مقدمة
إن التدخل العمومي في الاقتصاد لم يكن ثابت ، بل تغير و تبدل استجابة لمجوعة من التطورات الاقتصادية و الاجتماعية ، ففي المغرب يلاحظ انه بمجرد حصوله على الاستقلال السياسي عمل على التدخل بشكل مباشر في الاقتصاد و ذالك بغية تلبية حاجات جماعية للإفراد يعجز الخواص عن تقديمها و في نفس الوقت بغية تحرير الاقتصاد الوطني من هيمنة المستمر .
و هكذا فقد نهج المغرب سياسة التأميم التي تهدف إلى نقل مؤسسات تابعة للقطاع الخاص إلى القطاع العام و التي قام المستعمر بإنشائها من اجل تعزيز هيمنته الاقتصادية على البلاد هذا من جهة ، من جهة أخرى عملت الدولة على إنشاء المقاولات العمومية في شكل مؤسسات عامة اقتصادية و شركات تملك الدولة رأسمالها كليا أو جزئيا.
وهذا كله أذا إلى تضخم في البنية المؤسساتية للدولة ، مما نتج عنه مجوعة من السلبيات في التسيير الأمر الذي اثر على مرد وديتها فسجلت عجزا مستمر كلف بشكل كبير الميزانية العمومية التي كانت تتدخل من اجل تغطية ذلك العجز.
كل ذلك أدى بالدولة إلى نهج سياسة الخوصصة التي تهدف إلى نقل المنشاة العامة الى القطاع الخاص، أي أن الدولة أصبحت تنهج نهجا لبرالي من خلال تحرير الاقتصاد و ترك المبادرة للخواص، و ذلك من خلال اعتماد آليات جديدة تهدف إلى إعطاء المبادرة للخواص.
و هكذا فقد تم الانتقال من القرار الإداري الانفرادي الذي كان يتم من طرف الشخص العام إلى الاعتماد على العقود العمومية ، و التي اعتمد من خلالها على آليات جديد تقوم أساسا و كما سبق الإشارة إلى ذلك إلى إعطاء المبادرة للخواص لدخول عالم الاقتصاد ، كترسيخ لمبادئ اللبرالية الاقتصادية .
و تكمن أهمية دراستنا لهذه الآليات في كونها تعتبر موضوعا أني يقتضي رصده ، بالإضافة إلى اتساع رقعت اعتمادها في العقود العمومية ، و تتمثل أساسا في إقرار المنافسة و التوازن في العقد العمومي.
لذلك يطرح الإشكال حول ما مظاهر اعتماد هذه الآليات الجديدة في العقود العمومية؟
وهو ما سنحاول الإجابة عنه من خلال التصميم التالي :
المبحث الأول: إقرار المنافسة في العقود العمومية
المبحث الثاني: التوازن المالي في العقود العمومية
المبحث الأول: إقرار المنافسة في العقود العمومية
تلجأ الإدارة العمومية لتحقيق أهدافها المتمثلة أساسا في اتباع الحاجات العامة إلى عدة وسائل تتيحها لها القوانين والتنظيمات، لذلك فهي تعتمد في مباشرة وظائفها على أساليب مختلفة في طبيعتها ووصفها فقد تكون هذه الأخيرة أعمالا مادية أو تصرفات قانونية بحيث تستأثر في تحقيق النفع العام بامتيازات ووسائل لا مقابل لها في نطاق القانون الخاص وبالتالي فالتدخل العمومي في المجال الاقتصادي قد عرف تفسير على مستوى الآليات، بحيث انتقل من مستوى القرار الإداري الانفرادي الذي كان يتم من طرف الشخص العام سواء يتمثل في الدولة أو الجماعات الترابية إلى مرحلة العقود العمومية، الأمر الذي فرض اعتماد آليات جديدة تقوم على تنظيم المنافسة في العقود العمومية[1].
المطلب الأول: المنافسة في الصفقات العمومية
إن التوجه نحو تحرير الاقتصاد، وفسح المجال أمام القطاع الخاص فرض على الشخص العام تغيير آلياته للتدخل في المجال الاقتصادي، ولعل من أبرز هذه الآليات تنظيم المنافسة في العقود العمومية، ولهذا فإن مبدأ المنافسة نظرا لأهميته فقد تم إقراره في مجال إبرام الصفات العمومية من خلال أحكام المادة الأولى[2] من المرسوم رقم 2.12.349 صادر في (20 مارس 2013) المتعلق بالصفقات العمومية.
