التعويض عن الضرر الأدبي في الشريعة والقانون:
بحث التعويض عن الضرر الأدبي في الشريعة والقانون: |
الحمد لله وحــــــــده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ،،،
التعويض عن الضرر أو ما يُعرف في الشريعة الإسلامية بالضمان، هو عبارة عن جبر لما وقع من ضرر أو لما فات من منفعة، لأن فوات المنفعة في ذاته يعد ضرراً، والتعويض أو الضمان له مستنده الشرعي من الكتاب والسنة، أما ما ورد في السنة، قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف ( لا ضرر ولا ضرار) ،وهو حديث مشهور عند أهل العلم وقاعدة شرعية من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، و رواه مالك في الموطأ، والحاكم في المستدرك وغيرهما، وصححه غير واحد من أهل العلم. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم، وفي بعض رواياته: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) وايضا (لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضره الله، ومن شاق شق الله عليه)، و ما أخذ منه الفقهاء من مدلول هذا الحديث ومعناه قاعدة إزالة الضرر، أو (الضرر يزال)، وإن المعنى الذي يدل عليه الحديث هو أن لا يضار المرء نفسه، وليس مسموحا له بأن يضار غيره. ومما رواه مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ضرر ولا ضرار. لأن الشريعة مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد.
كذلك يحفل كتاب الله عز وجل بالعديد من الآيات التي تحدد أسس وقواعد المسئولية وتبين التزام كل إنسان بضمان فعله وتصرفه مما كسبت يداه، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى (( كل نفس بما كسبت رهينة))، وبقوله عز وجل: (( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت))، وكل هذه الآيات وغيرها تجعل المسئولية على عاتق صاحبها و تحمله تبعاتها، فكل من تعدى يسأل عن تعديه وكل من أحدث ضرراً سئل عما أقترفه أي أن "الضرر يزال" وهذه من القواعد الكبرى في الشريعة، وقد لا يتحقق زوال هذا الضرر إلا بالتعويض المالي وهو ما يٌعبر عنه في الشريعة الإسلامية بالضمان، وبالتعويض في القانون. فالتعويض أمر ثابت في الشريعة والقانون، و يتأكد استحقاقه التعويض بثبوت وقوع الضرر، تحقيقاً لمقاصد الشرع الضرورية وبخاصة ما يتعلق بحفظ النفس وحفظ المال فإهدار أو إتلاف أياً منهما يخالف مقاصد الشريعة، لذلك وجب على المتلف المهدر ضمان ما أتلفه وما أهدره،
يقول الإمام العز بن عبد السلام: ( الجوابر مشروعة لجلب ما فات من المصالح، والغرض من الجوابر جبر ما فات من مصالح حقوق الله وحقوق عباده )، ويقصد بالضرر هو كل نقصان يدخل على الشيء، وهو ضد النفع أي هو كل أذى يصيب الإنسان في جسمه أو ماله أو عرضه أو مصلحته.وقد عرفه الدكتور السنهوري بأنه:( الإخلال بحق أو مصلحة)، و الضرر الأدبي يقصد به كل ضرر يؤذي الإنسان سواء في شرفه، أو في عاطفته، أو مشاعره، من فعل أو قول غير مشروع يعدُّ مهينا له كالقذف، والسب وقد يكون الضرر الأدبي بتسبيب ألماً في الجسم والعاطفة من ضرب لا يحدث اثراً، وقد يتمثل الضرر الأدبي في تفويت مصلحة غير مالية، والذي يظهر مما تقدم أن الضرر المعنوي ليس له صورة واحدة، فقد يتنوع فمنه ما يصيب السمعة والشرف والكرامة، كالقذف و الإتهام بالباطل ومنه ما يقترن بأثر مادي ونحو ذلك .
ويتأكد بذلك أن الضرر ركن من أركان المسئولية، وتحققه أو ثبوته يعد موجبا للتعويض مادياً كان أو أدبياً في الشريعة و القانون، إلا أن أحكام الشريعة الإسلامية بخصوص التعويض عن الضرر الأدبي أو المعنوي لا تشتمل على التعويض المادي كما هو الحال في القانون، رغم تحريم هذا النوع من الضرر في نصوص الشريعة الإسلامية كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث (كل المسلم على المسلم حرام; دمه وماله وعرضه) وكذا في قوله عليه الصلاة والسلام: (سباب المسلم فسوق) إلا أن المتقرر في الشريعة الإسلامية بخصوص الضرر الأدبي هو إنزال العقوبة التعزيرية أو القصاص فقط، وثار الخلاف بين الفقهاء حول مفهوم الضمان أي التعويض بخصوص الضرر المعنوي، وكان مدار الخلاف أنه ليس كل ضرر يعوض بالمال كي يزول وقد كان الفريق القائل بعدم جواز التعويض: ومن هؤلاء الأحناف والشافعية وابن حزم الظاهري واحمد بن حنبل في رواية عنه، ومما ورد من الحجج التي أستندوا عليها:
استدلالهم بأن العقوبات والضمانات والعقوبات يشترط فيها المماثلة، ولا مماثلة بين المساس بالشرف والعرض والكرامة، وبين التعويض بالمال، فهما ليسا من جنس واحد.
