولوج إلى المهنة نفس الأمر فيما يخص زجر المخالفات المرتبطة بإخلالات الواجب المهني ، كما أن العقوبات الأكثر حدة الوقف والعزل لا تصدر عن الهيئة بل هي مقترحة من قبلها على الأمانة العامة للحكومة.
الفقرة الأولى:الوظيفة التشريعية
لا نقصد هنا بالوظيفة التشريعية التشريع بمفهومه الضيق الصادر عن البرلمان وانما سلطة الهيئة المهنية لسن قواعد عامة مجردة تتسم بالإلزام بالنسبة لأعضائها ، ولعل أول تجليات امتياز إنشاء القاعدة القانونية يبدأ في التنظيم والتسيير الداخلي للهيئة (*) إلا أن التطبيق المهم لسلطة إنشاء القاعدة القانونية تظهر بجلاء في إعداد الهيئة لقانون أخلاقيات المهنة ، حيث أن تدخل الهيئة في مجال التخليق المهني يتسم بأهمية خاصة نظرا لما له من آثار تجاه الأغيار . صحيح أن قانون أخلاقيات المهنة يطبق داخل الهيئة لكن في الحقيقة يتجاوز إطار المهنة لأنه يعالج بالضرورة علاقات المهني بالعموم وبذلك فله تأثير على وضعية الزبناء ,وتبعا لذلك فإن الدولة تفرض رقابتها على هذه القوانين وذلك بضرورة المصادقة عليها من قبل السلطات العمومية (*) لكن السؤال المطروح ما هو الأساس المعتمد لمنح الهيئات المهنية سلطة إنشاء القاعدة القانونية؟ الجواب على هذا السؤال يستحق وقفة لأن بعض التوضيحات قد تجعل الهيئة المهنية موضع الشك.
فمن المنظور السوسيولوجي المؤسساتي يعتبر أن المؤسسة هي تجمع مجموعة من الأشخاص من أجل تحقيق هدف مشترك وتتميز بالرابطة الاجتماعية بين أعضائها وبسلطة التحكم الضرورية لحياة المؤسسة ، وعلى غرار جميع التجمعات فالهيئة المهنية تحتاج أيضا إلى سلطة مكلفة بسن القواعد السلوك الواجب إتباعه داخل الهيئة وضمان احترام هذه القواعد وبالتالي فسلطة التشريع هي مرتبطة أساسا بطبيعة الجماعة وملازمة للمهنة المنظمة.
وهناك منظور ثاني يعتبر أن سلطة التشريع المخولة للهيئة المهنية هي تفويض من قبل الدولة وبالتالي فارتباط سلطة تشريع الهيئة المهنية بسلطة الدولة هو الوحيد الذي يفسر وجود مراقبة للملائمة ، فإذا كانت قوانين أخلاقيات المهنة تعد من قبل الهيئة المهنية فإنها تخضع لمصادقة السلطات العمومية وتدخل حيز التنفيذ بواسطة مرسوم، وبالتالي فإن سلطة التشريع المخولة للهيئة المهنية ليست وليدة الصدفة بل تجد مصدرها من القانون وفي إرادة الدولة التي تنازلت للهيئة عن حقها في تقنين بعض جوانب المهنة إلا أنها – أي الدولة – دائما تحتفظ بحقها في مراقبة التشريعات الصادرة عن الهيئة.
الفقرة الثانية :المهمة التأديبية
إن الهدف الرئيسي والغاية الأساسية من وجود الهيئة المهنية هي المهمة التأديبية ، وعملا بذلك فإن المنادون بإنشاء الهيئة المهنية كانوا ينظرون إلى الجانب الزجري للهيئة باعتبار أن الهيئة يجب أن تعمل من أجل كبح تراجع أخلاقيات المهنة وأن تواجه الأعمال المنافية لها ، كما أنها تهدف إلى الحد من نواقص الأعمال التأديبية للنقابات ومواجهة عدم ملائمة التشريع الجنائي والمدني المعمول به .من جانبهم يعتبر المدافعون عن الهيئة أنها الوسيلة التي بها يتم تصحيح وضعية المهنة والرفع من قيمتها الأخلاقية وهي بذلك تعتبر ضامنة للصفات الحميدة في المهنة
فالقانون الفرنسي منح للهيئات المهنية اختصاصات في تأديبية واسعة : فهي تمارس وظيفة وقائية تتجلى في مراقبة الولوج إلى المهنة ووظيفة زجرية تتجلى في مراقبة الإخلال بواجبات المهنة أما في المغرب فالتشريعات غير منسجمة والاختصاصات التأديبية ليس لها نفس الامتداد بالنسبة لكل هيئة وبصفة عامة أبدى المشرع المغربي تحفظه بالنسبة للهيئة المهنية لكن الملاحظة لا تسري على كل الهيئات بل يجب التميز بين ثلاث حالات.
فكما في فرنسا تتمتع هيئة المحامون في المغرب باختصاصات تأديبية جد موسعة فهي تمارس وظيفة تأديبية وقائية باعتبارها تراقب ولوج الأعضاء الجدد إلى المهنة كما تبث أيضا في قبول التدريب و التسجيل في الجدول مكلفة أيضا بالسهر على احترام القواعد التي تنظم المهنة وتعاقب الإخلالات المهنية ، وفي هذا الصدد فهي تمارس مهمة قضائية ومهمة تأديبية زجرية فالقرارات التأديبية لهيئة المحامون قابلة للطعن بالاستئناف أمام محاكم الإستئناف و القرارات الصادرة عن المحاكم المذكورة تقبل الطعن بالنقض أمام المجلس الأعلى.
بالنسبة لهيئة الأطباء فإن الدور التأديبي للهيئة محدود لكن يبقى مهم نسبيا فهيئة الأطباء لا تمارس لا تمارس الدور الوقائي لأنها لا تراقب ولوج الأعضاء الجدد إلى المهنة بل لها دور استشاري في الموضوع ورأيها هذا في قبول أو رفض العضو الجديد لا يلزم الإدارة في شيء، في المقابل تتمتع هيئة الأطباء بدور موسع فيما يتعلق بزجر المخالفات، فعلاوة على الإنذار والتوبيخ بإمكان الهيئة اللجوء إلى توقيف العضو أو التشطيب عليه بصفة نهائية لمعاقبة الأخطاء المرتكبة من قبل أعضائها لكن العقوبتين الأخيرتين تثير الملاحظات فإذا كانت هذه العقوبات تتعلق بقدرة الشخص على ممارسة المهنة فإن هذه العقوبة يجب أن تؤدي بالإدارة إلى سحب رخصة الممارسة لكن السؤال المطروح هو هل الإدارة ملزمة بقرار الهيئة أم يمكن أن ترفض إعطاء الأثر القانوني المترتب عليه .
فإذا كانت الهيئة لها كامل الصلاحيات في ممارسة مهامها التأديبية يجب أن نعتبر بأن الإدارة ملزمة بسحب رخصة الممارسة من العضو الصادرة في حقه العقوبة لكن إذا كانت الهيئة في وضعية تبعية بالنسبة للإدارة فإننا نعترف للأمانة العامة للحكومة بسلطة تقديرية خاصة تمكنها من شل و إفراغ قرار الهيئة من محتواه.
