ليس أهمية معهد العلمين تكمن بأنه اول صرح اكاديمي اهلي للدراسات العليا في تاريخ العراق العريق بالعلم والثقافة والفنون والآداب وحسب ، مع اهمية ما فتحه من نوافذ باتت تكون مغلقة للأبد لولاه ، فقد كاد اليأس يطال الكثير من العراقيين لإتمام دراساتهم العليا ولأسباب كثيرة ذاتية وموضوعية ، حيث ضاعت كثير من الأحلام والآمال والطموحات لكثير من العراقيين ، كما ضاعت معها طاقات وخبرات كانت تنفع الدولة والمجتمع في شتى المجالات ، بل انه ( معهد العلمين ) كان يمثل حلقة مفقودة لعقود خلت ، تربط بين تراث النجف الاشرف الديني والعلمي بمؤسسات عصرية حضارية مدنية جديدة ، مما يشكل مزيجا معرفياً مفيداً وضروريا في شتى الأبعاد ، ويردم الفجوة المختلقة بين ما هو ديني وعلمي ، ويثبت ان العلم والدين شقيقان واخوان توأمان ، بل عينان في وجه واحد يزدان بهما جمالاً وكمالاً . كما اسهمت هذه المؤسسة الفريدة بفسيفسائها الجميل كل الأطياف العراقية ، حتى كأنك فيه ، ترى عراقاً مصغراً ، يعمل ،يتعاون ، يتفاعل فيه الجميع بحب ومودة وسلام ، ولهدف سام ٍ نبيل ، لا جرم انك ترى المواطنة فيه مجتمعة روحاً وجسداً .
ليس بالوسع الإحاطة بكنوز بحر واسع بحجم معهد العلمين ومن اسسه واشاد صرحه العالي ، ولكن بكلمات مختصرة مع الاعتذار إن لم تسعفن ِ الملكة عن البوح بحقية ما سأقول ، فقصور الالفاظ وعجز المعاني يمنعاني من الإحاطة بالتعبير عن جمال اللوحة وترميزها وعمق مكنونها الفكري والفني الاصيل . كثيرون من الافذاذ الذي انجبتهم واجادت بهم المدرسة النجفية عبر تاريخها الطويل ، وكثيرون ايضاً من اهل العلم والجاه والمكانة في العراق ، بلد النور والعطاء ، إلا أنه لم يظفر بهذا الفتح الخالد سوى العلامة الدكتور محمد بحر العلوم ، حيث تم على يديه هذا الكشف العلمي الذي سد ثغرة علمية في الميدان العلمي العراقي ماكنت لتسد الا به ، وهي التفاتة عالم عامل بكل جهد وإخلاص لعقود طويلة ، وفق صاحبها لجهده وطيبة سريرته وصفاء نواياه ان تكون وتنجح هذا النجاح الباهر ، وان يكون لهذا العالم من الأبناء العلماء ان يكملوا المشروع ويحذوا حذو الأب المؤسس ، وبجهودهم لا يعتريني الشك قط أن اراه صرحاً عالميا ً ينافس اكبر الصروح العلمية رصانة وإصالة ، وان تتنوع فيه العلوم والمعارف ، ويكون اشعاع نور يطال سناه كثير من بقاع العالم .
ان تسمية المعهد باسم العلمين قد لايعرف سره الكثير ، ولكنها لفتة في غاية الروعة والذكاء من سماحة العلامة بحر العلوم ، حين احيا ذكرى وتأريخ علمين من علماء الإسلام ، لهم شأنهم العلمي والمعرفي والجهادي الكبير ، فالعلم الاول هو الشيخ الطوسي مؤسس صرح الحوزة العلمية والدينية في النجف الاشرف والعلم الثاني هو جد الأسرة الخالد الذي جاء لقبها منه بكل جدارة منه وإستحقاق ، ألا وهو المرجع الديني آية العظمى مهدي بحر العلوم. لقد ولد السيد محمد بحر العلوم في مدينة علم وبيت علم ، وقضى عمره بين مؤسسات العلم ، ليستقر بعدها في مثواه الأخير قرير العين في مؤسسة علم ، لتبقى روحه مرفرفة في سماء هذا الصرح واروقته الوارفة وقاعات بحثه العلمي محلقة ، فرحة مسرورة مبتهجة ، وهو ميزة وحسنة اخرى لم يحظ بمثلها إلا القليل من الأفذاذ عبر التأريخ .
شاركنا بتعليقك...