وقالوا أيضا إن الأضرار المعنوية لا يمكن أن تقوّم بالمال، كما انّه لا يمكن إنزال شرف الإنسان واعتباره وعواطفه منزلة الأموال فتكون عرضة للمساومة، لما في ذلك من منافاة للمثل العليا الأخلاقية.
وذهب فريقا آخر وهم أبو يوسف ومحمد تلميذ أبي حنيفة و بعض الشافعية، وجمهور الحنابلة وهو قول لمالك أيضا، ذهب هذا الفريق إلى القول بجواز الضمان أو التعويض المالي في الضرر المعنوي واحتجوا على ذلك:
باستدلال ابن قيم الجوزية في الطرق الحكمية بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: انّه عليه الصلاة والسلام عزّر رجلاً قال لغيره يا مخنث. وكذلك أن هناك جملة من النصوص يمكن أن يستظهر منها إقرار أو جواز مبدأ التعويض المالي عن الضرر المعنوي، منها ما ذكره البخاري في صحيحه في باب المظالم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انّه قال: (من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم) وهذا الحديث يفيد مشروعية التحلل من المظلمة سواء تعلقت تلك المظلمة بالعرض أي بما يصيب الإنسان في شرفه أو كرامته أو سمعته أو غير ذلك، و في ذيل الحديث، قوله: ( قبل أن لا يكون هناك دينار ولا درهم). أي قبل يوم القيامة، والإشارة إلى الدينار والدرهم هنا ، يمكن أن يفهم منها أن التحلل يمكن أن يكون بالدينار والدرهم، وهو مشروعية التعويض المالي عن الضرر المعنوي أي أخذ العوض.
و عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قضى في العين العوراء السادة لمكانها، إذا طمست بثلث ديتها، وفي اليد الشلاء إذا قطعت بثلث ديتها. سنن النسائي والملاحظ هنا أن قطع اليد الشلاء ونحوها، لم يجب الضمان فيها لنقص المنفعة مثلا، وإنما لحدوث شين في الجسم، والإخلال بهيئة الإنسان وصورته، مما يسبب ألماً نفسياً لا ينكر، ومن هنا لزم الضمان. وهو هنا عن ضرر معنوي. وقالوا أيضا إن عدم الأخذ بالضمان في الضرر المعنوي، يجعل محدث الضرر بمنآي عن المسؤولية، فتكون هناك جناية ولا استيفاء لها كما أن المضرور سيترك وهو يعاني من الغم والألم، لضياع حقه، ولا يجوز أن يذهب حق المسلم هدراً.
وقالوا أيضا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا ضرر ولا ضرار) يفٌهم منه على من أستظهره نفي الضرر أي لزوم تدارك الضرر، وتداركه في مثل موارده لا يكون إلا بالضمان (التعويض).
ولعل في هذا السرد لبعض هذه الأقوال ردا على من يدعي أن الفقه الإسلامي ليس فيه تعويضا إلا عن الأضرار التي لا يمكن تقويمها بالمال، فلا تعويض عن المنافع ولا عن العمل و لا تعويض عن أية خسارة تحملها الدائن أو عن ربح فاته، وعليه فلا تعويض عن الضرر المعنوي.
فان نسبة القول بعدم ضمان المنافع إلى الفقه الإسلامي بإطلاق غير صحيح، فالشريعة الإسلامية أقرت التعويض عن الضرر بشكل عام، ودلت عليها في نصوصها، وأما كون أن بعض الفقهاء يرى أنه لا ضمان مالي في الضرر المعنوي فهذا ليس الاتجاه الأرجح في الفقه فإن كان القائلون بعدم ضمان المنافع لبعض متقدمي فقهاء الحنفية، فلا ينبغي أن يطغى ذلك القول على ما يخالفه من الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة والظاهرية، الذين يذهبون إلى القول بضمان المنافع، فضلا عن أن متأخري الحنفية يذهبون إلى القول بضمان المنافع
بعد عرض هذه الأقوال المتباينة أجدني أميل إلى الرأي القائل بجواز أخذ العوض المالي في الضرر الأدبي، لما فيه من وجاهة رأي ولما يستشف من ظاهر الأحاديث والنصوص والآثار الواردة والدالة على الجواز ولأن ذلك يتماشى مع مقاصد الشريعة الإسلامية وغاياتها الدالة على الحكمة والكمال والعلم عند الله.
أبو أيوب.
شاركنا بتعليقك...