بحث حجية قرارات غرفة المذاكرة
بحث حجية قرارات غرفة المذاكرة |
بقلم المحامي عارف الشعال
كثيرة هي القضايا التي تنظر في غرفة المذاكرة، (أي لا تنظر في قاعة المحكمة وإنما في مكتب القاضي، بدون علنية أو حضور أو تحديد جلسات، على غرار ما تفعله محكمة النقض تماما)
مثل قضايا استئناف قرارات أمين السجل العقاري أمام محكمة البداية، واستئناف قرارات رئيس التنفيذ أمام محكمة الاستئناف، واستئناف قرارات مجلس إدارة الجمعيات السكنية،
فهل للقرارات الصادرة في هذه القضايا بغرفة المذاكرة حجية الأحكام القضائية التي تمنع من إعادة طرح القضية على القضاء مجدداً، أم ليس لها حجية؟
ومن المعلوم أن قانونيّ أصول المحاكمات والبينات (الذي تحدث عن حجية الأحكام) سكتا عن هذه المسألة ولم يتطرقا لها أبداً، تاركان هذا الأمر لحكمة الاجتهاد القضائي.
وفي الواقع فإن الاجتهاد القضائي تعامل مع هذا الموضوع بـ "القطعة" إن جاز التعبير حيث تعامل مع كل حالة على حدة، حيث اعتبر القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بقضايا التنفيذ في غرفة المذاكرة، قرار قضائي له حجية الحكم القضائي، بينما اعتبر القرار الصادر عن محكمة البداية في معرض استئناف قرارات أمين السجل العقاري في غرفة المذاكرة أيضاً، قرار ولائي ليس له حجية ولا مانع من طرح النزاع مجدداً في قضاء الخصومة.
ولكن لم يطالعنا في السابق اجتهاد (فيما أعلم) يضع معياراً واضحاً للتمييز بين القرارات التي تتمتع بالحجية وتلك التي لا تتمتع بها.
واستمر الحال على هذا المنوال حتى شهر أيار الماضي حيث طالعتنا الغرفة العقارية في محكمة النقض بواحد من أندر الأحكام التي تحوي ثروة من المعايير الناظمة لهذه الحجية، إذ عُرض عليها طعن بقرار صادر عن محكمة الاستئناف في ريف دمشق باستئناف واقع على قرار مجلس إدارة جمعية سكنية نُظر في غرفة المذاكرة بطبيعة الحال، وكان أول أسباب الطعن التمسك بحجية الأحكام إذ أن القضية سبق أن نظرها القضاء وقال كلمته فيها، وبالتالي لا يجوز طرحها على القضاء مجدداً.
في الحقيقة قليلة هي الاجتهادات في هذا الموضوع ولابد لمحكمة النقض ان تقول كلمتها فيما إن كانت القرارات الصادرة بقضايا "الجمعيات السكنية" تتمتع بالحجية أم لا؟؟
فارتأت الغرفة العقارية في محكمة النقض أن هذه القرارات تتمتع بالحجية فعلاً، ولكنها لم تكتف بذلك، وإنما حلقت عالياً بسماء القانون واضعة معياراً واضحاً للتمييز بين القرارات الصادرة بغرفة المذاكرة التي تتمتع بالحجية وتلك التي لا تتمتع بها، فاستعانت بالفقه الفرنسي وآراء الفقيه المصري أبو الوفا وغرّدت قائلة:
((في القرارات الصادرة في غرفة المذاكرة لابد من التمييز بين القرارات القضائية والقرارات الولائية التي لا تحوز حجية الشيء المحكوم به، بحسبان أن الأحكام التي تصدر في حدود وظيفة المحكمة القضائية تحوز حجية الشيء المحكوم به، بينما الأعمال الولائية فليس لها ذلك.
وحيث أن الفقه الفرنسي وضع معياراً فرّق بين العمل القضائي والتصرف الولائي فقال:
إذا كان التصرف قد اتخذ في مواجهة الخصوم بعد سماع أقوال المدعى عليه أو بعد دعوته لإبداء أقواله، كان عملاً قضائياً.
أما إذا تمَّ بناء على طلب أحد الخصوم دون دعوة الطرف الآخر، يكون التصرف ولائياً))
وهكذا اعتمدت معياراً للتفرقة هو دعوة الخصم وسماع أقواله، وبذلك يكون القرار قضائياً له حجية، أما في حال لم يدعَ، فيكون القرار ولائياً.
وبعدما استعرضت عدداً من الأمثلة من الأعمال والقضايا التي تنظر في غرفة المذاكرة، أضافت:
((إن غرفة المذاكرة ليست بالضرورة هي المعيار للقول بأن الحكم صدر بالصفة الولائية للمحكمة، فمحكمة النقض تصدر أحكامها كمحكمة قانون وبغرفة المذاكرة، وحكمها قضائي بالمطلق يأتي بعد دعوة الخصوم))
وفيما يتعلق بحجية القرار الصادر في معرض استئناف قرار مجلس إدارة جمعية سكنية كرست المبدأ التالي:
((إن الأحكام الصادرة عن محكمة الاستئناف بوصفها مرجع طعن بالقرارات الصادرة عن الجمعيات السكنية، تأخذ الصفة القضائية لا الولائية، لأن القانون وإن أخضعها للنظر بغرفة المذاكرة، غير أنه لم ينف عنها صفة المنازعة وأوجب أن تجري المحاكمة بعد دعوة الأطراف وتبليغهم، وبدليل أن من حق محكمة الاستئناف فتح باب المرافعة إذا أرادت اتخاذ تدبير معين، أو كلفت أحد الأطراف بتكليف معين))
قرار هام وفريد، جدير بالنقاش المعمق من أهل القانون، شخصياً سأبدي لاحقاً تعقيباً عليه.
شاركنا بتعليقك...