الفقرة الأولى: مفهوم المنافسة في الصفقات العمومية
فمصطلح المنافسة عرف عدة تعريفات فنحن بهذا الصدد سنكتفي بذكر بعضها، فهناك من عرف أن المنافسة هي وضعية تنافس اقتصادي بين مؤسسات متميزة بصدد عرض نفس المنهج السلعي أو الخدمي داخل سوق واحدة تلبية للحاجات ذاتها، على أن تكون لكل مؤسسة نفس الحظ من الربح أو الخسارة، وهناك اتجاه آخر عرفها بأنها العمل في سوق يتعدد فيه الممارسون لنفس النشاط الاقتصادي دون قيود، وقد اجتمع الرأي بعد اختلاف على مفهوم المنافسة أنها تقوم على ثلاثة أسس جوهرية وهي كالتالي:
1. تعدد المتنافسين مع ضمان متكافئ لفرص المنافسة، وهذا التكافؤ يشمل عدم اضعاف منافس لصالح آخر بأي شكل من الأشكال سواء دعم خاص أو تسهيل الفرص العناصرية أو الزمنية لتحقيق تفرق عناصر أو زمني لمنافس دون الآخر.
2. وجود هدف مشروع للتنافس عليه في زمن محدد ومكان محدد يكفل لجميع المتنافسين المساواة في كل الفرص المتاحة والعوائق الموضوعية.
3.احترام المتنافسين بمعنى الاقتناع الداخلي وأن من حق الجميع التنافس وعدم الانتقاص من المنافس أو محاولة ذلك.[3]
وفي ظل التوجه السالف الذكر عمل المرسوم رقم 2.12.349 الصادر في 20 مارس 2013، على توسيع مجال المنافسة بما في ذلك المقاولة الأجنبية لتقديم عروضها على المستوى الوطني شرط صياغة ثمن العروض بالعملة أو العملات الأجنبية، لموطن المنافس الأجنبي، على أساس أن يتم تحويلها إلى الدرهم حسب السعر المحدد من طرف بنك المغرب في الوقت الذي تم فيه إبرام الصفقة، وتسهيلا لعمل المنافسة تضمن المساواة على مستوى التقدم للطلبيات العمومية، من طرف المتنافسين الأجانب، فقد تم التأكيد على وجوب اللغة أو اللغات التي يجب أن تحرر بها المستندات المضمنة في ملفات وعروض المتنافسين.[4]
لقد جعل المشرع المغربي من الإشهار في ضوء المادة 20 من المرسوم الجديد للصفقات العمومية أحد العناصر الجوهرية التي تقر مبدأ المنافسة لكونه يقوم على نشر الإعلان عن طلب العروض في بداية الصفقات العمومية وفي جريدتين ذات توزيع وطني أحدهما باللغة العربية والأخرى بلغة أجنبية، على أن يتم ذلك بلغة نشر كل من الجريدتين، كما يمكن موازاة مع ذلك تبليغه إلى علم المتنافسين المعتملين، وعند الاقتضاء إلى الهيئات المهنية عن طريق الإدراج في نشرة الإعلانات القانونية والقضائية والإدارية بالجريدة الرسمية، أو في نشرات متخصصة أو بأية وسيلة إشهار أخرى، ولاسيما بطريقة إلكترونية.
الفقر ة الثانية: مبررات الأخذ بمبدأ المنافسة في الصفقات العمومية
وكما سبق القول أن حرية المنافسة هي فتح المجال للأشخاص الطبيعية والمعنوية الذين تتحقق فيهم الشروط المطلوبة للتقدم بعروضهم أمام إحدى الهيئات المؤهلة قانونا لإبرام الصفقات العمومية وفق الشروط التي تضعها وتحددها مسبقا، بمعنى أن تقف المصلحة المتعاقدة موقفا حياديا إزاء المتنافسين، وليسم حرة في استخدام سلطتها التقديرية بتقرير الفئات التي تدعوها وتلك التي تستبعدها.
ومبررات الأخذ بهذا المبدأ عديدة نذكر منها:
* نص القانون صراحة على إخضاع الصفقات العمومية لقانون المنافسة من مرحلة الإعلان إلى المنع النهائي.
* إبرام الصفقات العمومية يجب أن يكون قائما على احترام مبادئ حرية التعاقد في مجال الخدمات العامة والمساواة في معاملة المترشحين والشفافية في الإجراءات، فحرية المتنافسين لابد أن تراعي مبدأ المساواة أمام الخدمات للمرافق العامة.
* اعتماد مبدأ حرية المنافسة يضمن حياد الإدارة العامة.