القانون يبدو أنه اختار حلا توافقي ملفوف بكثير من الغموض فهو يضع كمبدأ أن للهيئة المهنية كامل الصلاحية في تأديب العضو إلا أنها في بعض الحالات الاستثنائية يمكن للإدارة إرجاء قرار السلطة الصادر عن الهيئة وتأخير تطبيقه، كما يمكن أن تذهب أبعد من ذلك وترفض سحب الرخصة لمدة سنتين هذا التأويل يخول الإدارة حق فيتو حول قرارات التشطيب رغم ارتباطه بتوفر الظروف الاستثنائية.
مهما يكن فإن القرارات التأديبية الصادرة عن هيئة الأطباء هي بمثابة قرارات قضائية وبصفتها هذه فالقرارات الصادرة عن المجلس الجهوي قابلة للطعن أمام المجلس الوطني والقرارات الصادرة عن المجلس الوطني قابلة للطعن بالنقض أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى.
فيما يتعلق بهيئة المهندسين لها دور مختزل فهي على غرار هيئة الأطباء تمارس دور وقائي استشاري فالهيئة تصدر رأي استشاري حول ترشيحات الولوج إلى المهنة نفس الأمر فيما يخص زجر المخالفات المرتبطة بإخلالات الواجب المهني ، كما أن العقوبات الأكثر حدة الوقف والعزل لا تصدر عن الهيئة بل هي مقترحة من قبلها على الأمانة العامة للحكومة.
المبحث الثاني: الطبيعة القانونية للهيأت المهنية
لقد أثار ظهور الهيئات المهنية سجالا واختلافا بين عديد الفقهاء وذلك حول الطبيعة الخاصة أو العمومية للهيئة المهنية، والقانون من جانبه لم يحسم أمر هذه الطبيعة بل ترك أمر الجواب عليها للفقه فالبعض منهم تحدث عن الطبيعة المختلطة أو الهجينة لهذه التنظيمات وتوالت بعد ذلك الطروحات المتناقضة في هذا الأساس. ومهما يكن فإن الأمر لم يعد كما كان بل أصبح أكثر وضوحا ففي فرنسا لم يعد الموضوع مطروحا للنقاش، فالطبيعة العمومية للهيئة المهنية تكاد تنال إجماع الفقهاء في فرنسا وعلى هدا الاعتبار نتناول الموقف الفرنسي في مطلب أول.
أما بالنسبة للمغرب فإن السؤال لم يتم تناوله بما فيه الكفاية إلا أن الطبيعة العمومية للهيئة المهنية تبدو أكثر وضوحا المطلب الثاني.
المطلب الأول: موقف القانون الفرنسي
إن الباحث في مجال المهن الحرة يجد أنها قائمة حتى قبل الثورة الفرنسية ومنذ ذلك التاريخ وهيئات هذه المهن تتطور إلى أن وصلت ما نراها عليه اليوم
يعتبر الفقه الفرنسي أن للهيئة المهنية جميع مميزات الجهاز العمومي ذلك أنها لم تولد بمحض الصدفة بل هي بمبادرة من السلطات العمومية ، كما أنها – أي الهيئات - أسست بقوانين تحدد تركيبها ووظائفها وكذا اختصاصاتها .من جهة أخرى فإن الهيئة المهنية تلعب دورا أساسيا في السهر ومراقبة نشاط المهنة تماشيا مع المصلحة العامة ، إضافة إلى ذلك فإنها تخضع لنظام القانون العام باعتبارها ذات سلطة عمومية تملك سلطة التقنين والتأديب تتخذ قرارات تنفيذية وتقتطع واجبات اشتراك من أعضائها.
وأخيرا فإن الهيئة المهنية تخضع لرقابة الدولة هذه الرقابة تتجلى في التدخل المباشر للإدارة في تسيير الهيئة ويترجم ذلك بوجود موظف داخل بعض الأجهزة العادية إضافة إلى مراقبة القاضي الإداري لمشروعية بعض القرارات الصادرة عن الهيئة.
صحيح أن الهيئة المهنية تقدم أيضا بعض جوانب التنظيم الخصوصي حيث تضم مهنيين مستقلين لا تتوفر فيهم صفة الموظف ، تسير أموالها تبعا لقواعد القانون الخاص ، كما تمنح لأعضائها بعض الخدمات والتعويضات وكذا بعض المساعدات التي لا تتصف بسمة العمومية ، إضافة إلى ذلك فإن قواعد القانون الخاص هي التي تؤطر العلاقة بين الهيئة والأشخاص كملاك العقارات المكتراة للهيئة والممونون والعمال الذين يعملون بالهيئة ، رغم ذلك فإن الكل مجمع على أن هذه الأنشطة ثانوية ولا تشكل بأي حال من الأحوال الغاية التي أنشأت من أجلها
موقف القضاء في هذا الجانب يبدو غامضا ، فمنذ ظهور الهيئات المهنية على ساحات النزاعات ، ومجلس الدولة الفرنسي يرفض تكييف الهيئة المهنية بالمؤسسة العمومية بل اعتبرها تساهم في تسيير المرفق العمومي إلا أن هذا الغموض سرعان ما يتبدد إذا ما علمنا أن مجلس الدولة الفرنسي يعترف أن لتسيير المرفق العمومي نفس النتائج التي ترتبط بمفهوم بالشخص العمومي، ويبقى أن هذا الاجتهاد لم يتم تفنيده ولا تفسيره من قبل الفقه وهو ما يعد اعترافا بالطابع العمومي للهيئة المهنية.
المطلب الثاني: موقف القانون المغربي
في المغرب الأمر مختلف اعتبارا للارتباط الكبير بين الهيئة المهنية والدولة، فاستقلال الهيئات المهنية المغربية يبدو محدودا وذلك من خلال نقطتين أساسيتين:
فيما يتعلق بمراقبة الولوج إلى المهنة ، فباستثناء المحاماة فإن الهيئات المهنية الأخرى لا تتوفر على سلطة اتخاذ قرار الولوج بل لها دور استشاري فقط ، حيث تر سل الترشيحات إلى الأمانة العامة للحكومة التي تستشير مع الهيئة المهنية ويبقى لها في الأخير الحق في قبول أو رفض ممارسة المهنة وبالتالي فإن مراقبة ولوج المهنة لا تندرج عمليا ضمن اختصاصات الهيئة المهنية بل تنصرف إلى السلطات العمومية
من جانب آخر فإن الوظيفة التأديبية للهيئة المهنية ليست بنفس الحدة بالنسبة لكل هذه الهيئات ، فإذا كانت هيئة المحامون والأطباء لها سلطة كاملة لتأديب أعضائها فإن الأمر لا ينطبق على هيئة المهندسين وباقي الهيئات التي تشاطر هذه الوظيفة مع السلطات العمومية حيث تصدر العقوبات ت الأقل حدة ( التوبيخ والإنذار ) في المقابل ليس لها سوى الاقتراح على الأمانة العامة للحكومة فيما يتعلق العقوبات الأشد ( التوقيف والعزل)
هذين النقطتين الأساسيتين تضاف أليهما السمات المتعلقة بالهيئات المهنية في القانون الفرنسي تؤكد هيمنة الدولة على الهيئة المهنية المغربية وتوضح بجلاء طبيعتها العمومية .
