اجتهاد "معياري" لمحكمة النقض في تمييز القاضي "الموظف"
اعداد المحامي عارف الشعال
هناك اعتقاد سائد بين الناس أن الآفة الكبرى التي يعاني منها القضاء في الفساد هي الرشوة، وهذا غير صحيح،
فبالرغم من تفشي هذه الظاهرة فعلاً، ولكن الآفة الكبرى التي نعاني منها كمحامين متمرسين هي تفشي ظاهرة "القاضي الموظف" الذي يتعامل مع القضية بذهنية الموظف الذي يدقق معاملة روتينية، إذا نقصت منها ورقة فيقوم بردها شكلاً، مكبداً المدعي عناء الوقت والمال برفع دعوى جديدة، بينما الأصل أن القاضي الذي يفصل بالمنازعات بين الناس هو الذي يتمتع بسعة الصدر ويفسح الفرصة أمام الخصوم للدفاع عن حقوقهم واستكمال نواقص دفوعهم وطلباتهم.
هذه الظاهرة السلبية باتت منتشرة بكثافة للأسف بين قضاتنا حديثي العهد بوظيفتهم (على سبيل المثال أستطيع أن أسمي ثلاثة أرباع قضاة محكمة الصلح المدني بعدلية دمشق يتمتعون بهذه الذهنية، ومستعد لإبراز الأحكام المؤيدة لما أقول، فقد قامت إحدى السيدات من القضاة برد دعوى عقارية تبلغ قيمتها عشرات الملايين ومضى عليها عدة سنوات بسبب عدم إبراز وثيقة غير أساسية ومن أسخف ما يمكن، وكأنها تنتقم من المدعي لهذا السهو)
بينما الأصل أنه طالما بالإمكان إقامة الدعوى مجدداً فيجب على المحكمة أن تفسح صدرها للخصوم لاستدراك الثغرات الشكلية في دعواهم،
وفيما يلي واحد من أهم اجتهادات محكمة النقض في هذا الصدد يحثُّ القضاة على سعة الصدر وعدم إطالة أمد التقاضي إذ يقول:
((إذا أقيمت دعوى إعتراض الغير دون مخاصمة أحد طرفي الدعوى الأساسية (فيتوجب) على المحكمة أن تلجأ إلى تنبيه المدعي بوجوب إتمام صحة الخصومة (أو) أن تقوم بذلك من تلقاء نفسها لإن رد الدعوى بحالتها الراهنة، هو إطالة لأمد التقاضي، طالما أنه بإمكان المدعي أن يعيد إقامة الدعوى ومخاصمة الطرفين))
{نقض - ق 716 - س 511 - تا 31 / 12 / 1977 - "المحامون" لعام 1978 ص 122}
هذا الاجتهاد (المعياري) يصلح قياساً نقيس به القاضي الذي يتمتع بذهنية الموظف ويغلب النواحي الشكلية على حساب عمله الحقيقي إيصال وهو الحقوق لأصحابها.
هذه الذهنية السلبية تعتبر من أهم آفات القضاء التي يجب التخلص منها، فنحن نريد قضاة حقيقيين منصفين، وليس موظفين يحكمون بين الناس.
شاركنا بتعليقك...