* اعتماد مبدأ حرية المنافسة يضمن تعدد العطاءات وضرورة اختيار الأفضل، فالمنافسة تجعل الإدارة ملمة بمعطيات السوق بشكل يسمح لها بالاختيار الدقيق.
* اعتماد مبدأ حرية المنافسة يضمن النزاهة .
* اعتماد مبدأ حرية المنافسة فيه حماية المنافسة ذاتها والمتنافسين والمستهلك، بما يستتبع ذلك من حماية السوق باعتباره مجال هذه المنافسة من خلال حصر الممارسات المقيدة للمنافسة لحصر التعسف الناتج عن وضعية الهيمنة الاقتصادية وحصر عمليات الاحتكار بهدف رفع الأسعار والبيع بخسارة الذي يعرقل لعبة المنافسة، مما قد يؤدي إلى انسحاب الأعوان الاقتصاديين الأقل قدرة اقتصادية، وبالتالي هيمنة الأعوان الاقصاديين الأكثر قدرة على السوق، بما يتبعه ذلك من معاودة ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر اقتصاديا.[5]
المطلب الثاني: المنافسة في عقود التدبير المفوض و الشراكة قطاع عام خاص
نتطرق لإقرار المنافسة في عقد التدبير المفوض في الفقرة الأولى ثم في عقد الشراكة قطاع عام خاص في الفقرة الثانية .
الفقرة الأولى: إقرار المنافسة في عقود التدبير المفوض
نتطرق للمنافسة في عقد التدبير المفوض _أولا _ ثم لحدودها _ثانيا_
أولا: اعتماد المنافسة في عقود التدبير المفوض
في إطار عقود التدبير المفوض ولفترة طويلة استفادة الإدارة من حرية كبيرة من اختيار المتعاقد معها، فقبل دخول القانون رقم 54.05 حيز التطبيق، لم تكن هناك أي مسطرة للإعلان عن المنافسة مفروضة بشكل قانوني بهدف إبرام عقود التدبير المفوض.
لكن هذه الحرية أصبحت مؤطر بموجب القانون 54.05 حيز التطبيق لم تكن هناك أي مسطرة للإعلان عن المنافسة مفروضة بشكل قانوني بهدف إبرام عقود التدبير المفوض.
لكن هذه الحرية أصبحت مؤطر بموجب القانون 54.05 الذي صدر في تاريخ 14 فبراير 2006 إذ نصت المادة 5 منه على أنه: لاختيار المفوض إليه، يجب على المفوض ما عدى الحالات الاستثنائية المنصوص عليها في المادة 6 بعده، القيام بدعوة إلى المنافسة قصد ضمان المساواة بين المترشحين وموضوعية معايير الاختيار وشفافية العمليات وعدم التحيز في اتخاذ القرارات "وتصنيف المادة نفسها على أنه يجب أن تكون مسطرة إبرام عقد التدبير المفوض موضوع إشهار مسبق".
وبالتالي يلاحظ أنه تهيمن إذن على إبرام العقود العمومية ثلاث مبادئ:
· إشهار يعبر عن الإرادة العمومية للتعاقد
· إجراء منافسة بين المرشحين
· المساواة في التعامل بين المرشحين
غير أنه ليست هناك مساطر محددة لاختيار المفوض إليه، فإذا كان القانون يحدد المبادئ العامة في مجال الشفافية والإشهار والمنافسة، فإنه لا يحيل إلى أي شكل خاص لإبرام العقود كما هو الحال مثل لطلب العروض المعمول به في مجال الصفقات العمومية كما نص على أن "تحدد أشكال وكيفيات إعداد وثائق الدعوة إلى المنافسة، ولاسيما مختلف مراحلها بالنسبة إلى الجماعات المحلية من قبل الحكومة وبالنسبة إلى المؤسسات العامة من قبل مجلس الإدارة أو الجهاز التداولي".
ثانيا: حدود اعتماد المنافسة في عقود التدبير المفوض
يعرف مبدأ الدعوة إلى المنافسة في نفود التدبير المفوض عدد محدود من الاستثناءات تسمح باللجوء إلى التفاوض المباشر، أن تنص المادة 6 على أنه "يمكن اختيار المفوض إليه عن طريق التفاوض المباشر في الحالات الاستثنائية التالية:
أ- في حالة الاستعجال قصد ضمان استمرارية المرفق العام
ب- بالنسبة إلى الأنشطة التي يختص باستذلالها حاملو براءات الاختراع أو بالنسبة إلى الأعمال التي لا يمكن إنجازها إلا إلى مفوض إليه معين.