يتبن مما سبق أن فكرة المرفق العام لا تتنافى مع هذه الأنواع من النشاطات التي تقوم بها الهيئات المهنية ، ذلك أن مهمتها لا تتعلق فقط بالدفاع عن مصالح المهنة ولكن تتعلق قبل كل شيء بتنظيم ومراقبة المهنة قصد تحقيق الصالح العام عن طريق تقديم خدمات عامة للجمهور تلك الخدمات التي لا يمكن الاستغناء عنها ، وهي تدخل في صميم اختصاص الدولة إلا أن الدولة عندما أوكلت إلى الأعضاء المنتمين والمنتخبين من المهنة نفسها لإدارتها وتسيرها كانت – وما تزال – تسعى إلى تخفيف العبء عنها من جهة ومن جهة أخرى لعلمها بأن أعضاء الهيئة يملكون المقدرة اللازمة لإدارة تلك الهيئات وتسيرها مع احتفاظ الدولة بالوصاية عليها لأنه لو تبين لها عدم كفاءة الأعضاء المسيرين للنقابة في التسير والإدارة فإنها تضطر لحل النقابة والحلول محلها ريثما يتم انتخاب الأعضاء الجدد, وتبعا لذلك يمكن أن نعتبر النقابات في المغرب من قبيل الأشخاص الخاصة التي تدير مرافق عمومية.
لكن السؤال المطروح هو هل يمكن اعتبار الهيئات المهنية مؤسسة عمومية؟ الواقع هو أنه لتمتعها بهذه الصفة ينبغي توافر شروط معينة منها أن يكون النشاط عبارة عن مرفق عام وأن تديره هيئة عامة ويتمتع بالشخصية المعنوية ,من جهته فالقضاء لم يكن له موقفا في هذا الصدد ، هذا الغياب على مستوى الإجتهاد القضائي يبدو مفاجأ لكن يمكن تفسيره بخصوصيات النزاعات الإدارية في هذا الجانب
في الواقع لم يطلب للقاضي في يوم من الأيام أن يبث في طبيعة الهيئة المهنية لكن يمكن أن يتبين موقفه انطلاقا القضايا التي يبث فيها بمناسبة نزاع بين الهيئة المهنية وأحد أعضائها كالقرارات التأديبية أو القرارات الرافضة لتسجيل عضو في الهيئة ، إلا أنه ورغم ذلك فلا شيء يلزم القاضي باتخاذ موقف في هذا الشأن.
لكن ما يمكن قوله في هذا الصدد أن القرارات التأديبية الصادرة عن الهيئة هي بمثابة قرارات قضائية تخضع لنظام خاص وقابلة للطعن بالاستئناف والنقض
أما فيما يتعلق بالقرارات الرافضة لتسجيل عضو بالهيئة فإنها عموما ليست من عمل الهيئة المهنية بل صادرة عن سلطة إدارية وبصفتها هذه فهي قابلة للطعن بالشطط في استعمال السلطة ، صحيح أن هيئة المحاماة تبث مباشرة في طلبات التسجيل لكن هذا يشكل استثناءا وليس القاعدة.
إلا أن هذا لا يمنع من القول أن جميع الهيئات المهنية تتشابه من حيث طبيعتها وتمارس نفس الوظائف ، هذا التشابه في الطبيعة والوظائف يكفي للجمع بين مختلف الهيئات المهنية مهما اختلفت النصوص والقواعد المنظمة لها . باستثناء هيئة الصيادلة التي لا تختلف عن شيء عن مثيلاتها من الهيئات باستثناء كونها تنظم مهنة تجارية
مبحث ثالث: الرقابة على الهيئات المهنية.
إن التطرق إلى التنظيم القانوني والطبيعة القانونية للهيئات المهنية وإعمالها في المبحثين أعلاه يعتبر أرضية لتناول الرقابة على الهيئات المهنية سواء كانت رقابة على الاشخاص أم على الأعمال، رقابة شرعية أم رقابة ملائمة قبلية ام بعدية، ومهما اختلفت طبيعة هذه الرقابة فإنها أما رقابة إدارية على ممارسة المهنة (مطلب اول) أو رقابة قضائية على الهيئة المهنية والتي نتناولها في (مطلب ثاني).
مطلب أول : الرقابة الإدارية على مزاولة المهنة.
تخضع الهيئات المهنية في مجملها لرقابة إدارية من طرف الإدارة الوصية سواء من حيث الانخراط فيها، تنظيمها وأعمالها، واعتبارا لنقط التقاطع التي تربط بعض المهن ارتأينا تقسيم هذا المطلب للرقابة على ممتهني المهن ذات الطابع القانوني في نقطة أولى، والرقابة على ممتهني المهن ذات الطابع الفني في نقطة ثانية، وقد أثرنا عدم التطرق للرقابة التي تمارسها الهيئات المهنية على ممتهنيها باعتبارها تدخل في نطاق موضوع العقوبات والمساطر التأديبية.
1- الرقابة على مزاولة مهن المحاماة، التوثيق العصري والعدلي والمفوضين القضائيين.
تخضع هذه المهن للرقابة الإدارية لوزارة العدل فبموجب المرسوم الصادر بتاريخ 23-06-1998 بتحديد اختصاصات وزارة العدل اسند لمديرية الشؤون المدنية بالإدارة المركزية السهر على حسن ممارسة المهن القانونية والقضائية الخاضعة لمراقبتها، وكذا تم تخصيص قسم لمساعدي القضاء والمهن القانونية والقضائية الذي يضم بدوره عدة مصالح تعنى بشؤون كل مهنة على حدة والمتمثلة في مصلحة مهنة المحاماة، مصلحة مهنة التوثيق ومصلحة مهنة العدول ومصلحة المهن القانونية والقضائية الأخرى.
وعبر هذه الآليات واستنادا للقانون المنظم لكل مهنة والمراسيم المطبقة له تقوم وزارة العدل بممارسة رقابة قبلية صارمة على الاشخاص الذين يتقدمون لولوج المهنة فهي التي تقوم بتنظيم مباريات ولوجها من الانتقاء الأولي إلى إسناد صفة المهنة للمعني بالأمر، كما بنص على ذلك قانون المحاماة الجديد في فصله السادس الذي احتفظ لوزارة العدل بمهمة تنظيم الامتحان الخاص بمنح شهادة الأهلية لمزاولة المهنة إلى حين دخول النص التنظيمي لمؤسسة للتكوين تحدث وتسير وفق الشروط التي ستحدد بنص تنظيمي، وهو النص الذي لم يرى النور رغم انه سبق أن أحدثت مجالس جهوية للتكوين بمقتضى القانون الصادر في 30-09-1993 والتي علقت على اصدار نص تنظيمي، كما تتحكم وزارة العدل في دواليب امتحان خطة العدالة طبق للفصل 2 من مرسوم المطبق لقانون المهنة بواسطة لجنة يترأسها ممثل عن وزير العدل والتي تحدد عدد العدول الضروري والمكاتب لكل دائرة ولجنة ثانية تهيمن عليها وزارة العدل تشرف على الامتحان طبق للفصل 7 من المرسوم.
وان كانت نفس الوزارة هي المشرفة على مباراة التوثيق العصري بتنظيمها والإشراف عليها طبقا للفصل 10 من 04 مايو 1924، فان الموثق يعين بظهير شريف طبقا للفصل 6 من الظهير بعد استشارة اللجنة المنصوص عليها بالفصل 15 من الظهير والتي تهمن عليها بدورها وزارة العدل إذ يترأسها ممثل لوزير العدل، ويظل الموثق خاضعا للمراقبة الإدارية لوكيل الملك طيلة ممارسته لمهامه إذ يخضع لتفتيش من قبله مرة في السنة، في حين إن العدل يعين بقرار لوزير العدل وليست له صفة موظف عمومي ويخضع للمراقبة الإدارية لرئيس المحكمة.
