الجزاء العقابي لجريمة انتهاك حرمة المنازل
الجزاء العقابي لجريمة انتهاك حرمة المنازل |
الأستاذ الحقوقي ستار مزعل فرحان
ماجستير قانون عام
وجود السكن الذي يأوي إليه الإنسان يعد من أهم الحاجيات الأساسية التي لا غنى عنها ويكون لهذا المكان حرمة خاصة ويوفر له القانون حماية مشددة، والمسكن هو المكان الذي يتخذه الإنسان محلاً للإقامة فيه بشكل دائم أو مؤقت سواء أكان مملوكاً له أو ملكاً للغير وهو يملك الانتفاع به، وتلحق به توابع المسكن كالحديقة أو الكراج وغيرها شريطة أن تكون تابعة له ومتصلة به اتصالاً مباشراً، ويوفر القانون حماية للمسكن بسبب أنه يعد مستودع أسرار الإنسان ويضم بين جنباته الأشياء الخاصة به.
كما أنَّ حرمة المسكن تتصل بشكل مباشر بالحق في الخصوصية ويصبح الأخير في مهب الريح إن لم تحفظ حرمة المسكن، فلا يجوز دخول المسكن بدون إذن صاحبه وهو الأمر الذي أرساه المشرع الدستوري الوطني ، لاسيما في العراق كان له موقف واضح من التأكيد على حرمة المسكن إذ ورد في دستور جمهورية العراق لعام 2005 نص المادة (17/1- لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين والآداب العامة 2- حرمة المساكن مصونة ولا يجوز دخولها أو تفتيشها أو التعرض لها إلا بقرار قضائي وفقاً للقانون).
وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز الاتحادية قراراها المؤرخ في 27/3/2013 والمتضمن الأتي : (( إن الأدلة المتحصلة ضد المدانين المتمثلة في أقوال المشتكي والشهود واعترافهم أمام قاضي التحقيق ومحكمة الموضوع ومحضر ضبط أجهزة الموبايل العائدة لهم في دار المشتكي ومحضر الكشف والمخطط لمحل الحادث كافية ومقنعة لإدانتهم بمقتضى إحكام المادة /428/2 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل لانتهاكهم حرمة مسكن المشتكي بقصد الاعتداء على ولده وليس بمقتضى أحكام المادة 429 من ذات القانون انف الذكر كما جاء في الحكم المميز لان الأخيرة تنطبق في حالة ارتكاب الجريمة المبينة في المادة 428 في محل معد لحفظ المال او في عقار غير ما ذكر فيها ، لذا واستنادا لأحكام المادة (260) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل تقرر تبديل الوصف القانوني للجريمة التي حكم عنها المدانين وجعله وفقا لأحكام المادة /428/2 من قانون العقوبات المذكور انفا بدلا من المادة 429/2 من ذات القانون وإدانتهم بمقتضاها وتصديق قرار الحكم بالعقوبة كونها جاءت متناسبة مع ما اسند إليهم من فعل جرمي))
والملاحظ ان منهج المشرع الدستوري كان موفقاً في تأكيده اولاً على حق الخصوصية ثم الحق في حرمة المسكن لكونهما يكمل بعضهما البعض ولا يمكن الفصل بينهما والجمع بينهما في مادة واحدة يظهر العلة في التأكيد على حرمة المسكن لتعلقها بحق الخصوصية.
فيما أكدت المواثيق الدولية حرمة المسكن إذ ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 نص المادة (12/ لا يتعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه..) كذلك أورد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 نصاً مماثلاً في المادة (17/لا يجوز التدخل بشكل تعسفي أو غير قانوني بخصوصيات أحد أو بعائلته أو بيته أو مراسلاته).
عقوبة جريمة انتهاك حرمة المنازل
تنص المادة / 326 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على أنَّ ((كل موظف أو مكلف بخدمة عامة دخل اعتماداً على وظيفته منزل أحد الأشخاص او أحد ملحقاته بغير رضا صاحب الشأن او حمل غيره على الدخول وذلك في غير الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك أو دون مراعاة الإجراءات المقررة فيه .. ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل موظف او مكلف بخدمة عامة أجرى تفتيش شخص او منزل او محل بغير رضا صاحب الشأن او حمل غيره على التفتيش وذلك في غير الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك او دون مراعاة الإجراءات المقررة فيه )).
وفي خضم هذه المعطيات نجد أن المشرع العراقي نظم في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل إجراءات التفتيش ، وقد راعى المشرع فيها إلى حد ما المنهج الدستوري الضامن لحق الخصوصية في المساكن ، إذ نستطيع أن نحصي أهم الضوابط التي تكفل هذا الحق وكالآتي:
أولاً : السلطة المختصة بإجراء التفتيش:
اذ حددت المادة/72 من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل كل من قاضي التحقيق والمحقق وعضو الضبط القضائي أو من يخوله القانون ويقصد المشرع بذلك القوات المسلحة أو قوى الأمن الداخلي التي تخولها القوانين التي تنظم عملها في الأوقات العادية والاستثنائية سلطة التفتيش، إلا إننا نجد أنَّ حصر سلطة التفتيش بالقاضي والمحقق يكفل إلى حد ما حقوق الأفراد لكون هاتين الشريحتين هم من المؤهلين اكاديمياً ومهنياً والمسؤولين عن حسن تطبيق القانون .
ثانياً: دوافع وأسباب التفتيش:
أوردت ذلك المادة (75و76) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي بان لقاضي التحقيق أن يقرر تفتيش أي شخص أو منزله أو أي مكان آخر في حيازته إذا كان متهماً بارتكاب جريمة إن تبين للقاضي بناءً على إخبار أو قرينة أنَّ المسكن يستغل لحفظ مال مسروق، أو أن المنزل يحتوي الأشياء التي ارتكبت بها أو عليها الجريمة كالأوراق والأسلحة، واحتمالية وجود شخص محجوز بغير حق، أو يوجد شخص هو من أرتكب الجريمة.
كما حدد المشرع المصري في المادة(91/ فق2) من قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 المعدل بالقانون 95 لسنة 2003 غايات ودوافع التفتيش بأنها (( ضبط الأوراق والأسلحة وكل ما يحتمل انه استعمل في ارتكاب الجريمة او نتج عنها او وقعت عليه وكل ما يفيد في كشف الحقيقة)).
ثالثاً: ضمانات تفتيش مساكن المواطنين:
أوضحت المادة (82) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي هذه الضمانات والتي من أهمها حصول التفتيش بحضور المتهم أو صاحب المنزل وحضور شاهدين مع المختار وأن ينظم القائم بالتفتيش محضراً يدون فيه إجراءاته وزمان ومكان التفتيش والأشياء المضبوطة وأوصافها وأسماء الأشخاص الموجودين ويوقع المحضر من قبل الحاضرين.
وأضافت المادة (86) ضمانة للأفراد بأنَّ لهم الحق في الاعتراض على إجراءات التفتيش لدى قاضي التحقيق وعلى الأخير أن يفصل بالاعتراض على وجه السرعة.
ولاكتمال الحماية الجنائية لحرمة المسكن لابد للمشرع من معاقبة من يدخل المساكن بغير إذن صاحبها سواء أكان فرداً عادياً أم يمثل إحدى السلطات العامة بدون إتباع الإجراءات القانونية السليمة ، فقد ورد في قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل النص صراحة في المادة (444) على معاقبة من يدخل محلاً مسكوناً أو معد للسكن أو إحدى ملحقاته لغرض السرقة بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس.
شاركنا بتعليقك...