وتضيف المادة 6 حالة رابعة يمكن فيها للمفوض اللجوء إلى التفاوض المباشر عندما يكون المفوض جماعة محلية وإذا لم يتم تقديم أي عرض، أو إذا تم الإعلان عن عدم جدوى الدعوة إلى المنافسة.
وبخصوص هذه الحالة الأخير ينص القانون على أنه يجب على المفوض أن يعد تقريرا يبين فيه أسباب اللجوء إلى هذه الطريقة ويعرض التقرير المذكور على مصادقة سلطة الوصاية على الجماعات المحلية لاتخاذ القرار بشأن التدبير المفوض للمرفق العام المعني.
بالإضافة إلى ذلك، وضعت المادة 33 من قانون 54.05 المتعلق بالتدبير المفوض نظاما استثنائيا بالنسبة للعقود "الصغيرة" المبرمة من طرف المؤسسات العمومية التي تخص عددا من مستعملي الرفق يقل محدد بنص تنظيمي.
كما جاء في نفس المادة أنه "إذا كان القطاع أو النشاط المعني أو عدد مستعملي المرفق العام لا يبرر أو يسمح بتطبيق هذا القانون، يمكن للجماعة المحلية أو هيئاتها أن تطلب من السلطة الحكومية المتعلقة بالوصاية على الجماعات المحلية ترديها للقيام بالتدبير المفوض المعتزم عن طريق التفويض المباشر أو وفق مسطرة مبسطة".
الفقرة الثانية: اعتماد المنافسة في عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاصة
لقد جعل المشرع المنافسة من المبادئ الواجبة لتحقيق العملية التعاقدية بين الشخص العام والخاص، إذ نصت المادة الثالثة من القانون رقم 86.12 المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، على أنه "يخضع إبرام عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص لمبادئ حرية الولوج والمساواة في المعاملة والموضوعية والمنافسة والشفافية واحترام قواعد الحكامة الجيدة، يجب أن تكون مسطرة إبرام عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص موضوع إشهار مسبق، وتخضع كل مسطرة من مساطر إبرام عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص لنظام الدعوة إلى المنافسة".
وهكذا يتضح بأن عقد الشراكة يخضع لمبادئ حرية الولوج ويكون مسبوقا بإشهار يسمح بتقديم عدة عروض متنافسة، ولقد أتاح المشرع للدولة أن تختار بين ... حددها القانون رقم 86.12 وهي طريقة الحوار التنافس أو إعلان طلب العروض أو المسطرة التفاوضية (أولا) لكن سبق هذه الطرق مسطرة الإعلان المسبق وذلك بغية إقرار مبدأ المنافسة (ثانيا).
أولا: الإعلان المسبق
يجب أن يستجيب إبرام عقد الشراكة لمبادئ حرية الولوج والمساواة والموضوعية في التعامل مع المترشحين، إضافة إلى شفافية المساطر واحترام قواعد الحكامة الجيدة، هذه المبادئ تسمح بضمان فعالية الأداء وحسن استعمال الأموال العمومية، وتكون مسبوقة بإعلان يعمل على تقديم مجموعة من العروض المتنافسة وفقا للشروط المنصوص عليها في المرسوم[6].
ينشر إعلان الدعوة إلى المنافسة الذي يؤشر لانطلاق المسطرة، في منشور أو عدة منشورات، حتى يسمح بإجراء منافسة حقيقية ملائمة لأهمية المشروع، كما يمكن أن يحيل الإعلان على نظام الاستشارة من أجل توضيح بعض النقط، يمكن أن يتعلق الأمر هنا بإصدارات مهنية أو بمجلات عامة أو الاثنين معا، مع الحرص أن تكون التغطية كافية، بمعنى أن تكون وطنية أو حتى دولية.
يتم الإعلان بشكل إلزامي عندما يصل العقد سقف معين، يتم تحديده بمرسوم وزاري.
ويجب أن يتضمن الإعلان ونظام الاستشارة وصفا كاملا للأهداف وكفاءة الأداء المنتظرة من المشروع، دون إغفال الجوانب الاقتصادية والمالية[7]، زيادة على ذلك، يجب الحرص على تحديد معايير انتقاء المترشحين من جهة، ومعايير إسناد العقد من جهة أخرى، مع الإشارة إلى أن معايير الترشيح لا يمكن أن تتعلق بالقدرات المهنية والضمانات التي يقدمها الفاعلون الخواص.