وتسري نفس آليات الرقابة الإدارية على مزاولة المهنة وأشخاصها على المفوضين القضائيين الذين يتم تعيينهم بقرار لوزير العدل بعد إجراء مباراة تنظمها وتشرف عليه لجنة تهيمن عليها وزارة العدل، ويبقى المفوض القضائي خاضعا لمراقبة مزدوجة في ممارسته لمهامه من طرف وكيل الملك ورئيس المحكمة.
وإضافة لذلك فمراقبة العدول تتم عن طريق وزير العدل والوكيل العام و قاضي التوثيق طبقا للفصل 16 من ظهير خطة العدالة ويتم الطعن في المقررات التأديبية لمحكمة الاستئناف في مواجهة العدل بالنقض أمام المجلس الأعلى، كما يخضع المفوضون القضائيون لرقابة وكيل الملك والإدارة الجبائية طبقا للفصل 18و21 من القانون المنظم للمهنة وللمحكمة الابتدائية طبقا للفصل 19 ورئيس المحكمة طبقا للفصل 13و 14 الذي يمكنه اصدر أمر لهم بمباشرة أعمالهم إذا امتنعوا عن القيام بها كتابة الضبط بالمحكمة حسب الاحوال، ويتم الطعن في القرارات التاديبية الصادرة في مواجهة العون القضائي امام محكمة الاستئناف.
وتمارس وزارة العدل رقابة اخلاقية في قالب مهني على المهنيين اعلاه بالزام كل منهم باداء قسم المهنة، فكل من المحامي والموثق يؤدي قسم المهنة امام محكمة الاستئناف مقر عمله، و يؤديها العدل امام المحكمة الابتدائية لمقر عمله
بعدما تمت الاشارة بايجاز الى الرقابة على ممتهني المهن اعلاه، يجدر بنا التطرق لخصوصيات الرقابة على ممتهني المهن ذات الطابع الفني كذلك باعتبارها مهن منظمة قانونا وقد يكون ممتهنوها خبراء قضائيون تسند لهم مهمة مساعدة القضاء شأنهم في ذلك شان المحامين والموثقين والعدول والمفوضين القضائيين.
2- الرقابة على مزاولة مهن الطب والصيدلة والهندسة.
تتميز الرقابة على ممتهني هذه المهن عن سابقتها، من حيث الجهة التي اسندت لها مهمة هذه الرقابة الادارية، فالبنسبة لمهنة الطب فانها تخضع لوصاية وزارة الصحة والمجالس الجهوية والوطنية، في حين تخضع مهنة الصيدلة والهندسة لوصاية الامانة العامة للحكومة ويبقى للمجالس الوطنية والجهوية لهذه المهن دور استشاري فقط بخصوص في تنظيم مزاولة المهنة.
فالبنسبة لمهنة الطب وبخلاف المهن الاخرىن تضطلع المجالس الجهوية والمجلس الوطني بدور هام في تنظيم الولوج مهنة الطب في القطاع الخاص برقابة مستمرة من طرف وزالرة الصحة والامانة العامة للحكومة بالنسبة للاطباء الاجانب واقامة العيادات والمصحات طبقا للمرسوم الصادر بتاريخ 06-11-1997.
ذلك انه لمزاولة مهنة طبيب في القطاع الخاص يتم ايداع الطلب لدى المجلس الجهوي لهيئة الاطباء الوطنية، وتتم احالة الطلب بطلب من رئيس المجلس الى وزير الخارجية لاتخاذ الاجراءات الازمة، بواسطة رئيس المجلس الوطني اذا تطلب الامر التاكد من شهادة او دبلوم مسلم من جامعة اجنبية.
ويتم اطلاع وزير الصحة والامين العام للحكومة وعامل العمالة او الاقليم بالاذن بممارسة المهنة وباقامة العيادات الطبية التي يرقب الطلب بشأنها بواسطة لجنة مختصة.
وتكتسي مهنة اطباء الاسنان خصوصية بالنسبة لمثيلتها في التخصصات الاخرى طبقا لظهير 17-04-2007 ذلك ان المجالس الجهوية والمجلس الوطني تبقى سيدة الموقف في تدبير شؤون المهنة والرقابة على مزاولتها ويبقى دور الادارة باهتا اذ يقتصر على نوع من الرقابة على مققررات الهيئة وهو ما سنتدارسه في المطلب الثاتي المتعلق بالرقابة على على الهيئات المهنية.
وفيما يخص مهنة الصيدلة فان هيئتيها المحدثتين بمقتضى ظهير 19-01-1977 وان كانت تسهر على احترام القوانين والانظمة المتعلقة بالمهنة فان الرقابة على مزاولة المهنة يرجع للادارة بالاساس في شخص الامانة العامة للحكومة ووزارة الصحة والنيابة العامة والمحكمة الابتدائيةن ذلك ان الاذن بممارسة المهنة يتم من طرف الامين العام للحكومة بعدما يتوصل بالملف من طرف السلطات البلدية او المحلية والذي يجب ان يكون مرفقا باجازة القيام بالمهنة في مقر معين بعدما يتم تسجيله لدى كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية وتؤشر عليه السلطة المحلية، وتوجه لائحة باسماء الصيادلة سنويا لوكيل الملك بالمحكمة الابتدائية و وزير الصحة، ويخضع الصيادلة للتفتيش من طرف لجن التفتيش الصيدلي لمراقبة الادوية المبيعة ومراقبة السجل المتعلق ببيع الادوية التي يتوقف بيعها على الادلاء بشهادة طبية والذي يجب التأشير عليه من طرف كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية.
ومن جهة اخرى تخضع مزاولة مهنة المهندس لقابة الامانة العامة للحكومة طبقا لظهير 29-07-1949 فمنح لقب مهندس يتوقف على اذن من الامين العام للحكومة بعد استشارة لجنة مختصة بعدما يتوصل بالملف من السلطة المحليةن وعرضه على وزارة الشؤون الخارجية لابداء رأيها في الموضوع، وقد تنظيم هيئة المهندسين المعماريين واحداث هيئة خاصة بهم بمقتضى ظهير 20-10-1993، ويتم منح صفة مهندس معماري من طرف الامين العام للحكومة بعد استشارة الادارة المكلفة بالتعمير والمجلس الوطني لهيئة المهندسين المعماريين بعدما تتوصل بالملف من طرف عامل العمالة او الاقليم، كما يتم بمقرر مشترك بينهما تحديد عدد الاعضاء المخصص للمجلس الوطني والمجالس الجهوية، وللامين العام بعد استشارة المجلس الوطني سحب الاذن في مزاولة المهنة كما يمكن للادارة المكلفة بالتعمير والامين العام للحكومة طلب حل شركة المهندسين المعمارين قضاءا اذا لم تتوفر في احد الشركاء صفة مهندس معماري.
بعد هذه المقاربة المبسطة للرقابة على المهن المنظمة، والتي يتضح فيها هيمنة الادارة في شخص وزارة العدل بخصوص المهن ذات الطابع القانوني، وهمنة الامانة العامة على المهن ذات الطابع الفني ماعدا مهنة الطب التي تمارس مجالسها مهام مهمة في تنظيم مزاولة المهنة، نتسائل عن طبيعة الرقابة على اعمال الهيئات المهنية نفسها والجهات الموكول لها ذلك في المطلب التالي.
مطلب ثاني : الرقابة على اعمال الهيئات المهنية.
اذا كان للاداة كما اسلفنا هيمنة على الرقابة القبلية في ممارسة المهن المنظمة قانونا، زبما لهاجس المشرع لضبط المهن الحرة واخضاعها لنظم قانونية تجعلها سيدة الموقف في مزاولة المهن ومراقبة ممتهنيها حماية للمهنة في حد ذاتها اولا وللمستفدين من خدماتها من جهة ثانية، فانه يتضح هيمنة ارقابة القضائية وان بشكل متفاوت على اعمال مجموع المهن وهو ما سنفصله في نقطتين اثنتين نتناول في اولهما الرقابة على اعمال الهيئات المهنية للمهن ذات الطابع القانوني في النقطة الاولى، وفي نقطة ثانية نتطرق للرقابة على اعمال هيئات المهن ذات الطابع الفني مجموع.
1- الرقابة على اعمال الهيئات ذات الطابع القانوني :
تخضع اعمال الهيئات المهنية لهذه المهن لرقابة قضائية صارمة بحكم ارتباطها بمرفق القضاء مباشرة.
- فالبنسبة لمهنة المحاماة، وبالرغم من السلطات الواسعة التي خولت لهيئتها المهنية متمثلة في مجلس نقابة هيئة المحامين طبقا للقانون الجديد الصادر بتاريخ 20-10-2008 فان الجهاز القضائي باعتباره سلطة ادارية احيانا وباعتباره سلطة قضائية احيانا اخرى يمارس رقابة مستمرة على اعمال مجلس هاته الهيئة وعلى اعمال النقيب وكذا على اعمال الجمعية العمومية وان كانت لهذه الاخيرة سلطات محدودة جدا، فللوكيل العام للملك الطعن في المقررات الصادرة عن مجلس الهيئة وفي انتخاب النقيب طبقا للفصل 94 من قانون المحاماة امام غرفة المشورة بعد استدعاء النقيب وباقي الاطراف، وكذلك الامر بالنسبة لمقررات النقيب في تحديد الاتعاب وفي قرار النقيب بالاذن للمحامي بالاحتفاظ بالملف وفي قراراته المتعلقة بالشركات المهنية للمحاماة امام الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف.
كما يختص الوكيل العام بالمجلس الاعلى بمتابعة النقيب تأديبيا اما تلقائيا او بناء على شكوى وللوكيل العام بناء على الفصل 92 تقديم ملتمس لمحكمة الاستئناف للتصريح ببطلان المداولات التي تتخدها الجمعية العمومية ومجلس الهيئة خارج اختصاصها او مخالفة للقانون، وتعاين المحكمة هذا البطلان بعد الاستماع للنقيب او ما يمثله.
وللوكيل العام حق الطعن في مقرر حفظ الملف في المتابعة التأديبية باحالته على غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف التي تقوم باعادة الملف لمجلس الهيئة لمتابعة المسطرة، بعدما كانت تتصدى للبت في موضوع المتابعة، وهو المقتضى الذي طالبت به هيئات المحامين بالمغرب خلال ندوة العمل القضائي ومهنة المحاماة بتاريخ 10-06-2002 كما جاء في كلمة الاستاذ النقيب ادريس شاطر *( العمل القضائي ومهنة المحاماة سلسلة دفاتر المجلس الاعلى عدد 3/2004مطبعة الامنية 2000 ).
كما يمكن للوكيل العام والمحامي الذي تم اغفال قيده بجدول هيئة المحامين خلال اجال معينة الطعن امام مجلس هيئة المحامين لتدارك هذا الاغفال واذا لم تتم الاستجابة للطلب خلال اجل ثلاثة ايام فله الطعن امام محكمة الاستئناف التي تصدر قرارا غير قابل للطعن.
وهكذا فان انفراد الوكيل العام بالطعن في مقرر الحفظ دون المضرور، وعدم امكانية الطعن في قرار البراءة وفي قرار الحفظ الضمني بنص قانون المحاماة الجديد يكون المشرع قد كرس مصلحة المهني على حساب المضرور خلافا للقواعد العامة في المسطرة التي تعطي للمتضرر حق الطعن في المقررات التي تعارض مصلحته بل وحتى المشتكي اعطي له حق استئناف الحكم بالبراءة ولو لم يكن مطالبا بالحق المدني حسب قانون المسطرة الجنائية الجديد.
وتخضع المقررات الصادرة عن مكتب الهيئة الاستئنافية للعدول لرقابة من طرف الوكيل العام والرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بالزامهمه بتبليغ مقرراته المتعلقة بالنظام الداخلي لهما، كما يتم الطعن في المقررات التأديبية المستأنفة امام المكتب التنفيذي للهيأة الوطنية بالشطط في استعمال السلطة أمام محكمة الاستئناف طبقا للفصل 104 من الظهير المنظم للمهنة.
وبخلاف مجلس هيئة المحامين الذي يتمتع باختصاصات هامة في تنظيم المهنة ويخضع لرقابة القضاء، فان غرفة الموثقين و الهيئات المهنية الجهوية والوطنية للمفوضين القضائين ليست لها تلك الشخصية الاعتبارية لاصدار قررات ادارية تستوجب رقابة القضاء عليها،
هكذا يتضح ان الضمانات التأديبية المخولة للمحامين بواسطة هيئتهم المهنية لا تتوفر للعدول والمفوضين القضائيين في غياب اختصاصات تقريرية لهاتين المهنتين، وهو ما يوحي بالمقابل توفر ضمانات اهم للمضرور في مواجهة العدل والمفوض القضائي عنه في مواجهة المحامي.
بعد التطرق لطبيعة الرقابة على اعمال مجالس المهن ذات الطابع القانوني التي اتضح من خلالها المفارقة بين الرقابة على مجلس دون اخر، ارتأينا التطرق كذالك للرقابة المنصبة على مجالس الهيئات ذات الطابع الفني لما لها من خصوصيات.
2- الرقابة على اعمال مجالس الهيئات المهنية ذات الطابع الفني.
ان ما يمييز التنظيم القانوني لمجالس هيئات المهن ذات الطابع الفني هو النص على كونها ذات شخصية اعتبارية عامة وتصدر قررات ادارية يتم الطعن فيها امام القضاء الاداري سواء المحاكم الادارية او المجلس الاعلى في شخص الغرفة الادارية، بخلاف القوانين المنظمة لمجلس هيئة المحامين الذي لم يحسم في الامر مماخلق اختلافا فقيا وقضائيا هاما اعتبارا لخصوصية مسطرة الطعن في قراراتها التي تتم امام محكمة الاستئناف
فبالنسبة لمهنة الطب ونظرا للاختصاصا الموسعة لمجالسها فانها تخضع لرقابة ادارية وقضائية، فالرقابة القضائية تتمثل في امكانية الطعن في المقررات الصادرة عن الهيئة الوطنية للاطباء بعد بتها استئنافيا في مقررات المجلس الجهوي، وذلك بالإلغاء امام المحكمة الادارية المختصة.
فالبرجوع لقانون مهنة الهندسة فانه يخضع المجالس المهنية لها لرقابة ادارية مستمرة بتعيين رئيسه من طرف الملك بظهير شريف وكذا عضو من المجلس الدستوري بصفته مستشار قانوني طبقا للفصل 47 وبتعيين ممثل للادارة بها لحضور اجتماعاتها الا في القضايا التاديبية طبقا للفصل 18، كما يمكن للسلطة الحكومية المكلفة بالتعمير والامانة العامة للحكومة حل المجلس الوطني بمقرر مشترك لتعذر استمراره في اعماله لامتناع الاغلبية من الحضور لاجتماعاتهن كما يمكنهما تقديم طلب للقضاء لحل شركة المهندسين المعماريين لكون شريك او اكثر لايتوفر على صفة مهندس معماري.