ومن بين معايير الإسناد الواجب تحديدها نجد: الكلفة الإجمالية للعرض، أهداف الأداء، جزء الأعمال المتعلقة بتنفيذ العقد التي يلتزم المرشح بتخصيصها للمقاولات الصغرى والمتوسطة وللحرفيين، وأخيرا الجودة الشاملة للمنشات، وينبغي أن يحدد الشخص العام، منذ مرحلة إعلان الدعوة إلى المنافسة، المسطرة المعتمدة سواء تعلق الأمر بطلب العروض، بالحوار التنافسي أو بالمسطرة التفاوضية.
بعد إجراء الإشهار المسبق، يكون الشخص العام ملزم بإخضاع عقد الشراكة للمنافسة عبر اعتماد ثلاث مساطر أساسية، وترتبط هذه المساطر ارتباطا شديدا بالشروط القانونية التي أدت إلى إبرام عقد الشراكة دون غيره من العقود.
ثانيا: تكريس مبدأ المنافسة من خلال طرق إبرام عقد الشراكة
1- طلب العروض:
ترسل طلبات ترشيح المتنافس عبر كل وسيلة تسمح بتحديد تاريخ وساعة استلامها وتضمن سريتها التامة ثم تفتح الأظرفة التي احترمت الآجال المحددة في إعلان الدعوة إلى المنافسة في جلسة مغلقة، واعتمادا على المعلومات الواردة في الترشيحات، تعد الإدارة قائمة المترشحين المستوفين لشروط الانتقاء الذين يتم استدعائهم برسائل ترسل لهم بشكل متزامن مراعاة لمبدأ المساواة[8].
2- الحوار التنافسي:
يعد الحوار التنافي الذي يجب أن يميز عن التفاوض الذي يقوم على عقد، في حين أن الحوار التنافسي يقوم على مشروع عقد[9]طريقة جديدة لإبرام العقود العامة، بما في ذلك عقد الشراكة والهدف الأساسي للحوار التنافس ينحصر في إيجاد حلول للعقود العامة ذات الطبيعة القانونية المعقدة، ويمر الحوار التنافسي من مرحلتين:
المرحلة الأولى: يبدأ الحوار التنافسي بصفة أحادية من الطرف الشخص العام مع جميع المرشحين المنتقين، وذلك على أساس برنامج وظيفي سبق إعداده، ويجب أن يجرى النقاش مع ثلاثة مرشحين على الأقل مع مراعاة مبدأ المساواة بين المتنافسين، ويكون هذا النقاش من صب حول تحديد الوسائل التقنية والترتيب القانوني والمالي الملائم للاستجابة لمتطلباته[10].
المرحلة الثانية:يقوم الشخص العام بدعوة المترشحين للتقدم بعرض نهائي على أساس ما تم التوصل إليه من حلول خلال المناقشة، وعلى أساس الشروط التعاقدية المحددة، دون أن يكون مطالبا بإعداد دفتر التحملات، ويستفيد المترشحون من أجل لا يقل عن شهر واحد، لأجل تحضير وتقديم عروضهم الكاملة التي تحتوي اقتراحاتهم التقنية والمالية، والتي يتم إعدادها انطلاقا من الشروط التعاقدية المتوصل إليها أثناء الحوار، وكذا معايير الإسناد المبينة في الاستشارة وفي الإعلان.
وفي الأخير يمنح العقد للمتنافس الذي قدم أفضل عرض من الناحية الاقتصادية.
د- المسطرة التفاوضية:
عندما يقل مبلغ العقد المراد إنجازه عن السقف المحدد بموجب مرسوم، يمكن للإدارة أن تلجأ إلى المسطرة التفاوضية مع نشر إعلان الدعوة إلى المنافسة، وحدد هذه المسطرة بحرية من طرف الإدارة المتعاقدة في نظام الاستشارة، ويقصد بالمسطرة التفاوضية تلك التي يبعث من خلالها إلى المترشحين، وثيقة تحدد الخصائص الكمية والكيفية للخدمة المراد تلبيتها، وتتمتع الإدارة بكامل الحرية في مناقشة العروض المقدمة، وفي اختيار من تريد التعاقد معه.
المبحث الثاني: التوازن المالي في العقود العمومية
لقد عمل المشرع على إيجاد نوع من التوازن في العقود العمومية سواء في الصفقات العمومية (المطلب الأول ) أو في عقود التدبير المفوض و الشراكة بين القطاع العام و الخاص .