وتخضع قرارات المجلس الوطني في القضايا التاديبية المرفوعة اليه بعد الطعن استئنفيا في قرار المجلس الجهوي، للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة امام الجهة المختصة التي هي القضاء الاداري طبقا للفصل 80.
ويتضح ان نفس الاليات الرقابة تخضع لها مجالس الاطباء الصيادلة سواء اداريا او قضائيا، ذلك ان رقابة الادارة على تتمثل في تعيين مفتش صيدلي ممثل وزارة الصحة في المجلس الوطني بصفة استشارية، وتعيين قاض من طرف وزير العدل لتولي مهام المستشار القانوني في القضايا التأديبية بالمجلس الجهوي والذي لايجوز له التداول الا بحضور هذا القاضي، كما يتم تعيين قاض بالمجلس الاعلى لنفس الدور بالمجلس الوطني.
كما يتم الطعن في مقررات المجلس الوطني امام المجلس الاعلى طبقا للفصل 353 من ق.م.م.
لكن ما يمكن قوله في هذا الصدد أن القرارات التأديبية الصادرة عن الهيئة هي بمثابة قرارات قضائية تخضع لنظام خاص وقابلة للطعن بالاستئناف والنقض
أما فيما يتعلق بالقرارات الرافضة لتسجيل عضو بالهيئة فإنها عموما ليست من عمل الهيئة المهنية بل صادرة عن سلطة إدارية وبصفتها هذه فهي قابلة للطعن بالشطط في استعمال السلطة ، صحيح أن هيئة المحاماة تبث مباشرة في طلبات التسجيل لكن هذا يشكل استثناءا وليس القاعدة.
إلا أن هذا لا يمنع من القول أن جميع الهيئات المهنية تتشابه من حيث طبيعتها وتمارس نفس الوظائف ، هذا التشابه في الطبيعة والوظائف يكفي للجمع بين مختلف الهيئات المهنية مهما اختلفت النصوص والقواعد المنظمة لها . باستثناء هيئة الصيادلة التي لا تختلف عن شيء عن مثيلاتها من الهيئات باستثناء كونها تنظم مهنة تجارية
مبحث ثالث: الرقابة على الهيئات المهنية.
إن التطرق إلى التنظيم القانوني والطبيعة القانونية للهيئات المهنية وإعمالها في المبحثين أعلاه يعتبر أرضية لتناول الرقابة على الهيئات المهنية سواء كانت رقابة على الاشخاص أم على الأعمال، رقابة شرعية أم رقابة ملائمة قبلية ام بعدية، ومهما اختلفت طبيعة هذه الرقابة فإنها أما رقابة إدارية على ممارسة المهنة (مطلب اول) أو رقابة قضائية على الهيئة المهنية والتي نتناولها في (مطلب ثاني).
مطلب أول : الرقابة الإدارية على مزاولة المهنة.
تخضع الهيئات المهنية في مجملها لرقابة إدارية من طرف الإدارة الوصية سواء من حيث الانخراط فيها، تنظيمها وأعمالها، واعتبارا لنقط التقاطع التي تربط بعض المهن ارتأينا تقسيم هذا المطلب للرقابة على ممتهني المهن ذات الطابع القانوني في نقطة أولى، والرقابة على ممتهني المهن ذات الطابع الفني في نقطة ثانية، وقد أثرنا عدم التطرق للرقابة التي تمارسها الهيئات المهنية على ممتهنيها باعتبارها تدخل في نطاق موضوع العقوبات والمساطر التأديبية.
1- الرقابة على مزاولة مهن المحاماة، التوثيق العصري والعدلي والمفوضين القضائيين.
تخضع هذه المهن للرقابة الإدارية لوزارة العدل فبموجب المرسوم الصادر بتاريخ 23-06-1998 بتحديد اختصاصات وزارة العدل اسند لمديرية الشؤون المدنية بالإدارة المركزية السهر على حسن ممارسة المهن القانونية والقضائية الخاضعة لمراقبتها، وكذا تم تخصيص قسم لمساعدي القضاء والمهن القانونية والقضائية الذي يضم بدوره عدة مصالح تعنى بشؤون كل مهنة على حدة والمتمثلة في مصلحة مهنة المحاماة، مصلحة مهنة التوثيق ومصلحة مهنة العدول ومصلحة المهن القانونية والقضائية الأخرى.
وعبر هذه الآليات واستنادا للقانون المنظم لكل مهنة والمراسيم المطبقة له تقوم وزارة العدل بممارسة رقابة قبلية صارمة على الاشخاص الذين يتقدمون لولوج المهنة فهي التي تقوم بتنظيم مباريات ولوجها من الانتقاء الأولي إلى إسناد صفة المهنة للمعني بالأمر، كما بنص على ذلك قانون المحاماة الجديد في فصله السادس الذي احتفظ لوزارة العدل بمهمة تنظيم الامتحان الخاص بمنح شهادة الأهلية لمزاولة المهنة إلى حين دخول النص التنظيمي لمؤسسة للتكوين تحدث وتسير وفق الشروط التي ستحدد بنص تنظيمي، وهو النص الذي لم يرى النور رغم انه سبق أن أحدثت مجالس جهوية للتكوين بمقتضى القانون الصادر في 30-09-1993 والتي علقت على اصدار نص تنظيمي، كما تتحكم وزارة العدل في دواليب امتحان خطة العدالة طبق للفصل 2 من مرسوم المطبق لقانون المهنة بواسطة لجنة يترأسها ممثل عن وزير العدل والتي تحدد عدد العدول الضروري والمكاتب لكل دائرة ولجنة ثانية تهيمن عليها وزارة العدل تشرف على الامتحان طبق للفصل 7 من المرسوم.
وان كانت نفس الوزارة هي المشرفة على مباراة التوثيق العصري بتنظيمها والإشراف عليها طبقا للفصل 10 من 04 مايو 1924، فان الموثق يعين بظهير شريف طبقا للفصل 6 من الظهير بعد استشارة اللجنة المنصوص عليها بالفصل 15 من الظهير والتي تهمن عليها بدورها وزارة العدل إذ يترأسها ممثل لوزير العدل، ويظل الموثق خاضعا للمراقبة الإدارية لوكيل الملك طيلة ممارسته لمهامه إذ يخضع لتفتيش من قبله مرة في السنة، في حين إن العدل يعين بقرار لوزير العدل وليست له صفة موظف عمومي ويخضع للمراقبة الإدارية لرئيس المحكمة.
وتسري نفس آليات الرقابة الإدارية على مزاولة المهنة وأشخاصها على المفوضين القضائيين الذين يتم تعيينهم بقرار لوزير العدل بعد إجراء مباراة تنظمها وتشرف عليه لجنة تهيمن عليها وزارة العدل، ويبقى المفوض القضائي خاضعا لمراقبة مزدوجة في ممارسته لمهامه من طرف وكيل الملك ورئيس المحكمة.
وإضافة لذلك فمراقبة العدول تتم عن طريق وزير العدل والوكيل العام و قاضي التوثيق طبقا للفصل 16 من ظهير خطة العدالة ويتم الطعن في المقررات التأديبية لمحكمة الاستئناف في مواجهة العدل بالنقض أمام المجلس الأعلى، كما يخضع المفوضون القضائيون لرقابة وكيل الملك والإدارة الجبائية طبقا للفصل 18و21 من القانون المنظم للمهنة وللمحكمة الابتدائية طبقا للفصل 19 ورئيس المحكمة طبقا للفصل 13و 14 الذي يمكنه اصدر أمر لهم بمباشرة أعمالهم إذا امتنعوا عن القيام بها كتابة الضبط بالمحكمة حسب الاحوال، ويتم الطعن في القرارات التاديبية الصادرة في مواجهة العون القضائي امام محكمة الاستئناف.
وتمارس وزارة العدل رقابة اخلاقية في قالب مهني على المهنيين اعلاه بالزام كل منهم باداء قسم المهنة، فكل من المحامي والموثق يؤدي قسم المهنة امام محكمة الاستئناف مقر عمله، و يؤديها العدل امام المحكمة الابتدائية لمقر عمله
بعدما تمت الاشارة بايجاز الى الرقابة على ممتهني المهن اعلاه، يجدر بنا التطرق لخصوصيات الرقابة على ممتهني المهن ذات الطابع الفني كذلك باعتبارها مهن منظمة قانونا وقد يكون ممتهنوها خبراء قضائيون تسند لهم مهمة مساعدة القضاء شأنهم في ذلك شان المحامين والموثقين والعدول والمفوضين القضائيين.
2- الرقابة على مزاولة مهن الطب والصيدلة والهندسة.
تتميز الرقابة على ممتهني هذه المهن عن سابقتها، من حيث الجهة التي اسندت لها مهمة هذه الرقابة الادارية، فالبنسبة لمهنة الطب فانها تخضع لوصاية وزارة الصحة والمجالس الجهوية والوطنية، في حين تخضع مهنة الصيدلة والهندسة لوصاية الامانة العامة للحكومة ويبقى للمجالس الوطنية والجهوية لهذه المهن دور استشاري فقط بخصوص في تنظيم مزاولة المهنة.
فالبنسبة لمهنة الطب وبخلاف المهن الاخرىن تضطلع المجالس الجهوية والمجلس الوطني بدور هام في تنظيم الولوج مهنة الطب في القطاع الخاص برقابة مستمرة من طرف وزالرة الصحة والامانة العامة للحكومة بالنسبة للاطباء الاجانب واقامة العيادات والمصحات طبقا للمرسوم الصادر بتاريخ 06-11-1997.
ذلك انه لمزاولة مهنة طبيب في القطاع الخاص يتم ايداع الطلب لدى المجلس الجهوي لهيئة الاطباء الوطنية، وتتم احالة الطلب بطلب من رئيس المجلس الى وزير الخارجية لاتخاذ الاجراءات الازمة، بواسطة رئيس المجلس الوطني اذا تطلب الامر التاكد من شهادة او دبلوم مسلم من جامعة اجنبية.
ويتم اطلاع وزير الصحة والامين العام للحكومة وعامل العمالة او الاقليم بالاذن بممارسة المهنة وباقامة العيادات الطبية التي يرقب الطلب بشأنها بواسطة لجنة مختصة.
وتكتسي مهنة اطباء الاسنان خصوصية بالنسبة لمثيلتها في التخصصات الاخرى طبقا لظهير 17-04-2007 ذلك ان المجالس الجهوية والمجلس الوطني تبقى سيدة الموقف في تدبير شؤون المهنة والرقابة على مزاولتها ويبقى دور الادارة باهتا اذ يقتصر على نوع من الرقابة على مققررات الهيئة وهو ما سنتدارسه في المطلب الثاتي المتعلق بالرقابة على على الهيئات المهنية.
وفيما يخص مهنة الصيدلة فان هيئتيها المحدثتين بمقتضى ظهير 19-01-1977 وان كانت تسهر على احترام القوانين والانظمة المتعلقة بالمهنة فان الرقابة على مزاولة المهنة يرجع للادارة بالاساس في شخص الامانة العامة للحكومة ووزارة الصحة والنيابة العامة والمحكمة الابتدائيةن ذلك ان الاذن بممارسة المهنة يتم من طرف الامين العام للحكومة بعدما يتوصل بالملف من طرف السلطات البلدية او المحلية والذي يجب ان يكون مرفقا باجازة القيام بالمهنة في مقر معين بعدما يتم تسجيله لدى كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية وتؤشر عليه السلطة المحلية، وتوجه لائحة باسماء الصيادلة سنويا لوكيل الملك بالمحكمة الابتدائية و وزير الصحة، ويخضع الصيادلة للتفتيش من طرف لجن التفتيش الصيدلي لمراقبة الادوية المبيعة ومراقبة السجل المتعلق ببيع الادوية التي يتوقف بيعها على الادلاء بشهادة طبية والذي يجب التأشير عليه من طرف كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية.
ومن جهة اخرى تخضع مزاولة مهنة المهندس لقابة الامانة العامة للحكومة طبقا لظهير 29-07-1949 فمنح لقب مهندس يتوقف على اذن من الامين العام للحكومة بعد استشارة لجنة مختصة بعدما يتوصل بالملف من السلطة المحليةن وعرضه على وزارة الشؤون الخارجية لابداء رأيها في الموضوع، وقد تنظيم هيئة المهندسين المعماريين واحداث هيئة خاصة بهم بمقتضى ظهير 20-10-1993، ويتم منح صفة مهندس معماري من طرف الامين العام للحكومة بعد استشارة الادارة المكلفة بالتعمير والمجلس الوطني لهيئة المهندسين المعماريين بعدما تتوصل بالملف من طرف عامل العمالة او الاقليم، كما يتم بمقرر مشترك بينهما تحديد عدد الاعضاء المخصص للمجلس الوطني والمجالس الجهوية، وللامين العام بعد استشارة المجلس الوطني سحب الاذن في مزاولة المهنة كما يمكن للادارة المكلفة بالتعمير والامين العام للحكومة طلب حل شركة المهندسين المعمارين قضاءا اذا لم تتوفر في احد الشركاء صفة مهندس معماري.
بعد هذه المقاربة المبسطة للرقابة على المهن المنظمة، والتي يتضح فيها هيمنة الادارة في شخص وزارة العدل بخصوص المهن ذات الطابع القانوني، وهمنة الامانة العامة على المهن ذات الطابع الفني ماعدا مهنة الطب التي تمارس مجالسها مهام مهمة في تنظيم مزاولة المهنة، نتسائل عن طبيعة الرقابة على اعمال الهيئات المهنية نفسها والجهات الموكول لها ذلك في المطلب التالي.
مطلب ثاني : الرقابة على اعمال الهيئات المهنية.
اذا كان للاداة كما اسلفنا هيمنة على الرقابة القبلية في ممارسة المهن المنظمة قانونا، زبما لهاجس المشرع لضبط المهن الحرة واخضاعها لنظم قانونية تجعلها سيدة الموقف في مزاولة المهن ومراقبة ممتهنيها حماية للمهنة في حد ذاتها اولا وللمستفدين من خدماتها من جهة ثانية، فانه يتضح هيمنة ارقابة القضائية وان بشكل متفاوت على اعمال مجموع المهن وهو ما سنفصله في نقطتين اثنتين نتناول في اولهما الرقابة على اعمال الهيئات المهنية للمهن ذات الطابع القانوني في النقطة الاولى، وفي نقطة ثانية نتطرق للرقابة على اعمال هيئات المهن ذات الطابع الفني مجموع.
1- الرقابة على اعمال الهيئات ذات الطابع القانوني :
تخضع اعمال الهيئات المهنية لهذه المهن لرقابة قضائية صارمة بحكم ارتباطها بمرفق القضاء مباشرة.
- فالبنسبة لمهنة المحاماة، وبالرغم من السلطات الواسعة التي خولت لهيئتها المهنية متمثلة في مجلس نقابة هيئة المحامين طبقا للقانون الجديد الصادر بتاريخ 20-10-2008 فان الجهاز القضائي باعتباره سلطة ادارية احيانا وباعتباره سلطة قضائية احيانا اخرى يمارس رقابة مستمرة على اعمال مجلس هاته الهيئة وعلى اعمال النقيب وكذا على اعمال الجمعية العمومية وان كانت لهذه الاخيرة سلطات محدودة جدا، فللوكيل العام للملك الطعن في المقررات الصادرة عن مجلس الهيئة وفي انتخاب النقيب طبقا للفصل 94 من قانون المحاماة امام غرفة المشورة بعد استدعاء النقيب وباقي الاطراف، وكذلك الامر بالنسبة لمقررات النقيب في تحديد الاتعاب وفي قرار النقيب بالاذن للمحامي بالاحتفاظ بالملف وفي قراراته المتعلقة بالشركات المهنية للمحاماة امام الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف.
كما يختص الوكيل العام بالمجلس الاعلى بمتابعة النقيب تأديبيا اما تلقائيا او بناء على شكوى وللوكيل العام بناء على الفصل 92 تقديم ملتمس لمحكمة الاستئناف للتصريح ببطلان المداولات التي تتخدها الجمعية العمومية ومجلس الهيئة خارج اختصاصها او مخالفة للقانون، وتعاين المحكمة هذا البطلان بعد الاستماع للنقيب او ما يمثله.
وللوكيل العام حق الطعن في مقرر حفظ الملف في المتابعة التأديبية باحالته على غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف التي تقوم باعادة الملف لمجلس الهيئة لمتابعة المسطرة، بعدما كانت تتصدى للبت في موضوع المتابعة، وهو المقتضى الذي طالبت به هيئات المحامين بالمغرب خلال ندوة العمل القضائي ومهنة المحاماة بتاريخ 10-06-2002 كما جاء في كلمة الاستاذ النقيب ادريس شاطر *( العمل القضائي ومهنة المحاماة سلسلة دفاتر المجلس الاعلى عدد 3/2004مطبعة الامنية 2000 ).
كما يمكن للوكيل العام والمحامي الذي تم اغفال قيده بجدول هيئة المحامين خلال اجال معينة الطعن امام مجلس هيئة المحامين لتدارك هذا الاغفال واذا لم تتم الاستجابة للطلب خلال اجل ثلاثة ايام فله الطعن امام محكمة الاستئناف التي تصدر قرارا غير قابل للطعن.
وهكذا فان انفراد الوكيل العام بالطعن في مقرر الحفظ دون المضرور، وعدم امكانية الطعن في قرار البراءة وفي قرار الحفظ الضمني بنص قانون المحاماة الجديد يكون المشرع قد كرس مصلحة المهني على حساب المضرور خلافا للقواعد العامة في المسطرة التي تعطي للمتضرر حق الطعن في المقررات التي تعارض مصلحته بل وحتى المشتكي اعطي له حق استئناف الحكم بالبراءة ولو لم يكن مطالبا بالحق المدني حسب قانون المسطرة الجنائية الجديد.
وتخضع المقررات الصادرة عن مكتب الهيئة الاستئنافية للعدول لرقابة من طرف الوكيل العام والرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بالزامهمه بتبليغ مقرراته المتعلقة بالنظام الداخلي لهما، كما يتم الطعن في المقررات التأديبية المستأنفة امام المكتب التنفيذي للهيأة الوطنية بالشطط في استعمال السلطة أمام محكمة الاستئناف طبقا للفصل 104 من الظهير المنظم للمهنة.
وبخلاف مجلس هيئة المحامين الذي يتمتع باختصاصات هامة في تنظيم المهنة ويخضع لرقابة القضاء، فان غرفة الموثقين و الهيئات المهنية الجهوية والوطنية للمفوضين القضائين ليست لها تلك الشخصية الاعتبارية لاصدار قررات ادارية تستوجب رقابة القضاء عليها،
هكذا يتضح ان الضمانات التأديبية المخولة للمحامين بواسطة هيئتهم المهنية لا تتوفر للعدول والمفوضين القضائيين في غياب اختصاصات تقريرية لهاتين المهنتين، وهو ما يوحي بالمقابل توفر ضمانات اهم للمضرور في مواجهة العدل والمفوض القضائي عنه في مواجهة المحامي.
بعد التطرق لطبيعة الرقابة على اعمال مجالس المهن ذات الطابع القانوني التي اتضح من خلالها المفارقة بين الرقابة على مجلس دون اخر، ارتأينا التطرق كذالك للرقابة المنصبة على مجالس الهيئات ذات الطابع الفني لما لها من خصوصيات.
2- الرقابة على اعمال مجالس الهيئات المهنية ذات الطابع الفني.
ان ما يمييز التنظيم القانوني لمجالس هيئات المهن ذات الطابع الفني هو النص على كونها ذات شخصية اعتبارية عامة وتصدر قررات ادارية يتم الطعن فيها امام القضاء الاداري سواء المحاكم الادارية او المجلس الاعلى في شخص الغرفة الادارية، بخلاف القوانين المنظمة لمجلس هيئة المحامين الذي لم يحسم في الامر مماخلق اختلافا فقيا وقضائيا هاما اعتبارا لخصوصية مسطرة الطعن في قراراتها التي تتم امام محكمة الاستئناف
فبالنسبة لمهنة الطب ونظرا للاختصاصا الموسعة لمجالسها فانها تخضع لرقابة ادارية وقضائية، فالرقابة القضائية تتمثل في امكانية الطعن في المقررات الصادرة عن الهيئة الوطنية للاطباء بعد بتها استئنافيا في مقررات المجلس الجهوي، وذلك بالإلغاء امام المحكمة الادارية المختصة.
فالبرجوع لقانون مهنة الهندسة فانه يخضع المجالس المهنية لها لرقابة ادارية مستمرة بتعيين رئيسه من طرف الملك بظهير شريف وكذا عضو من المجلس الدستوري بصفته مستشار قانوني طبقا للفصل 47 وبتعيين ممثل للادارة بها لحضور اجتماعاتها الا في القضايا التاديبية طبقا للفصل 18، كما يمكن للسلطة الحكومية المكلفة بالتعمير والامانة العامة للحكومة حل المجلس الوطني بمقرر مشترك لتعذر استمراره في اعماله لامتناع الاغلبية من الحضور لاجتماعاتهن كما يمكنهما تقديم طلب للقضاء لحل شركة المهندسين المعماريين لكون شريك او اكثر لايتوفر على صفة مهندس معماري.
وتخضع قرارات المجلس الوطني في القضايا التاديبية المرفوعة اليه بعد الطعن استئنفيا في قرار المجلس الجهوي، للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة امام الجهة المختصة التي هي القضاء الاداري طبقا للفصل 80.
ويتضح ان نفس الاليات الرقابة تخضع لها مجالس الاطباء الصيادلة سواء اداريا او قضائيا، ذلك ان رقابة الادارة على تتمثل في تعيين مفتش صيدلي ممثل وزارة الصحة في المجلس الوطني بصفة استشارية، وتعيين قاض من طرف وزير العدل لتولي مهام المستشار القانوني في القضايا التأديبية بالمجلس الجهوي والذي لايجوز له التداول الا بحضور هذا القاضي، كما يتم تعيين قاض بالمجلس الاعلى لنفس الدور بالمجلس الوطني.
كما يتم الطعن في مقررات المجلس الوطني امام المجلس الاعلى طبقا للفصل 353 من ق.م.م.
شاركنا بتعليقك...