المطلب الأول :التوازن المالي في الصفقات العمومية
تشكل الصفقات العمومية الوسيلة القانونية التي تعتمدها الإدارة في تدبير سياستها التنموية والاقتصادية والاجتماعية. وقد عرف النظام المتعلق بإبرام الصفقات العمومية بالمغرب إصلاحا مهما للأجل مسايرة التطورات التي عرفتها البلاد من خلال تحرير الاقتصاد وتنمية القطاع الخاص وعصرنة الإدارة، وهو يروم من جهة إلى تأمين شفافية تدبير الصفقات العمومية وضمان حرية المنافسة وتخليق الممارسات المتعلقة بتدبير الصفقات العمومية ومحاربة الغش والرشوة والفساد وضمان فعالية النفقات العمومية وتبسيط وتحسين طرق إبرام الصفقات وتنمية النسيج الاقتصادي الوطني؛ ومن جهة أخرى، إيجاد نوع من التوازن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة بتمتيع المقاولة المتعاقدة بمجموعة من الضمانات والحقوق المخولة للمقاولة صاحبة المشروع؛ و العقد الإداري باعتبار طبيعته وارتباطه بالمصلحة العامة والمال العام يمر بمجموعة من المراحل ابتداء من تكوينه مرورا بتنفيذه وينتهي بانتهاء موضوع العقد ويرتب مجموعة من الحقوق والالتزامات المتبادلة بين أطراف العقد فالإدارة في ظله باعتبارها سلطة عامة تملك سلطة الرقابة والإشراف والتوجيه وسلطة توقيع الجزاءات وسلطة تعديل العقد بما يكفل خدمة المرفق العام وسلطة إنهاء العقد قبل أو انه بالإستناد إلى نصوص العقد أو القواعد العامة التي تحكم سير المرفق بانتظام والمتعاقد مع الإدارة يملك في ضوءه حق الحصول على المقابل النقدي لقيمة الأشغال المنجزة وفق إعادة التوازن المالي للعقد في حالة تعديله نتيجة فعل الآمر أو الظروف الطارئة وحق التعويض عن كل فسخ تعسفي للعقد من لدن الإدارة وقد أحاط المشرع تلك السلطات العامة للإدارة بمجموعة من الضوابط يتعين سلوكها من طرف الإدارة منها إنذار المتعاقد مع الإدارة بالمخالفة المرتكبة والإجراء المنوي اعتماده وأن يكون الفسخ مبني على سبب مشروع وأن يكون للتعديل دوافعه المشروعة بالشكل الذي لا يخرج عن موضوع العقد, وتنفيذ العقد يكون مناسبة لبروز مجموعة من الإشكالات تتعلق بسلطة التعديل والرقابة والإشراف وسلطة إنهاء العقد والإخلال بالالتزامات التعاقدية.
إذا كانت الإدارة في إطار ممارسة سلطاتها العامة في تعديل وإنهاء العقد الإداري تتمتع بسلطة تقديرية إلا أنها تستعمل هاته السلطة تحت رقابة القضاء الإداري الذي يعمل على تسليط رقابته القضائية على جميع القرارات المتخذة من طرف الإدارة سواء في المرحلة التمهيدية للعقد أو أثناء تنفيذ العقد, كما سلط رقابته القضائية على الإجراءات المسطرية المتطلبة في إنهاء العقد والأسباب التي قام عليها إنهاء العقد ومدى ملائمتها مع الجزاءات المالية أو جزاء الفسخ والكل في إطار توفير الحماية القضائية للمتعاقد مع الإدارة بالشكل الذي يتحقق فيه التوازن بين المحافظة على المال العام موضوع العقد الإداري والضمانات وإذا كانت الإدارة تتمتع بسلطة تقديرية في مرحلة ما قبل إبرام العقد الإداري وتصدر قرارات منفصلة عنه كالقرار المتعلق بإبرام العقد الإداري أو القرار المتعلق بإقصاء المناقص عن المناقصة أو القرار القاضي برفض المصادقة على العقد ،أو التدخل خلال المرحلة التنفيذية للعقد بإصدار قرارات الفسخ المتعلقة بالعقد الإداري أو قرارات إيقاف الأشغال، أو تمتنع عن تسليم المتعاقد معها مقابل أشغال الصفقة أو تضيف أعباء جديدة على عاتق المقاولة في إطار نظرية الظروف الطارئة أو فعل الأمير المخل بالتوازن العقدي، فإنها تبقى خاضعة في ذلك لسلطة رقابة القضاء الإداري[11] الذي يراقب مشروعية الفسخ وخصوصا الإجراءات الشكلية والجوهرية المتطلبة في الفسخ وكذا الأسباب المعتمدة في الفسخ الجزائي الإداري وحتى إذا تبين له عدم مشروعية قرار الفسخ في إطار دعوى القضاء الشامل يرتب الآثار المترتبة على ذلك من حيث تعويض المتعاقد مع الإدارة عن الأضرار الناتجة له من جراء ذلك تعويضا كاملا يشمل ما لحقه من خسارة وما فاته من كسب فضلا عن استحقاقه لمقابل الأشغال المنجزة واسترجاعه الضمانة البنكية, كما يراقب امتناع الإدارة عن تسليم محضر انتهاء الأشغال وترتيب الآثار القانونية اللازمة والتوازن المالي للعقد الإداري في إطار نظرية الظروف الطارئة ونظرية الفعل الأمير؛
وعلى ضوء ما سبق ذكره تتضح معالم هذا التوازن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة بتمتيع المقاولة المتعاقدة بمجموعة من الضمانات والحقوق المخولة للمقاولة صاحبة المشروع؛و بالتالي تراجع آليات السلطة العامة المتمثلة في القرار الإداري الانفرادي و الذي يعبر عن امتياز السلطة العامة ،وكذا في إطار التعاقد بين الأشخاص المعنوية الخاصة في الصفقات العمومية وهو ما أضحى آلية جديدة من الآليات العقدية التي أصبحت الدولة و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية تستخدمه لتدخل الجديد في الاقتصاد أي أصبحت تعطي حيزا وافرا للمقاولات للتنافس حول الظفر بالصفقة و تحسينها بهذه الوسيلة لجودة الخدمات التي تقدم تحت إشرافها، و لعل ما أدى لتراجع سلطتها في القرار الإداري الانفرادي تدخل القضاء وكذا تشجيعا منها للتدخل في إنجاز الصفقات العمومية من قبل أشخاص القانون الخاص الذي أصبحوا يطمئنون في التعامل معها بعد الحضور القوي للضمانات التي أصبحت مكفولة بنص المرسوم2.12.349 الصادر في 20 مارس 2013 المتعلق بالصفقات العمومية إذ تنص المادة الأولى منه على مبادئ حرية الولوجية للطلبية العمومية ،المساواة في التعامل بين المتنافسين ضمان حقوق المتنافسين ،الشفافية في اختيار صاحب المشروع ،و كذلك بالرجوع للمادة 16 من ذات المرسوم نصت على الآتي تجيز المسطرة التفاوضية لصاحب المشروع إجراء مفاوضات حول شروط الصفقة مع متنافس أو عدة متنافسين...)،إضافة لطرق إبرام الصفقات خاصة طلبات العروض التي أصبحت تعرف نظام الاستشارة المنصوص عليه في المادة [12]18 من المرسوم الجديد.
المطلب الثاني : توازن العقد في عقود التدبير المفوض و الشراكة عام خاص
توازن العقد يمثل حالة العدل التي ارتضاها طرفي التعاقد، لذلك فإن أي اختلال يحدث ويؤثر على ذلك التوازن ينشئ الالتزام والحق في ذات الوقت.
وإذا كانت الغاية من إبرام عقود الشراكة تتجلى أساسا في تقديم أفضل الخدمات للمواطنين وتحقيق الصالح العام، فإنه في بعض الحالات يصبح الوصول لهذه الغاية أمرا صعبا على المتعاقد مع الإدارة، وذلك عندما تواجهه أثناء تنفيذ التزاماته عوارض من شأنها أن تؤدي إلى إرهاقه والزيادة في أعبائه المالية، وبالتالي ينتح عنها إخلال بالتوازن المالي للعقد[13].
وهكذا، وعلى غرار القانون 05-54 المتعلق بالتدبير المفوض، والذي نصت مادته الرابعة على أنه: "يسهر الطرفان المتعاقدان على الحفاظ على التوازن المالي لعقد التدبير المفوض مع الأخذ بعين الاعتبار متطلبات المرفق العام والأجرة المنصفة للمفوض إليه"، نصت المادة 17 من قانون عقود الشراكة العمومية- الخاصة على أنه : "يحدد عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص الشروط التي تخول لكل من الشخص العام والشريك الخاص الحفاظ على توازن العقد عند وقوع أحداث غير متوقعة أو في حالة قوة قاهرة".
وبقراءة متمعنة للمادة 17 سالفة الذكر نلاحظ أن المشرع يتحدث حول "توازن العقد" بصفة عامة وليس "التوازن المالي للعقد"، وما يمكن أن يحمله ذلك من دلالة حول تمديد نظرية توازن العقد إلى ما هو أبعد من الجانب المالي[14].
من جهة أخرى فالمادة 17 ما هي إلى تأكيد لما نصت عليه المادة 12 والتي تنص على أن عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص يجب أن يتضمن لزوما بعض البنود من بينها توازن العقد في حالة حادث فجائي أو قوة قاهرة.
غير أن ما يلاحظ هنا كون المشرع حصر إعادة التوازن للعقد في حالتين اثنتين:
- القوة القاهرة.
- الحادث الفجائي.
هذا في حين أن الإخلال بتوازن العقد قد يرجع إلى استخدام الإدارة سلطتها المقررة لتعديل العقد، أو إلى ما يطرأ على تنفيذ العقد من عوارض، وبالتالي فالمشرع أغفل عدة حالات مؤثرة في توازن العقد.
فحق المتعاقد في إعادة التوازن للعقد قد تنظمه أحكام العقد أو القانون، وقد تنظمه النظريات المختلفة التي تعتمد حاجة المرفق العام وضرورة انتظامها وسيره باضطراد. ومن أجل حل المنازعات الناتجة عن مثل هذه العوارض، ابتدع الاجتهاد القضائي[15]عدة نظريات من مثل نظرية فعل الأمير[16]، نظرية عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص على ضوء القانون رقم 12-86.
الظروف الطارئة، نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة، نظرية عدم التوقع، نظرية القوة القاهرة.
وهنا نتساءل حول ما إذا كانت حالات إعادة التوازن للعقد المنصوص عليها في المادة 17 جاءت على سبيل الحصر أم أن الأمر لا يعدو أن يكون على سبيل المثال؟ وبالتالي بالإمكان إضافة حالات أخرى من حالات إعادة توازن العقد؟
[1] - عبد المومن شادي، تطور القطاع العام الاقتصادي بالمغرب، رسالة لنيل دبلوم الماستر، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سلا السنة الجامعية 2007-2008، ص 2.
يخضع إبرام الصفقات العمومية للمبادئ التالية:
- حرية الولوج إلى الطلبية العمومية
- المساواة في التعامل مع المتنافسين
- ضمان حقوق المتنافسين
- الشفافية في اختيارات صاحب المشروع
ويخضع أإبرام الصفقات العمومية كذلك لقواعد الحكامة الجيدة. يأخذ إبرام الصفقات العمومية بعين الاعتبار احترام البيئة وأهداف التنمية المستدامة.
[3] - سعيد فؤاد، امتداد قانون المنافسة إلى الصفقات العمومية في التشريع الجزائري، الموسم الجامعي 2013-2014، ص 12.
[4] - كريم الحرش، مستجدات المرسم الجديد للصفقات العمومية، الطبعة الأولى 2014، منشورات سلسلة اللامركزية والإدارة الترابية، ص 141.
[7] - circulaire du 29 novembre 2005 relative au contrat de partenariat à l’attention des collectivités territoriales, JORF N°291 du 15 décembre 2005, texte N°16, p 1927.
[9] - RICHER (L), op.cit, P 665.
[10] - محمد الأعرج: القانون الإداري المغربي، الجزء الأول، المجلة المغربية لإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد 2011.74، ص 272.
[12]المادة 18 من مرسوم الصفقات العمومية الجديد 2.12.349: نظام الإستشارة وثيقة تحدد شروط تقديم العروض و كيفية اسناد الصفقات ....
[14] - وذلك على خلاف ما تضمنته القوانين المنظمة للتدبير المفوض والصفقات العمومية التي تتحدث عن التوازن المالي للعقد.
[16] - ويقصد بفعل الأمير كل عمل يصدر عن سلطة عامة دون خطا من جانبها ينجم عنه تدهور مركز المتعاقد في عقد إداري، ويؤدي إلى التزام جهة الإدارة المتعاقدة بتعويض المتعاقد المضرور عن كافة الأضرار التي تلحق من جراء ذلك بما يعيد التوازن المالي للعقد.
كما عرفه القضاء بأنه: "كل عمل يصدر من سلطة عامة دون خطا من جانبها ينجم عنه سوء مركز المتعاقد في عقد إداري ويؤدي إلى التزام جهة الإدارة المتعاقدة بتعويض المتعاقد المضرور عن كافة الأضرار التي تلحقه من جراء ذلك بما يعيد التوازن المالي للعقد"، حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء عدد 1499 بتاريخ 2012/05/22 قضية عبد المجيد الفاطمي ضد الجماعة الحضرية بسوق السبت أولاد النمة، منشور في المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 105-106، يوليوز- أكتوبر 2012، ص. 276.
شاركنا بتعليقك...